فصل في أحكام التيمم (مسألة 1): لا يجوز التيمم للصلاة قبل دخول وقتها (3) ] (1) لبطلان الصلاة بفقد الطهور. (2) كما سبق. فصل في أحكام التيمم (3) إجماعا كما عن المعتبر والنهاية والتحرير والدروس والتنقيح وجامع المقاصد والروض وغيرها، وفي الذكرى والقواعد والمدارك والجواهر والمستند وغيرها. وكأنه لهذا الاجماع يجب الخروج عن مقتضى القواعد الاولية المقتضية لوجوب الطهارة قبل الوقت كغسل الجنب والمستحاضة للصوم قبل الفجر، إما للبناء على كون الوقت شرطا للواجب لا للوجوب فيكون الوجوب من قبيل الوجوب المعلق لا الشروط، فيكون حاليا قبل الوقت والواجب استقباليا. فيترشح منه وجوب غيري حالي أيضا فيبعث إلى فعل المقدمة. أو للبناء على كون الوجوب النفسي مشروطا بالوقت لكن الوجوب الغيري غير مشروط به. أو للبناء على كون الوجوب الغيري وإن كان مشروطا بالوقت أيضا كالوجوب النفسي لكنه على نحو الشرط المتأخر، وإن كان اشتراط الوجوب النفسي به على نحو الشرط المتقدم، فيختلف الوجوبان في نحو الاشتراط وإن كان متفقين في أصل الاشتراط، وذلك الاختلاف ناشئ من اختلاف ملاكيهما في نحو الاناطة. أو للبناء على كون الوجوب النفسي مشروطا بالوقت بوجوده اللحاظي
===============
( 437 )
الذهني لا الخارجي الحقيقي، فقبل تحقق الشرط في الخارج يكون الوجوب حاصلا لكنه منوط لا مطلق، وإذا كان موجودا قبل تحقق الشرط خارجا كان الوجوب الغيري كذلك، فيكون باعثا إلى فعل المقدمة قبل تحقق الشرط. أو البناء على كون مقدمة قبل الوقت واجبة وجوبا تهيئيا. وهذه الوجوه كلها مذكورة في تقريب عبادية المقدمات العبادية قبل الوقت مع قطع النظر عن الامر بها من جهة أخرى. لكن يشكل الاخير. بأنه لا معنى للوجوب التهيئي إلا الوجوب الغيري، كما عن كشف اللثام الاعتراف به. ويشكل ما قبله: بأنه لو سلم وجود الوجوب النفسي قبل الوقت منوطا بوجود الوقت فلا يجدي في البعث إلى متعلقه ما لم يتحقق المنوط به. فإذا لم يصل للبعث إلى متعلقه قبل الشرط لا يصلح للبعث إلى مقدمته كذلك. ويشكل ما قبله: بأن مصلحة المقدمة وإن كانت منوطة بالوقت بنحو الشرط المتأخر لترتب ذي المقدمة عليها إذا جئ بها قبل الوقت، لكن ذلك غير كاف في البعث إليها بعدما كان ملاك الوجوب الغيري تابعا للوجوب النفسي، والمفروض أنه منوط بالشرط لان معلول المعلول معلول. ومنه يظهر الاشكال فيما قبله. ويشكل الوجه الاول: بأن إرجاع الوجوب المشروط إلى الوجوب المتعلق إن كان في مقام الثبوت فهو غير معقول، لان ما يناط به الحكم ويكون قيدا له غير ما يكون قيدا للموضوع، ولايجوز إرجاع أحدهما إلى الآخر، كما أوضحناه في الاصول. وإن كان الارجاع في مقام الاثبات فهو خلاف ظاهر الادلة الدالة على الاشتراط. على أن في معقولية الوجوب المعلق إشكالا وخلافا. وإن كان التحقيق معقوليته، لكن الاخذ بظاهر الادلة متعين. وعلى هذا فوجوب المقدمة قبل وقت الموقت لابد أن يكون
===============
( 438 )
وجوبا عقليا من باب وجوب الاحتفاظ بغرض المولى. ومن هذه الجهة لافرق بين التيمم وغيره من الغسل والوضوء في عدم صحة تعلق الوجوب الغيري به، وكون الوجوب المتعلق به عقليا محضا. وكأن الفرق بين التيمم وغيره عند الاصحاب: أن التيمم لا يجوز الاتيان به قبل الوقت بداعي الامر الغيري وإن قبل بذلك في الوضوء والغسل. قال في جامع المقاصد: " وينبغي أن يراد بعدم جواز التيمم قبل دخول الوقت ما إذا تيمم لفعل الفريضة قبل وقتها. أما تيممه لمطلق الفعل أو للكون على الطهارة مثلا مع فقد الماء فيجوز على احتمال في الثاني، ولذا قال في المنتهى: " وهل يجوز للجنب إذا تعذر عليه الغسل قبل الفجر؟ أقربه عدم الوجوب. وكذا الحائض والمستحاضة فيصح صومهم وإن كانوا محدثين من غير تيمم إذا لم يجدوا ماء ". ونحوه ما في المدارك وحكي عن غيرهما، وان كان يحتمل أن يكون ذلك لعدم ثبوت عموم البدلية عندهم - كما سيأتي - لا لانه قبل الوقت، فرقا بينه وبين الوضوء والغسل في ذلك. ويحتمل أن يكون الوجه في فرق الاصحاب بين التيمم والوضوء والغسل: أن الوضوء والغسل مستحبان في أنفسهما - ولو للكون على الطهارة - مع قطع النظر عن الموقت، فيمكن الاتيان بهما قبل الوقت بداعي الامر النفسي ويصحان لذلك، ولا كذلك التيمم، لانه عندهم مبيح لا مطهر، فلا أمر به، فلا يصح قبل دخول الوقت. لعدم مشروعيته حينئذ. وإن كان هذا أيضا لا يخلو من نظر، لان القائلين بصحة المقدمات العبادية قبل الوقت اعتمادا على أحد الوجوه المذكورة يلزمهم أن يقولوا بصحة التيمم قبل الوقت، لجريان الوجوه المذكورة فيه،
===============
( 439 )
الموجب لتعلق الامر الغيري، المصحح لعباديته كما تجري في الغسل والوضوء مع ما عرفت من دعوى الاجماع على عدم الصحة حتى من القائل بصحة الوجوه المذكورة. وأيضا فان التحقيق قيام التيمم مقام الوضوء أو الغسل حتى المأمور بهما لانفسهما، أو للكون على الطهارة - كما سيأتي في المسألة العاشرة - سواء أقلنا بأنه مفيد للطهارة في الجملة أم لم نقل بذلك، فيكون أيضا مشروعا قبل الوقت كالوضوء والغسل، فلا وجه لعدم صحته حينئذ. وعدم صحته غير منطبق على القواعد إذا كان المراد به ذلك. هذا ويحتمل قويا أن نظر الاصحاب في الاجماع على عدم صحة التيمم قبل الوقت ما يقابل صحته آخر الوقت وصحته في السعة، فان عباراتهم في بيان الحكم المذكور هكذا: " لا يصح التيمم قبل الوقت إجماعا، ويصح في آخر الوقت إجماعا، وفي صحته في سعة الوقت خلاف ". فكأن نظرهم إلى أن فقدان الماء قبل الوقت غير مجزئ في صحة التيمم وصحة الصلاة به إجماعا، وفقدانه في سعة الوقت محل الخلاف، وفقدانه في آخر الوقت مجزئ في الصحة إجماعا. فكأنهم قصدوا الاجماع على اعتبار الفقدان في الوقت في مقابل الفقدان قبله، فانه لا يكفي في صحة التيمم - ولو قلنا بتعلق الامر الغيري به - لعدم الدليل على الاجتزاء بذلك. وأدلة التشريع واردة في فقدان الماء في الوقت لاغير، فلا يشمل كلامهم صورة مالو تيمم لغاية قبل الوقت - ولو كانت الكون على الطهارة - فدخل الوقت واستمر الفقدان للماء، فانه يصح تيممه وتصح صلاته به حينئذ. وأوضح منه: مالو علم بفقد الطهورين بعد الوقت، فانه لا ينبغي الاشكال في وجوب التيمم عليه قبل الوقت، كما اختاره في الجواهر وحكاه عن شرح المفاتيح.
===============
( 440 )
لكن الظاهر وجوب الاتيان به بداعي الامر النفسي، أو بداعي الكون على الطهارة، لما عرفت من أن الامر بالموقت لا يصلح للبعث إليه قبل الوقت، وإنما الباعث العقل وهو لا يصلح للداعوية إليه على وجه يكون عبادة. اللهم إلا أن يقال: إنه يكفي في عبادية العبادة كونها مشروعة في نفسها، وكون الاتيان بها على وجه يستحق فاعلها الثواب وإن لم يقصد الفاعل الامر الشرعي، بل لولا ذلك لم يصح الوضوء المأتي به بعد الوقت بداعي الصلاة، لان الامر الغيري المترشح من قبل الامر النفسي بالصلاة إنما يتعلق بالطهارة المقارنة للصلاة، وهو بقاء الطهارة، وبقاء الطهارة ليس مستندا إلى الوضوء فان الوضوء إنما يحدث الطهارة، والحدوث ليس علة للبقاء، ولا البقاء معلول له، لان العلية والمعلولية تستتبع الاثنينية ولا إثنينية بين الحدوث والبقاء، بل هما وجود واحد مستمر. فالامر بالصلاة مع الطهارة لا يترشح منه أمر غيري بالوضوء وإنما يترشح منه أمر غيري ببقاء الطهارة لاغير، فلو بني على اعتبار الامر الغيري في صحة الوضوء للصلاة كان باطلا، وهو مما لا يمكن الالتزام به ضرورة. وقد أشار إلى ما ذكرنا في الجواهر قال: " فحينئذ لو تيمم قبل الوقت لذات الوقت لم يكن مشروعا بالنسبة إلى ذلك، لكن قد يقال بعدم فساد التيمم في نفسه بعد فرض استحبابه للكون على الطهارة، إذ هو حينئذ كالوضوء لغاية لم يشرع لها، لان ملاحظة الغاية أمر خارج عنه اللهم إلا أن يقال بعدم حصول التقرب فيه، لانه قصد ما لم يشرع له وترك ما شرع له. فتأمل جيدا ". والذي يتحصل مما ذكرنا: أنه لم يتحقق من الاصحاب إجماع بنحو يخرج به عن القواعد، فالعمل عليها متعين.
===============
( 441 )
[ وإن كان بعنوان التهيؤ. نعم لو تيمم بقصد غاية أخرى واجبة أو مندوبة يجوز الصلاة به بعد دخول وقتها (1)، كأن يتيمم لصلاة القضاء أو للنافلة إذا كان وظيفته التيمم. (مسألة 2): إذا تيمم بعد دخول وقت فريضة أو نافلة يجوز إتيان الصلوات التي لم يدخل وقتها بعد دخوله (2) ما لم يحدث أو يجد ماء، فلو تيمم لصلاة الصبح يجوز أن يصلي به الظهر. وكذا إذا تيمم لغاية أخرى غير الصلاة. ] (1) كما يأتي في المسألة اللاحقة. (2) ولا حاجة إلى تجديد التيمم بلا إشكال ظاهر. وفي الذخيرة: " الظاهر أنه لا خلاف فيه بين الاصحاب ". وفي محكي الخلاف: " لا باس أن يجمع بين صلاتين بتيمم واحد، فرضين كانت أو نفلين، أدائيتين أو فائتتين، وعلى كل حال في وقت واحد أو وقتين باجماع الفرقة ". وفي المعتبر: " أنه مذهب علمائنا أجمع ". ويقتضيه جملة من النصوص، كصحيح حماد بن عثمان قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة؟ فقال (ع): لا، هو بمنزلة الماء " (* 1) وصحيح زرارة عن أبي عبد الله (ع): " في رجل تيمم قال (ع): يجزؤه ذلك إلى أن يجد الماء " (* 2)، وصحيحه الآخر: " قلت لابي جعفر عليه السلام يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ فقال (ع): نعم ما لم يحدث أو يصب ماء " (* 3)، ونحوها غيرها. نعم عن الايضاح أنه ذكر وجها أو قولا بوجوب التجديد. ولكنه في غاية الضعف عندنا
____________
(* 1) الوسائل باب: 20 من ابواب التيمم حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 20 من أبواب التيمم حديث: 2. (* 3) الوسائل باب: 20 من أبواب التيمم حديث: 1.
===============
( 442 )
[ (مسألة 3): الاقوى جواز التيمم في سعة الوقت (1) وإن احتمل ارتفاع العذر في آخره بل أو ظن به. ] كما في الجواهر. ولاجل ذلك يتعين حمل ما في رواية أبي همام عن الرضا عليه السلام: " قال: يتيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء " (* 1) إما على التقية أو على الاستحباب. وفي المعتبر: حكى ذلك عن الشافعي بالنسبة إلى الفرائض دون النوافل، فلا يحتاج عنده إلى تجديد التيمم بالنسبة إليها قياسا منه على المستحاضة. وضعفه في المعتبر بأن المستحاضة حدثها متجدد فجاز أن يمنع عما زاد على صلاة واحدة، ولا كذلك المتيمم. انتهى. نعم روي السكوني عن أبي عبد الله (ع): " لا يتمتع بالتيمم إلا صلاة واحدة ونافلتها " (* 2). لكن لا مجال للعمل بها بعدما عرفت من الاجماع. على أن الجمع العرفي يقتضي حملها على الاستحباب - كما في المعتبر - أو على التقية. (1) مطلقا كما عن جملة من كتب الاساطين، كالمنتهى والتحرير والارشاد والبيان ومجمع البرهان والمفاتيح. وعن حاشية الارشاد والمدارك وحاشيتها: أنه قوي. وفي الجواهر: أنه الاقوى في النظر. ونسب إلى الصدوق وظاهر الجعفي والبزنطي. وقد يشهد له جملة من النصوص، كصحيح زرارة: " قلت لابي جعفر (ع): فان أصاب الماء وقد صلى بتيمم وهو في وقت. قال (ع): تمت صلاته ولا إعادة عليه " (* 3) ومصحح أبي بصير قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت. فقال (ع): ليس عليه إعادة
____________
(* 1) الوسائل باب: 20 من أبواب التيمم حديث: 4. (* 2) الوسائل باب: 20 من أبواب التيمم حديث: 6. (* 3) الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 9.
===============
( 443 )
الصلاة " (* 1)، وصحيح محمد بن مسلم قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد وصلى ثم وجد الماء. قال (ع): لا يعيد، إن رب الماء رب الصعيد، فقد فعل أحد الطهورين " (* 2)، وخبر علي ابن سالم عن أبي عبد الله (ع) قال: " قلت له: أتيمم وأصلي ثم أجد الماء وقد بقي على وقت. فقال: لاتعد الصلاة، فان رب الماء هو رب الصعيد " (* 3)، وخبر معاوية بن ميسرة قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل في السفر لا يجد الماء تيمم وصلى ثم أتى الماء وعليه شئ من الوقت أيمضي على صلاته أم يتوضأ ويعيد الصلاة؟ قال (ع): يمضي على صلاته، فان رب الماء هو رب التراب " (* 4)، ونحوها غيرها. وظهور الجميع في صحة التيمم في السعة مما لا مجال لانكاره. مضافا إلى إطلاق أدلة البدلية. ودعوى: أن إطلاقها يقتضي وجوب التأخير، لان مفادها، بدلية التيمم عند تعذر الوضوء، وتعذره إنما يكون بالتعذر في جميع الوقت لافي بعضه. مندفعة: بأن مقتضى إطلاقها الزماني الاكتفاء بتعذر جميع أفراد الوضوء في كل زمان، وهو حاصل بتعذر الماء في أول الازمنة، فدعوى اعتبار التعذر في جميع الازمنة محتاج إلى قرينة مفقودة. والمشهور - مطلقا أو عند المتقدمين - وجوب التأخير إلى آخر الوقت وعن الناصريات والانتصار وشرح جمل القاضي والغنية: الاجماع عليه.
____________
(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 11. (* 2) الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 15. (* 3) الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 17. (* 4) الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 13.
===============
( 444 )
وفي الكفاية: نقل جماعة الاتفاق عليه. ويشهد له جملة أخرى، كمصحح زرارة عن أحدهما (ع): " إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب مادام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل " (* 1)، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع): سمعته يقول - في حديث -: إذا لم تجد ماء وأردت التيمم فأخر التيمم إلى آخر الوقت فان فاتك الماء لم تفتك الارض " (* 2)، وموثق عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام " فإذا تيمم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت فان فاته الماء فلن تفوته الارض " (* 3)، وموثقه الآخر: " سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أجنب فلم يجد ماء يتيمم ويصلي؟ قال (ع): لا حتى آخر الوقت، إن فاته الماء لم تفته الارض " (* 4). مضافا إلى مادل على وجوب الاعادة إذا وجد الماء في الوقت، كصحيح يعقوب بن يقطين قال: " سألت أبا الحسن (ع) عن رجل يتمم وصلى فأصاب بعد صلاته ماء أيتوضأ ويعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال (ع): إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ وأعاد فان مضى الوقت فلا إعادة عليه " (* 5). وحينئذ يجب حمل الاخبار السابقة على صورة اعتقاد الضيق خطأ، أو على صورة وجدان الماء قبل الفراغ من الصلاة بالتيمم، أو على كون التيمم كان قبل الوقت لغاية فدخل وقت الصلاة فصلاها في السعة، أو على صورة الجهل بأن الحكم المضايقة مع احتمال كون الوقت في الصحيح الاول
____________
(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 3. (* 2) الوسائل باب: 22 من أبواب التيمم حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 22 من أبواب التيمم حديث: 3. (* 4) الوسائل باب: 22 من أبواب التيمم حديث: 4. (* 5) الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 8.
===============
( 445 )
قيدا للصلاة لا لاصابة الماء، فلا يكون مما نحن فيه. ويحتمل الجمع بينها بحمل آخر الوقت في الطائفة الثانية على الآخر العرفي الذي لا ينافيه وجدان الماء فيه بعد الصلاة. فتدل النصوص الاخيرة على المنع من السعة في الجملة. وأما أدلة البدلية: فاطلاقها الزماني وإن اقتضى التوسعة، لكن عرفت غير مرة أن جعل البدل لاجل الاضطرار ظاهر - بقرينة مناسبة الحكم والموضوع - في كون المصحح للبدلية هو التعذر مطلقا وأنها مختصة بصورة حكم العقل بسقوط التكليف بالمبدل منه رأسا، وذلك لا يحصل إلا بالتعذر في تمام الوقت. وفيه: أن حمل النصوص على ما ذكر مما لا مجال لارتكابه، إذ الثاني والثالث خلاف المقطوع به من النصوص الاول، والباقي خلاف ظاهرها، بل الاخير خلاف ظاهر الطائفتين معا لو لم يكن خلاف المقطوع به من بعض كل منهما، فلا يمكن ارتكابه من دون شاهد عليه. وعن المعتبر والتذكرة والنهاية والمختلف واللمعة والموجز وشرحه وغيرها: جواز التقديم مع العلم باستمرار العجز وعدمه مع عدمه. واختاره في القواعد وجامع المقاصد، ونسبه في الثاني إلى أكثر المتأخرين. وعن الروضة: أنه الاشهر بينهم. ووجهه ظهور الصحيحين والموثقين بصورة احتمال وجدان الماء، فتكون أخص مطلقا من الطائفة الاولى، فلتحمل على صورة العلم بالعدم، ولاجل ذلك تكون أخص مطلقا مما دل على وجوب الاعادة مطلقا، فيحمل على صورة الرجاء جمعا. وهذا نحو من الجمع العرفي كما حرر في محله. إذ أنه يدور الامر فيها بين الطرح والتخصيص والثاني أولى. وفيه: أنه لا يتضح وجه هذا الظهور. أما صحيح زرارة: فعلى تقدير روايته " فليطلب " دال على وجوب الطلب في تمام الوقت،
===============
( 446 )
وحيث أنه خلاف الاجماع لابد أن يحمل على معنى. أنه فليطلب إن كان الوقت يسع الطلب وإلا فليتيمم بلا طلب. فلا يدل على وجوب التأخير فضلا عن اختصاصه بصورة الرجاء. وعلى تقدير روايته " فليمسك " - كما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد - فلا يدل على الاختصاص بصورة الرجاء بوجه. وأما صحيح ابن مسلم والموثقان: فالذيل فيها وإن كان يناسب الرجاء كم جهة " أن " الشرطية التي تكون غالبا للشك، لكن من المحتمل (* 1) قريبا في مثل هذا التركيب أن لا يكون كذلك، نظير: إن فاتك اللحم لم يفتك المرق. ولاسيما وأن حمل الطائفة الاولى على خصوص صورة العلم بالعدم مما تطمئن النفس بخلافه، لندرة حصول الاسباب الموجبة للعلم المذكور، فيبعد جدا عدم تعرض السائل للسبب المسوغ للتيمم، كما يبعد ترك الاستفصال فيها عن وجوده، ولاسيما بملاحظة التعليل الموجود في الكثير منها بأن رب الماء هو رب الصعيد، فانه آب عن التخصيص. وعلى هذا فالجمع على النحو المذكور تصرف في الطائفتين معا من دون شاهد قوي. فالاقرب العمل باطلاق الطائفة الاولى الدالة على الصحة في السعة - كما هو مبنى القول الاول - وحمل الامر بالتأخير إلى آخر الوقت على الاستحباب. كما يشير إليه ما في رواية محمد بن حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام): " واعلم أنه ليس ينبغي لاحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت " (* 2)، ورواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع): " في رجل تيمم فصلى ثم أصاب الماء. فقال (ع): أما أنا فكنت فاعلا، إني كنت أتوضأ وأعيد " (* 3). والله سبحانه أعلم.
____________
(* 1) هذا الاحتمال خلاف الظاهر، وعليه فلا مانع من البناء على خروج صورة الرجاء من النصوص السابقة ويبقى تحتها صورتا العلم باستمرار العذر واليأس من ارتفاعه. (منه مد ظله). (* 2) الوسائل باب: 21 من أبواب التيمم حديث: 3. (* 3) الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم حديث: 10.
===============
( 447 )
[ نعم مع العلم بالارتفاع يجب الصبر (1). لكن الاحوط التأخير إلى آخر الوقت مع احتمال الرفع وإن كان موهوما. نعم مع العلم بعدمه وبقاء العذر لا إشكال في جواز التقديم (2). فتحصل: أنه إما عالم ببقاء العذر إلى آخر الوقت، أو عالم بارتفاعه قبل الآخر أو محتمل للامرين، فيجوز المبادرة مع العلم بالبقاء، ويجب التأخير مع العلم بالارتفاع، ومع الاحتمال الاقوى جواز المبادرة خصوصا مع الظن بالبقاء، والاحوط التأخير خصوصا مع الظن بالارتفاع. (مسألة 4): إذا تيمم لصلاة سابقة وصلى ولم ينتقض تيممه حتى دخل وقت صلاة أخرى يجوز الاتيان بها في أول وقتها وإن احتمل زوال العذر في آخر الوقت على المختار، بل وعلى القول بوجوب التأخير في الصلاة الاولى (3) عند بعضهم لكن الاحوط التأخير في الصلاة الثانية أيضا، وإن لم يكن ] (1) إجماعا كما في هداية الكاظمي والبرهان القاطع وظاهر الجواهر. ويظهر ذلك من كلماتهم في مسألة وجوب الطلب زائدا على الحد إذا علم بوجود الماء فيه. فان تم فهو، وإلا فاطلاق أدلة التوسعة يقتضي جواز البدار. ودعوى انصرافها عن هذه الصورة غير ظاهرة. (2) بل التأخير فيه أحوط - كما نص عليه في الجواهر - خروجا عن شبهة القول بالمنع مطلقا المدعى عليه الاجماع من جماعة، فعن الشيخ في الخلاف. لا يجوز قبل آخر الوقت طمع في الماء أو بئس. انتهى. نعم الاحتياط فيه أضعف منه فيما قبله. (3) فان المحكي عن صريح جماعة وظاهر آخرين: أن محل الخلاف
===============
( 448 )
[ مثل الاحتياط السابق، بل أمره أسهل. نعم لو علم بزوال العذر وجب التأخير كما في الصلاة السابقة. (مسألة 5): المراد بآخر الوقت الذي يجب التأخير إليه ] في جواز البدار وعدمه غير المتيمم. وعن الشيخ (ره) في المبسوط: الجواز مع قوله في المسألة بالمضايقة، لاختصاص النصوص الدالة على المضايقة به ولما دل على الاكتفاء بتيمم واحد لصلوات متعددة. لكن عن السيد في المصباح: عدم جواز الصلاة بهذا التيمم، وعن الشهيد في البيان: متابعته. وكأنه لان النصوص الاول على تقدير تمامية دلالتها على المضايقة ظاهرة في عدم جواز الصلاة بالتيمم في سعة الوقت، لا مجرد عدم جواز التيمم حينئذ فتأمل. مع أنه لو سلم اختصاصها بما ذكر فنصوص التوسعة أيضا مختصة به، فالمرجع في المتيمم القاعدة التي قد عرفت الاشكال في دلالتها على التوسعة. وما دل على الاكتفاء بتيمم واحد للصلوات المتعددة أجنبي عما نحن فيه، لظهوره في عدم الحاجة إلى تجديد التيمم لكل صلاة - كما سبق نقله عن بعض العامة - ولاتعرض فيه لجواز الصلاة بهذا التيمم في السعة. وعلى هذا فاجراء حكم غير المتيمم عليه أوفق بالعمل بالادلة لولا إمكان التمسك باستصحاب الطهارة بناء على اقتضاء التيمم لها، أما لو كان مجرد إباحة للغاية فثبوت الاباحة بالنسبة إلى هذه الصلاة مشكوك من الاول. اللهم إلا أن يكون استصحابه من قبيل استصحاب الشرائع السابقة ويكون مقدما على مثل: " لاصلاة إلا بطهور ". نظير استصحاب الطهارة. فتأمل جيدا. لكن الخروج بالاستصحاب عن عموم مادل على اشتراط الطهارة المائية - التي هي الطهارة التامة - غير ظاهر وإن قلنا بأن التيمم موجب للطهارة الناقصة، لان الاستصحاب لا يعارض العام.
===============
( 449 )
[ أو يكون أحوط: الآخر العرفي، فلا تجب المداقة فيه (1)، ولا الصبر إلى زمان لا يبقي الوقت إلا بقدر الواجبات (2)، فيجوز التيمم والاتيان بالصلاة مشتملة على المستحبات أيضا، بل لا ينافي إتيان بعض المقدمات القريبة بعد الاتيان بالتيمم قبل الشروع في الصلاة بمعني إبقاء الوقت بهذا المقدار. (مسألة 6): يجوز التيمم لصلاة القضاء (3) والاتيان بها معه، ولا يجب التأخير إلى زوال العذر. نعم مع العلم بزواله ] (1) لانه المنصرف إليه من النصوص في المقام، وكأن منشأه تعذر العمل على الحقيقي غالبا، وإن كان ظاهر صحيح زرارة إرادة الحقيقي، لكن عرفت الاشكال في صحة الاستدلال به، وطريقه الاخر لا يخلو من ضعف. فتأمل. (2) لاتبعد دعوى انصراف النصوص إلى التحديد بلحاظ ما يتعارف من الصلاة من حيث الاشتمال على بعض المستحبات الجزئية، وبعض المقدمات من السرعة والبطء ونحو ذلك، وإن كان ظاهر صحيح زرارة المشتمل على التعبير بفوت الوقت أقل مالابد منه في فعل الواجبات. وأما ما في المتن من إطلاق جواز الاشتمال على المستحبات فبعيد، إلا أن يريد ما ذكرنا من المستحبات المتعارفة عند عامة الناس. فلاحظ. (3) وفي كلام بعض عدم وجدان الخلاف فيه. وفي الذكرى: " لو تيمم لفائتة صح التيمم ويؤديها به وغيرها ما لم ينتقض تيممه عندنا " لكن عن البيان: العدم، لان وقتها العمر فتشملها أخبار التأخير إلى آخر الوقت. وفيه: أن تلك الاخبار ظاهرة في الموقت بوقت بخصوصه. نعم لا تشملها أيضا نصوص التوسعة، وقد عرفت الاشكال في اقتضاء
===============
( 450 )
[ عما قريب يشكل الاتيان بها قبله. وكذا يجوز للنوافل الموقتة (1) حتى في سعة وقتها بشرط عدم العلم بزوال العذر إلى آخره. ] القاعدة لها، فيشكل الاكتفاء بالتيمم، ما لم تجب المبادرة بظن الموت أو غيره. اللهم إلا أن يستفاد حكمها من الفرائض الموقتة التي قد عرفت أن الاظهر فيها المواسعة. فان التعليل الذي اشتملت عليه نصوصها صالح للتعدي عن مورده إلى المقام. ثم إنه لو بني على المواسعة لادلتها فلا فرق بين صورة العلم بزوال العذر في الزمان اللاحق وعدمه، لعدم الفرق بينهما في ترك الاستفصال. والاجماع السابق منتف هنا، فان إطلاق الجواز في كلامهم يقتضي الشمول لهذه الصورة فانها الغالب الشائع. اللهم إلا أن يكون كلامهم واردا لمجرد الالحاق لخفاء الحكم في الفوائت، فإذا كان الحكم في الملحق به يختص بغير صورة العلم بالقدرة فلا يكون الحكم في الملحق أوسع منه. فلاحظ. (1) لعين ما سبق في الفرائض الموقتة، فان أدلة المواسعة والمضايقة جارية في المقامين، لان لسان الادلة شامل لهما معا. نعم في المعتبر: " يتيمم للفائتة وإن لم يكن وقت الفريضة حاضرة، والنافلة بعد دخول وقتها دون الاوقات المنهي عنها ". واستثناؤه الاوقات المنهي عنها غير ظاهر، وفي الجواهر: " لا نعرف له وجها ". وأما النوافل غير الموقتة فقد نص غير واحد على جواز التيمم لها. وفي المعتبر: " فيه تردد، والجواز أشبه، لعدم التوقيت، والمراد بها تعجيل الاجر في كل وقت، وفواته بالتأخير متحقق ". وما ذكره في محله إذ لاتوسعة فيها فهي مضيقة تفوت بفوات الوقت، فلو لم يؤدها في وقت فقدان الماء فاتت، لان الامر بها كان على وجه التكرار لاصرف الطبيعة
===============
( 451 )
[ (مسألة 7): إذا اعتقد عدم سعة الوقت فتيمم وصلى ثم بأن السعة فعلي المختار (1) صحت صلاته ويحتاط بالاعادة، وعلى القول بوجوب التأخير تجب الاعادة (2). (مسألة 8): لا تجب إعادة الصلاة التي صلاها بالتيمم ] ليجرى فيها ما تقدم في الفوائت. نعم يختص ذلك بما إذا كان أمد القدرة بعيدا، أما إذا كان قريبا فلا يصدق معه اللا وجدان، والمدار على صدقه عرفا، ولاجل ذلك لا يصح لم خرج من بيته بقصد الاغتسال في الحمام أن يتيمم ويتنفل، وكذا في أمثاله من الموارد التي لا يصدق فيها عدم الوجدان عرفا. هذا وفي الجواهر: " لا تقتضي تلك الادلة وجوب التأخير في غير فقد الماء من أسباب التيمم كالمرض ونحوه، فقضية القاعدة أو العموم الجواز فيه حتى مع السعة حتى على القول بالتضييق. لكن قد عرفت أن الشهيد في الروض حكى الاجماع على عدم الفرق بينها، ويشهد له التتبع لكلمات الاصحاب. أقول: بعدما عرفت من أن المراد بعدم الوجدان في الآية عدم القدرة عليه ولو لمانع شرعي، فالسؤال في الروايات المذكورة منزل عليه. أو يقال: إن عدم الوجدان المذكور في النصوص مذكور من باب المثال للسبب الموجب للتيمم، أو أن عدم التعرض لبقية الاسباب في النصوص كان اعتمادا على النصوص المذكورة، لان الحكم في الجميع على نسق واحد. (1) يعني: جواز التيمم في السعة. ووجه الصحة حينئذ ظاهر. (2) لان موافقة الامر الاعتقادي الخطئي لا تقتضي الاجزاء، كما حرر في محله. وقد تقدم في المسألة الثانية عشرة من الفصل الاول ما للتأمل فيه نفع في المقام. فراجع وتأمل.
===============
( 452 )
[ الصحيح بعد زوال العذر (1)، لا في الوقت ولا في خارجه مطلقا. نعم الاحوط استحابا إعادتها في موارد: (أحدها): من تعمد الجناية مع كونها خائفا من استعمال الماء، فانه يتيمم ويصلي، لكن الاحوط إعادتها (2) بعد زوال العذر ولو في خارج الوقت. ] (1) كما هو المعروف، بل المدعى عليه الاجماع في محكي كلام جماعة. ويقتضيه ظاهر أدلة البدلية، وخصوص النصوص الدالة على نفي الاعادة لو وجد المتيمم الماء، المتقدمة في مسألة المواسعة والمضايقة. نعم عن ابن الجنيد وأبي علي: وجوب الاعادة مع وجدان الماء في الوقت. وقد يشهد لهما صحيح ابن يقطين وموثق منصور بن حازم المتقدمان هناك (* 1)، إلا أنهما غير صريحين بمنافاة القاعدة المذكورة، بل ظاهرهما بطلان التيمم فلو بني على صحة التيمم في السعة - لما تقدم مما دل على عدم الاعاده - تعيين حملهما على استحباب، بل الثاني منهما مما لا مجال للاخذ باطلاقه، لعدم القائل بالاعادة لو وجد الماء خارج الوقت منا ولا من غيرنا إلا طاووس على ما حكي. (2) فعن التهذيب والاستبصار والنهاية والمبسوط والمهذب والاصباح والروض: وجوب الاعادة. وعن المدارك: أنه لا يخلو من رجحان، بعد أن جعل الاجود الحمل على الاستحباب، لصحيح عبد الله بن سنان - كما عن الفقيه - والمرسل عنه - كما عن الكافي والتهذيب -: " سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة ويخاف على نفسه التلف إن اغتسل. فقال (ع): يتيمم ويصلي فإذا أمن البرد اغتسل
____________
(* 1) تقدم ذكرهما في المسألة من هذا الفصل.
===============
( 453 )
[ (الثاني): من تيمم لصلاة الجمعة عند خوف فوتها لاجل الزحام ومنعه (1). ] وأعاد الصلاة " (* 1). وفيه: أن إطلاق الخبر لا مجال للعمل به، لعدم القائل به ومنافاته لما دل على نفي الاعادة عمن أجنب فتيمم ثم وجد الماء، فانه وإن كان في فاقد الماء إلا أن اشتماله على تعليل نفي الاعادة بأن رب الماء رب الصعيد مانع من تخصيصه بمورده. وحمله على المتعمد لا قرينة عليه، بل لعله خلاف ظاهر. فالمتعين حمله على التقية أو الاستحباب. وتقييد الاحتياط بالمتعمد لاجل تقييد الفتوى به. (1) فعن النهاية والمبسوط والوسيلة وغيرها: وجوب الاعادة. وفي كشف اللثام: أنه أقوى. لخبر السكوني عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) عن علي (ع): " أنه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لايستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس. قال (ع): يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا انصرف " (* 2). ونحوه موثق سماعة (* 3). وظهورهما في الصلاة مع المخالفين لكونها المتعارف في ذلك الزمان - لو سلم - غير قادح في صحتها، لعموم أدلة التقية المتقضية للصحة. ومنه يظهر ضعف ما هو المشهور من نفي وجوب الاعادة، للاصل، وقاعدة الاجزاء والبدلية، والتعليل باتحاد رب الماء ورب الصعيد، وإطلاق معقد الاجماع على نفي الاعادة عى من صلى صلاة صحيحة، وإطلاق مادل على عدم إعادة الصلاة بالتيمم عند وجدان الماء. إذ لا مجال لجميع ذلك بعد ورود الخبرين الحجتين في نفسهما المعول عليهما عند جماعة من الاساطين.
____________
(* 1) الوسائل باب: 16 من أبواب التيمم حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 15 من أبواب التيمم حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 15 من أبواب التيمم حديث: 2.
===============
( 454 )
[ (الثالث): من ترك طلب الماء عمدا إلى آخر الوقت وتيمم وصلى ثم تبين وجود الماء في محل الطلب (1). (الرابع): من أراق الماء الموجود عنده مع العلم أو الظن بعدم وجوده بعد ذلك. وكذا لو كان على طهارة فأجنب مع العلم أو الظن بعدم وجود الماء (2). (الخامس): من أخر الصلاة متعمدا إلى أن ضاق وقته فتيمم لاجل الضيق (3). (مسألة 9): إذا تيمم لغاية من الغايات كان بحكم الطاهر (4) ] (1) فعن الذكرى وجامع المقاصد والمسالك: وجوب الاعادة. كما أشرنا إليه في المسألة الثالثة عشرة من الفصل الاول. (2) للتفريط المعلل به وجوب الاعادة في الفرض السابق. (3) فقد تقدم عن بعض وجوب القضاء حينئذ. وقد تقدم وجهه فيما سبق. (4) كما هو المشهور المحكي عن كثير من كتب الاساطين. قال في المبسوط: " إن تيمم جاز أن يفعل جميع ما يحتاج فعله إلى الطهارة مثل دخول المساجد وسجود التلاوة ومس المصحف والصلاة على الجنازة وغير ذلك " وهو الذي يقتضيه إطلاق أدلة البدلية والمنزلة. وعن الفخر: أنه استثنى دخول المسجدين واللبث في المساجد ومس كتابة القرآن. واستدل عليه في الايضاح بقوله تعالى: (ولاجنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) (* 1) بناء على أن المعنى النهي عن قرب مواضع الصلاة - أي المساجد - إلا اجتيازا، فانه غياه بالاغتسال، ولو أباحه التيمم لكان أيضا غاية. وكذا مس كتابة القرآن، لان الامة لم تفرق بين المس واللبث في المساجد. انتهى.
____________
(* 1) النساء: 43.
===============
( 455 )
وفي كشف اللثام: " ويؤيده قوله الاتفاق على أن التيمم لا يرفع الحدث وإنما أثره رفع منعه وليس لنا قاطع برفع منعه من كل ما يمنعه، ولا يفيده العمومات المتقدمة، فالاولى الاقتصار على اليقين، من الصلاة والخروج من المسجدين ". وظاهر الاستدلال: أن خلافه في جواز التيمم للغايات المذكورة، لااستباحة الغايات المذكورة به عند فعله لغيرها من الغايات، فلا يكون خلافا فيما نحن فيه. مع أنه لو سلم فالاشكال في دليله واضح، لان جعل الغسل غاية لا ينافي مادل على بدلية التيمم، لانه حاكم عليه حكومته على مادل على اعتبار الوضوء أو الغسل في الصلاة كقوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم...) (* 1). ومن ذلك يظهر الاشكال فيما حكاه في كشف اللثام عن التذكرة من أنه لو تيمم - يعنى الجنب - لضرورة ففي جواز قراءة العزائم إشكال. انتهى. وكذا الاشكال فيما ذكره في التذكرة أيضا من قوله: " لا خلاف في أنه إذا تيمم للنفل استباح مس المصحف وقراءة القرآن إن كان تيممه عن جنابة، ولو تيمم المحدث لمس المصحف أو الجنب لقراءة القرآن استباح ما قصد، وفي استباحة صلاة الفرض أو النفل للشافعي وجهان ". فان تقييده بما كان عن جنابة غير ظاهر وكذا اقتصاره على الاستباحة فيما قصد. نعم بناء على المضايقة تشكل تمامية إطلاق استباحة كل غاية، بل يتعين تقييده بخصوص الغاية المضيقة التي يلزم فواتها على تقدير عدم استباحتها بالتيمم، كما تقدم في شرح المسألة الرابعة. وفي الجواهر: " ان المدار في الغايات التي تستباح بالتيمم الواقع لغاية خاصة أن تكون الغاية مما يشرع لاجله التيمم ". وكأنه (ره) يريد من الغايات في كلامه
____________
(* 1) المائدة: 6.
===============
( 456 )
[ ما دام باقيا لم ينتقض (1) وبقي عذره، فله أن يأتي بجميع ما يشترط فيه الطهارة، إلا إذا كان المسوغ للتيمم مختصا بتلك الغاية، كالتيمم لضيق الوقت، فقد مر أنه لا يجوز له (2) مس كتابة القرآن ولا قراءة العزائم، ولا الدخول في المساجد، وكالتيمم لصلاة الميت، أو للنوم مع وجود الماء. (مسألة 10): جميع غايات الوضوء والغسل غايات للتيمم أيضا (3)، فيجب لما يجب لاجله الوضوء أو الغسل، ] ما يشرع التيمم له في الجملة. فلا يشمل مثل المس مما يحرم على المحدث، بناء على عدم كونه غاية للوضوء، ولا للتيمم، كما تقدم في مبحث الوضوء، بل الحكم في مثله الاستباحة وإن لم يشرع له التيمم، لاختصاص حرمته - بناء على هذا المبنى - بمن لم يكن على طهارة بالاضافة إلى غاية أخرى وهو غير حاصل بالنسبة إلى من تيمم للصلاة إذا كان فاقدا للماء. نعم لو كان تيممه لضيق الوقت لايشرع له المس، لانه واجد بالاضافة إليه وان لم يكن واجدا بالاضافة إلى الصلاة، وفي مثله لا يكون عموم البدلية محكما، كما تقدم في مسوغات التيمم. فراجع. (1) كما تقدم في شرح المسألة الثانية. فراجع. (2) ومر وجهه في المسألة الواحدة والثلاثين من الفصل الاول. (3) كما هو المعروف المشهور، بل قيل: لم يعرف فيه خلاف إلا ماعن الفخر، كما عرفت أنه ظاهر كلامه المحكي. وقد يظهر من كلام جماعة الخلاف فيه أيضا. ففي الجواهر: " يظهر من غايات الكتاب والمنتهى، وعن التذكرة ونهاية الاحكام: عدم وجوب التيمم إلا للصلاة والخروج من المسجدين. وكذا القواعد، وعن التحرير والارشاد، لكن
===============
( 457 )
[ ويندب لما يندب له أحدهما، فيصح بدلا عن الاغسال المندوبة والوضوءات المستحبة، حتى وضوء الحائض (1)، والوضوء التجديدي (2) مع وجود شرط صحته من فقد الماء ونحوه. ] مع زيادة الطواف فيها. وعن الفخر: أن والده لا يجوز التيمم من الحدث الاكبر للطواف ولامس كتابة القرآن. وفي المنتهى: النص على عدم مشروعية التيمم لصوم الجنب والحائض والمستحاضة. وعنه في النهاية: الاشكال فيه - كالشهيد في الذكرى - بالنسبة إلى صوم الجنب ووطء الحائض بعد انقطاع الحيض. لكن عنه في الالفية: الميل إلى العدم. وعن كشف الغطاء: المنع من مشروعية التيمم للجنب لدخول المسجدين واللبث في المساجد وكتابة القرآن، بل في كل ماكان الموجب لرفع الحدث فيه الاحترام من مس أسماء الله تعالى وقراءة العزائم والوضع في المساجد ونحو ذلك ". انتهى ملخصا. لكن ذلك كله ضعيف مخالف لاطلاق أدلة البدلية والمنزلة. وقد عرفت الاشكال في دليل الفخر. (1) فعن التحرير والمنتى وجامع المقاصد في باب الحيض وغيرها: عدم قيام التيمم مقام وضوئها للذكر، لعدم كونها رافعا ولا مبيحا. وفيه أن إطلاق أدلة البدلية يقتضي قيامه مقامه مطلقا في كل أثر وإن لم يكن رفعا أو إباحة. (2) كما عن المعتبر والمنتهى والجامع والنفلية النص عليه، بل في الجواهر: " هو داخل في ظاهر إجماع المنتهى، حيث قال: يجوز التيمم لكل ما يتطهر به من فريضة ونافلة ومس مصحف وقراءة عزائم ودخول مساجد وغيرها. ولم ينقل خلافا فيه إلا عن أبي محرمة فلم يجوزه إلا لمكتوبة، والاوزاعي فكره أن يمس المصحف به " فتأمل. وقد عرفت
===============
( 458 )
[ نعم لا يكون بدلا عن الوضوء التهيئي (1) كما مر: كما أن كونه بدلا عن الوضوء للكون على الطهارة محل إشكال (2)، ] أنه مقتضى إطلاق أدلة البدلية والمنزلة، فما عن نهاية الاحكام والبيان من الاشكال فيه ضعيف. (1) على ما تقدم في المسألة الاولى من هذا الفصل. (2) وإن نص على جوازه في الجواهر، ولم أقف على مخالف فيه صريحا. وكأنه وجه الاشكال: أن التيمم غير رافع فلا مجال لقصد الكون على الطهارة بفعله. وفيه: أنه وإن لم يكن رافعا لكنه بحكم الرافع بمقتضى إطلاق أدلة البدلية والمنزلة، فكما تقتضي تلك الاطلاقات التوسعة في موضوع الاوامر الغيرية بالاضافة إلى الغايات الاختيارية، كذلك تقتضي التوسعة بالاضافة إلى الغايات التوليدية، فلا وجه للفرق بينهما، إذا الطهارة المذكورة في جميع ذلك بمعنى واحد، فإذا كان دليل البدلية حاكما على مثل: " لاصلاة إلا بطهور " (* 1). يكون أيضا حاكما على مثل: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) (* 2)، فالفرق بين الطهارتين بلا فارق. وبالجملة: الطهارة التي اعتبرت في صحة الصلاة اعتبرت في جواز مس المصحف، وفي رفع حزازة وطء الحائض، وفي كمال قراءة القرآن وفي حصول الكمال النفساني المترتب على الوضوء للكون على الطهارة، ولا فرق في معنى الطهارة في الجميع، فإذا كان دليل البدلية حاكما على اعتبار الطهارة في بعضها كان حاكما عليه في الباقي، والتفكيك بين الموارد بلا وجه ظاهر. هذا ولا يتضح وجه الجزم بمشروعية التيمم بدلا عن التجديدي
____________
(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب الجنابة حديث: 2. (* 2) البقرة: 222.
===============
( 459 )
[ نعم إتيانه برجاء المطلوبية لا مانع منه، لكن يشكل الاكتفاء (1) به لما يشترط فيه الطهارة، أو يستحب إتيانه مع الطهارة (مسألة 11): التيمم الذي هو بدل عن غسل الجنابة حاله كحاله (2) في الاغناء عن الوضوء، كما أن ما هو بدل عن سائر الاغسال يحتاج إلى الوضوء أو التيمم بدله مثلها، فلو تمكن من الوضوء توضأ مع التيمم بدلها، وإن لم يتمكن تيمم تيممين: أحدهما بدل عن الغسل، والآخر عن الوضوء. ] والتوقف في مشروعيته بدلا عن الوضوء للطهارة، وكان الانسب العكس بدعوى: أن أدلة البدلية ربما تنصرف إلى صرف طبيعة الاثر، فلا تشمل التجديد، لانه يوجب أثرا بعد أثر، وإن كانت هذه الدعوى ضعيفة أيضا. (1) للاشكال في حصول الطهارة التنزيلية به، الذي قد عرفت اندفاعه بالاطلاق. (2) من الواضح أن ملاحظة مجموع أدلة التشريع - ولا سيما الآيتين الشريفتين - تقتضي البناء على بدلية التيمم على الوضوء والغسل، لابدلية التراب عن الماء، فإذا كان المشروع في حق المكلف غسل واحد أو وضوء كذلك كان عليه تيمم واحد، وإذا كان عليه أغسال أو وضوءات أو أغسال ووضوءات كان عليه تيممات بعددها، وإذا كان عليه أغسال متعددة ويغني عنها غسل واحد كان اللازم الاكتفاء بالتيمم الواحد المأتي به بدلا عن ذلك الغسل، وعدم الاكتفاء بالمأتي به بدلا عن غيره إجراءلحكم الاصل على البدل بمقتضى إطلاق أدلة التنزيل. نعم لو كان مفاد الادلة تنزيل التراب منزلة الماء أمكن الاكتفاء بتيمم واحد إذا كان على المكلف غسل ووضوء، لكنه خلاف ظاهر الادلة. ولو سلم فلا إطلاق لدليل
===============
( 460 )
[ (مسألة 12): ينتقض التيمم بما ينتقض به الوضوء والغسل من الاحداث (1). ] البدلية على نحو يقتضي بدلية التراب عن الماء بالاضافة إلى كل فعل يتعلق به، والمتيقن البدلية عنه بالاضافة إلى فعل واحد من غسل أو وضوء، والمرجع في مورد الشك دليل اعتبار الطهارة كما لعله ظاهر. وبما ذكرنا صرح في القواعد، وتبعه عليه في جامع المقاصد وكشف اللثام، وهو المحكي عن تصريح جماعة، بل في الجواهر في مسألة الضربة والضربتين: " قد يشعر كشف اللثام بعدم خلاف فيه ". ومن ذلك يظهر ضعف ما عن المفيد وظاهر المقنعة من الاجتزاء بتيمم واحد في غسل الحيض بلا حاجة إلى تيممين، واستدل له الشيخ (ره) كما في المدارك - بما روي من أن تيمم الجنب والحائض سواء (* 1)، وعن الذكرى أنه ظاهر الاصحاب إذ فيه: أن الصحيح ظاهر في المساواة في الكيفية، ولا يشمل ما نحن فيه لا أقل من الاجمال فيه الموجب للرجوع إلى عموم وجوب الطهارة كما عرفت. ومثله في الضعف ما في المدارك من أن الاظهر الاكتفاء بالتيمم الواحد بناء على ما اخترناه من اتحاد الكيفية وعدم اعتبار نية البدلية. إذ فيه: المنع من الابتناء المذكور، إذ مع تعدد الاصل لابد من تعد البدل، والاتحاد في الكيفية لا يأباه كما لا يأباه في المبدل منه. (1) بلا خلاف وادعى عليه جماعة الاجماع، ويشهد له صحيح زرارة: " قلت لابي جعفر (ع): يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ فقال (ع): نعم ما لم يحدث أو يصب ماء " (* 2) ونحوه خبر السكوني (* 3).
____________
(* 1) الوسائل باب: 12 من أبواب التيمم حديث: 7. (* 2) الوسائل باب: 20 من أبواب التيمم حديث: 1. (* 3) الوسائل باب: 20 من أبواب التيمم حديث: 5.
===============
( 461 )
[ كما أنه ينتقض بوجدان الماء (1)، أو زوال العذر (2)، ولا يجب عليه إعادة ما صلاه كما مر وإن زال العذر في الوقت والاحوط الاعادة حينئذ، بل والقضاء أيضا في الصور الخمسة المتقدمة. (مسألة 13): إذا وجد الماء أو زال عذره قبل الصلاة لا يصح أن يصلي به (3). ] (1) بلا خلاف فيه أيضا، وعن جماعة: الاجماع عليه، بل عن التذكرة: أنه قول العلماء إلا ما نقل عن أبي سلمة والشعبي. ويشهد له الخبران السابقان (* 1) وغيرهما. مضافا إلى إطلاق أدلة الطهارة المائية، لانتفاء تقييدها بأدلة البدلية، لاختصاصها بصورة الفقدان المقدم على استصحاب بقاء الطهارة الترابية وان قلنا أنها طهارة تامة، فضلا عما لو قلنا بأنها طهارة ناقصة، أو أن التيمم لا يوجب الطهارة أصلا بل هو مبيح - كما هو المعروف - إذ على الاول يعتضد الاطلاق المذكور باطلاق مادل على لزوم الطهارة المائية، وعلى الاخير يعتضد بذلك، وبما دل على اعتبار الطهارة، فان الاطلاقات الثلاثة حينئذ تكون متعاضدة ومقدمة على الاستصحاب. (2) بلا إشكال ظاهر. وقد يستفاد من النصوص المتقدمة، لظهورها في كون الاصابة ملحوظة بما أنها من أسباب التمكن من الطهارة المائية. مضافا إلى إطلاق أدلة الطهارة المائية كما سبق. (3) إجماعا كما عن الخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة والمختلف والنهاية وغيرها، بل عن الاربعة الاول: دعوى أجماع أهل العلم سوى شذاذ من العامة. ويدل عليه مادل على انتفاض التيمم باصابة الماء مما تقدم في
____________
(* 1) هما خبرا زرارة والسكوني المتقدمان في التعليقة السابقة.
===============
( 462 )
[ وإن فقد الماء أو تجدد العذر (1) فيجب أن يتيمم ثانيا. نعم إذا لم يسع زمان الوجدان أو زوال العذر للوضوء أو الغسل بأن فقد أو زال العذر بفصل غير كاف لهما لا يبعد عدم بطلانه (2) وعدم وجوب تجديده، لكن الاحوط التجديد (3) مطلقا. وكذا إذا كان وجدان الماء أو زوال العذر في ضيق الوقت، ] المسألة السابقة المستفاد منها حكم زوال العذر. (1) لاطلاق تلك النصوص. (2) كما عن جامع المقاصد وفوائد الشرائع والمسالك ومجمع البرهان وغيرها، تنزيلا لاطلاق ما في النصوص ومعاقد الاجماعات من الانتقاض باصابة الماء على خصوص الاصابة بنحو يمكن الطهارة المائية، بل قال في جامع المقاصد: " والمقتضي للنقض هو التمكن من فعلها لا مطلق التمكن، للقطع بأنه لو علم من أول الامر أنه لا يتمكن من فعلها لا ينتقض تيممه ". وهو في محله، فان منصرف الجميع ليس هو الانتقاض بالاصابة تعبدا، بل الانتقاض بارتفاع السبب المسوغ له، فالمراد من الاصابة ماكان عدمها شرطا في مشروعية التيمم، وهي إنما تكون في صورة القدرة على الاستعمال عقلا وشرعا، ولذا لا يظن من أحد الالتزام بالانتقاض بمجرد وجود الماء ولو كان مغصوبا. ومنه يظهر الحكم فيما لو وجده في وقت يضيق عن استعماله، فانه لا ينتقض به تيممه كغيره مما هو مقرون بمانع شرعي أو عقلي. ويؤيد ذلك خبر أبي أيوب المروي عن تفسير العياشي: " إذا رأى الماء وكان يقدر عليه انتقض التيمم " (* 1). (3) وجهه: احتمال إطلاق النص والفتوى البطلان باصابة الماء الشامل
____________
(* 1) الوسائل باب: 19 من أبواب التيمم حديث: 6.
===============
( 463 )
[ فانه يحتاج إلى الاعادة حينئذ للصلاة التي ضاق وقتها. (مسألة 14): إذا وجد الماء في أثناء الصلاة فان كان قبل الركوع من الركعة الاولى بطل تيممه (1) وصلاته، وإن كان بعده لم يبطل ويتم الصلاة. ] لهذه الصورة أيضا. (1) كما عن النهاية ومجمع البرهان والمفاتيح وشرحها وغيرها، وحكي عن الصدوق ومصباح السيد وجمله والجعفي. ويشهد له - مضاف إلى إطلاق مادل على الانتقاض باصابة الماء - صحيح زرارة: " قلت لابي جعفر (ع): إن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة. قال (ع): فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع، وإن كان قد ركع فليمض في الصلاة فان التيمم أحد الطهورين " (* 1)، وخبر عبد الله بن عاصم قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم ويقوم في الصلاة فجاء الغلام فقال هو ذا الماء. فقال (ع): إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ وإن كان قد ركع فليمض في صلاته " (* 2). قال في المدارك: " وهذه الرواية مروية في التهذيب بثلاثة طرق أقربها إلى الصحة: ما رواه الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب، عن الحسن بن الحسين اللؤلئي، عن جعفر ابن بشير، عن عبد الله بن عاصم. وفي الحسن بن الحسين اللؤلئي توقف وإن وثقه النجاشي، لقول الشيخ: إن ابن بابويه ضعفه ". وقيل - كما نسب إلى الاكثر في كلام بعض، بل إلى المشهور كما في جامع المقاصد وعن المسالك والروض ومجمع البرهان، بل عن الحلي: دعوى
____________
(* 1) الوسائل باب: 21 من أبواب التيمم حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 21 من أبواب التيمم حديث: 2.
===============
( 464 )
الاجماع عليه -: إنه يمضي وإن تلبس بتكبيرة الاحرام فقط. ويشهد له صحيح زرارة ومحمد بن مسلم أنهما قالا لابي جعفر (ع): " في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمم وصلى ركعتين ثم أصاب الماء أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثم يصلي؟ قال (ع): لا، ولكنه يمضي في صلاته فيتمها ولا ينقضها، لمكان أنه دخلها وهو على طهر بتيمم " (* 1) فان مورده وإن كان الاصابة بعد الركعتين إلا أن التعليل فيه دال على أن السبب في عدم نقض الصلاة مجرد دخوله فيها بالتيمم، وخبر محمد بن سماعة عن محمد بن حمران عن أبي عبد الله (ع) قال: " قلت له: رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة. قال (ع): يمضي في الصلاة. واعلم أنه ليس ينبغي لاحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت " (* 2). اشتراك محمد بن سماعة ومحمد بن حمران بين الثقة وغيره - كما في الجواهر - غير قادح في حجية السند، إذ لا يبعد انصراف الاول عند الاطلاق إلى الثقة الجليل ابن موسى بن نشيط والد الحسن وابراهيم وجعفر، والثاني إلى النهدي الجليل لشهرتهما، ولذا لم أقف على طاعن في سند الرواية المذكورة، بل في المعتبر: ترجيحها على رواية عبد الله بن عاصم بأن محمد بن حمران أشهر في العدالة والعلم من عبد الله بن عاصم، والاعدل مقدم. انتهى. وهذه شهادة منه بصحة الرواية، ولاسيما بملاحظة كون الراوي عنهما البزنطي الذي هو من أصحاب الاجماع، وممن قيل في حقه: إنه لا يروي إلا عن ثقة. مع أن في دلالة صحيح زرارة كفاية. وحمل الدخول فيهما على الدخول في الركوع
____________
(* 1) الوسائل باب: 21 من ابواب التيمم ملحق الحديث الرابع. (* 2) الوسائل باب: 21 من أبواب التيمم حديث: 3.
===============
( 465 )
- كما في الجواهر - لانه الدخول الكامل، ولاسيما بملاحظة ما ورد من أن الصلاة أولها الركوع (* 1)، وأنها ثلث طهور، وثلث ركوع، وثلث سجود (* 2)، وأن إدراك الركعة بادراك الركوع (* 3) - كما ترى - خلاف الظاهر جدا. وما ورد من أن أولها الركوع، وتثليثها إلى الا ثلاث المذكورة فهو بملاحظة بعض الجهات التي نظر إليها الامام (ع)، ولا يصلح قرينة عليه حيث ورد في كلام السائل، وما ورد من أن إدراك الركعة بادراك الركوع أجنبي عما نحن فيه، إذ المراد منه أن آخر ما تدرك به الركعة الركوع - كما ذكرناه في مبحث الجماعة - فهو على خلاف المقصود أدل، لا أن أول ما تدرك به الركعة الركوع. فلاحظ. ومثله في الاشكال ما في الجواهر أيضا من الحمل على ضيق الوقت - كما يشعر به ذيله - إذ فيه: أن خصوصيد ضيق الوقت لو كانت في مورد السؤال لم يناسب إهمال التعرض لها فيه لاهميتها جدا، بل لا يناسب معها أصل السؤال المذكور، لوضوح كونه مانعا من نقض التيمم ولو قبل الدخول في التكبير. والذيل لو لم يشعر بالسعة لمناسبته لها - كما هو الظاهر - فلا أقل من عدم إشعاره بالضيق. وحينئذ فيتعين الجمع بين النصوص بالحمل على استحبابه النقض لو أصاب الماء قبل الركوع - كما عن جماعة التصريح به - فانه أقرب جمع عرفي بينها. ولا مجال لدعوى كون صحيح زرارة الاول في أعلى درجات الصحة، فلا مجال لتقديم خبر ابن حمران عليه، إذ الترجيح إنما يرجع إليه بعد تعذر الجمع العرفي. مع أن صحيح زرارة الثاني أيضا هو في أعلى
____________
(* 1) الوسائل باب: 9 من أبواب الركوع حديث: 6. (* 2) الوسائل باب: 9 من أبواب الركوع حديث: 1. (* 3) راجع الوسائل باب: 45 من أبواب صلاة الجماعة.
===============
( 466 )
درجات الصحة. وكما أن الاول معتضد بخبر عبد الله بن عاصم كذلك الثاني معتضد بخبر محمد بن حمران، ومع التساوي فالحكم التخيير، وهو يقتضي جواز الاخذ بالاخيرين، الموجب للبناء على جواز الاتمام بالتيمم. وأضعف من ذلك دعوى كون نسبة الاولين إلى الاخيرين نسبة المقيد إلى المطلق. إذ فيها: أن الدخول لو سلم إطلاقه في الصحيح بنحو يشمل حال الركوع فيكون قابلا للتقييد - ولو كان بلحاظ الاطلاق الاحوالي - لكن التعليل في ذيله المسوق مساق العلل العرفية مما يأبى ذلك جدا. مع أن ذلك لا يتأتى في قول السائل في خبر محمد بن حمران: " حين يدخل ". لانه ظاهر في خصوص الزمان الاول لاغير، لاأنه مطلق قابل للتقييد. وبالجملة ما هو المشهور متعين. وأما ماعن ابن الجنيد من أنه إن وجد الماء قبل أن يركع الركعة الثانية قطع وان وجده بعد الاولى وخاف ضيق الوقت جاز أن لا يقطع فليس له دليل ظاهر. وأما خبر حسن الصقيل: " أنه سأل الصادق (ع) عن رجل تيمم ثم قام يصلي فمر به نهر وقد صلى ركعة. قال (ع): فليغتسل وليستقبل الصلاة " (* 1)، فمع ضعفه في نفسه، وعدم صلاحيته لاثبات تمام دعواه، معارض بما سبق مما دل على الاتمام إذا كان قد ركع أو مطلقا وصحيح زرارة ومحمد وان كان يدل على الاتمام إذا أصاب الماء بعد الركعتين، لكن التعليل فيه يدل على الاتمام مطلقا كما عرفت. وأضعف منه ماعن سلار من نقض الصلاة إلا أن يكون وجده بعد القراءة فانه لا شاهد له أصلا، واحتمال صدق الدخول في الصلاة بذلك كما ترى ومثله ماعن ابن حمزة في الواسطة من وجوب القطع مطلقا إذا غلب على
____________
(* 1) الوسائل باب: 21 من أبواب التيمم حديث: 6.
===============
( 467 )
[ لكن الاحوط مع سعة الوقت الاتمام مع الوضوء (1): ولافرق في التفصيل المذكور بين الفريضة والنافلة على الاقوى (2)، ] ظنه عدم ضيق الوقت وإن لم يمكنه لم يقطعها إذا كبر. فانه لا شاهد له إلا عموم انتقاض التيمم بوجود الماء، لكنه مقيد بما سبق من أدلة القولين. نعم لا يبعد أن يكون مبناه عدم جواز التيمم في السعة فيكون وجدان الماء في أثناء الصلاة موجبا لبطلان التيمم من أول الامر، لا انتقائه بعد الصحة كما هو مبنى الخلاف في المقام. فلاحظ. ثم إنه حيث عرفت أن مقتضى الجمع العرفي بين النصوص هو حمل مادل على الانتقاض لو وجده قبل الركوع على الاستحباب، يتعين الخروج عما دل على حرمة القطع بذلك. على أن العمدة في دليله الاجماع وهو غير منعقد في الفرض. لحكاية القول باستحباب القطع عن جماعة منهم المحقق في ظاهر المعتبر. (1) كأن وجهه الخروج عن شبهة خلاف ابن حمزة كما سبق. (2) كما عن المبسوط والمنتهى والتحرير والقواعد والمسالك وغيرها. ويقتضيه ترك الاستفصال في النصوص المتقدمة، المعتضد بقاعدة إلحاق النوافل بالفرائض، كما تقدمت الاشارة إلى وجهها في المباحث السابقة. وفي جامع المقاصد. " يحتمل تعين القطع هنا لان إبطال النافلة غير ممنوع منه فيتحقق التمكن من استعمال الماء ". وفيه: أن مجرد الفرق بينهما في عدم جواز القطع اختيارا في الفرائض وجوازه في النوافل لا يوجب فرقا بينهما في عموم الادلة، ولاسيما بملاحظة التعليل في النصوص، وأن المقام ليس من صغريات حرمة القطع، إذ لو كان التيمم ينتقض بوجدان الماء انقطعت الصلاة بنفسها. (ودعوى) أن ظهور الامر بالاتمام في الوجوب
===============
( 468 )
[ وإن كان الاحتياط بالاعادة في الفريضة أأكد من النافلة (1). (مسألة 15): لا يلحق بالصلاة غيرها (2) إذا وجد الماء في أثنائها، بل تبطل مطلقا وان كان قبل الجزء الاخير منها، فلو وجد في أثناء الطواف ولو في الشواط الاخير بطل (3) ] قرينة على اختصاص النصوص بالفرائض لعدم وجوب الاتمام في النوافل. (مندفعة) بأن الامر بالاتمام إرشادي إلى صحة التيمم والصلاة، لا مولوي ليجئ فيه ما ذكر. (1) هذا بالنظر إلى كون الفريضة واجبة. وأما بالنظر إلى الدليل فالاحتياط في النافلة أأكد، لضعف دليل الصحة فيها بالاضافة إلى دليلها في الفريضة. (2) لاختصاص النصوص المتقدمة بالصلاة، فالتعدي إلى غيرها منها محتاج إلى دليل مفقود، والمرجع عموم انتقاض التيمم بوجدان الماء. (3) لما عرفت. وما ورد من أن الطواف صلاة فلم أقف عليه عاجلا مرويا إلا في حديث أبي حمزة عن أبي جعفر (ع): " أنه سئل أينسك المناسك وهو على غير وضوء؟ فقال (ع): نعم إلا الطواف بالبيت فان فيه صلاة " (* 1)، وهو على تقدير ظهوره في إرادة كون الطواف صلاة يشكل الاخذ باطلاقه مع مخالفته للصلاة في كثير من الاحكام ولاسيما وكون الحكم في المقام من أحكام التيمم، وأنه لا ينتقض بوجدان الماء. وإرجاعه إلى الصلاة وإن كان ممكنا. لكن دعوى عموم التنزيل لمثله محتاجة إلى نطف قريحة.
____________
(* 1) الوسائل باب: 38 من أبواب الطواف حديث: 6. وقد ورد هذا المضمون في روايتي معاوية بن عمار ورفاعة بن موسى المذكورين في باب: 15 من أبواب السعي حديث: 1 - 2.
===============
( 469 )
[ وكذا لو وجد في أثناء صلاة الميت بمقدار غسله بعد أن يمم لقد الماء: فيجب الغسل وإعادة الصلاة (1) ] (1) أما وجوب الغسل فاختاره في المعتبر وغيره، وحكي عن المنتهى ونهاية الاحكام والايضاح والدروس والبيان والموجز وجامع المقاصد، وهو ظاهر بناء على المضايقة، إذ وجدان الماء كاشف عن فساد التيمم من حين وقوعه، وحينئذ تجب إعادة الصلاة سواء أكان الوجدان في أثنائها أم بعد الفراغ منها. والحاق المقام بما سبق لادليل عليه. أما بناء على المواسعة - كما هو المشهور - فالظاهر أيضا وجوب تغسيله، لان الظاهر من دليل وجوبه اعتبار طهارة الميت حدوثا وبقاء إلى أن يدفن، فلا يكفي مجرد الحدوث لو مع الانتقاض بعد ذلك، واحتمال ذلك بعيد وان قال في القواعد: " وفي تنزيل الصلاة على الميت منزلة التكبير نظر ". وكأن وجه نظر - على ما ذكر في كشف اللثام - هو الشك في أن غسله للصلاة عليه أو لتطهيره في آخر أحواله، لكن فيه: أن الاطلاق الامر بالغسل يقتضي وجوبه نفسيا لاغيريا للصلاة عليه، كما أشار إلى ذلك في الكشف. وأما وجوب إعادة الصلاة على هذا المبنى: ففى غاية الاشكال لو كان الوجدان بعد الفراغ لوقوعها صحيحة، ولا ملازمة بين وجوب الغسل وإعادتها كما هو ظاهر. ولذا قرب في جامع المقاصد وكشف اللثام أنها لا تعاد، وحكي عن نهاية الاحكام والايضاح. ولو كان الوجدان في أثنائها فلا يبعد وجوب الاستئناف. واحتمال العدم من أجل التعليل في بعض النصوص السابقة بأنه دخلها وهو على طهر بتيمم ضعيف، لاختصاص لفظة بتيمم المكلف نفسه، فالتعدي منه إلى المقام محتاج إلى عناية غير ظاهرة. ولذا اختار في البيان والدروس والموجز أنها تعاد. وما في المعتبر
===============
( 470 )
[ بل وكذا لو وجد قبل تمام الدفن (1). (مسألة 16): إذا كان واجدا للماء وتيمم لعذر آخر من استعماله فزال عذره في أثناء الصلاة، هل يلحق بوجدان الماء في التفصيل المذكور؟ إشكال (2)، فلا يترك الاحتياط بالاتمام والاعادة إذا كان بعد الركوع من الركعة الاولى. نعم لو كان زوال العذر في أثناء الصلاة في ضيق الوقت أتمها (3). ] من أن الوجه أنه لا يقطع صلاته، لانه دخل في الصلاة دخولا مشروعا فلم يجز إبطالها، غير ظاهر، لما عرفت، إذ كما يعتبر أن يكون الدخول مشروعا يجب أن يكون البقاء مشروعا، فإذا لم يكن البقاء كذلك لوجوب الترتيب بين تمام الصلاة والغسل لم يكن الدخول مشروعا واقعا، وإن اعتقد المصلي حين الدخول أنه مشروع، وحينئذ تكون الصلاة باطلة من أول الامر. مع أنه لو فرض أنها صحيحة أول الامر فهي باطلة في الاثناء، فلا تكون مورد الحرمة قطع الصلاة، كما عرفت. (1) أما بعد تمامه: فعلى المضايقة يجب نبشه وتغسيله - كما لو دفن بلا غسل - لانكشاف فساد التيمم من حين وقوعه. وأما على المواسعة: فلا يبعد العدم، لعدم الدليل على كون مثل هذا الوجدان ناقضا أو لعدم الدليل على وجوب الغسل حينئذ بعد دفنه على الوجه الصحيح الشرعي فتأمل. (2) مقتضى التعليل المتقدم عدم الاشكال في الالحاق، بل يمكن أن يستفاد من نفس النصوص، من جهة فهم عدم الخصوصية لوجدان الماء بل موضوع الحكم مطلق القدرة على استعمال الماء كما سبق في انتقاضه بزوال العذر. (3) فان ضيق الوقت عذر أيضا مسقط للامر بالطهارة المائية كما سبق.
===============
( 471 )
[ وكذا لو لم يف زمان زوال العذر للوضوء، بأن تجدد العذر بلا فصل، فان الظاهر عدم بطلانه (1)، وان كان الاحوط الاعادة. (مسألة 17): إذا وجد الماء في أثناء الصلاة بعد الركوع ثم فقد في أثنائها أيضا أو بعد الفراغ منها بلا فصل (2)، هل يكفي ذلك التيمم لصلاة أخرى أولا؟ فيه تفصيل: فاما أن يكون زمان الوجدان وافيا للوضوء أو الغسل على تقدير عدم كونه في الصلاة أو لا، فعلي الثاني: الظاهر عدم بطلان ذلك التيمم بالنسبة إلى الصلاة الاخرى (3) أيضا، وأما على الاول: فالاحوط عدم الاكتفاء به (4) بل تجديده لها، ] (1) للعجز عن الطهارة المائية، فيكون زوال العذر كعدمه، كما سبق في المسألة الثالثة عشرة، وتقدم الوجه في الاحتياط الذي ذكره فراجع. (2) يعني: بلا فصل عن الفراغ يفي بالوضوء والسغل. (3) لما سبق من العجز المانع من الامر بالطهارة المائية، فيكون الوجدان كعدمه. (4) بل عن المبسوط والموجز والايضاح: الجزم به، وعن المنتهى والتذكرة: الميل إليه، لاطلاق مادل على انتقاض التيمم بوجدان الماء. مضافا إلى إطلاق أدلة وجوب الطهارة المائية. ومجرد الحكم بالصحة بالاضافة إلى الصلاة التي هو فيها لا يقتضي الحكم بها مطلقا، لانتقاء الملازمة بينهما. وفيه: ما عرفت من أن الظاهر من الوجدان الناقض ما يمكن معه الطهارة المائية عقلا وشرعا، وهو منتف، لحرمة قطع الصلاة. واستدل له في المستند بأن مقتضى الاية وجوب الوضوء أو التيمم عند إرادة كل صلاة، خرج ما خرج بدليل شرعي، فيبقى الباقي. مع أن المخرج - مثل صحيح
===============
( 472 )
زرارة: " يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ فقال (ع): نعم ما لم يحدث أو يصيب ماء " (* 1) - مخصوص بغير المورد. انتهى. وفيه: أن الظاهر من قوله تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) (* 2) وقوله تعالى: (ولكن يريد ليطهركم) (* 3): أن الواجب لكل صلاة هو الطهارة، وكذا يستفاد ذلك من أدلة النواقض للطهارات ومن غيرها، فإذا دل الدليل على كون التيمم طهارة ما لم ينتقض احتيج في وجوب إعادته إلى إثبات الناقض، وكون الصحيح مخصوصا بغير المورد غير ظاهر بعد ماكان الظاهر من إصابة الماء ما لم تكن مقرونة بمانع عقلي أو شرعي، فإذا كانت الاصابة في الفرض مقرونة بالمانع الشرعي من جهة حرمة قطع الفريضة كان الفرض داخلا في صدر الصحيح. نعم يتم ما ذكر لو كان الوجدان في صلاة النافلة، لصدق الوجدان حقيقة بالاضافة إلى غيرها حيث لامانع من الوضوء له، لجواز قطعها. وعليه كان اللازم الجزم بعدم الاكتفاء به. ولما ذكرنا ونحوه اختار في المعتبر والدروس والبيان والذكرى وجامع المقاصد والمسالك والمدارك وغيرها - على ما حكي عن بعضها - عدم انتقاض التيمم، والاكتفاء به لغير تلك الصلاة من الغايات. قال في المعتبر: " لو رأى الماء وهو في الصلاة ثم فقده قبل فراغه، قال الشيخ (ره): ينتقض تيممه في حق الصلاة المتسأنفة. ولو قيل لا يبطل تيممه لكان قويا، لان وجدان الماء لا يبطل التيمم ما لم يتمكن من استعماله، والاستعمال هنا ممنوع عنه شرعا، ضرورة وجوب المضي في صلاته، لانا نتكلم على هذا التقدير ". وظاهره - كغيره - تخصيص ذلك بالفريضة.
____________
(* 1) الوسائل باب: 20 من أبواب التيمم حديث: 1. (* 2) المائدة: 6. (* 3) المائدة: 6.
===============
( 473 )
[ لان القدر المعلوم من عدم بطلان التيمم إذا كان الوجدان بعد الركوع إنما هو النسبة إلى الصلاة التي هو مشغول بها (1) لا مطلقا. (مسألة 18): في جواز مس كتابة القرآن وقراءة العزائم حال الاشتغال بالصلاة التي وجد الماء فيها بعد الركوع اشكال، لما مر (2) من أن القدر المتيقن من بقاء التيمم وصحته إنما هو بالنسبة إلى تلك الصلاة. نعم لو قلنا بصحته إلى تمام الصلاة مطلقا - كما قاله بعضهم - جاز المس وقراءة العزائم مادام في تلك الصلاة. ومما ذكرنا ظهر الاشكال في جواز ] كما أن اللازم تخصيصه بما بعد الركوع، إذ قد عرفت جواز القطع بل استحبابه لو وجد قبله. فلاحظ. (1) إذا كان وجدان الماء ناقضا للتيمم فالبناء على التفكيك بين الصلاة التي هو فيها وبين غيرها في ذلك - بأن لا يكون ناقضا بالنسبة إلى الصلاة التي هو فيها ويكون ناقضا بالنسبة إلى غيرها - لامانع منه عقلا ولاعرفا، بناء على أنه مبيح، لان معنى نقضه رفع أثره وهو الاباحة، والتفكيك بين الغايات في الاباحة لاغرابة فيه. أما بناء على أنه مطهر فالتفكيك غريب، لان الطهارة إذا كانت حاصلة بالنسبة إلى الصلاة التي هو فيها كانت حاصلة بالنسبة إلى الغاية الاخرى. نعم إذا كانت طهارته ناقصة فالتفكيك بين الغايات قريب. (2) بناء على ما عرفت ينبعي الجزم بالعدم لو كان قبل الركوع أو كانت الصلاة نافلة. والظاهر ذلك أيضا لو كانت فريضة وعلم ببقائه بعد الصلاة بنحو يمكن استعماله، لما عرفت في مبحث التيمم لضيق الوقت من أن العجز عن استعمال الماء في الامد القصير لا يصدق معه عدم الوجدان
===============
( 474 )
[ العدول من تلك الصلاة إلى الفائتة التي هي مترتبة عليها (1)، لاحتمال عدم بقاء التيمم بالنسبة إليها. (مسألة 19): إذا كان وجدان الماء في أثناء الصلاة بعد الحكم الشرعي بالركوع - كما لو كان في السجود وشك في أنه ركع أم لا، حيث أنه محكوم بأنه ركع - فهل هو كالوجدان بعد الركوع الوجداني أم لا؟ إشكال (2)، فالاحتياط بالاتمام والاعادة لا يترك. (مسألة 20): الحكم بالصحة في صورة الوجدان بعد الركوع ليس منوطا بحرمة قطع الصلاة (3)، فمع جواز القطع ] المأخوذ موضوعا لمشروعية التيمم. فراجع. ولو علم بعدم بقائه كذلك ينبغي الجزم بالجواز. (1) الدليل إنما يدل على صحة الصلاة التي هو فيها، فالعدول إلى غيرها يتوقف على إحراز عدم الوجدان بالاضافة إليه، وهو - كما عرفت - يتوقف على حرمة القطع، وعدم بقاء الماء بعد الفراغ على تقدير الاتمام فان حصلا أمكن العدول، وإلا فلا. (2) مبناه إطلاق دليل قاعدة التجاوز بحيث يثبت جميع آثار وجود الركوع حتى ما نحن فيه - أعني: صحة الصلاة على تقدير الوجدان بعده - وعدم إطلاقه. لكن إطلاقه - كما في سائر المقامات - محكم. ودعوى انصرافه إلى خصوص صحة الاجزاء اللاحقة ممنوعة، ولاسيما بملاحظة التنصيص على الشك في القراءة وقد ركع، إذ ليس لذلك الجعل أثر إلا نفي سجود السهو. فلاحظ ما علقناه على مباحث الخلل من الكتاب. (3) لاطلاق الدليل، ولذا عممناه للنافلة.
===============
( 475 )
[ أيضا كذلك ما لم يقطع. بل يمكن أن يقال في صورة وجوب القطع أيضا إذا عصى ولم يقطع الصحة باقية، بناء على الاقوى من عدم بطلان الصلاة مع وجوب القطع إذا تركه وأتم الصلاة (1). (مسألة 21): المجنب المتيمم بدل الغسل إذا وجد ماء بقدر كفاية الوضوء فقد لا يبطل تيممه. وأما الحائض ونحوها ممن تيمم تيممين إذا وجد بقدر الوضوء بطل تيممه الذي هو بدل عنه. وإذا وجد ما يكفي للغسل ولم يمكن صرفه في الوضوء بطل تيممه الذي هو بدل عين الغسل، وبقي تيممه الذي هو بدل عن الوضوء من حيث أنه (2) حينئذ يتعين صرف ذلك الماء في الغسل، فليس مأمورا بالوضوء. وإذا وجد ما يكفي لاحدهما وأمكن صرفه في كل منهما بطل كلا التيممين. ويحتمل عدم بطلان ما هو يدل عن الوضوء من حيث أنه حينئذ يتعين صرف ذلك الماء في الغسل (3)، ] (1) لابتناء البطلان على القول بحرمة الضد إذا وجب ضده، ولا نقول بها كما هو محرر في مسألة الضد. نعم لو كان وجوب القطع من جهة حرمة الاتمام من باب الاتفاق كان البطلان في محله، لامتناع التقرب بالصلاة حينئذ، لكن المفروض في المتن الاول، وسيأتي في مبطلات الصلاة التعرض لذلك. (2) الاولى أن يقول لعدم إمكان الوضوء كما هو المفروض. (3) لاهمية الحدث الاكبر، لا أقل من احتماله أهميته، فيترجح رفعه في نظر العقل.
===============
( 476 )
[ فليس مأمورا بالوضوء، لكن الاقوى بطلانهما (1). (مسألة 22): إذا وجد جماعة متيممون ماء مباحا لا يكفي إلا لاحدهم بطل تيممهم أجمع (2) إذا كان في سعة الوقت وإن كان في ضيقه بقي تيمم الجميع. وكذا إذا كان الماء المفروض للغير وأذن للكل في استعماله (3). وأما إن أذن للبعض دون الآخرين بطل تيمم ذلك البعض فقط (4). كما ] (1) لم يتضح وجهه بعد فرض تعين صرف الماء في الغسل - كما يظهر مما سبق في المسوغ السادس - فان ذلك يوجب العذر عن الوضوء فلا يجب، فلا ينتقض التيمم الذي هو بدله، وينتقض ما هو بدل الغسل لارتفاع العذر عنه. (2) لتحقق القدرة عليه لكل واحد منهم في عرض تحقق القدرة لغيره عليه، ومع القدرة على الطهارة المائية ينتقض التيمم الذي هو بدلها. هذا إذا لم يكن أحدهم مريدا لحيازته والوضوء به. أما مع تحقق الارادة من كل منهم إلى ذلك، فتسابقوا إليه وسبق بعضهم إليه فحازه بطل تيمم السابق، وبقي تيمم غيره، لانتفاء قدرته حينئذ. وإذا سبقوا إليه جميعا لم يبطل تيممهم جميعا، لعدم القدرة لكل واحد منهم، لابتلائه بالمزاحم. وإذا كان بعصهم مريدا لحيازته دون غيره فمن حازه بطل تيممه، وأما من لم يجزه فان كان قادرا على التغلب عليه بطل تيممه، ومن لم يقدر على ذلك لم يبطل تيممه. (3) فان الاذن بمنزلة الاباحة الاصلية. وحينئذ تجري الاحكام المتقدمة للاقسام. (4) دون غيره، لان حرمة التصرف بدون الاذن مانعة من القدرة
===============
( 477 )
[ أنه إذا كان الماء المباح كافيا للبعض دون الآخر - لكونه جنبا ولم يكن بقدر الغسل - لم يبطل تيمم ذلك البعض. (مسألة 23): المحدث بالاكبر غير الجنابة إذا وجد ماء لا يكفي إلا لواحد من الوضوء أو الغسل قدم الغسل (1) وتيمم بدلا عن الوضوء، وإن لم يكف إلا للوضوء فقط توضأ وتيمم بدل الغسل. (مسألة 24): لا يبطل التيمم الذي هو بدل عن الغسل (2) ] ومن ذلك يظهر وجه باقي المسألة. (1) لما عرفت من أهمية الحدث الاكبر أو احتمال أهميته. (2) كما عن السيد (ره) في شرح الرسالة حيث قال: " إن الجنب إذا تيمم ثم أحدث بالاصغر ووجد ما يكفيه للوضوء توضأ به، لان حدثه الاول قد ارتفع وجاء ما يوجب الصغرى، وقد وجد الماء ما يكفيه لها. فيجب عليه استعماله ولا يجزيه تيممه ". وتبعه عليه بعض المتأخرين كالكاشاني في المفاتيح، وهو ظاهر كشف اللثام والذخيرة. ووجهه: أن التيمم عن الغسل بمنزلته، فكما لا ينتقض الغسل بالاصغر لا ينتقض هو به. وأورد عليه جماعة بمنافاته للمستفاد من الاخبار والاجماع على كون التيمم مبيحا لارافعا، فلا يصح قوله: " لان حدثه الاول قد ارتفع "، ولصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): " ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا والوضوء إن لم تكن جنبا " (* 1)، ولما دل من النصوص على أمر الجنب بالتيمم إذا كان معه ما يكفيه للوضوء (* 2)، ولما دل على
____________
(* 1) الوسائل باب: 12 من ابواب التيمم حديث: 4. (* 2) راجع الوسائل باب: 24 من أبواب التيمم.
===============
( 478 )
انتقاضه بالحدث من النصوص المتقدمة آنفا (* 1). وفي المختلف: " لو أحدث المتيمم من الجنابة حدثا أصغر انتقض تيممه إجماعا ". هذا، ولا يخفى أن المستفاد من قوله تعالى في ذيل آية التيمم: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم) (* 2)، وظاهر قوله صلى الله عليه وآله: " جعلت لي الارض مسجدا وطهورا " (* 3) وقوله (ع) " إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا " (* 4)، ونحو ذلك أن التيمم مطهر كالماء، غاية الامر أن ورود ذلك مورد الاضطرار يقتضي أن يكون مطهرا طهارة ناقصة لا أنه مبيح. وأما أنه المستفاد من الاجماع: فهو كما ذكر. قال في المعتبر: " التيمم لا يرفع الحدث. وهو مذهب العلماء كافة. وقيل: يرفع. واختلف في نسبة هذا القول، فقوم يسندونه إلى أبي حنيفة، وآخرون إلى مالك. لنا الاجماع، فان الحكاية المذكورة لا تقدح فيه، وقال ابن عبد البر من أصحاب الحديث منهم: أجمع العلماء على أن طهارة التيمم لا يرفع الحدث ". وفي جامع المقاصد " أجمع علماء الاسلام - إلا شاذا - على أن التيمم لا يرفع الحدث وإنما يفيد الاباحة ". ونحوه كلام غيره. وقد اشتهرت دعوى الاجماع على ذلك في كلام أصحابنا وغيرهم. إلا أن الاعتماد على الاجماع المذكور غير ظاهر، لتعليلهم له - كما في المعتبر وغيره - بأن المتيمم تجب عليه الطهارة عند وجود الماء بحسب الحدث السابق، فلو لم يكن الحدث السابق باقيا لكان وجوب
____________
(* 1) الوسائل باب: 20 من أبواب التيمم حديث: 1 - 2. (* 2) المائدة: 6. (* 3) راجع الوسائل باب: 7 من أبواب التيمم. (* 4) الوسائل باب: 23 من أبواب التيمم حديث: 1.
===============
( 479 )
الطهارة بوجود الماء، إذ لاوجه غيره، ووجود الماء ليس حدثا بالاجماع. انتهى. وهو كما ترى، إذ الطهارة التي يقتضيها التيمم ناقصة اجتزئ بها للضرورة، فمع وجود الماء ترتفع الضرورة، فتجب الطهارة التامة، فيجب لاجلها الغسل أو الوضوء، ولا يدل ذلك على انتفاء الطهارة الناقصة. اللهم إلا أن يقال: إذا كان التيمم يوجب طهارة ناقصة، وإصابة الماء لا توجب حدثا، فإذا فقد الماء بعد التمكن منه لم يجب تجديد التيمم، لبقاء الطهارة الناقصة بحالها، مع أنه خلاف الاجماع. فالاولى أن يقال: إن كان المراد من كون إصابة الماء حدثا أنها حدث كسائر الاحداث فهو ممنوع كما ذكر، لكن وجوب الوضوء أو الغسل عند التمكن من الماء لا يتوقف على ذلك، وإن كان المراد أنها توجب انتقاض التيمم لان مشروعيته مشروطة بفقده الماء حدوثا وبقاء فلا مانع من الالتزام به، ولاغرابة فيه، لان طهورية التيمم مجهولة الهوية ومن الجائز أن تكون مشروطة بعدم وجود الماء بقاء كما هي مشروطة به حدوثا، وعلى هذا فانكار طهورية التيمم غير ظاهر، ولعل مرادهم إنكار طهوريته بنحو طهورية الماء وإن كان بعيدا عن كلامهم. وكيف كان فكون التيمم مبيحا أو رافعا لا يصلح أن يكون مبنى للمسألة، لامكان البناء على كونه رافعا مع انتقاضه بالاصغر كوجدان الماء. وعلى كونه مبيحا مع عدم انتقاضه به. كما قال به السيد ومن تبعه. فالعمدة في مبنى المسألة: هو أن الحدث الاصغر يوجب كون التيمم كأن لم يكن، ويرجع المكلف إلى حالته الاولى، أو لا يوجب ذلك، بل إنما يقتضي أثرا خاصا به كما لو وقع بعد الغسل، فعلى الاول: يتم المشهور
===============
( 480 )
وعلى الثاني: يتم مذهب السيد (ره). وكون التيمم لا يرفع الحدث لا يصلح لاثبات الاول، ولذا قال في كشف اللثام - بعد ذكر الايراد المذكور -: " ويندفع بأنه لا خلاف في رفعه مانعية الجنابة، ولم يتجدد إلا حدث أصغر لابد من رفع مانعيته، ولا دليل على عود مانعية الجنابة به ". وأما صحيح زرارة: فمورده صورة وجدان الماء الكافي في رفع الحدث السابق، وهو ناقض للتيمم إجماعا ونصوصا، وليس مما نحن فيه. ويشكل ما بعده بأن مورده المحدث بالجنابة قبل التيمم. وأما النصوص المتقدمة آنفا فانما دلت على عدم جواز الصلاة بالتيمم مع الحدث بعده، وليس هذا مورد الاشكال من أحد، إنما هو في أن هذا الحدث يوجب الوضوء أو التيمم، فهذه النصوص وما يطابقها مضمونا من الاجماعات لا مجال للاستدلال بها على القول المذكور. ويوضح ذلك ملاحظة صدر صحيح زرارة المتضمن لذلك: " قلت لابي جعفر (ع): يصلي الرجل بوضوء واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ فقال (ع): نعم ما لم يحدث. قلت: فيصلي بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ قال (ع): نعم ما لم يحدث أو يصب ماء " (* 1). وأما إجماع المختلف: فالمراد منه الاجماع على عدم استباحة الغايات بتيممه لو أحدث بالاصغر، لا وجوب التيمم عليه. ولذلك قال - بعد ذلك -: " فان وجد من الماء مالا يكفيه للغسل وكفاه للوضوء وجب عليه إعادة التيمم ولم يجز له الوضوء، وهو اختيار الشيخ (ره) وابن إدريس وأكثر علمائنا. وقال السيد المرتضى: يتوضأ بذلك الماء ولا يجوز له التيمم ". ثم شرع في الاستدلال للقولين.
____________
(* 1) الوسائل باب: 19 من أبواب التيمم حديث: 1.
===============
( 481 )
[ من جنابة أو غيرها (1) بالحدث الاصغر، فما دام عذره عن ] وبالجملة: الادلة المذكورة لا تصلح لاثبات القول المشهور، ولا لابطال قول السيد. نعم قد يقال: انه لادليل على عدم انتقاض التيمم بالحدث الاصغر، والاستصحاب وإن كان يقتضي الثاني، إلا أنه معارض بأصالة عدم مشروعية الوضوء في حقه الثابت قبل التيمم، وفيه: أولا: أن عموم المنزلة المستفاد من مثل صحيح حماد: " عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة؟ فقال (ع): لا، هو بمنزلة الماء " (* 1) يقتضي عدم الانتقاض كالغسل سواء أكان مفاده الطهارة - كما ذكرنا - أم الاباحة المحضة كما هو المشهور. اللهم إلا أن يقال: عموم البدلية ظاهر في البدلية في مجرد إيجاده الطهارة، ولانظر فيه إلى انتقاضه بالحدث وعدمه. كما أن مفاده مجرد الحدوث فلا مجال للرجوع إليه عند الشك في البقاء. فالعمدة حينئذ في المقام هو الاستصحاب، سواء أكان بمعنى استصحاب الطهارة أم الاستصحاب الاباحة، وثانيا: أنه لا مجال لجريان أصالة عدم مشروعية الوضوء لمنافاته لعموم سببية الحدث له، وتخصيص العموم بالحدث على الجنابة قبل التيمم لا يوجب سقوط العام عن الحجية بعده. وثالثا: أنه لو سلم التعارض فاللازم الاحتياط بالجمع بين الوضوء والتيمم للعلم الاجمالي بوجوب أحدهما، فكما لايتم مذهب السيد (ره) لايتم المذهب المشهور. والمتحصل من جميع ما ذكرنا: أنه لادليل على انتقاض التيمم الذي هو بدل الغسل بالحدث الاصغر، ومقتضى عموم المنزلة بضميمة الاستصحاب عدمه، ومقتضى عموم سببية الاصغر وجوب الوضوء له أو التيمم بدلا عنه. (1) كلام السيد (ره) وإن كان مورده الجنابة إلا أن الدليل الذي
____________
(* 1) الوسائل باب: 20 من أبواب التيمم حديث: 3.
===============
( 482 )
[ الغسل باقيا تيممه بمنزلته، فان كان عنده ماء بقدر الوضوء توضأ وإلا تيمم بدلا عنه. وإذا ارتفع عذره عن الغسل اغتسل، فان كان عن جنابة لا حاجة معه إلى الوضوء وإلا توضأ أيضا. هذا ولكن الاحوط إعادة التيمم أيضا، فإن كان عنده من الماء بقدر الوضوء تيمم بدلا عن الغسل وتوضأ، وإن لم يكن، تيمم مرتين مرة عن الغسل ومرة عن الوضوء. هذا إن كان غير غسل الجنابة، وإلا يكفيه مع عدم الماء للوضوء تيمم واحد بقصد ما في الذمة. (مسألة 25): حكم التداخل الذي مر سابقا في الاغسال يجري في التيمم أيضا (1)، فلو كان هناك أسباب عديدة للغسل يكفي تيمم واحد عن الجميع، وحينئذ فان كان من جملتها الجنابة لم يحتج إلى الوضوء أو التيمم بدلا عنه، وإلا وجب الوضوء أو تيمم آخر بدلا عنه. (مسألة 26): إذا تيمم بدلا عن أغسال عديدة فتبين عدم بعضها صح بالنسبة إلى الباقي. وأما لو قصد معينا فتبين أن الواقع غيره فصحته مبنية على أن يكون من باب الاشتباه في التطبيق لا التقييد كما مر نظائره مرارا. ] ذكره شامل لغيره، وكذا بعض أدلة المشهور، فالخلاف جار في الجميع بنحو واحد. وما يوهمه بعض العبارات من اختصاص الخلاف بالجنابة ليس مرادا. (1) كما صرح به في جامع المقاصد، واستوجهه في الجواهر في مبحث اتحاد الضرب وتعدده، لاطلاق أدلة البدلية أو المنزلة، واحتمال
===============
( 483 )
[ (مسألة 27): إذا اجتمع جنب وميت ومحدث بالاصغر وكان هناك ماء لا يكفي إلا لاحدهم، فان كان مملوكا لاحدهم تعين صرفه لنفسه (1)، وكذا إن كان للغير وأذن لواحد منهم. وأما إن كان مباحا (2) ] العدم - للشك في تناول أدلة البدلية لمثل ذلك، ولاسيما بملاحظة كون التيمم مبيحا لارافعا، والاصل عدم التداخل - ضعيف، لاطلاق أدلة البدلية، وكونه مبيحا لارافعا لا ينافيه، ولذا حكم في التداخل في أغسال المستحاضة، والاصل لا مجال له مع الدليل. ومقتضى ذلك جريان جميع الاحكام المتقدمة في الغسل فيه، فيجزئ ما هو بدل غسل الجنابة عن غيره لو كان وإن لم ينوه إن قلنا بذلك في الغسل. وعن الشيخ: أنه اعتبر التعرض لتعيين الحدث هنا، وقد عرفت ضعفه باطلاق دليل البدلية. كما أنه لو نوى غير الجنابة وقلنا بالاجتزاء به عن غيرها كفى ذلك هنا أيضا. وفي جامع المقاصد: احتمال العدم، لان التيمم طهارة ضعيفة، مع انتفاء النص وعدم تصريح الاصحاب، فيتعين الوقوف مع اليقين. انتهى. وفيه: أنه يكفي في النص أدلة المنزلة والبدلية، ولا يقدح حينئذ كونه طهارة ضعيفة، ولا عدم تصريح الاصحاب في العمل به. (1) لاطلاق مادل على وجوب الطهارة المائية المانع عن جواز بذله للغير. والنصوص الآتية - كالفتاوى - غير شاملة لهذه الصورة، وكذا الصورة الآتية التي هي مثلها حكما ودليلا. (2) إذا كان الماء مباحا وأمكن أحدهم السبق إليه بالحيازة وجب، لما عرفت من إطلاق دليل وجوب الطهاة المائية، فإذا حازه وملكه صار داخلا في الصورة الاولى ويجري عليه حكمها. وأما لو سبقوا إليه جميعا
===============
( 484 )
[ أو كان للغير وأذن للكل فيتعين للجنب فيغتسل (1) وييمم الميت، ويتيمم المحدث بالاصغر أيضا. ] صار مشتركا بينهم، ولا اختصاص لاحدهم به دون صاحبه. وكذا الحال فيما لو أذن لهم المالك في استعماله، فانه إن أمكن أحدهم السبق إليه في الاستعمال وجب، وإن تعذر ذلك كان الحكم حينئذ ما يأتي. وبالجملة: الظاهر أن محل الكلام في الحكم الاتي صورة سقوط الطهارة المائية بالنسبة إلى كل منهم، لعدم إمكانها في حق كل منهم لا على سبيل الاجتماع، لقلة الماء، ولا على سبيل الانفراد، لتزاحمهم، أو لكونه تصرفا في ملك الغير بغير إذنه. أما صورة إمكانها لواد منهم بعينه فالظاهر خروجها عن مورد الحكم الآتي، لعدم شمول النصوص الآتية لها، لكون المفروض فيها عدم أولوية أحد بالماء، وكونهم بالاضافة إليه على السواء، وإنما السؤال عن الاولوية التعبدية من جهة الحدث، لا أقل من وجوب حملها على ذلك جمعا بينها وبين إطلاق وجوب الطهارة المائية. وأما كلمات الاصحاب فهي وإن كان يوهم بعضها العموم لغير هذه الصورة، لكن الظاهر أنه غير مراد، إذ الظاهر فرضهم ما هو المفروض في النصوص لاغير، ولو سلم فلا يهم بعدما عرفت من مضمون النصوص. (1) كما هو المشهور عن الروض، لصحيح ابن أبي نجران المحكي عن الفقيه: سأل أبا الحسن موسى بن جعفر (ع) عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب، والثاني ميت، والثالث على غير وضوء، وحضرت الصلاة ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم من يأخذ الماء؟ وكيف يصنعون؟ قال (ع): يغتسل الجنب، ويدفن الميت بتيمم، ويتيمم الذي هو على غير وضوء، لان الغسل من الجنابة فريضة، وغسل الميت
===============
( 485 )
سنة، والتيمم للآخر جائز " (* 1)، ونحوه مرسله الآخر عن الرضا (ع) المروي عن التهذيب (* 2)، وكذا خبر الحسين بن النضر الارمني (* 3) وخبر الحسن التفليسي (* 4)، لكن لم يذكر فيهما الحدث الاصغر. وقيل - كما في الشرائع، ولم يعرف قائله كما اعترف به في الجواهر - إنه يختص به الميت. ويشهد له مرسل محمد بن علي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع): " قلت له: الميت والجنب يتفقان في مكان لا يكون فيه الماء إلا بقدر ما يكتفي به أحدهما، أيهما أولى أن يجعل الماء له؟ قال (ع): يتيمم الجنب، ويغسل الميت بالماء " (* 5). لكنه لا يصلح للاعتماد عليه في نفسه للارسال، فضلا عن صلاحية معارضته ما عرفت مع كثرة العدد، وأصحية السند، واعتماد الاصحاب عليه، والاشتمال على التعليل. وفي خبر أبي بصير (* 6) في فرض اجتماع الجنب والمحدث بالاصغر ترجيح الثاني. وهو - مع أنه لا قائل به - معارض بجميع ما عرفت، فلا مجال للاعتماد عليه، فلابد من حمله - كما قبله - على بعض الصور السابقة. وقال الشيخ في المبسوط: " إذا اجتمع جنب وحائض وميت، أو جنب وحائض، أو جنب ومحدث، ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم ولم يكن ملكا لاحدهم، كانوا مخيرين في استعمال من شاء منهم، فان كان ملكا لاحدهم كان أولى به ". وحكى عنه في جامع المقاصد: تعليله بأنها
____________
(* 1) الوسائل باب: 18 من أبواب التيمم حديث: 1. (* 2) الوسائل باب: 18 من أبواب التيمم ملحق الحديث الاول. (* 3) الوسائل باب: 18 من أبواب التيمم حديث: 4. (* 4) الوسائل باب: 18 من أبواب التيمم حديث: 3. (* 5) الوسائل باب: 18 من أبواب التيمم حديث: 5. (* 6) الوسائل باب: 18 من أبواب التيمم حديث: 2.
===============
( 486 )
فروض قد اجتمعت ولا أولوية لاحدهما، ولا دليل يقتضي التخصيص. ولاختلاف الروايات الترجيح، ففي رواية محمد بن علي عن بعض أصحابنا: أنه يتيمم الجنب ويغسل الميت. ويؤيدها أن غسله خاتمة طهارته فينبغي إكمالها، والحي قد يجد الماء فيغتسل. وأيضا القصد في غسل الميت التنظيف ولا يحصل بالتيمم، وفي الحي الدخول في الصلاة وهو حاصل به. وقد تقدمت رواية التفليسي بترجيح الجنب. ويؤيدها أنه متعبد بالغسل مع وجود الماء، والميت قد خرج عن التكليف بالموت. ولان الطهارة من الحي تبيح فعل الطهارات على الوجه الاكمل بخلاف الميت. ثم قال في جامع المقاصد: " وما ذكر ضعيف، لان رواية التفليسي أرجح من الاخرى، فانها مقطوعة، مع اعتضادها بصحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران عن الصادق (ع)، فالمعتمد استحباب تخصيص الجنب ". وما ذكره في محله كما عرفت آنفا. هذا وظاهر النصوص - عدا الاخيرين - كون الترجيح بنحو اللزوم. لكن قال في المعتبر - بعد نقل التخيير عن الشيخ -: " والذي ذكر الشيخ ليس موضع البحث، فانا لا نخالف أن لهم الخيرة، لكن البحث في الاولى أولوية لا تبلغ اللزوم ولا ينافي التخيير ". ومثله المحكي عن ابن فهد في المهذب البارع، والمحقق الثاني، وسبط الشهيد الثاني، وغيرهم. ويشير إليه التعليل في الصحيح وفي كلماتهم كما عرفت. وعليه فلابد من حمل النصوص على الاستحباب، ولذا صرح به غير واحد، منهم العلامة في القواعد، وإن كان المحكي عن جماعة التعبير بالاختصاص من دون إشارة إلى الاستحباب، ومثله ما في المتن، وهو ظاهر في الوجوب، لكنه محمول عليه، ولذا لم يتعرض أحد للخلاف المذكور.
===============
( 487 )
[ (مسألة 28): إذا نذر نافلة مطلقة أو موقتة في زمان معين، ولم يتمكن من الوضوء في ذلك الزمان تيمم بدلا عنه (1) وصلى. وأما إذا نذر مطلقا لا مقيدا بزمان معين فالظاهر وجوب الصبر إلى زمان إمكان الوضوء (2). (مسألة 29): لا يجوز الاستئجار لصلاة الميت ممن وظيفته التيمم (3) مع وجود من يقدر على الوضوء. بل لو استأجر من كان قادر ثم عجز عنه يشكل جواز الاتيان بالعمل المستأجر عليه مع التيمم، فعليه التأخير إلى التمكن مع سعة الوقت، بل مع ضيقه أيضا يشكل كفايته، فلا يترك مراعاة الاحتياط. ] (1) لدليل البدلية. (2) لما عرفت من الاشكال في اقتضاء دليل البدلية جواز البدار، وما دل على جوازه من النصوص موضوعه الموقت، كما تقدمت الاشارة إلى ذلك في جواز البدار. نعم إذا بني على التعدي من موردها إلى الفوائت لعموم التعليل فاللازم التعدي في المقام، لعدم الفرق. (3) الاستئجار للصلاة عن الميت. تارة: يكون تبرعا. وأخرى: يكون من الوصي الموصى بذلك. وثالثة: يكون من الولي لوجوب القضاء عليه من ميته، فان كان على الاول: كان جوازه وعدمه مبنيين على مشروعية صلاة الاجير في حال كون وظيفته التيمم وعدمه، فعلى الاول: لامانع من جواز الاستئجار، لانه استئجار على عمل صحيح مرغوب للعقلاء يبذل بازائه المال، وعلى الثاني: لا يجوز الاستئجار لبطلانه، فيكون أكل المال بازائه أكلا للمال بالباطل. ولا ينبغي الاشكال في المشروعية إذا انحصر القضاء بمن كانت وظيفته التيمم كما سيأتي إن شاء الله في مبحث
===============
( 488 )
القضاء. أما إذا أمكن القضاء بالطهارة المائية فقد يشكل في جهة أن الامر بالقضاء عن غيره كفائي، والامر الكفائي - كالامر العيني - لا يجوز امتثاله بالفرد الاضطراري إلا مع تعذر الفرد الاختياري، فكما أن دليل البدلية بالاضافة إلى الامر العيني إنما يجعل البدل في ظرف الاضطرار وتعذر الاختياري، كذلك بالاضافة إلى الامر الكفائي لا يجعل البدل إلا في الظرف المذكور، فلا يشرع في غيره، إذ أفعال المكلفين في الكفائي أفراد واجب واحد، كأفعال مكلف واحد في العيني، ومجرد الاختلاف في الكفائية والعينية غير فارق بينهما في ذلك أعني: في اختصاص مشروعية البدل بحال تعذر الفرد الاختياري، فإذا لم تشرع الصلاة من المتيمم مع إمكان الصلاة من المتوضئ لا يجوز الاستئجار عليها. فان قلت: هذا يتم لو كان المكلف المتمكن من الطهارة المائية في مقام الصلاة عن ذلك الميت، أما إذا فرض وجود الصارف له عنها فلا يمكن الفرد الاختياري، ويشرع حينئذ البدل الاضطراري. قلت: مجرد وجود الصارف غير كاف في تعذر الفرد الاختياري إذا أمكن إحداث الداعي إلى فعل الكامل وتبديل الصارف بضده، فمن لا يتمكن من الصلاة على الميت إلا صلاة ناقصة إذا أمكنه ترغيب من يصلي صلاة تامة في جزء من الوقت لاتشرع له الصلاة الناقصة، ويكون عاصيا في ترك الصلاة التامة ولو من جهة تقصيره في إقناع الغير وترغيبه، وإن لم يقدر على ذلك وفرض وجود الصارف لغيره إلى آخر الوقت شرعت له الصلاة الناقصة ولو أول الوقت. وكذا الحكم في المقام. فتأمل جيدا. ومن ذلك يظهر عدم جواز الاستئجار مع وجوبه من جهة الوصية أو أمر الولي بالقضاء إلا في الفرض الذي عرفته أخيرا. مضافا إلى أن
===============
( 489 )
[ (مسألة 30): المجنب المتيمم (1) إذا وجد الماء في المسجد وتوقف غسله على دخوله والمكث فيه لا يبطل تيممه بالنسبة إلى حرمة المكث، وإن بطل بالنسبة إلى الغايات الاخر، فلا يجوز له قراءة العزائم، ولا مس كتابة القرآن. كما أنه لو كان جنبا وكان الماء منحصرا في المسجد ولم يمكن أخذه إلا بالمكث وجب أن يتمم للدخول والاخذ كما مر سابقا، ولا يستباح له بهذا التيمم إلا المكث، فلا يجوز له المس وقراءة العزائم. (مسألة 31): قد مر سابقا (1) أنه لو كان عنده من الماء ما يكفي لاحد الامرين من رفع الحبث عن ثوبه أو بدنه ورفع الحدث، قدم رفع الخبث وتيمم للحدث، لكن هذا إذا لم يمكن صرف الماء في الغسل أو الوضوء وجمع الغسالة في إناء نظيف لرفع الخبث، وإلا تعين ذلك (3)، ] جوازه موقوف على إطلاق الوصية بنحو يشمل صلاة المتيمم وإن كانت صحيحة ناقصة. (1) تقدم الكلام في ذلك في الفرع الثاني في فصل ما يحرم على الجنب، فإذا وجب على الجنب التيمم لاجل دخول المسجد والاغتسال فيه ولا يستبيح غيره من الغايات التي يكون واجدا للماء بالاضافة إليها، فالمتيمم لا يبطل تيممه لاجل دخول المسجد والاغتسال فيه وإن كان لايستباح به غيره من الغايات، فيكون بمنزلة الباطل بالاضافة إلى غيره من الغايات، فان الكلام في الفرعين على وتيرة واحدة، والتعبير بالبطلان مبني على نحو من العناية. فراجع. (2) يعني: في المسوغ السادس. فراجع. (3) لما فيه من الجمع بين الحقوق.
===============
( 490 )
[ وكذا الحال في مسألة اجتماع الجنب والميت والمحدث بالاصغر (1)، بل في سائر الدورانات. (مسألة 32): إذا علم قبل الوقت أنه لو أخر التيمم إلى ما بعد دخوله لا يتمكن من تحصيل ما يتيمم به فالاحوط أن يتيمم قبل الوقت (2) لغاية أخرى غير الصلاة في الوقت، ويبقي تيممه إلى ما بعد الدخول فيصلي به، كما أن الامر كذلك بالنسبة إلى الوضوء إذا أمكنه قبل الوقت وعلم بعدم تمكنه بعده، فيتوضأ - على الاحوط - لغاية أخرى، أو للكون على الطهارة. (مسألة 33): يجب التيمم لمس كتابة القرآن إن وجب كما أنه يستحب إذا كان مستحبا، ولكن لا يشرع إذا كان مباحا (3) نعم له أن يتيمم لغاية أخرى ثم يمسح المسح المباح. ] (1) حيث أن التكليف في المقام ليس متعلقا بمكلف واحد، كان الواجب على كل واحد منهم البذل لغيره بشرط أن يجمعه ويرجعه إلى الباذل، أو الاستئذان منه في الاستعمال بشرط أن يجمعه المستعمل ويرجعه إلى الآذن، ويجب على كل القبول، لان فيه خروجا عن عهدة التكليف المتوجه إليه، ولايجوز لهم التعاسر. (2) تقدم الكلام في ذلك في المسألة الاولى من فصل أحكام التيمم فراجع. وقد ذكرنا هناك أن مقتضى القاعدة وجوب التيمم المذكور عقلا من باب حرمة تفويت الغرض ووجوب تحصيله. والاجماع على عدم صحة التيمم قبل الوقت لا مجال للاعتماد عليه. (3) لان التيمم من العبادات التي لاتشرع بدون الامر بها، ومع إباحة الغاية لاأمر بها ليترشح منها الامر به. لكن الظاهر أنه في صورة
===============
( 491 )
[ (مسألة 34): إذا وصل شعر الرأس إلى الجبهة، فان كان زائدا على المتعارف وجب رفعه (1) للتيمم ومسح البشرة، وإن كان على المتعارف لا يبعد كفاية مسح ظاهره عن البشرة (2) والاحوط مسح كليهما. (مسألة 35): إذا شك في وجود حاجب في بعض مواضع التيمم حاله حال الوضوء والغسل في وجوب الفحص (3) حتى يحصل اليقين أو الظن بالعدم. ] وجوب المس أيضا يتيمم لغاية أخرى غير المس، لان التيمم ليس مقح دمة للمس، بل مقدمة لجوازه، ففعله واجب عقلي من باب وحوب الجمع بين الغرضين، لا غيري ليكون الاتيان به بقصد الواجب الاصلي. وكذا الحكم في صورة استحباب المس. نعم لو كان الوجوب أو الاستحباب متعلقا بالمس على حال الطهارة كانت الطهارة شرطا في الواجب أو المستحب فيكون الامر به داعيا إلى فعلها. وقد أشرنا إلى ذلك في مباحث الطهارة المائية. (1) يعني مقدمة لمسح البشرة الواجب. (2) لان التعارف يوجب كونه مرادا من مسح الجبهة. والظاهر أنه لاإشكال في ذلك في الموارد التي يلزم الحرج لو وجب مسح البشرة ورفع الشعر المتدلي عليها، كما إذا مضى على حلق الرأس مقدار شهر تقريبا، فانه يتدلى شعر الرأس على الجبهة فيستر منها مقدار نصف إصبع تقريبا بنحو يصعب جدا رفعه، مع استمرار السيرة على المسح عليه وعدم رفعه. (3) لما سبق في الوضوء. فراجع ما علقناه هناك.
===============
( 492 )
[ (مسألة 36): في الموارد التي يجب عليه التيمم بدلا عن الغسل وعن الوضوء - كالحائض والنفساء وماس الميت - الاحوط تيمم ثالث بقصد الاستباحة من غير نظر إلى بدليته عن الوضوء أو الغسل، بأن يكون بدلا عنهما، لاحتمال كون المطلوب تيمما واحدا من باب التداخل (1). ولو عين أحدهما في التيمم الاول وقصد بالثاني ما في الذمة أغنى عن الثالث. (مسألة 37): إذا كان بعض أعضائه منقوشا باسم الجلالة أو غيره من أسمائه تعالى أو آية من القرآن فالاحوط محوه حذرا من وجوده على بدنه في حال الجنابة أو غيرها من الاحداث، لمناط حرمة المس على المحدث (2). وإن لم يمكن محوه أو قلنا بعدم وجوبه فيحرم إمرار اليد عليه حال الوضوء أو الغسل، بل يجب إجراء الماء عليه من غير مس، أو الغسل ارتماسا، أو لف خرقة بيده والمس بها. وإذا فرض عدم إمكان الوضوء أو الغسل الا بمسه فيدور الامر بين سقوط حرمة المس أو سقوط وجوب المائية والانتقال إلى التيمم (3)، والظاهر سقوط حرمة المس (4)، بل ينبغي القطع به إذا كان ] (1) قد عرفت في المسألة الحادية عشرة ضعف الاحتمال المذكور جدا. (2) تعليل للاحتياط. والظن بالمناط المذكور قوي جدا. (3) هذا الدوران إنما يكون مع عدم إمكان المحو، وإن كان قد يتراءى من العبارة غير ذلك. (4) هذا إنما يتم لو تعذر التيمم مقدمة لجواز المس الموقوف عليه الوضوء، وإلا وجب التيمم، كما لو توقف الغسل من الجنابة على دخول
===============
( 493 )
[ في محل التيمم لان الامر حينئذ دائر بين ترك الصلاة (1) وارتكاب المس، ومن المعلوم أهمية وجوب الصلاة، فيتوضأ أو يغتسل في الفرض الاول وان استلزم المس، لكن الاحوط مع ذلك الجبيرة أيضا (2) بوضع شئ عليه والمسح عليه باليد المبللة، وأحوط من ذلك أن يجمع بين ما ذكر والاستنابة أيضا بأن يستنيب متطهرا يباشر غسل هذا الموضع بل وأن يتيمم مع ذلك أيضا إن لم يكن في مواضع التيمم. وإذا كان ممن وظيفته التيمم وكان في بعض مواضعه واراد الاحتياط جمع بين مسحه بنفسه، والجبيرة، والاستنابة، لكن الاقوى - كما عرفت - كفاية مسحه وسقوط حرمة المس حينئذ. تم كتاب الطهارة. ] المسجد الذي تقدم منه وجوب التيمم فيه، ولا فرق بينه وبين المقام. وأيضا فان سقوط حرمة المس يتوقف على أهمية وجوب الطهارة المائية منها وهو محل إشكال، كما تقدم أيضا في المسوغ السادس الاشكال في إعمال قواعد التزاحم في المقام، وأن عدم الوجدان يصدق بمجرد لزوم فعل الحرام من الطهارة المائية، إذ عليه يلزم في المقام التيمم، إلا إذا كانت الكتابة في مواضعه، فانه حينئذ تجب عليه الطهارة المائية، لما ذكره بقوله: " لان الامر... ". (1) يعني: بناء على القول بسقوط الاداء عن فاقد الطهورين. (2) لاحتمال كون المانع الشرعي كالمانع العقلي في إجراء حكم الجبيرة. وكذا احتمال الاستنابة. لكنه ضعيف غير ظاهر من أدلة الجبائر، ولا من أدلة اعتبار المباشرة. نعم إذا كانت مقتضى الاصل جواز الاستنابة وأن
===============
( 494 )
اعتبار المباشرة من جهة الاجماع فلا بأس بالبناء على الاستنابة في المقام، لعدم انعقدا الاجماع على المنع عنها، والله سبحانه العالم. تم تسويده في النجف الاشرف في جوار الحضرة العلوية، على مشرفها افضل الصلاة والسلام والتحية، على يد مؤلفه الحقير الفقير إلى رحمة ربه المنان الكريم (محسن) ابن العلامة المرحوم السيد (مهدي) الطباطبائي الحكيم، عصر الخميس، رابع عشر صفر، من السنة الثانية والخمسين بعد الالف والثلثمائة هجرية، على مهاجرها أفضل السلام وأكمل التحية. وتم تبييضه في سادس ربيع الاول من السنة المزبورة. والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين. (2) لاحتمال كون المانع الشرعي كالمانع العقلي في إجراء حكم الجبيرة. وكذا احتمال الاستنابة. لكنه ضعيف غير ظاهر من أدلة الجبائر، ولا من أدلة اعتبار المباشرة. نعم إذا كانت مقتضى الاصل جواز الاستنابة وأن