سورة عبس
و تسمّى سورة السّفرة.
مكّيّة.
و آيها إحدى [أو اثنتان] وأربعون آية.
بسم الله الرحمن الرحيم
في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة عَبَسَ وَتَوَلَّى وإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ كان تحت جناح اللّه من الجنّان وفي ظلّ اللّه وكرامته، وفي جنّاته، ولا يعظم ذلك على اللّه ، [إنّ شاء اللّه] .
و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ومن قرأ سورة عبس جاء يوم القيامة ووجهه ضاحك مستبشر .
عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى و قرئ : «عبّس» بالتّشديد للمبالغة، و«أن جاءه» علّة «لتولّى» أو «عبس».
و قرئ : «أن» بهمزتين وبألف بينهما، بمعنى: أ لأن جاءه الأعمى فعل ذلك.
و
في مجمع البيان : قيل: نزلت الآيات في عبد اللّه بن أمّ مكتوم، وهو عبد اللّه بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤيّ، وذلك أنّه أتى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعبّاس بن عبد المطّلب وابيّا وأميّة ابني خلف، يدعوهم إلى اللّه ويرجوا إسلامهم.
فقال: يا رسول اللّه، أقرئني وعلّمني ممّا علّمك اللّه. فجعل يناديه وكرّر النّداء ولا يدري أنّه مشتغل مقبل على غيره، حتّى ظهرت الكراهية في وجه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لقطعه كلامه، وقال في نفسه: يقول هؤلاء الصّناديد: إنّما أتباعه العميان والعبيد. فأعرض عنه وأقبل على القوم الّذين يكلّمهم.
فنزلت الآيات، وكان رسول اللّه [بعد ذلك] يكرمه، وإذا رآه قال: مرحبا بمن عاتبني فيه ربّي. ويقول له: هل لك من حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرّتين في غزوتين.
قال أنس بن مالك: فرأيته يوم القادسيّة وعليه درع، ومعه راية سوداء.
و روي عن الصّادق - عليه السّلام- قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إذا رأى [عبد اللّه بن] أمّ مكتوم قال: مرحبا، لا واللّه، لا يعاتبني اللّه فيك أبدا. وكان يصنع به من اللّطف حتّى كان يكفّ عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- [ممّا يفعل به] .
قال المرتضى علم الهدى : ليس في ظاهر الآية دلالة على توجّهها إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-، بل هي خبر محض لم يصرّح بالمخبر عنه، وفيها ما يدلّ على أنّالمعنيّ بها غيره، لأنّ العبوس ليس من صفات النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- مع الأعداء المتباينين فضلا عن المؤمنين المسترشدين، ثمّ الوصف بأنّه يتصدّى للأغنياء ويتلهّى عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة، ويؤيّد هذا القول قوله - تعالى- في وصفه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ. وقوله : وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ. والظّاهر أنّ قوله: عَبَسَ وَتَوَلَّى المراد به غيره.
و قد روي عن الصّادق - عليه السّلام-: أنّها نزلت في رجل من بني أميّة كان عند النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فجاءه ابن أمّ مكتوم، فلمّا رآه تقذّر منه وعبس وجمع نفسه وأعرض بوجهه عنه، فحكى اللّه ذلك وأنكره عليه.
وَ ما يُدْرِيكَ، أي: وأيّ شيء جعلك داريا بحاله. والخطاب للرّجل العابس المتولّي على سبيل الالتفات.
لَعَلَّهُ يَزَّكَّى : لعلّه يكون طاهرا. أو يتطهّر بما يتلقّف عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.
أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى : أو يتّعظ فتنفعه موعظة.
و قرأ عاصم، بالنّصب ، جوابا «للعلّ».
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى قال: نزلت في عثمان وابن أمّ مكتوم، وكان ابن أمّ مكتوم مؤذّنا لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وكان أعمى، وجاء إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وعنده أصحابه وعثمان عنده، فقدّمه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- على عثمان ، فعبس عثمان وجهه وتولّى عنه، فأنزل اللّه عَبَسَ وَتَوَلَّى، يعني: عثمان أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أي:
يكون طاهرا.
«أو يذكّر» قال: يذكّره رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى.أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى : تتعرّض بالإقبال عليه. وأصله:
تتصدّى. والخطاب للرّجل العابس المتولّي- أيضا-.
و قرأ ابن كثير ونافع: «تصدّى» بالإدغام.
و قرئ : «تصدّى»، أي: تعرّض وتدعى إلى التصدّي. فالخطاب للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.
وَ ما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى .
قيل : وليس عليك بأس في أن لا يتزكّى بالإسلام حتّى يبعثك الحرص على إسلامه إلى الإعراض عمّن أسلم، إن عليك إلّا البلاغ.
وَ أَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى : يسرع طالبا للخير.
وَ هُوَ يَخْشى : اللّه. أو أذيّة الكفّار في إتيانك. أو كبوة الطّريق، لأنّه أعمى لا قائد له.
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى : تتشاغل. يقال: لهى عنه، والتهى، وتلهّى.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ خاطب عثمان فقال: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى، فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى قال: أنت إذا جاءك غنيّ تتصدّى له وترفعه.
وَ ما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى، أي: لا تبالي زكيّا كان أو غير زكيّ إذا كان غنيّا.
وَ أَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى، يعني: ابن أمّ مكتوم وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى، أي: تلهو عنه ولا تلتفت إليه.
و في مجمع البيان : وفي الشّواذّ قراءة الحسن: «آن جاءه». و
قراءة أبي جعفر الباقر- عليه السّلام-: «تصدّى» بضمّ التّاء وفتح الصّاد، «و تلهّى» بضمّ التّاء- أيضا-.
كَلَّا: ردع عن المعاتب عليه، أو عن معاودة مثله.
إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ : حفظه، أو اتّعظ به.
و الضّميران للقرآن، أو العتاب المذكور. وتأنيث الأوّل لتأنيث خبره.فِي صُحُفٍ: مثبّتة فيها. صفة «لتذكرة»، أو خبر ثان، أو خبر محذوف.
مُكَرَّمَةٍ : عند اللّه.
مَرْفُوعَةٍ: القدر.
مُطَهَّرَةٍ : منزّهة عن أيدي الشّياطين.
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ : كتبة من الملائكة والأنبياء، ينتسخون الكتب من اللّوح أو الوحي. أو سفراء يسفرون بالوحي بين اللّه ورسله. جمع سافر، من السّفر، أو السّفارة.
و التّركيب للكشف، يقال: سفرة المرأة: إذا كشفت وجهها.
كِرامٍ: أعزّاء على اللّه. أو متعطّفين على المؤمنين، يكلّمونهم ويستغفرون لهم.
بَرَرَةٍ : أتقياء.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ قال: القرآن.
فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ قال: عند اللّه مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ قال: بأيدي الأئمّة.
و في مجمع البيان : كِرامٍ بَرَرَةٍ قال قتادة: هم القرّاء، يكتبونها ويقرءونها.
قال: وروى الفضيل بن يسار، عن الصّادق- عليه السّلام- قال: الحافظ للقرآن العامل به مع السّفرة الكرام البررة. (انتهى).
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد العبّاس- رحمه اللّه- عن الحسين بن أحمد المالكيّ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن خلف بن حمّاد، عن أبي أيّوب الخزّار ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال في قوله: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرامٍ بَرَرَةٍ: هم الأئمّة.
قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ .
قيل : دعاء عليه بأشنع الدّعوات، وتعجّب من إفراطه في الكفران، وهو مع قصره يدلّ على سخط عظيم وذمّ بليغ.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ قال: هو أمير المؤمنين- عليه السّلام.
قال: ما أَكْفَرَهُ، أي: ما فعل وذنب حتّى قتلوه.
أخبرنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد، عن أبي نصر ، عن جميل بن درّاج، عن أبي أسامة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ.
قال: نعم، نزلت في أمير المؤمنين- عليه السّلام-. ما أَكْفَرَهُ، يعني: بقتلكم إيّاه.
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ، أي: لعن الإنسان.
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ : بيان لما أنعم عليه، خصوصا من مبدأ حدوثه.
و الاستفهام للتّحقير، ولذلك أجاب عنه بقوله: مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ : فهيّأه لما يصلح له من الأعضاء والأشكال. أو فقدّره أطوارا إلى أن تمّ خلقه.
ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ : ثمّ سهّل مخرجه من بطن أمّه، بأن فتح فوهة الرّحم وألهمه أن ينتكس. أو ذلّل له سبيل الخير والشّرّ.
و نصب «السّبيل» بفعل يفسّره الظّاهر للمبالغة في التّيسير، وتعريفه «باللّام» دون الإضافة للإشعار بأنّه سبيل عامّ.
و فيه على المعنى الأخير إيماء بأنّ الدّنيا طريق، والمقصد غيرها، ولذلك عقّبه بقوله: ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ عدّ الإماتة والإقبار في النّعم، لأنّ الإماتة وصلة في الجملة إلى الحياة الأبديّة واللّذّات الخالصة، والأمر بالقبر تكرمة وصيانة عن السّباع.
و في إِذا شاءَ إشعار بأنّ وقت النّشور غير متعيّن في نفسه، وإنّما هو موكول إلى مشيئته- تعالى-.و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصل بآخر ما نقلناه من الرّواية عنه- أعنى: قوله:
بقتلكم إيّاه-: ثمّ نسب أمير المؤمنين ونسب خلقه وما أكرمه اللّه به، فقال: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ يقول: من طينة الأنبياء خلقه «فقدّره» للخير. ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ، يعني: سبيل الهدى. ثُمَّ أَماتَهُ ميتة الأنبياء ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ.
قلت: فما قوله: ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ؟
قال: يمكث بعد قتله في الرّجعة فيقضي ما أمره.
فيه - أي: في تفسيره أيضا-: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ قال: يسّر له طريق الخير.
و في كتاب علل الشّرائع ، في العلل الّتي ذكرها الفضل بن شاذان أنّه سمعها من الرّضا- عليه السّلام-: فإن قال: فلم أمر بدفنه»؟
قيل: لئلّا يظهر النّاس على فساد جسده وقبح منظره وتغيّر ريحه، ولا يتأذى به الأحياء بريحه وبما يدخل عليه من الآفة والدّنس والفساد، وليكون مستورا عن الأولياء والأعداء، فلا يشمت عدوّ ولا يحزن صديق.
كَلَّا: ردع للإنسان عمّا هو عليه.
لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ : لم يقض بعد من لدن آدم إلى هذه الغاية ما أمره اللّه بأسره، إذ لا يخلو أحد من تقصير ما.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ، أي: لم يقض أمير المؤمنين ما قد أمره، وسيرجع حتّى يقضي ما أمره.
و في شرح الآيات الباهرة : تأويله ظاهر وباطن، فالظّاهر ظاهر، فأمّا الباطن فهو:
ما رواه محمّد بن العبّاس، عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن جميل بن درّاج، عن أبي أسامة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- تعالى-: كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ قلت له: جعلت فداك، متى ينبغي له أن يقضيه؟قال: نعم، نزلت في أمير المؤمنين، فقوله: قُتِلَ الْإِنْسانُ، يعني: أمير المؤمنين. ما أَكْفَرَهُ، يعني: قاتله بقتله إيّاه.
ثمّ نسب أمير المؤمنين- عليه السّلام- فنسب خلقه وما أكرم اللّه به، فقال: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ الأنبياء خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ للخير. ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ، يعني:
سبيل الهدى ثُمَّ أَماتَهُ ميتة الأنبياء. ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ.
[قلت: ما معنى قوله: ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ؟
قال: يمكث بعد قتله ما شاء اللّه، ثمّ يبعثه اللّه، وذلك قوله: إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ] .
و قوله: لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ في حياته بعد قتله في الرّجعة.
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ : إتباع للنّعم الذّاتيّة بالنّعم الخارجيّة.
أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا : استئناف مبيّن لكيفيّة إحداث الطّعام.
و قرأ الكوفيون، بالفتح، على البدل منه بدل الاشتمال.
ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ، أي: بالنّبات، أو بالكراب.
و أسند الشّقّ إلى نفسه إسناد الفعل إلى السّبب.
فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا : كالحنطة والشّعير.
وَ عِنَباً وَقَضْباً : يعني: الرّطبة. سمّيت بمصدر قضبه: إذا قطعه، لأنّها تقضب مرّة بعد أخرى.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: «القضب» القتّ .
وَ زَيْتُوناً وَنَخْلًا وَحَدائِقَ غُلْباً : عظاما. وصف به الحدائق لتكاثفها وكثرة أشجارها، أو لأنّها ذات أشجار غلاظ، مستعار من وصف الرّقاب.
وَ فاكِهَةً وَأَبًّا : ومرعى. من أبّ: إذا امّ، لأنّه يؤمّ وينتجع . أو من أبّ لكذا: إذا تهيّأ له، لأنّه متهيّأ للرّعي. أو فاكهة يابسة تؤبّ للشّتاء.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : «الأبّ» الحشيش للبهائم.
و في إرشاد المفيد - رحمه اللّه-: وروي أنّ أبا بكر سئل عن قوله: وَفاكِهَةً وَأَبًّا فلم يعرف معنى «الأبّ» من القرآن، وقال: أيّ سماء تظلّني أم أيّ أرض تقلّني أم كيف أصنع إن قلت في كتاب اللّه بما لا أعلم؟! أمّا الفاكهة فنعرفها، وأمّا الأبّ فاللّه أعلم به.
فبلغ أمير المؤمنين- عليه السّلام- مقاله في ذلك، فقال: سبحان اللّه! أما علم أنّ «الأبّ» هو الكلأ والمرعى؟! وأنّ قوله: وَفاكِهَةً وَأَبًّا اعتداد من اللّه بإنعامه على خلقه في ما غذّاهم به وخلقه لهم ولأنعامهم بما تحيي به أنفسهم وتقوم به أجسادهم.
مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ : فإنّ الأنواع المذكورة بعضها طعام، وبعضها علف.
فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ ، أي: النّفخة. وصفت بها مجازا، لأنّ النّاس يصخّون لها.
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ :
لاشتغاله بشأنه، وعلمه بأنّهم لا ينفعونه. أو للحذر من مطالبتهم بما قصّر في حقّهم.
و تأخير الأحبّ فالأحبّ للمبالغة، كأنّه قيل: يفرّ من أخيه، بل من أبويه، بن من صاحبته وبنيه .
و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من خبر الشّاميّ وما سأل عنه أمير المؤمنين- عليه السّلام- في جامع الكوفة حديث طويل، وفيه: وقام رجل يسأله، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ من هم؟
قال: الّذي يفرّ من أخيه قابيل، والّذي يفرّ من أمّه موسى، والّذي يفرّ من أبيه إبراهيم، يعني: الأب المربّي لا الوالد، والّذي يفرّ من صاحبته لوط، والّذي يفرّ من ابنه نوح، وابنه كنعان.و في كتاب الخصال : عن الحسين بن عليّ- عليه السّلام- قال: كان عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- بالكوفة إذ قام إليه رجل من أهل الشّام فسأله عن مسائل، وكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عن قول اللّه- تعالى-: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ- وذكر مثل ما في العيون سواء، إلّا أنّه ليس فيه: الأب المربّي لا الوالد.
و بعده قال مصنّف هذا الكتاب: إنّما يفرّ موسى من أمّه خشية أن يكون قصّر فيما وجب عليه من حقّها، وإبراهيم إنّما يفرّ من الأب المربّي المشرك لا من الأب الوالد وهو تارخ. (انتهى)
و في كتاب التوحيد . عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول عن أهل المحشر: ثمّ يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيفرّ بعضهم من بعض، فذلك قوله:
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ.
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ : يكفيه في الاهتمام به.
و قرئ : «يعنيه»، أي: يهمّه.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: شغل يشغله عن غيره.
و في مجمع البيان : وروي، عن عطاء بن يسار ، عن سودة زوج النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قالت: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يبعث النّاس حفاة عراة غرلا، يلجمهم العرق ويبلغ شحمة الآذان.
قالت: قلت: يا رسول اللّه، وا سوأتاه، ينظر بعضنا إلى بعض إذا جاء؟
قال: شغل النّاس عن ذلك. وتلا: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ.
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ : مضيئة. من إسفار الصّبح.
ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ : لما يرى من النّعيم.
و في محاسن البرقي : عنه، عن الحسين بن يزيد النّوفليّ، عن السكونيّ، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ- عليه السّلام- قال: من وقّر مسجدا لقى اللّه يوم يلقاه ضاحكامستبشرا، وأعطاه كتابه بيمينه.
وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ : غبار وكدورة.
تَرْهَقُها قَتَرَةٌ : يغشاها سواد وظلمة.
أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ : الّذين جمعوا إلى الكفر الفجور، فلذلك يجمع إلى سواد وجوههم الغبرة.