(فصل في حكم تجاوز الدم عن العشرة) (مسألة 1): من تجاوز دمها عن العشرة - سواء استمر إلى شهر أو أقل أو أزيد (2) - إما أن تكون ذات عادة أو ] للحرمة. نعم لو بني على سقوط الاستصحاب المذكور بأدلة وجوب الاستبراء فالحكم التخيير عقلا بين فعل العبادة وتركها - كما في سائر موارد الدوران بين المحذورين - لتعذر الموافقة القطعية، وحينئذ لا يكون أحدهما بعينه أحوط ولو بني على وجوب الاستبراء شرطا فوجوب الغسل مع تعذره مبني على تمامية قاعدة الميسور، وهي غير ظاهرة، لعدم إحراز التكليف بالصلاة والغسل. هذا ولاجل أن القدر المتيقن من أدلة الاستبراء الردع عن طريقية الانقطاع إلى النقاء الواقعي، فالاقوى جواز العمل بالاستصحاب المذكور، وحينئذ يتعذر عليها الاحتياط بناء على حرمة العبادة ذاتا، بل مقتضى الاستصحاب ثبوت أحكام الحيض وعدم وجوب الغسل ولا الصلاة. فلاحظ وسيجئ في حرمة العبادة ماله دخل في المقام. (1) هذا ينبغي أن يكون أحوط بعين الوجه في الاحتياط السابق. فتأمل جيدا. والله سبحانه أعلم. (فصل في حكم تجاوز الدم عن العشرة) (2) بلا خلاف ظاهر، بل ظاهر كلماتهم كونه من الواضحات. وهو الذي يقتضيه إطلاق كثير من النصوص الآتية في أحكام الاقسام اللاحقة.
===============
( 274 )
[ مبتدئه أو مضطربة أو ناسية، أما ذات العادة فتجعل عادتها حيضا (1) وإن لم تكن بصفات الحيض (2) والبقية استحاضة (3) ] (1) بلا خلاف فيه في الجملة، بل عن غير واحد: دعوى الاجماع عليه صريحا وظاهرا، بل عن المعتبر: انه إجماع العلماء عدا مالك، وعن المنتهى: انه إجماع أهل العلم. وتدل عليه النصوص الدالة على حيضية الدم في العادة. وما تقدم في مبحث الاستظهار من نصوص الاستظهار، ونصوص الاقتصار على العادة، وكثير من فقرات مرسلة يونس الطويلة، منها: قوله (ع): " فهذه سنة التي تعرف أيام أقرائها لا وقت لها إلا أيامها قلت أو كثرت " (* 1). (2) كما يقتضيه إطلاق جملة من النصوص المشار إليها آنفا. مع أنه لاإشكال فيه إذا كان ما في خارج العادة فاقدا أيضا، أما إذا كان واجدا فسيأتي الكلام فيه. (3) بلا خلاف فيه فيما عدا أيام الاستظهار، لصريح النصوص الدالة عليه المشار إليها آنفا. وأما أيام الاستظهار فالمعروف فيها ذلك أيضا. وعن المنتهى والبيان والدروس والموجز وجامع المقاصد وغيرها: التصريح بوجوب قضاء ما تركته في أيام الاستظهار، بل عن المعتبر والذكرى: الاجماع عليه وتقتضيه النصوص الآمرة بالاقتصار على العادة. التي أشرنا إلى بعضها آنفا بناء على ما عرفت من وجه الجمع بينها وبين نصوص الاقتصار على العادة لكن استشكل في نهاية الاحكام في ذلك، وعن المدارك والمفاتيح والكفاية: التوقف فيه، بل في الرياض: الاقرب إلحاقها بالحيض، حاكيا له عن مصباح المرتضى وظاهر القواعد، لظهور نصوص الاستظهار في ذلك.
____________
(* 1) الوسائل باب: 5 من أبواب الحيض حديث: 1
===============
( 275 )
[ وإن كانت بصفاته (1) إذا لم تكن العادة حاصلة من التمييز ] وفيه: ما عرفت من ظهورها في كون التحيض في أيامه من باب الحكم الظاهري - كما أشرنا إليه في مبحث الاستظهار - لا الحكم الواقعي. ومنه يظهر ضعف ما عن النهاية من أن عدم وجوب الاداء أو حرمته مانع من وجوب القضاء، فان المنع عن وجوب القضاء إنما يسلم بالنسبة إلى عدم وجوب الاداء أو حرمته الواقعيين لا الظاهريين. (1) كما عن المفيد والسيد، والشيخ في الجمل وموضع من المبسوط والحلي وابن سعيد والفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم، بل هو المنسوب إلى المشهور، لعموم ما دل على رجوع المستحاضة إلى عادتها. مع صراحة بعضه أو ظهوره في تقدمها على التمييز، ففي المرسلة الطويلة: " لو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم... (إلى أن قال): فإذا جهلت الايام وعددها احتاجت حينئذ إلى النظر إلى إقبال الدم وادباره... " (* 1)، ونحوها غيرها من فقراتها. وفي موثق اسحاق بن جرير " قالت: فان الدم يستمر بها الشهر والشهرين والثلاثة كيف تصنع بالصلاة؟ قال (ع): تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين. قالت له: إن أيام حيضها تختلف عليها، وكان يتقدم الحيض اليوم واليومين والثلاثة، ويتأخر مثل ذلك، فما علمها به؟ قال (ع): دم الحيض ليس به خفاء... " (* 2). ومنه يظهر ضعف ما عن الشيخ في النهاية والاصباح وموضع من المبسوط من تقديم التمييز - بل عن الخلاف: دعوى إجماع الفرقة عليه - لاخبار الصفات، لما عرفت من عدم صلاحيتها لمعارضة
____________
(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4 (* 2) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3
===============
( 276 )
[ بأن يكون من العادة المتعارفة، وإلا فلا يبعد ترجيح الصفات على العادة (1) بجعل ما بالصفة حيضا دون ما في العادة الفاقدة ] أخبار العادة فضلا عن وجوب تقديمها عليها. ونحوه في الضعف ما عن الوسيلة من التخيير جمعا بين الدليلين. ثم إن ظاهر النصوص المتقدمة عدم الفرق في وجوب تقديم العادة بين إمكان الجمع بينها، وبين التمييز - بجعل المجموع حيضا واحدا بأن لم يتجاوز المجموع العشرة، أو حيضين مستقلين بأن فصل بينهما أقل الطهر - وبين ما لم يمكن الجمع بينهما أصلا، وهو المحكي عن ظاهر جماعة وصريح آخرين لكن في المستند: نسب إلى الاكثر في الصورة الثانية التحيض بهما معا، وفي الجواهر: انه نقل عن ظاهر المنتهى الاتفاق عليه، وكأنه لعدم التنافي بين الدليلين فيجب العمل بهما. وفيه: انه خلاف ظاهر النصوص المتقدمة. ومثله وجها ومنعا ما قيل من التحيض بهما في الصورة الاولى، بل في الرياض: حكي نقل الاجماع عليه، وفي الجواهر عن ظاهر التنقيح: نفي الخلاف فيه. لكن شيخنا الاعظم (ره) نفى القول به من أحد من الاصحاب، وأنهم بين مقدم للعادة ومقدم للتمييز ومخير بينهما، كصورة عدم إمكان الجمع، وتشهد له كثير من العبارات المحكية في طهارته، فلاحظ المبسوط والوسيلة وغيرهما. وكيف كان فلم يثبت ما يجب لاجله الخروج عن ظاهر النصوص المتقدمة الدالة على اعتبار العادة لا غير. (1) كما عن المحقق الثاني الميل إليه، معللا له بأن الفرع لا يزيد على أصله، مع احتمال الترجيح لصدق الاقراء. وفيه بعد لانه خلاف المتعارف انتهى. وفيه: أن القاعدة الاولى ليست مما يصح الاعتماد عليها لعدم الدليل عليها من عقل أو نقل. وأما دعوى انصراف الاقراء إلى غير
===============
( 277 )
[ وأما المبتدئة والمضطربة - بمعني من لم تستقر لها عادة - فترجع إلى التمييز (1) فتجعل ما كان بصفة الحيض حيضا وما كان ] ما ثبت بالتمييز، فمع أنها ممنوعة - لما تكرر من عدم قدح الغلبة في حجية الاطلاق - أن مرجعها إلى عدم ثبوت العادة بالتمييز أصلا، فلا تترتب عليها أحكام العادة مطلقا حتى إذا لم يعارضها التمييز. لكنه على تقدير تماميته مناف لما ذكره أولا، المبني على ثبوت العادة بالتمييز كما لا يخفى. فالاولى: دعوى ظهور أدلة التمييز في خصوص من لم تكن لها عادة بغيره، أما إذا كانت لها عادة به فعمومها محكم. لكنها لا تخلو من إشكال أو منع، ولعله لذلك استشكل في الحكم في الروض وكشف اللثام، كما حكي. وقد تقدم في بيان ما تتحقق به العادة بعض ماله دخل في المقام. فراجع. (1) وهو مذهب فقهاء أهل البيت (ع) - كما في محكي المعتبر - ومذهب علمائنا، كما في محكي المنتهى، وعن الخلاف والتذكرة: الاجماع عليه في المبتدئة، بل استظهر من الاول ذلك في المضطربة أيضا. ويدل عليه فيهما إطلاق حسن حفص: " دخلت على أبي عبد الله (ع) امرأة فسألته، عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدرى أحيض هو أو غيره؟ فقال (ع) لها: إن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع وحرارة، ودم الاستحاضة أصفر بارد، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة " (* 1)، ويدل عليه في الثانية مصحح إسحاق بن جرير المتقدم: " فقالت له: إن أيام حيضها تختلف عليها، وكان يتقدم الحيض اليوم واليومين والثلاثة، ويتأخر مثل ذلك، فما علمها به؟ قال (ع): دم الحيض ليس به خفاء، هو دم حار له حرقة، ودم الاستحاضة دم
____________
(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 2
===============
( 278 )
فاسد بارد... " (* 1). نعم قد يظهر من ذيل مرسلة يونس الطويلة - وهو قوله (ع): " وأما السنة الثالثة فهي للتي ليس لها أيام متقدمة، ولم تر الدم قط، ورأت أول ما أدركت واستمر بها، فان سنة هذه غير سنة الاولى والثانية... (إلى أن قال) (ع): فقال - يعني رسول الله صلى الله عليه وآله -: تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام، ثم اغتسلي غسلا وصومي ثلاثة وعشرين... " (* 2) - أن حكم المبتدئة الرجوع إلى الروايات. وبساعده اطلاق جملة من النصوص، كموثق ابن بكير: " إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر بها الدم تركت الصلاة عشرة أيام، ثم تصلي عشرين يوما، فان استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلت سبعة وعشرين يوما " (* 3)، ونحوه موثقه الآخر (* 4)، وموثق سماعة: " سألته عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيام قرئها. قال (ع): أقراؤها مثل أقراء نسائها، فان كانت نساؤها مختلفات فاكثر جلوسها عشرة وأقله ثلاثة أيام " (* 5). وعليه يشكل الحكم برجوع المبتدئة إلى التمييز، بل لعل مقتضى الجمع العرفي بين مرسلة يونس والنصوص السابقة تقييدها بها، لظهورها في الفرق بين المبتدئة والناسية، وأن الاولى ترجع إلى العدد والثانية إلى التمييز. اللهم إلا أن يقال: إن التأمل في المرسلة يقضي بأن السنة الثالثة مجعولة لمن لا تمييز لها
____________
(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3 (* 2) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 3 (* 3) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 6 (* 4) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 5 (* 5) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 2
===============
( 279 )
بل هو كالصريح، لقوله (ع) في ذيلها: " فان لم يكن الامر كذلك، ولكن الدم أطبق عليها، فلم تزل الاستحاضة دارة، وكان الدم على لون واحد، فسنتها السبع والثلاث " (* 1) المعتضد بظاهر الصدر في حصر السنن في ثلاث، لا حصر المستحاضة فيها، مع قوله (ع) في صدرها: " بين فيها كل مشكل... ". ولا ينافيه ما تقدم من الفقرة، لامكان الحمل على الغالب - كما قيل - أو لصيرورتها اتفاقا موردا لتلك السنة، من جهة وقوعها جوابا عن حال فاقدة التمييز، كما يظهر من قولها: " أثجه ثجا ". ويومئ إليه أنه لو بني على تقييد السنن الثلاث بمواردها بقيت من لم تستقر لها عادة خارجة عن أحكام الرواية، وهو خلاف ظاهر قوله (ع): " بين فيها كل مشكل... " وحينئذ فكما يكون ذكر الناسية في السنة الثانية - لانها مورد السؤال - من باب الاتفاق بلا خصوصية لها، كما يشير إلى ذلك - مضافا إلى ما سبق - تعليل الرجوع إلى العادة وعدم الاعتناء بالتمييز بقوله (ع): " لان السنة في الحيض " الظاهر في وجود مقتضى الحجية في التمييز، لولا المعارضة بالعادة الساري ذلك في جميع الاقسام، كذلك يكون ذكر المبتدئة في السنة الثالثة. مضافا إلى أن ظاهر قوله صلى الله عليه وآله: تحيضي في كل شهر في علم الله... " وقول الصادق (ع): " ثم مما يزيد هذا بيانا قوله صلى الله عليه وآله: تحيضي... " كون الحكم المذكور من قبيل الاصل، يرجع إليه حيث لا إمارة توجب العلم بالحيض. وحينئذ فاطلاق دليلية الصفات المتقدمة يكون حاكما على المرسلة والموثقات، لعدم الفرق في مفاد الجميع. بل موثق سماعة محكوم لها - مع قطع النظر عن ذلك - لفرض السائل فيه أنها لا تعرف أيامها، إذ ليس المراد منه أنها
____________
(* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 3
===============
( 280 )
لا تعرف عادتها - لكون المفروض أنها مبتدئة - بل المراد أنها لا تعرف حيضها، فإذا كانت ذات تمييز كانت أدلة التمييز موجبة لكونها ممن تعرف أيامها. ولو أغمض عما ذكرنا كله فلا أقل من ترجيح تقييد النصوص المذكورة على تقييد أدلة الصفات، لغلبة تساوي الدم في المبتدئة - كما سبق -، ولكن إباء مثل قوله (ع): " إن دم الحيض حار... "، عن التقييد ليس كاباء المعارض له، فيحمل على صورة فقد التمييز. فتأمل جيدا، ومن ذلك كله يظهر ضعف ما في الحدائق من الاشكال على المشهور في حكمها برجوع المبتدئة إلى التمييز ومع فقده فالى العدد. وأما الاشكال عليه - كما في طهارة شيخنا الاعظم (ره) - بأن غاية التعارض في المقام الرجوع إلى المرجحات السندية، وهي مع أخبار التمييز، لموافقتها المشهور، ومخالفتها لابي حنيفة من الجمهور، ولو أغمض فالمرجع إطلاقات الحيض الصادقة عرفا على الواجد المسلوب عن الفاقد لها. ولو أغمض فالمرجع الظن، لانسداد باب العلم والامارات، وعدم إمكان الرجوع إلى الاصل، لان الخصم لا يقول به، بل لم يقل به أحد عدا ما عن الغنية، من الرجوع إلى أكثر الحيض وأقل الطهر... انتهى ملخصا. ففيه: أن الرجوع إلى المرجحات السندية لا يكون في المتعارضين بالعموم من وجه، كما حقق في محله، وكون موافقة المشهور من المرجحات محل إشكال أو منع. مع معارضة ذلك بكون الرجوع إلى العدد في المبتدئة موافق للشهرة في الرواية، لكثرة الروايات الدالة عليه، بخلاف الرجوع إلى التمييز. والمخالفة لابي حنيفة غير كافية في الترجيح مع الموافقة لغيره، ولا سيما في الاخبار الصادقية. وصدق الاطلاق على الواجد إنما يتم مع حجية الصفات عرفا، وهو غير ثابت، بل قد ينافيه الشك والسؤال كما
===============
( 281 )
[ بصفة الاستحاضة استحاضة بشرط أن لا يكون أقل من ثلاثة ولا أزيد من العشرة (1) ] أشرنا إلى ذلك في صدر المبحث. ومجرد عدم قول الخصم بالرجوع إلى الاصل - لاستظهاره من الادلة الرجوع إلى العدد - لا يكفي دليلا على بطلان الاصل. وكأنه (قده) لذلك أشار بقوله: " فتأمل ". (1) على المشهور، بل عن جامع المقاصد: نفي الخلاف فيه، وعن التذكرة وظاهر المعتبر: الاجماع عليه، لما دل على تحديد الحيض بذلك كما سبق. واستشكله في الحدائق، بأنه لا تساعده الروايات الواردة في هذه المسألة، فانها مطلقة في التحيض بما شابه دم الحيض، قليلا كان أم كثيرا وفيه: المنع من إطلاقها، لانها واردة في مقام جعل الطريق إلى الحيض فتختص بصورة احتمال المطابقة، وأدلة التحديد تنفي احتمال المطابقة في الفاقد لبعضها كما لا يخفى. نعم عن المبسوط القطع بتنقيص الزائد على العشرة فتتحيض بالعشرة الاولى منه. وفي كشف اللثام: " ولا يبعد عندي ما ذكره الشيخ، ولا التحيض بالناقص مع إكماله " وتبعه في الرياض، لعموم أدلة التمييز. وفيه: أنه لا يتم في الفرض الثاني، للمعارضة بين وجدان الصفات الذي هو طريق إلى الحيض والفقدان الذي هو طريق إلى الاستحاضة، وحيث لا مرجح لاحدهما يتعين التساقط - كما هو الاصل في المتعارضين - للتكاذب بين مدلوليهما. وتكميل الناقص راجع إلى إسقاط الفقدان عن الحجية بلا مرجح. وفي طهارة شيخنا الاعظم (ره) أورد عليه: " بأن مراعاة عموم الحكم على الضعيف بالاستحاضة يوجب خروج المورد عن أدلة التمييز، إذ المفروض اختلاط الحيض بالاستحاضة، فلا يمكن تمييزها بجعل المجموع
===============
( 282 )
استحاضة، فيلزم من الرجوع إلى أدلة التمييز طرحها، بخلاف ما لو حكمنا على الناقص بالحيضية وعلى الضعيف بالاستحاضة إلا ما يحتاج إليه في تكميل الناقص، فانه قد حصل التمييز من دون تقييد زائد على ما هو المعلوم في كل من الضعيف والقوي من تقييده بصورة القابلية شرعا ". ويشكل: بأن قابلية الدم الناقص للحيضية محرزة لاحتمال تكملته من الفاقد، وإنما الشك في فعلية حيضيته، وإثبات حيضية المقدار المكمل له من الفاقد - لكونه مدلولا التزاميا للوجدان في الواجد - ليس أولى من إثبات استحاضيته لكونها مطابقيا للفقدان، ومع عدم المرجح يسقطان معا عن الحجية. ومثله في الاشكال ما في رسالة الدماء للاستاذ (قده) من أنه ليس الادبار الذي يوجب البناء على الاستحاضة كالاقبال كي يعارض به، ضرورة أنه تبع الاقبال كما لا يخفى على المتأمل. إذ المراد من التبعية إن كان بمعنى أن الادبار حجة حيث لا يكون الاقبال حجة على خلافه - كما هو ظاهر - فهو ممنوع، فان لسان دليل الجعل في صفاتي الحيض والاستحاضة واحد. وإن كان بمعنى أن حجية الادبار على الاستحاضة في الفاقد من جهة عدم الاقبال. فهو - لو تم - لا يجدي فيما نحن فيه أيضا، لكون المفروض تحقق الادبار في الفاقد، فيكون أمارة على كونه استحاضة، فيتعارض مع الاقبال في الواجد ويرجع الاشكال. نعم يجدي في رفع التعارض دعوى كون حجية صفات الاستحاضة في إثباتها من باب الاصل - نظير قاعدة الامكان - فلا يرجع إليها مع الدليل. لكنه خلاف ظاهر الادلة. مع أن لازمه البناء على التحيض إلى العشرة ولو مع الادبار، للاستصحاب. ولا يظن الالتزام به من أحد. نعم لا تعارض في الفرض الاول - وهو ما لو كان الواجد أكثر من
===============
( 283 )
أكثر الحيض - بين الدليلين، إذ في الاقتصار على المقدار الممكن في الحيضية والبناء على استحاضية الزائد عليه ليس إلا طرح لادلة حجية الصفات في ذلك المقدار الزائد، ولابد منه لاعتبار القابلية في حجيتها كما تقدم. وكأنه لذلك بنى الشيخ (ره) في المبسوط لزوم التنقيص هنا، ولم ينقل عنه القول بالتكميل في الفرض السابق. نعم عليه يقع التعارض بين التنقيص من الاول ومن الآخر، فتسقط حجية الصفات في الطرفين معا، لعدم المرجح. بل المرجع فيهما الاصل، وهو يقتضي في الاول البناء على الطهر لو كان مسبوقا بالضعيف الذي هو استحاضة، أو ولو كان مسبوقا بالنقاء بناء على الرجوع إلى استصحاب الطهر - في المردد بين الحيض والاستحاضة - لا إلى الاحتياط، كما تقدم الكلام فيه، وفي الآخر البناء على الحيض للاستصحاب. لكنه خلاف ما عن المبسوط من البناء على حيضية العشرة الاولى. وكأنه مبني على أن التقدم الزماني يوجب ترجح تطبيقها على المتقدم بالنسبة إلى تطبيقها على المتأخر. وهو غير ظاهر. وليس هو أيضا مقتضى قاعدة الامكان، لمعارضتها بمثلها في الآخر أيضا. ولا هو مقتضى المرسلة بدعوى ظهورها في أن حدوث الاقبال يوجب التحيض - كما ذكر الاستاذ (ره) في رسالته - لمنع ذلك، بل هي ظاهرة في أن نفس الاقبال أمارة على الحيض حدوثا وبقاء، وإلا لاشكل الامر في البقاء إلا أن يجعل الحدوث حجة على التحيض في الحدوث والبقاء. وهو كما ترى. أو يجعل التحيض في البقاء اعتمادا على الاستصحاب. وكيف كان فالتنقيص - لو بني على كونه موافقا للقواعد - لا مجال للبناء عليه، فانه خلاف ظاهر المرسلة، الحاصرة للسنن في ثلاث، المانعة من الرجوع إلى غيرها من أصل أو نحوه، الظاهرة في خصوص التمييز
===============
( 284 )
[ وأن لا يعارضه دم آخر واجد للصفات (1) كما إذا رأت خمسة أيام - مثلا - دما أسود وخمسة أيام أصفر ثم خمسة أيام أسود. ومع فقد الشرطين أو كون الدم لونا واحدا ] الجامع للشرطين المذكورين. فالبناء على كون المستحاضة فاقدة للتمييز عند فقدهما متعين كما هو المشهور. (1) كما هو المشهور، بل في كشف اللثام: " لا خلاف فيه " والوجه فيه ظاهر، لان البناء على حيضية الدمين معا متعذر لفرض التعارض، والبناء على حيضية أحدهما بعينة دون الآخر ترجيح من غير مرجح، لاتحاد نسبتهما إلى الدليل. هذا والمشهور التعبير عن هذا الشرط، بأن لا ينقص الضعيف عن أقل الطهر، وهو المتعين بناء على المشهور من امتناع كون الطهر أقل من عشرة، حتى ما كان بين أجزاء الحيضة الواحدة، لشموله لصورة عدم تجاوز القويين وما بينهما من الضعيف أكثر الحيض، كما لو رأت الاسود ثلاثة أيام، وبعده الاصفر ثلاثة، وبعده الاسود ثلاثة، ثم الاصفر بعدها فانه لا تعارض بين حيضية القويين، لامكان كونهما مع الضعيف حيضا واحدا، كما عن الشيخ (ره) في المبسوط الجزم به. فعلى التعبير عن الشرط المذكور بما في المتن لا مانع من الرجوع إلى التمييز في الفرض. لعدم المعارضة بين الدمين، وعلى التعبير الثاني يمتنع الرجوع إلى التمييز فيه، لكون الضعيف أقل من عشرة، فعلى المشهور من أن الطهر لا يكون أقل من عشرة يمتنع الرجوع إلى التمييز فيه، لتعارض طريقية الوجدان في القويين مع الفقدان في الضعيف. نعم يمكن الرجوع إلى التمييز فيه بناء على احتمال تبعية الادبار للاقبال. بمعنى أنه حجة على الاستحاضة، حيث
===============
( 285 )
[ ترجع إلى أقاربها في عدد الايام (1) ] لا يكون إقبال يدل على الحيض ولو في غير ذلك الدم، فانه عليه يحكم بحيضية الجميع في الفرض المذكور ويسقط الادبار عن الحجية على الاستحاضة لكن عرفت ضعف المبنى المذكور. وكيف كان فقد استشكل في الحدائق في الشرط المذكور زاعما عدم الدليل عليه، بل ظاهر الاخبار يرده، ويؤيده موثقتا أبي بصير ويونس ابن يعقوب المتقدمتان في اعتبار التوالي (* 1). وفيه: المنع من ظهور الاخبار في خلافه كما عرفت. وأما الموثقتان فظاهر موردهما النقاء بين الدمين، وقد عرفت فيما سبق وجوب حملهما على التحيض ظاهرا بالدم، لا أنه حيض حقيقة، والنقاء طهر كذلك لتكونا مخالفتين للقواعد المتسالم عليها بين الاصحاب المستفادة من النصوص. ثم إنه لو بني على إعمال أدلة التمييز في المقام فاللازم الحكم بحيضية أحد القويين واستحاضية الضعيف مع القوي الآخر، ولا وجه لالحاق الضعيف بأحد القويين، فانه طرح لطريقية الادبار من غير وجه ظاهر. (1) على المشهور في المبتدئة، وعن التذكرة: نسبته إلى علمائنا، وعن التنقيح وظاهر السرائر: نفي الخلاف فيه. ويدل عليه مضمر سماعة المجمع على العمل به كما عن الخلاف: " سألته عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر، وهي لا تعرف أيام أقرائها. فقال (ع): أقراؤها مثل أقراء نسائها، فان كن نساؤها مختلفات فاكثر جلوسها عشرة وأقله ثلاثة " (* 2). وهي وإن لم يصرح فيها بتأخر هذه المرتبة عن التمييز
____________
(* 1) ص: 206 (* 2) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 2
===============
( 286 )
إلا أن قوله: " لا تعرف أيامها " لما كان المراد منه أيام حيضها المختلطة بالاستحاضة، كانت أدلة التمييز موجبة لخروجها عن مورد السؤال، لاقتضائها العلم بايامها، كما أشرنا إلى ذلك سابقا، فيكون الرجوع إلى الاقارب مشروطا بفقد التمييز. كما أن الرواية المذكورة وإن كانت معارضة بالمرسلة الطويلة الحاصرة للسنن في ثلاث، والدالة على الرجوع إلى العدد بمجرد فقد التمييز، إلا أنه يجب تقييدها بها حملا للمطلق على المقيد. بل يمكن أن تكون حاكمة عليها، لظهور المرسلة في كون الرجوع إلى العدد لفقد الامارة نظير الاصل، فإذا ثبتت طريقية أقراء الاقارب كانت مقدمة عليه، ويكون الحصر في الثلاث إضافيا، إما بلحاظ الغالب لغلبة اختلاف الاقارب، وإما لغير ذلك. ثم المحكي عن الشيخ وابن حمزة والحلي والمحقق - في غير المعتبر - والعلامة - في غير المنتهى - والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم: ثبوت الحكم المذكور أيضا لمن لم تستقر لها عادة. واستفادته من المضمر المذكور لا يخلو من إشكال، لاختصاصه بالمبتدئة بالمعنى الاخص. وكون ذكر المبتدئة في السؤال لا لخصوصية لها - لظهور قول السائل: " وهي لا تعرف أيامها " في كون المناط في السؤال ذلك - ممنوع. مع أن البناء عليه يوجب الحاق الناسية بهما، ولم يلتزم به الجماعة. وأما رواية زرارة ومحمد عن أبي جعفر (ع): " يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها، فتقتدي باقرائها، ثم تستظهر على ذلك بيوم " (* 1) ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع): " النفساء إذا كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست مثل أيام أمها أو أختها أو خالتها، واستظهرت
____________
(* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 1
===============
( 287 )
[ بشرط اتفاقها (1) ] بثلثي ذلك " (* 1) فقد استشكل في كونهما مما نحن فيه، لاحتمال كون التحيض بعادة الاقارب فيهما كالتحيض في أيام الاستظهار، فيكون حكما ظاهريا بلحاظ انقطاعه على العشرة لا حكما واقعيا بلحاظ عبوره عنها، كما هو محل الكلام. مع أنهما غير ظاهرتين في تأخر ذلك عن التمييز أو تقدمه ولا يعمان الناسية، فكيف يعتمد عليهما فيما نحن فيه؟؟ وكأنه لذلك كان ظاهر جماعة - منهم: الفاضلان في المعتبر والمنتهى - اختصاص الحكم المذكور بالمبتدئة بالمعنى الاخص. لكن يدفع الاول أنه خلاف الظاهر، لانه جعل في مقابل الاستظهار ويدفع الثاني الاجماع على تقدير التمييز عليه. مع أن مقتضى قوله (ع) في رواية أبي بصير: " إذا كانت لا تعرف أيام نفسها " أن الرجوع إلى النساء مشروط بالجهل بأيام نفاسها، وأدلة التمييز حاكمة عليه، والمراد بايام النفاس أيام عادة الحيض لاما يقابل الحيض، إذ لا اعتبار بأيامه بالمعنى المقابل للحيض. فلاحظ. (1) كما هو ظاهر الشرائع، وعن ظاهر المعتبر وغيره، حملا للجمع على مجموع الافراد. وعن الذكرى: الاكتفاء باتفاق الاغلب، وكأنه لتعذر الرجوع إلى الجميع أو تعسره غالبا. ويحتمل الاكتفاء بالواحد بحمل الجمع على صرف الطبيعة الصادقة على القليل، كقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (* 2)، ولعله الاظهر، كما يظهر من ملاحظة نظائره الواردة في مقام الارجاع إلى الحجج، مثل: " سل العلماء ما جهلت "
____________
(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 20 (* 2) النحل: 43
===============
( 288 )
[ أو كون النادر كالمعدوم (1). ولا يعتبر اتحاد البلد (2). ومع عدم الاقارب (3) أو اختلافها ترجع إلى الروايات، مخيرة بين اختيار الثلاثة في كل شهر أو ستة أو سبعة (4) ] وتقتضيه الروايتان المذكورتان. وحينئذ فالرجوع إلى العدد مع الاختلاف ناشئ من تساقط الحجتين للتعارض، لا لعدم المقتضي للحجية. (1) الالحاق بالمعدوم لا بد أن يكون بالعناية، فلا مجال للبناء عليه. فتأمل. (2) لاطلاق الدليل. وما عن ظاهر الذكرى من اعتباره، لاختلاف الامزجة باختلاف البلدان، ضعيف، إذ لا يمكن الخروج عن إطلاق الدليل بمجرد الاعتبار على تقدير تماميته مطلقا. ودعوى انصراف الاطلاق إليه ممنوعة. (3) يعني: التي يمكن الرجوع إليها، وإلا فعدمها مطلقا ممتنع. إذ لا أقل من الامهات. (4) كما يقتضيه الجمع بين موثقتي ابن بكير (إحداهما): " في المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها. فاستمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلي عشرين يوما (* 1)، فان استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلت سبعة وعشرين يوما، و (ثانيتهما): " في الجارية أول ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة: انها تنتظر بالصلاة فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض، فإذا مضى ذلك - وهو عشرة أيام - فعلت ما تفعله المستحاضة، ثم صلت فمكثت تصلي بقية شهرها، ثم تترك الصلاة في المرة الثانية أقل ما تترك إمرأة الصلاة، وتجلس أقل ما يكون من المطث، وهو ثلاثة أيام، فان دام عليها الحيض صلت في وقت الصلاة التي صلت، وجعلت وقت طهرها أكثر ما يكون
____________
(* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 6
===============
( 289 )
من الطهر، وتركها للصلاة أقل ما يكون من الحيض " (* 1) وبين ما في المرسلة الطويلة من حكاية قول النبي صلى الله عليه وآله لحمنة بنت جحش: " تحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام، ثم اغتسلي غسلا وصومي ثلاثة وعشرين يوما أو أربعة وعشرين " (* 2) بناء على أن المستفاد من الاولتين التحيض بالثلاثة لا غير، ويكون ما في صدرهما من التحيض بالعشرة أول الدم من قبيل التحيض أيام الاستظهار، لاحتمال انقطاع الدم على العشرة - ولذلك بنى المشهور على تحيض المبتدئة في أول رؤية الدم إلى العشرة، مستدلين بالموثقتين المذكورتين - لا مما نحن فيه من التحيض بعد العلم باختلاط الحيض والاستحاضة وعدم التمييز بينهما، والمستفاد من المرسلة التخيير بين الستة والسبعة لا غير، فيجمع بينهما برفع اليد عن تعين خصوصية كل منهما وتكون الوظيفة هي التخيير بين الاعداد الثلاثة. اللهم إلا أن يقال: التخيير بين الستة والسبعة وان ذكر في الفقرة المتقدمة إلا أن بقية الفقرات اللاحقة دالة على تعيين السبعة، مثل قول الصادق (ع): " أقصى وقتها سبع، وأقصى طهرها ثلاث وعشرون " وقوله (ع): " فوقتها سبع وطهرها ثلاث وعشرون "، وقوله (ع): " فسنتها السبع والثلاث والعشرون، لان قصتها كقصة حمنة... " وغيرها، وذلك مما يوجب اضطراب رواية الست جدا، إذ احتمال اعتماد الامام (ع) في ترك ذكر الست على ما حكاه عن النبي صلى الله عليه وآله بعيد. وأصالة عدم الزيادة في الفقرة الاولى معارضة بأصالة عدم النقيصة في بقية الفقرات. وكأنه لذلك اختار في الجامع - على ما حكي عنه - التخيير بين السبعة والثلاثة.
____________
(* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 5 (* 2) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 3
===============
( 290 )
لكن يعارض الروايات المذكورة موثق سماعة المتقدم في الرجوع إلى الاقارب (* 1)، وظاهره التخيير بين الثلاثة والعشرة في كل شهر، كما اعترف به غير واحد من الاساطين. ولو سلم إهماله من هذه الجهة فلا أقل من الدلالة على التحيض بالعشرة في الجملة، فلا يتجه التخيير بين خصوص الثلاثة والسبعة أو مع اضافة الستة، ولا سيما بملاحظة رواية الحسن الخزاز عن أبي الحسن (ع): " عن المستحاضة كيف تصنع إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة، وكم تدع الصلاة؟ فقال (ع): أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة " (* 2). ودعوى: أخصية المرسلة منهما فيقيدان بها، مندفعة بظهور المرسلة في جميع الاقسام، كما أشرنا إليه سابقا. ودعوى: سقوط الروايتين عن الحجية، لضعف السند، ممنوعة، أما في الاولى فلانها وإن كانت مرفوعة في طريق الكليني وأحد طريقي الشيخ، لكنها موثقة في الطريق الآخر له، لانه رواها - كما في الوسائل - (* 3) عن زرعة عن سماعة، وطريقه إلى زرعة صحيح وهو وسماعة ثقتان. وأما الثانية فطريقها ما بين موثق الحديث وحسنه، أو صحيحه، وهذا المقدار كاف في الاعتبار. وحينئذ فالمتعين الرجوع إلى مقتضى الجمع العرفي بين الجميع من الاخذ بظاهر موثق سماعة من التخيير بين المراتب التي بين الثلاثة والعشرة، وحمل ذكر السبعة في المرسلة، والثلاثة في الموثقتين على بيان أفضل الافراد، كما هو الحال في نظائره. اللهم إلا أن يقال: التخيير بين المراتب التي بين الثلاثة والعشرة، إنما استفيد من إطلاق موثق سماعة، وحينئذ تكون المرسلة الدالة على تعين
____________
(* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 2 (* 2) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 4 (* 3) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض ملحق حديث: 2
===============
( 291 )
[ وأما الناسية فترجع إلى التمييز (1)، ] السبعة مقيدة له، فيكون الحكم التخيير بين الثلاثة والسبعة والعشرة في كل شهر. وفيه: انه بعد حمل المقيد على أحد الافراد من جهة صراحة النصوص في جواز التحيض بالعشرة والثلاثة، لا يقوى على تقييد المطلق بالاضافة إلى ما بينهما من المراتب، فيتعين التخيير بين الثلاثة إلى العشرة في كل شهر، كما عن الصدوق والسيد. هذا كله في المبتدئة بالمعنى الاخص، أما من لم تستقر لها عادة، فقد يشكل الحكم فيها من جهة خلو النصوص عن التعرض لها. إلا أن يقال: ظهور المرسلة في حصر السنن في ثلاث، يقتضي أن يكون حكمها التحيض بالسبعة، وحينئذ فالجمع بينها وبين رواية الخزاز يقتضي التخيير بين الثلاثة إلى العشرة كالمبتدئة. ويؤيده ما تقدم في المبتدئة، لبعد التفكيك في السبعة التي في المرسلة، بحملها على التعيين في المضطربة، والتخيير في المبتدئة، ولا سيما وكون المشهور تساويهما في الحكم. فلاحظ. ومنه يظهر ضعف بقية الاقوال التي أنهاها في كشف اللثام - في كل من المبتدئة والمضطربة - إلى أربعة عشر قولا، بل أنهاها في خصوص المبتدئة شيخنا الاعظم (ره) في طهارته إلى عشرين قولا، المبتنية على طرح جميع الروايات - للمعارضة مع الرجوع إلى الاصل، أو قاعدة الامكان، أو غيرها من القواعد - أو الاخذ ببعضها - للترجيح، أو التخيير، أو لضعف سند غيره، أو لدعوى الاجمال في دلالته - أو استظهار غير ما ذكرنا. أو غير ذلك. فلاحظ. (1) إجماعا، بل نقل الاجماع عليه متكررا، كذا في المستند. وفي الجواهر: نفى وجدان الخلاف فيه إلا ما عن أبي الصلاح من رجوعها إلى
===============
( 292 )
[ ومع عدمه إلى الروايات (1)، ولا ترجع إلى أقاربها (2). والاحوط أن تختار السبع (3). ] النساء ثم إلى التمييز، وما عن ابن زهرة، من التحيض بعشرة بعد فصل أقل الطهر. ويدل عليه مرسلة يونس الطويلة، بل هي القدر المتيقن منها. مضافا إلى نصوص الصفات المتقدمة في حكم المبتدئة. فانها مقدمة على نصوص العدد، لان نسبتها إلى نصوص العدد نسبة دليل الامارة إلى دليل الاصل كما عرفت، ومقدمة على نصوص الرجوع إلى النساء، وان كان الرجوع إلى النساء من قبيل الامارة أيضا، لان النسبة بينها نظير تلك النسبة لما في رواية ابي بصير السابقة في الرجوع إلى النساء فيمن لم تستقر لها عادة من قوله (ع): " إذا كانت لا تعرف... " كما أشرنا إلى ذلك سابقا، ومنه يظهر ضعف القولين المذكورين. (1) قد كثر الاختلاف في العدد الذي ترجع إليه الناسية، كالاختلاف فيما سبق، وربما تزيد الاقوال هنا على خمسة عشر قولا، والظاهر أنها كالمضطربة من حيث النصوص، لخروجهما معا عن مورد المرسلة، وموثقات سماعة، وابن بكير، ودخولهما معا في رواية الخزاز، وحيث عرفت ظهور المرسلة في العموم للمضطربة فهي أيضا عامة لها كعموم رواية الخزاز لهما، فيكون الحكم فيهما واحدا وهو التخيير بين الثلاثة إلى العشرة. (2) بلا خلاف ظاهر، إلا ما تقدم من أبي الصلاح، وقد عرفت ضعفه. نعم مقتضى إطلاق روايتي زرارة ومحمد وأبي بصير رجوعها إلى الاقارب بعد فقد التمييز، لكن العمل بهما بعد ظهور الاجماع على خلافهما غير ممكن. (3) لما عرفت من الاشكال في الست، ونصوص الثلاث غير شاملة
===============
( 293 )
[ (مسألة 2): المراد من الشهر ابتداء رؤية الدم إلى ثلاثين يوما (1) وإن كان في أواسط الشهر الهلالي أو أواخره. (مسألة 3): الاحوط أن تختار العدد (2) في أول رؤية الدم إلا إذا كان مرجح لغير الاول. ] لها بذاتها، لاختصاصها بالمبتدئة، وإنما بني على شمولها بالغاء خصوصية موردها، ولا ريب في أنه خلاف الاحتياط. وأما على المختار فلا يبعد أن يكون الاحوط ذلك أيضا، لجريان بعض المناقشات في رواية الخزاز وغيرها من روايات العدد، التي موردها خصوص المبتدئة فلا تشملها. ويحتمل رجوع الاحتياط إلى أصل التخيير، لا في خصوص الست، للاشكال في رواية الست، واحتمال المعارضة بين المرسلة والموثقات، فيكون المرجع الترجيح وهو مع المرسلة كما قيل. (1) الظاهر أنه لا خلاف فيه. ويدل عليه المرسلة وموثقتا ابن بكير. (2) كما في التذكرة: انه الاقرب، وفي كشف اللثام: انه الاقوى واستدل له في الاول بقول الصادق (ع): " تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلي عشرين " (* 1)، واستدل له في الثاني - مضافا إلى ذلك - بقول الصادق (ع) في مرسل يونس: " عدت من أول ما رأت الدم الاول والثاني عشرة أيام، ثم هي مستحاضة " (* 2) وبقوله (ع) في المرسلة الطويلة: " تحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام، ثم اغتسلي وصومي ثلاثة وعشرين يوما أو أربعة وعشرين " (* 3)، ولان عليها أول ما ترى الدم - ويجوز أن يكون حيضا - أن تتحيض، لقاعدة الامكان
____________
(* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 6 (* 2) الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2 (* 3) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض، حديث: 3
===============
( 294 )
[ (مسألة 4): يجب الموافقة بين الشهور (1) فلو اختارت في الشهر الاول أوله ففي الشهر الثاني أيضا كذلك، وهكذا. (مسألة 5): إذا تبين بعد ذلك أن زمان الحيض غير ما اختارته وجب عليها قضاء ما فات منها من الصلوات (2). وكذا إذا تبينت الزيادة والنقيصة. ] ثم لا وجه لرجوعها عن ذلك وتركها العبادة وقضاء ما تركته سابقا من الصلاة. لكن يشكل الآخر أنه مختص بالدور الاول، مع أنه قد لا تتحيض بالدور الاول عمدا أو لعذر. وأنه لا مانع من جواز رجوعها عن ذلك عملا باطلاق التخيير. فالعمدة ظهور النصوص، والمناقشة في بعضها لو تمت ففي الباقي كفاية. ومن ذلك يظهر ضعف ما عن الاصحاب - كما في الحدائق، وعن الفاضلين، والمحقق والشهيد الثانيين، وغيرهم التصريح به - من أن لها وضع العدد كيف شاءت. بل لو أريد منه جواز وضعه في أثناء مدة الطهر كان خلافه كالصريح من النصوص. (1) فان النصوص كما تضمنت مدة التحيض تضمنت مدة التطهر، ومع اختلاف أزمنة الوصع يلزم اختلاف مدة الطهر. (2) لصدق الفوت واقعا، إذ لا يمنع منه الحكم الظاهري على خلافه كما حقق في محله. هذا إذا كان التبين بالعلم، أما لو كان بالعادة - كما لو كانت ناسية للعادة فذ كرتها - أو بالتمييز، فالحكم كذلك، أما في الثاني فظاهر، لانه ينكشف أنه المرجع دون العدد، وأما في الاول فلانها وإن لم تخرج عن كونها ناسية للعادة سابقا، إلا أنه لا يبعد أن يستفاد من النصوص كون العادة الواقعية حجة واقعا حتى حال النسيان، ويكون النسيان عذرا في الرجوع إلى العدد. مضافا إلى أنها بتذكر العادة صارت هي
===============
( 295 )
[ (مسألة 6): صاحبة العادة الوقتية (1) إذا تجاوز دمها العشرة في العدد حالها حال المبتدئة (2) في الرجوع إلى الاقارب والرجوع إلى التخيير المذكور مع فقدهم أو اختلافهم. ] حجة لها حتى فيما مضى، لكونه من مداليلها. وكذا الحال في تبين الزيادة والنقصان. فتأمل. (1) يعني: العادة الوقتية فقط دون العددية، سواء أكانت مضطربة العدد أم ناسيته، وعموم المتن للناسية، بقرينة قوله (ره): " وإذا علمت كونه... " فان ذلك يختص بالناسية، فكلام المصنف (ره) شامل للمضطربة بالمعنى الاخص وللناسية، (2) كما صرح به غير واحد لما عرفت الاشارة إليه فيما سبق، من أن جملة من الفقرات في المرسلة - مثل حصر السنن في ثلاث، وأنه بين فيها كل مشكل، ولم يدع لاحد فيها مقالا بالرأي، ونحو ذلك - دالة على تعين رجوع المستحاضة إلى إحدى السنن الثلاث، وحيث أنها معتادة في الوقت وجب رجوعها إليها فيه، لما أشرنا إليه من إطلاق ما دل على الرجوع إلى أيام الاقراء، ومنه ما في المرسلة من قوله (ع): " ولو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم لان السنة في الحيض أن تكون الصفرة والكدرة فما فوقها في أيام الحيض - إذا عرفت - حيضا " (* 1) ولاجل هذا ونحوه مما دل على طريقية الصفات للحيض عند فقد العادة، يحكم برجوعها في تعيين العدد إلى التمييز. وأما الرجوع إلى الاقارب عند فقده فلم يستبعده في الجواهر، وهو في محله بناء على ما عرفت من ثبوته للمضطربة، كما أشرنا إليه آنفا. وأما الرجوع إلى العدد فحالها فيه حال
____________
(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4
===============
( 296 )
المضطربة والناسية، لاشتراكها معهما في عموم الادلة وخصوصها، فليراجع ما تقدم فيهما. ولا وجه للرجوع إلى قواعد أخر، كقاعدة الامكان أو الاستصحاب لمكان تيقن حيضيتها بالنسبة إلى أول الوقت، المقتضيين للتحيض بالعشرة، كما احتمله في الجواهر. أو الاحتياط فيما زاد على الثلاثة إلى العشرة، كما عن المبسوط والجامع، وفي الشرائع والعلامة في جملة من كتبه، ذكروا ذلك في ناسية العدد - كما هي إحدى صور المسألة - عملا بالعلم الاجمالي. أو الاقتصار على المتيقن والرجوع في غيره إلى عدم الحيض - ولا تجري أصالة بقائه، لعدم جريانها في التدريجيات - كما عن الوسيلة والمعتبر والبيان، وعن المدارك: أنه استحسنه، وقربه شيخنا الاعظم (ره). فان ذلك مناف لما في المرسلة من حصر السنن في الثلاث. ومنه يظهر أن إهمال المصنف (ره) للتمييز - كما في الجواهر أيضا - غير ظاهر، لظهوره في عدم الرجوع إليه في المقام، وهو خلاف ما عرفت اللهم إلا أن يكون الوجه فيه الاعتماد على ذكره له سابقا فيكون مقصوده في هذه المسألة التنبيه على إلحاقها بالمبتدئة في الرجوع إلى الاقارب قبل التخيير لا غير. كما أن بناءه على الرجوع إلى الاقارب فيها مبني على ما تقدم منه من رجوع المضطربة إليها كما عرفت. لكنه يشكل فيما لو كانت ناسية العدد - كما عرفت أنها إحدى صور المسألة - إذ قد تقدم منه أن الناسية لا ترجع إلى الاقارب. اللهم إلا أن يختص بالناسية للوقت والعدد معا، لانه المتيقن من الاجماع، فالمرجع في غيره عموم الدليل المتقدم. فتأمل.
===============
( 297 )
[ وإذا علمت كونه أزيد من الثلاثة (1) ليس لها أن تختارها. كما أنها لو علمت أنه أقل من السبعة ليس لها اختيارها. (مسألة 7): صاحبة العادة العددية ترجع في العدد إلى عادتها (2). ] (1) بأن كانت حافظة لوقت العادة ناسية لعددها، فليس لها أن تختار الثلاث إذا علمت اجمالا كون العدد المنسي زائدا عليها، لوجوب العمل على العادة. وكذا لا يجوز لها اختيار الزائد على العدد المعلوم إجمالا لمنافاته للعادة، وفي المرسلة الطويلة: " ألا ترى أن أيامها لو كانت أقل من سبع. وكانت خمسا أو أقل من ذلك ما قال لها: تحيضي سبعا، فيكون قد أمرها بترك الصلاة أيامها وهي مستحاضة غير حائض. وكذلك لو كان حيضها اكثر من سبع، وكانت أيامها عشرة أو أكثر ما كان له أن يأمرها بالصلاة وهي حائض " (* 1). وهكذا الكلام في الرجوع إلى التمييز والاقارب فلا يجوز الاخذ بأحدهما إذا كان منافيا للوقت أو للعدد المعلوم إجمالا لو كان اضطراب العدد لنسيانه. واحتمال الرجوع إلى التمييز - لاطلاق المرسلة الدالة على حجيته، مع نسيان العادة، مع كون الغالب كونه معلوما بالاجمال - ضعيف، إذ لا يصلح الاطلاق لمعارضة التعليل المتقدم. نعم لو كان اضطراب العدد لعدم استقرار، أو للاختلاف الموجب لزوال العادة، جاز اختيار الزائد على الوقت، لعدم المنافاة للعادة الواجبة العمل، بلا فرق بين كون الزيادة حافة بالوقت من الطرفين أو من طرف واحد. (2) لما دل على تحيض المستحاضة بعدد حيضها أو بقدره أو نحو ذلك مما يشمل العدد فقط. ومنه ما في المرسلة من قوله (ع): " ألا ترى... " المتقدم فانه وإن كان مورده العدد دون التمييز لكنه عام له ولغيره كما لا يخفى
____________
(* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 3
===============
( 298 )
[ وأما في الزمان فتأخذ بما فيه الصفة (1)، ومع فقد التمييز تجعل العدد في الاول (2) على الاحوط، وإن كان الاقوى التخيير (3)، ] فلا ترجع في العدد إلى غير العادة. (1) لما عرفت في المسألة السابقة. (2) ولا مجال للرجوع إلى الاقارب هنا، إذ أقراؤهن طريق إلى العدد لا غير، والمفروض أن لها عددا معتادا، فلا تكون أقراؤهن طريق إليه. (3) وعن المدارك: نسبته إلى الاكثر، وحكي عن جملة من كتب العلامة والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم، إذ ليس في النصوص ما يدل على كون تمام طهرها في كل دور بعد حيضها، كما كان في التحيض بعدد الروايات، على ما عرفت من بعض فقرات المرسلة، فاطلاق ما دل على التحيض بقدر العادة محكم. وعن كشف اللثام: تعين الاول، كما في عدد الروايات لما تقدم منه من الوجه. وتقدم إشكاله. نعم في جملة من النصوص الدالة على التحيض بعدد العادة ما يدل على أنه قبل الاستحاضة، حيث يؤمر فيها بعد التحيض بالغسل وعمل الاستحاضة. لكنه غير ظاهر في تأخر تمام الطهر في كل دور، بل في التطهر في الجملة، وهو مما لا ريب فيه. لكن لا يبعد كون سياقها ظاهرا في الترتيب المذكور في جميع الادوار. مضافا إلى عدم ثبوت إطلاق يقتضي التخيير المذكور. فيدور الامر مع الشك بين التعيين والتخيير، والاصل يقتضي الاول، لانه القدر المتيقن في الخروج عن قاعدة الاحتياط من جهة العلم الاجمالي، كما تقدم ذلك في نظيره في المسألة الثامنة عشرة من الفصل السابق. فتأمل. ومما ذكرنا يظهر الاشكال فيما عن المبسوط والمعتبر والارشاد من وجوب الاحتياط على ناسية الوقت خاصة في جميع أيام الدم، وتغتسل
===============
( 299 )
[ وإن كان هناك تميز لكن لم يكن موافقا للعدد فتأخذه وتزيد مع النقصان (1) وتنقص مع الزيادة (2). (مسألة 8): لا فرق في الوصف بين الاسود والاحمر (3)، لو رأت ثلاثة أيام أسود وثلاثة أحمر ثم بصفة الاستحاضة تتحيض بستة. ] لانقطاع الحيض في كل وقت تحتمل الانقطاع. فانه - كما عرفت - خروج عن السنن الثلاث المنحصر أمر المستحاضة فيها من غير وجه ظاهر، مع وفاء النصوص برجوع ذات العادة العددية إليها، ومن هذا يظهر الاشكال فيما عن الخلاف، من أن الناسية للوقت ولا تمييز لها تترك الصوم والصلاة في كل شهر سبعة أيام، وتغتسل وتصلي وتصوم فيما بعد، ولا قضاء عليها في صوم ولا صلاة إجماعا. ومن الغريب دعواه الاجماع على نفي قضاء الصوم كمحتمل كلامه من دعوى الاجماع على الرجوع إلى السبعة، مع أنه لم يحك القول به عن غيره، وأنه حكى في الرياض الاتفاق على رجوع المضطربة الوقت إلى العادة العددية. والفرق بينها وبين الناسية للوقت بعيد جدا. فلاحظ وتأمل. (1) جمعا بين دليلي التمييز والعادة. (2) جمعا بين دليلي التمييز والاقتصار على العادة. (3) المحكي عن غير واحد: منهم: العلامة والشهيدان والمحقق الثاني: أن القوة والضعف اللذين يحصل بهما التمييز تحصلان بصفات ثلاث: الاولى: اللون، فالاسود قوي الاحمر، وهو قوي الاشقر، وهو قوي الاصفر، وهو قوي الاكدر - كما في المسالك - أو الاشقر قوي الاصفر والاكدر كما عن النهاية. الثانية: الرائحة، فذو الرائحة الكريهة قوي قليلها، وهو
===============
( 300 )
قوي عديمها، وفي المسالك: " فذو الرائحة الكريهة أشبه به مما لا رائحة له ومما نقص فيها عنه " الثالثة: الثخانة، فالثخين قوي الرقيق. وفي المسالك: " ولا يشترط في الالحاق به اجتماع الثلاث، بل إن اجتمعت في واحد فهو أشبه به من ذي الاثنتين، كما أن ذا الاثنتين أشبه به من ذي الواحدة ". وكأن الوجه فيه التعبير في المرسلة بالاقبال والادبار، الحاصلين بمطلق القوة والضعف، ولازم ذلك حصول التمييز بمجرد الاختلاف في مراتب الصفات، كشدة السواد وضعفه، وشدة الحمرة وضعفها، وشدة الثخانة وضعفها، وشدة الحرارة وضعفها، وشدة البرودة وضعفها، لتحقق القوة والضعف بذلك. لكن لم يظهر الوجه في إهمال ذكر الحرارة مع ذكرها في النصوص، وفي ذكر الرائحة مع عدم التعرض لها في النصوص إلا في خبر الدعائم (* 1). مضافا إلى أن ذكر الاقبال والادبار في المرسلة (* 2) لا يجدي في إثباته مع اقترانه بقوله صلى الله عليه وآله: " وتغيير لونه من السواد إلى غيره، وذلك أن دم الحيض أسود يعرف " وقوله (ع): " إذا رأيت الدم البحراني فدعي الصلاة "، فان ذلك أن لم يوجب تخصيصا بالصفات المنصوصة للحيض والاستحاضة فلا أقل من اقتضائه الاجمال فيه، وعدم الاطلاق. ولو لوحظت بقية نصوص الصفات كان الحال أظهر، لان حمل تلك النصوص على إرادة الاقبال من كونه أسود حارا، والادبار من كونه أصفر باردا، مما لا يمكن ارتكابه منها، لانه على هذا يكون دم الحيض ودم الاستحاضة كلاهما أصفر، لكن أحدهما أشد صفرة، وكلاهما أسود لكن أحدهما أشد سوادا وكلاهما بارد ولكن أحدهما أشد برودة، وكلاهما حار ولكن
____________
(* 1) مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 2 (* 2) الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4
===============
( 301 )
[ مسألة 9): لو رأت بصفة الحيض ثلاثة أيام، ثم ثلاثة أيام بصفة الاستحاضة، ثم بصفة الحيض خمسة أيام أو أزيد، تجعل الحيض الثلاثة الاولى (1)، وأما لو رأت بعد الستة الاولى ثلاثة أيام أو أربعة بصفة الحيض، ] أحدهما أشد حرارة، مع أن صريح النصوص المذكورة المقابلة بين الدمين في السواد والصفرة والحرارة والبرودة، فكيف يمكن التصرف فيها برفع اليد عن صريحها؟؟ بخلاف حمل الاقبال والادبار في المرسلة على السواد والصفرة والحرارة والبرودة. فالاقتصار على الصفات المنصوصة متعين، فلو كان الدم بعضه أسود وبعضه أحمر لم يكن تمييز كما سيأتي من المصنف في المسألة الثانية عشرة. ومنه يظهر وجه ما ذكره المصنف من التحيض بالستة في الفرض - كما عن نهاية الاحكام وموضع من التذكرة - وضعف ما عن المعتبر والمنتهى وموضع آخر من التذكرة من أن الاسود فقط حيض. بل لو بني على التمييز بمطلق القوة والضعف لم يكن وجه للجزم بالحاق الحمرة بالصفرة إذ كما هي ضعف بالنسبة إلى السواد هي قوة بالنسبة إلى الصفرة أيضا، ولا مرجح، ومجرد الحكم بطريقية الحمرة إلى الاستحاضة مع انفرادها مع السواد عن الصفرة لا يقتضي ذلك في حال الانضمام إليها كما لا يخفى. (1) هذا ينافي ما تقدم منه من اشتراط الرجوع إلى التمييز، بأن لا يعارض الدم دم آخر، لحصول المعارضة في المقام بين الدمين على النحو الذي كان يلزم في المثال الذي ذكر سابقا، فإذا البناء على التساقط، إذ أنه لا مرجح للاول وإن حكي ذلك عن الذكرى والمدارك وظاهر المنتهى، ولا للاخير وان حكي ذلك عن المبسوط، ثم الرجوع إلى الروايات فيه متعين.
===============
( 302 )
[ تجعل الدمين الاول والاخير (1)، وتحتاط في البين مما هو بصفة الاستحاضة، لانه كالنقاء المتخلل بين الدمين (2). (مسألة 10): إذا تخلل بين المتصفين بصفة الحيض عشرة أيام بصفة الاستحاضة، جعلتهما حيضين إذا لم يكن كل واحد منهما أقل من ثلاثة (3). (مسألة 11): إذا كان ما بصفة الحيض ثلاثة متفرقة في ضمن عشرة تحتاط في جميع العشرة (4). ] (1) قد عرفت أنه إنما يتم بناء على إمكان أن يتخلل في أثناء الحيض الواحد طهر أقل من العشرة، إذ حينئذ لا تنافي بين الحكم على الطرفين بالحيضية، والوسط بالاستحاضة، أما بناء على امتناعه يقع التعارض في أدلة التمييز، فكما يكون الوجدان في الطرفين طريقا إلى الحيض يكون الفقدان في الوسط طريقا إلى الاستحاضة، وحينئذ يمتنع صدقهما معا، فيتكاذبان ويسقطان معا عن الحجية، وتكون فاقدة للتمييز، كما جزم به في نجاة العباد، وحكي عن المعتبر والتذكرة. اللهم إلا أن يكون الفقدان طريقا إلى الاستحاضة إلا حيث لا يكون الوجدان طريقا إلى الحيض، كما قواه شيخنا الاعظم (ره) في طهارته، وتبعه الاستاذ (ره) في رسالة الدماء، وظاهر اختيار المصنف (ره) هنا، فلا يكون تكاذب بينهما. لكن عرفت في المسألة الاولى في شرائط التمييز أنه محل تأمل. (2) الذي تقدم من المصنف الاشكال في حكمه. (3) قد تقدم في شرائط التمييز احتمال الحكم بالحيضية على ما هو أقل من ثلاثة إذا كان بصفة الحيض. فراجع. (4) لما تقدم منه من الاشكال في اعتبار التوالي، فتجمع بين
===============
( 303 )
[ (مسألة 12): لابد في التمييز أن يكون بعضها بصفة الاستحاضة، وبعضها بصفة الحيض، فإذا كانت مختلفة في صفات الحيض فلا تمييز بالشدة والضعف أو غيرهما (1)، كما إذا كان في أحدهما وصفان وفي الآخر وصف واحد (2)، بل مثل هذا فاقد التمييز. ولا يعتبر اجتماع صفات الحيض بل تكفي واحدة منها (3). ] وظيفتي الحائض والمستحاضة. وحيث أنها تحتمل أن وظيفتها الرجوع إلى عدد الروايات - لاحتمال عدم حجية التمييز - يتعين عليها نية التحيض بالعدد احتياطا. (1) لما تقدم في المسألة الثامنة. (2) فان واجد الوصفين وإن لم يكن أشد من الواجد للواحد، لكنه أشبه بدم الحيض من الثاني، إلا أنك عرفت أنه لا دليل على التمييز بمثل ذلك. (3) لظهور الادلة في طريقية كل صفة في نفسها بلا اعتبار الاجتماع كما يشهد به اختلاف النصوص في التعريف بالصفات. وحينئذ فإذا كان بعض الدم واجدا لصفة والآخر فاقدا للجميع كانت الصفة طريقا إلى حيضية الواجد. وفقدان الجميع طريقا إلى استحاضية الباقي. نعم قد يشكل بأن الواجد لصفة، الفاقد لغيرها، إذا كانت الصفة طريقا إلى حيضيته كان فقدانه للباقي طريقا إلى كونه استحاضة. اللهم إلا أن يدعى - كما أشرنا إليه سابقا -: أن طريقية الفقدان إلى الاستحاضة مترتبة على عدم طريقية الوجدان إلى الحيض، فإذا كان في الدم صفة دالة على حيضيته لا يكون فقدان غيرها طريقا إلى استحاضيته، فطريق الاستحاضة فقدان الجميع، وطريق الحيض وجدان واحدة.
===============
( 304 )
[ (مسألة 13): ذكر بعض العلماء (1) الرجوع إلى الاقران مع فقد الاقارب، ثم الرجوع إلى التخيير بين الاعداد، ولا دليل عليه (2)، فترجع إلى التخيير بعد فقد الاقارب. ] وبالجملة: محتملات النصوص بدوا أربعة: الاكتفاء بواحدة في كل من الحيض والاستحاضة، واعتبار الجميع في كل منهما، واعتبار الجميع في الاول والاكتفاء بواحدة في الثاني، وعكس ذلك. فلو رأت عشرة فاقدا لبعض وواجدا لآخر، وعشرة فاقدا للجميع، تكون فاقدة للتمييز على الاول لتعارض الحجتين في الاول، وكذا على الثاني والثالث لعدم تحقق الطريق، وعلى الرابع تكون واجدة للتمييز فتجعل ما بالصفة حيضا والآخر استحاضة. ومقتضى الجمود على عبارة النصوص هو الثاني. ولا نبعد دعوى دلالتها - بقرينة الارتكاز العرفي، واختلاف النصوص في بيان الصفات - على الاول. وظاهر عبارة المصنف (ره) اختيار الرابع. والثمرة بين الاول والرابع في الفرض المذكور في المتن علمية، إذ على الاول يكون فقد التمييز فيه لتعارض الحجتين، وعلى الرابع يكون من جهة عدم الحجة من الصفات على الاستحاضة. (1) نسب إلى الاكثر، وإلى المشهور، وإلى ظاهر المتأخرين، وعن ظاهر السرائر: الاجماع عليه. (2) كما اعترف به غير واحد. نعم استدل له بموافقته للاعتبار، لغلبة لحوق المرأة في الطبع بأقرانها. وبعموم نسائها - المذكور في موثق سماعة (* 1) - للاقران. وبقراءة " أقرائها " في رواية زرارة (* 2)
____________
(* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 2 (* 2) الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 1
===============
( 305 )
[ (مسألة 14): المراد من الاقارب أعم من الابويني والابي والامي فقط (1). ولا يلزم في الرجوع إليهم حياتهم (2). (مسألة 15): في الموارد التي تتخير بين جعل الحيض أول الشهر أو غيره، إذا عارضها زوجها وكان مختارها منافيا لحقه وجب عليها مراعاة حقه (3). وكذا في الامة مع السيد. وإذا أرادت الاحتياط الاستحبابي فمنعها زوجها أو سيدها يجب تقديم حقهما. نعم ليس لهما منعها عن الاحتياط الوجوبي (4). (مسألة 16): في كل مورد تحيضت من أخذ عادة، أو تمييز، أو رجوع إلى الاقارب، أو إلى التخيير بين الاعداد المذكورة، فتبين بعد ذلك كونه خلاف الواقع يلزم عليها التدارك (5) بالقضاء أو الاعادة. ] " أقرانها " بالنون. والجميع كما ترى. مع أنه لا يصلح لاثبات الترتيب المذكور. فتأمل جيدا. (1) كما عن المعتبر والمنتهى والمسالك، بل قيل: مما لا خلاف فيه. لصدق نسائها على الجميع. (2) كما عن المسالك، لما سبق. (3) لعموم وجوب إطاعته. لكن لو اختارت عمدا عصيانا أو سهوا تعين كونها حائضا، ووجب عليه ترتيب أحكام الحائض عليها. ولا تنافي بين حرمة الاختيار وصحته كالبيع وقت النداء. ومنه يظهر الحال فيما بعده. (4) لعدم وجوب الاطاعة فيما هو معصية أو بحكمها. (5) كما سبق في المسألة الخامسة. وله الحمد.