سورة محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- وتسمى سورة القتال.
و هي مدنيّة.
و قيل : إلّا آية منها نزلت بمكّة حيث يريد النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- التّوجّه إلى المدينة، وهي: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ (الآية).
و آياتها تسع وثلاثون، أو أربعون آية .
بسم الله الرحمن الرحيم
في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة «الّذين كفروا» لم يرتب»
أبدا، ولم يدخله شكّ في دينه أبدا، ولم يبتله اللَّه بفقر أبدا، [و لا خوف من سلطان أبدا] ولم يزل محفوظا من الشّكّ والكفر أبدا حتّى يموت، فإذا مات وكل اللَّه به في قبره ألف ملك يصلّون في قبره، ويكون ثواب صلاتهم له ويشيّعونه حتّى يوقفوه موقف الآمنين عند اللَّه، ويكون في أمان اللَّه وأمان محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-.
و في مجمع البيان ، بعد أن نقل حديث ثواب الأعمال: وقال- عليه السّلام-:من أراد أن يعرف حالنا وحال أعدائنا فليقرأ سورة محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- فإنّه يراها آية فينا وآية فيهم.
ابيّ بن كعب قال: قال النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله-: من قرأ سورة محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- كان حقّا على اللَّه أن يسقيه من أنّهار الجنّة.
و في أصول الكافي ، في كتاب فضل القرآن: عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه-، عن صالح بن السّنديّ، عن جعفر بن بشير، عن سعد الإسكاف قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أعطيت السّور الطّوال مكان التّوراة، وأعطيت المئين مكان الإنجيل، وأعطيت المثاني مكان الزّبور، [و فضّلت بالمفضّل ثمان وستّون سورة وهو مهيمن على سائر الكتب، فالتّوراة لموسى،] والإنجيل لعيسى، والزبور لداود.
و فيه ، في باب الشّرائع: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر وعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إبراهيم بن محمّد الثّقفيّ، عن محمّد بن مروان، جميعا، عن أبان بن عثمان ، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه أعطى محمّدا شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى.
... إلى أن قال: وفضّله بفاتحة الكتاب، وبخواتيم سورة البقرة، والمفصّل.
و في شرح الآيات الباهرة : ذكر محمّد بن العباس في تأويلها ما رواه، عن أحمد ابن محمّد بن سعيد، عن أحمد بن الحسن، عن أبيه، عن حصين بن مخارق، عن سعد بن طريف وأبي حمزة، عن الأصبغ، عن عليّ- عليه السّلام- أنّه قال: سورة محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- آية فينا وآية في بني أميّة.
و قال- أيضا- : حدثنا علي بن العبّاس البجليّ، عن عبّاد بن يعقوب، عن عليّ ابن هاشم، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سورة محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-آية فينا وآية في بني أميّة.
و قال- أيضا- : حدّثنا أحمد بن محمّد الكاتب، عن حميد بن الرّبيع، عن عبيد بن موسى قال: أخبرنا فطر ، عن إبراهيم عن أبي الحسن، موسى- عليه السّلام- أنّه قال:
من أراد [أن يعلم] فضلنا على عدوّنا فليقرأ هذه السّورة الّتي يذكر فيها: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فينا آية، وفيهم آية إلى آخرها.
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: امتنعوا عن الدّخول في الإسلام وسلوك طريقة. أو منعوا النّاس عنه.
و قيل : وهم المطعمون يوم بدر، أو شياطين قريش، أو المصرّون من أهل الكتاب، أو عامّ في جميع من كفروا وصدّوا.
أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ : جعل مكارمهم، كصلة الأرحام وفكّ الأسارى وحفظ الجوار، ضالّة ضائعة محبطة بالكفر. أو مغلوبة مغمورة فيه، كما يضلّ الماء في اللّبن. أو ضلالا حيث لم يقصدوا به وجه اللَّه. أو أبطل ما عملوه من الكيد لرسوله والصّدّ عن سبيله، بنصر رسوله وإظهار دينه على الدين كلّه.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : إنّ الآية نزلت في أصحاب رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- الّذين ارتدّوا بعد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- [و غصبوا أهل بيته حقّهم] وصدّوا عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- وعن ولاية الأئمة «أضلّ أعمالهم»، أي: أبطل ما كان تقدم منهم مع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- من الجهاد [و النّصرة] .
أخبرنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن العبّاس الخرشيّ ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- بعد وفاة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في المسجد، والنّاس مجتمعون، بصوت عال: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ.فقال له ابن عبّاس: يا أبا الحسن، لم قلت ما قلت؟
قال علي- عليه السّلام-: قرأت شيئا من القرآن.
قال: لقد قلته لأمر؟
قال: نعم، إن اللَّه يقول في كتابه : وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا أ فتشهد على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه استخلف أبا بكر؟
قال: ما سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أوصى إلّا إليك.
قال: فهلّا بايعتني؟
قال: اجتمع النّاس على أبي بكر، فكنت منهم.
فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام- كما اجتمع أهل العجل على العجل، هاهنا فتنتم، ومثلكم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ (الآية).
وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ: يعمّ المهاجرين والأنصار، والّذين آمنوا من أهل الكتاب [و غيرهم] .
وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ: تخصيص للمنزل عليه ممّا يجب الإيمان به، تعظيما له، وإشعارا بأنّ الإيمان لا يتمّ دونه، وأنّه الأصل فيه، ولذلك أكّده بقوله: وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ: اعتراضا على طريقة الحصر.
و قيل : حقّيّته بكونه ناسخا لا ينسخ.
و قرئ : «نزّل» على البناء للفاعل. و«أنزل» على البنائين. و«نزل» بالتّخفيف.
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى الحسن بن عبد اللَّه: عن آبائه، عن جدّه، الحسن بن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- قال، جاء نفر من اليهود إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فسأله أعلمهم فيما سأله، فقال:لأيّ شيء سمّيت محمّدا، وأحمد، وأبا القاسم، وبشيرا ونذيرا وداعيا؟
فقال- صلّى اللَّه عليه وآله-: أمّا محمّد، فإنّي محمود في الأرض. وأمّا أحمد، فإنّي محمود في السّماء.
(الحديث) كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ: سترها بالإيمان وعملهم الصّالح.
وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ : حالهم في الدّين والدّنيا بالتّوفيق والتأييد.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرنا الحسين بن محمّد، عن المعلّى بن محمّد، بإسناده، عن إسحاق بن عمّار قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: «و الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وآمنوا بما نزّل على محمّد في عليّ وهو الحقّ من ربّهم كفر عنهم سيّئاتهم وأصلح بالهم» هكذا نزلت.
و قال عليّ بن إبراهيم في قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ نزلت في أبي ذرّ وسلمان وعمّار والمقداد، لم ينقضوا العهد. وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ- صلّى اللَّه عليه وآله-، أي: ثبتوا على الولاية الّتي أنزلها اللَّه. و«هو الحقّ»، يعني: أمير المؤمنين- عليه السّلام-. مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ، أي: حالهم.
و في روضة الواعظين للمفيد- رحمه اللَّه-: قال أبو جعفر الباقر- عليه السّلام-: إذا قام القائم من آل محمّد، ضرب فساطيط لمن يعلّم النّاس [القرآن] على ما أنزل اللَّه، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنّه يخالف فيه التّأليف.
ذلِكَ: إشارة إلى ما مرّ من الإضلال والتّكفير والإصلاح، وهو مبتدأ خبره بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ: بسبب اتباع هؤلاء الباطل واتّباع هؤلاء الحقّ. وهذا تصريح بما أشعر به ما قبلها، ولذلك يسمّى تفسيرا.
كَذلِكَ: مثل ذلك الضّرب.
يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ: يبيّن لهم.
أَمْثالَهُمْ : أحوال الفريقين، أو أحوال النّاس. أو يضرب أمثالهم، بأنجعل اتّباع الباطل مثلا لعمل الكفار والإضلال مثلا لخيبتهم، واتّباع الحقّ مثلا للمؤمنين وتكفير السّيّئات مثلا لفوزهم.
فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا: في المحاربة فَضَرْبَ الرِّقابِ.
أصله: فاضربوا الرّقاب ضربا، فحذف الفعل وقدّم المصدر وأنيب منابه مضافا إلى المفعول ضمّا إلى التّأكيد الاختصار والتّعبير به عن القتل، إشعار بأنّه ينبغي أن يكون بضرب الرّقبة حيث أمكن، وتصوير له بأشنع صورة وإن كان يجوز الضّرب في سائر المواضع.
في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- تعالى-: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ فالمخاطبة للجماعة والمعنى لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وللإمام من بعده- صلوات اللَّه عليه-.
حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ: أكثرتم قتلهم وأغلظتموه. من الثّخين، وهو الغليظ.
و قيل : إذا أثقلتموهم بالجراح وظفرتم بهم.
فَشُدُّوا الْوَثاقَ: فأسروهم واحفظوهم.
و «الوثاق» بالفتح والكسر: ما يوثق به.
فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً، أي: فإمّا تمنّون منّا، أو تفدون فداء.
و المراد: التّخيير بعد الأسر بين المنّ والإطلاق، وبين أخذ الفداء بالنّفس والمال.
و هو ثابت عند الشّافعيّ، فإنّ الذّكر الحرّ المكلّف إذا أسر تخيّر الإمام بين القتل والمنّ والفداء والاسترقاق عنده.
و منسوخ بقوله : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ. وبقوله : فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ عند الحنفيّة، أو مخصوص بحرب بدر، فإنّهم قالوا بتعيين القتل أو الاسترقاق.
و مذهب الإماميّة ما ينقل عن مجمع البيان موافقا للأخبار.و قرئ : «فدا»، كعصا.
حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها: آلاتها وأثقالها الّتي لا تقوم إلّا بها، كالسّلاح والكراع، أي: تنقضي الحرب ولم يبق إلّا مسلم أو مصالح.
و قيل : آثامها، والمعنى: حتّى يضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم. وهو غاية للضّرب، أو للشّدّ، أو للمنّ أو للفداء، أو للمجموع، بمعنى: أنّ هذه الأحكام جارية فيهم حتّى لا تكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم.
و قيل : بنزول عيسى- عليه السّلام-.
و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سأل رجل أبي عن حروب أمير المؤمنين- عليه السّلام- وكان السّائل من محبّينا.
فقال له أبي : إنّ اللَّه بعث محمّدا بخمسة أسياف، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلى أن تضع الحرب أوزارها، ولن تضع الحرب أوزارها حتّى تطلع الشّمس من مغربها.
... إلى قوله: وسيف على مشركي العجم، يعني: التّرك [و الدّيلم] والخزر، قال اللَّه في سورة الّذين كفروا: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ- إلى قوله-:
حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها، يعني: المفاداة بينهم وبين أهل الإسلام، [فهؤلاء لا يقبل منهم إلّا القتل أو الدّخول في الإسلام،] ولا يحلّ لنا نكاحهم ما داموا في دار الحرب.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا يقول فيه- بعد أن قال: إنّ اللَّه فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها وفرّقه فيها-: وفرض على اليدين ألّا يبطش بهما إلى ما حرّم اللَّه، وأن يبطش بهما إلى ما أمر اللَّه، وفرض عليهما من الصّدقة وصلة الرّحم والجهاد في سبيل اللَّه، والطّهور للصّلاة فقال :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. وقال: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ- إلى قوله-: أَوْزارَها. فهذا ما فرض اللَّه على اليدين، لأنّ الضّرب من علاجهما.
و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن طلحة بن زيد قال:
سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: كان أبي يقول: إنّ للحرب حكمين:
إذا كانت الحرب قائمة لم تضع أوزارها ولم يثخن أهلها، فكلّ أسير أخذ في تلك الحال فإنّ الإمام فيه بالخيار، إن شاء ضرب عنقه، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم وتركه يتشحّط في ذمه حتّى يموت، وهو قول اللَّه : إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ. ألا ترى أنّ المخيّر الّذي خيّر اللَّه الإمام على شيء واحد، وهو الكفر ، وليس هو على أشياء مختلفة.
فقلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: قول اللَّه: أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ.
قال: ذلك الطّلب، إن تطلبه الخيل حتّى يهرب، فإنّ أخذته الخيل حكم عليه ببعض الأحكام الّتي وصفت لك.
و الحكم الآخر إذا وضعت الحرب أوزارها وأثخن أهلها، فكلّ أسير أخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار، إن شاء منّ عليهم فأرسلهم، وإن شاء فاداهم أنفسهم، وإن شاء استبعدهم فصاروا عبيدا.
و في روضة الكافي : يحيى الحلبيّ، عن أبي المستهلّ ، عن سليمان بن خالد قال: سألني أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- فقال: أيّ شيء كنتم يوم خرجتم مع زيد؟
فقلت: مؤمنين.
قال: فما كان عدوّكم؟قلت: كفّارا.
قال: فإنّي أجد في كتاب اللَّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا- إلى قوله-: أَوْزارَها فابتدأتم أنتم بتخلية من أسرتم، سبحان اللَّه، ما استطعتم أن تسيروا بالعدل ساعة.
و في مجمع البيان : والمرويّ عن أئمّة الهدى، أنّ الأسارى ضربان:
ضرب يؤخذون قبل انقضاء القتال والحرب قائمة، فهؤلاء يكون الإمام مخيّرا بين أن يقتلهم، أو يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويتركهم حتّى ينزفوا، ولا يجوز المنّ ولا الفداء.
و الضّرب الآخر، الّذين يؤخذون بعد أن وضعت الحرب أوزارها وانقضى القتال، فالإمام مخيّر فيهم بين المنّ والفداء إمّا بالمال أو بالنّفس، وبين الاسترقاق وضرب الرّقاب، فإن أسلموا في الحالين سقط جميع ذلك وكان حكمهم حكم المسلمين.
حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها وقيل: حتّى لا يبقى دين غير [دين] الإسلام، والمعنى: حتّى تضع حربكم وقتالكم أوزار المشركين وقبائح أعمالهم، بأن يسلموا فلا يبقى إلّا الإسلام [خير الأديان] ولا تعبد الأوثان.
و هذا كما
جاء في الحديث: والجهاد ماض منذ بعثني اللَّه إلى أن يقاتل آخر أمّتي الدّجّال.
ذلِكَ، أي: الأمر ذلك، أو افعلوا بهم ذلك.
وَ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ: لانتقم منهم بالاستئصال.
وَ لكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ: ولكن أمركم بالقتال ليبلو المؤمنين بالكافرين بأن يجاهدوهم فيستوجبوا الثّواب العظيم، والكافرين بالمؤمنين بأن يعاجلهم على أيديهم ببعض عذابهم كي يرتدع بعضهم عن الكفر.
وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أي: جاهدوا.و قرأ البصريّان وحفص: «قتلوا»، أي: استشهدوا.
فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ : فلن يضيّعها.
و قرئ : «يضلّ» من ضلّ. و«يضلّ» على البناء للمفعول.
سَيَهْدِيهِمْ: إلى الصّواب . أو سيثبّت هدايتهم.
وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ : وقد عرّفها لهم في الدّنيا حتّى اشتاقوا إليها، فعملوا ما استحقّوها به. أو بيّنها لهم بحيث يعلم كلّ واحد منزله ويهتدي إليه، كأنّه كان ساكنه منذ خلق. أو طيّبها لهم، من العرف، وهو طيب الرّائحة. أو حدّدها لهم، بحيث يكون لكلّ جنة مفرزة.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ: إن تنصروا دينه ورسوله يَنْصُرْكُمْ:
على عدوّكم.
وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ : في القيام بحقوق الإسلام، والمجاهدة مع الكفّار.
و في نهج البلاغة : وخذوا من أجسادكم فجودوا بها على أنفسكم، ولا تبخلوا بها عنها، فقد قال اللَّه- سبحانه-: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ. فلم يستنصركم من ذلّ، وله جنود السّموات والأرض وهو العزيز الحكيم، وإنّما أراد أن يبلوكم أيّكم أحسن عملا. فبادروا بأعمالكم تكونوا مع جيران اللَّه في داره رافق بهم رسله، وأزارهم ملائكته، وأكرم أسماعهم عن أن تسمع حسيس نار أبدا، وصان أجسادهم أن تلقى لغوبا ونصبا ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .
و في كلامه غير هذا، لكنّا أخذنا منه موضع الحاجة.
و في روضة الواعظين للمفيد- رحمه اللَّه-: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إنّ الجهاد باب فتحه اللَّه لخاصّة أوليائه وسوّغهم كرامة منه ونعمة ذخرها، والجهاد لباس التّقوى ودرع [اللَّه] الحصينة وجنّته الوثيقة.فمن تركه رغبة عنه، ألبسه اللَّه ثوب الذّلّة، وشمله البلاء، وفارق الرّخاء، وضرب على قلبه بالإسهاب ، ودُيّث بالصّغار والقماءة وسيم الخسف ، ومنع النّصف ، وأديل منه الحقّ بتضييعه الجهاد، وغضب اللَّه بتركه نصرته، وقد قال اللَّه في محكم كتابه: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ.
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ: فعثورا وانحطاطا، ونقيضه: لعا .
قال الأعشى:
فالتعس أولى لها من أن أقول لعا
وانتصابه بفعله الواجب إضماره سماعا. والجملة خبر «الّذين كفروا»، أو مفسرة لناصبه.
وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ : عطف عليه.
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ: القرآن، لما فيه من التّوحيد والتّكاليف المخالفة لما ألفوه واشتهته أنفسهم. وهو تخصيص وتصريح بسببيّة الكفر بالقرآن، للتّعس والإضلال.
و في مجمع البيان : وقال أبو جعفر- عليه السّلام-: وكرهوا ما أنزل اللَّه في حقّ عليّ- عليه السّلام-.
فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ : كرّره إشعارا بأنّه يلزم الكفر بالقرآن، ولا ينفكّ عنه بحال.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا جعفر بن أحمد، قال: حدثنا عبد الكريم بن عبد الرّحيم، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: نزل جبرئيل على محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- بهذه الآية هكذا:
«ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل اللَّه في عليّ»- عليه السّلام- إلّا أنّه كشط الاسم فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ.
أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ: استأصل عليهم ما اختصّ بهم من أنفسهم وأهليهم وأموالهم.
وَ لِلْكافِرِينَ: من وضع الظّاهر موضع المضمر.
أَمْثالُها : أمثال تلك العاقبة، أو العقوبة، أو الهلكة لأنّ التّدمير يدل عليها.
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا: ناصرهم على أعدائهم.
وَ أَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ : فيدفع العذاب عنهم. وهو لا يخالف قوله: وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ. فإنّ المولى فيه بمعنى: المالك.
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ: ينتفعون بمتاع الدّنيا.
وَ يَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ: حريصين غافلين عن العاقبة.
وَ النَّارُ مَثْوىً لَهُمْ : منزل ومقام.
وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ: على حذف المضاف، وإجراء أحكامه على المضاف إليه. والإخراج باعتبار التّسبّب.
أَهْلَكْناهُمْ: بأنواع العذاب.
فَلا ناصِرَ لَهُمْ : يدفع عنهم. وهو كالحال المحكيّة .
أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ: حجّة من عنده، وهو القرآن أو ما يعمّه، والحجج العقليّة، كالنّبيّ والمؤمنين.
كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ، كالشّرك والمعاصي.و في مجمع البيان : كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ قيل: هم المنافقون. وهو المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام-.
وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ : في ذلك لا شبهة لهم عليه، فضلا عن حجّته.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال عليّ بن إبراهيم في قوله: أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، أي: أو لم ينظروا في أخبار الأمم الماضية.
و قوله: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، أي: أهلكهم وعذّبهم.
ثمّ قال: «و للكافرين»، يعني: والّذين كفروا وكرهوا ما أنزل اللَّه في عليّ- عليه السّلام-. «أمثالها»، أي: لهم مثل ما كان للأمم الماضية من العذاب والهلاك.
ثمّ ذكر المؤمنين الّذين ثبتوا على إمامة أمير المؤمنين - عليه السّلام- فقال:
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ.
أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ، يعني: أمير المؤمنين- عليه السّلام-. كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ، يعني: الّذين غصبوه واتّبعوا أهواءهم.
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ، أي: فيما قصصنا عليك صفتها العجيبة.
و قيل : مبتدأ خبره كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ. وتقدير الكلام: أمثل أهل الجنّة كمثل من هو خالد ، أو أمثّل الجنّة كمثل جزاء من هو خالد. فعرّي عن حرف الإنكار، وحذف ما حذف استغناء بحري مثله تصوير المكابرة من يسوّي بين المتمسّك بالبيّنة والتّابع للهوى، بمكابرة من يسوّي بين الجنة والنّار.
و هو على الأوّل خبر محذوف، تقديره: أ فمن هو خالد في هذه الجنّة كمن هو خالد في النّار. أو بدل من قوله: كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ، وما بينهما اعتراض، لبيان ما يمتاز به من هو على بيّنة في الآخرة تقريرا لإنكار للمساواة.
و في مجمع البيان : مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ و
قرأ عليّ- عليه السّلام-:
«أمثال الجنّة» على الجمع.و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدّثنا أبو القاسم العلويّ قال:
حدّثنا فرات بن إبراهيم الكوفيّ قال: حدّثني جعفر بن محمّد بن سعيد الأحمسي قال:
حدثني أبو يحيى البصريّ قال: حدّثنا أبو جابر، عن طعمة الجعفيّ، عن المفضّل بن عمر قال: سأل السدّيّ جعفر بن محمّد- عليه السّلام- عن قول اللَّه: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ.
قال: هي في عليّ- عليه السّلام- وأولاده وشيعتهم، هم المتّقون، وهم أهل الجنة والمغفرة.
فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ: استئناف لشرح المثل، أو حال من العائد المحذوف، أو خبر «لمثل».
و «آسن» من أسن الماء، بالفتح: إذا تغير طعمه وريحه. أو بالكسر، على معنى الحدوث .
و قرأ ابن كثير: «أسن».
وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ: لم يصر قارصا، ولا حازرا .
وَ أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ: لذيذة لا يكون فيها غائلة كراهة ريح، ولا غائلة سكر وخمار. تأنيث «لذّ»، أو مصدر نعت به بإضمار [ذات] أو تجوّز.
و قرئت ، بالرّفع، على صفة «الأنهار». والنّصب على العلّة.
وَ أَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى: لم يخالطه الشّمع وفضلات النّحل وغيرها.
قيل : وفي ذلك تمثيل لما يقوم مقام الأشربة في الجنّة بأنواع ما يستلذّ بها في الدّنيا، بالتّجريد عمّا ينقصها [و ينغضها] ، والتّوصيف بما يوجب غزارتها واستمرارها.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن بعض أصحابه، رفعه، قال:
قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: لمّا دخلت الجنّة، رأيت في الجنّة شجرة طوبى، ويجري نهر في أصل تلك الشّجرة يتفجّر منها الأنهار الأربعة: نهر من ماء غير آسن، ونهر من لبن لم يتغيّر طعمه، ونهر من خمر لذّة للشّاربين، ونهر من عسل مصفى.
(الحديث)
و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، [عن أبيه،] عن ابن محبوب، عن محمّد ابن إسحاق المدنيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه نقل عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- حديثنا طويلا في بيان حال أهل الجنّة، وفيه يقول- عليه السّلام-: وليس من مؤمن في الجنّة إلّا وله جنان كثيرة، معروشات وغير معروشات، وأنهار من خمر، وأنهار من ماء، وأنهار من لبن، وأنهار من عسل.
و في كتاب الخصال : عن عليّ- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أربعة أنهار من الجنّة: الفرات، والنّيل وسيحان، وجيحان، فالفرات الماء في الدّنيا والآخرة، والنّيل العسل، وسيحان الخمر، وجيحان اللّبن.
وَ لَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ: صنف على هذا القياس .
وَ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ: عطف على الصّنف المحذوف. أو مبتدأ خبره محذوف، أي: لهم مغفرة.
كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً: مكان تلك الأشربة.
فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ : من فرط الحرارة.
و في بصائر الدّرجات : الحسن بن أحمد بن سلمة، عن الحسين بن عليّ [بن نعاج] ، عن ابن جبلة، عن عبد اللَّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- [عن الحوض] .
فقال: حوض ما بين بصرى إلى صنعاء، أ تحبّ أن تراه؟قلت له: نعم، جعلت فداك.
قال: فأخذ بيدي وأخرجني إلى ظهر المدينة، ثمّ ضرب برجله فنظرت إلى نهر يجري لا تدرك حافّتاه إلّا الموضع الّذي أنا فيه قائم، وأنّه شبيه بالجزيرة، فكنت أنا وهو وقوفا فنظرت إلى نهر جانباه ماء أبيض من الثّلج، [و من جانبيه لبن أبيض من الثلج] وفي وسطه خمر أحسن من الياقوت، فما رأيت شيئا أحسن من تلك الخمر بين اللّبن والماء.
فقلت: جعلت فداك، من أين يخرج هذا ومجراه؟
قال: هذه العيون الّتي ذكرها اللَّه في الجنّة، عين من ماء، وعين من لبن، وعين من خمر تجري في هذا النّهر.
و رأيت حافّتيه عليهما شجر، فيهنّ جوار معلّقات برءوسهنّ ، ما رأيت شيئا أحسن منهنّ، وبأيديهنّ آنية ما رأيت أحسن منها، ليست من آنية الدّنيا.
فدنا من إحداهنّ فأومأ بيده تسقيه ، فنظرت إليها وقد مالت لتغرف من النّهر فمال الشّجر معها، فاغترفت ثمّ ناولته، ثمّ شرب ثمّ ناولها، فأومأ إليها فمالت لتغرف فمالت الشّجرة معها، ثمّ ناولته فناولني فشربت، فما رأيت شرابا كان ألين منه ولا ألذ منه، وكانت رائحته رائحة المسّك، ونظرت في الطّاس فإذا فيه ثلاثة ألوان من الشّراب.
فقلت له: جعلت فداك، ما رأيت كاليوم قطّ، ولا كنت أرى أنّ الأمر هكذا.
فقال لي: هذا أقلّ ما أعدّه [اللَّه] لشيعتنا، إنّ المؤمن إذا توفّي طارت روحه إلى هذا النّهر فرعت في رياضه، وشربت من شرابه، وإن عدوّنا إذا توفّي صارت روحه إلى برهوت فأخلدت في عذابه وأطعمت من زقّومه وأسقيت من حميمه، فاستعيذوا باللَّهمن ذلك الوادي .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ ضرب لأوليائه [و أعدائه] مثلا، فقال لأوليائه: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ- إلى قوله-: مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ومعنى الخمر، أي: خمرة إذا تناولها وليّ اللَّه وجد رائحة المسك فيها. أَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ثم ضرب لأعدائهم مثلا، فقال: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ قال: ليس من هو في هذه الجنّة الموصوفة كمن هو في هذه النّار، كما أن ليس عدوّ اللَّه كوليّه.
و في مجمع البيان : روى أبو أمامة، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- في قوله :
وَ يُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ قال: يقرب إليه فيكرهه، وإذا ادني منه شوى وجهه ووقع فروة رأسه، فإذا شرب قطّع أمعاءه حتّى يخرج من دبره، يقول اللَّه: وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد وعدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعا، عن ابن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الرّبيع الشّاميّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- [قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-:] أقسم ربي ألّا يشرب عبد لي في الدّنيا خمرا إلّا سقيته مثل ما شرب منها من الحميم يوم القيامة معذّبا بعد أو مغفورا له، ولا يسقيها عبد لي صبيّا صغيرا أو مملوكا إلّا سقيته مثل ما سقاه من الحميم يوم القيامة معذّبا بعد أو مغفورا له.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختريّ ودرست وهشام بن سالم، جميعا، عن عجلان، عن أبي صالح قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: قال اللَّه: من شرب مسكرا أو سقاه صبيّا لا يعقل سقيته من ماء الحميم، معذّبا أو مغفورا.
وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ، يعني: المنافقين كانوايحضرون مجلس الرسول- صلّى اللَّه عليه وآله- ويستمعون كلامه، فإذا خرجوا قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ.
قيل : لعلماء الصّحابة [و المؤمنين] .
ما ذا قالَ آنِفاً: ما الّذي قال السّاعة، استهزاء أو استعلاما، إذ لم يلقوا له آذانهم تهاونا به.
و «آنفا» من قولهم: أنف الشّيء: لما تقدّم منه، مستعار من الجارحة. ومنه استأنف، وائتنف، وهو ظرف بمعنى: وقتا مؤتنفا، أو حال من الضّمير في «قال».
و قرأ ابن كثير: «أنفا».
و في شرح الآيات الباهرة : [قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-:] حدّثنا أحمد ابن محمّد النّوفليّ، عن محمّد بن عيسى العبيدي، عن أبي محمّد الأنصاريّ [و كان خيّرا] ، عن صباح المزنيّ، عن الحارث بن حضيرة ، عن الأصبغ بن نباتة، عن عليّ- عليه السّلام- أنّه قال: كنّا نكون عند رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فيخبرنا بالوحي، فأعيه أنا دونهم، واللَّه وما يعونه هم، و«إذا خرجوا» قالوا لي «ما ذا قال آنفا»؟
يعني: أنّ المراد بالذين أوتوا العلم عليّ- عليه السّلام-. وقوله: «آنفا»، أي: السّاعة.
أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ : فلذلك استهزؤا وتهاونوا بكلامه.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم حدّثنا محمّد بن أحمد بن ثابت قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سماعة، عن وهب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- [كان يدعو أصحابه، فمن أراد اللَّه به خيرا سمع وعرف ما يدعوه إليه، ومن أراد اللَّه] به شرّا طبع على قلبه لا يسمع ولايعقل: وهو قول اللَّه: حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً. [فإنّها نزلت في المنافقين من أصحاب رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ومن كان إذا سمع شيئا، لم يكن يؤمن به ولم يعه، فإذا خرج قال للمؤمنين: ما ذا قال محمّد آنفا؟ فقال اللَّه: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ] .
وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً: أي: زادهم اللَّه بالتّوفيق والإلهام، أو قول الرسول.
وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ : بيّن لهم ما يتّقون، أو أعانهم على تقواهم، أو أعطاهم جزاءها.
و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدثني ابن عبيد الفزاريّ ، قال:
حدّثنا محمّد بن الحسين بن عليّ بن محمّد بن الفضيل، عن خيثمة الجعفيّ قال: دخلت على أبي جعفر- عليه السّلام- قال: يا خيثمة ، إنّ شيعتنا أهل البيت يقذف في قلوبهم الحبّ لنا أهل البيت، ويلهمون حبّنا أهل البيت. ألا إنّ الرّجل يحبّنا ويحتمل ما يأتيه من فضلنا، ولم يرنا ولم يسمع كلامنا لما يريد اللَّه به من الخير، وهو قول اللَّه: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً على هدايته.
[وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ، يعني: من لقينا وسمع كلامنا، زاده اللَّه هدى] على هدايته.
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ: فهل ينتظرون غيرها.
أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً: بدل اشتمال من «السّاعة»، وقوله: فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها كالعلّة له.و قرئ : «إن تأتهم » على أنّه شرط مستأنف، جزاؤه فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ .
و المعنى: إن تأتهم السّاعة بغتة، لأنّه قد ظهر لهم أمارتها، كمبعث النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- وانشقاق القمر، فكيف لهم ذكراهم، أي: تذكّرهم إذا جاءتهم السّاعة، وحينئذ لا يفرغ له ولا ينفع.
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى أنس بن مالك: عن النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- حديث طويل، يقول فيه لعبد اللَّه بن سلام، وقد سأله عن مسائل: أمّا [أوّل] أشراط السّاعة فنار تحشر النّاس من المشرق إلى المغرب.
و في الكافي : [عليّ] عن أبيه، عن النوفلي، عن السكونيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله-: من أشراط السّاعة أن يفشوا الفالج وموت الفجاءة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن سلمان بن مسلم الخشّاب، عن عبد اللَّه بن جريح المكّيّ، عن عطاء بن أبي رياح، عن عبد اللَّه بن عبّاس قال: حججنا مع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- حجة الوداع، فأخذ بحلقة باب الكعبة، ثمّ أقبل علينا بوجهه، فقال:
ألا أخبركم بأشراط السّاعة؟ فكان أدنى النّاس منه يومئذ سلمان.
فقال: بلى، يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.
فقال: إنّ من أشراط القيامة إضاعة الصّلاة، واتّباع الشّهوات، والميل إلى الأهواء، وتعظيم أصحاب المال، وبيع الدّين بالدّنيا، فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه، كما يذاب الملح في الماء، ممّا يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن، يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-؟!قال: إي، والّذي نفسي بيده، يا سلمان، إنّ عندها يليهم أمراء جورة ووزراء فسقه وعرفاء ظلمة وأمناء خونة.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن، يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-؟! قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: إي، والذي نفسي بيده، يا سلمان، إنّ عندها يكون المنكر معروفا والمعروف منكرا ويؤتمن الخائن ويخوّن الأمين ويصدّق الكاذب ويكذّب الصّادق.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن، يا رسول اللَّه؟! قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: إي، والّذي نفسي بيده، يا سلمان، فعندها تكون إمارة النّساء ومشاورة الإماء وقعود الصّبيان على المنابر، ويكون الكذب ظرفا والزّكاة مغرما والفيء مغنما، ويجفو الرّجل والديه ويبرّ صديقه، ويطلع الكوكب المذنّب.
قال: سلمان: وإن هذا لكائن، يا رسول اللَّه؟! قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: إي، والّذي نفسي بيده، يا سلمان، وعندها تشارك المرأة زوجها في التّجارة، ويكون المطر قيظا، ويغيظ الكرام غيظا، ويحتقر الرّجل المعسر، فعندها تقارب الأسواق، و قال هذا: لم أبع شيئا، وقال هذا: لم أربح شيئا، فلا ترى إلّا ذامّا للَّه.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن، يا رسول اللَّه؟! قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: إي، والّذي نفسي بيده، يا سلمان، فعندها يليهم أقوام إن تكلّموا قتلوهم، وإن سكتوا استباحوهم ، ليستأثرون بفيئهم وليطئون حرمتهم، وليسفكنّ دماءهم، وليملأنّ قلوبهم دغلا ورعبا، فلا تراهم إلّا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن، يا رسول اللَّه؟! قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: إي، والّذي نفسي بيده، يا سلمان، إنّ عندها يؤتى بشيء من المشرق وشيء من المغرب يلون أمّتي، فالويل لضعفاء أمّتي منهم، والويللهم من اللَّه، لا يرحمون صغيرا، ولا يوقّرون كبيرا، ولا يتجاوزون عن مسيء ، جثّتهم جثّة الآدميّين وقلوبهم قلوب الشّياطين.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن، يا رسول اللَّه؟! قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: إي، والّذي نفسي بيده، يا سلمان، وعندها يكتفي الرّجال بالرّجال والنّساء، بالنّساء، ويغار على الغلمان، كما يغار على الجارية في بيت أهلها، وتشبّه الرّجال بالنّساء والنّساء بالرّجال، ولتركبن ذوات الفروج السّروج، فعليهنّ من أمّتي لعنة اللَّه.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن، يا رسول اللَّه؟! قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: إي، والّذي نفسي بيده، يا سلمان، إنّ عندها تزخرف المساجد، كما تزخرف البيع والكنائس، وتحلّى المصاحف، وتطول المنارات، وتكثر الصّفوف والقلوب متباغضة والسنن مختلفة.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن، يا رسول اللَّه؟! قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: إي، والّذي نفسي بيده، يا سلمان، وعندها تحلّى ذكور أمّتي بالذّهب ويلبسون الحرير والدّيباج، ويتّخذون جلود النّمور صفافا .
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن، يا رسول اللَّه؟! قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: إي، والّذي نفسي بيده، يا سلمان، وعندها يظهر الرّبا ويتعاملون بالعينة والرّشا، ويوضع الدين وترفع الدّنيا.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن، يا رسول اللَّه؟! قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: إي، والّذي نفسي بيده، يا سلمان، وعندها يكثر الطّلاق فلا يقام للَّه حدّ، ولن يضرّوا اللَّه شيئا.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن، يا رسول اللَّه؟!قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: إي، والّذي نفسي بيده، يا سلمان، وعندها تظهر القينات والمعارف، وتليهم أشرار أمّتي.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن، يا رسول اللَّه؟! قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: إي، والّذي نفسي بيده، يا سلمان، وعندها تحجّ أغنياء أمّتي للنّزهة وتحجّ أوساطها للتّجارة وتحجّ فقراؤهم للرّياء والسّمعة، فعندها يكون أقوام يتعلّمون القرآن لغير اللَّه ويتّخذونه مزامير، ويكون أقوام يتفقّهون لغير اللَّه، وتكثر أولاد الزّنا، ويتغنّون بالقرآن، ويتهافتون بالدّنيا.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن، يا رسول اللَّه؟! قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: إي، والّذي نفسي بيده، يا سلمان، ذاك إذا انتهكت المحارم واكتسبت المآثم، وتسلّط الأشرار [على الأخيار، ويفشو الكذب] وتظهر اللّجاجة، وتفشو الفاقة، ويتباهون في اللّباس، ويمطرون في غير أوان المطر، ويستحسنون الكوبة والمعازف، وينكرون الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، حتّى يكون المؤمن في ذلك الزّمان أذل الأمّة ، ويظهر قرّاؤهم وعبّادهم فيما بينهم التلاوم ، فأولئك يدعون في ملكوت السّموات الأرجاس الأنجاس.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن، يا رسول اللَّه؟! قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: إي، والّذي نفسي بيده، يا سلمان، فعندها لا يخشى الغنيّ على الفقير، حتّى أنّ السّائل يسأل فيما بين الجمعتين لا يصيب أحدا يضع في كفّه شيئا.
قال سلمان: وإنّ هذا لكائن، يا رسول اللَّه؟! قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: إي، والّذي نفسي بيده، يا سلمان، فعندها يتكلّم الرّويبضة .قال سلمان : فلما الرّويبضة، يا رسول اللَّه، فداك أبي وأمّي؟
فقال: يتكلّم في أمر العامّة من لم يكن يتكلّم، فلم يلبثوا إلّا قليلا حتّى تخور الأرض خورة فلا يظنّ كلّ قوم إلّا أنّها خارت في ناحيتهم، فيمكثون ما شاء اللَّه ثمّ ينكتون في مكثهم، فتلقي لهم الأرض أفلاذ كبدها ، ذهبا وفضّة، ثمّ أومأ بيده إلى الأساطين فقال: مثل هذا، فيومئذ لا ينفع ذهب ولا فضّة، فهذا معنى قوله: فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها.
و في روضة الواعظين للمفيد- رحمه اللَّه-: وقال النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ من أشراط السّاعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويشرب الخمر، ويفشو الزّنا، وتقلّ الرّجال وتكثر النّساء، حتّى أنّ الخمسين امرأة فيهنّ واحد من الرّجال.
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ، أي: إذا علمت سعادة المؤمنين وشقاوة الكافرين فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانيّة، وتكميل النفس بإصلاح أحوالها وأفعالها وهضمها بالاستغفار لذنبك.
و في أصول الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن حسين بن زيد، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: الاستغفار وقوله لا إله إلّا اللَّه خير العبادة، قال اللَّه- تعالى-: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ.
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: ما من شيء أعظم ثوابا من شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، إنّ اللَّه لا يعد له شيء ولا يشركه في الأمور [أحد] .
عنه ، عن الفضيل بن عبد الوهّاب، عن إسحاق بن عبيد اللَّه [عن عبيد اللَّه] ابن الوليد الوصافي ، رفعه، قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: من قال: لا إله إلّا اللَّه، غرست [له شجرة] في الجنّة من ياقوتة حمراء، منبتها في مسك أبيض، أحلى من العسل وأشدّ بياضا من الثّلج وأطيب ريحا من المسك، فيها أمثال ثدي الأبكار، تفلق عن سبعين حلّة.
و قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: خير العبادة قول: لا إله إلّا اللَّه، وقال :
خير العبادة الاستغفار، وذلك قول اللَّه في كتابه: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ.
و في مجمع البيان : وقد صحّ الحديث، بالإسناد، عن حذيفة بن اليمان قال: كنت رجلا ذرب اللّسان على أهلي، فقلت: يا رسول اللَّه، إنّي لأخشى أن يدخلني لساني النّار.
فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: فأين أنت من الاستغفار، إنّي لأستغفر اللَّه [في اليوم] مائة مرّة.
و روي ، عن النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال: من مات وهو يعلم أنّه لا إله إلّا اللَّه، دخل الجنّة. أورده مسلم في الصّحيح.
و في محاسن البرقيّ : قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: خير العبادة الاستغفار، وذلك قول اللَّه في كتابه: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ.
و في عيون الأخبار ، في باب العلل الّتي ذكرها الفضل بن شاذان في آخرها أنّه سمعها من الرّضا- عليه السّلام- مرّة بعد مرّة وشيئا بعد شيء: فإن قال (قائل) : فلم وجب عليهم الإقرار والمعرفة بأنّ اللَّه واحد أحد؟
قيل: لعلل، منها أنّه لو لم يجب عليهم الإقرار والمعرفة لجاز أن يتوهّموا مدبّرين أو أكثر من ذلك، وإذا جاز ذلك لم يهتدوا إلى الصّانع لهم من غيره، لأنّ كلّ إنسانمنهم كان لا يدري لعلّه إنّما يعبد غير الّذي خلقه ويطيع غير الّذي أمره، فلا يكونون على حقيقة من صانعهم وخالقهم، ولا يثبت عندهم أمر آمر ولا نهي ناه إذا لم يعرف الآمر بعينه ولا النّاهي من غيره.
و منها أنّه لو جاز أن يكون اثنين لم يكن أحد الشّريكين أولى بأن يعبد ويطاع من الآخر، وفي إجازة أن يطاع ذلك الشّريك إجازة ألّا يطاع اللَّه، وفي [إجازة] ألّا يطاع اللَّه كفر باللَّه وبجميع كتبه ورسله، وإثبات كلّ باطل وترك كلّ حقّ، وتحليل كلّ حرام وتحريم كل حلال، والدّخول في كلّ معصية والخروج من كلّ طاعة، وإباحة كلّ فساد وإبطال كلّ حقّ.
و منها أنّه لو جاز أن يكون أكثر من واحد، لجاز لإبليس أن يدّعى أنّه ذلك الآخر، حتّى يضاد اللَّه في جميع حكمه ويصرف العباد إلى نفسه، فيكون في ذلك أعظم الكفر وأشدّ النّفاق.
و بإسناده إلى إسحاق بن راهويه قال: لمّا وافى أبو الحسن الرّضا- عليه السّلام- نيشابور، وأراد أن يخرج منها إلى المأمون اجتمع عليه أصحاب الحديث، فقالوا:
يا ابن رسول اللَّه، ترحل عنّا ولا تحدّثنا بحديث فنستفيده منك؟ وكان قد قعد في العماريّة.
فأطلع رأسه وقال- عليه السّلام-: سمعت أبي، موسى بن جعفر- عليه السّلام- يقول: سمعت أبي، جعفر بن محمّد- عليه السّلام- يقول: سمعت أبي، محمّد بن عليّ- عليه السّلام- يقول: سمعت أبي، عليّ بن الحسين- عليه السّلام- يقول: سمعت أبي، الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- يقول: سمعت أبي، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- يقول: سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يقول: [سمعت جبرئيل يقول:] سمعت اللَّه- عزّ وجلّ- يقول: لا إله إلّا اللَّه حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي.
فلمّا مرّت الرّاحلة، نادانا : بشروطها، وأنا من شروطها.
و بإسناده إلى عليّ بن بلال: عن عليّ بن موسى الرّضا، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام-، عن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام-، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-، عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن إسرافيل، عن اللّوح، عن القلم قال: يقول [اللَّه- عزّ وجلّ-] ولاية عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي.
و في باب ما جاء عن الرّضا - عليه السّلام- من الأخبار المجموعة: قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: التوحيد نصف الدّين.
و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أربع خصال من كنّ فيه كان في نور اللَّه الأعظم: من كانت عصمة أمره شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّي رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.
(الحديث)
و في عيون الأخبار ، في باب آخر فيما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار المجموعة، وبإسناده، قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إن للَّه عمودا من ياقوتة حمراء، رأسه تحت العرش وأسلفه على ظهر الحوت في الأرض السّابعة السّفلى، فإذا قال العبد: لا إله إلّا اللَّه، اهتز العرش وتحرّك العمود وتحرّك الحوت.
فيقول اللَّه: اسكن، يا عرشي.
فيقول: [يا ربّ، كيف] أسكن وأنت لم تغفر لقائلها.
فيقول اللَّه- تبارك وتعالى-: اشهدوا، يا سكّان سماواتي، أنّي قد غفرت لقائلها.
و في كتاب الخصال : قال عليّ- عليه السّلام- لبعض اليهود وقد سأله عن مسائل: أمّا أقفال السّموات فالشّرك باللَّه، ومفاتيحها قول: لا إله إلّا اللَّه .
و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إل محمّد بن حمران: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من قال: لا إله إلّا اللَّه، مخلصا دخل الجنة، وإخلاصه أن يحجزه «لا إله إلّا اللَّه» عمّا حرّم اللَّه.و بإسناده إلى زيد بن أرقم: عن النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- مثله.
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى ابن شبرمة: عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام- لأبي حنيفة: أخبرني عن كلمة أولها شرك وآخرها إيمان.
قال: لا أدري.
قال: هي [كلمة] لا إله إلّا اللَّه، لو قال: لا إله، كان شرك.
و بإسناده إلى ابن أبي ليلى: عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- أنّه قال في حديث طويل: وأمّا كلمة أولها كفر وآخرها إيمان فقول: لا إله إلّا اللَّه، أولها كفر وآخرها إيمان.
وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ: ولذنوبهم بالدّعاء لهم والتّحريض على ما يستدي غفرانهم.
و في إعادة الجارّ وحذف المضاف إشعار بفرط احتياجهم، وكثرة ذنوبهم.
وَ اللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ: في الدّنيا، فإنّها مراحل لا بدّ من قطعها.
وَ مَثْواكُمْ : في العقبى، فإنّها دار إقامتكم، فاتّقوا اللَّه واستغفروه وأعدّوا لمعادكم.
وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ، أي: هلّا نزلت سورة، لأنّهم كانوا يأنسون بنزول القرآن ويستوحشون لإبطائه، ليعلموا أوامر اللَّه فيهم وتعبّده لهم.
فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ: مبيّنة ليس فيها متشابه ولا تأويل.
و قيل : [سورة] ناسخة لما قبلها من إباحة التّخفيف في الجهاد.
و قيل : كلّ سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة، وهي أشدّ القرآن علىالمنافقين.
وَ ذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ، أي: الأمر به.
رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: ضعف في الدّين.
و قيل : نفاق.
يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ: جبنا ومخافة.
فَأَوْلى لَهُمْ : فالويل لهم. أفعل من الولي وهو القرب، أو فعلى من آل، ومعناه: الدّعاء عليهم بأن يليهم المكروه، أو يؤول إليه أمرهم.
طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ: استئناف، أي: أمرهم طاعة. [أو طاعة] وقول معروف خير لهم. أو حكاية قولهم لقراءة أبي : «يقولون طاعة».
فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ، أي: جدّ، وهو لأصحاب الأمر، وإسناده إليه مجاز، وعامل الظّرف محذوف، [و قيل :] فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ، أي: فيما زعموا من الحرص على الجهاد، أو الإيمان.
لَكانَ: الصّدق خَيْراً لَهُمْ فَهَلْ عَسَيْتُمْ: فهل يتوقّع منكم.
إِنْ تَوَلَّيْتُمْ: أمور النّاس وتأمّرتم عليهم. أو أعرضتم وتولّيتم عن الإسلام.
و في مجمع البيان : روي عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: «فهل عسيتم إن وليتم».
أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ : تناحرا على الولاية، وتجاذبا لها. أو رجوعا إلى ما كنتم عليه في الجاهليّة من التّغاور مقاتلة الأقارب.
و المعنى: أنّهم لضعفهم في أمر الدّين وحرصهم على الدّنيا أحقّاء بأن يتوقع ذلك منهم من عرف حالهم، ويقول لهم: «هل عسيتم». وهذا على لغة الحجاز، فإنّ بني تميم لا يلحقون الضّمير به، وخبره «أن تفسدوا» و«إن تولّيتم» اعتراض.و عن يعقوب : «تولّيتم»- وفي مجمع البيان : أنّها مرويّة عن عليّ- عليه السّلام-
أي: إن تولّاكم ظلمة خرجتم معهم، وساعدتموهم في الإفساد وقطيعة الرّحم.
و «تقطعوا» من القطع.
و قرئ : «و تقطّعوا» من التقطّع.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا محمّد بن جعفر، قال: حدّثنا عبد اللَّه بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن عليّ الخزّاز، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللَّه، عن أبي العبّاس المكّيّ قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: إن عمر لقى عليّا- عليه السّلام- فقال: أنت الّذي تقرأ هذه الآية: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ تعرّض بي وبصاحبي؟
قال: أ فلا أخبرك بآية نزلت في بني أميّة: فَهَلْ عَسَيْتُمْ- إلى قوله-: وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ.
فقال عمر: بنو أميّة أوصل للرّحم منك، ولكنّك أثبت العداوة لبني أميّة وبني عديّ وبني تيم.
و في روضة الكافي : الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان بن [عثمان، عن] عبد الرّحمن عن أبي عبد اللَّه، عن أبي العبّاس المكّيّ، مثله، إلّا أنّ فيه: فقال: كذبت، بنو أميّة ... إلى آخره.
أُولئِكَ: إشارة إلى المذكورين. الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ: لإفسادهم وقطعهم الأرحام.
فَأَصَمَّهُمْ: عن استماع الحقّ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ : فلا يهتدون سبيله.
و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد [و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا] عن عمرو بن عثمان، عن محمّد بن عذافر، عن بعض أصحابه ، عنمحمّد بن مسلم وأبي حمزة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-، عن أبيه- عليه السّلام- قال:
قال لي [أبي] عليّ بن الحسين- عليهما السّلام-: يا بنيّ، إيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه، فإنّي وجدته ملعونا في كتاب اللَّه في ثلاثة مواضع، قال اللَّه: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و في كتاب الخصال : عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: في كتاب عليّ- عليه السّلام- ثلاث خصال لا يموت صاحبهنّ حتّى يرى وبالهنّ: البغي، وقطيعة الرّحم، واليمين الكاذبة يبارز اللَّه بها.
(الحديث)
عن أبي موسى الأشعريّ قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: ثلاثة لا يدخلون الجنّة: مدمن خمر، ومدمن سحر، وقاطع رحم.
و في كتاب ثواب الأعمال : عن السّكونيّ، عن الصّادق- عليه السّلام-، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إذا ظهر العلم واحترز العمل وائتلفت الألسن واختلفت القلوب وتقاطعت الأرحام، هنالك لعنهم اللَّه فأصمّهم وأعمى أبصارهم.
و في شرح الآيات الباهرة : [قال محمّد بن العبّاس:] حدّثنا محمّد بن أحمد الكاتب، عن حسين بن خزيمة الرّازيّ، عن عبد اللَّه بن بشير، عن أبي هوذة، عن إسماعيل بن عيّاش، عن جويبر ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاس»
في قوله- تعالى-:
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ (الآية) قال: نزلت في بني هاشم وبني أميّة.
أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ: يتصفّحون القرآن وما فيه من المواعظ والزّواجر، حتّى لا يجترئوا على المعاصي.
و
في مجمع البيان : أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ قيل: أ فلا يتدبّرون القرآن فيقضواما عليهم من الحقّ .. عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- وأبي الحسن [موسى- عليه السّلام-] .
أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها : لا يصل إليها ذكر، ولا ينكشف لها أمر.
و قيل : «أم» منقطعة، ومعنى الهمزة فيها التّقرير. وتنكير القلوب لأنّ المراد قلوب بعض منهم، أو للإشعار بأنّها لإبهام أمرها في القساوة أو لفرط جهالتها ونكرها كأنّها مبهمة منكورة، وإضافة الأقفال إليها للدّلالة على أقفال مناسبة لها مختصّة بها لا تجانس الأقفال المعهودة .
و قرئ : «إقفالها» على المصدر.
و في محاسن البرقيّ : عنه، عن عبد اللَّه بن يحيى، عن] هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد قال: قال لي أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: يا سليمان، إنّ لك قلبا ومسامع، وإنّ اللَّه إذا أراد أن يهدي عبدا فتح مسامع قلبه، وإذا أراد به غير ذلك ختم مسامع قلبه فلا يصلح أبدا، وهو قول اللَّه: أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها.
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ: إلى ما كانوا عليه من الكفر.
مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى: بالدلائل الواضحة والمعجزات الظّاهرة.
الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ: سهّل لهم اقتراف الكبائر. من السّول، وهو الاسترخاء.
و قيل : حملهم على الشّهوات. من السّوال، وهو التمنّي : وفيه أن «السّول» مهموز قلبت همزته [واوا] لضمّ ما قبلها، ولا كذلك «التّسويل». ويمكن ردّه بقولهم:
هما يتساولان .
و قرئ : «سول» على تقدير مضاف، أي: كيد الشّيطان سول لهم.وَ أَمْلى لَهُمْ : وأمدّ لهم في الآمال [و الأماني] . أو أمهلهم اللَّه ولم يعاجلهم بالعقوبة لقراءة يعقوب : «و أملي لهم»، أي: وأنا املي لهم. فيكون الواو للحال، أو الاستئناف.
و قرأ أبو عمرو: [ «و املى»] على البناء للمفعول، وهو ضمير «الشّيطان» أو «لهم».
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا محمّد بن القاسم بن عبيد الكنديّ قال:
حدّثنا عبد اللَّه بن عبد الفارس، عن محمّد بن عليّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ عن الإيمان بتركهم ولاية عليّ- عليه السّلام-.
«الشّيطان [يعني فلانا] سوّل لهم»، يعني: بني فلان وبني فلان .
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ قيل : قال اليهود الّذين كفروا بالنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- بعد ما تبيّن لهم نعته للمنافقين. أو المنافقون لهم. أو أحد الفريقين للمشركين .
سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ: في بعض أموركم. أو في بعض ما تأمرون به، كالقعود عن الجهاد، والموافقة في الخروج معهم إن اخرجوا، والتّظافر على الرسول.
و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة وعليّ بن عبد اللَّه، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى فلان وفلان [و فلان] ، ارتدّوا عن الإيمان في ترك ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام-.
قلت: قوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ [سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ] .قال: نزلت [و اللَّه] فيهما وفي أتباعهما، وهو قول اللَّه الّذي به جبرئيل على محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ في عليّ- عليه السّلام- سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ قال: دعوا بني أميّة إلى ميثاقهم ألّا يصيّروا الأمر إلينا بعد النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- ولا يعطونا من الخمس شيئا، وقالوا: إن أعطيناهم إيّاه، لم يحتاجوا إلى شيء ولم يبالوا أن لا يكون الأمر فيهم. [فقالوا: سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ الّذي دعوتمونا إليه وهو الخمس ألا نعطيهم منه شيئا. قوله: كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ والّذي نزّل اللَّه ما افترض على خلقه] من ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام- [و كان معهم أبو عبيده وكان كاتبهم، فأنزل اللَّه : أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ، أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ (الآية).
و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بآخر ما نقلنا عنه سابقا، أعني: قوله:
وَ أَمْلى لَهُمْ. قوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ هو ما افترض اللَّه على خلقه] من ولاية عليّ. سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ قال: دعوا بني أميّة إلى ميثاقهم ألّا يصيّروا لنا الأمر بعد النّبيّ - صلّى اللَّه عليه وآله- ولا يعطونا من الخمس شيئا، وقالوا:
ان أعطيناهم الخمس استغنوا به. فقالوا»
: سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ، أي: لا تعطوهم من الخمس شيئا، فأنزل اللَّه على نبيّه: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً (الآية).
و في مجمع البيان : ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ
و المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه- عليهما السّلام-: أنّهم بنو أميّة كرهوا ما نزّل اللَّه في ولاية عليّ- عليه السّلام-.
وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ : ومنها قولهم هذا، الّذين أفشاه اللَّه عليهم.
و قرأ حمزة والكسائي وحفص: «إسرارهم» على المصدر.
فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ: فكيف يعملون ويحتالون حينئذ.و قرئ : «توفّاهم» وهو يحتمل الماضي والمضارع المحذوف إحدى تائيه.
يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ : تصوير لتوفّيهم بما يخافون منه ويجتنبون عن القتال له.
ذلِكَ: إشارة إلى التّوفّي الموصوف، بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ.
قيل : من الكفر، وكتمان نعت الرّسول، وعصيان الأمر.
وَ كَرِهُوا رِضْوانَهُ: ما يرضاه من الإيمان والجهاد وغيرهما من الطّاعات.
فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ : لذلك.
و في روضة الواعظين للمفيد- رحمه اللّه-: قال الباقر- عليه السّلام-: ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ [وَ كَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ] قال: كرهوا عليّا- عليه السّلام-. وكان أمر اللّه بولايته يوم بدر و[يوم] حنين وببطن نخلة ويوم التّروية ويوم عرفة، نزلت فيه خمس عشرة آية في الحجّة الّتي صدّ فيها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن المسجد الحرام وبالجحفة [و بخمّ] .
و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، [عن محمّد] بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من طلب مرضاة النّاس بما يسخط اللّه كان حامده من النّاس ذامّا، ومن آثر طاعة اللّه بما يغضب النّاس، كفاه اللّه عداوة كلّ عدوّ وحسد كلّ حاسد وبغي كلّ باغ، وكان اللّه له ناصرا وظهيرا .
عليّ بن إبراهيم : عن أبيه، عن النّوفليّ، عن السّكوني، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من أرضى سلطانا بسخط اللّه خرج من دين الإسلام.و بهذا الإسناد قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من طلب مرضاة النّاس بما يسخط اللّه كان حامده من النّاس ذامّا.
و في كتاب التوحيد : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، وقد سأله بعض الزّنادقة عن اللّه- تعالى-. وفيه قال السّائل: فله رضاء وسخط؟
قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: نعم، وليس ذلك على ما يوجد في المخلوقين، وذلك أنّ الرّضاء والسّخط دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال، وذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو [تبارك وتعالى- العزيز الرحيم] لا حاجة به إلى شيء ممّا خلق، وخلقه جميعا محتاجون إليه، وإنّما خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب اختراعا وابتداعا.
و بإسناده إلى هشام بن الحكم، أنّ رجلا سأل أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن اللّه- تعالى-: له رضاء وسخط؟
قال: نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، وذلك أنّ الرّضاء والغضب دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال، معتمل ، مركّب، للأشياء فيه مدخل، وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه، واحد أحديّ الذّات وأحديّ المعنى، فرضاه ثوابه وسخطه عقابه من غير شيء يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال، فإنّ ذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو- تبارك وتعالى- القويّ العزيز لا حاجة به إلى شيء ممّا خلق، وخلقه جميعا محتاجون إليه، وإنّما خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب اختراعا وابتداعا.
و بإسناده إلى محمّد بن عمارة [عن أبيه] قال: سألت الصّادق جعفر بن محمّد- عليه السّلام- فقلت له: يا ابن رسول اللّه، أخبرني عن اللّه هل له رضاء وسخط؟
فقال: نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، ولكن غضب اللّه عقابه، ورضاه ثوابه.و في كتاب الخصال : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه أخفى أربعة في أربعة: أخفى رضاه في طاعته، فلا تستصغرنّ شيئا من طاعته، فربّما وافق رضاه وأنت لا تعلم. وأخفى سخطه في معصيته، فلا تستصغرنّ شيئا من معصيته، فربّما وافق سخطه وأنت لا تعلم.
(الحديث).
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ، يعني: موالاة فلان وفلان وظالمي أمير المؤمنين- عليه السّلام-. فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ، يعني: الّتي عملوها من الخيرات.
و في شرح الآيات الباهرة : [قال محمّد بن العبّاس:] حدّثنا عليّ بن [عبد اللّه، عن] إبراهيم بن محمّد، عن إسماعيل بن بشّار، عن عليّ بن جعفر الحضرميّ، عن جابر بن يزيد قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه: ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ.
قال: كرهوا عليّا- عليه السّلام-. وكان عليّ- عليه السّلام- رضاء» اللّه ورضاء»
رسوله، أمر اللّه بولايته يوم بدر ويوم حنين وببطن نخلة ويوم التّروية، نزلت فيه اثنتان وعشرون آية في الحجّة الّتي صدّ فيها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن المسجد الحرام بالجحفة وبخمّ.
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ: أن لن يبرز اللّه لرسوله وللمؤمنين أَضْغانَهُمْ : أحقادهم.
و في شرح الآيات الباهرة : [قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-] حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، عن محمّد بن زكرياء، عن جعفر بن محمّد بن عمارة قال: حدّثني أبي، عن جابر، عن أبي جعفر، [محمّد عن علي- عليهم السّلام-] عن جابر بن عبد اللّه قال:لمّا نصب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عليّا يوم غدير خمّ قال قوم: ما باله يرفع ضبع ابن عمّه؟ فأنزل اللّه: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ (الآية).
وَ لَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ: لعرّفناكهم بدلائل تعرفهم بأعيانهم.
فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ: بعلاماتهم الّتي نسمهم بها.
و «اللّام» لام الجواب كرّرت في المعطوف.
وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ: جواب قسم محذوف.
و «لحن القول» أسلوبه، وإمالته إلى جهة تعريضا وتورية. ومنه قيل للمخطئ:
لا حن، لأنّه يعدل بالكلام عن الصّواب.
و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى أبي عبيدة: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال لي: يا أبا عبيدة، خالقوا النّاس بأخلاقهم وزايلوهم بأعمالهم، إنّا لا نعدّ الرّجل فينا عاقلا حتّى يعف لحن القول. ثمّ قرأ هذه الآية: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ.
و في أمالي شيخ الطّائفة ، بإسناده إلى عليّ- عليه السّلام- أنّه قال: قلت: أربع أنزل اللّه تصديقي بها في كتابه، قلت: المرء مخبوء تحت لسانه فإذا تكلّم ظهر، فأنزل اللّه: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ.
و في مجمع البيان : وعن أبي سعيد الخدريّ قال: لحن القول بغضهم عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. [قال: وكنّا نعرف المنافقين على عهد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ببغضهم عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.]
و روى مثل ذلك عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ.
و عن عبادة بن الصّامت قال: كنّا نبور أولادنا بحبّ عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. فإذا رأينا أحدهم لا يحبّه، علمنا أنّه لغير رشدة .قال أنس : ما خفي منافق على عهد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بعد هذه الآية.
وَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ : فيجازيكم على حسب قصدكم، إذ الأعمال بالنّيّات.
و في شرح الآيات الباهرة : [قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-:] حدّثنا محمّد بن جرير ، عن عبد اللّه بن عمر، عن الجاميّ ، عن محمّد بن مالك، عن أبي هارون العبديّ، عن أبي سعيد الخدريّ قال: قوله- عزّ وجلّ-: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ قال:
بغضهم لعليّ- عليه السّلام-.
و قال- أيضا- : حدّثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن (ابن) بكير قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إنّ اللّه أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية، فنحن نعرفهم في لحن القول.
وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ: بالأمر وبالجهاد، وسائر التّكاليف الشّاقّة.
و في مجمع البيان : قرأ أبو بكر: «ليبلونّكم» وما بعده، بالياء. وهو المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام-.
حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ: على مشاقّها.
وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ : ما يخبر به عن أعمالكم، فيظهر حسنها وقبيحها.
أو أخبارهم عن إيمانهم وموالاتهم المؤمنين في صدقها وكذبها.
و قرأ أبو بكر الأفعال الثّلاثة، بالياء، لتوافق ما قبلها.
و عن يعقوب : «و نبلو» بسكون الواو، على تقدير: ونحن نبلو.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى قيل : هم قريظة والنضير. أو المطعمون يوم بدر.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قال:
عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-. «و شاقّوا الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله-»، أي: قطعوه في أهل بيته بعد أخذه الميثاق عليهم له.
لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً: بكفرهم وصدّهم. أو لن يضرّوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بمشاقّته.
و حذف المضاف لتعظيمه [و تفظيع مشاقّهم] .
وَ سَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ : [ثواب حسنات أعمالهم] بذلك. أو مكائدهم الّتي نصبوها في مشاقّته، فلا يصلون بها إلى مقاصدهم ولا تثمر لهم إلّا القتل والجلاء عن أوطانهم.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ : بما أبطل به هؤلاء، كالكفر، والنّفاق، والعجب، والرّياء، والمنّ، والأذى، ونحوها.
و في عيون الأخبار ، في باب آخر فيما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار المجموعة، وبإسناده، قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: اختاروا الجنّة على النّار، ولا تبطلوا أعمالكم فتقذفوا في النّار منكبّين خالدين فيها أبدا.
و في كتاب ثواب الأعمال : عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من قال: «سبحان اللّه» غرس اللّه له بها شجرة في الجنّة. ومن قال: «الحمد للّه» غرس اللّه له بها شجرة في الجنّة. ومن قال: «لا إله إلّا اللّه» غرس اللّه له بها شجرة في الجنّة. ومن قال: «اللّه أكبر» غرس اللّه له بها شجرة في الجنّة.
فقال رجل من قريش: يا رسول اللّه، إنّ شجرنا في الجنّة لكثير؟
قال: نعم، ولكن إيّاكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها. وذلك أنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ.و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدّثني عليّ بن محمّد الزّهريّ قال:
حدّثني محمّد بن عبد اللّه، يعني: ابن غالب قال: حدّثني الحسن» بن عليّ بن سيف قال: حدّثني مالك بن عطيّة قال: حدّثني يزيد بن فرقد النّهديّ أنّه قال: قال جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- [في قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ: يعني إذا أطاعوا اللّه وأطاعوا الرّسول ما تبطل أعمالكم. قال:] إنّ عداوتنا تبطل أعمالهم.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ .
قيل : عامّ في كلّ من مات على كفره وإن صحّ نزوله في أصحاب القليب، ويدلّ بمفهومه على أنّه [قد يغفر] لمن لم يمت على كفره سائر ذنوبه.
فَلا تَهِنُوا: فلا تضعفوا.
وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ: ولا تدعوا إلى الصّلح خورا وتذلّلا.
و يجوز نصبه بإضمار «أن».
و قرئ : «لا تدعوا» من ادّعى، بمعنى: دعا.
و قرأ أبو بكر وحمزة، بكسر السّين.
وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ: الأغلبون.
وَ اللَّهُ مَعَكُمْ: ناصركم.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها قال: هي منسوخة بقوله: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ [وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ] .
وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ : ولن يضيع أعمالكم. من وترت الرّجل: إذا قتلت متعلّقا له من قريب أو حميم فأفردته عنه، من الوتر، شبته به تعطيل ثواب العملو إفراده منه.
و في جوامع الجامع : وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ هو من وترت الرّجل: إذا قتلت له قتيلا، أو حربته ، وحقيقته: أفردته من حميمه أو ماله، من الوتر، وهو الفرد. ومنه
قول النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: من فاتته صلاة العصر، فكأنّما وتر أهله وماله
، أي: أفرد عنهما قتلا ونهبا.
إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ: لا ثبات لها.
وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ: ثواب إيمانكم وتقواكم.
وَ لا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ : جميع أموالكم، بل يقتصر على جزء يسير.
إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ: فيجهدكم بطلب الكلّ.
و «الإحفاء» و«الإلحاف»: المبالغة وبلوغ الغاية. يقال: أحفى شاربه: إذا استأصله.
تَبْخَلُوا: فلا تعطوا.
وَ يُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ : ويضغنكم على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
و الضّمير في «يخرج» للّه، ويؤيّده القراءة بالنّون. أو البخل، لأنّه سبب الأضغان.
و قرئ : «يخرج» بالياء، والتاء ورفع أضغانكم.
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ، أي: أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون . وقوله:
تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ: استئناف مقرّر لذلك . أو صلة لهؤلاء على أنّه بمعنى:
الّذين، وهو يعمّ نفقة الغزو والزّكاة وغيرهما.
فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ: ناس يبخلون. وهو كالدّليل على الآية المتقدّمة .وَ مَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ: فإنّ نفع الإنفاق وضرر البخل عائدان إليه.
و «البخل» يعدّي «بعن» و«على» لتضمّنه معنى الإمساك والتّعدّي، فإنّه إمساك عن مستحقّ.
وَ اللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ: فما يأمركم به فهو لاحتياجكم، فإن امتثلتم فلكم، وإن تولّيتم فعليكم.
وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا: عطف على «تؤمنوا».
يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ: يقم مكانكم قوما آخرين.
و في مجمع البيان : وروى أبو هريرة أنّ ناسا من أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قالوا: يا رسول اللّه، من هؤلاء الّذين ذكر اللّه في كتابه؟ وكان سلمان إلى جنب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
فضرب- صلّى اللّه عليه وآله- يده على فخذ سلمان فقال: هذا وقومه، فو الّذي نفسي بيده، لو كان الإيمان منوطا بالثّريّا، لتناوله رجال من فارس.
و روى أبو بصير : عن أبي جعفر - عليه السّلام- قال: «إن تتولّوا» يا معشر العرب يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ، يعني: الموالي.
و عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- قال: قد، واللّه، أبدل [بهم] خيرا منهم الموالي.
ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ : في [التولية و] الزّهد والإيمان، وهم الفرس، كما مرّ.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ قال: العداوة الّتي في صدوركم. «و إن تتولّوا»، يعني : عن ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام-.يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ قال: يدخلهم في هذا الأمر. ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ في معاداتكم وخلافكم وظلمكم لآل محمّد- صلوات اللّه عليهم-.
حدّثني محمّد بن عبد اللّه، عن أبيه، عبد اللّه بن جعفر، عن السّنديّ بن محمّد، عن يونس بن يعقوب، عن يعقوب بن قيس قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا بن قيس وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ، عنى: أبناء الموالي المعتقين.