سورة حمعسق مكّيّة.
قيل : إلّا آية وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ- إلى قوله: لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ.
و قيل : إلّا أربع آيات منها نزلن بالمدينة قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.
قال ابن عبّاس: لمّا نزلت هذه الآية قال رجل: واللّه، ما أنزل اللّه هذه الآية. فأنزل اللّه: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً. ثمّ إنّ الرّجل تاب وندم، فنزل: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ- إلى قوله-: لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ.
و هي ثلاث وخمسون آية، وتسمّى: سورة الشّورى.
بسم الله الرحمن الرحيم
في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ حم عسق بعثه اللّه يوم القيامة ووجهه كالثّلج أو كالشّمس حتّى يقف بين يدي اللّه- عزّ وجلّ. فيقول: عبدي، أدمت قراءة حم عسق ولم تدر ما ثوابها، أما لو دريت ما هي وما ثوابها لما ملك من قراءتها ولكن سأجزيك جزاك، أدخلوه الجنّة. وله فيها قصر من ياقوتة حمراء، أبوابها وشرفها ودرجها منها ، يرى ظاهرها [من باطنها وباطنها منظاهرها] وله فيها [جوارأ من الحور العين] وألف جارية، وألف غلام من الغلمان المخلّدين الّذين وصفهم اللّه- عزّ وجلّ.
و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: من قرأ سورة حمعسق كان ممّن يصلّي عليه الملائكة ويستغفرون له ويسترحمون.
حم عسق :
قيل : لعلّه اسمان للسّورة ولذلك فصل بينهما وعدّا آيتين، وإن كانا اسماء واحدا فالفصل ليطابق سائر الحواميم.
و قرئ : «حم، سق ».
و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ: عن الصّادق- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: وأمّا حم، عسق فمعناه: الحكيم المثيب العالم السّميع القادر القويّ.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم- رحمه اللّه- : حم، عسق هو حروف من اسم اللّه الأعظم المقطوع، يؤلّفه الرّسول أو الإمام فيكون الاسم الّذي إذا دعا اللّه به أجاب.
حدّثنا أحمد بن عليّ وأحمد بن إدريس قالا: حدّثنا محمّد بن أحمد العلويّ، عن العمكريّ ، عن محمّد بن جمهور قال: حدّثنا سليمان بن سماعة، عن عبد اللّه بن القاسم، عن يحيى بن ميسرة الخثعميّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: حم، عسق عدد سني القائم- صلوات اللّه عليه. و«قاف» جبل محيط بالدّنيا من زمرّدة خضراء، فخضرة السّماء من ذلك الجبل، وعلم كلّ شيء في عسق.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا عليّ بنعبد اللّه بن أسد، عن إبراهيم بن محمّد الثّقفيّ، عن يوسف بن كليب المسعودي ، عن عمرو بن عبد الغفّار الفقيميّ، عن محمّد، عن»
أبي الحكم بن مختار، عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس قال: حم اسم من أسماء اللّه- تعالى. وعسق علم عليّ- عليه السّلام- بفسق كلّ جماعة ونفاق كلّ فرقة.
بحذف الإسناد ، يرفعه إلى محمّد بن جمهور، عن السّكونيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: هم حم حتم، و«عين» عذاب، و«سين» سنون كسني يوسف، و«قاف» قذف وخسف ومسخ يكون في آخر الزّمان بالسّفيانيّ، وأصحابه وأناس من كلب ثلاثون ألف الف يخرجون معه، وذلك حين يخرج القائم- عليه السّلام- بمكّة، وهو مهديّ هذه الأمّة.
كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، أي:
مثل ما في هذه السّورة من المعاني، أو إيحاء مثل إيحائها أوحى اللّه إليك وإلى الرّسل من قبلك. وإنّما ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية، للدّلالة على استمرار الوحي، وأنّ إيحاء مثله عادته.
و قرأ ابن كثير: «يوحى» بالفتح، على أنّ «كذلك» مبتدأ و«يوحى» خبره المسند إلى ضميره، أو مصدر و«يوحى» مسند إلى «إليك». و«اللّه» مرتفع بما دلّ عليه «يوحى»، والْعَزِيزُ الْحَكِيمُ صفتان له مقرّرتان لعلوّ شأن الوحى به، كما مرّ في السّورة السّابقة، أو بالابتداء، كما في قراءة «نوحي» بالنّون، و«العزيز» وما بعده أخبار، أو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ صفتان وقوله: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ خبران له. وعلى الوجوه الأخر استئناف مقرّر لعزّته.
تَكادُ السَّماواتُ وقرأ نافع والكسائيّ، بالياء.
يَتَفَطَّرْنَ
قيل : يتشقّقن فرقا من عظمة اللّه.
و قيل : من دعاء الولد له.
و قرأ البصريّان وأبو بكر: «ينفطرن»، والأوّل أبلغ لأنّه مطاوع «فطّر» وهذا مطاوع «فطر».
و قرئ : «تتفطّرن» بالتّاء لتأكيد التّأنيث وهو نادر.
مِنْ فَوْقِهِنَّ، أي: يبتدئ الانفطار من جهتين الفوقانيّة.
و تخصيصها، على الأوّل ، لأنّ أعظم الآيات وأدلّها على علوّ شأنه من تلك الجهة، وعلى الثّاني، ليدلّ على الانفطار من تحتهنّ بالطّريق الأولى.
و قيل : الضّمير للأرض، فإنّ المراد بها الجنس .
وَ الْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ قيل : بالسّعي فيما يستدعي مغفرتهم من الشّفاعة والإلهام وإعداد الأسباب المقرّبة إلى الطّاعة، وذلك في الجملة يعمّ المؤمن والكافر، بل لو فسّر الاستغفار بالسّعي فيما يدفع الخلل المتوقّع عمّ الحيوان بل الجماد، وحيث خصّ بالمؤمنين فالمراد به: الشّفاعة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: وقال [عليّ بن] إبراهيم: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ قال: للمؤمنين من الشّيعة التّوابين خاصة، ولفظ الآية عامّ ومعناه خاص.
و في جوامع الجامع : وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ قال الصّادق- عليه السّلام-: ويستغفرون لمن في الأرض من المؤمنين.
أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ : إذ ما من مخلوق إلّا وهو ذو حظّ منرحمته.
و الآية على الأوّل زيادة تقرير لعظمته. وعلى الثّاني دلالة على تقدّسه عمّا نسب إليه، وأنّ عدم معاجلتهم بالعقاب على تلك الكلمة الشّنعاء باستغفار الملائكة وفرط غفرانه ورحمته.
وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ: شركاء وأندادا.
اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ: رقيب على أحوالهم وأعمالهم فيجازيهم بها.
وَ ما أَنْتَ يا محمّد عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ : بموكّل بهم، أو بموكول إليه أمرهم.
وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا الإشارة إلى مصدر «يوحي». أو إلى معنى الآية المتقدّمة، فإنّه مكرّر في القرآن في مواضع جمّة، فتكون «الكاف» مفعولا به و«قرآنا عربيّا» حال منه.
لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى: [أهل أمّ القرى] وهي مكّة.
وَ مَنْ حَوْلَها: من العرب.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها قال: أُمَّ الْقُرى مكّة، سمّيت أمّ القرى لأنّها أوّل بقعة خلقها اللّه من الأرض، لقوله- عزّ وجلّ-: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً.
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى جعفر بن محمّد الصّوفيّ، عن محمّد بن عليّ الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وإنّما سمّي- يعني:
النّبيّ- الأمّيّ، لأنّه كان من أهل مكّة ومكّة من أمّهات القرى، وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ-: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها.
و بإسناده إلى عليّ بن حسّان وعليّ بن أسباط وغيره، رفعه عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت: فلم سمّي النّبيّ الأمّي؟
قال: نسب إلى مكّة، وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ-: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها. فأمّ القرى مكّة، فقيل «أمّي» لذلك.وَ تُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ: يوم القيامة يجمع الخلائق فيه، أو الأرواح والأشباح، أو العمّال والأعمال. وحذف ثاني مفعولي الأوّل وأوّل مفعولي الثّاني للتّهويل، وإيهام التّعميم.
و قرئ : «لينذر» بالياء، والفعل للقرآن.
لا رَيْبَ فِيهِ: اعتراض لا محلّ له [من الإعراب] .
فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ، أي بعد جمعهم في الموقف يجمعون أوّلا ثمّ يفرّقون، والتّقدير: منهم فريق. والضّمير للمجموعين لدلالة الجمع عليه.
و قرئا منصوبين على الحال «لمنهم»، أي: وتنذر يوم جمعهم متفرّقين، بمعنى:
مشارفين للتّفرّق، أو متفرّقين في داري الثّواب والعقاب.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم»- رحمه اللّه-: حدّثني الحسين بن عبد اللّه السّكينيّ، عن أبي سعيد البجليّ، عن عبد الملك بن هارون، عن أبي عبد اللّه، عن آبائه- صلوات اللّه عليهم- حديث طويل، يذكر فيه مضيّ الإمام الحسن بن عليّ بن إلى ملك الرّوم وجوابات الإمام للملك عمّا سأله عنه، وفي أواخر الحديث: ثمّ سأله عن أرواح المؤمنين أين تكون إذا ماتوا؟
قال: تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كلّ ليلة جمعة، وهو عرش اللّه الأدنى، منها بسط اللّه- عزّ وجلّ- الأرض وإليها يطويها ومنها المحشر ومنها استوى ربّنا إلى السّماء، أي: استولى على السّماء والملائكة.
ثمّ سأله عن أرواح الكفّار أين تجتمع؟
فقال: تجتمع في وادي حضرموت وراء مدينة اليمن، ثمّ يبعث اللّه- عزّ وجلّ- نارا من المشرق ونارا من المغرب ويتبعهما بريحين شديدتين فيحشر النّاس عند صخرة بيت المقدس، فيحشر أهل الجنّة عن يمين الصّخرة ويزلف الميعاد ، وتصير جهنّم عن يسار الصّخرة في تخوم الأرضين السّابعة وفيها الفلق والسّجّين، فتفرّق الخلائق من عند الصّخرة،فمن وجبت له الجنّة دخلها وم وجبت له النّار دخلها، وذلك قوله: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.
و في أمالي الصّدوق ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سأل رجل، يقال له: بشر بن غالب، أبا عبد اللّه- عليه السّلام- فقال: يا ابن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أخبرني عن قول اللّه - عزّ وجلّ-: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ.
قال: إمام دعا إلى هدى فأجابوه إليه، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها، هؤلاء في الجنّة وهؤلاء في النّار، وهو قوله- عزّ وجلّ-: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن سيف، عن أبيه، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: خطب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- النّاس، ثمّ رفع يده اليمنى قابضا على كفّه، ثمّ قال: أ تدرون، أيّها النّاس، ما في كفّي؟
فقالوا: اللّه ورسوله أعلم.
فقال: فيها أسماء أهل الجنّة وأسماء آبائهم وقبائلهم إلى يوم القيامة.
ثمّ [رفع يده الشّمال فقال: أيّها النّاس، أ تدرون ما في كفّي؟
قالوا: اللّه ورسوله أعلم.
فقال: أسماء أهل النّار وأسماء آبائهم وقبائلهم إلى يوم القيامة.
ثمّ] قال : حكم اللّه وعدل، حكم اللّه وعدل، [حكم اللّه وعدل] فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.
و في بصائر الدّرجات : أحمد بن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: حدّثني أبي، عمّن ذكره قال: خرج علينا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وفي يده اليمنى كتاب وفي يده اليسرىكتاب، فنشر الكتاب الّذي في يده اليمنى فقرأ: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» كتاب لأهل الجنّة بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم لا يزاد فيهم واحد، ولا ينقص منهم واحد.
قال : [ثمّ نشر الّذي بيده اليسرى فقرأ: كتاب من اللّه الرّحمن الرّحيم لأهل النّار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم لا يزاد فيهم واحد ولا ينقص منهم واحد.]
وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً: مهتدين أو ضالّين.
وَ لكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ: بالهداية والحمل على الطّاعة.
وَ الظَّالِمُونَ ما لَهُمْ: [من اللّه] مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ، أي: ويدعهم بغير وليّ ولا نصير في عذابه.
و لعلّه غيّر المقابلة للمبالغة في الوعيد، إذ الكلام في الإنذار.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وأمّا قوله: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً قال:
لو شاء اللّه أن يجعلهم كلّهم معصومين مثل الملائكة بلا طباع، لقدر عليه وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ لآل محمّد- صلوات اللّه عليهم- حقّهم ما لَهُمْ [من اللّه] مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ.
أَمِ اتَّخَذُوا: بل اتّخذوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ: كالأصنام.
فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ: جواب شرط محذوف، مثل: إن أرادوا أولياء بحقّ فاللّه هو الوليّ بالحقّ .
وَ هُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، كالتقرير لكونه حقيقا بالولاية.
وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ: أنتم والكفّار مِنْ شَيْءٍ من أمر من أمور الدّين أو الدّنيا.
فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ: مفوّض إليه، يميّز الحقّ عن المبطل بالنّصر، أو بالإثابة والمعاقبة.و قيل : وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ من تأويل متشابه فارجعوا فيه إلى المحكم من كتاب اللّه.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: وقوله- عزّ وجلّ-: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ من شيء من المذاهب أو اخترتم لأنفسكم من الأديان، فحكم ذلك كلّه إلى اللّه يوم القيامة.
ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ: في مجامع الأمور.
وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ : أرجع في المعضلات.
فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خبر آخر «لذلكم»، أو مبتدأ خبره: جَعَلَ لَكُمْ.
و قرئ بالجرّ، على البدل من الضّمير في «عليه»، أو الوصف «لإلى اللّه».
مِنْ أَنْفُسِكُمْ: من جنسكم.
أَزْواجاً: نساء.
وَ مِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً، أي: وخلق للأنعام من جنسها أزواجا، أو خلق لكم من الأنعام أصنافا، أو ذكورا وإناثا.
يَذْرَؤُكُمْ: يكثّركم، من الذّرء، وهو البثّ. وفي معناه: الذّرّ، والذّرو.
فِيهِ، في هذا التّدبير، وهو جعل النّاس والأنعام أزواجا يكون بينهم توالد فإنّه كالمنبع للبث والتّكثير.
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [، أي: ليس مثله شيء] يزاوجه ويناسبه، والمراد من مثله: ذاته- ما في قولهم: مثلك لا يفعل كذا- على قصد المبالغة في نفيه عنه، فإنّه إذا نفي عمّن يناسبه ويسدّ مسدّه كان نفيه عنه أولى.
و من قال: «الكاف» فيه زائدة، لعلّه عنى أنّه يعطي معنى: ليس مثله ، غير أنّه آكد لما ذكرناه.
و قيل : مثله صفته، أي: ليس كصفته صفة.و في أصول الكافي : محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن حمزة بن محمّد قال: كتبت إلى أبي الحسن- عليه السّلام- أسأله عن الجسم والصّورة.
فكتب: سبحان من لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، ولا جسم ولا صورة.
و في مصباح شيخ الطّائفة - قدّس سرّه- خطبة مرويّة عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- وفيها: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، إذا كان الشّيء من مشيئته، فكان لا يشبه مكوّنه.
و في عيون الأخبار ، في باب العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها أنّه سمعها من الرّضا- عليه السّلام- مرّة بعد مرّة وشيئا بعد شيء: فإن قال: فلم وجب عليهم الإقرار للّه بأنّه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ؟
قيل: لعل، منها أن لا يكونوا قاصدين نحوه بالعبادة والطّاعة دون غيره غير مشتبه عليهم أمر ربّهم وصانعهم ورازقهم. ومنها أنّهم لو لم يعلموا»
أنّه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لم يدروا لعلّ ربّهم وصانعهم هذه الأصنام الّتي نصبها لهم آباؤهم والشّمس والقمر والنّيران، إذا كان جائزا أن يكون عليهم مشتبه ، وكان يكون في ذلك الفساد وترك طاعاته كلّها وارتكاب معاصيه كلّها على قدر ما يتناهى إليهم من أخبار هذه الأرباب وأمرها ونهيها. ومنها أنّه لو لم يجب عليهم أن يعرفوا أنّه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لجاز عندهم أن يجري عليه ما يجري على المخلوقين من العجز والجهل والتّغيّر والزّوال والفناء والكذب والاعتداء، ومن جازت عليه هذه الأشياء لم يؤمن فناؤه ولم يوثق بعدله ولم يحقّق قوله وأمره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه، وفي ذلك فساد الخلق وإبطال الرّبوبيّة.
و في كتاب التّوحيد خطبة لعليّ- عليه السّلام- يقول فيها: ولا له مثل فيعرف بمثله.
و خطبة أخرى يقول فيها: حدّ الأشياء كلّها عند خلقه إيّاها، إبانة لها من [شبهه وإبانة له من شبهها.و خطبة أخرى يقول- عليه السّلام- فيها: ولا يخطر ببال أولي الرّؤيات خاطرة من تقدير] جلال عزّته، لبعده من أن يكون في قوى المحدودين لأنّه خلاف خلقه فلا شبه له في المخلوقين، وإنّما يشبّه الشّيء بعديله، فأمّا ما لا عديل له فكيف يشبّه بغير مثاله؟!
وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ : لكلّ ما يسمع ويبصر.
و في أصول الكافي : سهل، عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ قال: كتبت إلى الرّجل- عليه السّلام-: أنّ من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التّوحيد، فمنهم من يقول: جسم، ومنهم من يقول: صورة.
فكتب بخطّة: سبحان من لا يحدّ ولا يوصف ليس كمثله شيء وهو السميع العليم.
أو قال: الْبَصِيرُ.
سهل ، عن بشر بن بشّار النّيسابوريّ قال: كتبت إلى الرّجل- عليه السّلام-:
أنّ من قبلنا قد اختلفوا في التّوحيد، فمنهم من يقول: جسم، ومنهم من يقول: صورة.
فكتب إليّ: سبحان من لا يحدّ ولا يوصف ولا يشبهه شيء، ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى طاهر بن حاتم بن ماهويه قال: كتبت إلى الطّيّب، يعني: أبا الحسن- عليه السّلام-: ما الّذي لا يجتزئ في معرفة الخالق بدونه؟
فكتب: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لم يزل سميعا وعليما وبصيرا، وهو الفعّال لما يريد.
و بإسناده إلى عبد الرّحمن بن أبي نجران قال: سألت أبا جعفر الثّاني- عليه السّلام- عن التّوحيد، فقلت: أتوهّم شيئا؟
فقال: نعم، غير معقول ولا محدود، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه. لا يشبهه شيء ولا تدركه الأوهام، كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل وخلاف ما يتصوّر في الأوهام، إنّما يتوهّم شيء غير معقول ولا محدود.و بإسناده إلى محمّد بن عيسى بن عبيد أنّه قال: قال الرّضا- عليه السّلام-: للنّاس في التّوحيد ثلاثة مذاهب. نفيّ، وتشبيه، وإثبات بغير تشبيه. فمذهب النّفي لا يجوز، ومذهب التّشبيه لا يجوز لأنّ اللّه- تعالى- لا يشبهه شيء، والسّبيل في الطّريق الثّالثة إثبات بلا تشبيه.
و بإسناده إلى الحسين بن سعيد قال: سئل أبو جعفر- عليه السّلام-: يجوز أن يقال للّه: إنّه شيء؟
فقال: نعم، تخرجه عن الحدّين: حدّ التّشبيه وحدّ التّعطيل.
و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار حديث، يقول فيه- عليه السّلام-: وقلنا: إنّه سميع، لا يخفى عليه أصوات خلقه ما بين العرش إلى الثّرى من الذّرة إلى أكبر منها في برّها وبحرها، ولا تشتبه عليه لغاتها، فقلنا عند ذلك: إنّه سميع، لا بأذن وقلنا: إنّه بصير، لا ببصر لأنّه يرى أثر الذّرة السّحماء في اللّيلة الظّلماء على الصّخرة السّوداء ، ويرى دبيب النّمل في الّليلة الدّجية، [أي:
المظلمة] ويرى مضارّها ومنافعها واثر سفادها وفراخها ونسلها، فقلنا عند ذلك: إنّه بصير، لا كبصر خلقه.
لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: خزائنها.
يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ: يوسع ويضيق على وفق مشيئته.
إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فيفعله على ما ينبغي.
و في روضة الكافي : خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وهي خطبة الوسيلة، قال- عليه السّلام- فيها: فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن، ويكون فيها لا على وجه الممازجة، وعلمها لا بأداة لا يكون العلم إلّا بها، وليس بينه وبين معلومه علم غيره به كان عالما بمعلومه.
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنابِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى، أي: شرع لكم من الدّين دين نوح ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- ومن بينهما من أرباب الشّرائع، وهو الأصل المشترك فيما بينهم المفسّر بقوله:
أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ: وهو الإيمان بما يجب تصديقه والطّاعة في أحكام اللّه. ومحلّه النّصب على البدل من مفعول «شرع»، أو الرّفع على الاستئناف، كأنّه جواب: وما ذلك المشروع؟! أو الجرّ على البدل من هاء «به».
وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ: ولا تختلفوا في هذا الأصل. أمّا فروع الشّرائع فمختلفة، كما قال: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً.
كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ: عظم عليهم ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ من التّوحيد.
اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ: يجتلب إليه. والضّمير «لما تدعوهم»، أو «للدّين».
وَ يَهْدِي إِلَيْهِ بالإرشاد والتّوفيق مَنْ يُنِيبُ : يقبل إليه.
و في بصائر الدّرجات : عبد اللّه بن عامر، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران قال: كتب أبو الحسن الرّضا- عليه السّلام- رسالة و. أقرأنيها، [قال:] قال عليّ بن الحسين- عليهما السّلام-: إنّ محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- كان أمين اللّه في أرضه، فلمّا قبض محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- كنّا أهل البيت ورثته، فنحن أمناء اللّه في أرضه.
... إلى قوله: ونحن الّذين شرع اللّه لنا دينه، فقال في كتابه: شَرَعَ لَكُمْ يا آل محمّد مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً قد وصّانا بما وصّى به نوحا وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يا محمّد وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وَمُوسى وَعِيسى. فقد علمنا وبلّغنا ما علمنا واستودعنا علمهم، ونحن ورثة الأنبياء ونحن ورثة أولي العزم من الرّسل أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ يا آل محمّد وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ وكونوا على جماعة كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ من أشرك بولاية عليّ- عليه السّلام- ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ من ولاية عليّ- عليه السّلام- [إنّ اللّه يا محمّد] يَهْدِي إِلَيْهِ من يجيبك إلى ولاية عليّ- عليه السّلام.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا جعفر بن محمّد الحسني ، عن إدريس بن زياد الحنّاط، عن أحمد بن عبد الرّحمن الخراسانيّ، عن بريد بن إبراهيم، عن أبي حبيب النّتاجيّ ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-، عن أبيه، محمّد، عن أبيه، عليّ بن الحسين- عليهم السّلام- قال في تفسير هذه الآية: نحن الّذين شرع اللّه لنا دينه في كتابه، وذلك قوله- عزّ وجلّ-: شَرَعَ لَكُمْ يا آل محمّد مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ يا آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ من ولاية عليّ- عليه السّلام- اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ، أي: من يجيبك إلى ولاية عليّ- عليه السّلام.
و قال- أيضا»: حدّثنا محمّد بن همّام، عن عبد اللّه بن [جعفر، عن عبد اللّه] العصانيّ ، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران قال: كتب أبو الحسن الرّضا- عليه السّلام- إلى عبد اللّه بن جندب رسالة وأقرأنيها، قال : قال عليّ بن الحسين- عليه السّلام-:
نحن أولى النّاس باللّه- عزّ وجلّ- ونحن أولى بكتاب اللّه، ونحن أولى بدين اللّه، ونحن الّذين شرع اللّه لنا دينه فقال في كتابه: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ يا آل محمّد ما وَصَّى بِهِ نُوحاً فقد وصّانا [بما وصّي به نوحا وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يا محمّد وَما وَصَّيْنا] بِهِ إِبْراهِيمَ وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وَمُوسى وَعِيسى فقد علمنا وبلّغنا ما علمنا واستودعنا علمهم ، فنحن ورثة الأنبياء ونحن ورثة أولي العزم من الرّسل أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ يا آل محمّد وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ وكونوا على جماعة كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ [من أشرك بولاية عليّ- عليه السّلام-] ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ من ولاية عليّ. إنّ اللَّهُ يا محمّد [يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَ] يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ من يجيبك إلى ولاية عليّ- عليه السّلام.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد العزيز بن المهتدي، عن عبد اللّه بن جندب أنّه كتب إليه الرّضا- عليه السّلام-: نحن الّذين شرع اللّه لنا دينه فقال في كتابه: شَرَعَ لَكُمْ يا آل محمّد مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً [قد وصّانا بما وصّى به نوحا] وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يا محمّد وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى. فقد علمنا وبلّغنا ما علمنا، واستودعنا علمهم. نحن ورثة أولي العزم من الرسل. أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ يا آل محمّد وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ: وكونوا على جماعة. كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ: من أشرك بولاية عليّ- عليه السّلام- ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ من ولاية عليّ- عليه السّلام. إنّ الله يا محمّد يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ: من يجيبك إلى ولاية عليّ- عليه السّلام.]
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
الحسين بن محمّد ، عن معلّي بن محمّد، عن عبد اللّه بن إدريس، عن محمّد بن سنان، عن الرّضا- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ يا محمّد من ولاية عليّ»- عليه السّلام- هكذا في الكتاب مخطوطة.
عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزّاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- بعث نوحا إلى قومه أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ، ثمّ دعاهم إلى اللّه وحده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ثمّ بعث الأنبياء إلى أن بلغوا محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- فدعاهم إلى أن يعبدوا اللّه ولا يشركوا به شيئا، وقال: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ. فبعث الأنبياء إلى قومهم بشهادة أن لا إله إلّا اللّه والإقرار بما جاء [به] من عند اللّه- عزّ وجلّ. فمن آمن مخلصا ومات على ذلك أدخله الجنّة بذلك، وذلك أنّ اللّه- عزّ وجلّ- لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، وذلك أنّ اللّه- عزّ وجلّ- لم يكن يعذّب عبدا حتّى يغلظ عليه في القتل والمعاصي الّتي أوجب اللّه- عزّ وجلّ- عليه بها النّار لمن عمل بها، فلمّا استجاب لكلّ نبيّ من استجاب له من قومه من المؤمنين جعل لكلّ نبيّ منهم شرعة ومنهاجا، والشّرعة والمنهاج سبيل وسنّة.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر وعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إبراهيم بن محمّد الثّقفيّ، عن محمّد بن مروان، جميعا، عن أبان بن عثمان، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- تعالى- أعطى محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى- عليهم السّلام- التّوحيد والإخلاص وخلع الأنداد والفطرة الحنيفيّة السّمحاء لا رهبانية ولا سياحة، أحلّ فيها الطّيّبات وحرّم فيها الخبائث، ووضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم.
ثمّ افترض [عليه فيها] الصّلاة والزّكاة والصّيام [و الحجّ] والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والحلال والحرام والمواريث والحدود والفرائض والجهاد في سبيل اللّه، وزاده الوضوء، وفضّله بفاتحة الكتاب وبخواتيم سورة البقرة والمفصّل، وأحل له المغنم والفيء، ونصره بالرّعب، وجعل له الأرض مسجدا وطهورا، وأرسله كافّة إلى الأبيض والأسود والجنّ والإنس، وأعطاه الجزية، وأسر المشركين وفداهم.
ثمّ كلّف ما لم يكلّف أحد من الأنبياء، أنزل عليه سيف من السّماء في غير غمد وقيل له: قاتل في سبيل اللّه لا تكلّف إلّا نفسك.
و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن إسماعيل الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كانت شريعة نوح أن يعبد اللّه بالتّوحيد والإخلاص وخلع الأنداد، وهي الفطرة الّتي فطر النّاس عليها، وأخذ اللّه ميثاقه على نوح وعلى النّبيّين- صلّى اللّه عليهم أجمعين- أنيعبدوا اللّه- تعالى- ولا يشركوا به شيئا، وأمر بالصّلاة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والحلال والحرام، ولم يفرض عليه أحكام حدود ولا فرائض مواريث، فهذه شريعته.
و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ قال: دخلت على سيّدي، عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- فلمّا بصر بي قال لي:
مرحبا بك، يا أبا القاسم، أنت وليّنا حقّا.
قال: فقلت له: يا ابن رسول اللّه، إنّي أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضيا أثبت عليه حتّى ألقى اللّه- عزّ وجلّ.
فقال: هاتها، يا أبا القاسم.
فقلت: إنّي أقول: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- واحد لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، خارج من الحدّين: حدّ الإبطال وحدّ التّشبيه. وإنّه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسّم الأجسام ومصوّر الصّور وخالق الأعراض والجواهر، وربّ كلّ شيء ومالكه وجاعله ومحدثه. وإنّ محمّدا عبده ورسوله خاتم النّبيّين، فلا نبيّ بعده إلى يوم القيامة.
و أقول: إنّ الإمام والخليفة ووليّ الأمر بعده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ أنت يا مولاي.
فقال- عليه السّلام-: ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للنّاس بالخلف من بعده؟
قال: فقلت: وكيف ذاك، يا مولاي؟
قال: لأنّه لا يرى شخصه، ولا يحلّ ذكره باسمه حتّى يخرج، فيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا.
قال: فقلت: أقررت وأقول: إنّ وليّهم وليّ اللّه، وعدوّهم عدوّ اللّه، وطاعتهم طاعة اللّه، ومعصيتهم معصية اللّه. وأقول: إنّ المعراج حقّ ، والمساءلة في القبر حقّ. وإنّالجنّة حقّ، والنّار حقّ، والصّراط حقّ، والميزان حقّ. وإنّ السّاعة آتية لا ريب فيها.
و إنّ اللّه يبعث من في القبور. وأقول: إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية الصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ والجهاد والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
فقال عليّ بن محمّد: يا أبا القاسم، هذا واللّه، دين اللّه الّذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه- ثبّتك اللّه بالقول الثّابت في الحياة الدّنيا وفي الآخرة.
و بإسناده إلى الرّيّان بن الصّلت: عن عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام-، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: قال اللّه- جلّ جلاله-: ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي، وما عرفني من شبّهني بخلقي، وما على ديني من استعمل القياس في ديني.
و بإسناده إلى داود بن سليمان الفرّاء: عن عليّ بن موسى الرّضا، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: التّوحيد نصف الدّين.
و في كتاب الخصال»: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أفضل دينكم الورع.
عن ابن عمر ، عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أنّه قال: أفضل العبادة الفقه، وأفضل الدّين الورع.
و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن بعض أصحابنا، عن عبيد بن زرارة قال: حدّثني حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن الاستطاعة فلم يجبني، فدخلت عليه دخلة أخرى فقلت:
أصلحك اللّه، إنّه قد وقع في قلبي منها شيء لا يخرجه إلّا شيء أسمعه منك.
قال: فإنّه لا يضرّك ما كان في قلبك.
قلت: أصلحك اللّه، إنّي أقول: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- لم يكلّف العباد ما لا يستطيعون ولم يكلّفهم إلّا ما يطيقون، وإنّهم لا يصنعون شيئا من ذلك إلّا بإرادة اللّهو مشيئته وقضائه وقدره.
قال: فقال: هذا دين اللّه الّذي أنا عليه وآبائي- أو كما قال.
الحسين بن محمّد ، عن معلّي بن محمّد، عن محمّد بن جمهور.
... إلى قوله: عنه، عن معلّي بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان، عن إسماعيل الجعفيّ قال: دخل رجل على أبي جعفر- عليه السّلام- ومعه صحيفة.
فقال له أبو جعفر- عليه السّلام-: هذه صحيفة مخاصم سأل عن الدّين الّذي يقبل فيه العمل.
فقال: رحمك اللّه، هذا الّذي أريد.
فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: شهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وتقرّ بما جاء به من عند اللّه، والولاية لنا أهل البيت، والبراءة من عدوّنا، والتّسليم لأمرنا، والورع والتّواضع، وانتظار قائمنا، فإنّ لنا دولة إذا شاء اللّه جاء بها.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، وأبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، جميعا، عن صفوان [بن يحيى] ، عن عمرو بن حريث قال: دخلت على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وهو في منزل أخيه، عبد اللّه بن محمّد، فقلت له: جعلت فداك، ما حوّلك إلى هذا المنزل؟
فقال: طلب النّزهة .
فقلت: جعلت فداك، ألا أقصّ عليك ديني؟
فقال: بلي.
قلت: أدين اللّه بشهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأنّ السّاعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللّه يبعث من في القبور، وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة وصوم شهر رمضان وحجّ البيت، والولاية لعليّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- بعد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، والولاية للحسن والحسين، والولاية لعليّ بن الحسين، والولاية لمحمّد بن علي ولك من بعده- صلوات اللّه عليهم أجمعين- وأنّكم أئمّتي عليه أحيى وعليه أموت، وأدين اللّه به.فقال: يا عمرو، هذا واللّه، دين اللّه ودين آبائي الّذي أدين اللّه به في السّرّ والعلانية. فاتّق اللّه، وكفّ لسانك إلّا من خير. ولا تقل: إنّي هديت نفسي، بل اللّه هداك، فأدّ شكر ما أنعم اللّه- عزّ وجلّ- به عليك. ولا تكن ممّن إذا أقبل، طعن في عينه، وإذا أدبر، طعن في قفاه. ولا تحمل النّاس على كاهلك، فإنّك أو شك إن حملت النّاس على كاهلك أن يصدّعوا شعب كاهلك.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن عليّ بن مهزيار، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ قال: الإمام. وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كناية عن أمير المؤمنين- عليه السّلام.
ثمّ قال: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ من أمر ولاية عليّ- عليه السّلام.
اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ كناية عن عليّ- صلوات اللّه عليه. وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ.
وَ ما تَفَرَّقُوا قيل : يعني: الأمم السّابقة.
و قيل : أهل الكتاب، لقوله: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ.
إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ: العلم بأنّ التّفرّق ضلال متوعّد عليه. أو العلم بمبعث الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله. أو أسباب العلم من الرّسل والكتب وغيرهما، فلم يلتفتوا إليها.
بَغْياً بَيْنَهُمْ: عداوة ، أو طلبا للدّنيا.
وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ: بالإمهال.
إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى: هو يوم القيامة، أو آخر أعمارهم المقدّرة.
لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ: باستئصال المبطلين حين افترقوا لعظم ما اقترفوا.
وَ إِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ قيل : يعني: أهل الكتاب الّذين كانوا في عهد الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله. أوالمشركين الّذين أورثوا القرآن من بعد أهل الكتاب.
و قرئ : «ورّثوا» و«ورثوا».
لَفِي شَكٍّ مِنْهُ: من كتابهم لا يعلمونه كما هو، أو لا يؤمنون به حقّ الإيمان. أو من القرآن.
مُرِيبٍ : مقلق، أو مدخل في الرّيبة.
فَلِذلِكَ: فلأجل ذلك التّفرّق، أو الكتاب، أو العلم الّذي أوتيته فَادْعُ إلى الاتّفاق على الملّة الحنيفيّة، أو الأتباع لما أوتيت.
وَ اسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ : [و استقم على الدعوة كما أمر اللّه- سبحانه.]
وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ الباطلة.
وَ قُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ، يعني: جميع الكتب المنزلة، لا كالكفّار الّذين آمنوا ببعض وكفروا ببعض.
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى مسلم بن خالد المكّيّ: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهم السّلام- قال: ما أنزل اللّه- تبارك وتعالى- كتابا ولا وحيا إلّا بالعربيّة، فكان يقع في مسامع الأنبياء بألسنة قومهم، وكان يقع في مسامع نبيّنا- صلّى اللّه عليه وآله- بالعربيّة، فإذا كلّم به قومه كلّمهم بالعربيّة فيقع في مسامعهم بلسانهم. وكان أحد لا يخاطب رسول اللّه بأيّ لسان خاطبه إلّا وقع في مسامعه بالعربيّة، كلّ ذلك يترجم جبرئيل عنه تشريفا من اللّه- عزّ وجلّ- له.
وَ أُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ: في تبليغ الشّرائع والحكومة. والأوّل إشارة إلى كمال القوّة النّظريّة، وهذا إشارة إلى كمال القوّة العمليّة.
و في مجمع البيان : لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ و
في الحديث: ثلاث منجيات، وثلاث مهلكات. فالمنجيات: العدل في الرّضا والغضب، والقصد في الغنا والفقر، وخشية اللّه في السّر والعلانية. والمهلكات: شحّ مطاع، وهوى متّبع، وإعجاب المرء بنفسه.اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ: خالق الكلّ، ومتولّي أمره.
لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ: وكلّ مجازى بعلمه.
لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ: لا حجاج، بمعنى: لا خصومة، إذ الحقّ قد ظهر ولم يبق للمحاجّة مجال ولا للخلاف مبدأ سوى العناد.
اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا: يوم القيامة.
وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ : مرجع الكلّ لفصل القضاء.
و ليس في الآية ما يدلّ على متاركة الكفّار رأسا حتّى تكون منسوخة بآية القتال.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مخاطبة لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله. ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يا محمّد وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ، أي: تعلّموا الدّين، يعني: التّوحيد، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصوم شهر رمضان، وحجّ البيت، والسّنن والأحكام الّتي في الكتب، والإقرار بولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام. وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ، أي: لا تختلفوا فيه. كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ من ذكر هذه الشّرائع.
ثمّ قال: اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ، أي: يختار. وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ وهم الأئمّة الّذين اجتباهم اللّه واختارهم.
قال: وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ قال: لهم يتفرّقوا بجهل، ولكنّهم تفرّقوا لمّا جاءهم العلم وعرفوه، فحسد بعضهم بعضا وبغي بعضهم على بعض لمّا رأوا من تفاضل أمير المؤمنين- عليه السّلام- بأمر اللّه، فتفرّقوا في المذاهب وأخذوا بالآراء والأهواء.
ثمّ قال- عزّ وجلّ-: وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ قال: لو لا أنّ اللّه قد قدّر ذلك أين يكون في التّقدير الأوّل لقضي بينهم إذا اختلفوا وأهلكهم ولم ينظرهم، ولكن أخّرهم إلى أجل مسمّى المقدور. وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ كناية عن الّذين نقضوا أمر رسول اللّه.
ثمّ قال: فَلِذلِكَ فَادْعُ، يعني: لهذه الأمور والدّين الّذي تقدّم ذكره وموالاةأمير المؤمنين فادع وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ.
قالت: فحدّثني أبي، عن عليّ بن مهزيار، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ قال: الإمام. وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كناية عن أمير المؤمنين- عليه السّلام.
ثمّ قال: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ من أمر ولاية عليّ. اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ كناية عن عليّ- عليه السّلام. وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ.
ثمّ قال: فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ، يعني: إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام.
وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ فيه. وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ- إلى قوله: وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ.
وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ: في دينه.
مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ: من بعد ما استجاب له النّاس ودخلوا فيه. أو من بعد ما استجاب اللّه لرسوله فأظهر دينه بنصره يوم بدر. أو من بعد ما استجاب له أهل الكتاب بأن أقرّوا بنبوّته، واستفتحوا به.
حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ: زائلة باطلة.
وَ عَلَيْهِمْ غَضَبٌ بمعاندتهم، وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ على كفرهم.
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ: جنس الكتاب.
بِالْحَقِّ: متلبّسا به، بعيدا عن الباطل. أو بما يحقّ إنزاله من العقائد والأحكام.
وَ الْمِيزانَ: والشّرع الّذي توازن به الحقوق ويسوّى بين النّاس. أو العدل بأنّ أنزل الأمر به. أو آلة الوزن، فأوحى بإعدادها.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال- عزّ وجلّ-: الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ قال: «الميزان» أمير المؤمنين- عليه السّلام. والدّليل على ذلك قوله- عزّ وجلّ- في سورة الرّحمن. وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ قال: يعني: الإمام.
وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ إتيانها، فاتّبع الكتاب واعمل بالشّرع وواظب على العدل قبل أن يفاجئك اليوم الّذي توزن فيه أعمالك ويوفّى جزاؤك.
و قيل : تذكير القرب لأنّه بمعنى: ذات قرب، أو لأنّ السّاعة بمعنى: البعث.
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها استهزاء.
وَ الَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها: خائفون منها مع اغتيابها لتوقّع الثّواب.
وَ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ الكائن لا محالة.
أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ: يجادلون فيها. من المرية، أو من مريت النّاقة: إذا مسحت ضرعها بشدّة للحلب، لأنّ كلّا من المتجادلين يستخرج ما عند صاحبه بكلام فيه شدّة.
لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ عن الحقّ، فإنّ البعث أشبه الغائبات إلى المحسوسات، فمن لم يهتد لتجويزه، فهو أبعد عن الاهتداء إلى ما وراه.
اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ: بربّهم بصنوف من البرّ لا تبلغها الأفهام.
يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ، أي: يرزقه كما يشاء، فيخصّ كلّا من عباده بنوع من البرّ على ما اقتضته حكمته.
وَ هُوَ الْقَوِيُّ: الباهر القدرة.
الْعَزِيزُ : المنيع الّذي لا يغلب.
مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ: ثوابها. شبّه بالزّرع في أنّه فائدة تحصل بعمل الدّنيا، ولذلك قيل: الدّنيا مزرعة الآخرة.
و الحرث في الأصل: إلقاء البذر في الأرض. ويقال للزّرع الحاصل منه.
نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ: فنعطه بالواحد عشرا إلى سبعمائة فما فوقها.
وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها: شيئا منها على ما قسمنا له.
وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ إذ الأعمال بالنّيّات، ولكلّ امرئ ما نوى.
و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن الحسين بن عبد الرّحمن، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت: اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ.
قال: ولاية أمير المؤمنين.
قلت: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ.
قال: معرفة أمير المؤمنين والأئمّة- عليهم السّلام.نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ قال: نزيده منها. قال : يستوفي نصيبه من دوائهم.
وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ قال: ليس له في دولة الحقّ مع الإمام نصيب.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
الحسين بن محمّد بن عامر ، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من أراد الحديث لمنفعة الدّنيا لم يكن له في الآخرة نصيب، ومن أراد به خير الآخرة، أعطاه اللّه خير [الدنيا و] الآخرة.
عليّ بن إبراهيم . [عن أبيه] عن القاسم بن محمّد الإصبهانيّ، عن المنقريّ، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من أراد الحديث لمنفعة الدّنيا، لم يكن له في الآخرة نصيب.
و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن يحيى بن عقيل، عن حسن قال: خطب أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- فحمد اللّه وأثنى عليه وقال:
أمّا بعد- إلى أن قال- عليه السّلام-: إنّ المال والبنين حرث الدّنيا والعمل الصّالح حرث الآخرة، وقد يجمعهما اللّه لأقوام، فاحذروا من اللّه ما حذّركم من نفسه واخشوه خشية ليست بتعذير، واعملوا في غير رياء ولا سمعة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن بكر بن محمّد الأزدي، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: المال والبنون حرث الدّنيا والعمل الصّالح حرث الآخرة، وقد يجمعهما اللّه لأقوام.
و في مجمع البيان : وروي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: من كانت نيّته الدّنيا فرّق اللّه عليه أمره وجعل الفقر بين عينيه ولم يأته من الدّنيا إلّا ما كتب له،و من كانت نيّته الآخرة جمع اللّه شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدّنيا وهي راغمة.
أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ: بل لهم شركاء، والهمزة للتّقرير والتّقريع.
قيل : شركاؤهم شياطينهم الّذين زيّنوا لهم الشّرك وإنكار البعث والعمل للدّنيا.
و قيل : شركاؤهم أوثانهم، وإضافتها إليهم لأنّهم متّخذوها شركاء، وإسناد الشّرع إليها لأنّها سبب ضلالتهم وافتتانهم بما تديّنوا به.
وَ لَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ: أي: القضاء السّابق بتأجيل الجزاء، أو العدة بأنّ الفصل يكون يوم القيامة.
لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ: بين الكافرين والمؤمنين، أو المشركين وشركائهم.
وَ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وقرئ : «و أنّ» بالفتح، عطفا على «كلمة الفصل»، [أي: ولو لا كلمة الفصل] وتقدير عذاب الظّالمين في الآخرة لقضي بينهم في الدّنيا، فإنّ العذاب الأليم غالب في عذاب الآخرة.
و في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس- رحمه اللّه-، عن الحسن بن عبد الرّحمن، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ قال: اختلفوا كما اختلفت هذه الأمّة في الكتاب، وسيختلفون في الكتاب الّذي مع القائم الّذي يأتيهم به حتّى ينكره ناس كثير فيقدّمهم فيضرب أعناقهم.
و أمّا قوله: وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ قال:
لو لا ما تقدّم فيهم من اللّه- عزّ ذكره- ما أبقى القائم منهم أحدا.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ قال: «الكلمة» الإمام، والدّليل على ذلك قوله- عزّ وجلّ-: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، يعني: الإمام.
ثمّ قال- عزّ وجلّ-: وَإِنَّ الظَّالِمِينَ، يعني: الّذين ظلموا هذه الكلمة لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ تَرَى الظَّالِمِينَ في القيامة.
مُشْفِقِينَ: خائفين.
مِمَّا كَسَبُوا: من السّيّئات.
وَ هُوَ واقِعٌ بِهِمْ، أي: وباله لا حق بهم، أشفقوا أو لم يشفقوا.
وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ: في أطيب بقاعها وأنزهها.
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ، أي: ما يشتهونه ثابت لهم عند ربّهم.
ذلِكَ: إشارة إلى ما للمؤمنين هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ الّذي يصغر دونه ما لغيرهم في الدّنيا.
ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ: ذلك الثّواب الّذي يبشّرهم به، فحذف الجارّ ثمّ العائد. أو ذلك التّبشير الّذي يبشّره اللّه عباده.
و قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ: [ «يبشر» من بشره] وقرئ: «يبشر» من أبشره.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: قال- عزّ وجلّ-: تَرَى الظَّالِمِينَ، يعني: الّذين ظلموا آل محمّد- صلوات اللّه عليهم- حقّهم مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا، أي:
خائفين ممّا ارتكبوا وعملوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ ممّا يخافونه.
ثمّ ذكر اللّه- عزّ وجلّ- الّذين آمنوا بالكلمة واتّبعوها، فقال: والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات في روضات الجنّات لهم ما يشاءون عند ربّهم ذلك هو الفضل الكبير، ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا بهذه الكلمة وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ممّا أمروا به.
قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ: على ما أتعاطاه من التّبليغ والبشارة.
أَجْراً: نفعا منكم.إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قيل : أن تودّوني بقرابتي منكم، أو تودّوا قرابتي.
و قيل : الاستثناء منقطع، والمعنى: لا أسألكم [أجرا قطّ لكن أسألكم] المودّة.
و فِي الْقُرْبى حال منها، أي: إلّا المودّة ثابتة في ذوي القربى متمكّنة في أهلها، أو في حقّ القرابة ومن أجلها، كما جاء في الحديث: الحبّ في اللّه، والبغض في اللّه.
روي : أنّها لمّا نزلت قيل: يا رسول اللّه،- صلّى اللّه عليه وآله- من قرابتك من هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم؟
قال: عليّ وفاطمة وأبناؤهما- صلوات اللّه عليهم أجمعين.
و قيل : «القربى» التّقرّب إلى اللّه، أي: إلّا أن تودّوا اللّه ورسوله في تقرّبكم إليه بالطّاعة والعمل الصّالح.
و قرئ : «إلّا مودّة في القربى».
و في قرب الإسناد للحميريّ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: عن آبائه- عليهم السّلام- أنّه [قال] لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [قام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: ايّها النّاس! إنّ اللّه- تبارك وتعالى- قد فرض لي عليكم فرضا فهل أنتم مودّوه؟
قال: فلم يجبه أحد منهم فانصرف فلمّا كان من الغد قام فيهم وقال: مثل ذلك ثمّ قال فيهم وقال: مثل ذلك في اليوم الثالث فلم يتكلّم أحد.
فقال: ايّها النّاس! إنّه ليس من ذهب ولا فضّة ولا مطعم ولا مشرب.
قالوا فألقه إذا قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أنزل علي قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى] .
فقالوا: أمّا هذه فنعم.فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام. فو اللّه، ما وفي إلّا سبعة نفر: سلمان، وأبو ذرّ، وعمّار، والمقداد بن الأسود الكنديّ، وجابر بن عبد اللّه الأنصاريّ، ومولى لرسول اللّه يقال له: الثّبت ، وزيد بن أرقم.
و في جوامع الجامع : وروي أنّ المشركين قالوا فيما بينهم: أ ترون أنّ محمّدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا؟ فنزلت : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ (الآية).
و في محاسن البرقيّ : عنه، عن أبيه، عمّن حدّثه، عن إسحاق بن عمّار، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ الرّجل يحبّ الرّجل ويبغض ولده، فأبي اللّه- عزّ وجلّ- إلّا أن يجعل حبّنا مفترضا أخذه من أخذه وتركه من تركه واجبا، فقال: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.
عنه ، عن ابن محبوب، عن أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قوله- تعالى-: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.
فقال: هي، واللّه، فريضة من اللّه على العباد لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- في أهل بيته.
عنه، عن الهيثم في عبد اللّه النّهديّ، عن العبّاس بن عامر القصير، عن حجّاج الخشّاب قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول لأبي جعفر الأحول: ما يقول من عندكم في قول اللّه- تبارك وتعالى-: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى؟
فقال: كان الحسن البصريّ يقول: في أقربائى من العرب.
فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- لكنّني أقول لقريش الّذين عندنا: هي لنا خاصّة، فيقولون: هي لنا ولكم عامّة، فأقول: أخبروني عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-إذا نزلت به شديدة من خصّ بها؟ [أليس إيّانا خصّ بها] حين أراد أن يلاعن أهل نجران أن أخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين- عليهم السّلام؟ ويوم بدر قال لعلّي وحمزة وعبيدة بن الحارث، قال: فأبوا يقرّون لي، أ فلكم الحلو ولنا المرّ؟
عنه ، عن الحسين بن عليّ الخزّاز، عن مثنّى الحنّاط، عن عبد اللّه بن عجلان قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- تبارك وتعالى-: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.
قال: هم الأئمّة الّذين لا يأكلون الصّدقة ولا تحلّ لهم.
و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما يقول أهل البصرة في هذه الآية قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى؟
قلت: جعلت فداك، إنّهم يقولون: إنّها لأقارب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله.
قال: كذبوا، إنّما نزلت فينا خاصّة في أهل البيت، في عليّ وفاطمة والحسن والحسين و وأصحاب الكساء- عليهم السّلام.
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- حديث طويل، يقول فيه لبعض الشّاميّين: أما قرأت هذه الآية: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى؟
قال: بلى.
قال عليّ- عليه السّلام-: فنحن أولئك.
و
في مجمع البيان : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى اختلف في معناه على أقوال.
... إلى قوله: وثالثها، أنّ معناه: إلّا أن تودّوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم. عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- [و سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب وجماعة] وهو
المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام.
و بإسناده إلى ابن عبّاس قال: لمّا نزلت: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً (الآية) قالوا: يا رسول اللّه، من هؤلاء الّذين أمرنا اللّه بمودّتهم؟
قال: عليّ وفاطمة وولدهما.
و بإسناده إلى أبي القاسم الحسكنيّ، مرفوعا إلى أبي أمامة الباهليّ قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ اللّه- تعالى- خلق الأنبياء من أشجار شتّى، وخلقت أنا وعليّ من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعليّ فرعها [و فاطمة لقاحها] والحسن والحسين ثمارها وأشياعنا أوراقها، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ عنها هوى، ولو أنّ عبدا عبد اللّه بين الصّفا والمروة ألف عام [ثمّ ألف عام] حتّى يصير الشّنّ البالي ثمّ لم يدرك محبّتنا كبّه اللّه على منخريه في النّار.
ثمّ تلا: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.
و روى زاذان ، عن عليّ- عليه السّلام- قال: فينا في ال حم آية لا يحفظ مودّتنا إلّا كلّ مؤمن. ثمّ قرأ هذه الآية، وإلى هذا أشار الكميت في قوله:
وجدنا لكم في ال حم آية تأوّلها منّا تقيّ ومعرب
و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلّي بن محمّد، عن الوشّاء، [عن مثنى] عن زرارة، عن عبد اللّه بن عجلان، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قال: هم الأئمّة- عليهم السّلام.
الحسين بن محمّد وغيره، عن سهل، عن محمّد بن عيسى ومحمّد بن يحيى ومحمّد بن الحسين، جميعا عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو، عن
عبد الحميد بن أبي الدّيلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال في حديث طويل: فلمّا رجع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من حجّة الوداع وقدم المدينة أتته الأنصار.
فقالوا: يا رسول اللّه، إنّ اللّه- جلّ ذكره- قد أحسن إلينا وشرّفنا بك وبنزولك بين ظهرانينا، فقد فرّح اللّه صديقنا وكبت عدوّنا ، وقد تأتيك وفود فلا تجد ما تعطيهم فيشمت بك العدوّ، فيخبّ أن تأخذ ثلث أموالنا حتّى إذا قدم عليك وفد مكّة وجدت ما تعطيهم.
فلم يردّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عليهم شيئا، وكان ينتظر ما يأتيه من ربّه، فنزل جبرئيل وقال: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ولم يقبل أموالهم.
فقال المنافقون: ما أنزل اللّه هذا على محمّد، وما يريد إلّا أن يرفع بضبع ابن عمّه ويحمل علينا أهل بيته، يقول بالأمس: من كنت مولاه فعليّ مولاه، واليوم: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى إسحاق بن إسماعيل النّيسابوريّ، أنّ العالم كتب إليه،- يعني: الحسن بن عليّ عليهما السّلام-: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- فرض عليكم لأوليائه حقوقا أمركم بأدائها اليهم ليحلّ لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشربكم، ويعرّفكم بذلك البركة والنّماء والثّروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب، وقال- تبارك وتعالى-: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فاعلموا أنّ من بخل، فإنّما يبخل على نفسه، إنّ اللّه هو الغنيّ وأنتم الفقراء إليه لا إله إلّا هو، فاعملوا من بعد ما شئتم فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون، ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
و الحديث طويل. أخذ منه موضع الحاجة.
و في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه- بإسناده إلى ابن عبّاس قال: كنّا جلوسا مع النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- إذ هبط عليه الأمين جبرئيل- عليه السّلام- ومعهجام من البلور مملوء مسكا وعنبرا، وكان إلى جنب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وولداه الحسن والحسين- عليهما السّلام.
... إلى أن قال: فلمّا صارت الجام في كفّ الحسين- عليه السّلام- قالت: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.
و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل، وفيه قالت العلماء له: فأخبرنا هل فسّر اللّه- تعالى- الاصطفاء في الكتاب؟
فقال الرّضا- عليه السّلام-: فسّر الاصطفاء في الظّاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعا وموطنا، فأوّل ذلك قوله- عزّ وجلّ.
... إلى قوله: والآية السّادسة قول اللّه- عزّ وجلّ-: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وهذه خصوصيّة للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- [إلى يوم القيامة، وخصوصيّة] للآل دون غيرهم، وذلك أنّ اللّه- تعالى- حكى في ذكر نوح في كتابه : يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ.
و حكى- عزّ وجلّ- عن هود أنّه قال : لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَ فَلا تَعْقِلُونَ.
و قال- عزّ وجلّ- لنبيّه محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-: قُلْ يا محمّد لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى. ولم يفترض اللّه- تعالى- مودّتهم إلّا وقد علم أنّهم لا يرتدّون عن الدّين أبدا ولا يرجعون إلى ضلال أبدا.
و أخرى أن يكون الرّجل وادّا للرّجل فيكون بعض ولده وأهل بيته عدوّا له، فلا يسلم له قلب الرّجل، فأحبّ اللّه- عزّ وجلّ- أن لا يكون في قلب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- على المؤمنين شيء، ففرض اللّه عليهم مودّة ذوي القربى، فمن أخذ بها وأحبّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [و أحبّ أهل بيته لم يستطع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-] أن يبغضه، ومن تركها ولم يأخذ بها وأبغض أهل بيته فعلى
رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن يبغضه، لأنّه قد ترك فريضة من فرائض اللّه- عزّ وجلّ-، فأيّ فضل وأيّ شرف يتقدّم هذا أو يدانيه، فأنزل اللّه- عزّ وجلّ- هذه الآية على نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله-: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.
فقام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في أصحابه فحمد اللّه وأثنى عليه، وقال:
يا أيّها النّاس، إنّ اللّه قد فرض لي عليكم فرضا فهل أنتم مؤدّوه؟ فلم يجبه أحد، فقال:
أيّها النّاس، إنّه ليس بذهب ولا فضّة ولا مأكول ولا مشروب.
فقالوا: هات إذا.
فتلا عليهم هذه الآية.
فقالوا: أمّا هذه، فنعم. فما وفى بها أكثرهم.
و ما بعث اللّه نبيّا إلّا وأوحى إليه أن لا يسأل قومه أجرا، لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- يوفّيه أجر الأنبياء، ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- فرض اللّه طاعته ومودّة قرابته على أمّته، وأمره أن يجعل أجره فيه ليودّوه في قرابته بمعرفة فضلهم الّذي أوجب اللّه- عزّ وجلّ- لهم، فإنّ المودّة إنّما تكون على قدر معرفة الفضل.
فلمّا أوجب اللّه ذلك ثقل لثقل وجوب الطّاعة، فتمسّك بها قوم قد أخذ اللّه- تعالى- ميثاقهم على الوفاء، وعاند أهل الشّقاوة والنّفاق وألحدوا في ذلك، فصرفوه عن حدّه الّذي حدّه اللّه- عزّ وجلّ- فقالوا: القرابة هم العرب كلّها وأهل دعوته. فعلى أيّ الحالتين كان فقد علمنا أنّ المودّة هي للقرابة، فأقربهم من النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أولاهم بالمودّة، وكلّما قربت القرابة كانت المودّة على قدرها.
و ما أنصفوا نبيّ اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في حيطته ورأفته، وما منّ اللّه به على أمّته ممّا تعجز الألسن عن وصف الشّكر عليه أن لا يؤذوه في ذريّته وأهل بيته، وأن يجعلوهم فيهم بمنزلة العين من الرّأس حفظا لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فيهم [و حبا له، فكيف والقرآن ينطق به ويدعو إليه، والأخبار ثابتة بأنّهم أهل المودّة]
و الّذين فرض اللّه- تعالى- مودّتهم ووعد الجزاء عليها، فما وفى أحد بها، فهذه المودّة لا يأتي بها أحد مؤمنا مخلصا إلّا استوجب الجنّة لقول اللّه- تعالى- في هذه الآية: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ، ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى مفسرا ومبيّنا.
و فيه : ووجدت في بعض الكتب نسخة كتاب الحباء والشّرط من الرّضا- عليه السّلام- إلى العمال في شأن الفضل بن سهل وأخيه، ولم أرو ذلك عن أحد: أمّا بعد، فالحمد للّه البرئ البديع .
... إلى أن قال: الحمد للّه الّذي أورث أهل بيته مواريث النّبوّة، واستودعهم العلم والحكمة، وجعلهم معدن الإمامة والخلافة، وأوجب ولايتهم وشرف منزلتهم، فأمر رسوله بمسألة أمّته مودّتهم، إذ يقول: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى. وما وصفهم به من إذهابه الرّجس عنهم وتطهيره إيّاهم في قوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
و في كتاب الخصال : عن عبد اللّه بن العبّاس قال: قام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فينا خطيبا، فقال في آخر خطبته:
و نحن الّذين أمر اللّه لنا بالمودة، فما ذا بعد الحقّ إلّا الضّلال فأنّى تصرفون.
عن أبي رافع ، عن عليّ- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من لم يحبّ عترتي فهو لإحدى ثلاث: إمّا منافق، وإمّا لزنيّة، وإمّا امرؤ حملت به أمّه في غير طهر.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، عن محمّد بن زكرياء، عن محمّد بن عبد اللّه الخثعميّ ، عن الهيثم بن عديّ، عن سعيد بن صفوان، عن عبد الملك بن عمير ، عن الحسين بن عليّ- صلوات اللّه
عليهما- في قوله- عزّ وجلّ-: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قال:
و إنّ القرابة الّتي أمر اللّه بصلتها وعظّم من حقّها وجعل الخير فيها قرابتنا، أهل البيت، الّذين أوجب حقّنا على كلّ مسلم.
و قال أبو عليّ الطّبرسيّ - رحمه اللّه-: أخبرنا مهديّ بن نزار الحسيني، بإسناده، عن رجاله، عن ابن عبّاس قال: لمّا أنزل اللّه: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قالوا: يا رسول اللّه، من هؤلاء الّذين أمرنا بمودّتهم؟
قال: عليّ وفاطمة وولدهما.
و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن يوسف الأزديّ قال: حدّثنا عليّ بن أحمد قال: حدّثنا إسحاق بن محمّد [بن محمّد] بن عبيد اللّه العرزمي قال: حدّثنا القاسم بن محمّد بن عقيل، عن جابر- رضي اللّه عنه- قال: كنّا مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في حائط من حيطان بني حارثة، إذ جاء جمل أجرب أعجف حتّى سجد للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله.
قلنا لجابر: أنت رأيته؟ [قال: نعم، رأيته] واضعا جبهته بين يدي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله.
فقال: يا عمر، إنّ هذا الجمل قد سجد لي واستجار بي، فاذهب فاشتره وأعتقه، ولا تجعل لأحد عليه سبيلا.
قال: فذهب عمر فاشتراه وخلّى سبيله، ثمّ جاء إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال:
يا رسول اللّه، هذا بهيمة يسجد لك فنحن أحقّ أن نسجد لك، سلنا على ما جئتنا به من الهدى أجرا، سلنا عليه عملا .قال: لو كنت آمر أحدا يسجد لأحد أمرت المرأة أن تسجد لزوجها.
فقال جابر: فو اللّه، ما خرجت حتّى نزلت الآية الكريمة: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.
قال : حدّثني عبيدة بن كثير قال: حدّثنا عليّ بن الحكم قال: أخبرنا شريك، عن إسحاق قال: [سألت] عمرو بن شعيب في قوله- تعالى-: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.
قال: قرابته من أهل بيته.] .
و قال : حدّثنا الحسين بن سعيد قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن خلف العطّار قال:
حدّثنا الحسين الأشعريّ ، عن قيس بن الرّبيع، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس- رحمه اللّه- قال: لمّا نزلت: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قلت: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من قرابتك الّذين افترض اللّه علينا مودّتهم؟
قال: عليّ وفاطمة وولدهما، ثلاث مرّات يقولها.
و قال : حدّثنا جعفر بن محمّد الفزاريّ قال: حدّثنا عبّاد بن عبد اللّه بن حكيم قال: كنت عند جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- فسأله رجل عن قول اللّه: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.
قال نزعم إنّا قرابة ما بيننا وبينه، وتزعم قريش أنّها قرابة ما بينه وبينهم، وكيف يكون هذا وقد أنبأ اللّه أنّه معصوم.
و قال : حدّثنا عبد السّلام بن مالك قال: حدّثنا محمّد بن موسى بن أحمد قال:
حدّثنا محمّد بن الحارث الهاشميّ قال: حدّثنا الحكم بن سنان الباهليّ، عن أبي جريح، عن عطاء بن أبي رياح قال: قلت لفاطمة بنت الحسين : أخبريني، جعلت فداك، بحديثأحدّث وأحتجّ به على النّاس.
قالت: نعم، أخبرني أبي أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- كان نازلا بالمدينة، وأنّ من أتاه من المهاجرين حرصوا أن يفرضوا لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فريضة يستعين بها على من أتاه، فأتوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وقالوا: قد رأينا ما ينوبك من النّوائب، وإنّا أتيناك لنفرض من أموالنا فريضة تستعين بها على من أتاك.
قال: فأطرق النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- طويلا، ثمّ رفع رأسه وقال: إنّي لم أؤمر أن آخذ منكم على ما جئتكم به شيئا، وانطلقوا فإنّي لم أؤمر بشيء، وإن أمرت به أعلمتكم.
قال فنزل جبرئيل فقال: يا محمّد، إنّ ربّك قد سمع مقالة قومك وما عرضوا عليك، وقد أنزل اللّه عليهم فريضة قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى. فخرجوا وهم يقولون: ما أراد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلّا أن يذلّ له الأشياء ويخضع له الرّقاب ما دامت السّموات والأرض ولبني عبد المطّلب.
قال: فبعث النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- إلى عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- أن اصعد المنبر وادع النّاس إليك، ثمّ قل: يا أيّها النّاس، من انتقص أجيرا أجره، فليتبوّأ مقعده من النّار. [و من دعا إلى غير مواليه، فليتبوّأ مقعده من النّار.]
و من انتفى من والديه فليتبوّأ مقعده من النّار.
فقام رجل وقال: يا أبا الحسن، ما لهنّ من تأويل؟
فقال: اللّه ورسوله أعلم. ثمّ أتى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فأخبره.
فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: ويل لقريش من تأويلهنّ، ثلاث مرّات.
ثمّ قال: يا عليّ، انطلق فأخبرهم أنّي أنا الأجير الّذي أثبت اللّه مودّته من السّماء، أنا وأنت مولى المؤمنين، وأنا وأنت أبو المؤمنين.
ثمّ خرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا معشر قريش والمهاجرينو الأنصار! فلمّا اجتمعوا قال: يا أيّها النّاس، إنّ عليّا أوّلكم ايمانا باللّه وأقومكم بأمر اللّه، وأوفاكم بعهد اللّه، وأعلمكم بالقضيّة، وأقسمكم بالسّويّة، وأرحمكم بالرّعيّة، وأفضلكم عند اللّه حرمة .
ثمّ قال: إنّ اللّه مثّل لي أمّتي في الطّين وعلّمني أسماءهم، كما عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها، ثمّ عرضهم فمرّ بي أصحاب الرّايات فاستغفرت لعليّ وشيعته وسألت ربّي أن يستقيم أمّتي على عليّ من بعدي، فأبى إلّا أن يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، ثمّ ابتدأني ربّي في عليّ بسبع خصال:
أمّا أولاهنّ فإنّه أوّل من ينشقّ عنه الأرض معي ولا فخر، وأمّا الثّانية فإنّه [يذود مبغضيه من الحوض، كما] يذود الرّعاة غريبة الإبل، وأمّا الثّالثة فإنّ من فقراء شيعة عليّ ليشفع في مثل ربيعة ومضر، وأمّا الرّابعة فإنّه أوّل من يقرع باب الجنّة معي ولا فخر، وأمّا الخامسة فإنّه يزوّج من الحور العين معي ولا فخر، وأمّا السّادسة فإنّه أوّل من يسكن في العلّيّين معي [و لا فخر] وأمّا السابعة فإنّه اوّل من يسقى من رحيق مختوم ختامه مسك، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
و قال : حدّثنا عبد السّلام قال: حدّثنا هارون بن أبي بردة قال: حدّثنا جعفر بن الحسن، عن يوسف، عن الحسين بن إسماعيل بن صيم الأسديّ، عن سعد بن طريف التّميميّ، عن الأصبغ بن نباتة قال: كنت جالسا عند أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- في مسجد الكوفة، فأتاه رجل من بجيلة مكنّى بأبي خديجة، ومعه ستّون رجلا من بجيلة ، فسلّم وسلّموا ، ثمّ جلس وجلسوا، ثمّ أنّ أبا خديجة قال:يا أمير المؤمنين- عليه السّلام- أ عندك سرّ من سرّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- تحدّثنا به؟
قال: نعم، يا قنبر، ائتني بالكتابة. ففضّها فإذا في أسفلها سليفة مثل ذنب الفأرة، مكتوب فيها: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» إنّ لعنة اللّه وملائكته والنّاس أجمعين على من انتمى إلى غير مواليه، ولعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين على من أحدث في الإسلام حدثا أو آوى محدثا، ولعنة اللّه [و ملائكة والنّاس أجمعين] على من ظلم أميرا [أجره] ، ولعنة اللّه على من سرق منار الأرض وحدودها، يكلّف يوم القيامة أن يجيء بذلك من سبع سموات وسبع أرضين.
ثمّ التفت إلى النّاس فقال: واللّه، لو كلّفت هذا دوابّ الأرض، ما أطاقته.
فقال أبو خديجة: ولكنّ أهل البيت موالي كلّ مسلم، فمن تولّى غير مواليه [فعليه مثل ذلك] .
فقال: ليست حيث ذهبت، يا أبا خديجة، ليس بالدّينار ولا بالدّينارين ولا بالدّرهم ولا بالدّرهمين، بل من ظلم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أجره في قرابته، [قال اللّه- تعالى-:] قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى. فمن ظلم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أجره في قرابته، فعليه لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين.
و قال : حدّثنا محمّد بن أحمد بن عثمان بن ذليل قال: حدّثنا إبراهيم، يعني:
الصّينيّ، عن عبد اللّه بن حكيم [، عن سعيد] بن جبير أنّه قال: سألت عليّ بن الحسين- عليه السّلام- عن هذه الآية قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.
قال: هي قرابتنا، أهل البيت، من محمّد- صلّى اللّه عليه وآله.قال : حدّثنا محمّد بن أحمد قال: حدّثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن حكيم، [عن حكيم] بن جبير، عن حبيب بن أبي ثابت أنّه أتى مسجد قباء فإذا فيه مشيخة من الأنصار، فحدّثوه أنّ عليّ بن الحسين بن عليّ- عليهم السّلام- أتاهم يصلّي في مسجد قباء فسلّموا عليه، ثمّ قالوا: إنّ كنتم سلّمتم إلينا فيما كان بينكم، نشهدكم، فإنّ مشيختنا حدّثونا أنّهم أتوا نبيّ اللّه في مرضه الّذي مات فيه فقالوا : يا نبيّ اللّه، قد أكرمنا اللّه وهدانا بك، وآمنّا وفضّلنا بك، فاقسم في أموالنا ما أحببت.
فقال لهم نبيّ اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى. [فأمرنا بمودّتكم.
قال : حدّثني عبيد بن كثير قال: حدّثنا الحسين بن نصر قال: حدّثنا أيّوب بن سليمان الفزاريّ قال: حدّثنا أيّوب بن عليّ بن الحسين بن سمط: سمعت أبي يقول:
سمعت عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- يقول: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: لمّا نزلت هذه الآية قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى] قال جبرئيل- عليه السّلام-: يا محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- إنّ لكلّ دين أصلا ودعامة وفرعا وبنيانا، وإنّ أصل الدّين ودعامته قول: لا إله إلّا اللّه، وإنّ فرعه وبنيانه محبّتكم أهل البيت- عليهم السّلام- وموالاتكم فيما وافق الحقّ ودعا إليه.
و قال : حدّثني عليّ بن محمّد بن عليّ بن عمر النّصريّ قال: حدّثنا القاسم بن أحمد، يعني: إسماعيل قال: حدّثنا جعفر، يعني: ابن عاصم، ونصر وعبد اللّه، يعني: ابن المغيرة، عن محمّد، يعني: ابن مروان، عن الكلبيّ ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس في قوله- تعالى-: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.
قال ابن عبّاس- رحمه اللّه-: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قدم المدينة، فكانت تنوبه فيها نوائب وحقوق وليس في يديه سعة لذلك.فقالت الأنصار: إنّ هذا الرّجل قد هدانا اللّه على يديه، وهو ابن أختكم، تنوبيه نوائب وحقوق وليس في يديه لذلك سعة، فاجمعوا له من أموالكم مالا يضرّكم فتأتونه فيستعين به على ما ينوبه.
ففعلوا ثمّ أتوه، فقالوا: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إنّك من أختنا وقد هدانا اللّه على يديك، وتنوبك نوائب وحقوق وليس عندك لها سعة، فرأينا أن نجمع من أموالنا فنأتيك به فتستعين به على ما ينوبك، وهوذا.
فأنزل اللّه هذه الآية: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى يقول: ألّا تؤذوني في قرابتي .
و قال : حدّثنا الحسين بن الحكم قال: حدّثنا إسماعيل بن أبان، عن سلام بن أبي عمرو ، عن أبي هارون السّديّ ، عن محمّد بن بشر، عن محمّد بن الحنفيّة أنّه خرج إلى أصحابه ذات يوم وهم ينتظرون خروجه، فقال: تنجّزوا البشرى من اللّه، فو اللّه، ما من أحد يتنجّز البشرى من اللّه غيركم.
ثمّ قرأ هذه الآية: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قال: نحن من أهل البيت قرابته، جعلنا اللّه منه وجعلكم اللّه منّا.
ثمّ قرأ هذه الآية : قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ الموت ودخول الجنّة وظهور أمرنا، فيريكم اللّه ما تقرّبه أعينكم.
ثمّ قال: أما ترضون أنّ صلاتكم تقبل وصلاتهم لا تقبل، وحجّكم يقبل وحجّهم لا يقبل.
قالوا: لم ، يا أبا القاسم؟
قال: فإنّ ذلك لذلك .
و قال : حدّثنا جعفر بن أحمد بن يوسف قال: حدّثنا عليّ بن برزخ الخيّاط قال:
حدّثني عليّ بن حسّان، عن عمّه [محمّد] ، عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى:
ثم إن جبرئيل أتاه فقال:
يا محمّد، إنّك قضيت نوبتك وأسلبتك أيّامك، فاجعل الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النّبوّة عند عليّ- عليه السّلام- فإنّي لا أترك الأرض إلّا وفيها عالم يعرف به طاعتي، ويعرف به ولايتي، ويكون حجّة لمن ولد فيما يتربّص النّبيّ إلى خروج النّبيّ الآخر، فأوصى إليه بالاسم الأكبر و ميراث العلم وآثار علم النّبوّة، وأوصى إليه بألف باب يفتح لكلّ باب ألف وكلّ كلمة ألف كلمة، ومرض يوم الاثنين ثلاثة أيّام حتّى يؤلّف كتاب اللّه كي لا يزيد فيه الشّيطان شيئا ولا ينقص منه شيئا، فإنّك في ضدّ سنّة وصيّ سليمان- عليه السّلام. فلم يضع عليّ- عليه السّلام- رداءه على ظهره حتّى يضع ألف باب من القرآن، قلم يزد فيه الشيطان شيئا [و لم ينقص منه شيئا] .
وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً: ومن يكتسب طاعة سيما حبّ آل الرّسول [الّذي به تقبل سائر الطاعات] .
نَزِدْ لَهُ فِيها: في الحسنة حُسْناً بمضاعفة الثّواب.
و قرئ : «يزد»، أي: يزد اللّه- تعالى- حسنا.
و في مجمع البيان : وصحّ عن الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- أنّه خطب النّاس، فقال في خطبته: أنا من أهل البيت الّذين افترض اللّه مودّتهم على كلّ مسلم فقال: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً. فاقتراف الحسنة مودّتنا، أهل البيت.
و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّي بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان،
عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- تبارك وتعالى-:
وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً قال: «الاقتراف» التّسليم لنا والصّدق علينا، وألّا يكذّب علينا.
و في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس، عن عليّ بن حمّاد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-:
وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً قال: من تولّى الأوصياء من آل محمّد واتّبع آثارهم، فذلك يزيده ولاية من مضى من النّبيّين والمؤمنين الأوّلين حتّى تصل ولايتهم إلى آدم.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ: لمن أذنب.
شَكُورٌ : لمن أطاع بتوفيقه الثّواب، والتّفضل عليه بالزّيادة.
و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدّثني عبيد بن كثير قال: حدّثني يحيى بن الحسن الفرات الفزاريّ قال: حدّثنا عامر بن كثير السّراج، وحدّثني الحسين بن سعيد قال: حدّثا محمّد بن عليّ قال: حدّثنا زياد بن المنذر قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علىّ- عليه السّلام- وهو يقول: شجرة أصلها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [و فرعها عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وأغصانها فاطمة بنت محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-] وثمرتها الحسن والحسين- عليهما السّلام والتّحيّة والإكرام. فإنّها شجرة النّبوّة، وبيت الرّحمة، ومفتاح الحكمة، ومعدن العلم، وموضع الرّسالة، ومختلف الملائكة، وموضع سرّ اللّه ووديعته، والأمانة الّتي عرضت على السّموات والأرض والجبال ، وحرم اللّه الأكبر وبيت اللّه العتيق وذمّته، وعندنا علم البلايا والمنايا والوصايا وفصل الخطاب ومولد الإسلام وأنساب العرب. كانوا نورا مشرقا حول عرض ربّهم فأمرهم بالتّسبيح ، فسبّحوا [فسبّح] أهل السّموات لتسبيحهم، وإنّهم لصّادقون ، وإنّهم لهم المسبّحون.فمن أوفى بذمّتهم فقد أوفى بذمّة اللّه، ومن عرف حقّهم فقد عرف حقّ اللّه، هؤلاء عترة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. ومن جحد حقّهم فقد جحد حقّ اللّه، هم ولاة أمر اللّه وخزنة وحي اللّه وورثة كتاب اللّه، وهم المصطفون باسم اللّه وأمناء على وحي اللّه. وهؤلاء أهل بيت النّبوّة ومفاض الرّسالة والمستأنسون بخفق أجنحة الملائكة، من كان يغدوهم جبرئيل [بأمر] الملك الجليل بخير التنزيل وبرهان الدّلائل .
هؤلاء أهل بيت أكرمهم اللّه بشرفه، وشرّفهم بكرامته، وأعزّهم بالهدى ، وثبّتهم بالوحي، وجعلهم أئمّة هداة ونورا في الظّلم للنّجاة، واختصّهم لدينه، وفضّلهم بعلمه، وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين، وجعلهم عمادا لدينه ومستودعا لمكنون سرّه وأمناء على وحيه، مطلبا من خلقه وشهداء على بريّته، واختارهم اللّه واجتباهم وخصّهم واصطفاهم وفضّلهم وارتضاهم وانتجبهم وافتعلهم ، وجعلهم نورا للبلاد وعمادا للعباد وحجّته العظمى.
و هم النّجاة والزّلفى، هم الخيرة الكرام ، هم القضاة الحكّام، هم النّجوم الأعلام، هم الصّراط المستقيم، هم السّبيل الأقوم، الرّاغب عنهم مارق، والمقصّر حقّهم زاهق، واللّازم لهم لاحق. هم نور اللّه في قلوب المؤمنين والبحار السائغة للشّاربين، أمن لمن التجأ إليهم وأمان لمن تمسّك بهم، إلى اللّه يدعون وله يسلّمون وبأمره يعملون وببيانه يحكمون، فيهم بعث اللّه رسوله، وعليهم هبطت ملائكته، وبينهم نزلت سكينته، وإليهم بعث الرّوح الأمين، منّا من اللّه عليهم. فضّلهم به وخصّهم بذلك، وآتاهم تقواهم وبالحكمةقوّاهم ، فروع طيّبة وأصول مباركة، مستقرّ قرار الرّحمة، خزّان العلم وورثة الحلم، وأولو التّقى والنّهى والنّور والضّياء وورثة الأنبياء وبقيّة الأوصياء.
منهم الطّيّب ذكره المبارك اسمه محمّد المصطفى والمرتضى ورسوله الأمّيّ، ومنهم الملك الأزهر والأسد المرسل [حمزة بن عبد المطّلب] ومنهم المستسقى به يوم الوفادة العبّاس بن عبد المطّلب، عمّ رسول اللّه وصنو أبيه ، وذو الجناحين والقبلتين والهجرتين والبيعتين من الشّجرة المباركة صحيح الأديم وضّاح البرهان، ومنهم حبيب محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وأخوه، ومبلّغ عنه من بعده البرهان والتّأويل ومحكم التّفسير، أمير المؤمنين ووليّ المؤمنين ووصيّ رسول ربّ العالمين، عليّ بن أبي طالب- عليه من اللّه الصّلوات الزّكيّة والبركات السّنيّة. هؤلاء الّذين افترض اللّه مودّتهم وولايتهم على كلّ مسلم ومسلمة، فقال في محكم كتابه لنبيّه: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ.
قال أبو جعفر محمّد بن عليّ- عليهما السّلام-: اقتراف الحسنة حبّنا، أهل البيت.
و قال : حدّثنا العبّاس بن محمّد بن الحسين الهمدانيّ الزّيّات قال: أخبرني أبي، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق، يعني: ابن عمّار بن حفص الأعور، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: ما بعث اللّه نبيّا قطّ إلّا قال لقومه: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.
قال: ثمّ قال: أما رأيت الرّجل [يودّ الرّجل] ثمّ لا يودّ قرابته فيكون في نفسه عليه شيء، فأحبّ اللّه إن أخذوه أخذوه مفروضا [و إن تركوه، تركوه مفروضا] .
قال: قلت: قوله: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً.قال: هو التّسليم لنا والتّصديق فينا، وأن لا يكذب علينا .
أَمْ يَقُولُونَ: بل يقولون.
افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً: افترى محمّد بدعوى النّبوّة أو القرآن.
فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ قيل : استبعاد للافتراء عن مثله، بالإشعار على أنّه إنّما يجترى عليه من كان مختوما على قلبه جاهلا بربّه، فأمّا من كان ذا بصيرة ومعرفة فلا، فكأنّه قال: إن يشأ اللّه خذلانك يختم على قلبك لتجترئ بالافتراء عليه.
و قيل : يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ يمسك القرآن والوحي عنه، أو يربط عليه بالصّبر فلا يشقّ عليك أذاهم.
وَ يَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ قيل : استئناف لنفي الافتراء عمّا يقوله بأنّه لو كان مفترى، محقه، إذ من عادته- تعالى- محو الباطل وإثبات الحقّ بوحيه أو بقضائه أو بوعده. ويجوز أن يكون عدة لرسول اللّه بمحق باطلهم وإثبات حقّه بالقرآن، أو بقضائه الّذي لا مردّ له.
و سقوط «الواو» من «يمح» في بعض المصاحف لإتباع اللّفظ، كما في قوله :
وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول في قول اللّه- عزّ وجلّ-: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى، يعني: في أهل بيته.قال: جاءت الأنصار إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقالوا: إنا قد آوينا ونصرنا، فخذ طائفة من أموالنا فاستعن بها على ما نابك. فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-:
قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً، يعني: على النّبوّة إلّا المودّة في القربى، أي: في أهل بيته.
ثمّ قال: ألا ترى أنّ الرّجل يكون له صديق وفي نفس ذلك الرّجل شيء على أهل بيته فلم يسلم صدره، فأراد اللّه- عزّ وجلّ- أن لا يكون في نفس رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- شيء على أمّته ، ففرض اللّه عليهم المودّة في القربى، فإن أخذوا أخذوا مفروضا وإن تركوا تركوا مفروضا.
قال: فانصرفوا من عنده وبعضهم يقول: عرضنا عليه أموالنا، فقال: لا ، قاتلوا عن أهل بيتي من بعدي. وقالت طائفة: ما قال هذا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وجحدوه، وقالوا كما حكى اللّه- عزّ وجلّ-: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فقال اللّه- عزّ وجلّ-: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ قال [لو] افتريت. وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ، يعني: يبطله. وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ، يعني: [بالنّبيّ] بالأئمّة والقائم من آل محمّد إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.
و في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، [عن عليّ بن العبّاس،] عن عليّ بن حمّاد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال : قال لأعداء اللّه أولياء الشّيطان أهل التّكذيب والإنكار: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ يقول: متكلّفا أن أسألكم ما لستم بأهله.
فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض: أما يكفي محمّدا أن يكون قهرنا عشرين سنة حتّى يريد أن يحمل أهل بيته على رقابنا، فقالوا: ما أنزل اللّه هذا وما هو إلّا شيء يتقوّله، ويريد أن يرفع أهل بيته على رقابنا، ولئن قتل محمّد أو مات لننزعنّها من أهلبيته ثمّ لا نعيدها فيهم أبدا.
و أراد اللّه- عزّ وجلّ- أن يعلم نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- الّذي أخفوا في صدورهم وأسرّوا به، فقال في كتابه: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ يقول: لو شئت حبست عنك الوحي فلم تكلّم بفضل أهل بيتك ولا بمودّتهم، وقد قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ يقول الحقّ لأهل بيتك الولاية. إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ يقول بما ألقوه في صدورهم من العداوة لأهل بيتك والظّلم بعدك.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ: بالتّجاوز عمّا تابوا عنه.
و القبول يعدّى إلى مفعول ثان «بمن» و«عن» لتضمّنه معنى الأخذ والإنابة، وقد عرفت حقيقة التّوبة.
وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ: صغيرها وكبيرها لمن يشاء.
وَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ : فيجازي ويتجاوز عن اتّقان وحكمة.
و قرأ الكوفيّون، بالتّاء، غير أبي بكر.
و في عيون الأخبار ، متّصلا بقوله سابقا: مفسرا ومبيّنا. ثمّ قال أبو الحسن- عليه السّلام-: حدّثني أبي، عن جدّي، عن آبائي، عن الحسين بن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- قال: اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقالوا: إنّ لك، يا رسول اللّه، مؤنة في نفقتك وفيمن يأتيك من الوفود، وهذه أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها بارّا مأجورا، أعط ما شئت [و أمسك ما شئت من غير حرج.
قال: فأنزل اللّه- عزّ وجلّ- عليه الرّوح الأمين فقال: قُلْ يا محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى، يعني: أن تؤدّوا قرابتي من بعدي.
فخرجوا، فقال المنافقون: ما حمل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- على تركما عرضنا عليه إلّا ليحثّنا على قرابته من بعده ، إن هو إلّا شيء افتراه محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- في مجلسه.
و كان ذلك من قولهم عظيما، فأنزل اللّه- تعالى- هذه الآية : أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
فبعث إليهم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: هل من حدث؟
فقالوا: إي واللّه، يا رسول اللّه، لقد قال بعضنا كلاما عظيما فكرهناه.
فتلا عليهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الآية ، فبكوا واشتدّ بكاؤهم، فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ.
وَ يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، أي: يستجيب اللّه لهم، فحذف اللّام، كما حذف في وَإِذا كالُوهُمْ والمراد: إجابة الدّعاء، أو الإثابة على الطّاعة فإنّها كدعاء وطلب لما يترتّب عليه. [أو ليستجيبون للّه بالطاعة إذا دعاهم إليها.]
و في شرح الآيات الباهرة قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- وفي مجمع البيان :
و ذكر أبو حمزة الثّماليّ في تفسيره: حدّثني عثمان بن عمير، عن سعيد بن جبير، عن عبد اللّه بن عبّاس- رحمه اللّه- أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حين قدم المدينة واستحكم الإسلام قالت الأنصار فيما بينها: نأتي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فنقول له: إنّه تعروك أمور، فهذه أموالنا تحكّم فيها من غير حرج ولا محظور.
فأتوه في ذلك، فنزلت: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فقرأها عليهم، فقال: تودّون قرابتي من بعدي.
فخرجوا من عنده مسلّمين لقوله، فقال المنافقون: إنّ هذا لشيء افتراه في مجلسه، أرادبذلك أن يذلّلنا لقرابته من بعده. فنزلت: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً.
فأرسل إليهم فتلاها عليهم، فبكوا واشتدّ عليهم [الأمر] ، فأنزل اللّه: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ (الآية) فأرسل في أثرهم فبشّرهم [به. ثمّ قال- سبحانه-:] :
وَ يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وهم الّذين سلّموا لقوله.
وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ: ما سألوا واستحقّوا أو استوجبوا له بالاستجابة.
و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- تبارك وتعالى-: وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ قال: هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب، فيقول له الملك: آمين، ويقول العزيز الجبّار:
و لك مثل ما سألت، [و قد أعطيت ما سألت] بحبّك إيّاه.
و في مجمع البيان : وروي [عن أبي] عبد اللّه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ الشّفاعة لمن وجبت له النّار ممّن أحسن إليهم في الدّنيا.
وَ الْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ : بدل ما للمؤمنين من الثّواب والتّفضّل.
وَ لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ: لتكبّروا وأفسدوا فيها بطرا، ولبغى بعضهم على بعض استيلاء واستعلاء، وهذا على الغالب، وأصل البغي: طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى كمّيّة وكيفيّة.
وَ لكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ: بتقدير «مَا يَشَآءُ»: ما اقتضته مشيئته.
إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ : يعلم خفايا أمرهم وجلايا حالهم، فيقدر لهم ما يناسب شأنهم.
قيل : إنّ أهل الصّفّة تمنّوا الغنى، فنزلت.
و قيل : في العرب كانوا إذا أخصبوا تحاربوا، وإذ أجدبوا انتجعوا .و
في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ قال الصّادق- عليه السّلام-: لو فعل لفعلوا، ولكن جعلهم محتاجين بعضهم إلى بعض واستعبدهم بذلك، ولو جعلهم أغنياء لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ ممّا يعلم أنّه يصلحهم في دينهم ودنياهم إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ.
حدّثني الحسين بن عبد اللّه السّكينيّ، عن أبي سعيد البجليّ، عن عبد الملك بن هارون، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-، عن آبائه، عن الإمام الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- أنّه قال في حديث طويل بعد مضيّه إلى ملك الرّوم وأجوبة الإمام- عليه السّلام- عمّا سأله عنه الملك: ثمّ سأله عن أرزاق الخلائق.
فقال الحسن- عليه السّلام-: أرزاق الخلائق في السّماء الرّابعة، ينزل بقدر ويبسط بقدر.
و في مجمع البيان : روى أنس بن مالك، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-، عن جبرئيل، عن اللّه- تعالى-: إنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا السّقم ولو صححته لأفسده، وإنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الصّحّة ولو أسقمته لأفسده، وإنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الغنى ولو أفقرته لأفسده، وإنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الفقر ولو أغنيته لأفسده، وذلك أنّي أدبّر عبادي لعلمي بقلوبهم.
و في جوامع الجامع : «بقدر»، أي: بتقدير.
و في الحديث : أخوف ما أخاف على أمّتي زهرة الدّنيا وكثرتها.
وَ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ: المطر الّذي يغيثهم من الجدب، ولذلك خصّ بالنّافع.
و قرأ نافع وابن عامر وعاصم: «ينزّل» بالتّشديد.
مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا: أيسوا منه.
و قرئ ، بكسر النّون.وَ يَنْشُرُ رَحْمَتَهُ: في كلّ شيء من السّهل والجبل والنّبات والحيوان.
وَ هُوَ الْوَلِيُّ: وهو الوليّ الّذي يتولّى عباده بإحسانه ونشر رحمته.
الْحَمِيدُ : المستحقّ للحمد على ذلك.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا، أي: أيسوا.
وَ يَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ
قال: حدّثني أبي، عن العرزميّ ، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن الحرث الأعور، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: سئل عن السّحاب أين يكون؟
قال: على شجر كثيف على ساحل البحر يأوي إليه، فإذا أراد اللّه أن يرسله أرسل ريحا فأثاره، ووكّل به ملائكة يضربونه بالمخاريق وهو البرق فيرتفع.
و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود: عن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: وبنا ينزّل الغيث [و ينشر الرّحمة] .
وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: فإنّها بذاتها وصفاتها تدلّ على وجود صانع قادر حكيم.
وَ ما بَثَّ فِيهِما: عطف على «السّموات» أو «الخلق».
مِنْ دابَّةٍ: من حيّ، على إطلاق اسم المسبّب على السّبب. أو ممّا يدبّ على الأرض، وما يكون في أحد الشّيئين يصدق أنّه فيهما في الجملة.
وَ هُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ: في أيّ وقت يشاء قَدِيرٌ : متمكّن منه.
و «إذا» كما تدخل على الماضي تدخل على المضارع.
وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ: فبسبب معاصيكم. والفاء لأنّ «ما» شرطية، أو متضمّنة معناه. ولم يذكرها نافع وابن عامر استغناء بما في الباء من معنى السّببيّة.
و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ أ رأيت ما أصاب عليّا وأهل بيته- عليهم السّلام- من بعده أهو بما كسبت أيديهم، وهم أهل بيت طهارة معصومون؟
فقال: إنّ رسول اللّه كان يتوب إلى اللّه ويستغفره في كلّ يوم وليلة مائة مرّة من غير ذنب. إنّ اللّه يخصّ أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب.
وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ : من الذّنوب فلا يعاقب عليها.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي حمزة، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: إنّي أحدّثكم بحديث ينبغي لكلّ مسلم أن يعيه.
ثمّ أقبل علينا فقال: ما عاقب اللّه عبا مؤمنا في هذه الدّنيا إلّا كان اللّه أحلم وأجود وأمجد من أن يعود في عقابه يوم القيامة .
ثمّ قال: وقد يبتلي اللّه- عزّ وجلّ- المؤمن بالبليّة في بدنه أو ماله أو ولده أو أهله.
ثمّ تلا هذه الآية: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ وحثا بيده ثلاث مرّات.
قال الصّادق : لمّا أدخل عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- على يزيد نظر إليه ثمّ قال له: يا عليّ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ.
فقال عليّ بن الحسين- صلوات اللّه عليه-: كلّا، ما هذه فينا نزلت ، إنّما نزل فينا: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ فنحن الّذين لانأسى على ما فاتنا [من أمر الدنيا] ولا نفرح بما أوتينا.
و في أصول الكافي : عنه، عن أبيه، عن النّضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أما إنّه ليس من عرق يضرب [و لا نكبة ولا صداع ولا مرض إلّا بذنب، وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ- في كتابه: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ] فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ.
ثمّ قال: وما يعفو اللّه أكثر ممّا يؤاخذ به.
عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن، عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:
قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ: ليس من التواء عرق ولا منكبة حجر ولا عثرة قدم ولا خدش عود إلّا بذنب، ولما يعفو اللّه أكثر، [فمن عجّل اللّه] عقوبة ذنبه في الدّنيا فإنّ اللّه أجلّ وأكرم وأعظم من أن يعود في عقوبته في الآخرة.
و في قرب الإسناد للحميريّ: محمّد بن الوليد، عن عبد اللّه بن بكير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ.
فقال هو: وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ.
قال: قلت ما أصاب عليّا وأشياعه من أهل بيته من ذلك؟
قال: فقال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان يتوب إلى اللّه- عزّ وجلّ- كلّ يوم سبعين مرّة من غير ذنب.
و في مجمع البيان : روي عن عليّ- عليه السّلام- أنّه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: خير آية في كتاب اللّه هذه الآية، يا عليّ، ما من خدش عود ولا نكبة قدم إلّا بذنب، وما عفا اللّه عنه في الدّنيا فهو أكرم من أن يعود فيه، وما عاقب عليهفي الدّنيا فهو أعدل من أن يثنّي على عبده.
و في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: توقّوا الذّنوب، فما نكبة ولا نقص رزق إلّا بذنب، حتّى الخدش والكبوة والمصيبة، قال اللّه- تعالى-: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ.
و أوفوا بالعهد إذا عاهدتم، فما زالت نعمة ولا نضارة عيش إلّا بذنوب اجترحوها ، إنّ اللّه ليس بظلّام للعبيد، ولو أنّهم استقبلوا ذلك بالدّعاء والإنابة لما نزلت ، ولو أنّهم إذا نزلت عليهم النّقم وزالت عنهم النّعم، فزعوا إلى- عزّ وجلّ- بصدق من نيّاتهم ولم يهنوا ولم يسرفوا، لأصلح [اللّه] لهم كلّ فاسد، ولردّ عليهم كلّ صالح.
و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من أخباره المجموعة، وبإسناده قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا عليّ، من كرامة المؤمن على اللّه أنّه لم يجعل لأجله وقتا حتّى يهمّ ببائقه ، فإذا همّ ببائقة قبضه إليه.
قال : وقال جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- تجنّبوا البوائق يمدّ لكم في الأعمار.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: ما من نكبة تصيب العبد إلّا بذنب، وما يعفو اللّه عنه أكثر.
عنه ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي أسامة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: تعوّذوا باللّه من سطوات اللّه باللّيل والنّهار.
قال: قلت له: وما سطوات اللّه؟قال: الأخذ على المعاصي.
الحسين بن محمّد»، عن معلّي بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ العبد ليذنب الذّنب فيزوي عنه الرّزق.
أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن ثعلبة، عن سليمان بن طريف ، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: إنّ الذّنب يحرم العبد الرّزق.
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ العبد يسأل اللّه الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب، أو إلى وقت بطيء، فيذنب العبد ذنبا فيقول اللّه- تبارك وتعالى- للملك: لا تقض حاجته واحرمه إيّاها، فإنّه تعرّض لسخطي واستوجب الحرمان [منّي] .
الحسين بن محمّد ، عن محمّد بن أحمد النّهديّ، عن عمرو بن عثمان، عن رجل، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: حقّ على اللّه أن لا يعصى في دار إلّا أضحاها للشّمس حتّى تطهّرها.
وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ: فائتين ما قضى عليكم من المصائب.
وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ: يحرسكم عنها.
وَ لا نَصِيرٍ : يدفعها عنكم.
وَ مِنْ آياتِهِ الْجَوارِ: السّفن الجارية.
فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ : كالجبال.
قالت الخنساء.
وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به كأنّه علم في رأسه نار
إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَو قرئ : «الرّياح».
فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ: فيبقين ثوابت على ظهر البحر.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ : لكلّ من وكل همّته وحبس نفسه على النّظر في آيات اللّه، والتّفكّر في آلائه. أو لكلّ مؤمن كامل، فإنّ الإيمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر.
أَوْ يُوبِقْهُنَّ: أو يهلكهنّ بإرسال الرّيح العاصفة المفرّقة، والمراد: إهلاك أهلها، لقوله: بِما كَسَبُوا.
و أصله: أو يرسلها فيوبقهنّ، لأنّه قسيم يسكن فاقتصر فيه على المعهود، كما في قوله:
وَ يَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ إذ المعنى: أو يرسلها عاصفة فيوبق ناسا بذنوبهم وينجّ ناسا على العفو منهم.
و قرئ : «و يعفو» على الاستئناف.
وَ يَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا: عطف على علّة مقدّرة، مثل: لينتقم منهم ويعلم. أو على الجزاء، ونصب نصب الواقع جوابا للأشياء السّتّة، لأنّه- أيضا- غير واجب. وقرأ نافع وابن عامر، بالرّفع، على الاستئناف.
و قرئ بالجزم، عطفا على «يعف» فيكون المعنى: ويجمع بين إهلاك قوم، وإنجاء قوم، وتحذير آخرين.
[ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ : محيد من العذاب. والجملة معلّق عنها العفل.]
فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا: تمتّعون به مدّة حياتكم.
وَ ما عِنْدَ اللَّهِ من ثواب الآخرة خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ لخلوص نفعه ودوامه.
و «ما» الأولى موصولة تضمّنت معنى الشّرط، من حيث أنّ إيتاء ما أوتوا سبب للتمتّع بها في الحياة الدّنيا فجاءت الفاء في جوابها، بخلاف الثّانية.
و في محاسن البرقي : عنه، عن الحسين بن يزيد النّوفليّ، عن إسماعيل بن أبي زياد
السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن آبائه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من أحبّ أن يعلم ما له عند اللّه فليعلم ما للّه عند.
وَ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ «و الّذين» بما بعده عطف على «الّذين آمنوا»، أو مدح منصوب أو مرفوع. وبناء «يغفرون» على ضمير «هم» خبرا للدّلالة على أنّهم الأخصّاء بالمغفرة حال الغضب.
و قرأ حمزة والكسائي: «كبير الإثم».
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ
قال أبو جعفر- عليه السّلام-: من كظم غيظا وهو يقدر على إمضائه حشا اللّه قلبه أمنا وإيمانا يوم القيامة.
قال: ومن ملك نفسه إذا رغب وإذا رهب وإذا غضب حرّم اللّه جسده على النّار.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في خطبته: ألا أخبركم بخير خلائق الدّنيا والآخرة: العفو عمّن ظلمك، وتصل من قطعك، والإحسان إلى من أساء إليك، وإعطاء من حرمك.
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن أبي خالد القمّاط، عن حمران، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: النّدامة على العفو أفضل وأيسر من النّدامة على العقوبة.
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة قال: حدّثني من سمع أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: من كظم غيظا، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ اللّه قلبه يوم القيامة رضاه.
عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن حفص بيّاع السّابري، عن
أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من أحبّ السّبيل إلى اللّه- عزّ وجلّ- جرعتان: جرعة غيظ تردّها بحلم، وجرعة مصيبة تردّها بصبر.
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، [عن ابن بكير] عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال كان عليّ بن الحسين يقول: إنّه ليعجبني الرّجل أن يدركه حلمه عند غضبه.
وَ الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ قيل : نزلت في الأنصار، دعاهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى الإيمان فاستجابوا له.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ قال: في إقامة الإمام.
وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ: ذو شورى، لا يتفرّدون برأي حتّى يتشاوروا ويجتمعوا عليه، وذلك من فرط تدبّرهم وتيقّظهم في الأمور.
و هو مصدر، كالفتيا، بمعنى: التّشاور.
و في مجمع البيان : وفي هذه الآية دلالة على فضل المشاورة في الأمور.
و قد روي ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: ما من رجل يشاور أحدا إلّا هدى إلى الرّشد.
و في من لا يحضره الفقيه : وروى سليمان المنقريّ، عن حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال لقمان لابنه: إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وأمورهم.
... إلى قوله: وأجهد رأيك إذا استشاروك، ثمّ لا تعزم حتّى تثبت وتنظر، ولا تجب في مشورة حتّى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلّي وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورتك، فإنّ من لم يمحص النّصيحة لمن استشاره سلبه اللّه رأيه ونزع عنهالأمانة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ، أي: يقلبون ما أمروا به، ويشاورون الإمام فيما يحتاجون إليه من أمر دينهم.
وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ : في سبيل الخير.
وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ : على ما جعله اللّه لهم كراهة التّذلّل، وهو وصفهم بالشّجاعة بعد وصفهم بسائر أمّهات الفضائل، وهو لا يخالف وصفهم بالغفران فإنّه ينبئ عن عجز المغفور والانتصار عن مقاومة الخصم، والحلم عن العاجز محمود وعن المتغلّب مذموم لأنّه إجراء وإغراء على البغي، ثمّ عقّب وصفهم بالانتصار بالمنع عن التّعدّي.
وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها سمّى الثّانية سيئة للازدواج، أو لأنّها تسوء من تنزل به.
فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ: بينه وبين عدوّه فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ عدة مبهمة تدلّ على كمال الموعود.
و في مجمع البيان : روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: من كان أجره على اللّه فليدخل الجنّة.
فيقال: من ذا الّذي أجره على اللّه؟
فيقال: العافون عن النّاس. فيدخلون الجنّة بغير حساب.
و في أصول الكافي»، بإسناده إلى أبي حمزة الثّماليّ: عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال: سمعته يقول: إذا كان يوم القيامة جمع اللّه- تبارك وتعالى- الأوّلين والآخرين في صعيد واحد، ثمّ ينادي مناد: أين أهل الفضل؟
قال: فيقوم عنق من النّاس فتلقّاهم الملائكة، فيقولون: وما كان فضلكم؟
فيقولون: كنّا نصل من قطعنا، ونعطي من حرمنا، ونعفو عمّن ظلمنا.
فيقال لهم: صدقتم، ادخلوا الجنّة.
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن جهم بن الحكم المدائنيّ، عن
إسماعيل بن أبي زياد السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: عليكم بالعفو، فإنّ العفو لا يزيد العبد إلّا عزّا، فتعافوا يعزّكم اللّه.
و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ثلاث من كنّ فيه فقد استكمل خصال الإيمان: من صبر على الظّلم، وكظم غيظه، واحتسب وعفا وغفر، كان ممّن يدخله اللّه الجنّة بغير حساب ويشفّعه في مثل ربيعة ومضر.
إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ : المبتدءين بالسّيّئة، والمتجاوزين في الانتقام.
وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ: بعد ما ظلم، وقد قرئ به.
فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ : بالمعاتبة والمعاقبة.
و في كتاب الخصال ، في الحقوق المرويّة عن عليّ بن الحسين- عليه السّلام-: وحقّ من أساءك أن تعفو عنه، وإن علمت أنّ العفو يضرّ انتصرت، قال اللّه- تبارك وتعالى-: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ.
عن أبي عبد اللّه ، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ثلاثة إن لم تظلمهم ظلموك: السّفلة، والزّوجة، والمملوك .
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن محمّد، عن عليّ بن هلال الإحمسيّ، عن الحسن بن وهب، عن جابر الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ قال: ذلك القائم- عليه السّلام- إذا قام انتصر من بني أميّة ومن المكذّبين والنّصّاب.
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ
في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن أحمد بن [محمّد بن] طلحة الخراسانيّ قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن فضّال قال: حدّثنا
إسماعيل بن مهران [قال: حدّثنا يحيى بن أبان] ، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ قال: القائم- عليه السّلام- وأصحابه، قال اللّه- تعالى-: فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ: قال:
القائم إذا قام انتصر من بني أميّة والمكذّبين والنّصّاب، وهو قوله- تعالى-: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ.
وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ: يبتدئونهم بالإضرار، أو يطلبون مالا يستحقّونه تجبّرا عليهم.
أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ : على ظلمهم وبغيهم.
وَ لَمَنْ صَبَرَ على الأذى وَغَفَرَ ولم ينتصر إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ، أي: إنّ ذلك منه فحذف، كما حذف في قولهم: السّمن منوان بدرهم، للعلم به.
وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ: من ناصر يتولّاه من بعد خذلان اللّه إيّاه.
وَ تَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ: حين يرونه. فذكر بلفظ الماضي تحقيقا.
يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ، أي: رجعة إلى الدّنيا.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا جعفر بن محمّد قال: حدّثنا عبد الكريم، عن عبد الرّحيم، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ، يعني: القائم- صلوات اللّه عليه وآله- وأصحابه فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. والقائم إذا قام انتصر من بني أميّه والمكذّبين والنّصّاب هو وأصحابه، وهو قول اللّه- تبارك وتعالى-: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ- إلى قوله: وَتَرَى الظَّالِمِينَ لآل محمّد- صلوات اللّه عليهم- حقّهم لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وعليّ- صلوات اللّه عليه- هو العذاب في هذا الوجه يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ فنوالي عليّا- صلوات اللّه عليه.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا أحمد بن
القاسم، عن أحمد بن محمّد السّيّاريّ، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عليّ الصّوفيّ ، عن محمّد بن فضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قرأ: «و ترى ظالمي آل محمّد حقّهم لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وعليّ هو العذاب يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ، يعني: أنّه هو سبب العذاب، لأنّه قسيم الجنّة والنّار.
وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها: على النّار، ويدلّ عليها «العذاب».
خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ: متذلّلين متقاصرين ممّا يلحقهم من الذّلّ.
يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ، أي: يبتدئ نظرهم إلى النّار ن تحريك لأجفانهم ضعيف، كالمصبور [ينظر إلى السيف] .
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمّد السّيّاريّ، عن البرقيّ، عن محمّد بن أسلم، عن أيّوب البزّاز، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: وقوله- عزّ وجلّ-: خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ، يعني: إلى القائم- صلوات اللّه عليه.
وَ قالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ:
بالتّعريض للعذاب المخلّد.
يَوْمَ الْقِيامَةِ: ظرف «لخسروا»، والقول في الدّنيا. أو لقال، أي: يقولون إذا رأوهم على تلك الحال.
أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ : تمام كلامهم. أو تصديق من اللّه لهم.
وَ ما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ : إلى الهدى والنّجاة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بقوله: إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ فنوالي عليّا- عليه السّلام. وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ لعليّ يَنْظُرُونَ إلى عليّمِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا، يعني: آل محمّد- صلّى اللّه عليه وعليهم- وشيعتهم إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ لآل محمّد حقّهم فِي عَذابٍ مُقِيمٍ قال: واللّه، يعني: النّصّاب الّذين نصبوا العداوة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وذرّيّته- صلوات اللّه عليهم- والمكذّبين. وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ.
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ: لا يردّه اللّه بعد ما حكم به.
و «من» صلة «لمردّ».
و قيل : صلة «يأتي»، أي: من قبل أن يأتي يوم من اللّه لا يمكن ردّه.
ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ: مفرّ.
يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ : إنكار لما اقترفتموه، لأنّه مدوّن في صحائف أعمالكم تشهد عليكم ألسنتكم وجوارحكم.
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً: رقيبا محاسبا.
إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ قد بلّغت.
وَ إِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها أراد بالإنسان: الجنس، لقوله: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ : بليغ الكفران، ينسي النّعمة رأسا ويذكر البليّة ويعظّمها ولم يتأمّل سببها. وهذا وإن اختصّ بالمجرمين جاز إسناده إلى الجنس، لغلبتم واندراجهم فيه.
و تصدير الشّرطيّة الأولى «بإذا» والثّانية «بإنْ» لأنّ إذاقة النّعمة محقّقة من حيث أنّها عادة مقتضية بالذّات، بخلاف إصابة البليّة. واقامة علّة الجزاء مقامه ووضع الظّاهر موضع المضمر في الثّانية، للدّلالة على أنّ هذا الجنس موسوم بكفران النّعمة.
لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: فله أن يقسّم النّعمة والبليّة كيف شاء.
يَخْلُقُ ما يَشاءُ: من غير لزوم ومجال اعتراض.
يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً: بدل من «يخلق» بدل البعض، والمعنى:يجعل أحوال العباد في الأولاد مختلفة على مقتضى المشيئة، فيهب لبعض إمّا صنفا واحدا من ذكر أو أنثى أو الصّنفين جميعا ويعقم آخرين.
قيل : ولعلّ تقديم الإناث لأنّها أكثر لتكثير النّسل. أو لأنّ مساق الآية للدّلالة على أنّ الواقع ما يتعلّق به مشيئة اللّه لا مشيئة الإنسان والإناث كذلك. أو لأنّ الكلام في البلاء، والعرب تعدّهنّ بلاء. أو لتطبيب قلوب آبائهنّ. او للمحافظة على الفواصل، ولذلك عرّف الذّكور. أو لجبر التّأخير، تغيير العاطف في الثّالث لأنّه قسيم المشترك بين القسمين، ولم يحتج إليه الرّابع لإفصاحه بأنّه قسيم المشترك بين الأقسام المتقدّمة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً، يعني: ليس معهنّ ذكور. وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ، يعني: ليس معهم أنثى. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً، أي: يهب لمن يشاء ذكرانا وإناثا جميعا يجمع له البنين والبنات، أي: يهبهم جميعا لواحد.
حدّثني أبي، عن المحموديّ ومحمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن إسماعيل الرّازيّ، عن محمّد بن سعيد، أن يحيى بن أكثم سأل موسى بن محمّد عن مسائل، وفيها: أخبرنا عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً فهل يزوّج اللّه عباده الذّكران وقد عاقب قوما فعلوا ذلك؟
فسأل موسى أخاه، أبا الحسن العسكريّ- عليه السّلام. وكان من جواب أبي الحسن- عليه السّلام- [أمّا قوله- عزّ وجلّ-:-] أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً فإنّ اللّه- تبارك وتعالى- يزوّج ذكران المطيعين إناثا من الحور العين وإناث المطيعات من الإنس من ذكران المطيعين، ومعاذ اللّه أن يكون الجليل عنى ما لبست على نفسك تطلّبا للرّخصة لارتكاب المآثم وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً، يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إن لم يتب.
و في عيون الأخبار ، في باب ذكر ما كتب به الرّضا- عليه السّلام- إلى محمّد بن
سنان في جواب مسائله في العلل: وعلّة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه وليس ذلك للولد، لأنّ الولد موهوب للوالد في قول اللّه- تعالى-: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ مع أنّه المأخوذ بمؤنته صغيرا أو كبيرا، والمنسوب إليه والمدعوّ له لقوله - عزّ وجلّ-: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ. وقول النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أنت ومالك لأبيك. وليس للوالدة كذلك، لا تأخذ من ماله إلّا بأذنه أو بإذن الأب، لأنّه مأخوذ بنفقة الولد ولا تؤخذ»
المرأة بنفقة ولدها.
و في تهذيب الأحكام : أحمد بن محمّد بن عيسى.
... إلى أن قال: وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن أبي الجوزاء، عن الحسين بن علوان، عن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ- عليه السّلام- قال: أتى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- رجل، فقال: يا رسول اللّه،- صلّى اللّه عليه وآله- إنّ أبي عمد إلى مملوك لي فأعتقه، كهيئة المضّرّة لي.
فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أنت ومالك من هبة اللّه لأبيك، أنت سهم من كنانته، يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء الذّكور، ويجعل من يشاء عقيما.
جازت عتاقة أبيك، يتناول والدك من مالك وبدنك، وليس لك ان تتناول من ماله ولا من بدنه شيئا إلّا بإذنه.
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: قال أبو محمّد، الحسن العسكريّ- عليه السّلام-: سأل عبد اللّه بن صوريا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال:
أخبرني عمّن لا يولد [له ومن يولد له] .
فقال: إذا مغرت النطفة لم يولد له، أي: إذا احمرّت وكدرت، وإذا كانت صافية ولد له.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ : فيفعل ما يفعل بحكمة واختيار.
وَ ما كانَ لِبَشَرٍ: وما صحّ له.أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً: إلّا أن يوحي إليه وحيا، وهو داود أوحى في صدره فزبر الزّبور.
أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ: وهو «موسى.
أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا: وهو جبرئيل- عليه السّلام- أرسل إلى محمّد- صلّى اللّه عليه وآله.
فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ و«وحيا» بما عطف عليه منتصب بالمصدر، لأنّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ صفة كلام محذوف، والإرسال نوع من الكلام. ويجوز أن يكون «وحيا» و«يرسل» مصدرين، ومِنْ وَراءِ حِجابٍ ظرفا وقعت أحوالا.
و قرأ نافع: «أو يرسل» برفع اللّام.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ قال: وحي مشافهة، [و وحي إلهام، وهو الّذي يقع في القلب أو من وراء حجاب (كما كلّم اللّه نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- و) كما كلّم اللّه- عزّ وجلّ- موسى- عليه السّلام- من النّار . أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ قال: وحي مشافهة] ، يعني: إلى النّاس.
و في كتاب التّوحيد لمفضّل بن عمر، المنقول عن أبي عبد اللّه الصادق- عليه السّلام- في الرّدّ على الدّهريّة، قال- عليه السّلام- بعد أن ذكر اللّه- عزّ وجلّ- والعجز عن أن يدرك: فإن قالوا: ولم استتر؟
قيل لهم: لم يستتر بحيلة يخلص إليها، كمن يحتجب عن النّاس بالأبواب والسّتور، وإنّما معنى قولنا: استتر، أنّه لطف عن مدى ما تبلغه الأوهام، كما لطفت النّفس وهي خلق من خلقه، وارتفعت عن إدراكها بالنّظر.
و في كتاب التّوحيد : عن الرّضا- عليه السّلام- كلام طويل في التّوحيد، وفيه:
لا تشمله المشاعر ولا يحجبه الحجاب، فالحجاب بينه وبين خلقه لامتناعه ممّا يمكن في ذواتهم، ولإمكان ذواتهم ممّا يمتنع منه ذاته، ولافتراق الصّانع والمصنوع والرّبّ والمربوب والحادّ والمحدود.
و فيه : عن الرّضا- عليه السّلام- كلام، وفيه: قال الرّجل: فلم احتجب؟
قال أبو الحسن- عليه السّلام-: إنّ الاحتجاب على الخلق لكثرة ذنوبهم، فأمّا هو فلا تخفى عليه خافية في أناء اللّيل والنّهار.
و فيه حديث طويل: عن عليّ- عليه السّلام- يقول فيه، وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات: فأمّا قوله: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ما ينبغي لبشر أن يكلّمه اللّه إلّا وحيا، وليس بكائن إلّا من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء، كذلك قال اللّه- تبارك وتعالى علوّا كبيرا. قد كان الرّسول يوحى إليه من رسول السّماء فتبلّغ رسول السّماء رسل الأرض، وقد كان الكلام بين رسل أهل الأرض وبينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السّماء.
و قد قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا جبرئيل، هل رأيت ربّك؟
فقال جبرئيل: إنّ ربّي لا يرى.
فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: فمن أين تأخذ الوحي؟
فقال: آخذه من إسرافيل.
فقال: ومن أين يأخذه إسرافيل؟
قال: يأخذه من ملك فوقه من الرّوحانيّين.
قال: فمن أين يأخذه ذلك الملك؟
قال: يقذف في قلبه قذفا.
فهذا وحي، وهو كلام اللّه- عزّ وجلّ. وكلام اللّه ليس بنحو واحد، منه ما كلّم اللّه به الرّسل، ومنه ما قذفه في قلوبهم، ومنه رؤيا يراها الرّسل، ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ فهو كلام اللّه- عزّ وجلّ. فاكتف بما وصفت لك من كلام اللّه، [فإنّ معنىكلام اللّه] ليس بنحو واحد ، فإنّ منه ما تبلّغ به رسل السّماء رسل الأرض.
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام- لبعض الزّنادقة، وقد جاء إليه مستدلّا بآي من القرآن متوهّما فيها التّناقض والاختلاف: وأمّا قوله- تعالى-: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ كذلك قال اللّه- تعالى. قد كان الرّسول يوحى إليه- وذكر نحو ما نقلنا من كتاب التّوحيد، إلّا أنّه قال: ليس هنا «فاكتف» إلى آخره.
إِنَّهُ عَلِيٌّ: عن صفات المخلوقين.
حَكِيمٌ : يفعل ما تقتضيه حكمته، فيكلّم تارة بوسط وتارة بغير وسط، إمّا عيانا أو من وراء حجاب.
وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا قيل : يعني: ما أوحي إليه، وسمّاه: روحا، لأنّ القلوب تحيى به.
و قيل: جبرئيل، والمعنى: أرسلناه إليك بالوحي.
ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ، أي: قبل الوحي، وهو دليل على أنّه لم يكن متعبّدا قبل النّبوّة بشرع.
و قيل : المراد: هو الإيمان بما لا طريق إليه إلّا السّمع.
و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه - تبارك وتعالى-: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ.
قال: خلق من خلق اللّه- عزّ وجلّ- أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يخبره ويسدّده، وهو مع الأئمّة من بعده.محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط [عن أسباط] بن سالم قال: سأله رجل من أهل هيت ، وأنا حاضر، عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا.
فقال: منذ أنزل اللّه- عزّ وجلّ- ذلك الرّوح على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- ما صعد إلى السّماء، وإنّه لفينا.
محمّد بن يحيى ، عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر، عن عليّ بن أسباط، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن العلم، أهو شيء يتعلّمه العالم من أفواه الرّجال أم في الكتاب عندكم تقرءونه فتعلمون منه؟
قال: الأمر أعظم من ذلك وأوجب، أما سمعت قول اللّه- عزّ وجلّ-:
وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ.
ثمّ قال: أيّ شيء يقول أصحابكم في هذه الآية، أ يقولون : إنّه كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان؟
فقلت: لا أدري، جعلت فداك، ما يقولون.
فقال: بلى، قد كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان حتّى بعث اللّه- عزّ وجلّ- الرّوح الّتي ذكر في الكتاب، فلمّا أوحاها إليه علم بها العلم والفهم، وهي الرّوح الّتي يعطيها اللّه- عزّ وجلّ- من شاء، فإذا أعطاها عبدا علّمه الفهم.
و في مجمع البيان : رُوحاً مِنْ أَمْرِنا، يعني: الوحي.
... إلى قوله: وقيل: هو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. عن أبي جعفر- عليه السّلام- وأبي عبد اللّه- عليه السّلام. قالا: ولم يصعد إلى السّماء، وإنّه لفينا.
و في شرح الآيات الباهرة»: قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن حديد ومحمّد بن إسماعيل بن بزيع،
عن منصور بن يونس، عن أبي بصير وأبي الصّباح الكنانيّ قالا: قلنا لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: جعلنا اللّه فداك، قوله- تعالى-: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
قال: يا أبا محمّد، الرّوح خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يخبره ويسدّده، وهو مع الأئمّة يخبرهم ويسدّدهم.
وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً، أي: الرّوح، أو الكتاب، أو الإيمان.
نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا: بالتّوفيق للقبول والنّظر فيه.
و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن زكريّاء بن إبراهيم قال: كنت نصرانيّا فأسلمت وحججت، فدخلت على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فقلت: إنّي كنت على النّصرانيّة، وإنّي أسلمت.
فقال: وأيّ شيء رأيت في الإسلام؟
قلت: قول اللّه- عزّ وجلّ-: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ.
فقال: لقد هداك اللّه.
ثمّ قال: اللّهمّ، اهده- ثلاثا.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ كنّى عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقال:
وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا. والدّليل على أنّ النّور أمير المؤمنين- عليه السّلام- قوله - عزّ وجلّ-: وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ (الآية).
وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ : [هو الإسلام.]
و قرئ : «لتهدي»، أي: ليهديك اللّه.و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد ، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: وقال في نبيّه: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يقول: تدعو.
و في بصائر الدّرجات : عبد اللّه بن عامر، عن أبي عبد اللّه البرقيّ، عن الحسين بن عثمان، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- تبارك وتعالى-: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ.
قال: تفسيرها في بطن القرآن: من يكفر بولاية عليّ، وعليّ هو الإيمان.
... إلى قوله: وأمّا قوله: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، يعني: إنّك لتأمر بولاية عليّ وتدعو إليها، وهو الصّراط المستقيم.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا جعفر بن أحمد قال: حدّثنا عبد الكريم بن عبد الرّحيم قال: حدّثنا محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، [عن أبي جعفر- عليه السّلام-]
في قول اللّه- عزّ وجلّ- لنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله-:
ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً، يعني: عليّا، وعليّ- صلوات اللّه عليه- هو النّور، فقال: نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا، يعني: عليّا يهدي به من هدى من خلقه.
قال: وقال اللّه- عزّ وجلّ- لنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، يعني: إنّك لتأمر بولاية عليّ- عليه السّلام- وتدعو إليها، وعليّ هو الصّراط المستقيم.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن محمّد، عن عليّ بن هلال، عن الحسن بن وهب العبسيّ، عن جابر الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-:وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا قال: ذلك عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام.
و في قوله: إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ قال: إلى ولاية عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وعلى ذرّيّته الأماجد الكرام الصّفوة من الأنام وخيرة الملك العلّام، سلام دائم مستمرّ الدّوام على مرّ الشّهور والأعوام ما سبّح الرّعد في الغمام ونسخ الضّياء والظّلام.
صِراطِ اللَّهِ: بدل من الأوّل .
الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ: خلقا وملكا.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بقوله: وعليّ هو الصّراط المستقيم. صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، يعني: عليّا- عليه السّلام- أنّه جعل خازنه على ما في السّموات وما في الأرض من شيء وائتمنه عليه.
أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ : بارتفاع الوسائط والتّعلّقات. وفيه وعد ووعيد للمطيعين والمجرمين.
و في أصول الكافي : عنه، عن الحسين بن النّضر، عن القاسم بن سليمان، عن أبي مريم الأنصاريّ، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: وقع مصحف في البحر، فوجدوه وقد ذهب ما فيه إلّا هذه الآية أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ.