سورة المطفّفين
مختلف فيها.
و آيها ستّ وثلاثون بالإجماع.
بسم الله الرحمن الرحيم
في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: من قرأ في الفريضة وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ أعطاه اللّه الأمن يوم القيامة من النّار، ولم تره ولم يراها، ولم يمرّ على جسر جهنّم، ولا يحاسب يوم القيامة.
و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب قال: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: من قرأها، سقاه اللّه من الرّحيق المختوم يوم القيامة.
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ .
«التّطفيف» البخس في الكيل والوزن، لأنّ ما يبخس طفيف، أي: حقير.
[و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ قال: الذين يبخسون المكيال والميزان] .
و في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: نزلت على نبي اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حين قدم المدينة، وهم يومئذ أسوأ النّاس [كيلا] ، فأحسنوا الكيل. وأمّا «الويل» فبلغنا، واللّه أعلم، أنّها بئر في جهنّم.
و في أصول الكافي»: عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: وأنزل في الكيل وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ولم يجعل الويل لأحد حتّى يسمّيه كافرا، قال اللّه - عزّ وجلّ-: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ.
الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ، أي، إذا اكتالوا من النّاس حقوقهم يأخذونها وافية. وإنّما أبدل «على يمين» «بمن» للدّلالة على أنّ اكتيالهم لما لهم على النّاس، أو اكتيال يتحامل فيه عليهم .
وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ، أي: إذا كالوا للنّاس، أو وزنوا لهم يُخْسِرُونَ : فحذف الجارّ وأوصل الفعل، كقوله:
ولقد جنيتك اكمؤا وعساقلا
بمعنى: جنيت لك.
أو كالوا مكيلهم، فحذف [المضاف، وأقيم] المضاف إليه مقامه.
و لا يحسن جعل المنفصل تأكيدا للمتّصل ، لأنّه يخرج الكلام عن مقابلة ما قبله، إذ المقصود بيان اختلاف حالهم في الأخذ والدّفع لا في المباشرة وعدمها، ويستدعي إثبات الألف بعد الواو، كما هو خطّ المصحف في نظائره.
و في شرح الآيات الباهرة : تأويله: ما رواه أحمد بن إبراهيم بن عبّاد، بإسناده إلى عبد اللّه بن بكير، يرفعه إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- بن بكير، يرفعه إلى أبي
عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، يعني: [الناقصين] لخمسك، يا محمّد. الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ، أي: إذا صاروا إلى حقوقهم من الغنائم يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، أي: إذا سألوهم خمس آل محمّد نقصوهم.
أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ .
قيل : فإنّ من ظنّ ذلك لم يتجاسر على أمثال هذه القبائح، فكيف بمن تيقّنه! وفيه إنكار وتعجيب من حالهم.
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ : عظّمه اللّه لعظم ما يكون فيه.
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: وإنّه ربّ شيء من كتاب اللّه يكون تأويله على غير تنزيله، ولا يشبه تأويل كلام البشر ، وسأنبّئك بمثال لذلك تكتفي به- إن شاء اللّه.
... إلى قوله : فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى فسمّى فعل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فعلا له، ألا ترى تأويله على غير تنزيله؟
و مثل قوله : بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ فسمّى البعث لقاء، وكذلك قوله :
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ، أي: يوقنون أنّهم مبعوثون. ومثله قوله: أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ [لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، أي: أ ليس يوقنون أنّهم مبعوثون؟!
و فيه - أيضا-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: وأمّا قوله : وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها، يعني: تيقّنوا أنّهم داخلوها ] .و كذلك قوله : إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ. وأمّا قوله للمنافقين:
وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا فهو ظنّ شكّ، وليس ظنّ يقين. والظّنّ ظنّان: ظنّ شكّ وظنّ يقين، فما كان من أمر المعاد من الظّن فهو ظنّ يقين، وما كان من أمر الدّنيا، فهو على الشّكّ .
يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ: نصب «بمبعوثون». أو بدل من الجارّ والمجرور، ويؤيّده القراءة بالجرّ.
لِرَبِّ الْعالَمِينَ : لحكمه.
و في هذا الإنكار، والتّعجّب، وذكر الظّنّ، ووصف اليوم بالعظم، وقيام النّاس فيه للّه، والتّعبير عنه «بربّ العالمين» مبالغات في المنع عن التطفيف وعظم إثمه.
و في عوالي اللآلي : وفي الحديث أنّه- صلّى اللّه عليه وآله- لما قرأ: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ قال: يقومون حتّى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه.
[و في مجمع البيان : يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ و
جاء في الحديث أنّهم يقومون في رشحهم إلى أنصاف آذانهم] .
و في حديث آخر : يقومون حتّى يبلغ الرّشح إلى أطراف آذانهم.
و في الحديث : عن سليم بن عامر، عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: إذا كان يوم القيامة أدنيت الشّمس من العباد، حتّى تكون بمقدار ميل أو ميلين.
قال سليم: فلا أدري أ مسافة الأرض أم الميل الّذي يكحل به العين؟
ثمّ قال: صهرتهم الشّمس فيكونون في العرق بقدر أعمالهم، فمنهم من يأخذه إلى عقبه، ومنهم من يلجمه إلجاما.
قال: فرأيت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يشير بيده إلى فيه، قال: يلجمهإلجاما. أورده مسلم في الصّحيح.
و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعليّ بن محمّد، جميعا، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود [المنقري] ، عن حفص، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: مثل النّاس يوم القيامة إذا قاموا لربّ العالمين مثل السّهم في القرب، ليس له من الأرض إلّا موضع قدمه، كالسّهم في الكنانة، لا يقدر أن يزول هاهنا ولا هاهنا.
كَلَّا: ردع عن التطفيف، والغفلة عن البعث والحساب.
إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ: ما يكتب من أعمالهم، أو كتابة أعمالهم لَفِي سِجِّينٍ .
قيل : كتاب جامع لأعمال الفجرة الكفّار من الثّقلين، كما قال: وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ ، أي: مسطور بيّن الكتابة، أو معلّم يعلم من رآه»
أنّه لا خير فيه.
فعيل، من السّجن، لقّب به الكتاب لأنّه سبب الحبس، أو لأنّه مطروح- كما قيل- تحت الأرضين في مكان وحش.
و قيل : هو اسم مكان. والتقدير: ما كتاب السّجين. أو محلّ كتاب مرقوم، فحذف المضاف.
و في مجمع البيان : عن البراء بن عازب قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: سجّين أسفل سبع أرضين.
و قيل : إنّ «سجّين» جبّ في جهنّم مفتوح، و«الفلق» جبّ في جهنّم مغطّى.
رواه أبو هريرة، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.
و روي عن الباقر- عليه السّلام- أنّه قال: أمّا المؤمنون، فترفع أعمالهم وأرواحهم إلى السّماء فتفتح لهم أبوابها. وأمّا الكافر فيصعد بعمله وروحه حتّى إذا بلغإلى السّماء نادى مناد: اهبطوا به إلى سجّين. وهو واد بحضر موت يقال له: برهوت.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ قال: ما كتب اللّه لهم من العذاب لفي سجّين.
و في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: «السّجّين» الأرض السّابعة، [و «عليّون» السّماء السّابعة] .
و بإسناده إلى الكلبي: عن الصّادق- عليه السّلام- في قوله: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ قال: هو فلان وفلان.
و فيه : عن الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب حديث طويل، يقول فيه: فيحشر النّاس عند صخرة بيت المقدس، فيحشر أهل الجنّة عن يمين الصّخرة ويزلف الميعاد ، وتصير جهنّم عن يسار الصّخرة في تخوم الأرضين السّابعة، وفيها الفلق والسّجّين.
و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- قال: قلت: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ.
قال: هم الّذين فجروا في حقّ الأئمّة واعتدوا عليهم.
و الحديث طويل.
أخذت منه موضع الحاجة.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن النّوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به، فإذا صعد بحسناته يقول اللّه- عزّ وجلّ-: اجعلوها في سجّين، إنّه ليس إيّاي أراد بها.
و بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: مرّ عيسى بن مريم على قرية قد مات أهلها وطيرها ودوابّها.فقال: أما إنّهم لم يموتوا إلّا بسخط، ولو ماتوا متفرّقين، لتدافنوا.
فقال الحواريّون: يا روح اللّه وكلمته، ادع اللّه أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنتجنّبها.
فدعا عيسى ربّه، فنودي من الجوّ: أن ناداهم.
فقام عيسى باللّيل على شرف من الأرض فقال: يا أهل هذه القرية.
فأجابه منهم مجيب: لبّيك، يا روح اللّه وكلمته.
فقال: ويحكم، ما كانت أعمالكم.
قال: عبادة الطّاغوت، وحبّ الدّنيا مع خوف قليل وأمل بعيد وغفلة في لهو ولعب.
فقال: كيف كان حبّكم للدّنيا؟
قال: كحبّ الصّبيّ لأمّه، إذا أقبلت علينا فرحنا وسررنا، وإذا أدبرت عنّا بكينا وحزنّا.
قال: كيف كان عبادتكم للطّاغوت؟
قال: الطّاعة لأهل المعاصي.
قال: كيف كان عاقبة أمركم؟
قال: بتنا ليلة في عافية وأصبحنا في الهاوية.
فقال: وما الهاوية؟
قال: سجّين.
قال: وما سجّين؟
قال: جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة. (الحديث)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ : بالحقّ، أو بذلك.
الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ : صفة مخصّصة أو موضّحة، أو ذامّة.
وَ ما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ: متجاوز عن النّظر، غال في التّقليد، حتّى يستقصر قدرة اللّه وعلمه فاستحال منه الإعادة.
أَثِيمٍ : منهمك في الشّهوات بحيث أشغلته عمّا وراءها، وحملته على الإنكار لما عداها.
إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ : من فرط جهله وإعراضه عن
الحقّ، فلا تنفعه شواهد النّقل، كما لم ينفعه دلائل العقل.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بآخر ما نقلت عنه من الرّواية قريبا- أعني:
قوله: فلان وفلان-: وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ- إلى قوله-: الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ الأوّل والثّاني . وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ وهو الأوّل والثّاني كانا يكذّبان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
كَلَّا: ردع عن هذا القول.
بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ : ردّ لما قالوه، وبيان لما أدّى بهم إلى هذا القول، بأن غلب عليهم حبّ المعاصي بالانهماك فيه حتّى صار ذلك صدأ على قلوبهم فعمى عليهم معرفة الحقّ والباطل، فإنّ كثرة الأفعال سبب لحصول الملكات.
و في أصول الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن عيسى بن أيّوب، عن عليّ بن مهزيار، عن القاسم بن عروة، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: ما من عبد إلّا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنبا خرج في تلك النّكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السّواد، وإن تمادى في الذّنوب، زاد ذلك السّواد حتّى يغطّي البياض، [فإذا غطّى البياض] لا يرجع صاحبه إلى خير أبدا، وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-:
كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ.
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن عبد اللّه بن محمّد الحجّال، عن بعض أصحابه، رفعه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: تذاكروا وتلاقوا وتحدّثوا، فإنّ الحديث جلاء للقلوب، إنّ القلوب لترين كما يرين السّيف وجلاؤها الحديث .
و في روضة الواعظين للمفيد- رحمه اللّه-: قال الباقر- عليه السّلام-: ما من شيء أفسد للقلب من الخطيئة، إنّ القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتّى تغلب عليه، فيصيرأسفله أعلاه وأعلاه أسفله، قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:
إنّ المؤمن إذا أذنب كان نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب واستغفر صقل قلبه منه، وإن ازداد زادت فذلك الرّين الّذي ذكره اللّه في كتابه: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ.
و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب: وقال الحسن- عليه السّلام- لحبيب بن مسلمة الفهري: ربّ مسير لك في غير طاعة.
قال: أمّا مسيري إلى أبيك فلا.
قال: بلى، ولكنّك أطعت معاوية على دنيا قليلة، فلئن [كان] قام بك في دنياك، لقد قعد بك في آخرتك، فلو كنت إذا فعلت شرا قلت خيرا، كنت كما قال اللّه- عزّ وجلّ-: خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ولكنّك كما قال: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ.
كَلَّا: ردع عن الكسب الرّائن.
إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ : فلا يرون رحمته، بخلاف المؤمنين، تقديره: عن رحمة ربّهم، أو قرب ربّهم.
و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الحسن بن عليّ بن فضّال : عن أبيه قال: سألت الرّضا- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ فقال: إنّ اللّه لا يوصف بمكان يحلّ فيه فيحجب عنه فيه عباده، ولكنّه يعني: أنّهم عن ثواب ربّهم لمحجوبون.
و في كتاب التّوحيد ، حديث طويل: عن عليّ- عليه السّلام- يقول فيه، وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات: وأمّا قوله: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ فإنّما يعني بذلك: يوم القيامة أنّهم عن ثواب ربّهم لمحجوبون.ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ : ليدخلون النّار فيصلون بها.
ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ : يقول لهم الزّبانية.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بما نقلناه من قوله: كانا يكذّبان رسول اللّه.
... إلى قوله: إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ هما. ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ رسول اللّه، يعني: هما ومن تبعهما.
و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- قال: قلت: ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ.
قال: يعني: أمير المؤمنين.
قلت: تنزيل؟
قال: نعم.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
كَلَّا: تكرير للأوّل ليعقّب بوعد الأبرار، كما عقّب [الأوّل] بوعيد الفجّار، إشعارا بأنّ التّطفيف فجور والإيفاء برّ أو ردع عن التّكذيب.
إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ .
الكلام فيه ما مرّ في نظيره.
يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ : يحضرونه فيحفظونه. أو يشهدون على ما فيه يوم القيامة.
و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن أبي نهشل قال: حدّثني محمّد بن إسماعيل، عن أبي حمزة الثّماليّ قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: إنّ اللّه خلقنا من أعلى علّيّين وخلق قلوب شيعتنا ممّا خلقنا، وخلق أبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوى إلينا لأنّها خلقت ما خلقنا، ثمّ تلا هذه الآية: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ.و خلق عدوّنا من سجّين، وخلق قلوب شيعتهم ممّا خلقهم منه، وأبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوى إليهم لأنّها خلقت ممّا خلقوا منه، ثمّ تلا هذه الآية: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ.
محمّد بن يحيى وغيره [عن أحمد بن محمّد وغيره] ، عن محمّد بن خلف، عن أبي نهشل قال: حدّثني محمّد بن إسماعيل، عن أبي حمزة الثّماليّ قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: إنّ اللّه خلقنا من أعلى علّيّين، وخلق قلوب شيعتنا ممّا خلقنا منه، وخلق أبدانهم من دون ذلك. وذكر إلى آخر ما سبق، وزاد: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ .
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل، رفعه إلى محمّد بن سنان: عن زيد الشّحّام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه خلقنا من نور مبتدع، من نور رسخ ذلك النّور في طينة من أعلى علّيّين، وخلق قلوب شيعتنا ممّا خلق منه أبداننا، وخلق أبدانهم من طينة دون ذلك، فقلوبهم تهوى إلينا لأنّها خلقت ممّا خلقنا منه، ثمّ قرأ: إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ. (الحديث).
و في شرح الآيات الباهرة : روى الشيخ أبو جعفر محمّد بن بابويه في» كتاب المعراج» [عن رجاله] مرفوعا، عن عبد اللّه بن العبّاس قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو يخاطب عليّا- عليه السّلام- يقول: يا عليّ، إنّ اللّه كان ولا شيء معه، فخلقني وخلقك روحين من نور جلاله، وكنّا أمام عرش ربّ العالمين نسبّح اللّه ونقدّسه ونحمّده ونهلّله، وذلك قبل أن خلق السّماوات والأرضين.فلمّا أراد أن يخلق آدم خلقني وإيّاك من طينة واحدة، من طينة علّيّين وعجننا بذلك النّور، وغمسنا في جميع الأنوار وأنهار الجنّة، ثمّ خلق آدم واستودع صلبه تلك الطّينة والنّور، فلمّا خلقه استخرج ذرّيّته من ظهره فاستنطقهم وقرّرهم بربوبيّته.
فأوّل خلق أقرّ له بالرّبوبيّة أنا وأنت والنّبيّون على قدر منازلهم وقربهم من اللّه.
فقال اللّه: صدّقتما وأقررتما، يا محمّد ويا عليّ، وسبقتما خلقي إلى طاعتي، وكذلك كنتما في سابق علمي فيكما، فأنتما صفوتي من خلقي والأئمّة من ذرّيّتكما وشيعتكما، وكذلك خلقتكم.
ثمّ قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: يا عليّ، فكانت فكانت الطّينة في صلب آدم ونوري ونورك بين عينيه، فما زال ذلك النّور ينتقل بين أعين النّبيّين والمنتجبين حتّى وصل النّور والطّينة إلى صلب عبد المطّلب، فافترق نصفين، فخلقني اللّه من نصفه واتّخذني نبّا ورسولا، وخلقك من النّصف الآخر فاتّخذك خليفة ووصيّا ووليّا.
فلمّا كنت من عظمة ربّي كقاب قوسين [أو أدنى] قال لي: يا محمّد، من أطوع خلقي لك؟
فقلت: علي بن أبي طالب.
فقال- عزّ وجلّ-: فاتّخذه خليفة ووصيّا، فقد اتّخذته صفيّا ووليّا.
يا محمّد، كتبت اسمك واسمه على عرشي من قبل أن أخلق (أحدا) محبّة منّي لكما ولمن أحبّكما وتولّاكما وأطاعكما،
فمن أحبّكما وأطاعكما وتولّاكما كان عندي من المقرّبين، ومن جحد ولايتكما وعدل عنكما كان عندي من الكافرين الظّالّين.
ثمّ قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: يا عليّ، فمن ذا يلج بيني وبينك أنا وأنت من نور واحد وطينة واحدة؟ فأنت أحقّ النّاس بي في الدّنيا والآخرة، وولدك ولدي، وشيعتكم شيعتي، وأولياؤكم أوليائي، وأنتم معي غدا في الجنّة.
و روى محمّد بن العبّاس ، عن عليّ بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن محمّد، عن سعيد بن عثمان الخزّار قال: سمعت أبا سعيد المدائنيّ يقول: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ بالخير، مرقوم بحبّ محمّد وآل محمّد.و رواه أبو طاهر المقلّد بن غالب، عن رجاله، بإسناد متّصل إلى عليّ بن شعبة الوابلي ، عن الحارث الهمدانيّ قال: دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وهو ساجد يبكي حتّى علا نحيبه وارتفع صوته بالبكاء.
فقلنا: يا أمير المؤمنين، لقد أمرضنا بكاؤك وأمضّنا وأشجانا، وما رأيناك قد فعلت مثل هذا الفعل قطّ! فقال: كنت ساجدا أدعو ربّي بدعاء الخيرة في سجدتي، فغلبتني عيني فرأيت رؤيا هالتني وأفظعتني، رأيت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قائما وهو يقول: يا أبا الحسن، طالت غيبتك عنّي، وقد اشتقت إلى رؤيتك، قد أنجز لي ربّي ما وعدني فيك.
فقلت: يا رسول اللّه، وما الّذي أنجز لك فيّ؟
قال: أنجز لي فيك وفي زوجتك وابنيك وذرّيّتك في الدّرجات العلى في علّيّين.
قلت: بأبي أنت وأمّي، يا رسول اللّه، فشيعتنا؟
قال- صلّى اللّه عليه وآله-: شيعتنا معنا، وقصورهم بحذاء قصورنا، ومنازلهم مقابل منازلنا.
فقلت: يا رسول اللّه، فما لشيعتنا في الدّنيا؟
قال: الأمن والعافية.
قلت: فما لهم عند الموت؟
قال: يحكم الرّجل في نفسه، ويؤمر ملك [الموت] بطاعته، وأيّ موتة شاء ماتها، وإن شيعتنا ليموتون على قدر حبّهم لنا.
قلت: فما بذلك حدّ يعرف؟
قال: بلى، إنّ أشدّ شيعتنا لنا حبّا، يكون خروج نفسه كشرب أحدكم في اليوم الصّائف الماء البارد الّذي ينتفع منه القلوب، وإنّ سائرهم ليموت كما يغطّ أحدكم على فراشه، كأقرّ ما كانت عينه بموته.
إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ .في كتاب المناقب لابن شهرآشوب: الشيرازي في كتابه بالإسناد: عن الهذيل، عن مقاتل، عن محمّد بن الحنفيّة، عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- قال: كلّما في كتاب اللّه من قول: إِنَّ الْأَبْرارَ فو اللّه ما أراد به إلّا عليّ بن أبي طالب وفاطمة وأنا والحسين. والحديث قد تقدّم في سورة الانفطار.
عَلَى الْأَرائِكِ: على الأسرّة في الحجال .
يَنْظُرُونَ : إلى ما يسرّهم من النّعم والمتفرّجات.
تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ : بهجة التّنعّم وبريقه.
و قرأ يعقوب: «تعرف» على بناء المفعول، و«نضرة» بالرفع.
يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ: شراب خالص.
مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ، أي: مختوم، أو آنية بالمسك مكان الطّين، لعلّه تمثيل لنفاسته. أو الّذي له ختام، أي: مقطع، وهو رائحة المسك.
و قرأ الكسائي: «خاتمه» بفتح التّاء، أي: ما يختم به ويقطع.
و في كتاب الخصّال : عن عليّ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال في وصيّته له: يا عليّ، إنّ اللّه أعطاني فيك سبع خصال.
... إلى قوله: وأنت أوّل من يشرب [معي] من الرّحيق المختوم الّذي ختامه مسك.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم [عن أبيه] ، عن حمّاد بن إبراهيم، عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين- عليه السّلام- قال: من أطعم مؤمنا من جوع، أطعم اللّه من ثمار الجنّة. ومن سقى مؤمنا من ظمأ، سقاه اللّه من الرّحيق المختوم.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن نعيم، عنمسمع أبي سيّار قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: من نفّس عن مؤمن كربة ...- إلى قوله-: ومن سقاه شربة، سقاه اللّه من الرّحيق المختوم.
و في من لا يحضره الفقيه ، في وصيّة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام-: يا عليّ، من ترك الخمر لغير اللّه سقاه اللّه من الرّحيق المختوم.
فقال عليّ: لغير اللّه؟
قال: نعم، واللّه، صيانة لنفسه فيشكره اللّه على ذلك.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: «مسك» قال: ماء، إذا شربه المؤمن وجد رائحة المسك فيه.
و قال أبو عبد اللّه - عليه السّلام-: من ترك الخمر لغير اللّه، سقاه اللّه من الرّحيق المختوم.
قال: يا ابن رسول اللّه، من تركه لغير اللّه؟! قال: نعم، صيانة لنفسه.
و في مجمع البيان : وفي الحديث: من صام للّه في يوم صائف، سقاه اللّه من الظّمأ من الرّحيق المختوم.
و في وصيّة النّبيّ - صلّى اللّه عليه وآله- ولأمير المؤمنين- عليه السّلام-: يا عليّ، من ترك الخمر للّه ، سقاه اللّه من الرّحيق المختوم.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس: حدّثنا أحمد بن محمّد، مولى بني هاشم، عن جعفر بن عنبسة عن جعفر بن محمّد، عن الحسن بن بكر ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيل، عن جابر عن عبد اللّه قال: قام فينا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فأخذ بضبعي عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- حتّى رئي بياض إبطيه وقال له: إنّ اللّه ابتدأني فيك بسبع خصال.... إلى أن قال: وأنا أوّل من يسقى من الرّحيق المختوم [الّذي ختامه مسك،] وعليّ معي.
وَ فِي ذلِكَ، يعني: الرّحيق، أو النّعيم.
فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ : فليرتغب المرتغبون.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ قال: في ما ذكرناه من الثّواب الّذي يطلبه المؤمن.
و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عنهم- عليهم السّلام- قال: فيما وعظ اللّه به عيسى: يا ابن مريم، لو رأت عيناك ما أعددت لأوليائي الصّالحين، ذاب قلبك وزهقت نفسك شوقا إليه، فليس كدار الآخرة دار تجاور فيه الطيّبون ، ويدخل عليهم فيها الملائكة المقرّبون، وهم ممّا يأتي يوم القيامة من أهوالها آمنون، دار لا يتغيّر فيها النّعيم ولا يزول عن أهلها.
يا ابن مريم، نافس فيها مع المتنافسين، فإنّها أمنيّة المتمنّين حسنة النّظر، طوبى لك، يا ابن مريم، إن كنت لها من العاملين مع آبائك آدم وإبراهيم في جنّات ونعيم، لا تبغي بها بدلا ولا تحويلا، كذلك أفعل بالمتّقين.
و في هذا الحديث - أيضا-: فنافس في الصّالحات جهدك.
و فيه : فنافس في العمل الصالح.
وَ مِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ : علم لعين بعينها، سمّيت: تسنيما، لارتفاع مكانها، أو رفعة شرابها.
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ : فإنّهم يشربونها صرفا لأنّهم لم يشتغلوا بغير اللّه، وتمزّج لسائر أهل الجنّة.
و انتصاب «عينا» على المدح، أو الحال من «تسنيم». والكلام في «الباء» كما مرّ في «يشرب بها عباد اللّه».و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ. وهو مصدر سنمه: إذا رفعه، لأنّها أرفع شراب أهل الجنّة. أو لأنّها تأتيهم من فوق، قال: أشرف شراب أهل الجنّة يأتيهم من عالي تسنيم ، وهي عين يشرب بها المقرّبون، وهم آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. يقول اللّه : السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ رسول اللّه وخديجة وعليّ بن أبي طالب، وذرّيّاتهم تلحق بهم، يقول اللّه : أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ. والمقرّبون يشربون من تسنيم بحتا صرفا، وسائر المؤمنين ممزوجا.
[و فيه : كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ- إلى قوله-: عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ وهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة- عليهم السّلام-] .
و في كتاب المناقب لابن شهرآشوب: عن الباقر- عليه السّلام- في قوله: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ- إلى قوله-: الْمُقَرَّبُونَ وهو رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وعليّ وفاطمة والحسن والحسين- عليهم السّلام-.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- حدّثنا أحمد بن محمّد، عن أحمد بن الحسن قال: حدّثني أبي عن حسين بن مخارق، عن أبي حزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام-، عن أبيه، عليّ بن الحسين، عن جابر بن عبد اللّه، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: قوله: وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ قال: هو أشرف شراب في الجنّة، يشربه محمّد وآل محمّد، وهم المقرّبون السّابقون، رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وعليّ بن أبي طالب والأئمّة وفاطمة وخديجة وذرّيّتهم الّذين اتّبعوهم بإيمان، يتسنّم عليهم من أعالي دورهم.
و روي عنه أنّه قال: تَسْنِيمٍ أشرف شراب في الجنّة يشربه محمّد وآل محمّدصرفا، ويمزج لأصحاب اليمين ولسائر أهل الجنّة.
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا، يعني: رؤساء قريش.
كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ : كانوا يستهزئون بفقراء المؤمنين.
وَ إِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ
: يغمز بعضهم بعضا ويشيرون بأعينهم.
و في مجمع البيان : كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ قيل: نزلت في عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وذلك أنّه كان في نفر من المسلمين جاؤوا إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا، ثمّ رجعوا إلى أصحابهم فقالوا: رأينا اليوم الأصلع فضحكنا منه. فنزلت الآية قبل أن يصل عليّ- عليه السّلام- وأصحابه إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-. [عن مقاتل] والكلبيّ.
و ذكر الحاكم، أبو القاسم الحسكانيّ في «كتاب شواهد التّنزيل لقواعد التّفضيل» بإسناده، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس قال: «إنّ الّذين أجرموا» منافقوا قريش، و«الّذين آمنوا» عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.
و إذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين : متلذّذين بالسّخرية منهم.
و قرأ حفص: «فَكِهِينَ».
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا- إلى قوله-: فَكِهِينَ قال:
يسخرون.
وَ إِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ : وإذا رأوا المؤمنين نسبوهم إلى الضّلال.
وَ ما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ: على المؤمنين.
حافِظِينَ : يحفظون عليهم أعمالهم، ويشهدون برشدهم وضلالتهم.
فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ : حين يرونهم أذلّاء مغلولين في النّار.
و قيل : يفتح لهم باب إلى الجنّة، فيقال لهم: اخرجوا إليها. فإذا وصلوا إليهأغلق دونهم، فيضحك المؤمنون منهم.
عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ : حال من «يضحكون».
هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ: هل أثيبوا ما كانُوا يَفْعَلُونَ .
و قرأ حمزة والكسائي، بإدغام اللّام في الثّاء.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا الأوّل والثّاني ومن تابعهما كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ، وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. إلى آخر السورة [فيهما] .
و في شرح الآيات الباهرة : تأويله: ما رواه محمّد بن العبّاس، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن الحسن، عن أبيه، عن حصين بن المخارق، عن يعقوب بن شعيب، عن عمران بن ميثم، عن عباية بن ربعي، عن عليّ- عليه السّلام- أنّه كان يمرّ بالنّفر من قريش فيقولون: انظروا إلى هذا الّذي اصطفاه محمّد واختاره من بين أهله.
و يتغامزون، فنزلت هذه الآيات: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ. (إلى آخر السورة).
و قال - أيضا-: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن محمّد بن الثّقفيّ، عن الحكم بن سليمان، عن محمّد بن كثير عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس في قوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ قال: ذاك هو الحارث بن قيس وأناس معه، كانوا إذا مرّ بهم عليّ- عليه السّلام- قالوا: انظروا إلى هذا الّذي اصطفاه محمّد واختاره من بين أهل بيته. فكانوا يسخرون ويضحكون.
فإذا كان يوم القيامة فتح بين الجنّة والنّار باب، فعليّ- عليه السّلام- يومئذ على الأرائك متّكئ ويقول لهم: هلمّ لكم. فإذا جاؤوا سدّ بينهم الباب فهو كذلك يسخر منهم ويضحك، وهو قوله- تعالى-:فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ.
و قال - أيضا-: حدّثنا محمّد بن محمّد الواسطيّ، بإسناده إلى مجاهد، في قوله:
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا (الآية) قال: إنّ نفرا من قريش كانوا يقعدون بفناء الكعبة، فيتغامزون بأصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ويسخرون منهم، فمرّ بهم يوما عليّ- عليه السّلام- في نفر من أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فضحكوا منهم وتغامزوا عليهم، وقالوا: هذا أخو محمّد. فأنزل اللّه: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا (الآية).
فإذا كان يوم القيامة دخل عليّ- عليه السّلام- ومن كان معه الجنّة، فأشرفوا على هؤلاء الكفّار ونظروا إليهم وسخروا منهم وضحكوا، وذلك قوله: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ.
و قال - أيضا-: حدّثنا محمّد بن عيسى، عن يونس عن عبد الرّحمن بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (إلى آخر السّورة). نزلت في عليّ وفي الّذين استهزؤوا به من بني أميّة، [و ذلك أنّ عليّا- عليه السّلام- مرّ على قوم من بني أميّة] والمنافقين فسخروا منه.
و أحسن ما قيل في هذا التّأويل:
ما رواه - أيضا-، عن محمّد بن القاسم [بإسناده عن أبيه] ، بإسناده، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن عليّ بن الحسين- عليه السّلام- قال: إذا كان يوم القيامة أخرجت أريكتان من الجنّة فبسطتا على شفير جهنّم، ثمّ يجيء عليّ- عليه السّلام- حتّى يقعد عليها، فإذا قعد ضحك، [و إذا ضحك] انقلبت جهنّم فصار عاليها سافلها، ثمّ يخرجان فيوقفان بين يديه، فيقولان: يا أمير المؤمنين، يا وصيّ رسول اللّه، ألا ترحمنا؟! ألا تشفع لنا عند ربّك؟! قال: فيضحك منها، ثمّ يقوم فيدخل (و ترفع) الأريكتان ويعادان إلىموضعهما، فذلك قوله: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ.