سورة الفلق
مختلف فيها.
و آيها خمس بالإجماع.
بسم الله الرحمن الرحيم
في ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من أوتر بالمعوّذتين وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قيل له: يا عبد اللّه، أبشر فقد قبل اللّه وترك.
و في مجمع البيان : في حديث ابيّ: من قرأ قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فكأنّما قرأ جميع الكتب الّتي أنزلها اللّه على أنبيائه.
و عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أنزلت عليّ آيات، لم ينزل مثلهنّ المعوّذتان.
أورده مسلم في الصّحيح.
و عنه، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: يا عقبة، ألا أعلّمك سورتين هما أفضل القرآن، أو من أفضل القرآن؟
قلت: بلى، يا رسول اللّه. فعلّمني المعوذتين.
ثمّ قرأ بهما [في صلاة الغداة، وقال لي: اقرأهما كلّما قمت ونمت.
و فيه: الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: إنّ رسولاللّه- صلّى اللّه عليه وآله-] اشتكى شكوة شديدة ووجع وجعا شديدا، فأتاه جبرئيل وميكائيل، فقعد جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه، فعوّذه جبرئيل بقل أعوذ برب الفلق وعوّذه ميكائيل بقل أعوذ برب الناس.
أبو خديجة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: جاء جبرئيل إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وهو شاك، فرقاه بالمعوّذتين وقل هو الله أحد.
و رويّ
أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- كان كثيرا ما يعوّذ الحسن والحسين- عليهما السّلام- بهاتين السّورتين.
و روى عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا قرأت قل أعوذ برب الفلق فقل في نفسك: أعوذ بربّ الفلق. وإذا قرأت قل أعوذ برب الناس فقل في نفسك: أعوذ بربّ النّاس.
و فيه
قالوا: إنّ لبيد بن أعصم اليهوديّ سحر رسول اللّه ثمّ دسّ ذلك في بئر بني زريق، فمرض رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فبينما هو نائم إذا أتاه ملكان، فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فأخبراه بذلك، وإنّه في بئر ذروان في جفّ طلعة تحت راعوفة، والجفّ: قشر الطّلع، والرّاعوفة: حجر في أسفل البئر يقوم عليها الماتح .
فانتبه رسول اللّه وبعث عليّا والزّبير وعمّارا، فنزحوا ماء تلك البئر، ثمّ رفعوا الصّخرة وأخرجوا الجفّ، فإذا فيه مشاطة رأس وأسنان من مشطه ، وإذا فيه معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر. فنزلت هاتان السّورتان، فجعل كلّما يقرأ آية انحلّت عقدة. ووجد رسول اللّه خفّة فقام، فكأنّما أنشط من عقال. وجعل جبرئيل يقول: بسم اللّه أرقيك من كلّ شيء يؤذيك من حاسد وعين واللّه يشفيك.
و رووا ذلك [عن عائشة] و ابن عبّاس.
و هذا لا يجوز، لأنّ من وصف بأنّه مسحور فكأنّه قد خبل عقله، [و قد أبى اللّه- سبحانه- ذلك في قوله : وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا ولكن يمكن أن يكون اليهوديّ أو بناته، على ما روي، اجتهدوا على ذلك. فلم يقدروا عليه] . واطّلع اللّه نبيّه على ما فعلوه من التمويه حتّى استخرج، وكان ذلك دلالة على صدقه- صلّى اللّه عليه وآله- وكيف يجوز أن يكون المرض من فعلهم! ولو قدروا على ذلك لقتلوه، وقتلوا أكثر المؤمنين مع شدّة عداوتهم له .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان سبب نزول المعوذّتين، أنّه وعك»
رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فنزل عليه جبرئيل بهاتين السّورتين، فعوّذه بهما.
حدّثنا عليّ بن الحسين ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: إنّ ابن مسعود كان يمحو المعوّذتين من المصحف.
فقال: كان أبي يقول: إنّما فعل ذلك ابن مسعود برأيه، وهما من القرآن.
و في الكافي ، بإسناده إلى سليمان الجعفريّ: عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: ما من أحد في حدّ الصّبا يتعهّد في كلّ ليلة قراءة قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس كلّ واحدة ثلاث مرّات وقل هو الله أحد مائة فإنّ لم يقدر فخمسين، إلّا صرف اللّه عنه كلّ [لمم أو] عرض من أعراض الصّبيان، والعطاش وفساد المعدة، وبدور الدّم أبدا ما تعوهد بهذا حتّى يبلغه الشّيب، فإن تعهد بنفسه بذلك أو تعوهد، كان محفوظا إلى يوم يقبض اللّه نفسه.و في طب الأئمّة : عن الشّعيريّ، عن جعفر بن محمّد الصّادق- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه: من أراده إنسان بسوء، فأراد أن يحجز اللّه بينه وبين، فليقل حين يراه: أعوذ بحول اللّه وقوّته من حول خلقه وقوّتهم، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ ثمّ يقول ما قال اللّه لنبيّه: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ صرف اللّه عنه كيد كلّ كائد، ومكر كلّ ماكر، وحسد كلّ حاسد. ولا يقولنّ هذه الكلمات إلّا في وجهه، فإنّ اللّه يكفيه بحوله.
عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام-
أنّه رأى مصروعا، فدعا له بقدح فيه ماء، ثمّ قرأ عليه الحمد والمعوّذتين ونفث في القدح، ثمّ أمر فصبّ الماء على رأسه ووجهه فأفاق، وقال له: لا يعود إليك أبدا.
و بإسناده إلى محمّد بن الفضيل بن عمر: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال : قال أمير المؤمنين: إنّ جبرئيل أتى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وقال: يا محمّد.
قال: لبّيك، يا جبرئيل.
قال: إنّ فلانا سحرك [و جعل السّحر] في بئر بني فلان، فابعث إليه، يعني:
إلى البئر، أوثق النّاس عندك وأعظمهم في عينك، وهو عديل نفسك حتّى يأتيك بالسّحر.
قال: فبعث النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وقال:
انطلق إلى بئر أزوان ، فإنّ فيها سحرا سحرني به لبيد بن أعصم اليهوديّ، فأتني به.
قال- عليه السّلام-: فانطلقت في حاجة رسول اللّه، فهبطت فإذا ماء البئر قد صار كأنّه الحنّاء من السّحر، فطلبته مستعجلا حتّى انتهيت إلى [أسفل القليب] فلم أظفر به.
قال الّذين معي: ما فيه شيء، فاصعد.
فقلت: لا واللّه، ما كذب وما كذبت ، وما نفسي به مثل أنفسكم، يعني:رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
ثمّ طلبت طلبا بلطف فاستخرجت حقّا ، فأتيت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.
فقال: افتحه.
ففتحته، فإذا في الحقّ قطعه كرب النّخل في جوفه وتر عليها إحدى وعشرون عقدة، وكان جبرئيل أنزل يومئذ المعوّذتين على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.
فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: يا عليّ، اقرأها على الوتر.
فجعل أمير المؤمنين كلّما قرأ آية انحلّت عقدة حتّى فرغ منها، وكشف اللّه عن نبيّه ما سحر وعافاه.
و يروي : أنّ جبرئيل وميكائيل أتيا إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، فقال جبرئيل لميكائيل: ما وجع الرّجل؟
فقال ميكائيل: هو مطبوب .
فقال جبرئيل: وم طبّه؟
فقال: لبيد بن أعصم اليهوديّ. ثمّ ذكر الحديث إلى آخره.
و عن الصّادق- عليه السّلام-
أنّه سئل عن المعوّذتين: أ هما من القرآن؟
فقال: نعم، هما من القرآن.
فقال الرّجل: ليستا من القرآن في قراءة ابن مسعود، ولا في مصحفه.
فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: أخطأ ابن مسعود، أو قال: كذب ابن مسعود، هما من القرآن.
قال الرّجل: فأقرأهما ، يا ابن رسول اللّه، في المكتوبة.
قال: نعم، وهل تدري ما معنى المعوّذتين، وفي أيّ شيء أنزلتا ؟ إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- سحره لبيد بن أعصم اليهوديّ.
فقال : أبو بصير [لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-] وما كاد أو عسى أو يبلغ من سحره؟
قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: بلى كان النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يرى أنّه يجامع وليس يجامع، وكان يريد الباب ولا يبصره حتّى يلمسه بيده، والسّحر حقّ، وما سلّط السّحر إلّا على العين والفرج. فأتاه جبرئيل فأخبره بذلك، فدعا عليّا- عليه السّلام- وبعثه ليستخرج من بئر أوزان . وذكر الحديث بطوله الى آخره.
و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي نجران، عن صفوان الجمّال قال: صلّى بنا أبو عبد اللّه- عليه السّلام- المغرب فقرأ بالمعوّذتين في الرّكعتين.
محمّد بن يحيى»، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن داود بن فرقد، عن صابر ، مولى بسّام قال: أمّنا أبو عبد اللّه- عليه السّلام- في صلاة المغرب، فقرأ المعوّذتين.
ثمّ قال: هما من القرآن.
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ .
قيل : ما يفلق عنه، أي: يفرق عنه: كالفرق. فعل، بمعنى: مفعول. وهو يعمّ جميع الممكنات، فإنّه- تعالى- فلق ظلمة العدم بنور الإيجاد عنها، سيما ما يخرج من أصل، كالعيون والأمطار والنّباتات والأولاد، ويختصّ عرفا بالصّبح، ولذلك فسّر به.
و تخصيصه، لما فيه من تغيّر الحال، وتبدّل وحشة اللّيل بسرور النّور، ومحاكاةفاتحة يوم القيامة ، والإشعار بأنّ من قدر أن يزيل به ظلمة اللّيل عن هذا العالم قدر أن يزيل عن العائذ به ما يخافه.
و لفظ «الرّبّ» هاهنا أوقع من سائر أسمائه، لأنّ الإعاذة من المضارّ تربية .
و في مجمع البيان : وقيل: إنّ سجّين جبّ في جهنّم مفتوح، والفلق [جبّ] في جهنّم مغطّى. رواه أبو هريرة، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الحسن بن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه: فيحشر النّاس عند صخرة بيت المقدس، فيحشر أهل الجنّة عن يمين الصّخرة ويزكف الميعاد ، وتصير جهنّم عن يسار الصّخرة في تخوم الأرضين السّابعة، وفيها الفلق والسّجّين.
و فيه : قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ قال: الفلق جبّ في جهنّم يتعوّذ أهل النّار من شدّة حرّه، [سأل اللّه] أن يأذن له أن يتنفّس فأذن له، فتنفّس فأحرق جهنّم.
قال: وفي ذلك الجبّ صندوق من نار يتعوّذ أهل الجبّ من حرّ ذلك الصّندوق، وهو التّابوت، وفي ذلك التّابوت ستّة من الأوّلين وستّة من الآخرين. فأمّا السّتّة من الأوّلين: فابن آدم الّذي قتل أخاه، ونمرود إبراهيم الّذي ألقى إبراهيم في النّار، فرعون موسى، والسّامري الّذي اتّخذ العجل، والّذي هوّد اليهود، والّذي نصّر النّصارى. وأمّا السّتّة من الآخرين: فهو الأوّل، والثّاني، والثّالث، والرّابع، وصاحب الخوارج، وابن ملجم .
و في ثواب الأعمال ، بإسناده إلى حنان بن سدير قال: حدّثني رجل من أصحاب أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: إنّ أشدّ النّاس عذابا يوم القيامةلسبعة نفر: أوّلهم ابن آدم الّذي قتل أخاه، ونمرود الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه، واثنان من بني إسرائيل هوّدا قومهما ونصّراهما، وفرعون الّذي قال: أنا ربّكم الأعلى، واثنان من هذه الأمّة أحدهما شرّهما تابوت من قوارير تحت الفلق في بحار من نار.
و في معاني الأخبار : أبي- رحمه اللّه-، عن محمّد بن القاسم ، عن محمّد بن عليّ الكوفيّ، عن عثمان بن عيسى، عن معاوية بن وهب قال: كنا عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فقرأ رجل قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فقال الرّجل: ما الفلق؟
قال: صدع في النّار، فيه سبعون ألف واد ، في كلّ واد سبعون ألف بيت، سبعون ألف أسود، في جوف كلّ أسود سبعون ألف جرّة من سمّ لا بد لأهل النّار أن يمرّوا عليها.
و في التّوحيد ، بإسناده إلى عبد اللّه بن سلام، مولى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: سألت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقلت: أخبرني أ يعذّب اللّه خلقا بلا حجّة؟
فقال: معاذ اللّه.
فقلت: فأولاد المشركين في الجنّة أم في النّار؟
فقال: اللّه- تعالى- أولى بهم، إنّه إذا كان يوم القيامة وجمع اللّه الخلائق لفصل القضاء يأتي بأولاد المشركين فيقول لهم: عبيدي وإمائي، من ربّكم وما دينكم وما أعمالكم؟
قال: فيقولون: اللّهمّ، ربّنا، أنت خلقتنا ولم نخلق شيئا، وأنت أمتنا ولم نمت شيئا، ولم تجعل لنا ألسنة تنطق بها ولا أسماعا نسمع بها ولا كتابا نقرأه ولا رسولا نتّبعه، ولا علم لنا إلّا ما علّمتنا.
قال: فيقول لهم: عبيدي وإمائي، إن أمرتكم بأمر أ تفعلوه ؟فيقولون: السّمع والطّاعة لك، يا ربنا.
قال: فيأمر اللّه نارا يقال لها: الفلق أشدّ شيء في جهنّم عذابا فتخرج من مكانها سوداء مظلمة بالسّلاسل والأغلال، فيأمرها اللّه أن تنفخ في وجوه الخلائق نفخة فتنفخ، فمن شدّة نفختها تنقطع السّماء، وتنطمس النّجوم، وتجمد البحار، وتزول الجبال، وتظلم الأبصار، وتضع الحوامل حملها، وتشيب الولدان من هولها يوم القيامة.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ .
خصّ عالم الخلق بالاستعاذة عنه لانحصار الشّرّ فيه، فإن عالم الأمر خير كلّه وشرّه اختياري لازم ومتعدّ، كالكفر والظّلم، وطبيعي، كإحراق النّار وإهلاك السّموم.
وَ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ: ليل عظيم ظلامه، من قوله- تعالى-: إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ.
و أصله الامتلاء، يقال: غسقت العين: إذا امتلأت دمعا.
و قيل : السّيلان.
و غَسَقِ اللَّيْلِ انصباب ظلامه. و«غسق العين» سيلان دمعها .
إِذا وَقَبَ : دخل ظلامه في كلّ شيء.
و تخصيصه، لأنّ المضار فيه تكثر ويعسر الدّفع، ولذلك قيل : اللّيل أخفى للويل.
و قيل : المراد به: القمر، فإنّه يكسف ويغسق. ووقوبه: دخوله في الكسوف.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ قال: الّذي يلقى في الجبّ يقب فيه.
و في جوامع الجامع : وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ وهو اللّيل إذا اعتكر ظلامه، من قوله:
إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ. ووقوبه: دخول ظلامه في كلّ شيء، يقال: وقبت الشّمس: إذا غابت .و في الحديث : لمّا رأى الشّمس وقد وقبت قال: هذا حين حلّها، يعني: صلاة المغرب.
و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في خطبة له يذكر فيها حال الأئمّة وصفاتهم، قال- عليه السّلام- بعد أن ذكر الإمام: لم يزل مرعيا بعين اللّه يحفظه ويكلؤه بستره، مطرودا عنه حبائل إبليس وجنوده، مدفوعا عنه وقوب الغواسق ونفوث كلّ فاسق.
وَ مِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ : ومن شرّ النّفوس. أو النّساء السّواحر، اللّاتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها.
و «النّفث» النّفخ مع ريق. وتخصيصه، لما روي أنّ يهوديّا سحر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-، كما سبق.
و قيل : المراد بالنّفث في العقد: إبطال عزائم الرّجال بالحيل، مستعار من تليين العقد بنفث الرّيق ليسهل حلّها. وإفرادها بالتّعريف، إذ كلّ نفّاثة شرّيرة . بخلاف كلّ غاسق وحاسد .
وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ : إذا أظهر حسده وعمل بمقتضاه، فإنّه لا يعود ضرره قبل ذلك إلى المحسود بل يخصّ به لاغتمامه بسروره.
و تخصيصه، لأنّه العمدة في إضرار الإنسان، بل الحيوان غيره .
و قيل : ويجوز أن يراد «بالغاسق»: ما يخلو عن النّور، وما يضاهيه، كالقوى .
و «بالنّفاثات» النّباتات، فإنّ قواها النّباتيّة من حيث أنّها تزيد في طولها وعرضهاو عمقها، كأنّها تنفث في العقد الثّلاثة. و«بالحاسد» الحيوان، فإنّه إنّما يقصد غيره غالبا طمعا فيما عنده. ولعلّ إفرادها من عالم الخلق، لأنّها الأسباب القريبة للمضرّة .
و في معاني الأخبار : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا أحمد بن [محمّد بن] إدريس، عن محمّد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، رفعه في قوله:
وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ.
قال: أما رأيته إذا فتح عينيه وهو ينظر إليك، هو ذاك.
و بإسناده إلى أبي بصير: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه سئل عن الحسد.
فقال: لحم ودم يدور في النّار، [حتّى] إذا انتهى إلينا يئس، وهو الشّيطان.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن ميمون القدّاح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين: رقى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- [حسنا وحسينا، فقال: أعيذ كما بكلمات اللّه التّامّة وأسمائه الحسنى كلّها عامّة، من شرّ السّامّة والهامّة، ومن شرّ كلّ عين لامّة، ومن شرّ كلّ حاسد إذا حسد.
ثمّ التفت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-] إلينا، فقال: هكذا كان يعوذّ إبراهيم إسماعيل وإسحاق.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن النّوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: كاد الفقر أن يكون كفرا، وكاد الحسد أن يغلب القدر.
و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الحسن بن سليمان الملطي قال: حدّثنا عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- قال: حدّثني أبي، موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه،عن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: كاد الحسد أن يسبق القدر.
و في الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال لقمان لابنه: يا بنيّ، لكلّ شيء علامة يعرف بها ويشهد عليها- إلى قوله- وللحاسد ثلاث علامات: يغتاب إذا غاب، ويتملّق إذا شهد، ويشمت بالمصيبة.
و عن الحارثيّ ، عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- قال: لا يؤمن رجل فيه الشّحّ والحسد والجبن، ولا يكون المؤمن جبانا ولا حريصا ولا شحيحا.
عن سالم ، عن أبيه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لا حسد إلّا في اثنتين: رجل آتاه اللّه مالا فهو ينفق منه أناء اللّيل وأطراف النّهار، رجل آتاه اللّه القرآن فهو يقوم أناء اللّيل وأناء النّهار.
عن سماعة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: يا سماعة، لا ينفكّ المؤمن من خصال أربع : من جار يؤذيه، وشيطان يغويه، ومنافق يقفو أثره، ومؤمن يحسده.
ثمّ قال: يا سماعة، أما إنّه أشدّهم عليه.
قلت: كيف ذلك؟
قال: إنّه يقول فيه القول، فيصدّق عليه.
و بإسناده إلى حريز بن عبد اللّه: [عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-] قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: رفع عن أمّتي تسعة أشياء- الخطأ والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يطيقون، وما لا يعلمون، وما اضطرّوا إليه والحسد، والطير، والتفكّر، والوسوسة في الخلق ما لن ينطق بشفة .و بإسناده إلى [محمّد بن أحمد بن يحيى بن] عمران الأشعريّ، بإسناده يرفعه إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ثلاثة لم يعر منها نبيّ فمن دونه: الطّيرة والحسد والتّفكّر في الوسوسة في الخلق.
عن زيد بن عليّ ، [عن آبائه] ، عن عليّ- عليه السّلام- قال: شكوت إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حسد من يحسدني.
فقال: يا عليّ، أما ترضى أنّ أوّل أربعة يدخلون الجنّة: أنا، وأنت، وذرارينا خلف ظهورنا، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا؟
و في صحيفة الرّضا- عليه السّلام- وبإسناده قال: حدّثني عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال: أخذنا ثلاثة عن ثلاثة: أخذنا الصّبر عن أيّوب، والشّكر عن نوح، والحسد عن بني يعقوب.
و في روضة الكافي : عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، [عن أبي] مالك الحضرميّ ، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ثلاثة لم ينج منها نبيّ فمن دونه: التّفكر في الوسوسة في الخلق والطّيرة والحسد، إلّا أنّ المؤمن لا يستعمل حسده.