سورة الفجر
مكّيّة.
و آيها تسع وعشرون، أو ثلاثون، أو ثنتان وثلاثون.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: اقرأوا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم، فإنّها سورة الحسين بن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام-. من قرأها، كان مع الحسين- عليه السّلام- يوم القيامة في درجته من الجنّة، إنّ اللّه عزيز حكيم.
و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ومن قرأها في ليال عشر، غفر [اللّه] له، ومن قرأها سائر الأيّام، كانت له نورا يوم القيامة.
وَ الْفَجْرِ .
قيل : أقسم بالصّبح، أو فلقه، كقوله : وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ، [أو بصلاته] .
وَ لَيالٍ عَشْرٍ .قيل : عشر ذي الحجّة، ولذلك فسّر الفجر بفجر عرفة. أو النّحر. أو عشر رمضان الأخير. وتنكيرها للتّعظيم.
و قرئ : وَلَيالٍ عَشْرٍ بالإضافة، على أنّ المراد بالعشر: الأيّام.
و في مجمع البيان : «و الفجر» أقسم اللّه بفجر النّهار- إلى قوله-: وقيل: أراد بالفجر النّهار كلّه. عن ابن عبّاس.
وَ لَيالٍ عَشْرٍ، يعني: العشر من ذي الحجّة. عن ابن عبّاس والحسن وقتادة ومجاهد والضّحّاك والسّدّيّ، وروي ذلك مرفوعا.
وَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ : والأشياء كلّها شفعها [و وترها] .
و قرأ غير حمزة والكسائيّ «و الوتر» بالفتح، وهما لغتان، كالحبر والحبر.
و في مجمع البيان : وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ. قيل: الشَّفْعِ الخلق، لأنّه قال:
وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً. والْوَتْرِ اللّه. عن ابن عبّاس، وهو رواية أبي سعيد الخدريّ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.
و قيل: وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ الصّلاة، منها شفع ومنها وتر. وهو رواية ابن حصين، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.
و قيل: الشَّفْعِ يوم النحر، والْوَتْرِ يوم عرفة. [عن ابن عبّاس وعكرمة والضحّاك. وهو رواية جابر عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.
و قيل: الشَّفْعِ يوم التروية والْوَتْرِ يوم عرفة] . وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام-.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَالْفَجْرِ قال: ليس فيها واو، إنّما هو الْفَجْرِ. وَلَيالٍ عَشْرٍ قال: عشر ذي الحجّة. والشَّفْعِ قال: الشفع ركعتان، والوتر ركعة.
و في حديث آخر قال: الشَّفْعِ الحسن والحسين- عليهما السّلام-. والْوَتْرِ أمير المؤمنين- عليه السّلام-.و في شرح الآيات الباهرة : روي بالإسناد مرفوعا، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قوله- عزّ وجلّ-: وَالْفَجْرِ الفجر هو القائم. والليالي العشر الأئمّة من الحسن إلى الحسن. وَالشَّفْعِ أمير المؤمنين وفاطمة. وَالْوَتْرِ هو اللّه وحده لا شريك له. وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ هي دولة حبتر، فهي تسري إلى قيام القائم- عليه السّلام-.
و روى محمّد بن العبّاس ، عن الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس ابن يعقوب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الشَّفْعِ هو رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وعليّ. والْوَتْرِ هو اللّه الواحد.
وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ : إذا يمضي، كقوله : والليل إذا أدبر. والتّقييد بذلك، لما في التّعاقب من قوّة الدّلالة على كمال القدرة ووفور النّعمة.
أو يسري فيه، من قولهم: صلّى المقام.
و حذف الياء للاكتفاء بالكسرة تخفيفا. وقد خصّه نافع وأبو عمرو بالوقف لمراعاة الفواصل، ولم يحذفها ابن كثير ويعقوب أصلا.
و قرئ : «يسر» بالتّنوين المبدّل من حرف الإطلاق .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ قال: هي ليلة جمع .
هَلْ فِي ذلِكَ: القسم، أو المقسم به.
قسم: حلف، أو محلوف به.
لِذِي حِجْرٍ : يعتبره ويؤكّد به ما يريد تحقيقه.
و «الحجر» العقل، سمّي به، لأنّه يحجر عمّا لا ينبغي، كما يسمّى: عقلا، ونهية، وحصاة من الإحصاء وهو الضّبط.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : [و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليهالسّلام-] في قوله: لِذِي حِجْرٍ يقول: لذي عقل.
و المقسم عليه محذوف، وهو: ليعذبنّ. يدلّ عليه:
أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ ، يعني: أولاد عاد بن عوص بن [إرم بن] سام بن نوح، قوم هود. سمّوا باسم أبيهم، كما سمّي بنو هاشم باسمه.
«إِرَمَ»: عطف بيان «لعاد» على تقدير مضاف، أي: سبط إرم، أو أهل إرم، إن صحّ أنّه اسم بلدتهم.
و قيل : سمّي أوائلهم، وهم عاد الأولى، باسم جدّهم.
و منع صرفه، للعلميّة والتّأنيث.
ذاتِ الْعِمادِ : ذات البناء الرّفيع. أو القدود الطّوال. أو الرّفعة والثّبات.
و قيل : كان لعاد ابنان: شدّاد وشديد، فملكا وقهرا. ثمّ مات شديد، فخلص الأمر لشدّاد وملك المعمورة ودانت له ملوكها، فسمع بذكر الجنّة فبنى على مثالها في بعض صحاري عدن جنّة، وسمّاها: إرم. فلمّا تمّت سار إليها بأهله، فلمّا كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث اللّه عليهم صيحة من السّماء فهلكوا.
و عن عبد اللّه بن قلابة ، أنّه خرج في طلب إبله فوقع عليها.
الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ : صفة أخرى «لإرم». والضّمير لها، سواء جعلت اسم القبيلة أو البلدة.
وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ: قطّعوه واتّخذوه منازل، لقوله : وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً.
بِالْوادِ : وادي القرى.
وَ فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ : لكثرة جنوده ومضاربهم الّتي كانوا يضربونهاإذا نزلوا. أو لتعذيبه بالأوتاد.
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى أبان الأحمر قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ لأيّ شيء سمّي ذا الأوتاد؟
فقال: لأنّه كان إذا عذّب رجلا بسطه على الأرض على وجهه ومدّ يديه ورجليه فأوتدها بأربعة أوتاد في الأرض، وربّما بسطه على خشب منبسط فوتد رجليه ويديه بأربعة أوتاد، ثمّ تركه على حاله حتّى يموت، فسمّاه اللّه: ذا الأوتاد.
و في كتاب الخصال : عن رجل من أهل الشّام، عن أبيه قال: سمعت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: شرّ خلق اللّه خمسة: إبليس، وابن آدم الّذي قتل أخاه، وفرعون ذو الأوتاد. (الحديث)
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ عمل الأوتاد الّتي أراد أن يصعد بها إلى السّماء.
الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ : صفة للمذكورين، عاد وثمود وفرعون. أو ذمّ مرفوع، أو منصوب.
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ : بالكفر والظّلم.
فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ ، أي: ما خلط لهم من أنواع العذاب. وأصله الخلط، وإنّما سمّي به الجلد المضفور الّذي يضرب به، لكونه مخلوط الطّاقات بعضها ببعض.
و قيل : شبّه بالسّوط ما أحلّ بهم في الدّنيا، إشعارا بأنّه بالقياس إلى ما أعدّ لهم في الآخرة من العذاب، كالسّوط إذا قيس إلى السّيف.
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ : المكان الّذي يترقّب فيه الرّصد. مفعال، من رصده، كالميقات، من وقته. وهو تمثيل لإرصاده العصاة بالعقاب.
و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عنمفضّل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أخبرني الرّوح الأمين، أنّ اللّه لا إله غيره إذا وقف الخلائق وجمع الأوّلين والآخرين اتي بجهنم، ثمّ وضع عليها صراط أدقّ من الشّعر وأحدّ من السّيف، عليه ثلاث قناطر: الأولى عليها الأمانة والرّحمة، والثّانية عليها الصّلاة، والثّالثة عليها ربّ العالمين لا إله غيره. فيكلّفون الممرّ عليها فتحبسهم الرّحمة والأمانة، فإن نجوا منها حبستهم الصّلاة، فإن نجوا منها كان المنتهى إلى ربّ العالمين- جلّ ذكره-. وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ. (الحديث)
و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، ستقف عليه مسندا قريبا عند قوله: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ في هذه السّورة. وفيه مثل ما في روضة الكافي سواء.
و في نهج البلاغة : ولئن أمهل اللّه الظّالم فلن يفوت أخذه، وهو له بالمرصاد على مجاز طريقه ، وبموضع الشّجا من مساغ ريقه.
و في مجمع البيان : إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ.
روي عن عليّ- عليه السّلام- أنّه قال: إنّ معناه: أنّ ربّك قادر على أن يجزي أهل المعاصي جزاءهم.
و عن الصّادق - عليه السّلام- أنّه قال: المرصاد قنطرة على الصّراط، لا يجوزها عبد بمظلمة عبد.
و في عوالي اللّئالي : وقال الصّادق- عليه السّلام- في تفسير قوله- تعالى-: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ قال: قنطرة على الصّراط، لا يجوزها عبد له مظلمة.
فَأَمَّا الْإِنْسانُ: متّصل بقوله: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ، كأنّه قيل: إنّه لبالمرصاد من الآخرة فلا يريد إلّا السّعي لها، فأمّا الإنسان فلا يهمّه إلّا الدّنيا ولذّاتها.
إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ: اختبره بالغنى واليسر.فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ: بالجاه والمال.
فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ : فضّلني بما أعطاني. وهو خبر المبتدأ الّذي هو «الإنسان»، والفاء لما في «أمّا» من معنى الشّرط، والظّرف المتوسّط في تقدير التّأخير، كأنّه قيل: فأمّا الإنسان فقائل: ربّي أكرمني وقت ابتلائه بالإنعام. وكذا قوله: وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ. إذ التّقدير: وأمّا الإنسان إذا ما ابتلاه، أي: بالفقر والتقتير، ليوازن قسيمه.
و في عيون الأخبار ، في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- عند المأمون مع أصحاب الملل والمقالات وما أجاب به عليّ بن الجهم في عصمة الأنبياء حديث طويل، يقول فيه في قوله : وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ إنّما ظنّ بمعنى استيقن أنّ اللّه لن يضيّق عليه رزقه. ألا تسمع قول اللّه- تعالى-: وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، أي: ضيّق عليه.
و فيه في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- عند المأمون في عصمة الأنبياء حديث طويل، يقول فيه عند قوله: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ [بمعنى:
استيقن] أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ، أي: لن نضيّق عليه رزقه. ومنه قوله- عزّ وجلّ-: وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، أي: ضيّق عليه رزقه .
فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ : لقصور نظره وسوء فكره، فإنّ التّقتير قد يؤدّي إلى كرامة الدّارين، إذ التّوسعة قد تفضي إلى قصد الأعداء والانهماك في حبّ الدّنيا، ولذلك ذمّه على قوليه وردعه بقوله: كَلَّا . مع أنّ قوله الأوّل مطابق «لاكرمه».
و لم يقل: «فأهانه وقدر عليه»، كما قال: فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ لأنّ التّوسعة تفضّل، والإخلال به لا يكون إهانة.
و قرأ ابن عامر والكوفيّون: «أكرمن، وأهانن» بغير ياء في الوصل والوقف.و عن أبي عمرو مثله، ووافقهم نافع في الوقف.
و قرأ ابن عامر: «فقدّر» بالتّشديد.
بل لا يكرمون اليتيم ولا يحضون على طعام المسكين ، أي: بل فعلهم أسوأ من قولهم وأدلّ على تهالكهم بالمال، وهو أنّهم لا يكرمون اليتيم بالتّفقّد بالنّفقة والمبرّة، ولا يحثّون أهلهم على طعام المسكين فضلا عن غيرهم.
و قرأ الكوفيّون: «وَ لا تَحَاضُّونَ».
و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ، أي: لا تدعون، وهم الّذين غصبوا آل محمّد حقّهم وأكلوا مال أتباعهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم.
و في مجمع البيان : لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ هو الطّفل الّذي لا أب له، أي:
لا تعطونهم ممّا أعطاكم اللّه حتّى تغنوهم عن ذلّ السؤال. وخصّ اليتيم لأنّهم لا كافل لهم يقوم [بأمرهم
و قد قال- عليه السّلام-: أنا وكافل اليتيم كهاتين. وأشار بالسبّابة والوسطى.
وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ: الميراث. وأصله: وراث. أَكْلًا لَمًّا :
ذا لمّ، أي جمع بين الحلال والحرام،] فإنّهم كانوا لا يورثون النّساء والصّبيان ويأكلون أنصباءهم، أو يأكلون ما جمعه المورث من حلال وحرام عالمين بذلك.
وَ تُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا : كثيرا مع حرص وشره.
و قرأ أبو عمرو وسهل ويعقوب: «لا يكرمون» إلى «و يحبّون» بالياء، والباقون بالتّاء.
كَلَّا: ردع لهم عن ذلك وإنكار، وما بعده وعيد عليه.
إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا : دكّا بعد دكّ حتّى صارت منخفضة الجبال والتّلال، أو هباء منبثّا.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا قال: هي الزّلزلة.
و في أمالي شيخ الطّائفة ، بإسناده إلى داود بن سليمان قال: حدّثني عليّ بن موسى، عن أبيه، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: هل تدرون ما تفسير هذه الآية كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا؟ قال: إذا كان يوم القيامة تقاد جهنّم بسبعين ألف زمام بيد سبعين ألف ملك، فتشرد شردة ، لولا أنّ اللّه حبسها لأحرقت السّموات والأرض.
وَ جاءَ رَبُّكَ، أي: ظهرت آيات قدرته وآثار قهره، مثل ذلك بما ظهر عند حضور السّلطان من آثار هيبته وسياسته.
وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا : بحسب منازلهم ومراتبهم.
و في عيون الأخبار : عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار في التّوحيد، بإسناده إلى عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبيه قال: سألت الرّضا- عليه السّلام- عن.
قول اللّه: وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا.
فقال: إنّ اللّه- تعالى- لا يوصف بالمجيء والذّهاب، تعالى عن الانتقال، وإنّما يعني بذلك: وجاء أمر ربّك. (الحديث)
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسي- رحمه اللّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: وأمّا قوله: وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وقوله : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ فذلك كلّه حقّ، وليست له جيئة كجيئة خلقه، فإنّه ربّ شيء من كتاب اللّه يكون تأويله على غير تنزيله، ولا يشبه تأويل كلام البشر ولا فعل البشر، وسأنبّئك بمثال لذلك تكتفي به- إن شاء اللّه- وهو حكاية اللّه- عزّ وجلّ- عن إبراهيم حيث قال: إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي فذهابه إلى ربّه توجيهه إليه [في] عبادته واجتهاده، أ لا ترى أنّ تأويله غير تنزيله.
و قال : أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ وقال : وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ فإنزاله ذلك خلقه [إيّاه] ، وكذلك قوله : إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ، أي: الجاحدين، فالتّأويل في هذا القول باطنه مضادّ لظاهره.
وَ جِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ، كقوله: «و برّزت الجحيم».
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى الحسن بن عبد اللّه: عن آبائه، عن جدّه، الحسن بن عليّ، بن أبي طالب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، يقول فيه وقد سأله بعض اليهود عن مسائل: إنّ الشّمس عند الزّوال لها حلقة تدخل فيها، فإذا دخلت فيها زالت الشّمس، فيسبّح كلّ شيء دون العرش بحمد ربّي، وهي السّاعة الّتي يصلّي [عليّ] فيها ربّي، ففرض اللّه عليّ وعلى أمّتي فيها الصّلاة. وقال : أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وهي السّاعة الّتي يؤتى فيها بجهنّم يوم القيامة، فما من مؤمن يوافق تلك السّاعة أن يكون ساجدا أو راكعا أو قائما، إلّا حرّم اللّه جسده على النّار.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن عمرو بن عثمان، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لمّا نزلت هذه الآية: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ سئل عن ذلك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
فقال: بذلك أخبرني الرّوح الأمين، إنّ اللّه- لا إله غيره- إذا برز الخلائق وجميع الأوّلين والآخرين اتي بجهنّم تقاد بألف زمام [مع كلّ زمام] مائة ألف [ملك] تقودها من الغلاظ الشّداد، لها هدّة وغضب وزفير وشهيق، وأنّها لتزفر الزّفرة فلولا أنّاللّه أخّرهم للحساب لأهلكت الجمع.
ثمّ يخرج منها عنق فيحيط بالخلائق البرّ منهم والفاجر، فما خلق اللّه عبدا من عباد اللّه ملكا ولا نبيّا إلّا ينادي: ربّ، نفسي نفسي، وأنت يا نبيّ اللّه تنادي: أمّتي أمّتي.
ثمّ يوضع عليها الصّراط أدقّ من الشّعر وأحدّ من حدّ السّيف، عليه ثلاثة قناطر: فأمّا واحدة فعليها الأمانة والرّحم، والثّانية فعليها الصّلاة، وأمّا الثّالثة فعليها [عدل] ربّ العالمين لا إله غيره، فيكلّفون الممرّ عليها فيحبسهم الرّحم والأمانة، فإن نجوا منهما حبستهم الصّلاة، فإن نجوا منها كان المنتهى إلى ربّ العالمين، وهو قوله:
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ والنّاس على الصّراط فمتعلّق بيد وتزلّ قدم وتستمسك بقدم، والملائكة حولها ينادون: يا حليم، اعف واصفح وعد بفضلك وسلّم وسلم . والنّاس يتهافتون في النّار، كالفراش فيها، فإذا نجا ناج برحمة اللّه مرّ بها، فقال: الحمد للّه وبنعمته تتمّ الصّالحات وتزكو الحسنات، والحمد للّه الّذي نجّاني منك بعد إياس بمنّه وفضله، إنّ ربّنا لغفور شكور.
و في مجمع البيان : وجيء بجهنم. و
روي مرفوعا، عن أبي سعيد الخدريّ قال: لمّا نزلت هذه الآية، تغيّر وجه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وعرف في وجهه حتّى اشتدّ على أصحابه ما رأوه من حاله، وانطلق بعضهم إلى عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- فقالوا: يا عليّ، لقد حدث أمر قد رأيناه في نبيّ اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فجاء عليّ- عليه السّلام- فاحتضنه من خلفه، وقبّل بين عاتقيه.
ثمّ قال: يا نبيّ اللّه بأبي أنت وأمّي، ما الّذي حدث اليوم؟
قال: جاء جبرئيل فأقرأني وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ.
قال: فقلت: كيف يجاء بها؟
قال: يجيء بها سبعون ألف ملك يقودونها بسبعين ألف زمام، فتشرد شردة ، لوتركت لأحرقت أهل الجمع. ثمّ أتعرّض جهنّم، فتقول: ما لي ولك، يا محمّد، فقد حرّم اللّه لحمك عليّ. فلا يبقى أحد إلّا قال: نفسي نفسي، وإنّ محمّدا يقول: أمّتي أمّتي.
و في كتاب جعفر بن محمّد الدّوريستيّ ، مثل ما في مجمع البيان.
يَوْمَئِذٍ: بدل من إِذا دُكَّتِ، والعامل فيهما، يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ، أي: يتذكّر معاصيه. أو يتّعظ، لأنّه يعلم قبحها فيندم عليها.
وَ أَنَّى لَهُ الذِّكْرى ، أي: منفعة الذّكرى، لئلّا يناقض ما قبله.
يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي ، أي: لحياتي هذه. أو وقت حياتي في الدّنيا أعمالا صالحة.
فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ .
«الهاء» للّه، أي: لا يتولّى عذاب اللّه ووثاقه يوم القيامة سواه، إذ الأمر كلّه له.
أو للإنسان، أي: لا يعذّب أحد من الزّبانية مثل ما يعذّبونه.
و قرأهما الكسائيّ ويعقوب على بناء المفعول.
و في مجمع البيان : وأمّا القراءة بفتح العين في «يعذّب» و«يوثق» فقد وردت الرّواية عن أبي قلابة قال: أقرأني من أقرأه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ. والمعنى: لا يعذّب أحد تعذيب هذا الكافر إن قلنا: إنّه كافر بعينه. أو تعذيب هذا الصّنف من الكفّار، وهم الّذي ذكروا في قوله:
لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (الآيات).
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسي- رحمه اللّه-: وفي رواية سليم بن قيس الهلاليّ، عن سلمان الفارسي- رحمه اللّه- ونقل كلاما طويلا، وفيه قال : قال لي عمر بن الخطّاب: قل ما شئت، أليس قد عزلها اللّه عن أهل هذا البيت الّذين قد اتّخذتموهم أربابا؟
قال: قلت: فإنّي أشهد أنّي سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: وقد سألته عن هذه الآية فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ، فقال: إنّك أنتهو.
فقال [عمر] : اسكت أسكت اللّه نامتك، أيّها العبد يا ابن اللّخناء .
فقال لي عليّ- عليه السّلام-: اسكت، يا سلمان. فسكتّ، واللّه، لولا أنّه أمرني بالسّكوت لأخبرته بكلّ شيء نزل فيه وفي صاحبه.
فلمّا رأى ذلك عمر أنّه قد سكت قال: إنّك له مطيع مسلّم.
في شرح الآيات الباهرة : جاء في تفسير عليّ بن إبراهيم أنّ «الإنسان»، يعني به: الثّاني.
و يؤيّده ما روي عن عمر بن أذينة، عن معروف بن خربوذ قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام-: يا ابن خربوذ، أ تدري ما تأويل هذه الآية فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ؟
قلت: لا.
قال: ذاك الثّاني، لا يعذّب اللّه، يوم القيامة عذابه أحدا .
يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ : على إرادة القول.
قيل : هي الّتي اطمئنت بذكر اللّه، فإنّ النّفس تترقّى في سلسلة الأسباب والمسبّبات إلى الواجب لذاته- تعالى- فتستقرّ دون معرفته وتستغني به عن غيره. أو إلى الحقّ بحيث لا يريبها شكّ. أو الآمنة الّتي لا يستفزّها خوف ولا حزن.
ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ قيل : إلى أمره . أو موعده [بالموت] أو بالبعث.
راضِيَةً: بما أوتيت.مَرْضِيَّةً : عند اللّه.
فَادْخُلِي فِي عِبادِي : في جملة عبادي الصالحين.
وَ ادْخُلِي جَنَّتِي : معهم. أو في زمرة المقرّبين فتستضيء بنورهم، فإنّ الجواهر القدسيّة كالمرايا المتقابلة. أو ادخلي في أجساد عبادي الّتي فارقت عنها. أو ادخلي دار ثوابي الّتي أعددت لك.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: إذا حضر المؤمن الوفاة نادى مناد من عند اللّه: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي بولاية عليّ- عليه السّلام-. مَرْضِيَّةً بالثّواب.
فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي فلا يكون له همّة إلّا اللّحوق بالنّداء.
حدّثنا جعفر بن أحمد قال: حدّثنا عبد اللّه بن موسى ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (الآية)، يعني: الحسين بن عليّ- عليهما السّلام-.
و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن سدير الصّيرفيّ قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: جعلت فداك يا ابن رسول اللّه، هل يكره المؤمن على قبض روحه؟
قال: لا، واللّه، إنّه إذا أتاه ملك الموت ليقبض روحه، جزع عند ذلك.
فيقول له ملك الموت: يا وليّ اللّه، لا تجزع، فو الّذي بعث محمّدا، لأنا أبرّ بك وأشفق عليك من والد رحيم لو حضرك، افتح عينيك فانظر.
قال: وهو يمثّل له رسول اللّه وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ذرّيّتهم- عليهم السّلام-. فيقال له: هذا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة رفقاؤك.
قال: فيفتح عينه فينظر، فينادي روحه مناد من قبل ربّ العزّة فيقول: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إلى محمّد وأهل بيته ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً بالولاية مَرْضِيَّةً بالثّواب فَادْخُلِي فِي عِبادِي، يعني: محمّدا وأهل بيته وَادْخُلِي جَنَّتِي فما من شيءأحبّ إليه من استلال روحه واللّحوق بالمنادي.
و في محاسن البرقيّ : عنه، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن مسلم، عن الخطّاب الكوفيّ ومصعب الكوفيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال لسدير: والّذي بعث محمّدا بالنّبوّة وعجّل روحه إلى الجنّة، ما بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى السّرور أو تبين له النّدامة [و الحسرة] إلّا أن يعاين ما قال اللّه في كتابه: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ وأتاه ملك الموت يقبض روحه، [فينادي روحه] فتخرج من جسده.
فأمّا المؤمن فلا يحسّ بخروجها، وذلك قول اللّه- تبارك وتعالى-: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي.
ثمّ قال: ذلك لمن كان ورعا مواسيا لإخوانه وصولا لهم، وإن كان غير ورع ولا وصول لإخوانه قيل له: ما منعك عن الورع والمواساة لإخوانك؟ أنت ممّن انتحل المحبّة بلسانه ولم يصدّق ذلك بفعله. وإذا لقى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأمير المؤمنين- عليه السّلام- لقيهما معرضين مغضبين في وجهه غير شافعين له.
قال سدير: من جدع [اللّه] أنفه .
قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: فهو ذلك.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس: حدّثنا الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، [عن يونس بن يعقوب،] عن عبد الرّحمن بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي. قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.
و روى عن الحسن بن محبوب، بإسناده، عن صندل، عن داود بن فرقد قال:
قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: اقرؤوا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم، فإنّها سورة الحسين- عليه السّلام- وارغبوا فيها، رحمكم اللّه.
فقال له أبو أسامة، وكان حاضرا المجلس: كيف صارت هذه السّورة للحسين- عليه السّلام- خاصّة؟ فقال: ألا تسمع إلى قوله: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي إنّما يعني بها: الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- فهو ذو النّفس المطمئنّة الرّاضية المرضيّة، وأصحابه من آل محمّد- صلوات اللّه عليهم- الرّاضون عن اللّه يوم القيامة، وهو راض عنهم، وهذه السّورة [نزلت] في الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- وشيعته وشيعة آل محمّد خاصّة. من أدمن قراءة الفجر، كان مع الحسين- عليه السّلام- في درجته في الجنّة، إنّ اللّه عزيز حكيم.
و روى أبو جعفر محمّد بن بابويه، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّه، عن عبّاد بن سليمان، عن سدير الصّيرفيّ قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: جعلت فداك يا ابن رسول اللّه، هل يكره المؤمن على قبض روحه؟
قال: لا، إذا أتاه ملك الموت بقبض روحه جزع لذلك.
فيقول له ملك الموت: يا وليّ اللّه لا تجزع، فو الّذي بعث محمّدا بالحقّ، لأنا أبرّ بك وأشفق عليك من الوالد البرّ الرّحيم بولده، افتح عينيك وانظر.
قال: فيتمثّل له رسول اللّه وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين- عليهم السّلام- والأئمّة، فيقول (له) : هؤلاء رفقاؤك. فيفتح عينيه وينظر إليهم، ثمّ تنادى نفسه: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً بالولاية مَرْضِيَّةً بالثّواب فَادْخُلِي فِي عِبادِي، يعني: محمّدا وأهل بيته وَادْخُلِي جَنَّتِي فما من شيء أحبّ إليه من انسلال روحه واللّحوق بالمنادي.