سورة الغاشية
مكّيّة.
و هي ستّ وعشرون بالإجماع.
بسم الله الرحمن الرحيم
في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من أدمن قراءة هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ في فريضة أو نافلة، غشاه اللّه برحمته في الدّنيا والآخرة، وآتاه الأمن يوم القيامة من عذاب النّار.
و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: من قرأها، حاسبه اللّه حسابا يسيرا.
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ : الدّاهية الّتي تغشى النّاس بشدائدها، يعني يوم القيامة. أو النّار، من قوله : وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ.
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ : ذليلة.
عامِلَةٌ ناصِبَةٌ : [تعمل ما] تتعب فيه، كجرّ السّلاسل، وخوضها فيالنّار خوض الإبل في الوحل، والصّعود والهبوط في قلالها وو هادها. أو عملت ونصبت في أعمال لا تنفعها يومئذ.
تَصْلى ناراً: تدخلها.
و قرأ أبو عمرو ويعقوب وأبو بكر: «تصلى» من أصلاه اللّه .
و قرئ : «تصلّى» بالتّشديد للمبالغة.
حامِيَةً : متناهية في الحرّ.
و في روضة الكافي : سهل، عن محمّد، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ.
قال: يغشاهم القائم بالسّيف.
قال: قلت: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ.
قال: خاضعة، لا تطيق الامتناع.
قال: قلت: عامِلَةٌ.
قال: عملت بغير ما أنزل اللّه.
قال: قلت: ناصِبَةٌ.
قال: نصبت غير ولاة الأمر.
قال: قلت: تَصْلى ناراً حامِيَةً.
قال: تصلى نار الحرب في الدّنيا على عهد القائم، وفي الآخرة نار جهنّم.
عليّ بن إبراهيم ، عن عليّ بن الحسين، عن محمّد الكناسي، قال: حدّثنا من رفعه إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ.
قال: الّذين يغشون الإمام.
عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن ابن فضّال ، عن حنان، عن أبيعبد اللّه- عليه السّلام- قال: لا يبالي النّاصب صلّى أم زنى. وهذه الآية نزلت فيهم:
عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً.
عليّ بن إبراهيم ، عن ابن أبي عمير، عن أبي المقدام قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: قال أبي: قال أمير المؤمنين: كلّ ناصب وإن تعبّد واجتهد منسوب إلى هذه الآية عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و في كتاب ثواب الأعمال : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثني أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد، قال: حدّثني أبو عبد اللّه الرّازيّ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صالح بن سعيد، [عن أبي سعيد] القمّاط، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: كلّ ناصب وإن تعبّد واجتهد يصير إلى هذه الغاية عامِلَةٌ ناصِبَةٌ، تَصْلى ناراً حامِيَةً.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، حدّثنا جعفر بن محمّد ، عن عبد الكريم بن عبد الرّحيم، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: كلّ من خالفكم وإنّ تعبّد واجتهد منسوب إلى هذه الآية وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً.
و في مجمع البيان : وقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: كلّ ناصب لنا وإن تعبّد واجتهد يصير إلى هذه الآية: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً.
تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ : بلغت أناها في الحرّ.
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى أبي إسحاق اللّيثيّ: عن الباقر- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه أبو إسحاق- بعد أن قال: وأجد من أعدائكم ومن ناصبيكم من يكثر من الصّلاة ومن الصيام ، ويخرج الزّكاة، ويتابع بين الحجّ والعمرة،و يحضّ على الجهاد، ويأثر على البرّ وعلى صلة الأرحام، ويقضي حقوق إخوانه ويواسيهم من ماله، ويتجنّب شرب الخمر والزّنا واللّواط وسائر الفواحش: وإنّ النّاصب على ما هو عليه، ممّا وصفته من أفعالهم، لو اعطي أحد ما بين المشرق والمغرب ذهبا وفضّة أن يزول عن محبّة الطّواغيت وموالاتهم إلى موالاتكم، ما فعل ولا زال، ولو ضربت خياشيمه بالسّيوف فيهم، [و لو قتل فيهم] ، ما ارتدع ولا رجع. وإذا سمع أحدهم منقبة لكم وفضلا، اشمأزّ من ذلك وتغيّر لونه، ورئي كراهة ذلك في وجهه بغضا لكم ومحبّة لهم.
قال: فتبسّم الباقر- عليه السّلام-. ثمّ قال: يا إبراهيم، هاهنا هلكت العاملة النّاصبة تَصْلى ناراً حامِيَةً تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ. ومن أجل ذلك قال - تعالى-:
وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً.
لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ : يبيس الشّبرق ، وهو شوك ترعاه الإبل ما دام رطبا.
و قيل : شجرة ناريّة تشبه الضّريع، ولعلّه طعام هؤلاء، والزّقوم والغسلين طعام غيرهم.
و في مجمع البيان : عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: «الضّريع» شيء يكون في النّار يشبه الشّوك، أمرّ من الصّبر وأنتن من الجيفة وأشدّ حرّا من النّار، سمّاه اللّه الضّريع.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: يا ابن رسول اللّه، خوّفني فإنّ قلبي قد قسا.
فقال: يا أبا محمّد، استعدّ للحياة الطّويلة، فإنّ جبرئيل جاء إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو قاطب، وقد كان قبل ذلك يجيئ وهو متبسّم.
فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا جبرئيل، جئتني اليوم قاطبا؟
فقال: يا محمّد، قد وضعت منافخ النّار.
فقال: وما منافخ النّار، يا جبرئيل؟
فقال: يا محمّد، إنّ اللّه أمر بالنّار فنفخ عليها ألف عام حتّى ابيضّت، ثمّ نفخ عليها ألف عام حتّى احمرّت، ثمّ نفخ عليها ألف عام حتّى اسودّت، فهي سوداء مظلمة.
لو أنّ قطرة من الضّريع قطرت في شراب أهل الدّنيا، لمات أهله من نتنها.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ : والمقصود من الطّعام أحد الأمرين.
و في أمالي الصّدوق : حدّثنا محمّد بن الحسن، قال: حدّثنا الحسين بن الحسن ابن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن عليّ بن أبي حمزة، [عن أبي بصير] ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا. يقول فيه: كلّ ناصب وإن تعبّد واجتهد فمنسوب إلى هذه الآية عامِلَةٌ ناصِبَةٌ- إلى قوله-: مِنْ جُوعٍ.
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسي- رحمه اللّه- حديث طويل: عن الحسن بن عليّ- عليه السّلام- يتكلّم فيه على جمع كثير في مجلس معاوية وعلى معاوية- أيضا-. وفيه: وأمّا أنت، يا عتبة بن أبي سفيان، فو اللّه ما أنت بحصيف فأجاوبك، ولا عاقل فأعاتبك ، وما عندك خير يرجى [و لا شرّ يخشى] ، وما كنت ولو سببت عليّا لأعير به عليك، لأنّك عندي لست بكفؤ لعبد عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- فأردّ عليك وأعاتبك، ولكنّ اللّه لك ولأبيك ولأمّك وأخيك بالمرصاد، فأنت ذرّيّة آبائك الّذين ذكرهم اللّه في القرآن فقال: عامِلَةٌ- إلى قوله-: مِنْ جُوعٍ.
و في شرح الآيات الباهرة : ذكر الشيخ أبو جعفر محمد بن بابويه في أماليه، فيحديث يرفعه إلى أبي جعفر الباقر- عليه السّلام-: أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال لقنبر: يا قنبر، أبشر، [و بشّر] ، واستبشر، لقد مات رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو على أمّته ساخط إلّا الشّيعة. [ألا] وإنّ لكلّ شيء عروة، وعروة الإسلام الشّيعة.
[ألا وإنّ لكلّ شيء دعامة، ودعامة الإسلام الشيعة] . ألا وإنّ لكلّ شيء شرفا، وشرف الإسلام الشّيعة. ألا وإنّ لكلّ شيء سيّدا، وسيّد المجالس مجلس الشّيعة. ألا وإنّ لكلّ شيء إماما، وإمام الأرض [أرض] يسكنها [الشيعة] . واللّه لولا ما في الأرض [منكم] ، لما أنعم اللّه على أهل خلافكم ولا أصابوا الطّيّبات، ما لهم في الدّنيا وما لهم في الآخرة من نصيب. وإنّ كلّ ناصب وإن تعبّد واجتهد فمنسوب إلى هذه الآية عامِلَةٌ- إلى قوله-: مِنْ جُوعٍ (الحديث).
و روى عن أهل البيت حديثا مسندا في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ، عامِلَةٌ ناصِبَةٌ أنّها الّتي نصبت العداوة لآل محمّد- عليهم السّلام-.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ وهم الّذين خالفوا دين اللّه، وصلّوا وصاموا ونصبوا لأمير المؤمنين- عليه السّلام-. وهو قوله: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ عملوا ونصبوا، فلا يقبل شيء من أفعالهم تَصْلى [وجوههم] ناراً حامِيَةً تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ قال: لها أنين من شدّة حرّها. لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ.
قال: عرق أهل النّار، وما يخرج من فروج الزّواني.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير [عن سليمان بن جعفر] عن هشام بن سالم، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سأله الأبرش الكلبيّ عن قول اللّه - عزّ وجلّ-: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ.
قال: تبدّل خبزة [نقيّة] يأكل النّاس منها حتّى يفرغ من الحساب.قال الأبرش: [فقلت:] إنّ النّاس [يومئذ] لفي شغل عن الأكل.
فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: هم في النّار لا يشتغلون عن أكل الضّريع وشرب الحميم وهم في العذاب، فكيف يشتغلون عنه في الحساب؟
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، [عن أبيه] ، عن القاسم بن عروة، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ.
قال: تبدّل خبزة نقيّة تأكل النّاس منها حتّى يفرغوا من الحساب.
فقال له قائل: إنّهم لفي شغل يومئذ عن الأكل والشّرب.
فقال: إنّ اللّه خلق ابن آدم أجوف لا بدّ له من الطّعام والشّراب، أهم أشدّ شغلا يومئذ أم في النّار؟ فقد استغاثوا، واللّه- عزّ وجلّ- يقول : وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ.
و في تفسير العيّاشي : عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ.
قال: تبدّل خبزة نقيّة، يأكل النّاس منها حتّى يفرغ من الحساب.
[فقال له قائل: إنّهم يومئذ في شغل عن الأكل والشّرب] .
فقال له: إنّ ابن آدم خلق أجوف لا بدّ له من الطّعام والشّراب، أهم أشدّ شغلا أم هم في النّار؟ فقد استغاثوا، فقال: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ.
و فيه ، بعد أن ذكر حديثا عن أبي جعفر- عليه السّلام-: وفي خبر آخر عنه، فقال: وهم في النّار لا يشغلون عن أكل الضّريع وشرب الحميم، وهم في العذاب فكيف يشغلون عنه في الحساب؟
و في روضة الكافي: عليّ بن إبراهيم، عن عليّ بن الحسين، عن محمّد الكناسي قال: حدّثنا من رفعه إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-:هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ.
قال: الّذين يغشون الإمام- إلى قوله- عزّ وجلّ-: لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ قال: لا ينفعهم ولا يغنيهم، لا ينفعهم الدّخول، ولا يغنيهم القعود.
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ : ذات بهجة، أو متنعّمة.
لِسَعْيِها راضِيَةٌ : رضيت بعملها لمّا رأت ثوابه.
فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ : عليّة المحلّ أو القدر.
لا تَسْمَعُ: أنت، يا مخاطب. أو الوجوه.
و قرأ على بناء المفعول، بالياء، ابن كثير وأبو عمرو ورويس. وبالتّاء نافع.
فِيها لاغِيَةً : لغوا. أو كلمة ذات لغو. أو نفسا تلغو، فإنّ كلام أهل الجنّة الذّكر والحكم.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ ذكر أتباع أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقال:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ، لِسَعْيِها راضِيَةٌ يرضى اللّه بما سعوا فيه. فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً قال: الهزل والكذب.
فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ : يجري ماؤها ولا ينقطع. والتّنكير للتّعظيم.
فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ : رفيعة السّمك والقدر.
وَ أَكْوابٌ: جمع كوب، وهو إناء لا عروة له.
مَوْضُوعَةٌ : بين أيديهم.
وَ نَمارِقُ: وسائد، جمع نمرقة، بالفتح والضّمّ.
مَصْفُوفَةٌ : بعضها إلى بعض.
وَ زَرابِيُّ: وبسط فاخرة، جمع زريبة.
مَبْثُوثَةٌ : مبسوطة.
و في مجمع البيان : وعن عاصم بن ضمرة ، عن عليّ- عليه السّلام- أنّه ذكر أهل الجنّة، فقال: يجيئون فيدخلون، فإذا أساس بيوتهم من جندل اللّؤلؤو سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ، وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ. ولولا أنّ اللّه قدّرها لهم، لالتمعت أبصارهم بما يرون، ويعانقون الأزواج، ويقعدون على السّرر ويقولون:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال عليّ بن إبراهيم في قوله: وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ.
قال: البسط والوسائد. وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ قال: كلّ شيء خلقه اللّه في الجنّة له مثال في الدّنيا إلّا الزّرابيّ، فإنّه لا يدرى ما هي.
أَ فَلا يَنْظُرُونَ: نظر اعتبار.
إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ : خلقا دالا على كمال قدرته وحسن تدبيره، حيث خلقها لجرّ الأثقال إلى البلاد النّائية ، فجعلها عظيمة باركة للحمل ناهضة بالحمل، منقادة لمن اقتادها، طوال الأعناق لتنوء بالأوقار ، وترعى كلّ نابت، وتحتمل العطش إلى عشر فصاعدا ليتأتّى لها قطع البراري والمفاوز، مع مالها من منافع اخر. ولذلك خصّت بالذّكر، لبيان الآيات المنبثّة في الحيوانات الّتي هي أشرف المركّبات وأكثرها صنعا، ولأنّها أعجب ما عند العرب من هذا النّوع.
و قيل : المراد بها: السّحاب على الاستعارة .
وَ إِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ : بلا عمد ترونها.
وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ : فهي راسخة لا تميل.
وَ إِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ : بسطت حتّى صارت مهادا.
و قرئ الأفعال الأربعة، على بناء الفاعل المتكلّم وحذف الرّاجع المنصوب.
و المعنى: أفلا ينظرون إلى أنواع المخلوقات من البسائط والمركّبات، ليتحقّقوا كمال قدرة الخالق، فلا ينكروا اقتداره على البعث.
و في مجمع البيان : وروي عن عليّ- عليه السّلام-أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ بفتح أوائل هذه الحروف كلّها وضمّ التّاء.
و في كتاب التّوحيد : قام هشام: فكان من سؤال الزّنديق أن قال: فما الدّليل عليه؟
فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: وجود الأفاعيل الّتي دلّت على أنّ صانعها صنعها، ألا ترى أنّك إذا نظرت إلى بناء مشيّد مبنيّ علمت أنّ له بانيا، وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده؟
و في أصول الكافي ، مثله سواء.
و في كتاب الاهليلجة : المنقول عن الصّادق جعفر بن محمّد- عليه السّلام- في الرّدّ على من أنكر وجود الصّانع، قال لمن كان منكر الصّانع : وإذا رأيت بناء، أ تقرّ أنّ له بانيا؟ وإذا رأيت صورة، أ تقرّ أنّ لها مصوّرا؟
قال : لا بدّ من ذلك.
فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ : فلا عليك إن لم ينظروا ويذّكّروا، إذ عليك إلّا البلاغ.
في كتاب الخصال : عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:
قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: جمع الخير كلّه في ثلاث خصال: النّظر والسّكوت والكلام. فكلّ نظر ليس فيه اعتبار، فهو سهو. وكلّ سكوت [ليس فيه فكرة، فهو غفلة. وكلّ كلام] ليس فيه ذكر، فهو لغو. فطوبى لمن كان نظره عبرا ، وسكوته فكرا، وكلامه ذكرا، وبكى على خطيئته، وأمن الناس شرّه.
[لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ :
قيل : بمتسلّط.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال عليّ بن إبراهيم في قوله: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ قال: لست بحافظ ولا كاتب عليهم.
و عن الكسائي بالسّين على الأصل. وحمزة بالإشمام ] .
إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ : لكن من تولّى وكفر.
فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ ، يعني: عذاب الآخرة.
و قيل : الاستثناء متّصل، فإنّ جهاد الكفّار وقتلهم تسلّط، وكأنّه أوعدهم بالجهاد في الدّنيا وعذاب النّار في الآخرة.
و قيل : هو استثناء من قوله: «فذكّر»، أي: فذكّر إلّا من تولّى وأصرّ فاستحقّ العذاب الأكبر، وما بينهما اعتراض.
و يؤيّد الأوّل، أنّه قرئ: «ألا» على التّنبيه .
إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ : رجوعهم.
و قرئ بالتّشديد، على أنّه «فيعال» مصدر «فيعل»، من الإياب. أو «فعال» من الأوب، قلبت واوه الأولى ياء قلبها في «ديوان» ثمّ الثّانية للإدغام.
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ : في المحشر. وتقديم الخبر، للتّخصيص والمبالغة في الوعيد.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ يريد: من لم يتّعظ ولم يصدّقك، وجحد ربوبيّتي وكفر نعمتي. فيعذبه العذاب الأكبر يريد الغليظ الشّديد الدّائم. إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ يريد: مصيرهم. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ يريد: جزاءهم.و في أمالي شيخ الطّائفة ، بإسناده إلى عبد اللّه بن سنان: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا كان يوم القيامة وكّلنا اللّه بحساب شيعتنا، فما كان للّه سألنا اللّه أن يهبه فهو لهم، وما كان لنا فهو لهم. ثمّ قرأ أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ.
و في روضة الكافي : سهل بن زياد، عن ابن سنان، عن سعدان، عن سماعة قال: كنت قاعدا مع أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام- والنّاس في الطّواف في جوف اللّيل، فقال لي: يا سماعة، إنّ إلينا إياب هذا الخلق وعلينا حسابهم، فما كان لهم من ذنب بينهم وبين اللّه، حتمنا على اللّه في تركه لنا، فأجابنا إلى ذلك. وما كان بينهم وبين النّاس، استوهبناه منهم، فأجابوا إلى ذلك، وعوّضهم اللّه.
عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سنان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال: يا جابر، إذا كان يوم القيامة و جمع اللّه الأوّلين والآخرين لفصل الخطاب، دعي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ودعي أمير المؤمنين- عليه السّلام-. فيكسى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حلّة خضراء تضيء ما بين المشرق والمغرب، ويكسى عليّ- عليه السّلام- مثلها، [و يكسى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حلّة ورديّة يضيء لها ما بين المشرق والمغرب، ويكسى عليّ- عليه السّلام- مثله،] ثمّ يصعدان عندها، ثمّ يدعى بنا فيدفع إلينا حساب النّاس، فنحن واللّه ندخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار. (الحديث)
و في بصائر الدّرجات : الحسن بن عليّ، عن أبي صباح، عن زيد الشّحّام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: إلينا الصّراط والميزان وحساب شيعتنا.
(الحديث)
و في من لا يحضره الفقيه : في الزّيارة الجامعة المنقولة عن محمّد بن عليّ الجواد- عليه السّلام-: وإياب الخلق إليكم، وحسابهم عليكم.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الرّحمن بن حمّاد، عن بعض أصحابه، رفعه، قال: قال عليّ- عليه السّلام-: وأمّا الذّنب الّذي لا يغفر، فمظالم العباد بعضهم لبعض. إنّ اللّه- تبارك وتعالى- إذا برز لخلقه، أقسم قسما على نفسه، فقال: وعزّتي وجلالي، لا يجوزني ظلم ظالم ولو كفّ بكفّ، ولو مسحة بكفّ، ولو نطحة ما بين الجمّاء إلى القرناء. فيقضي للعباد بعضهم من بعض حتّى لا يبقى لأحد على أحد مظلمة، ثمّ يبعثهم للحساب. (الحديث)
و في الاحتجاج للطّبرسي- رحمه اللّه-: عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه أحوال أهل القيامة يقول فيه: والنّاس يومئذ على طبقات ومنازل، فمنهم من يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا، ومنهم الّذين يدخلون الجنّة بغير حساب، لأنّهم لم يتلبّسوا من أمر الدّنيا بشيء وإنّما الحساب هناك على من تلبّس بها هاهنا، ومنهم من يحاسب على النّقير والقطمير ويصير إلى عذاب السّعير.
و في نهج البلاغة : وسئل- عليه السّلام-: كيف يحاسب اللّه الخلق على كثرتهم؟ قال: كما يرزقهم على كثرتهم.
قيل: فكيف يحاسبهم ولا يرونه؟
قال: كما يرزقهم ولا يرونه.
و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار المجموعة بإسناده، قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ اللّه يحاسب كلّ خلق إلّا من أشرك باللّه، فإنّه لا يحاسب ويؤمر به إلى النّار.
و في كتاب علل الشّرائع : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عنيعقوب بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له: أ رأيت الميّت إذا مات لم تجعل معه الجريدة؟
قال: تجافي عنه العذاب والحساب ما دام العود رطبا، إنّما الحساب والعذاب كلّه في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل [القبر] ويرجع النّاس عنه، فإنّما جعل السّعفتان لذلك، ولا عذاب ولا حساب بعد جفوفهما [- إن شاء اللّه] .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن أبي جعفر بن إبراهيم، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: إذا كان يوم القيامة أوقف المؤمن بين يديه، فيكون هو الّذي يلي حسابه، فيعرض عليه عمله، فينظر في صحيفته فأوّل ما يرى سيّئاته، فيتغيّر لذلك لونه وترتعد فرائصه وتفزع نفسه، ثمّ يرى حسناته فتقرّ عينه وتسرّ نفسه وتفرح روحه، ثمّ ينظر إلى ما أعطاه اللّه من الثّواب فيشتدّ فرحه.
ثمّ يقول اللّه للملائكة: هلمّوا بالصّحف الّتي فيها الأعمال الّتي لم يعملوها.
قال: فيقرءونها، فيقولون: وعزّتك، إنّك لتعلم أنّا لم نعمل منها شيئا.
فيقول: صدقتم، نويتموها فكتبناها لكم. ثمّ يثابون عليها.
و فيه : قال الصّادق- عليه السّلام-: كلّ أمّة يحاسبها إمام زمانها، ويعرف الأئمّة أولياءهم وأعداءهم بسيماهم وهو قوله : وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ [و هم الأئمّة] يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ فيعطون أولياءهم كتابهم بيمينهم، فيمرّون إلى الجنّة بغير حساب. [و يعطون أعداءهم كتابهم بشمالهم، فيمرّون إلى النّار بغير حساب] .
و في شرح الآيات الباهرة : روى محمّد بن العبّاس، عن أحمد بن هوذة، عن إبراهيم بن إسحاق، [عن عبد اللّه بن حمّاد] عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا كان يوم القيامة، وكّلنا اللّه بحساب شيعتنا، فما كان للّه سألنا اللّه أن يهبه لنا فهو لهم، وما كان للآدميّين سألنا اللّه أن يعوّضهم بدله فهو لهم، وما كان لنا فهو لهم. ثمّ قرأ: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ.
و بهذا الإسناد إلى عبد اللّه بن حمّاد: عن محمّد بن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- في قوله: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ قال: إذا كان يوم القيامة، وكّلنا اللّه بحساب شيعتنا، فما كان للّه سألناه أن يهبه [لنا، فهو لهم] ، وما كان لمخالفيهم فهو لهم، وما كان لنا فهو لهم.
ثمّ قال: هم معنا حيث كنّا.
و روى عن الصّادق- عليه السّلام- في قوله: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ قال: إذا حشر اللّه النّاس في صعيد واحد، أجّل اللّه أشياعنا أن يناقشهم في الحساب.
فنقول: إلهنا، هؤلاء شيعتنا.
فيقول اللّه- تعالى-: قد جعلت أمرهم إليكم، وقد شفعتكم فيهم، وغفرت لسيّئاتهم ، أدخلوهم الجنّة بغير حساب.
و قال محمّد بن العبّاس : حدّثنا الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن يعقوب، عن جميل بن درّاج قال: قلت لأبي الحسن- عليه السّلام-: أحدّثهم بتفسير جابر؟
قال: لا تحدّث به السّفلة فيذيعوه، أما تقرأ إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ؟
قلت: بلى.
قال: إذا كان يوم القيامة وجمع اللّه الأوّلين والآخرين ولّانا حساب شيعتنا، فما كان بينهم وبين اللّه حكمنا على اللّه فيه فأجاز حكومتنا، وما كان بينهم وبين النّاساستوهبناه منهم فوهبوه لنا، وما كان بيننا وبينهم، فنحن أحقّ من عفا وصفح.
و روي مسندا عن المفضّل بن عمر قال: قلت للإمام أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: لم صار أمير المؤمنين قسيم الجنّة والنّار؟
قال: لأنّ حبّه إيمان وبغضه كفر، وإنّما خلقت الجنّة لأهل الإيمان والنّار لأهل الكفر، فهو- عليه السّلام- قسيم الجنّة والنّار لهذه العلّة، فالجنّة لا يدخلها إلّا أهل محبّته والنّار لا يدخلها إلّا أهل بغضه.
قال المفضّل: فقلت: يا ابن رسول اللّه، فالأنبياء والأوصياء كانوا يحبّونه وأعداؤهم كانوا يبغضونه؟
قال: نعم.
قلت: وكيف ذاك؟
قال: أما علمت أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال يوم خيبر: لأعطينّ الرّاية غدا رجلا يحبّ اللّه ورسوله [و يحبّه اللّه ورسوله] ، لا يرجع حتّى يفتح اللّه على يديه.
و دفع الرّاية إلى عليّ- عليه السّلام- ففتح اللّه- عزّ وجلّ- على يديه؟
قلت: بلى.
فقال: أما علمت أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا اتي بالطّائر المشويّ، قال:
اللّهمّ، ائتني بأحبّ خلقك إليك [و إليّ] يأكل معي [من هذا الطّائر] وعنى به:
عليّا؟
قلت: بلى.
قال: فهل يجوز أن لا يحبّ أنبياء اللّه ورسله وأوصياؤهم رجلا يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله؟
فقلت: لا.
قال: فهل يجوز أن يكون المؤمنون من أممهم لا يحبّون حبيب اللّه وحبيب رسوله وأنبيائه؟
قلت: لا.قال: فقد ثبت أنّ جميع أنبياء اللّه ورسله وجميع المؤمنين محبّون له، وثبت أنّ أعداءهم والمخالفين لهم كانوا له ولجميع أهل بيته مبغضين؟
قلت: نعم.
قال: فلا يدخل الجنّة إلّا من أحبّه من الأوّلين والآخرين، [و لا يدخل النّار إلّا من أبغضه من الأوّلين والآخرين] ، فهو إذا قسيم الجنّة والنّار.
قال المفضّل: فقلت: يا ابن رسول اللّه، فرّجت عنّي، فرّج اللّه عنك.