سورة العلق
مكّيّة.
و آيها تسع عشرة أو عشرون.
بسم الله الرحمن الرحيم
في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ في يومه أو ليلته اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ثمّ مات في يومه أو ليلته، مات شهيدا، وبعثه اللّه شهيدا، وأحياه شهيدا، وكان كمن ضرب بسيفه في سبيل اللّه مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
[و روي عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-] قال: العزائم الم تنزيل وحم السجدة واقرأ باسم ربك وما عداها في جميع القرآن مسنون ليس بمفروض.
و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ العزائم اقرأ باسم ربك الذي خلق والنجم وتنزيل السجدة وحم السجدة.
و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الحسين بن خالد قال: قال الرّضا- عليهالسّلام-: سمعت أبي يحدّث، عن أبيه أنّ أوّل سورة نزلت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ وآخر سورة نزلت : إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ.
و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، وسهل بن زياد، عن منصور بن العبّاس، عن محمّد [بن الحسن] بن السّريّ، عن عمّه، عليّ بن السّريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أوّل ما نزل على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وآخره: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: وإنّه كانت أوّل سورة نزلت اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (الحديث).
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، أي: اقرأ القرآن مفتتحا باسمه- تعالى-، أو مستعينا به.
الَّذِي خَلَقَ ، أي: الّذي له الخلق، أو الّذي خلق كلّ شيء، ثمّ أفرد ما هو أشرف وأظهر صنعا وتدبيرا، وأدلّ على وجوب العبادة المقصودة من القراءة، فقال: خَلَقَ الْإِنْسانَ. أو الّذي خلق الإنسان. فأبهم أوّلا ثمّ فسّر، تفخيما لخلقه ودلالة على عجيب فطرته.
مِنْ عَلَقٍ . جمعه ، لأنّ الإنسان في معنى الجمع. ولمّا كان أوّل الواجبات معرفة اللّه نزّل أوّلا ما يدلّ على وجوده وفرط قدرته وكمال حكمته.
اقْرَأْ: تكرير للمبالغة. أو الأوّل مطلق، والثّاني للتّبليغ أو في الصّلاة. ولعلّه لمّا قيل له: اقرأ باسم ربّك، قال: ما أنا بقارئ، فقيل له: اقرأ.
وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ : الزّائد في الكرم على كلّ كريم، فإنّه ينعم بلا عوض ويحلم من غير تخوّف، بل هو الكريم وحده على الحقيقة.
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، أي: الخطّ بالقلم ، وقد قرئ به، ليقيّد به العلم ويعلم به البعيد.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال عليّ بن إبراهيم: عَلَّمَ بِالْقَلَمِ قال: علّم الإنسان بالكتابة، الّتي بها تتمّ أمور الدّنيا في مشارق الأرض ومغاربها.
عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ : بخلق القوى ونصب الدّلائل وإنزال الآيات، فيعلّمك القراءة وإن لم تكن قارئا.
و قد عدّ- تعالى- مبدأ أمر الإنسان ومنتهاه، إظهارا لما أنعم عليه، من أن نقله من أخسّ المراتب إلى أعلاها تقريرا لربوبيّته وتحقيقا لأكرميّته، وأشار أوّلا إلى ما يدلّ على معرفته عقلا، ثمّ نبّه على ما يدلّ عليها سمعا.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا أحمد بن محمّد الشّيباني قال: حدّثنا محمّد ابن أحمد قال: حدّثنا إسحاق بن محمّد قال: حدّثنا محمّد بن عليّ قال: حدّثنا عثمان بن يوسف، عن عبد اللّه بن كيسان، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: نزل جبرئيل على محمّد فقال: يا محمّد، اقرأ.
قال: وما أنا أقرأ ؟! قال: اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، يعني: خلق نورك القديم»
قبل الأشياء. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ، يعني: خلقك من نطفة وشقّ منك عليّا. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، يعني: علّم عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.
عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ، يعني: علّم عليّا من الكتابة ما لم يعلم قبل ذلك.
كَلَّا: ردع لمن كفر بنعمة اللّه لطغيانه وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه.
إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ، أي: رأى نفسه.
و «استغنى» مفعوله الثّاني، لأنّه بمعنى: علم، ولذلك جاز أن يكون فاعله ومفعوله ضميرين لواحد.
و قرأ قنبل، بقصر الهمزة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى قال: إنّ الإنسان إن استغنى يكفر ويطغى وينكر.إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى
.
الخطاب للإنسان على الالتفات، تهديدا وتحذيرا من عاقبة الطّغيان.
و «الرّجعى» مصدر، كالبشرى.
أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى .
قيل : نزلت في أبي جهل، قال: لو رأيت محمّدا ساجدا لوطأت عنقه، فجاءه ثمّ نكص على عقبيه.
فقيل له: مالك؟
فقال: إنّ بيني وبينه لخندقا من نار، وهولا، وأجنحة. فنزلت.
و لفظ «العبد» وتنكيره للمبالغة في تقبيح النّهي، والدّلالة على كمال عبوديّة المنهيّ.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى قال:
كان الوليد بن المغيرة ينهى النّاس عن الصّلاة وأن يطاع اللّه ورسوله، فقال: أَ رَأَيْتَ الَّذِي (الآية).
و في من لا يحضره الفقيه : روى عبد الواحد بن المختار الأنصاريّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن صلاة الضّحى.
فقال: أوّل من صلّاها قومك، إنّهم كانوا من الغافلين، فيصلّونها ولم يصلّها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
و قال: إنّ عليّا- عليه السّلام- مرّ برجل وهو يصلّيها، فقال عليّ- عليه السّلام-:
ما هذه الصّلاة؟
قال: ادعها، يا أمير المؤمنين؟
فقال عليّ- عليه السّلام-: أكون أنهى عبدا إذا صلّى.
أَ رَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى .
«أ رأيت» تكرير للأوّل، وكذا الّذي في قوله: أَ رَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى ، والشّرطيّة مفعوله الثّاني. وجواب الشّرط الأوّل محذوفدلّ عليه جواب الشّرط الثّاني، الواقع موقع القسيم له.
و المعنى: أخبرني عمّن ينهى بعض عباد اللّه عن صلاته، إن كان ذلك النّاهي على هدى فيما ينهى عنه، أو آمرا [بالتقوى] فيما يأمر به من عبادة الأوثان، كما يعتقده. أو إن كان على التّكذيب للحقّ والتّولّي عن الصّواب، كما تقول: ألم يعلم بأنّ اللّه يرى ويطّلع على أحواله من هداه وضلاله.
و قيل : المعنى: أ رأيت الّذي ينهى عبدا يصلّي، والمنهيّ على الهدى آمر بالتّقوى، والنّاهي مكذّب متولّ، فما أعجب من ذا ؟! وقيل : الخطاب في الثّانية مع الكافر، فإنّه- تعالى- كالحاكم الّذي حضره الخصمان، يخاطب هذا مرّة والآخر أخرى، وكأنّه قال: يا كافر، أخبرني إن كان صلاته هدى و دعاؤه إلى اللّه أمرا بالتّقوى، أ تنهاه؟! ولعلّه ذكر الأمر بالتّقوى في التّعجّب والتّوبيخ ولم يتعرّض له في النّهي، لأنّ النّهي كان عن الصّلاة والأمر بالتّقوى. واقتصر على ذكر الصّلاة، لأنّه دعوة بالفعل، أو لأنّ نهي العبد إذا صلّى يحتمل أن يكون لها ولغيرها، وعامّة أحواله محصورة في تكميل نفسه بالعبادة وغيره بالدّعوة.
كَلَّا: ردع للنّاهي.
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ: عمّا هو فيه.
لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ : لنأخذنّ بناصيته ولنسحبنّه بها إلى النّار.
و «السّفع» القبض على الشّيء وجذبه بشدّة.
و قرئ : «لنسفعنّ» بنون مشدّدة، و«لأسفعنّ». وكتبته في المصحف «بالألف» على حكم الوقف والاكتفاء «باللّام» عن الإضافة، للعلم بأنّ المراد ناصيته المذكورة.
ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ : بدل من «النّاصية». وإنّما جاز، لوصفها .و قرئت بالرّفع، على «هي ناصية». والنّصب، على الذّم. ووصفها بالكذب والخطأ، وهما لصاحبها، على الإسناد المجازيّ للمبالغة.
فَلْيَدْعُ نادِيَهُ ، أي: أهل ناديه ليعينوه، وهو المجلس الّذي ينتدي فيه القوم.
قيل : إنّ أبا جهل مرّ برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو يصلّي، فقال: ألم أنهك، فأغلظ له رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، فقال: أ تهدّدني وأنا أكثر أهل الوادي ناديا. فنزلت.
سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ : ليجرّوه إلى النّار. وهو في الأصل: الشّرط، واحدها زبنية، كعفرية، من الزّبن: وهو الدّفع. أو زبنيّ على النّسب، وأصلها: زباني، والتّاء معوّضة عن الياء.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ قال: لمّا مات أبو طالب، فنادى أبو جهل والوليد- عليهما لعائن اللّه-: هلمّ فاقتلوا محمّدا، فقد مات الّذي كان ناصره.
فقال اللّه- تعالى-: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ قال: كما دعا إلى قتل محمّد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نحن، أيضا، ندع الزّبانية.
كَلَّا: ردع- أيضا- للنّاهي.
لا تُطِعْهُ، أي: اثبت أنت على طاعتك.
وَ اسْجُدْ: ودم على سجودك.
وَ اقْتَرِبْ : وتقرّب إلى ربّك.
و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء من الأخبار المأثورة عن الرّضا- عليه السّلام-: حدّثنا أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ الوشّاء قال: سمعت الرّضا يقول: أقرب ما يكون العبد من اللّه وهو ساجد، وذلك قوله: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ.
[و في الكافي : عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن الوشّاء قال: سمعتالرضا- عليه السّلام- يقول: أقرب ما يكون العبد من اللّه وهو ساجد، وذلك قوله- عزّ وجلّ-: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ] .
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة الحذّاء، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا قرأ أحدكم السّجدة من العزائم، فليقل في سجوده: سجدت لك [يا ربّ،] تعبّدا ورقّا، لا مستكبرا عن عبادتك ولا مستنكفا ولا مستعظما ، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير.
و في من لا يحضره الفقيه : وقال الصّادق- عليه السّلام-: أقرب ما يكون العبد إلى اللّه وهو ساجد، قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ.
و قد روي أنّه يقول في سجدة العزائم: لا إله إلّا اللّه حقّا حقّا، لا إله إلّا اللّه إيمانا وتصديقا، لا إله إلّا اللّه عبوديّة ورقا، سجدت لك، يا ربّ، تعبّدا ورقّا، لا مستنكفا ولا مستكبرا، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير، ثمّ يرفع رأسه، ثمّ يكبّر.
و في مجمع البيان : وفي الحديث عن عبد اللّه بن مسعود، أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: أقرب ما يكون العبد من اللّه إذا كان ساجدا.
و في عوالي اللّآلي : وروى في الحديث، أنّه لمّا نزل قوله: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ سجد النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-، فقال في سجوده: أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.