سورة الطّارق
مكّيّة.
و آيها ستّ، أو سبع عشرة آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من كانت قراءته في فرائضه بالسّماء والطّارق، كان له عند اللّه يوم القيامة جاه ومنزلة، وكان من رفقاء النّبيّين وأصحابهم في الجنّة.
و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، عن النبي- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأها، أعطاه اللّه بعدد كلّ نجم في السّماء عشر حسنات.
وَ السَّماءِ وَالطَّارِقِ : والكوكب البادي باللّيل. هو في الأصل لسالك الطّريق، واختصّ عرفا بالآتي ليلا، ثمّ استعمل للبادي فيه.
وَ ما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ .
قيل : أي: المضيء، كأنّه يثقب الظّلام بضوئه فينفذ فيه، أو الأفلاك. والمراد:
الجنس، أو المعهود بالثّقب، وهو زحل ، عبّر عنه أوّلا بوصف عامّ ثمّ فسّره بما يخصّهتفخيما لشأنه.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم»
: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ قال: «الطّارق» النّجم الثّاقب وهو نجم العذاب، ونجم القيامة وهو زحل في أعلى المنازل .
حدّثنا جعفر بن أحمد ، عن عبيد اللّه بن موسى، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ قال: «السّماء» في هذا الموضع أمير المؤمنين- عليه السّلام-. و«الطّارق» الّذي يطرق الأئمّة من عند اللّه ممّا يحدث باللّيل والنّهار، وهو الرّوح الّذي مع الأئمّة يسدّدهم.
قلت: النَّجْمُ الثَّاقِبُ؟
قال: ذاك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
و في كتاب الخصال : عن أبان بن تغلب قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن، وذكر حديثا طويلا، وفيه: فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:
فما زحل عندكم في النّجوم؟
قال اليمانيّ: نجم نحس.
فقال له أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: [مه!] لا تقولنّ هذا، فإنّه نجم أمير المؤمنين- عليه السّلام-، وهو نجم الأوصياء، وهو النّجم الثّاقب الّذي قال اللّه في كتابه.
فقال له اليمانيّ: فما يعني بالثّاقب؟
قال: لأنّ مطلعه في السّماء السّابعة، وإنّه ثقب بضوئه حتّى أضاء في السّماء الدّنيا، فمن ثمّ سمّاه اللّه النّجم الثّاقب.
إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها، أي: إن الشّأن كلّ نفس لعليها.حافِظٌ : رقيب. «فإنّ» المخفّفة، و«اللّام» الفاصلة، و«ما» زائدة.
و قرأ ابن عمر وعاصم وحمزة: «لمّا» على أنّها بمعنى: إلّا، و«إن» نافية، والجملة على الوجهين جواب القسم.
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ .
لمّا ذكر إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ أتبعه توصية الإنسان بالنّظر في بداءته ليعلم صحّة إعادته، فلا يملي على حافظه، إلّا ما يسرّه في عاقبته.
خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ : جواب الاستفهام.
و ماءٍ دافِقٍ بمعنى: ذي دفق، وهو صبّ فيه دفع، والمراد: الممتزج من الماءين في الرّحم لقوله: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ : من بين صلب الرّجل وترائب المرأة، وهي عظام صدرها.
و لو صحّ أنّ النّطفة تتولّد من فضل الهضم الرّابع وتنفصل عن جميع الأعضاء حتّى تستعدّ لأن يتولّد منها مثل تلك الأعضاء، ومقرّها عروق ملتفّ بعضها بالبعض عند البيضتين، فلا شكّ أنّ الدّماغ أعظم الأعضاء معونة في توليدها، ولذلك تشبهه ويسرع الإفراط بالجماع بالضّعف فيه، وله خليفة وهو النّخاع، وهو في الصّلب وشعبة كثيرة نازلة إلى التّرائب، وهما أقرب إلى أوعية المنيّ فلذلك خصّا بالذّكر.
و قرئ : «الصّلب» بفتحتين. و«الصّلب» بضمّتين. وفيه لغة رابعة، وهي «صالب».
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ قال: الملائكة.
قوله: خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ قال: النّطفة الّتي تخرج بقوّة. يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ قال: «الصّلب» الرّجل، و«التّرائب» المرأة، وهي صدرها.
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ: قال أبو محمد الحسن العسكريّ- عليه السّلام-: سأل عبد اللّه بن صوريا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: أخبرني، يا محمّد، الولد يكون من الرّجل أو المرأة؟فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أمّا العظام والعصب والعروق فمن الرّجل، وأمّا اللّحم والدّم والشّعر فمن المرأة.
قال: صدقت، يا محمّد.
ثمّ قال: فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شيء، ويشبه أخواله وليس فيه من شبه أعمامه شيء؟
فقال- صلّى اللّه عليه وآله-: أيّهما علا ماؤه ماء صاحبه كان الشّبه له.
قال: صدقت، يا محمّد.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و عن ثوبان قال: إنّ يهوديّا قال لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أفلا أسألك عن شيء لا يعلمه إلّا نبيّ؟
قال: وما هو؟
قال: عن شبه الولد بأبيه وأمّه.
قال: ماء الرّجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق، فإذا علا ماء الرّجل ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن اللّه ومن قبل ذلك يكون الشّبه، وإذا علا ماء المرأة ماء الرّجل خرج الولد أنثى بإذن اللّه ومن قبل ذلك يكون الشّبه.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده: عن أنس بن مالك، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، يقول فيه لعبد اللّه بن سلام وقد سأله عن مسائل: وإذا سبق ماء الرّجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه.
و بإسناده إلى محمّد بن عبد اللّه بن زرارة: عن عليّ بن عبد اللّه، عن أبيه، عن جدّه، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: تعتلج النّطفتان في الرّحم فأيّتهما كانت أكثر جاءت بشبهها ، فإن كانت نطفة المرأة أكثر جاءت بشبه [أخواله، وإن كانت نطفةالرجل اكثر جاءت بشبه ] أعمامه.
و قال: تجول النّطفة في الرّحم أربعين يوما، فمن أراد أن يدعو اللّه، ففي تلك الأربعين قبل أن تخلق. ثمّ يبعث اللّه ملك الأرحام فيأخذها فيصعد بها إلى اللّه- عزّ وجلّ- فيقف [منه] ما شاء اللّه، فيقول: يا إلهي، أذكر أم أنثى؟ فيوحي اللّه ما يشاء، ويكتب الملك.
و بإسناده إلى داود بن القاسم الجعفريّ: عن أبي جعفر الثّاني، عن الحسن بن عليّ- عليه السّلام- أنّه قال مجيبا للخضر بأمر أمير المؤمنين، وقد سأل أمير المؤمنين عن مسائل: وأمّا ما ذكرت من أمر الرّجل يشبه [ولده] أعمامه وأخواله، فإنّ الرّجل إذا أتى أهله بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير مضطرب استكنت تلك النّطفة في تلك الرّحم فخرج الولد يشبه أباه وأمّه، وإن هو أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب اضطربت تلك النّطفة في جوف تلك الرّحم فوقعت على عرق [من العروق. فإن وقعت على عرق] من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه، فإن وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله.
و بإسناده إلى عليّ بن أبي حمزة: عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- فقلت له: إن الرّجل ربّما أشبه أخواله، وربّما أشبه أباه، وربّما أشبه عمومته.
فقال- عليه السّلام-: إنّ نطفة الرّجل بيضاء غليظة ونطفة المرأة صفراء رقيقة، فإن غلبت نطفة الرّجل [نطفة المرأة] أشبه الرّجل أباه وعمومته، وإن غلبت نطفة المرأة [نطفة الرجل] أشبه الرّجل أخواله.
و بإسناده1» إلى ابن بكير: عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: المولود يشبه أباه وعمّه.قال: إذا سبق ماء الرّجل ماء المرأة فالولد يشبه أباه وعمّه، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرّجل يشبه الولد أمّه وأخواله.
إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ : والضّمير للخالق، ويدلّ عليه «خلق».
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ كما خلقه من نطفة يقدر أن يردّه إلى الدّنيا وإلى القيامة.
يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ : تتعرّف وتميّز، بين ما طاب من الضّمائر وما خفي من الأعمال وما خبث منها. وهو ظرف «لرجعه».
و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-: وقوله: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ. قال:
يكشف عنها.
و في مجمع البيان : والسَّرائِرُ أعمال ابن آدم والفرائض الّتي أوجبت عليه، وهي سرائر بين اللّه والعبد. و«تبلى»، أي: تختبر تلك السّرائر يوم القيامة حتّى يظهر خيرها من شرّها، ومؤدّيها من مضيّعها.
روي ذلك مرفوعا: عن أبي الدّرداء، قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ضمنّ اللّه خلقه أربع خصال: الصّلاة، والزّكاة، وصوم شهر رمضان، والغسل من الجنابة، وهي السّرائر الّتي قال اللّه- تعالى-: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ.
و عن معاذ بن جبل قال: سألت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ما هذه السّرائر الّتي ابتلى اللّه بها العباد في الآخرة؟
فقال: سرائركم، هي أعمالكم من الصّلاة والصّيام والزّكاة والوضوء والغسل من الجنابة وكلّ مفروض، لأنّ الأعمال كلّها سرائر خفيّة، فإن شاء الرّجل قال:
صلّيت. ولم يضلّ، وإن شاء قال: توضّأت. ولم يتوضأ، فذلك قوله: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ.
و في مصباح شيخ الطّائفة ، خطبة لعليّ- عليه السّلام- خطب بها يوم الغدير،و فيها يقول: إنّ هذا يوم عظيم الشّأن.
... إلى قوله: ويوم كمال الدّين. هذا يوم إبلاء السّرائر.
فَما لَهُ: فما للإنسان.
مِنْ قُوَّةٍ: من منعة في نفسه يمتنع بها.
وَ لا ناصِرٍ : يمنعه .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا جعفر، عن عبد اللّه بن موسى، عن الحسن بن عليّ، عن [ابن] أبي حمزة، عن أبي بصير في قوله: فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ قال:
ما له من قوّة يقوى بها على خالقه، ولا ناصر من اللّه ينصره إن أراد به سوءا.
وَ السَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ .
قيل : ترجع في كلّ دورة إلى الموضع الّذي تتحرّك عنه.
و قيل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الرّجع» المطر، سمّي به، كما سمّي أوبا، لأنّ اللّه يرجعه وقتا فوقتا.
أو لما قيل: من أنّ السّحاب يحمل الماء من البحار ثمّ يرجعه إلى الأرض، وعلى هذا يجوز أن يراد بالسّماء: السّحاب.
وَ الْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ : ما يتصدّع عنه الأرض من النّبات، أو الشّقّ بالنّبات والعيون.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ قال: ذات المطر. وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ، أي: ذات النّبات.
إِنَّهُ، أي: القرآن.
لَقَوْلٌ فَصْلٌ : فاصل بين الحقّ والباطلّ.
و في مجمع البيان : يعني: أنّ القرآن يفصل بين الحقّ والباطل بالبيان عن كلّ واحد منهما. وروي ذلك عن الصّادق- عليه السّلام-.وَ ما هُوَ بِالْهَزْلِ : فإنّه جدّ كلّه.
إِنَّهُمْ: يعني: أهل مكّة.
يَكِيدُونَ كَيْداً : في إبطاله وإطفاء نوره.
وَ أَكِيدُ كَيْداً : وأقابلهم بكيدي في استدراجي لهم وانتقامي منهم، بحيث لا يحتسبون.
فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ: فلا تشتغل بالانتقام منهم. أو لا تستعجل بإهلاكهم.
أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً : إمهالا يسيرا. والتّكرير وتغيير البنية لزيادة التّسكين.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بقوله: إن أراد به سوءا. قلت: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً.
قال: كادوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وكادوا عليّا، وكادوا فاطمة، فقال اللّه: يا محمّد إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ يا محمّد أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً لوقت بعث القائم فينتقم لي من الجبّارين والطّواغيت، من قريش وبني أميّة وسائر النّاس.
[و فيه : فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً قال: دعهم قليلا] .