و هي تسع أو ثمان وأربعون آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي عبد اللَّه وأبي جعفر- عليهما السّلام- قالا: من قرأ سورة الطّور، جمع اللَّه له خير الدّنيا والآخرة.
و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: من قرأ سورة والطّور، كان حقّا على اللَّه أن يؤمنه من عذابه وينعمه في جنّته.
وَ الطُّورِ .
قيل : يريد طور سينين، وهو جبل بمدين سمع فيه موسى كلام اللَّه.
و «الطّور» الجبل بالسّريانيّة. أو ما طار من أوج الإيجاد إلى حضيض الموادّ، أو من عالم الغيب إلى عالم الشّهادة.
وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ : مكتوب.
و «السّطر» ترتيب الحروف المكتوبة.
قيل : المراد به: القرآن، أو ما كتبه اللَّه في اللّوح المحفوظ، أو ألواح موسى، أوفي قلوب أنبيائه وأوصيائه من المعارف والحكم، أو ما يكتبه الحفظة.
فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ .
«الرّقّ» الجلد الّذي يكتب فيه، استعير لما كتب فيه الكتاب. وتنكيرهما للتّعظيم، أو الإشعار بأنّهما ليسا من المتعارف فيما بين النّاس.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ قال: «الطّور» جبل بطور سيناء. وَكِتابٍ مَسْطُورٍ، أي: مكتوب فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ .
و في مهج الدّعوات لابن طاوس، دعاء مرويّ عن الزّهراء- عليها السّلام- وفيه: الحمد للَّه الّذي خلق النّور، وأنزل النّور على الطّور، في كتاب مسطور، في رقّ منشور، بقدر مقدور، على نبيّ محبور.
و في شرح الآيات الباهرة ، روي بإسناد متّصل: عن عليّ بن سليمان، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله: وَكِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ قال:
كتاب كتبه اللَّه- عزّ وجلّ- في ورقه آس، ووضعه على عرشه قبل خلق الخلق بألفي عام:
يا شيعة آل محمّد- صلوات اللَّه عليهم-، إنّي أنا اللَّه، أجبتكم قبل. أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني.
وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ .
قيل : يعني: الكعبة، وعمارتها بالحجّاج والمجاورين. أو الضّراح وهو في السّماء الرّابعة، وعمارته كثرة غاشيته من الملائكة. أو قلب المؤمن، وعمارته بالمعرفة والإخلاص.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ قال: هو في السّماء الرّابعة وهو الضّراح، يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك ثمّ لا يعودون إليه أبدا.و في مجمع البيان : روي عن الباقر- عليه السّلام- أنّه قال: إنّ اللَّه- تعالى- وضع تحت العرش أربع أساطين، وسمّاهنّ الضّراح، وهو البيت المعمور، وقال للملائكة:
طوفوا به. ثمّ بعث ملائكة فقال: ابنوا في الأرض بيتا بمثاله وقدره. وأمر من في الأرض أن يطوفوا بالبيت.
و فيه- أيضا- : وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وهو بيت في السّماء الرّابعة بحيال الكعبة، تعمره الملائكة بما يكون منها فيه من العبادة ... عن ابن عبّاس ومجاهد.
و روي- أيضا- : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: ويدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك ثمّ لا يعودون إليه أبدا.
و عن الزّهريّ ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة، عن النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: البيت المعمور في السّماء الرّابعة ، وفي السّماء الرّابعة نهر يقال له:
الحيوان، يدخل فيه جبرئيل كلّ يوم طلعت فيه الشّمس، وإذا خرج انتقض انتقاضة جرت عنه سبعون ألف قطرة، يخلق اللَّه من كلّ قطرة ملكا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور فيصلّون فيه، فيفعلون ثمّ لا يعودون إليه أبدا.
و عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: البيت المعمور الّذي في السّماء [الدنيا] يقال له: الضّراح، وهو بفناء البيت الحرام لو سقط لسقط عليه، يدخله كلّ يوم ألف ملك لا يعودون إليه أبدا.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، حديث طويل عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- ذكرناه بتمامه [في أوّل الإسراء] ، وفيه يقول- صلّى اللَّه عليه وآله-: فقلت: يا جبرئيل، من هذا الّذي في السّماء السّابعة على باب البيت المعمور في جوار اللَّه؟
فقال: هذا أبوك، إبراهيم.و في تفسير العيّاشي : عن عبد الصّمد بن شيبة ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل في معراج رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. وفي أواخره: فلمّا فرغ من مناجاته رد إلى البيت المعمور، وهو في السّماء السّابعة بحذاء الكعبة.
أقول: يمكن رفع الاختلاف بين تلك الأخبار بأن يقال: في السّماء السّابعة مطاف للملائكة يسمّى بالبيت المعمور بحذاء البيت المعمور الّذي في السّماء الرّابعة المحاذية للكعبة، يدخله كلّ يوم ألف ملك [، كما يدخل الّذي في السّماء الرّابعة كلّ يوم سبعون ألف ملك،] وتلك السّبعون هي الّتي خلقت من قطرات جبرئيل .
وَ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ، يعني: السّماء.
و في أصول الكافي : بعض أصحابنا رفعه، عن محمّد بن سنان، عن داود بن كثير الرّقيّ قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: ما معنى السّلام على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-؟
فقال: إنّ اللَّه لمّا خلق نبيّه ووصيّة [و ابنته] وابنيه وجميع الأئمّة وخلق شيعتهم أخذ عليهم الميثاق، وأن يصبروا ويصابروا ويرابطوا، وأن يتّقوا اللَّه، ووعدهم أن يسلّم لهم الأرض المباركة والحرم الآمن، وأن ينزّل لهم البيت المعمور، ويظهر لهم السّقف المرفوع ويريحهم من عدوّهم، والأرض التي يبدّلها اللَّه من السّلام، ويسلّم ما فيها لهم «لا شية فيها» قال: لا خصومة فيها لعدوّهم، وأن يكون لهم فيها ما يحبّون.و أخذ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- على جميع الأمّة [و الأئمة] وشيعتهم الميثاق بذلك، وإنّما [السّلام عليه] تذكرة نفس الميثاق وتجديد له على اللَّه لعلّه أن يعجّله ويعجّل السّلام لكم بجميع ما فيه.
و في كتاب الإهليلجة : قال الصّادق- عليه السّلام- في كلام طويل، فخلق السّماء سقفا مرفوعا، ولو لا ذلك لأظلم على خلقه بقر بها ولأحرقتهم الشّمس لدنوّها [و حرارتها] .
و في مجمع البيان : وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وهو السّماء ... عن عليّ- عليه السّلام-.
وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ، أي: المملوء، وهو المحيط. أو الموقد من قوله: «و إذا البحار سجّرت». أو المختلط، من السّجير، وهو الخليط.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ قال: يسجر يوم القيامة.
و في مجمع البيان : وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ، أي: المملوء ... عن قتادة.
و قيل : هو الموقد المحمى بمنزلة التّنور ... عن مجاهد والضّحّاك والأخفش وابن زيد.
ثمّ قيل : إنّه تحمى البحار يوم القيامة فتجعل نارا، ثم يفجر بعضها في بعض، ثمّ تفجر إلى النّار. ورد به الحديث.
و في تفسير العيّاشي : عن الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ يونس لمّا آذاه قومه. وذكر حديثا طويلا، وفيه: فألقى نفسه فالتقمه الحوت، فطاف به البحار السّبعة حتّى صار إلى البحر المسجور، وبه يعذّب قارون.إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ : لنازل.
ما لَهُ مِنْ دافِعٍ : يدفعه.
و وجه دلالة هذه الأمور المقسم بها على ذلك، أنّها أمور تدلّ على كمال قدرة اللَّه وحكمته وصدق أخباره وضبط أعمال العباد للمجازاة.
يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً : تضطرب اضطرابا.
و «المور» تردّد في المجيء والذّهاب.
و قيل : تحرّك في تموّج. و«يوم» ظرف .
وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً ، أي: تسير على وجه الأرض فتصير هباء.
و في تفسير علي بن إبراهيم ، بإسناده إلى ثوير بن أبي فاختة: عن عليّ بن الحسين- عليه السّلام- قال: سئل عن النّفختين: كم بينهما؟
قال: ما شاء اللَّه.
... إلى قوله: ويخرج الصّوت من الطّرف الّذي يلي السّموات، فلا يبقى [في السموات] ذو روح إلّا صعق ومات إلّا إسرافيل [فيمكثون في ذلك ما شاء اللَّه] .
قال: فيقول اللَّه لإسرافيل: مت. فيموت إسرافيل، فيمكثون في ذلك ما شاء اللَّه، ثم يأمر اللَّه السّموات فتمور ويأمر الجبال فتسير، وهو قوله: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً يعني تبسط.
(الحديث) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ، أي: إذا وقع ذلك فويل لهم.
الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ ، أي: الخوض في الباطل.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ قال: يخوضون في المعاصي.
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا : يدفعون إليها بعنف، وذلك بأن تغلّ أيديهم إلى أعناقهم وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم فيدفعون إلى النّار.و قرئ : «يدعون» من الدعاء، فيكون «دعّا» حالا، بمعنى: مدعوعين، و«يوم» بدل من «يوم تمور» أو ظرف لقول مقدّر محكيّ.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : [و قوله:] يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا قال:
يدفعون في النّار.
و
قال: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لمّا مرّ بعمرو بن العاص وعقبة بن أبي معيط، وهما في حائط يشربان ويغنّيان بهذا البيت في حمزة بن عبد المطّلب حين [قتل] :
كم من حواريّ تلوح عظامه وراء الحرب أن يجرّ فيقبرا
فقال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: اللّهمّ، العنهما واركسهما في الفتنة ركسا، ودعّهما في النّار دعّا.
هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ ، أي: يقال لهم ذلك.
أَ فَسِحْرٌ هذا، أي: كنتم تقولون للوحي: هذا سحر، أ فهذا المصداق- أيضا- سحر.
و تقديم الخبر لأنّه المقصود بالإنكار والتّوبيخ.
أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ : هذا- أيضا- كما كنتم لا تبصرون في الدّنيا ما يدلّ عليه، وهو تقريع وتهكّم. أو: أم سدّت أبصاركم، كما سدّت فيها ، على زعمكم حين قلتم: إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا .
اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا، أي: ادخلوها على أيّ وجه شئتم من الصّبر وعدمه، فإنّه لا محيص لكم عنها.
سَواءٌ عَلَيْكُمْ، أي: الأمران: الصّبر وعدمه.
إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ : تعليل للاستواء، فإنّه لمّا كانالجزاء واجب الوقوع كان الصّبر وعدمه سيّين في عدم النّفع.
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ : في أيّة جنّات وأيّ نعيم. أو في جنّات ونعيم مخصوصة بهم.
فاكِهِينَ: ناعمين متلذّذين بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ.
و قرئ : «فكهين». و«فاكهون» على أنّه الخبر والظّرف لغو.
وَ وَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ : عطف على «آتاهم»- إن جعل «ما» مصدريّة- أو «في جنّات». أو حال بإضمار «قد» من المستكنّ في الظّرف، أو الحال، أو من فاعل «أتى» أو مفعوله أو منهما.
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً، أي: أكلا وشربا هنيئا، أو طعاما وشرابها هنيئا وهو الّذي لا تنغيص فيه.
بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ : بسببه، أو بدله.
و قيل : «الباء» زائدة و«ما» فاعل «هنيئا»، والمعنى: هنأكم ما كنتم تعملون، أي: جزاؤه.
مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ: مصطفّة. وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ .
«الباء» لما في التّزويج من معنى الوصل والإلصاق. أو للسّببيّة، إذ المعنى:
صيرناهم أزواجا بسببهنّ. أو لما في التّزويج من معنى الإلصاق والقران، ولذلك عطف وَالَّذِينَ آمَنُوا: على «حوار»، أي: قرنّاهم بأزواج حور ورفقاء مؤمنين.
و قيل : إنّه مبتدأ خبره «ألحقنا بهم»، [و قوله:] وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ: اعتراض للتّعليل.
و قرأ ابن عامر ويعقوب: «ذرّيّاتهم» بالجمع وضمّ التّاء، للمبالغة في كثرتهم، والتّصريح بأنّ الذّرّيّة تقع على الواحد والكثير.
و قرأ أبو عمرو: «و أتبعناهم ذريّاتهم»، أي: جعلناهم تابعين لهم في الإيمان.و قيل : «بإيمان» حال من الضّمير، أو «الذّرّيّة»، أو منهما ، وتنكيره للتّعظيم، أو للإشعار بأنّه يكفي للإلحاق المتابعة في أصل الإيمان .
أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ: في دخول الجنّة، أو الدّرجة.
و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن غير واحد رفعوه، أنّه سئل عن الأطفال.
فقال: إذا كان يوم القيامة جمعهم [اللَّه] وأجّج لهم نارا وأمرهم أن يطرحوا أنفسهم فيها، فمن كان في علم اللَّه- عزّ وجلّ- أنّه سعيد، رمى بنفسه فيها وكانت عليه بردا وسلاما، ومن كان في علمه أنّه شقيّ امتنع ، فيأمر اللَّه بهم إلى النّار.
فيقولون: يا ربّنا، تأمر بنا إلى النّار ولم تجر علينا القلم؟
فيقول الجبّار: قد أمرتكم مشافهة فلم تطيعوني، فكيف ولو أرسلت رسلي بالغيب إليكم؟
و في حديث آخر : أمّا أطفال المؤمنين فيلحقون بآبائهم وأولاد المشركين يلحقون بآبائهم، وهو قول اللَّه- عزّ وجلّ-: بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذرياتهم .
عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن ابن بكير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذرياتهم قال: فقال: قصرت الأبناء عن عمل الآباء، فألحقوا الأبناء بالآباء لتقرّ بذلك أعينهم.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن سليمان الدّيلميّ، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ أطفال شيعتنا من المؤمنين تربّيهم فاطمة- عليها السّلام-.
و قوله: [ألحقنا بهم] ذرياتهم قال: يهدون إلى آبائهم يوم القيامة.
و في من لا يحضره الفقيه : وفي رواية الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه كفّل إبراهيم وسارة أطفال المؤمنين، يغذّونهم بشجرة في الجنّة، لها أخلاف كأخلاف البقر في قصر من درّة. فإذا كان يوم القيامة البسوا وطيّبوا واهدوا إلى آبائهم، فهم ملوك في الجنّة مع آبائهم، وهذا قول اللَّه- عزّ وجلّ-: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم.
و في مجمع البيان : وروى زاذان، عن عليّ- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ المؤمنين وأولادهم في الجنّة. ثمّ قرأ هذه الآية.
و روي عن الصّادق- عليه السّلام- قال: أطفال المؤمنين يهدون إلى آبائهم يوم القيامة.
و في أمالي شيخ الطّائفة ، بإسناده إلى محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- وجعفر بن محمّد- عليه السّلام- يقولان: إنّ اللَّه- تعالى- عوّض الحسين- عليه السّلام- من قتله أن جعل في ذرّيّته الإمامة، والشّفاء في تربته، وإجابة الدّعاء عند قبره، ولا تعدّ أيّام زيارته جائيا وراجعا من عمره.
قال محمّد بن مسلم: فقلت لأبي أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: هذه الخلال تنال بالحسين، فما له في نفسه؟
قال: إنّ اللَّه ألحقه بالنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- فكان معه في درجته ومنزلته. ثم تلا أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم.
و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى أبي بكر الحضرميّ: عن أبي عبد اللَّه- عليهالسّلام- في قول اللَّه- تعالى-: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم قال: قصرت الأبناء عن عمل الآباء، فألحق اللَّه- عزّ وجلّ- الأبناء بالآباء لتقرّ بذلك أعينهم.
و بإسناده إلى أبي بصير قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إذ مات طفل من أطفال المؤمنين نادى مناد في ملكوت السّموات والأرض: ألا إنّ فلان بن فلان قد مات. فإن كان قد مات والداه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين دفع إليه يغذوه، وإلّا دفع إلى فاطمة- صلوات اللَّه عليها- تغذوه حتّى يقدم أبواه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين فتدفعه إليه.
و بإسناده إلى جميل بن درّاج: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن أطفال الأنبياء.
فقال: ليسوا كأطفال سائر النّاس.
قال: وسألته عن إبراهيم بن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: لو بقي كان صدّيقا؟
قال: لو بقي كان على منهاج أبيه- عليه السّلام-.
و بإسناده إلى عامر بن عبد اللَّه [قال: سمعت أبا عبد اللَّه] - عليه السّلام- يقول: مات إبراهيم بن رسول اللَّه- صلى اللَّه عليه وآله- وكان له ثمانية عشر شهرا، فأتمّ اللَّه رضاعه في الجنّة.
وَ ما أَلَتْناهُمْ: وما نقصناهم مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ بهذا الإلحاق، فإنّه كما يحتمل أن يكون بنقص مرتبة الآباء أو إعطاء الأبناء بعض مثوباتهم، يحتمل أن يكون بالتّفضّل عليهم، وهو اللّائق بكمال لطفه.
و قرأ ابن كثير، بكسر اللّام، من ألت يألت. وعنه: «لتناهم» من لاتيليت. و«آلتناهم» من آلت يولت. و«ولتناهم» من ولت يلت، ومعنى الكلّ واحد.
و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أبي زاهر، عن الخشّاب، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السلام- قال :
قال [اللَّه- تعالى-] : الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ (الآية) قال: الّذين آمنوا النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- وأمير المؤمنين- عليه السّلام-. وذرّيته الأئمة والأوصياء- صلوات اللَّه عليهم- أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ولم ننقص ذرّيّتهم الحجّة الّتي جاء بها محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- في علي- عليه السّلام- وحجّتهم واحدة وطاعتهم واحدة.
كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ : بعمله مرهون عند اللَّه، فإن عمل صالحا فكّه، وإلّا أهلكه.
و في شرح الآيات الباهرة : [قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-: حدّثنا] أحمد بن القاسم، عن عيسى بن مهران، عن داود بن مجير، عن الوليد بن محمّد، عن زيد بن جدعان ، عن عمّه، عليّ بن زيد، قال: قال عبد اللَّه بن عمر: كنّا نفاضل فنقول: أبو بكر وعمر وعثمان، ويقول قائلهم: فلان وفلان.
فقال له رجل: يا [أبا] عبد الرّحمن، فعليّ- عليه السّلام- ؟
قال: عليّ- عليه السّلام- من أهل بيت لا يقاس بهم أحد من النّاس، عليّ- عليه السّلام- مع النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- في درجته، إنّ اللَّه يقول: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ففاطمة- عليها السّلام- ذرّية النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- وهي معه في درجته، وعليّ- عليه السّلام- مع فاطمة- عليها السّلام-.
و قال- أيضا- : حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، عن إبراهيم بن محمّد، عن عليّ بن نصير، عن الحكم بن ظهير، عن السّديّ، عن أبي مالك، عن ابن عبّاس في قوله:
وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ، قال: نزلت في النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- وعليّ وفاطمة والحسن والحسين- عليهم السّلام-.
و قال- أيضا- : حدثنا أبو عبد اللَّه ، جعفر بن محمّد الحسينيّ، عن محمّد بن الحسين، عن حميد بن والق [عن محمّد بن يحيى المازنيّ] ، عن الكلبيّ، عن الإمام جعفر ابن محمّد الصّادق، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من لدن العرش: يا معشر الخلائق، غضّوا أبصاركم حتّى تمرّ فاطمة- عليها السّلام- بنت محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-. فتكون أوّل من تكسى ، ويستقبلها من الفردوس اثنتا عشرة ألف حوراء، معهنّ خمسون ألف ملك على نجائب من ياقوت، أجنحتها وأزمّتها اللّؤلؤ الرّطب والزبرجد ، عليها رحائل من درّ، على كلّ رحل نمرقة من سندس حتّى تجوز بها الصّراط ويأتون الفردوس، فيتباشر بها أهل الجنّة، وتجلس على عرش من نور ويجلسون حولها، وفي بطنان العرش قصران: قصر أبيض وقصر أصفر، من لؤلؤ من عرق واحد، وأنّ في القصر الأبيض سبعين ألف دار مساكن محمّد وآل محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- وأنّ في القصر الأصفر سبعين ألف دار مساكن إبراهيم وآل إبراهيم، ويبعث اللَّه إليها ملكا لم يبعث إلى أحد قبلها ولا يبعث إلى أحد بعدها.
فيقول لها: إن ربّك- عزّ وجلّ- يقرأ عليك السلام ويقول لك: سليني أعطك.
فتقول: قد أتمّ عليّ نعمته وأباحني جنّته وهنّأني كرامته وفضّلني على نساء خلقه، أسأله أن يشفّعني في ولدي وذرّيّتي ومن ودّهم بعدي وحفظهم بعدي.
قال: فيوحي اللَّه إلى ذلك الملك من غير أن يتحوّل من مكانه: أن خبرها، أنّي قد شفّعتها في ولدها وذرّيّتها ومن ودّهم وأحبّهم وحفظهم بعدها.قال: فتقول: الحمد للَّه الّذي أذهب عنّي الحزن، وأقرّ عيني.
ثمّ قال جعفر- عليه السّلام-: كان أبي إذا ذكر هذا الحديث تلا هذه الآية:
وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ- الآية إلى قوله :- بِما كَسَبَ رَهِينٌ.
[فانظر أيّها الناظر إلى شأن قدر سيّدة نساء العالمين وما أعدّ اللَّه لها من الكرامة يوم الدين ولذرّيّتها المؤمنين ولشيعتها المحبّين الموالين. صلّى اللَّه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها الطيّبين صلاة دائمة في كلّ حين] .
وَ أَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ، أي: وزدناهم وقتا بعد وقت ما يشتهون من أنواع التّنعّم.
يَتَنازَعُونَ فِيها: يتعاطون هم وجلساؤهم بالتّجاذب .
كَأْساً: خمرا سمّاها باسم محلّها، ولذلك أنّث الضّمير في قوله: لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ ، أي: لا يتكلّمون بلغو الحديث في أثناء شربها، ولا يفعلون ما يؤثم به فاعله، كما هو عادة الشّاربين في الدنيا، وذلك مثل قوله : لا فِيها غَوْلٌ.
و قرأهما ابن كثير والبصريّان، بالفتح.
وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ، أي: بالكأس.
غِلْمانٌ لَهُمْ، أي: مماليك مخصوصون بهم.
و قيل : هم أولادهم الّذين سبقوهم .
[قيل : إنّه ليس على الغلمان مشقّة في خدمة أهل الجنّة، بل لهم في ذلك اللّذّة والسرور، إذ ليست تلك الدار دار محنة] .
كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ : مصون في الصّدف، من بياضهم وصفائهم.
و في مجمع البيان : وذكر عن الحسن أنّه قال: قيل: يا رسول اللَّه، الخادمكاللّؤلؤ فكيف المخدوم؟
فقال: والّذي نفسي بيده، إنّ فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب.
وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ ، أي: يسأل بعضهم بعضا عن أحواله وأعماله.
قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ : خائفين من عصيان اللَّه، معتنين بطاعته. أو وجلين من العاقبة.
و في أصول الكافي ، بإسناده إلى معروف بن خربوز: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال: صلّى أمير المؤمنين- عليه السّلام- بالنّاس الصّبح بالعراق، فلمّا انصرف وعظهم فبكى وأبكاهم من خوف اللَّه.
ثمّ قال: أما، واللَّه، لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وأنّهم ليصبحون ويمسون شعثا غبرا خمصا ، بين أعينهم كركب المعزى، يبيتون لربّهم [ركّعا و] سجّدا وقياما، يراوحون بين أقدامهم وجباههم، يناجون ربّهم ويسألونه فكاك رقابهم من النّار، واللَّه، لقد رأيتهم مع هذا وهم خائفون مشفقون.
و في كتاب سعد السّعود لابن طاوس، نقلا عن مختصر كتاب محمّد بن العبّاس ابن مروان، بإسناده إلى جعفر بن محمّد: عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين، عن النّبيّ- صلوات اللَّه عليهم أجمعين- حديث طويل، يذكر فيه شيعة عليّ- عليه السّلام- وحالهم في الجنّة، وفيه يقول- عليه السّلام- بعد أن ذكر دخولهم الجنة: على النّجائب [تقودهم الملائكة فينطلقون] صفّا واحدا معتدلا لا يفوت منهم شيء شيئا، ولا يفوت أذن ناقة ناقتها، ولا بركة ناقة بركتها، ولا يمرّون بشجرة من أشجار الجنّة إلّا لحقتهم بثمارها ورحلت لهم عن طريقهم كراهية أن تنثلم طريقهم وأن يفرّق بين الرّجل ورفيقه.
فلمّا رفعوا إلى الجبّار- تبارك وتعالى- قالوا: ربّنا، أنت السّلام ومنك السّلام ولك يحقّ الجلال والإكرام.
قال: فقال: أنا السلام، ومنّي السّلام، ولي يحقّ الجلال والإكرام، فمرحبا بعبادي الّذين حفظوا وصيّتي في أهل بيت نبيّي، ورعوا حقّي وخافوني بالغيب، وكانوا منّي على كلّ حال مشفقين.
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا: بالرّحمة والتّوفيق.
وَ وَقانا عَذابَ السَّمُومِ : عذاب النّار النّافذة [في المسام] نفوذ السّموم.
و قرئ : «و وقّانا» بالتّشديد.
إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ: [من قبل] ذلك في الدّنيا.
نَدْعُوهُ: نعبده. أو نسأله الوقاية.
إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ: المحسن.
و قرأ نافع والكسائيّ، بفتح همزة «أنّه» .
الرَّحِيمُ : الكثير الرّحمة.
فَذَكِّرْ: فاثبت على التّذكير ولا تكثرت بقولهم.
فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ: بحمد اللَّه وإنعامه بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ ، كما يقولون.
أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ : ما يقلق النّفوس من حوادث الدّهر.و قيل : «المنون» الموت، فعول، من منّه: إذا قطعه.
قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ : أتربّص هلاككم، كما تربّصون هلاكي.
أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ: عقولهم .
بِهذا: التّناقض في القول، فإنّ الكاهن يكون ذا فطنة ودقّة نظر، والمجنون مغطّى عقله، والشّاعر يكون ذا كلام موزون متّسق مخيّل ولا يتأتّى ذلك من المجنون، وأمر الأحلام به مجاز عن أدائها إليه.
أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ : مجاوزون الحدّ في العناد.
و قرئ : «بل هم».
أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ: اختلق هذا من تلقاء نفسه.
بَلْ لا يُؤْمِنُونَ : فيرمونه بهذه المطاعن لكفرهم وعنادهم.
فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ: مثل القرآن.
إِنْ كانُوا صادِقِينَ : في زعمهم، إذ فيهم كثير ممّن عدّوا من الفصحاء، فهو ردّ للأقوال المذكورة بالتّحدّي. ويجوز أن يكون ردّا للتّقوّل، فإنّ سائر الأقسام ظاهر الفساد.
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ: أم أحدثوا وقدّروا من غير محدث ومقدّر فلذلك لا يعبدونه، أو من أجل لا شيء من عبادة ومجازاة.
أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ : يؤيّد الأوّل، فإنّ معناه: أم خلقوا أنفسهم.
و لذلك عقّبه بقوله: أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ و«أم» في هذه الآيات منقطعة، ومعنى الهمزة فيها الإنكار.
بَلْ لا يُوقِنُونَ : إذا سئلوا: من خلقكم ومن خلق السّموات والأرض؟ قالوا: اللَّه. إذ لو أيقنوا ذلك لما أعرضوا عن عبادته.
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ: خزائن رزقه حتّى يرزقوا النبوّة من شاءوا، أوخزائن علمه حتّى يختاروا لها من اختارته الحكمة.
أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ : الغالبون على الأشياء، يدبّرونها كيف شاءوا.
و قرأ قنبل وحفص بخلاف عنه وهشام، بالسّين. وحمزة بخلاف عن خلّاد، بين الصّاد والزّاي. والباقون، بالصّاد خالصة.
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ: مرتقى إلى السّماء.
يَسْتَمِعُونَ فِيهِ: صاعدين فيه إلى كلام الملائكة وما يوحى إليهم من علم الغيب حتّى يعلموا ما هو كائن.
فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ : بحجّة واضحة تصدّق استماعه.
أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ : فيه تسفيه لهم، وإشعار بأنّ من هذا رأيه لا يعدّ من العقلاء فضلا عن أن يكون ممّن يترقّى بروحه إلى عالم الملكوت فيطّلع على الغيوب.
و في تفسير علي بن إبراهيم : قال: هو ما قالت قريش: إنّ الملائكة بنات اللَّه.
أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً: على تبليغ الرّسالة.
فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ: من التزام غرم.
مُثْقَلُونَ : محملون الثّقل، فلذلك زهدوا في اتّباعك.
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ: اللّوح المحفوظ المثبت فيه المغيبات.
فَهُمْ يَكْتُبُونَ : منه.
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً: وهو كيدهم في دار النّدوة برسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.
فَالَّذِينَ كَفَرُوا: يحتمل العموم والخصوص، فيكون وضعه موضع الضّمير للتّسجيل على كفرهم والدّلالة على أنّه الموجب للحكم المذكور.
هُمُ الْمَكِيدُونَ : هم الّذين يحيق بهم الكيد. أو يعود عليهم وبال كيدهم، وهو قتلهم يوم بدر. أو المغلوبون في الكيد، من كايدته فكدته .
أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ: يعينهم ويحرسهم من عذابه.سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ : عن إشراكهم، أو شركة ما يشركونه به.
وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً: قطعة.
مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا [: يقولوا من فرط طغيانهم وعنادهم:] سَحابٌ مَرْكُومٌ : هذا سحاب تراكم بعضه على بعض، وهو جواب قولهم:
فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ .
فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ : وهو عند النّفخة الأولى.
و قرئ : «يلقوا».
و قرأ ابن عامر [و عاصم] : «يصعقون» على البناء للمفعول، من صعقة أو أصعقه.
و في تهذيب الأحكام : الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن عمر بن عثمان، عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه- عليهما السّلام- وذكرا حديثا طويلا، يقولان فيه: ولقد بات النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- عند بعض النّساء فانكسف القمر في تلك اللّيلة، فلم يكن منه فيها شيء.
فقالت له زوجته: يا رسول اللَّه،- صلّى اللَّه عليه وآله- بأبي أنت وأمّي، أكلّ هذا لبغض؟
فقال: ويحك، هذا الحادث في السّماء فكرهت أن أتلذّذ وأدخل في شيء، ولقد عيّر اللَّه قوما فقال: وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرّحمن ابن سالم [عن أبيه] ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليهالسّلام-: ولقد بات رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- عند بعض أزواجه في ليلة انكسف فيها القمر، فلم يكن منه في تلك اللّيلة ما كان يكون منه في غيرها حتّى أصبح.
فقالت له: يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أ لبغض كان هذا منك في هذه اللّيلة؟
قال: لا، ولكن هذه الآية ظهرت في هذه اللّيلة، فكرهت أن أتلذّذ وألهو فيها، وقد عيّر اللَّه أقواما فقال في كتابه: وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ.
يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً، أي: شيئا من الإغناء في ردّ العذاب.
وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ : لا يمنعون من عذاب اللَّه.
وَ إِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا: يحتمل العموم والخصوص.
عَذاباً دُونَ ذلِكَ، أي: دون عذاب الآخرة وهو عذاب القبر، أو المؤاخذة في الدّنيا، كقتلهم ببدر والقحط سبع سنين.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : [و قوله:] وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا آل محمّد حقّهم عَذاباً دُونَ ذلِكَ قال: عذاب الرّجعة بالسّيف.
وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ : ذلك.
و في شرح الآيات الباهرة : [قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-: حدّثنا] أحمد ابن القاسم، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عليّ، عن ابن فضيل، عن أبي حمزة الثّمالي، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا (الآية) قال : «و إنّ للّذين ظلموا- آل محمّد حقّهم- عذابا دون ذلك».
وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ: بإمهالهم وإبقائك في عنائهم .
فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا: في حفظنا بحيث نراك ونكلؤك.و جمع العين لجمع الضّمير، والمبالغة بكثرة أسباب الحفظ.
وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ : من أيّ مكان قمت، أو من منامك، أو إلى الصّلاة.
وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ: فإنّ العبادة فيه أشق على النّفس وأبعد من الرّياء، ولذلك أفرده بالذّكر وقدّمه على الفعل.
وَ إِدْبارَ النُّجُومِ : وإذا أدبرت النّجوم من آخر اللّيل.
و قرئ بالفتح، أي: في أعقابها إذا غربت أو خفيت.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ قال: لصلاة اللّيل. «فسبّحه» [قال:] قبل صلاة اللّيل.
وَ إِدْبارَ النُّجُومِ
أخبرنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر، عن الرّضا- عليه السّلام- قال: إدبار السّجود أربع ركعات بعد المغرب، وإدبار النّجوم ركعتان قبل صلاة الصّبح.
و في مجمع البيان : وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ، يعني: صلاة اللّيل.
و روي زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه- عليهما السّلام- في هذه الآية قالا: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- كان يقوم من اللّيل ثلاث مرّات فينظر في آفاق السّماء، ويقرأ الخمس من آل عمران الّتي آخرها إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ. ثمّ يفتتح صلاة اللّيل.
(الخبر بتمامه).
وَ إِدْبارَ النُّجُومِ، يعني: الرّكعتين قبل صلاة الفجر. وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه- عليهما السّلام-.
و فيه : وَأَدْبارَ السُّجُودِ فيه أقوال: أحدها، أنّ المراد به: الرّكعتان بعد المغرب وَإِدْبارَ النُّجُومِ الرّكعتان قبل الفجر. عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- والحسن بن عليّ، وعن ابن عبّاس مرفوعا إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-.و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له: وَإِدْبارَ النُّجُومِ.
قال: ركعتان قبل الصّبح.
و في قرب الإسناد للحميريّ، بإسناده إلى إسماعيل بن عبد الخالق قال:
سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: الرّكعتين اللّتين بعد الفجر هما إِدْبارَ النُّجُومِ.