سورة الحشر
مدنيّة.
و آيها أربع وعشرون بالإجماع.
بسم الله الرحمن الرحيم في
كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأ سورة الحشر، لم يبق جنّة ولا نار ولا عرش ولا كرسيّ ولا الحجب والسّموات السّبع والأرضون السّبع والهواء والرّيح والطّير والشّجر والجبال والشّمس والقمر والملائكة، إلّا صلّوا عليه واستغفروا له. وإن مات في يومه أو ليلته، مات شهيدا.
و
في مجمع البيان : أبي بن كعب قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: [من قرأ سورة الحشر، لم يبق جنّة ولا نار ولا عرش ولا كرسيّ ولا حجاب ولا السّموات السّبع والأرضون السّبع والهوام والطّير والشجر والدوابّ] والشّمس والقمر والملائكة، إلّا صلّوا عليه، واستغفروا له. وإن مات في يومه أو ليلته، مات شهيدا.
و
عن أبي سعيد المكاريّ ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ، إذا أمسى، الرّحمن والحشر وكلّ اللّه بداره ملكا شاهرا سيفه حتّى يصبح.سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .
قيل : روي أنّه- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا قدم المدينة صالح بني النّضير، على أن لا يكونوا له ولا عليه.
فلمّا ظهر يوم بدر قالوا: إنّه النّبيّ المنعوت في التّوراة بالنّصرة.
فلمّا هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا ونكثوا، وخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكّة وحالفوا أبو سفيان. فأمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [محمّد بن مسلمة] أخا كعب من الرّضاعة فقتله غيلة، ثمّ صبّحهم بالكتائب وحاصرهم حتّى صالحوه على الجلاء، فجلا أكثرهم إلى الشّام ولحقت طائفة بخيبر [و الحيرة] ، فأنزل اللّه- تعالى-: سَبَّحَ لِلَّهِ- إلى قوله-: كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ قيل : أي: في أوّل حشرهم من جزيرة العرب، إذ لم يصبهم هذا الذّلّ قبل ذلك. أو في أوّل حشرهم للقتال أو الجلاء إلى الشّام، وآخر حشرهم إجلاء عمر إيّاهم من خيبر إليه. [أو في أوّل حشر النّاس إلى الشام ] ، وآخر حشرهم أنّهم يحشرون إليه عند قيام السّاعة فيدركهم هناك. أو أنّ نارا تخرج من المشرق فتحشرهم إلى المغرب.
و «الحشر» إخراج جمع من مكان إلى آخر.
و
في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الإمام الحسن بن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: ثمّ يبعث اللّه نارا من المشرق ونارا من المغرب، ويتبعهما بريحين شديدتين فيحشر النّاس عند صخرة بيت المقدس، فيحشر أهل الجنّة عن يمين الصّخرة ويزلف الميعاد وتصير جهنّم عن يسار الصّخرة في تخوم الأرضين السّابعة، وفيها [الفلق و] والسّجين، فتفرّق الخلائق من عند الصّخرة، فمن وجبت له الجنّة، دخلها، [و منوجبت له النار،] [دخلها] وذلك قوله . فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.
و
في مجمع البيان : لِأَوَّلِ الْحَشْرِ اختلف في معناه، فقيل: كان جلاؤهم ذلك أوّل حشر اليهود إلى الشّام، ثمّ يحشر النّاس يوم القيامة إلى أرض الشّام- أيضا- وذلك الحشر الثّاني ... عن ابن عبّاس والزّهديّ والجبّائيّ.
قال ابن عبّاس: قال لهم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: اخرجوا.
قالوا: إلى أين؟
قال: إلى أرض المحشر.
ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا: لشدة بأسهم ومنعتهم.
وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ، أي: أنّ حصونهم تمنعهم من بأس اللّه.
و تغيير النّظم وتقديم الخبر وإسناد الجملة إلى ضميرهم، للدّلالة على فرط وثوقهم بحصانتها، واعتقادهم في أنفسهم أنّهم في عزّة ومنعة بسببها.
و يجوز أن تكون «حصونهم» فاعلا «لما نعتهم».
فَأَتاهُمُ اللَّهُ، أي: عذابه، وهو الرّعب والاضطرار إلى الجلاء.
و قيل : الضّمير «للمؤمنين»، أي: فأتاهم نصر اللّه.
و قرئ : «فآتاهم»، أي: العذاب، أو النّصر.
مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا: لقوّة وثوقهم.
و
في كتاب التّوحيد : عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات: وقال في آية أخرى: فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا، يعني: أرسل عليهم عذابا.
وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ: وأثبت فيها الخوف الّذي يرعبها، أي، يملأها.يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ: ضنّا بها على المسلمين، وإخراجا لما استحسنوا من آلاتها.
وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ: فإنّهم- أيضا- كانوا يخربون ظواهرها، نكاية وتوسيعا لمجال القتال.
و عطفها على «أيديهم» من حيث إنّ تخريب المؤمنين مسبّب عن بغضهم، فكأنّهم استعملوهم فيه.
و الجملة حال، أو تفسير للرّعب.
و قرأ أبو عمرو: «يخرّبون» بالتّشديد، وهو أبلغ لما فيه من التّكثير.
و قيل : «الإخراب» التّعطيل، أو ترك الشّيء خرابا. و«التّخريب» الهدم.
فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ : فاتّعظوا بحالهم فلا تغدروا ولا تعتمدوا على غير اللّه.
و
في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: ولا يصحّ الاعتبار إلّا لأهل الصّفا والبصيرة، قال اللّه- تعالى-: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ.
و
في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان أكثر عبادة أبي ذرّ- رحمه اللّه-: التفكّر والاعتبار.
وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ: الخروج من أوطانهم.
لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا: بالقتل والسّبي، كما فعل ببني قريظة.
وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ : استئناف، معناه: أنّهم إن نجوا من عذاب الدّنيا، لم ينجوا من عذاب الآخرة.
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ .
الإشارة إلى ما ذكر ممّا حاق بهم، وما كانوا بصدده، وما هو معدّلهم. أو إلى الأخير.
ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ: أيّ شيء قطعتم من نخلة. فعلة، من اللّون، وتجمع علىألوان.
و قيل : من اللّين، ومعناها: النّخلة الكريمة، وجمعها أليان .
أَوْ تَرَكْتُمُوها:
الضّمير «لما» وتأنيثه لأنّه مفسّر «باللّينة».
قائِمَةً عَلى أُصُولِها.
و قرئ : «أصلها» اكتفاء بالضّمة عن الواو، أو على أنّه كرهن .
فَبِإِذْنِ اللَّهِ: فبأمره.
وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ : علّة لمحذوف، أي: وفعلتم. أو وأذن لكم في القطع ليخزيهم على فسقهم بما غاظهم منه.
وَ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ: وما أعاده عليه، بمعني: صيره له، أو ردّه عليه، فإنّه كان حقيقا بأن يكون له لأنّه- تعالى- خلق النّاس لعبادته وخلق ما خلق لهم ليتوسّلوا به إلى طاعته، فهو جدير بأن يكون للمطيعين.
مِنْهُمْ: من بني النّضير، أو من الكفرة.
فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ: [فما أجريتم] على تحصيله. من الوجيف، وهو سرعة السّير.
مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ، أي: لم تسيروا إليها على خيل ولا إبل.
و «الرّكاب» ما يركب من الإبل، غلب فيه، كما غلب الرّاكب على راكبه.
قيل : وذلك إنّ كان المراد: فيء بني النّضير، فإنّ قراهم كانت على ميلين من المدينة، فمشوا إليها رجالا غير رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فإنّه ركب جملا أو حمارا، ولم يجر مزيد قتال ولذلك لم يعط الأنصار منه شيئا إلّا ثلاثة كانت بهم حاجة.وَ لكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ: بقذف الرّعب في قلوبهم.
وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ : فيفعل ما يريد تارة بالوسائط الظّاهرة، وتارة بغيرها.
و
في الكافي : عليّ بن إبراهيم- رحمه اللّه- [عن أبيه] ، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا، يقول فيه: إنّ جميع ما بين السّماء والأرض للّه- تعالى- ولرسوله ولأتباعهما من المؤمنين من أهل هذه الصّفة، فما كان من الدّنيا في أيدي المشركين [و الكفّار] والظّلمة والفجّار من أهل الخلاف لرسول اللّه والمولّي عن طاعتهما ممّا كان في أيديهم ظلموا فيه المؤمنين من أهل هذه الصّفات وغلبوهم عليه مما أفاء اللّه على رسوله، فهو حقّهم أفاء اللّه عليهم وردّه إليهم.
و إنّما معنى «الفيء»: كلّ ما صار إلى المشركين ثمّ رجع ممّا كان [قد غلب] عليه أو فيه، فما رجع إلى مكانه من قول أو فعل فقد فاء، مثل قول اللّه - عزّ وجلّ-:
فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، أي: رجعوا. ثمّ قال: وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. وقال : وَإِنْ طائِفَتانِ- إلى قوله-: حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ، أي:
ترجع. «فإن فاءت»، أي: رجعت فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ (الآية)، يعني بقوله:
«تفيء» ترجع. فدلّ الدّليل على أنّ «الفيء» كلّ راجع إلى مكان قد كان عليه أو فيه. ويقال للشّمس إذا زالت: قد فاءت الشّمس، حين يفيء الفيء عند رجوع الشمس إلى زوالها. وكذلك ما أفاء اللّه على المؤمنين من الكفّار، فإنّما هي حقوق المؤمنين رجعت إليهم بعد ظلم الكفّار لهم.
و
في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون فيالفرق بين العترة والأمّة حديث طويل، وفيه قالت العلماء: فأخبرنا هل فسّر اللّه الاصطفاء في الكتاب؟
فقال الرّضا- عليه السّلام-: فسّر الاصطفاء في الظّاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا. فأوّل ذلك قوله- عزّ وجلّ-:
... إلى أن قال: والآية الخامسة قول اللّه : وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ خصوصيّة خصّهم اللّه [العزيز الجبّار] بها واصطفاهم على الامّة.
فلمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ادعو إلي فاطمة. فدعيت له.
فقال: يا فاطمة.
قالت: لبّيك، يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
فقال- صلّى اللّه عليه وآله-: هذه فدك، هي ممّا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وهي لي خاصة دون المسلمين، وقد جعلتها لك لما أمرني اللّه به، فخذيها لك ولولدك. فهذه الخامسة.
و
في أصول الكافي : علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكلّ أرض خربة، وبطون الأودية، فهو لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء.
علي بن محمّد ، عن بعض أصحابنا أظنّه السّيّاريّ، عن ابن أسباط قال: لمّا ورد أبو الحسن: موسى على المهديّ، رآه يردّ المظالم. فقال: يا أمير المؤمنين، ما بال مظلمتنا لا تردّ؟
فقال: وما ذاك، يا أبا الحسن؟
قال: إنّ اللّه لمّا فتح على نبيّه فدك وما والاها لم يوجف عليه بخيل ولاركاب، فأنزل اللّه على نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ولم يدر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من هم، فراجع في ذلك جبرئيل، وراجع جبرئيل ربه، فأوحى الله إليه: أن ادفع فدك إلى فاطمة- عليها السّلام-. فدعاها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
فقال لها: يا فاطمة، إنّ اللّه أمرني أن أدفع إليك فدك.
فقالت: قد قبلت، يا رسول اللّه، من اللّه ومنك.
فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فلمّا ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها، فأتته فسألته أن يردّها عليها.
فقال لها: ائتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك.
فجاءت بأمير المؤمنين- عليه السّلام- وأمّ أيمن فشهدا لها، فكتب لها بترك التّعرّض، فخرجت والكتاب معها فلقيها عمر.
فقال: ما هذا معك، يا بنت محمّد؟
قالت: كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة.
قال: أرينيه .
فأبت، فانتزعه من يدها ونظر فيه ثمّ تفل فيه ومحاه وخرقه، وقال لها: هذا لم يوجف عليه أبوك. بخيل ولا ركاب، فضعي الحبال في رقابنا.
فقال له المهديّ: يا أبا الحسن، حدّها لي.
فقال: حدّ منها جبل أحد، وحدّ منها عريش مصر، وحدّ منها سيف البحر، وحدّ منها دومة الجندل.فقال له: كلّ هذا؟! قال: نعم، يا أمير المؤمنين، هذا كلّه. [إنّ هذا كلّه] ممّا لم يوجف على أهله رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله- بخيل ولا ركاب.
فقال: كثير، وأنظر فيه.
و
في الخرائج والجرائح : وفي روايات الخاصّة، أنّ أبا عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- خرج في غزاة، فلمّا انصرف راجعا نزل في بعض الطّريق، فبينا رسول اللّه يطعم والنّاس معه إذ أتاه جبرئيل.
فقال: يا محمّد،- صلّى اللّه عليه وآله- قم فاركب.
فقال النّبي- صلّى اللّه عليه وآله- فركبت وجبرئيل معي، فطويت له الأرض، كطيّ الثّوب، حتّى انتهى إلى فدك.
فلمّا سمع أهل فدك وقع الخيل، علموا أنّ عدوّهم قد جاءهم ، فغلّقوا أبواب المدينة ودفعوا المفاتيح إلى عجوز لهم في بيت خارج من المدينة ولحقوا برءوس الجبال، فأتى جبرئيل العجوز وأخذ المفاتيح ثمّ فتح أبواب المدينة، ودار النّبي- صلّى اللّه عليه وآله- في بيوتها وقراها.
فقال جبرئيل: يا محمّد، انظر إلى ما خصّك اللّه به وأعطاكه دون النّاس، وهو قوله: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وذلك قوله- تعالى-: فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ (الآية) ولم يعرف المسلمون ولم يطئوها ولكنّ اللّه أفاءها على رسوله.
و طرق به جبرئيل في دورها وحيطانها، وغلّق الأبواب ودفع المفاتيح إليه، فجعلها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في غلاف سيفه، وهو معلّق بالرّحل، ثمّ ركب وطويت له الأرض، كطيّ السّجل، فأتاهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهم على مجالسهم ولم يتفرّقوا .فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: هذه مفاتيح فدك. ثمّ أخرجها من غلاف سيفه، ثمّ ركب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وركب النّاس معه. (الحديث)
ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى: بيان للأوّل، ولذلك لم يعطف عليه.
فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ.
و اختلف في قسم الفيء، فقيل: يسدّس. وقيل: يخمّس، لأنّ ذكر اللّه للتّعظيم. والأوّل هو ظاهر الآية.
و
في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنين- عليه السّلام- يقول: نحن، والله، الّذين عنى اللّه بذي القربى الّذين قرنهم اللّه بنفسه ونبيّه- صلّى اللّه عليه وآله-، فقال: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ إلى قوله:
وَ الْمَساكِينِ منّا خاصّة، ولم يجعل لنا سهما في الصّدقة، أكرم اللّه نبيّه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي النّاس.
و
في مجمع البيان : روى المنهال بن عمرو ، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال: قلت: قوله: وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ.
قال: هم قربانا ومساكيننا وأبناء سبيلنا.
و قال جميع الفقهاء : هم يتامى النّاس عامّة، وكذلك المساكين وأبناء السّبيل.
و قد روي أيضا ذلك عنهم- عليهم السّلام-.
و
روى محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كان أبي يقول: لنا سهم الرّسول وسهم ذي القربى، ونحن شركاء النّاس فيما بقي.
و قيل : إنّ مال الفيء للفقراء من قرابة الرّسول، وهم بنو هاشم وبنو المطلب.
و
روي ، عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه قال: نحن قوم فرض اللّه طاعتنا، ولنا
الأنفال، ولنا صفوا المال.
و
في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن حديد ومحمّد بن إسماعيل بن بزيع، جميعا، عن منصور بن حازم، عن زيد بن عليّ قال: قلت له: جعلت فداك، قول اللّه- عزّ وجلّ-: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى؟
قال: الْقُرْبى، هي واللّه، قرابتنا.
و
قال- أيضا-»: حدّثنا أحمد بن هوذة، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ (الآية).
فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: هذه الآية نزلت فينا خاصّة، فما كان للّه وللرّسول فهو لنا، ونحن ذو القربى ، ونحن المساكين لا تذهب مسكنتنا من رسول اللّه أبدا، ونحن أبناء السّبيل فلا يعرف سبيل إلّا بناء ، والأمر كلّه لنا.
كَيْ لا يَكُونَ: الفيء الّذي حقّه أن يكون للفقراء.
و قرأ هشام في رواية، بالتّاء.
دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ.
«الدّولة» ما يتداوله الأغنياء ويدور بينهم، كما كان في الجاهليّة.
و قرئ : «دولة» بمعنى: كي لا يكون الفيء ذا تداول بينهم، أو أخذه غلبة تكون بينهم.
و قرأ هشام : «دولة» بالرّفع، على كان التّامة، أي: كي لا يقع دولة جاهليّة.
و
في عيون الأخبار ، في باب ما كتبه الرّضا- عليه السّلام- للمأمون من محضالإسلام وشرائع الدّين: والبراءة ممن نفى الأخبار وشرّدهم، وآوى الطّرداء اللّعناء، وجعل الأموال دولة بين الأغنياء، واستعمل السّفهاء مثل معاوية وعمرو بن العاص لعيني رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [و البراءة من أشياعهم والّذين حاربوا أمير المؤمنين- عليه السّلام-] وقتلوا الأنصار والمهاجرين وأهل الفضل والصّلاح من السّابقين.
وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ: وما أعطاكم من الفيء، أو من الأمر فَخُذُوهُ: لأنّه حلال لكم. أو فتمسّكوا به، لأنّه واجب الطّاعة.
وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ، أي: عن أخذه منه، أو عن إتيانه فَانْتَهُوا عنه.
وَ اتَّقُوا اللَّهَ: في مخالفة رسوله.
إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ : لمن خالفه.
و
في عيون الأخبار ، بإسناده إلى ياسر الخادم قال: قلت للرّضا- عليه السّلام-:
ما تقول في التّفويض؟
فقال: إنّ اللّه فوّض إلى نبيّه أمر دينه، فقال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. فأمّا الخلق والرّزق، فلا.
ثمّ قال- عليه السّلام-: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- [يقول : اللَّهُ] خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ.
و هو يقول: الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ .
و
في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى إبراهيم بن عمر اليمانيّ: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إن اللّه خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه، وأمرهم ونهاهم. فما أمرهم به من شيء، فقد جعل لهم السّبيل إلى الأخذ به. وما نهاهم عنه من شيء، فقد جعل لهم السّبيل إلى تركه. ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلّا بإذن اللّه.
و
في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى أبي الحسن موسى بن جعفر- عليهماالسّلام- أنّه قال: قد، واللّه، أوتينا ما أوتي سليمان وما لم يؤت سليمان وما لم يؤت أحد من الأنبياء، قال اللّه- عزّ وجلّ- في قصّة سليمان : هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ. وقال في قصّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ (الآية).
و
في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر ، عن عليّ بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، عن أبي إسحاق النّحويّ قال: دخلت على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فسمعته يقول: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أدّب نبيه على محبّته، فقال : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ. ثمّ فوّض إليه فقال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ (الآية). وقال - تعالى-: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ (الحديث).
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي إسحاق قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول. ثمّ ذكر نحوه.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس، عن بكار بن بكر ، عن موسى بن أشيم قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فسأله رجل عن آية من كتاب اللّه فأخبره بها، ثمّ دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبره الأوّل، فدخلني من ذلك ما شاء اللّه حتّى كأنّ قلبي يشرّح بالسّكاكين فقلت في نفسي: تركت أبا قتادة بالشّام لا يخطئ بالواو وشبهه، وجئت إلى هذا يخطأ هذا الخطأ كلّه! فبينا أنا كذلك، إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرني وأخبر صاحبي، فسكنت نفسي، فعلمت أنّ ذلك منه تقيّة.
قال: ثمّ التفت إليّ، فقال لي: يا ابن أشيم، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- فوّض إلى سليمان بن داود فقال : هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ. وفوّض إلى نبيّه فقال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. فما فوّض إلى رسول اللّه- صلّىاللّه عليه وآله- فد فوّضه إلينا.
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، الحجّال، عن ثعلبة، عن زرارة قال:
سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- وأبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقولان: إنّ اللّه فوّض إلى نبيّه أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم. ثمّ تلا هذه الآية: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ (الآية)
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن فضيل بن يسار ، قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول لبعض أصحاب قيس الماصر:
إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أدّب نبيّه فأحسن أدبه، فلمّا أكمل له الأدب قال : إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ. ثمّ فوّض إليه أمر الدّين والأمّة ليسوس عباده فقال- تعالى-: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ (الآية). وإنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان مسدّدا موفّقا مؤيّدا بروح القدس، لا يزلّ ولا يخطئ في شيء ممّا يسوس به الخلق، فتأدّب بآداب اللّه.
ثمّ إنّ اللّه- عزّ وجلّ- فرض الصّلاة ركعتين ركعتين عشر ركعات، فأضاف رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى الرّكعتين ركعتين وإلى المغرب ركعة، فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركها إلّا في سفر، وأفرد الرّكعة في المغرب فتركها قائمة في السّفر والحضر، فأجاز اللّه- عزّ وجلّ- له ذلك كلّه، فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة ثمّ سنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- النّوافل أربعا وثلاثين ركعة مثلي الفريضة، فأجاز اللّه له ذلك، والفريضة والنّافلة إحدى وخمسون ركعة، منها ركعتان بعد العشاء جالسا تعدّ بركعة مكان الوتر.
و فرض اللّه في السّنة صوم شهر رمضان، وسنّ رسول اللّه صوم شعبان وثلاثة أيّام في كلّ شهر مثلي الفريضة، فأجاز اللّه- عزّ وجلّ- له ذلك.
و حرّم اللّه- عزّ وجلّ- الخمر بعينها، وحرّم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- المسكر من كلّ شراب، فأجاز اللّه له ذلك .
و عاف رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أشياء وكرهها لم ينه عنها نهي حرام إنّمانهى عنها إعافة وكراهة، ثمّ رخّص فيها فصار الأخذ برخصته واجبا على العباد، كوجوب ما يأخذون بنهيه وعزائمه، [و لم يرخّص لهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فيما نهاهم عنه نهي حرام ولا فيما أمر به أمر فرض لازم، فكثير المسكر من الأشربة نهاهم عنه نهي حرام لم يرخّص فيه لأحد،] ولم يرخّص رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لأحد- تقصير الرّكعتين اللّتين ضمّهما إلى ما فرض اللّه- عزّ وجلّ-، بل ألزمهم ذلك إلزاما واجبا لم يرخص لأحد في شيء من ذلك إلّا للمسافر، وليس لأحد أن يرخّص ما لم يرخصه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فوافق أمر رسول اللّه أمر اللّه- عزّ وجلّ-، ونهيه نهي اللّه- عزّ وجلّ-، ووجب على العباد التّسليم له كالتّسليم للّه.
أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة أنّه سمع أبا جعفر وأبا عبد اللّه- عليهما السّلام- يقولان: إنّ اللّه فوّض إلى نبيّه أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم. ثمّ تلا هذه الآية: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ (الآية).
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه أدّب نبيّه، فلمّا انتهى به إلى ما أراد قال له:
إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ. ففوّض إليه دينه فقال: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ (الآية).
و إنّ اللّه فرض الفرائض ولم يقسم للجدّ شيئا، وإنّ رسول الله- صلّى اللّه عليه وآله- أطعمه السّدس، فأجاز اللّه له ذلك، وذلك قوله : هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ.
و
بإسناده إلى [محمّد بن الحسن] الميثميّ : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: إنّ اللّه أدّب رسوله حتّى على قوّمه ما أراد، ثمّ فوّض إليه فقال- عزّ ذكره-: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ (الآية). فما فوّض اللّه إلى رسوله، فقد فوّضه إلينا.
عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابنا، عن الحسين بن عبد الرّحمن، عن صندلالخيّاط، عن زيد الشّحّام قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله : هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ.
قال: أعطي سليمان ملكا عظيما، ثمّ جرت هذه الآية في رسول اللّه فكان له أن يعطي [ما شاء] من شاء [و يمتع من شاء] وأعطاه [اللّه] أفضل ممّا أعطى سليمان، لقوله : ما آتاكُمُ الرَّسُولُ (الآية).
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن حمّاد، عن ربعي، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: إنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لا يوصف، وكيف يوصف عبد احتجب اللّه بسبع، وجعل طاعته في الأرض كطاعته في السّماء، فقال:
وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ (الآية). ومن أطاع هذا فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني.
و فوّض إليه.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و
في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن بعض أصحابنا قال: ا ولم أبو الحسن، موسى- عليه السّلام- وليمة على بعض ولده، فأطعم أهل المدينة ثلاثة أيّام الفالوذجات في الجفان في المساجد والأزقّة، فعابه بذلك بعض أهل المدينة، فبلغه ذلك.
فقال: ما آتى اللّه- عزّ وجلّ- نبيّا من أنبيائه شيئا إلّا وقد آتى محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- مثله، وزاده ما لم يؤتهم، قال لسليمان : هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ. وقال لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ (الآية).
و
في بصائر الدّرجات : يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي أسامة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه خلق محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- [عبدا] فأدّبه حتّى إذا بلغ أربعين سنة أوحى اللّه إليه وفوّض إليه الأشياء ، فقال: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ (الآية).
و بإسناده إلى القاسم بن محمّد، قال: إنّ اللّه أدّب نبيّه فأحسن تأديبه، فقال : خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ. فلمّا كان ذلك أنزل: إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ. وفوّض إليه أمر دينه فقال: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ (الآية) فحرّم اللّه الخمر بعينها وحرّم رسول اللّه كلّ مسكر، فأجاز اللّه ذلك له، ولم يفوّض إلى أحد من الأنبياء غيره.
و
في محاسن البرقيّ : عنه، عن أبيه، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سارعوا إلى طلب العلم، فو الّذي نفسي بيده، لحديث [واحد] في حلال وحرام تأخذه عن صادق خير من الدّنيا وما حملت من ذهب وفضّة، وذلك أنّ اللّه يقول: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ (الآية) وإن كان عليّ- عليه السّلام- ليأمر بقراءة المصحف.
و
في مجمع البيان : روى زيد الشّحّام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ما أعطى اللّه نبيّا من الأنبياء [شيئا] إلّا وقد أعطى محمّدا مثله ، قال - تعالى- لسليمان:
فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ. وقال لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ (الآية).
و
في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل يقول، في آخره: وكيف لا يكون له من الأمر شيء وقد فوّض اللّه إليه أن جعل ما أحلّ فهو حلال وما حرّم فهو حرام، قوله: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ (الآية).و
في كتاب الخصال : عن سليم بن قيس الهلاليّ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: وإنّ أمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- مثل القرآن، ناسخ ومنسوخ، وخاصّ وعامّ، ومحكم ومتشابه. وقد يكون من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الكلام له وجهان [و] كلام عامّ وكلام خاصّ، مثل القرآن. وقد قال اللّه- عزّ وجلّ- في كتابه: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ (الآية) فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى اللّه به ورسوله.
و
في عيون الأخبار : عن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل، يقول- عليه السّلام- فيه: لا نرخّص فيما لم يرخّص فيه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ولا نأمر بخلاف ما أمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلّا لعلّة خوف ضرورة. وأمّا أن نستحلّ ما حرّم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ونحرّم ما استحلّه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فلا يكون ذلك أبدا، لأنّا تابعون لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- مسلّمون له، كما كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- تابعا لأمر ربّه- عزّ وجلّ- مسلّما له ، وقال اللّه: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ (الآية).
و
في روضة الكافي ، خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- يقول فيها: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ (الآية) واتّقوا اللّه في ظلم آل محمّد، إنّ اللّه شديد العقاب لمن ظلمهم.
و
في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا الحسن بن أحمد المالكيّ، عن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلاليّ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال: قوله- عزّ وجلّ-: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ في ظلم آل محمّد إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ لمن ظلمهم.
لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَقيل : بدل من «لذي القربى» وما عطف عليه، فإن الرّسول لا يسمّى فقيرا.
و من أعطى أغنياء ذوي القربى خصّص الإبدال بما بعده، أو الفيء بفيء بني النّضير.
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ: فإنّ كفّار مكّة أخرجوهم وأخذوا أموالهم.
يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً: حال مقيّدة لإخراجهم بما يوجب تفخيم شأنهم.
وَ يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ: بأنفسهم وأموالهم.
أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ : الّذين ظهر صدقهم في إيمانهم.
وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ في مجمع البيان : وقيل في موضع قوله: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ قولان:
أحدهما، أنّه رفع على الابتداء وخبره يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ (إلى آخره) لأنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لم يقسم لهم شيئا من الفيء إلّا لرجلين أو ثلاثة على اختلاف في الرّواية.
و الآخر، أنّه في موضع جرّ، عطفا على الفقراء والمهاجرين.
و المراد بهم : الأنصار، فإنّهم لزموا المدينة والإيمان وتمكنّوا فيهما.
و
في أصول الكافي ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل يقول فيه: والإيمان بعضه من بعض، وهو دار، وكذلك الإسلام دار والكفر دار.
و قيل : المعنى تبّوؤوا دار الهجرة ودار الإيمان، فحذف المضاف من الثّاني والمضاف إليه من الأوّل، وعوّض عنه اللّام. أو تبوّؤوا الدّار وأخلصوا الإيمان، كقوله:
علفتها تبنا وماء باردا
وقيل : سمّى المدينة بالإيمان، لأنّها مظهره ومصيره.
مِنْ قَبْلِهِمْ: من قبل هجرة المهاجرين.و قيل : تقدير الكلام: والّذين تبوّؤوا الدّار من قبلهم والإيمان.
يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ: ولا يثقل عليهم.
و
في محاسن البرقيّ : عنه، عن أحمد بن [محمّد بن] أبي نصر، عن صفوان الجّمّال، عن أبي عبيدة، زياد الحذّاء، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في حديث له: قال: يا زياد، ويحك، وهل الدّين إلّا الحبّ؟ ألا ترى إلى قول اللّه : إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ. أو لا ترون قول اللّه لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-: حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ. وقال: يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ.
و قال: الدّين هو الحبّ، والحبّ هو الدّين.
وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ: في أنفسهم.
حاجَةً: ما تحمل عليه الحاجة، كالطّلب والحزازة والحسد والغيظ.
مِمَّا أُوتُوا: ممّا أعطي المهاجرون من الفيء وغيره.
وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ: ويقدّمون المهاجرين على أنفسهم.
قيل : حتّى أنّ من كان عنده امرأتان نزل عن واحدة، وزوّجها من أحدهم.
وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ: حاجة ، من خصاص البناء وهي فرجه.
وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ: حتّى يخالفها فيما يغلب عليها من حبّ المال وبغض الإنفاق.
فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ : الفائزون بالثّناء العاجل والثواب الآجل.
و
في كتاب الاحتجاج للطبرسي- رحمه اللّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه للقوم بعد موت عمر بن الخطّاب: نشدتكم باللّه، هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ (الآية) غيري؟قالوا: لا.
و
في مجمع البيان : وقيل: نزلت في رجل جاء إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وقال: أطعمني، فإنّي جائع.
فبعث إلى أهله فلم يكن عندهم شيء، فقال: من يضيّفه هذه اللّيلة؟
فأضافه رجل من الأنصار وأتى به منزله، ولم يكن عنده إلّا قوت صبية له، فأتوا بذلك إليه وأطفأوا السّراج، وقامت المرأة إلى الصّبية فعلّلتهم حتّى ناموا، وجعلا يمضغان ألسنتهما لضيف رسول [اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-] ، فظنّ [الضيف] أنّهما يأكلان معه حتّى شبع الضّيف، وباتا طاويين.
فلمّا أصبحا غدوا إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فنظر إليهما وتبسّم وتلا عليهما هذه الآية.
و
روي عن أبي الطّفيل قال: اشترى عليّ ثوبا فأعجبه، فتصدّق به وقال:
سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: من آثر على نفسه آثره اللّه يوم القيامة بالجنّة. (الحديث)
و
في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه- بإسناده إلى أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فشكا إليه الجوع، فبعث رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى بيوت أزواجه. فقلن: ما عندنا إلّا الماء.
فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من لهذا الرّجل اللّيلة؟
فقال عليّ- عليه السّلام-: أنا له، يا رسول اللّه. وأتى فاطمة فقال لها: عندك، يا بنت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- شيء؟
فقالت: ما عندنا إلّا قوت العشيّة، لكنّا نؤثر ضيفنا.
فقال: يا ابنة محمّد، نوّمي الصّبية واطفئي المصباح.
فلمّا أصبح عليّ- عليه السّلام- غدا على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فأخبره الخبر. فلم يبرح حتّى أنزل اللّه: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. و
في كتاب الخصال : عن جميل بن درّاج قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:
خياركم سمحاؤكم، وشراركم بخلاؤكم، ومن صالح الأعمال البرّ بالإخوان والسّعي في حوائجهم، وفي ذلك مرغمة الشّيطان وتزحزح عن النّيران ودخول الجنان.
يا جميل، أخبر بهذا الحديث غرر أصحابك؟
قال: قلت: جعلت فداك، من غرر أصحابي؟
قال: هم البارّون بالإخوان في العسر واليسر.
ثمّ قال: يا جميل، أما إنّ صاحب الكثير يهون عليه ذلك، وقد مدح اللّه- عزّ وجلّ- صاحب القليل فقال: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ (الآية).
عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: للّه- عزّ وجلّ- جنّة لا يدخلها إلّا ثلاثة:
إلى قوله: ورجل آثر أخاه المؤمن في اللّه.
و
في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز [عن جميل] ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: سمعته يقول: إنّ ممّا خصّ اللّه- عزّ وجلّ- به المؤمن أن يعرّفه برّ إخوانه وإن قلّ، وليس البرّ بالكثرة، وذلك أنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول في كتابه: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ (الآية). ومن عرفه اللّه- عزّ وجلّ- بذلك، أحبّه اللّه، ومن أحبّه، وفّاه أجره يوم القيامة بغير حساب.
ثمّ قال: يا جميل: ارو هذا الحديث لإخوانك، فإنّه ترغيب في البرّ.
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن أبي عليّ صاحب الكلل ، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته فقلت:أخبرني عن حقّ المؤمن على المؤمن.
فقال: يا أبان، دعه ولا ترده.
قلت: بلى، جعلت فداك، فلم أزل أردّد عليه.
فقال: يا أبان، تقاسمه شطر مالك. ثمّ نظر إليّ فرأى ما دخلني، فقال: يا أبان، أما تعلم أنّ اللّه- عزّ وجلّ- قد ذكر المؤثرين على أنفسهم؟
قلت: بلى، جعلت فداك.
فقال: أمّا إذا أنت قاسمته فلم تؤثره بعد، إنّما أنت وهو سواء، إنّما تؤثره إذا أعطيته من النّصف الآخر.
و (الحديث) طويل وأخذت منه موضع الحاجة.
و
في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن الرّجل ليس عنده إلّا قوت يومه، أ يعطف من عنده قوت يومه على من ليس عنده شيء. ويعطف من عنده قوت شهر على من دونه والسّنة على نحو ذلك، أم ذلك كلّه الكفاف الّذي لا يلام عليه؟
فقال: هو أمران أفضلكم فيه أحرصكم على الرّغبة والأثرة على نفسه، فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ. والأمر الآخر لا يلام على الكفاف، واليد العليا خير من اليد السّفلى، وابدأ بمن تعول.
سهل بن زياد ، عمّن حدثه، عن جميل بن درّاج قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: خياركم سمحاؤكم- وذكر نحو ما نقلنا عن كتاب الخصال.
و
بإسناده إلى سويد السّائيّ : عن أبي الحسن، موسى - عليه السّلام- قال: قلت له: أوصني.
فقال: آمرك بتقوى اللّه. ثمّ سكت.
فشكوت إليه قلّة ذات يدي، وقلت: واللّه، لقد عريت حتّى بلغ من عريي أنّ أبا فلان نزع ثوبين كانا عليه فكسانيهما.فقال: صم، وتصدّق.
[قلت: أتصدّق] ممّا وصلني به إخواني وإن كان قليلا؟
قال: تصدّق بما رزقك اللّه ولو آثرت على نفسك.
و
بإسناده إلى أبي بصير: عن أحد هما- عليهما السّلام- قال: قلت: أيّ الصّدقة أفضل؟
قال: جهد المقلّ ، أما سمعت قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ترى هاهنا فضلا.
علي بن إبراهيم ، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: دخل سفيان الثّوريّ على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فرأى عليه ثيابا بيضا كأنّها غرقئ البيض.
فقال له: إنّ هذا اللبّاس ليس من لباسك! فقال- عليه السّلام-: اسمع منّي وع ما أقول لك، فإنّه خير لك عاجلا وآجلا، إن أنت متّ على السّنّة والحقّ ولم تمت على بدعة . أخبرك أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان في زمان مقفر جدب، فأمّا إذا أقبلت الدّنيا فأحقّ أهلها بها أبرارها لا فجّارها، ومؤمنوها لا منافقوها، ومسلموها لا كفّارها، فما أنكرت، يا ثوريّ؟ فو اللّه، إنّي لمع ما ترى [ما أتى] عليّ مذ عقلت صباح ولا مساء وللّه في مالي حقّ أمرني أن أضعه موضعا إلّا وضعته.
قال: وأتاه قوم ممّن يظهرون الزّهد ويدعون النّاس أن يكونوا معهم على مثل الّذي هم عليه من التّقشّف .فقالوا له: إنّ صاحبنا حصر عن كلامك ولم تحضره حججه .
فقال لهم: فهاتوا حججكم.
فقالوا له: إنّ حججنا من كتاب اللّه.
فقال لهم: فأدلوا بها ، فإنّها أحقّ ما اتّبع وعمل به.
فقالوا: يقول اللّه مخبرا عن قوم من أصحاب النّبيّ: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ (الآية) فمدح فعلهم، وقال في موضع آخر : وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً. فنحن نكتفي بهذا.
فقال رجل من الجلساء: إنّا رأيناكم تزهدون في الأطعمة الطّيّبة، ومع ذلك تأمرون النّاس بالخروج عن أموالهم حتّى تمتّعوا أنتم منها.
فقال له أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: دعوا عنكم ما لا ينتفع به، أخبروني، أيّها النّفر، أ لكم علم بناسخ القرآن من منسوخه ومحكمه من متشابهه، الّذي في مثله ضلّ من ضلّ وهلك من هلك هذه الأمّة؟
فقالوا: بعضه ، فأمّا كلّه فلا.
فقال لهم: فمن هاهنا أتيتم ، وكذلك أحاديث رسول اللّه.
فأمّا ما ذكرتم من إخبار اللّه- عزّ وجلّ- إيّانا في كتابه عن القوم الّذين أخبر عنهم بحسب فعالهم، فقد كان مباحا جائزا، ولم يكونوا نهوا عنه، وثوابهم منه على اللّه، وذلك أنّ اللّه- جلّ وتقدّس- أمر بخلاف ما عملوا به فصار أمره ناسخا لفعلهم، وكان نهي اللّه- تبارك وتعالى- رحمة منه للمؤمنين [و نظرا] لكي لا يضرّوا بأنفسهم وعيالاتهم، منهم الضّعفة الصّغار والولدان والشّيخ الفاني والعجوز الكبيرة الّذين لا يصبرون على الجوع، فإن تصدّقت برغيفي ولا رغيف لي غيره، ضاعوا وهلكوا جوعا.
فمن ثمّ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: خمس تمرات أو خمس قرص أو دنانيرأو دراهم يملكها الإنسان وهو يريد أن يمضيها فأفضلها ما أنفقه الإنسان على والديه، ثمّ الثّانية على نفسه وعياله، ثمّ الثّالثة على قرابته الفقراء، ثمّ الرّابعة على جيرانه الفقراء، ثمّ الخامسة في سبيل اللّه وهو أخسّها أجرا.
و قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- للأنصاريّ حين أعتق عند موته خمسة أو ستّة من الرّقيق، ولم يكن يملك غيرهم، وله أولاد صغار: لو أعلمتموني أمره ما تركتكم تدفنوه مع المسلمين، يترك صبيته صغارا يتكفّفون النّاس.
ثمّ قال: حدّثني أبي أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: أبدأ بمن تعول، الأدنى فالأدنى.
ثمّ هذا ما نطق به الكتاب ردا لقولكم ونهيا عنه مفروضا من اللّه العزيز الحكيم، قال - تعالى-: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً. أفلا ترون أنّ اللّه قال غير ما أراكم تدعون النّاس إليه، من الأثرة على أنفسهم، وسمّى من فعل ما تدعون [الناس] إليه مسرفا؟ وفي غير آية من كتاب اللّه يقول : إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. فنهاهم عن الإسراف ونهاهم عن التّقتير، لكن أمر بين أمرين، لا يعطى جميع ما عنده ثمّ يدعو اللّه أن يرزقه فلا يستجيب له، للحديث الّذي جاء عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ أصنافا من أمّتي لا يستجاب لهم دعاؤهم: رجل يدعو على والديه، ورجل يدعو على غريم ذهب له بمال فلم يكتب عليه ولم يشهد عليه، ورجل يدعو على امرأته وقد جعل اللّه تخلية سبيلها بيده، ورجل يقعد في بيته ويقول: ربّ، ارزقني. ولا يخرج ولا يطلب الرّزق.
فيقول اللّه- عزّ وجلّ- له: عبدي، ألم أجعل لك السّبيل في الطّلب والضّرب في الأرض بجوارح صحيحة، فتكون قد أعذرت فيما بيني وبينك في الطّلب لاتّباع أمري، ولئلّا تكون كلّا على أهلك، فإن شئت رزقتك [و إن شئت] قتّرت عليك وأنت معذور عندي.و رجل رزقه اللّه مالا كثيرا فأنفقه، ثمّ أقبل يدعو: يا ربّ، ارزقني.
فيقول اللّه- عزّ وجلّ-: ألم أرزقك رزقا واسعا، فهلّا اقتصدت فيه، كما أمرتك، ولم تسرف وقد نهيتك عن الإسراف.
و رجل يدعو في قطيعة رحم.
ثمّ علّم اللّه- عزّ وجلّ اسمه- نبيّه كيف ينفق، وذلك أنّه كان عنده أوقيّة من الذّهب فكره أن تبيت عنده، فتصدّق بها، فأصبح وليس عنده شيء، وجاءه من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه، فلامه السّائل واغتمّ هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه ، وكان- صلّى اللّه عليه وآله- رحيما رفيقا، فأدّب اللّه نبيّه بأمره فقال : وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً. يقول: إنّ النّاس قد يسألونك ولا يعذرونك، فإذا عطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت من المال. فهذه أحاديث رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يصدّقها الكتاب، والكتاب يصدّقه أهله من المؤمنين.
(الحديث)
و
في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: كان رسول اللّه يتعوّذ من البخل؟
فقال: نعم، يا [أبا] محمّد، في كلّ صباح ومساء. ونحن نتعوّذ باللّه من البخل، لقوله اللّه: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
و
في مجمع البيان : وفي الحديث: لا يجتمع الشّحّ والإيمان في قلب رجل مسلم، ولا يجتمع غبار في سبيل اللّه ودخان جهنّم في جوف رجل مسلم.
و
في من لا يحضره الفقيه : وروي عن الفضل بن أبي قرّة السّمنديّ أنّه قال:
قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: أ تدري من الشّحيح؟قلت: هو البخيل.
فقال: الشّحّ أشدّ من البخل. إنّ البخيل يبخل بما في يده، والشّحيح يشحّ على ما في أيدي النّاس وعلى ما في يده، حتّى لا يرى في أيدي النّاس شيئا إلّا تمنّى أن يكون له بالحلّ والحرّام، ولا يقنع بما رزقه اللّه.
و
قال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله-: ما محق الإسلام محقّ الشّحّ شيء.
ثمّ قال: إن لهذا الشّحّ دبيبا، كدبيب النّمل، وشعبا، كشعب الشّرك.
و
قال أمير المؤمنين - عليه السّلام-: إذا لم يكن للّه في العبد حاجة ابتلاه بالبخل.
و
سمع أمير المؤمنين - عليه السّلام- رجلا يقول: الشّحيح أعذر من الظّالم.
فقال له: كذبت، إنّ الظّالم قد يتوب ويستغفر ويردّ الظّلامة على أهلها، والشّحيح إذا شحّ منع الزكاة والصّدقة وصلة الرّحم وإقراء الضّيف والنّفقة في سبيل اللّه وأبواب البرّ. وحرام على الجنّة أن يدخلها الشّحيح.
و
في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي ، عن الفضل بن أبي قرّة قال: رأيت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يطوف من أوّل اللّيل إلى الصّباح، وهو يقول:
اللّهمّ، قني شحّ نفسي.
فقلت: جعلت فداك، ما سمعتك تدعو بغير هذا الدّعاء؟
قال: وأيّ شيء أشدّ من شحّ النّفس، إنّ اللّه يقول: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
و
في شرح الآيات الباهرة : وقال محمّد بن العبّاس: حدّثنا سهل بن محمّد العطّار، عن أحمد بن عمرو الدّهقان، عن محمّد بن كثير، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: إنّ رجلا جاء إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فشكا إليه الجوع.فبعث رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى بيوت أزواجه فقلن: ما عندنا إلّا الماء.
فقال- صلّى اللّه عليه وآله-: من لهذا الرّجل اللّيلة؟
فقال عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: أنا، يا رسول اللّه. فأتى فاطمة فأعلمها.
فقالت: ما عندنا إلّا قوت الصّبية، ولكنّا نؤثر به ضيفنا.
فقال عليّ- عليه السّلام-: نوّمي الصّبية وأطفئي السّراج.
فلمّا أصبح غدا على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فنزلت هذه الآية:
وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ (الآية).
و
قال- أيضا- : حدّثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضّالة بن أيّوب، عن كليب بن معاوية الأسديّ، عن [أبي عبد اللّه- عليه السّلام-]
قوله- تعالى-: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ (الآية) قال: بينا عليّ- عليه السّلام- عند فاطمة إذ قالت [له: يا عليّ] اذهب إلى أبي فابغنا منه شيئا.
فقال: نعم. فأتى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فأعطاه دينارا، وقال له: يا عليّ، اذهب فابتع به لأهلك طعاما.
فخرج من عنده فلقيه المقداد بن الأسود، وقاما ما شاء اللّه أن يقوما وذكر له حاجته، فأعطاه الدّينار وانطلق إلى المسجد، فوضع رأسه فنام، فانتظره رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فلم يأت، ثمّ انتظره فلم يأت، فخرج يدور في المسجد فإذا هو بعليّ- عليه السّلام- نائم في المسجد، فحرّكه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقعد.
فقال: يا عليّ، ما صنعت؟
فقال: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- خرجت من عندك فلقيني المقداد بن الأسود، فذكر لي ما شاء اللّه أن يذكر، فأعطيته الدّينار.
فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أما إنّ جبرئيل قد أنبأني بذلك، وقد أنزل اللّه فيك كتابا: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ (الآية).و
قال- أيضا- : حدّثنا محمّد بن أحمد بن ثابت، عن القاسم بن إسماعيل، عن محمّد بن سنان، عن سماعة بن مهران، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال : أوتي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بمال وحلل وأصحابه حوله جلوس، فقسّمه عليهم حتّى لم يبق منه حلّة ولا دينار.
فلمّا فرغ منه جاء رجل من فقراء المهاجرين وكان غائبا، فلمّا رآه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: أيّكم يعطي هذا نصيبه ويؤثره على نفسه؟
فسمعه علي- عليه السّلام- فقال: نصيبي. فأعطاه إيّاه، فأخذه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فأعطاه الرّجل.
ثمّ قال: يا عليّ، إنّ اللّه جعلك سبّاقا للخير سخّاء بنفسك عن المال، أنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظّلمة، والظّلمة هم الّذين يحسدونك ويبغون عليك ويمنعونك حقّك بعدي.
و
بالإسناد عن القاسم بن إسماعيل، عن إسماعيل بن أبان، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- جالس ذات يوم وأصحابه جلوس حوله، فجاء عليّ- عليه السّلام- وعليه سمل ثوب منخرق عن بعض جسده، فجلس قريبا من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فنظر إليه ساعة، ثمّ قرأ: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ (الآية).
ثمّ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام-: أما إنّك رأس الّذين نزلت فيهم هذه الآية، وسيّدهم وإمامهم.
ثمّ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام-: أين خلعتك الّتي كسوتكها يا عليّ؟
فقال: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إنّ بعض أصحابك أتاني يشكو عريه وعري أهل بيته، فرحمته وآثرته بها على نفسي، وعرفت أنّ اللّه سيكسوني خيرا منها.فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: صدقت، أما إنّ جبرئيل فقد أتاني يحدّثني أن اللّه اتّخذ لك مكانها في الجنّة حلّة خضراء من إستبرق، وضيقها من ياقوت وزبرجد، فنعم الجواز جواز ربّك بسخاوة نفسك، وصبرك على سملتك هذه المنخرقة، فأبشر، يا عليّ. فانصرف عليّ فرحا مستبشرا بما أخبره به رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ قيل : هم الّذين هاجروا بعد حين قوي الإسلام، أو التابعون بإحسان وهم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة، ولذلك قيل: إنّ الآية قد استوعبت جميع المؤمنين.
و في مجمع البيان : وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ، يعني: بعد المهاجرين والأنصار.
... إلى قوله: ويجوز أن يكون المراد مِنْ بَعْدِهِمْ في الفضل. وقد يعبّر بالقبل والبعد عن الفضل،
كقول النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: نحن الآخرون السّابقون، يعني:
الآخرون في الزّمان السّابقون في الفضل.
يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ، أي: لإخواننا في الدّين.
وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا: حقدا لهم.
رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ : فحقيق بأن تجيب دعاءنا.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس: حدّثنا عليّ [بن محمّد] بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن محمّد، عن يحيى بن صالح، عن الحسين الأشعريّ ، عن عيسى بن راشد، عن أبي بصير، عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: فرض اللّه الاستغفار [لعليّ- عليه السّلام-] في القرآن على كلّ مسلم، وهو قوله: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِو هو سابق الأمّة.
أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، يريد: الّذين بينهم وبينهم أخوّة الكفر. أو الصّداقة أو المودّة.
لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ، أي: من دياركم.
لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ: في قتالكم أو خذلانكم.
أَحَداً أَبَداً، أي: من أمر رسول اللّه والمسلمين.
وَ إِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ: لنعاوننّكم.
وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ : لعلمه بأنّهم لا يفعلون ذلك، كما قال:
لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ. وكان كذلك، فإنّ ابن أبيّ وأصحابه راسلوا بني النّضير بذلك ثمّ أخلفوهم.
وَ لَئِنْ نَصَرُوهُمْ: على الفرض والتّقدير لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ: انهزاما.
ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ : بعد، بل نخذلهم ولا ينفعهم نصرة المنافقين، أو نفاقهم، إذ ضمير الفعلين يحتمل أن يكون ليهود وأن يكون للمنافقين.
لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً، أي: أشدّ مرهوبيّة. مصدر للفعل المبنيّ للمفعول.
فِي صُدُورِهِمْ: فإنّهم كانوا يضمرون مخافتهم [من المؤمنين] .
مِنَ اللَّهِ: عليما يظهرونه نفاقا، فإنّ استبطان رهبتكم سبب لإظهار رهبة اللّه.
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ : لا يعلمون عظمة اللّه حتّى يخشوه حقّ خشيته، ويعلموا أنّه الحقيق بأن يخشى.
لا يُقاتِلُونَكُمْ: اليهود والمنافقون.
جَمِيعاً: مجتمعين.
إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ: بالدّروب والخنادق أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ: لفرط رهبتهم.
و قرأ ابن كثير وأبو عمرو: «جدار» وأمال أبو عمرو فتحة الدّال.بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ، أي: وليس ذلك لضعفهم وجبنهم، فإنّه يشتدّ بأسهم إذا حارب بعضهم بعضا، بل لقذف اللّه الرّعب في قلوبهم، ولأنّ الشّجاع يجبن والعزيز يذلّ إذا حارب اللّه ورسوله.
تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً: مجتمعين متّفقين.
وَ قُلُوبُهُمْ شَتَّى: متفرّقة لافتراق عقائدهم- واختلاف مقاصدهم.
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ : ما فيه صلاحهم، وأنّ تشتّت القلوب يوهن قواهم.
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، أي: مثل اليهود كمثل أهل بدر، أو بني قينقاع إن صحّ أنّهم اخرجوا قبل بني النّضير، أو المهلكين من الأمم الماضية.
قَرِيباً: في زمان قريب. وانتصابه «بمثل» إذ التّقدير: كوجود مثل .
ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ: سوء عاقبة كفرهم في الدّنيا.
وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ : في الآخرة.
كَمَثَلِ الشَّيْطانِ أي: مثل المنافقين في إغراء اليهود على القتال كمثل الشّيطان.
إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ: أغراه على الكفر إغراء الآمر للمأمور.
فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ: تبرّأ عنه.
إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ : مخافة أن يشاركه في العذاب ولم ينفعه ذلك، كما قال: فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ .
و المراد من الإنسان: الجنس.
و قيل : أبو جهل، قال له إبليس يوم بدر: لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ (الآية) .و قيل : راهب حمله على الفجور والارتداد.
و قرئ : «عاقبتهما» [على أنّ «أنّهما» خبر «لكان»،] و«خالدان» على أنّه الخبر «لأنّ»، و«في النّار» لغو.
و
في تفسير عليّ بن إبراهيم : سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ (الآية) قال: سبب [نزول] ذلك أنّه [كان] بالمدينة ثلاثة أبطن من اليهود: بنو النّضير وقريظة وقينقاع، وكان بينهم وبين رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عهد ومدّة، فنقضوا عهدهم.
و كان سبب ذلك من بني النّضير في نقض عهدهم، أنّه أتاهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يستسلفهم دية رجلين قتلهما رجل من أصحابه غيلة، يعني:
يستقرض، وكان قصد كعب بن الأشرف.
فلمّا دخل على كعب قال: مرحبا، يا أبا القاسم، وأهلا. وقام كأنّه يصنع له الطّعام، وحدّث نفسه أن يقتل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ويتبع أصحابه.
فنزل جبرئيل فأخبره بذلك، فرجع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى المدينة، وقال لمحمّد بن مسلمة الأنصاري: اذهب إلى بني النّضير فأخبرهم، أنّ اللّه قد أخبرني بما هممتم به من الغدر، فإمّا أن تخرجوا من بلدنا، وإمّا أن تأذنوا بحرب.
فقالوا: نخرج من بلادك.
فبعث إليهم عبد اللّه بن أبيّ: ألّا تخرجوا وتقيموا وتنابذوا محمّدا الحرب، فإنّي أنصركم أنا وقومي وحلفائي، فإنّ خرجتم خرجت معكم، وإن قاتلتم قاتلت معكم.
فأقاموا وأصلحوا حصونهم وتهيّأوا للقتال، وبعثوا إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّا لا نخرج، فاصنع ما أنت صانع.
فقام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وكبّر وكبّر أصحابه، وقال لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: تقدّم إلى بني النّضير.
فأخذ أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- الرّاية وتقدّم، وجاء رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأحاط بحصنهم، وغدر بهم عبد اللّه بن أبيّ، وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إذا ظهر بمقدّم بيوتهم حصّنوا ما يليهم وخرّبوا ما يليه، وكان الرّجل منهم ممّن كان له بيت حسن خرّبه، وقد كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أمر بقطع نخلهم، فجزعوا من ذلك.
و قالوا: يا محمّد، إن اللّه يأمرك بالفساد؟ إن كان لك هذا فخذه، وإن كان لنا فلا تقطعه.
فلمّا كان بعد ذلك قالوا: يا محمّد، نخرج من بلادك فأعطنا مالنا.
فقال: لا، ولكن تخرجون ولكم ما حملت الإبل.
فلم يقبلوا ذلك، فبقوا أيّاما ثمّ قالوا: نخرج ولنا ما حملت الإبل.
فقال: لا، ولكن تخرجون ولا يحمل أحد منكم، شيئا فمن وجدنا معه شيئا [من ذلك] قتلناه.
فخرجوا على ذلك، ووقع قوم منهم إلى فدك ووادي القرى، وخرج منهم قوم إلى الشّام.
فأنزل اللّه فيهم: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا- إلى قوله-: شَدِيدُ الْعِقابِ.
و أنزل اللّه عليه فيما عابوه من قطع النّخل: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ- إلى قوله-:
رَؤُفٌ رَحِيمٌ.
و أنزل اللّه في عبد اللّه بن أبيّ وأصحابه: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ- إلى قوله-: لا يُنْصَرُونَ. ثمّ قال: كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يعني: بني قينقاع قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
ثمّ ضرب- تعالى- في عبد اللّه بن أبيّ وبني النّضير مثلا فقال: كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ.
و فيه زيادة أحرف لم تكنفي رواية عليّ بن إبراهيم.
حدّثنا به محمّد بن أحمد بن ثابت، عن أحمد بن ميثم ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير في غزوة بني النّضير، وزاد فيه: فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- للأنصار: إن شئتم دفعتها إلى المهاجرين ، وإن شئتم قسّمتها بينكم وبينهم وتركتهم معكم.
قالوا: قد شئنا أن تقسّمها فيهم. فقسّمها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بين المهاجرين، ودفعها رفعهم [عن الأنصار،] ولم يعط من الأنصار إلّا رجلين: سهل بن حنيف وأبا دجانه ، فإنّهما ذكرا حاجة.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ: ليوم القيامة.
سمّاه به لدنوّه، أو لأنّ الدّنيا كيوم والآخرة غده.
و تنكيره للتّعظيم، وأمّا تنكير «النّفس» فلاستقلال الأنفس النّواظر فيما قدّمت للآخرة، كأنّه قال: فلتنظر نفس واحدة في ذلك.
و
في الكافي : غير واحد من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن غير واحد، عن أبي جميلة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: تصدّقوا ولو بصاع من تمر، ولو ببعض صاع، ولو بقبضة، ولو ببعض قبضة، ولو بتمرة، ولو بشقّ تمرة. فمن لم يجد فبكلمة طيّبة، فإنّ أحدكم لاقي اللّه فقائل له: ألم أفعل بك ، ألم أجعلك سميعا بصيرا، ألم أجعل لك ما لا وولدا؟
فيقول: بلى.
فيقول اللّه- تبارك وتعالى-: فانظر ما قدّمت لنفسك. [قال:] فينظر قدّامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله، فلا يجد شيئا يقي به وجهه من النّار.
وَ اتَّقُوا اللَّهَ: تكرير للتّأكيد. أو الأوّل في أداء الواجبات، والثّاني في ترك المحارم.
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ : وهو كالوعيد من المعاصي.
وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ: نسوا حقّه.
فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ: فجعلهم ناسين لها، حتّى لم يسعموا ما ينفعها ولم يفعلوا ما يخلصها. أو أراهم يوم القيامة من الهول ما أنساهم أنفسهم.
أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ : الكاملون في الفسوق.
و
في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار في التّوحيد، حديث طويل: عن الرّضا- عليه السّلام- وفي يقول: وإنّما يجازي من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم، كما قال: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. وقال - تعالى-: فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا، أي: نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا.
لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ: الّذين استكملوا أنفسهم فاستأهلوا الجنّة، والّذين استمهنوها فاستحقوا النّار.
أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ : بالنعيم المقيم.
و
في عيون الأخبار ، بإسناده: عن الرّضا- عليه السّلام- قال: حدّثني أبي، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- تلا هذه الآية: لا يَسْتَوِي (إلى آخره) فقال: أصحاب الجنّة من أطاعني وسلّم لعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- بعدي وأقرّ بولايته، وأصحاب النّار من سخط الولاية ونقض العهد وقاتله بعدي.
و
في أمالي شيخ الطّائفة ، بإسناده إلى محدوج بن زيد الذّهليّ، وكان في وفدقومه، أنّ رسول اللّه تلا هذه الآية: لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ (الآية).
قال: فقلنا: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من أصحاب الجنّة؟
قال: من أطاعني وسلّم لهذا من بعدي. وأخذ الرّسول بكفّ عليّ- عليه السّلام- وهو يومئذ إلى جنبه فرفعها فقال: ألا إنّ عليّا- عليه السّلام- منّي وأنا منه، فمن حادّه فقد حادّني، ومن حادّني فقد أسخط اللّه.
لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ: تمثيل وتخييل، ولذلك عقّبه بقوله: وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ :
فإنّ الإشارة إليه وإلى أمثاله.
و المراد: توبيخ الإنسان على عدم تخشّعه عند تلاوة القرآن، لقساوة القلب وقلّة التّدبّر.
و «التّصدّع» التّشقّق.
و قرئ : «مصّدّعا» على الإدغام.
ثمّ ردّ على من أشرك وشبّهه بخلقه، فقال: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ قيل : ما غاب عن الحسّ من الجواهر القدسيّة وأحوالها، وما حضر له من الأجرام وأعراضها.
و تقدّم الغيب لتقدّمه في الوجود، وتعلّق العلم القديم به. أو المعدوم والموجود. أو السّرّ والعلانية.
هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ:
البليغ في النّزاهة عمّا يوجب نقصانا.
و قرئ ، بالفتح، وهو لغة فيه.
السَّلامُ: ذو السّلامة من كلّ نقص وآفة. مصدر وصف به للمبالغة.
الْمُؤْمِنُ: واهب الأمن.
و قرئ بالفتح، بمعنى: المؤمن به، على حذف الجارّ.الْمُهَيْمِنُ: الرّقيب الحافظ لكلّ شيء. مفيعل، من الأمن، قلبت همزته هاء.
الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ: الّذي جبر خلقه على ما أراد. أو جبر حالهم، بمعنى:
أصلحه.
الْمُتَكَبِّرُ: الّذي تكبّر عن كلّ ما يوجب حاجة ونقصانا.
سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ : إذ لا يشاركه أحدٌ في شيء من ذلك.
هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ: المقدّر للأشياء على مقتضى حكمته.
الْبارِئُ: للوجد الموجد لها، بريئا من التّفاوت.
الْمُصَوِّرُ: الموجد لصورها وكيفيّاتها كما أراد.
لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى: لأنّها دالّة على محاسن المعاني.
و
في اصول الكافي ، بإسناده إلى ابن سنان قال: سألت أبا الحسن الرضا- عليه السّلام-: هل كان اللّه عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟
قال: نعم.
قلت: يراها ويسمعها؟
قال: ما كان محتاجا إلى ذلك لأنّه لم يكن سألها ولا يطلب منها. هو نفسه، ونفسه هو، قدرته نافذة، فليس يحتاج أن يسمّي نفسه، ولكنّه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها، لأنّه إذا لم يدع باسمه لم يعرف.
و
بإسناده إلى أبي جعفر الثاني- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: وإن كنت تقول: هذه الصّفات والأسماء لم تزل، فإنّ «لم تزل» محتمل معنيين: فإن قلت:
لم تزل عنده في علمه وهو مستحقّها، فنعم. وإن كنت تقول: لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع حروفها، فمعاذ اللَّه أن يكون معه شيء غيره، بل كان اللّه ولا خلق، ثمّ خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرّعون بها إليه ويعبدونه، وهي ذكره، وكان اللّه ولا ذكر.
و
بإسناده إلى هشام بن الحكم: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه قال: للّه تسعة وتسعون اسما، فلو كان الاسم هو المسمّى لكان لكلّ اسم منها إله،و لكنّ اللّه معنى يدلّ عليه بهذه الأسماء، وكلّها غيره.
و
بإسناده إلى هشام بن الحكم، أنّه سأل أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن أسماء اللّه واشتقاقها: اللّه ممّا هو مشتقّ؟
فقال: يا هشام، اللّه مشتقّ من آله، وأله يقتضي مألوها، والاسم غير المسمّى.
فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد اثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التّوحيد.
يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: لتنزّهه عن النّقائص كلّها.
وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ : الجامع للكمالات بأسرها، فإنّها راجعة إلى الكمال في القدرة والعلم.
و
في مجمع البيان : وعن أنس، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأ:
لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ (إلى آخرها) فمات من ليلته، مات شهيدا.
و
عن أنس ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال : [من قرأ آخر الحشر] غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.
و
عن معقل بن يسار ، أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من حين يصبح ثلاث مرّات: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم، وقرأ ثلاث آيات من آخر الحشر، وكلّ اللّه به سبعين ألف ملك يصلّون عليه حتّى يمسي، فإن مات في ذلك اليوم مات شهيدا. ومن قاله حين يمسي، كان بتلك المنزلة.
و
عن أبي هريرة» قال: سألت حبيبي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن اسم اللّه الأعظم.
فقال: عليك بآخر الحشر، واكثر قراءتها.
فأعدت عليه فأعاد عليّ.و
عن أبي امامة ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأ خواتيم الحشر من ليل أو نهار، فقبض في ذلك اليوم أو اللّيلة، فقد أوجبت له الجنّة.
و
في كتاب طبّ الأئمّة : بإسناده إلى ميسر : عن أبي عبد اللّه الصّادق- عليه السّلام- قال: إنّ هذه الآية لكلّ ورم في الجسد يخاف الرّجل أن يؤول إلى شيء، فإذا قرأتها فاقرأها وأنت طاهر قد أعدت وضوءك لصلاة الفريضة، فعوّذ بها ورمك قبل الصّلاة ودبرها، وهي: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ (إلى آخر السّورة) فإنّك إذا فعلت ذلك على ما حدّ لك، سكن الورم.
و
بإسناده إلى عبد اللّه بن سنان: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: يا ابن سنان، لا بأس بالرّقية والعوذة والنّشرة إذا كانت من القرآن. ومن لم يشفه القرآن، فلا شفاه اللّه. وهل شيء أبلغ في هذه الأشياء من القرآن، أليس اللّه يقول: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ (الآية)؟
و
بإسناده إلى جابر: عن أبي جعفر [محمّد بن عليّ الباقر] - عليه السّلام- أنّ رجلا شكا إليه صمما.
فقال: امسح يدك عليه واقرأ عليه : لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ (إلى آخر السّورة).
و
بإسناده إلى جابر بن يزيد الجعفيّ: عن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- قال: قال لي: يا جابر.
قلت: لبّيك، يا ابن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
قال: اقرأ على كلّ ورم آخر سورة الحشر: لَوْ أَنْزَلْنا (إلى آخر السّورة) [و قلعليها] ثلاثا، فإنّه يسكن بإذن اللّه.
و
في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى سليمان بن مهران: عن الصّادق- عليه السّلام-، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ للّه- تبارك وتعالى- تسعة وتسعين اسما، مائة إلّا واحد، من أحصاها دخل الجنّة، وهي:
اللّه، الإله، [الواحد،] ، الأحد، الصّمد، الأوّل، الآخر، السّميع، البصير، القدير، القاهر، العليّ، الأعلى، الباقي، البديع، البارئ، الأكرم، الظّاهر، الباطن، الحيّ، الحكيم، العليم، الحليم، الحفيظ، الحقّ، الحسيب، الحميد، الحفيّ، الرّب، الرّحمن، الرّحيم، الذّارئ، الرّازق ، الرّقيب، الرّؤوف، الرّائي، السّلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبّار، المتكبّر، السّيّد، السّبّوح، الشّهيد، الصّادق، الصّانع، الطّاهر، العدل، العفوّ، الغفور، الغنيّ، الغياث، الفاطر، الفرد ، الفتّاح، الفالق، القديم، الملك، القدّوس، القويّ، القريب، القيّوم، القابض، الباسط، قاضي الحاجات، المجيد، الوليّ ، المنّان، المحيط، المبين، المقيت، المصوّر، الكريم، الكبير، الكافي، كاشف الضّرّ، الوتر، النّور، الوهّاب، النّاصر، الواسع، الودود، الهادي، الوفيّ، الوكيل، الوارث، البرّ، الباعث، التّوّاب، الجليل، الجواد، الخبير، الخالق، خير النّاصرين، الدّيّان، الشّكور، العظيم، اللّطيف، الشّافي.
و
بإسناده إلى عبد السّلام بن صالح الهرويّ: عن الرّضا، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: للّه تسعة وتسعون اسما، من دعا اللّه بها، استجاب له، ومن أحصاها، دخل الجنّة.