سورة الحديد
مدنيّة.
مكّيّة.
و آياتها تسع وعشرون.
بسم الله الرحمن الرحيم
في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة الحديد والمجادلة في صلاة فريضة أدمنها، لم يعذّبه اللّه حتّى يموت أبدا، ولا يرى في نفسه ولا أهله سوءا أبدا، ولا خصاصة في بدنه.
و
في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأ سورة الحديد، كتب من الّذين آمنوا باللّه ورسله .
العرباض بن سارية قال: إنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- كان يقرأ المسبّحات قبل أن يرقد، ويقول: إنّ فيهنّ آية أفضل من ألف آية.
و
روى عمرو بن شمر : عن جابر الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من قرأ المسبّحات كلّها قبل أن ينام، لم يمت حتّى يدرك القائم [- عليه السّلام-] ، وإن مات كان في جوار رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ذكر ها هنا وفي الحشر والصّف بلفظ الماضي، وفي الجمعة والتّغابن بلفظ المضارع، إشعارا بأنّ من شأن ما أسند إليه أن يسبّحه في جميع أوقاته لأنّه دلالة جبليّة لا تختلف باختلاف الحالات. ومجيء المصدر مطلقا في سورة بني إسرائيل أبلغ، من حيث أنّه يشعر بإطلاقه على استحقاقه التّسبيح من كلّ شيء وفي كلّ حال.
و إنّما عدّي بالّلام وهو معدّي بنفسه، مثل: نصحت له، في «نصحته» إشعارا بأنّ إيقاع الفعل لأجل اللّه خالصا لوجهه.
وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ : حال يشعر بما هو المبدأ للتّسبيح.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قال: هو قوله: أعطيت جوامع الكلم.
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: فإنّه الموجد والمتصرّف فيها.
يُحْيِي وَيُمِيتُ: استئناف. أو خبر لمحذوف. أو حال من المجرور في «له».
وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ: من الإحياء والإماتة وغيرهما.
قَدِيرٌ : تامّ القدرة.
هُوَ الْأَوَّلُ: السّابق على سائر الموجودات، من حيث أنّه موجدها ومحدثها.
وَ الْآخِرُ: الباقي بعد فنائها ولو بالنّظر إلى ذاتها مع قطع النّظر عن غيرها . أو هو الأوّل الّذي تبتدئ منه الأسباب، والآخر الّذي تنتهي إليه المسبّبات. أو الأوّل خارجا، والآخر ذهنا .و
في الكافي : أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن فضيل بن عثمان، عن ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ، وقلت: أمّا الأوّل فقد عرفناه، وأمّا الآخر فبيّن لنا تفسيره.
فقال: إنّه ليس شيء إلّا يبيد أو يتغيّر أو يدخله التّغيّر والزّوال، وينتقل من لون إلى لون ومن هيئة إلى هيئة ومن صفة إلى صفة ومن زيادة إلى نقصان ومن نقصان إلى زيادة، إلّا ربّ العالمين، فإنّه لم يزل ولا يزال بحالة واحدة، هو الأوّل قبل كلّ شيء، وهو الآخر على ما لم يزل، ولا تختلف عليه الصّفات والأسماء، كما تختلف على غيره، مثل، الإنسان الّذي يكون ترابا مرّة ومرّة لحما ودما ومرّة رفاتا ورميما، وكالبسر الّذي يكون مرّة بلحا ومرّة بسرا ومرّة رطبا ومرّة تمرا، فتتبدّل عليه الأسماء والصّفات، واللّه بخلاف ذلك.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن محمّد بن حكيم، عن ميمون البان قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- [و قد سئل] عن الأوّل والآخر، فقال: الأوّل لا عن أوّل قبله ولا عن بدء سبقه، والآخر لا عن نهاية، كما يعقل عن صفة المخلوقين، ولكن قديم أوّل قديم آخر، لم يزل ولا يزال بغير بدء ولا نهاية، لا يقع عليه الحدوث ولا يحول من حال إلى حال، خالق كلّ شيء.
عليّ بن محمّد ، مرسلا: عن الرّضا- عليه السّلام- قال: قال: اعلم، علّمك اللّه الخير، أنّ اللّه قديم والقدم صفته الّتي دلّت العاقل على أنّه لا شيء قبله ولا شيء معه في ديموميّته، فقد بان لنا بإقرار العامّة معجزة الصّفة أنّه لا شيء قبل اللّه ولا شيء مع اللّه في بقائه، وبطل قول من زعم أنّه كان قبله أو كان معه شيء، وذلك أنّه لو كان معه شيء في بقائه لم يجز أن يكون خالقا له لأنّه لم يزل معه، فكيف يكون خالقا لمن لم يزل معه؟ ولوكان قبله شيء كان الأوّل ذلك الشّيء لا هذا، وكان الأوّل أولى بأن يكون خالقا للأوّل.
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، رفعه قال: اجتمعت اليهود إلى رأس الجالوت، فقالوا له: إنّ هذا الرّجل عالم، يعنون: أمير المؤمنين- عليه السّلام- فانطلق بناء إليه نسأله.
فأتوه، فقيل لهم: هو في القصر. فانتظروه حتى خرج.
فقال له رأس الجالوت: جئناك نسألك.
قال: يا يهودي، سل عمّا بدا لك.
فقال: أسألك عن ربّك متّى كان؟
فقال: كان بلا كينونة ، كان بلا كيف، كان لم يزل بلا كم وبلا كيف، كان ليس له قبل، هو قبل القبل بلا قبل ولا غاية ولا منتهى، انقطعت عنه الغاية وهو غاية كلّ غاية.
فقال رأس الجالوت: امضوا بناء فهو أعلم ممّا يقال: فيه.
و
بهذا الإسناد : عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الموصليّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: جاء حبر من الأحبار إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقال: يا أمير المؤمنين، متى كان ربّك؟
فقال له: ثكلتك أمّك، ومتى لم يكن حتّى يقال: متّى كان؟ كان ربّي قبل القبل بلا قبل، وبعد البعد وبلا بعد [و لا غاية ولا منتهى] ، لغايته انقطعت الغايات عنده، فهو منتهى كلّ غاية.
فقال: يا أمير المؤمنين،- عليه السّلام- أ نبيّ أنت؟
فقال: ويلك، إنّما أنا عبد من عبيد محمّد.
و
روي
أنّه سئل [- عليه السّلام-]: أين كان ربّنا قبل أن يخلق سماء وأرضا؟
فقال- عليه السّلام-: «أين» سؤال عن مكان، وكان اللّه ولا مكان.علي بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن عمرو بن عثمان عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن سماعة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رأس الجالوت لليهود: إنّ المسلمين يزعمون أنّ عليّا من أجدل النّاس وأعلمهم، اذهبوا بنا إليه لعلّي أسأله عن مسألة وأخطّئه فيها.
فأتاه، فقال لأمير المؤمنين: إنّي أريد أن أسألك عن مسألة.
فقال: سل عمّا شئت.
قال: [يا أمير المؤمنين] متى كان ربّنا؟
قال له: يا يهوديّ، إنّما يقال: متى كان، لمن لم يكن فكان متى كان، هو كائن بلا كينونة كائن، كان بلا كيف [يكون] ، بلى يا يهوديّ [ثمّ بلى يا يهوديّ] كيف يكون له قبل؟ هو قبل القبل بلا غاية ولا منتهى غاية ولا غاية إليها، انقطعت الغايات عنده، هو غاية كلّ غاية.
فقال: أشهد أنّ دينك الحقّ وأنّ من خالفه باطل.
عليّ بن محمّد ، رفعه: عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: أ كان اللّه ولا شيء؟
قال: نعم، كان ولا شيء.
قلت: فأين كان يكون؟
قال: وكان متّكئا فاستوى جالسا، وقال: أحلت ، يا زرارة وسألت عن المكان إذ لا مكان.
وَ الظَّاهِرُ وَالْباطِنُ: الظّاهر وجوده لكثرة دلائله، والباطن حقيقة ذاته فلا تكتنهها العقول. أو الغالب على كلّ شيء، والعالم بباطنه.و «الواو» الأولى والأخيرة للجمع بين الوصفين والمتوسّطة للجمع بين المجموعين .
و
في الكافي : عليّ بن محمّد، مرسلا، عن الرّضا- عليه السّلام- قال: قال: اعلم، علمّك اللّه الخير، أنّ اللّه قديم.
إلى قوله: وأمّا الظّاهر، فليس من أجل أنّه علا الأشياء بركوب فوقها وقعود عليها وتسنّم لذراها ، ولكن ذلك لقهره ولغلبته الأشياء وقدرته عليها، كقول الرّجل:
ظهرت على أعدائي، وأظهرني اللّه على خصمي، يخبر عن الفلج والغلبة، فهكذا ظهور اللّه على الأشياء.
و وجه آخر، أنّه الظّاهر لمن أراده ولا يخفى عليه شيء، وأنّه مدّبر لكلّ ما برأ ، فأيّ ظاهر أظهر وأوضح من اللّه، لأنّك لا تعدم صنعته حيثما توجّهت، وفيك من آثاره ما يغنيك، والظاهر منّا البارز بنفسه والمعلوم بحدّه، فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى.
و أمّا الباطن، فليس على معنى الاستبطان للأشياء [بأن يغور فيها، ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء] علما وحفظا وتدبيرا، كقول القائل: أبطنته، يعني: خبرته وعلمت مكتوم سرّه، والباطن منّا الغائب في الشّيء المستتر، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
و
فيه : خطبة مرويّة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وفيها: الأوّل قبل كلّ شيء ولا قبل له، والآخر بعد كلّ شيء ولا بعد له، الظّاهر على كلّ شيء بالقهر له.
و فيها: الّذي بطن من خفيّات الأمور، وظهر في العقول بما يرى في خلقه من علامات التّدبير.و فيها: الّذي ليست لأوّليته نهاية، ولا لآخريّته حدّ ولا غاية.
و
في التّوحيد»، بإسناده إلى أبي هاشم الجعفريّ قال: كنت عند أبي جعفر الثاني- عليه السّلام- فسأله رجل فقال: أخبرني عن الرّبّ له أسماء وصفات في كتابه، فاسماؤه وصفاته هي هو؟
قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إنّ لهذا الكلام وجهين:
إن كنت تقول: هي هو، أي أنّه ذو عدد وكثرة، فتعالى اللّه عن ذلك.
و إن كنت تقول: لم تزل هذه الأسماء والصّفات، فإن «لم تزل» يحتمل معنيين:
فإن قلت: لم تزل عنده في علمه وهو مستحقّها، فنعم.
و إن كنت تقول: لم يزل تصويرها وهجائها وتقطيع حروفها، فمعاذ اللّه أن يكون معه شيء غيره، بل كان اللّه ولا خلق ثمّ خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرّعون بها إليه ويعبدونه فهي ذكره، وكان اللّه ولا ذكر، والمذكور بالذّكر هو اللّه القديم الّذي لم يزل، والأسماء والصّفات مخلوقات المعاني، والمعني بها: هو اللّه- تعالى- الّذي لا يليق به الاختلاف والائتلاف، فإذا أفنى اللّه الأشياء أفنى الصّور والهجاء، ولا ينقطع ولا يزال من لم يزل عالما. (الحديث)
و
بإسناده إلى أبي بصير: عن أبي جعفر- عليه السّلام- يذكر فيه صفة الرّبّ، وفيه: كان أوّلا بلا كيف، ويكون آخر بلا أين.
و
فيه : عن الرّضا- عليه السّلام- كلام طويل، وفيه: الباطن لا باجتنان ، الظّاهر لا بمحاذ .
وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ : يستوي عنده الظّاهر والخفي.
و
في التوحيد ، خطبة لعليّ- عليه السّلام- وفيها: أحاط بالأشياء علما قبل كونها، فلم يزدد بكونهما علما علمه بها قبل أن يكوّنها، كعلمه بها بعد تكوينها.و
بإسناده إلى منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام-: هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم اللّه بالأمس؟
قال: لا ، من قال هذا فأخزاه اللّه.
قال: قلت: أ رأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم اللّه؟
قال: بلى، قبل أن يخلق الخلق .
و
فيه : عن العالم- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: بالعلم الأشياء قبل كونها.
و
بإسناده إلى أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: لم يزل الله ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم، فلمّا أحدث الأشياء وقع العلم منه على المعلوم.
(الحديث)
و
بإسناده إلى أبان بن عثمان الأحمر قال: قلت للصّادق- عليه السّلام-:
أخبرني عن اللّه لم يزل سميعا بصيرا عليما قديرا؟
قال: نعم.
فقلت له: إنّ رجلا ينتحل موالاتكم، أهل البيت، يقول: إنّ اللّه لم يزل سميعا يسمع وبصيرا يبصر وعليما يعلم وقادرا بقدرة.
فغضب- عليه السّلام- ثمّ قال: من قال ذلك ودان به وفهو مشرك وليس من ولا يتنا على شيء، إنّ اللّه- تعالى- ذات علّامة سميعة بصيرة قادرة.
و
بإسناده إلى محمّد بن مسلم: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: كان اللّه ولا شيء غيره، ولم يزل عالما بما كوّن، كعلمه به قبل كونه، كعلمه بعد ما كوّنه.
و
بإسناده إلى أيّوب بن نوح، أنّه كتب إلى أبي الحسن- عليه السّلام- يسألهعن اللّه: أ كان يعلم الأشياء قبل أن يخلقها وكوّنها، أو لم يعلم ذلك حتّى خلقها وأراد خلقها وتكوينها، فعلم ما خلق عند ما خلق وما كوّن [عند ما كوّن] ؟
فوقع- عليه السّلام- بخطّة: لم يزل اللّه عالما بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء، كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء.
و
بإسناده إلى منصور بن حازم قال: سألته، يعني: أبا عبد اللّه- عليه السّلام-:
هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم اللّه.
قال: لا، بل كان في علمه قبل أن ينشئ السّموات والأرض.
و
بإسناده إلى عبد الأعلى: عن العبد الصّالح موسى بن جعفر- عليه السّلام- قال: علم اللّه لا يوصف منه بأين، ولا يوصف العلم من اللّه بكيف، ولا يفرد العلم من اللّه، ولا يبان اللّه منه، وليس بين اللّه وبين علمه حدّ.
و
فيه ، خطبة لعليّ- عليه السّلام- وفيها: وعلمها لا بأداة لا يكون العلم إلّا بها، وليس بينه وبين معلومه علم غيره.
و
في شرح الآيات الباهرة : عن محمّد بن سهل العطّار، عن أحمد بن محمّد، عن أبي زرعة، عبيد اللّه بن عبد الكريم، عن قبيصة بن عقبة ، عن سفيان بن يحيى، عن جابر بن عبد اللّه قال: لقيت عمّارا في بعض سكك المدينة، فسألته عن النبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فأخبر أنّه في المسجد في ملأ من قومه، وأنّه لمّا صلّى الغداة أقبل علينا، فبينا نحن كذلك وقد بزغت الشّمس إذا أقبل عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.
فقام إليه النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقبّل بين عينيه، وأجلسه إلى جنبه حتى مسّت ركبتاه ركبتيه.
ثمّ قال: يا عليّ، قم للشّمس فكلّمها، فإنّها تكلّمك.فقام أهل المسجد وقالوا: أ ترى عين الشمس تكلّم عليّا؟- عليه السّلام-.
و قال بعض: لا يزال يرفع حسيسة ابن عمّه وينوه باسمه! إذا خرج عليّ- عليه السّلام- فقال للشّمس: كيف أصبحت، يا خلق اللّه؟
فقالت: بخير، يا أخا رسول اللّه،- صلّى اللّه عليه وآله- يا أوّل يا آخر، يا ظاهر يا باطن، يا من هو بكلّ شيء عليم.
فرجع عليّ- عليه السّلام- إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فتبسّم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا عليّ، تخبرني أو أخبرك؟
فقال: منك أحسن، يا رسول اللّه.
فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أمّا قولها لك: يا أوّل، فأنت أوّل من آمن باللّه. وقولها: يا آخر، فأنت آخر من يعاينني على مغسلي. وقولها: يا ظاهر، فأنت آخر من يظهر على مخزون سرّي. وقولها: يا باطن، فأنت المستبطن لعلمي. وأمّا العليم بكلّ شيء، فما أنزل اللّه علما من الحلال والحرام والفرائض والأحكام والتّنزيل والتأويل والنّاسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والمشكل إلّا وأنت به عليم. ولو لا أن تقول فيك طائفة من أمّتي ما قالت النّصارى في عيسى، لقلت فيك مقالا لا تمرّ بملإ إلّا أخذوا التّراب من تحت قدميك يستشفعون به.
قال جابر: فلمّا فرغ عمّار من حديثه أقبل سلمان، فقال عمّار: وهذا سلمان كان معنا. فحدّثني سلمان، كما حدّثني عمّار.
و
روي - ايضا-، عن عبد العزيز بن يحيى، عن محمّد بن زكريّاء، عن عليّ بن حكيم، عن الرّبيع بن عبد اللّه، عن عبد اللّه بن الحسن، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: بينا النّبي- صلّى اللّه عليه وآله- ذات يوم ورأسه في حجر عليّ- عليه السّلام- إذا نام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ولم يكن عليّ- عليه السّلام- صلّى العصر، فقامت الشّمس تغرب فانتبه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فذكر له عليّ- عليه السّلام- شأن صلاته، فدعا اللّه فردّ عليه الشّمس، كهيئتها في وقت العصر، وذكر حديث ردّ الشّمس.
حديث ردّ الشمس.
فقال له: يا عليّ، قم فسلّم على الشّمس وكلّمها، فإنّها ستكلّمك.فقال له: يا رسول اللّه، صلّى اللّه عليه وآله- كيف أسلّم عليها؟
قال: قل: السّلام عليك، يا خلق اللّه.
فقام عليّ وقال: السّلام عليك، يا خلق اللّه.
فقالت: وعليك السّلام يا أوّل يا آخر، يا ظاهر يا باطن، يا من ينجيّ محبّيه ويوثق مبغضيه.
فقال له النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: ما ردّت عليك الشّمس؟ وكان عليّ كاتما عنه.
فقال له النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: قل ما قالت لك الشّمس.
فقال له ما قالت.
فقال النّبي- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ الشّمس قد صدقت وعن أمر اللّه نطقت، أنت أوّل المؤمنين إيمانا، وأنت آخر الوصيّين، ليس بعدي نبيّ ولا بعدك وصي، وأنت الظّاهر على أعدائك، وأنت الباطن في العلم الظّاهر عليه ، ولا فوقك فيه أحد، أنت عيبة علمي وخزانة وحي ربّي، وأولادك خير الأولاد، وشيعتك هم النّجباء يوم القيامة.
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ، كالبذر.
وَ ما يَخْرُجُ مِنْها، كالزّروع.
وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ، كالأمطار.
وَ ما يَعْرُجُ فِيها، كالأبخرة.
وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ: لا ينفكّ علمه وقدرته عنكم بحال.
وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ : فيجازيكم عليه.
و لعلّ تقديم الخلق على العلم لأنّه دليل عليه .
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: ذكره مع الإعادة، كما ذكره مع الإبداء، لأنّه كالمقدّمة لهما .وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ، يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ : بمكنوناتها.
و
في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عاصم بن حميد قال: سئل عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- عن التّوحيد.
فقال- عليه السّلام-: إنّ اللّه علم أنّه يكون في آخر الزّمان أقوام متعمّقون، فأنزل اللّه: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، والآيات من سور الحديد- إلى قوله-: بِذاتِ الصُّدُورِ. فمن رام وراء ذلك فقد هلك.
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ: من الأموال الّتي جعلكم اللّه خلفاء في التّصرف فيها، فهي في الحقيقة له لا لكم. أو الّتي استخلفكم عمّن قبلكم في تملكها والتصرّف فيها.
و فيه حثّ على الإنفاق، وتوهين له على النّفس .
فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ : وعدّ فيه مبالغات: جعل الجملة اسميّة، وإعادة ذكر الإيمان، والإنفاق، وبناء الحكم على الضّمير، وتنكير الأجر ووصفه بالكبر .
وَ ما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، أي: ما تصنعون غير مؤمنين به، كقولك: ما لك قائما؟
وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ: حال من ضمير «لا تؤمنون»، والمعنى:
أي عذر لكم في ترك الإيمان والرّسول يدعوكم إليه بالحج والآيات؟
وَ قَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ، أي: وقد أخذ اللّه ميثاقكم بالإيمان قبل ذلك.قيل: بنصر الأدلّة، والتّمكين من النّظر.
و «الواو» للحال من مفعول «يدعوكم».
و قرأ أبو عمر وعلى البناء للمفعول [و رفع «ميثاقكم] .
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ : لموجب ما، فإنّ هذا موجب لا مزيد عليه .
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ، أي: اللّه، أو العبد.
مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ: من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.
وَ إِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ : حيث نبّهكم بالرّسل والآيات ولم يقتصر على ما نصب لكم من الحجج العقليّة.
وَ ما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا: وأيّ شيء لكم في ألّا تنفقوا؟
فِي سَبِيلِ اللَّهِ: فيما يكون قربة إليه.
وَ لِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: يرث كلّ شيء فيهما، ولا يبقى لأحد مال. وإذا كان كذلك، فإنفاقه بحيث يستخلف عوضا يبقى وهو الثّواب، كان أولى.
لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً: بيان لتفاوت المنفقين باختلاف أحوالهم، من السّبق، وقوّة اليقين، وتحرّي الحاجات حثّا على تحرّي الأفضل منها بعد الحثّ على الإنفاق.
و ذكر القتال للاستطراد.
و قسيم «من أنفق» محذوف لوضوحه، ودلالة ما بعده عليه.
و «الفتح» فتح مكّة، إذ عزّ الإسلام به وكثر أهله وقلّة الحاجة إلى المقاتلة والإنفاق.
و
في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الحسين بن يزيد قال: سمعت الصّادق- عليه السّلام- يقول: يخرج رجل من ولد ابني، موسى، اسمه اسم أمير المؤمنين- عليه السّلام-إلى أرض طوس وهي بخراسان، يقتل فيها بالسّمّ فيدفن فيها غريبا، من زاره عارفا بحقّه أعطاه اللّه أجر من أنفق من قبل الفتح وقاتل [أولئك أعظم درجة] .
مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ أي: من بعد الفتح.
وَ قاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى أي: وعد الله كلّا من المنفقين المثوبة الحسنى، وهي الجنّة.
و قرأ ابن عامر: «و كلّ» بالرّفع على الابتداء ليطابق ما عطف عليه، أي:
و كلّ وعد اللّه.
وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ : عالم بظاهره وباطنه، فيجازيكم على حسبه.
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً: من ذا الّذي ينفق ماله في سبيله رجاء أن يعوّضه، [فإنّه] كمن يقرضه. وحسن الإنفاق بالإخلاص فيه، وتجرّي أكرم المال وأفضل الجهات له.
فَيُضاعِفَهُ لَهُ، أي: يعطي أجره أضعافا.
وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ أي: ذلك الأجر المضموم إليه الاضعاف كريم في نفسه ينبغي أن يتوخى وإن لم يضاعف، فكيف وقد يضاعف أضعافا.
و قرأه عاصم: «فيضاعفه» بالنّصب على جواب الاستفهام باعتبار المعنى ، وكأنّ اللّه قال: أ يقرض اللّه أحد فيضاعفه له.
و قرأ ابن كثير: «فيضعفه» مرفوعا.
و قرأ ابن عامر ويعقوب: «يضعفه» بالنّصب.
و
في الكافي : أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبي المغرا ، عن إسحاقبن عمّار، عن أبي إبراهيم- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- تعالى-: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ (الآية).
قال: نزلت في صلة أرحام الإمام.
و
بإسناده إلى معاذ، صاحب الأكسية، قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ اللّه لم يسأل خلقه ما في أيديهم قرضا من حاجة به إليه، وما كان للّه من حقّ فهو لوليّه.
و
في الخصال : عن عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: قال اللّه: إنّي أعطيت الدّنيا بين عبادي فيضا ، فمن أقرضني منها قرضا أعطيته بكلّ واحدة منهنّ عشرا إلى سبعمائة ضعف وما شئت من ذلك. (الحديث)
و
عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه يقول: يا ابن آدم، تطوّلت عليك بثلاث: سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك ، وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدّم خيرا. (الحديث)
و
في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال الصّادق- عليه السّلام-: على باب الجنّة مكتوب: القرض بثمانية عشر، والصّدقة بعشرة. وذلك أنّ القرض لا يكون إلّا لمحتاج، والصّدقة ربّما وقعت في [يد] غير محتاج.
و
في روضة الكافي : محمّد بن أحمد، عن عبد اللّه بن الصّلت، عن يونس وعن عبد العزيز [بن] المهتدي، عن رجل، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً (الآية) قال: صلة الإمام في دولة الفسّاق.
و
في نهج البلاغة : وأنفقوا أموالكم، وخذوا من أجسادكم جودوا بها علىأنفسكم ولا تبخلوا بها عنها، فقد قال اللّه: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ (الآية).
و استقرضكم وله خزائن السّموات والأرض وهو الغني الحميد، وإنّما أراد أن لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا.
و في كلامه غير هذا، حذفناه لعدم الحاجة إليه هنا.
وفي مجمع البيان : وقال أهل التّحقيق: «القرض الحسن» يجمع عشرة أوصاف.
أن يكون من الحلال، لأنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ اللّه طيّب لا يقبل إلّا الطّيّب.
و أن يكون من أكرم ما يملكه دون أن يقصد الرّدي بالإنفاق، لقوله: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ.
و أن يتصدّق وهو يحبّ المال ويرجوا الحياة، لقوله- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا سئل عن [الصدقة] : أفضل الصّدقة أن تعطيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر.
و لا تمهل حتّى إذا بلغت النّفس التّراقي قلت: لفلان كذا ولفلان كذا.
و أن يضعه في الأخلّ الأحوج الاولى بأخذه، ولذلك خصّ اللّه أقواما بأخذ الصّدقات وهم أهل السّهام.
و أن يكتمه ما أمكن، لقوله: وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.
و ألّا يتبعه المنّ والأذى، لقوله- تعالى-: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى.
و أن يقصد به وجه اللّه ولا يرائي بذلك، لأنّ الرّياء مذموم.
و أن يستحقر ما يعطي وإن كثر، لأنّ متاع الدّنيا قليل.
و أن يكون من أحبّ ماله إليه، لقوله- تعالى-: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ. فهذه الأوصاف العشرة إذا استكملتها الصّدقة، كان ذلك قرضا حسنا.
وفي شرح الآيات الباهرة ، حدّثنا أحمد بن هوزة الباهليّ، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه بن حماد الأنصاري، عن معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ (الآية).
قال: ذلك في صلة الرّحم، والرّحم رحم آل محمّد- صلوات اللّه عليهم أجمعين-.
محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن عيسى بن سليمان النّحّاس ، عن المفضّل بن عمر، عن [الخيبريّ و] يونس بن ظبيان، قالا: سمعنا أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: ما من شيء أحبّ إلى اللّه من إخراج الدّرهم إلى الإمام، وإنّ اللّه ليجعل له الدّرهم في الجنّة مثل جبل أحد.
ثمّ قال: إنّ اللّه يقول: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ (الآية).
ثمّ قال: هو، واللّه، في صلة الإمام خاصّة.
و
روي - أيضا- بهذا الإسناد: عن أحمد بن محمّد، عن محمد بن سنان ، عن حمّاد بن أبي طلحة، عن معاذ صاحب الأكسية قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- لم يسأل خلقه عمّا في أيديهم قرضا من حاجة به إلى ذلك، وما كان لله من حقّ فإنّما هو لوليّه.
و
روي - أيضا-: عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبي المغرا، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- تعالى-: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً (الآية).
قال: نزلت في صلة الإمام.
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ: ظرف لقوله: «و له»، أو «فيضاعفه». أو مقدّر «باذكر».
يَسْعى نُورُهُمْ: ما يوجب نجاتهم وهدايتهم إلى الجنّة.بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ.
قيل : لأنّ السّعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين.
و
في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن [يريد، عن] أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: ثمّ وصف أتباع من المؤمنين- فقال- تعالى-: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ (الآية) وقال: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ، يعني: أولئك المؤمنين.
و
في الخصال : عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال: كنت ذات يوم عند رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إذ أقبل بوجهه على عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- فقال: ألا أبشّرك، يا أبا الحسن؟
قال: بلى، يا رسول اللّه.- صلّى اللّه عليه وآله-.
قال: هذا جبرئيل يخبرني عن اللّه أنّه قال: قد اعطى شيعتك ومحبيك سبع خصال الى ان قال ودخول الجنّة قبل سائر الناس يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ.
و
بإسناده إلى أبي خالد الكابليّ : قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام- في قوله:
نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ أئمّة المؤمنين يوم القيامة تسعى بين يدي المؤمنين وبأيمانهم حتّى ينزلوهم منازل أهل الجنّة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله : يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ (الآية) قال: يقسم النّور بين النّاس يوم القيامة على قدر إيمانهم، يقسم للمنافق فيكون نوره بين إيهام رجلهاليسرى فينظر نوره.
بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ، أي: يقول لهم من يتلقّاهم من الملائكة بشراكم، أي: المبشّر به «جنّات». أو بشراكم دخول جنّات.
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ : الإشارة إلى ما تقدّم من النّور والبشرى بالجنّات المخلّدة.
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ: بدل من «يوم ترى».
لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا: انتظرونا، فإنّهم يسرع بهم إلى الجنّة كالبرق الخاطف. أو انظروا إلينا، فإنّهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فيستضيئون بنور بين أيديهم.
و قرأ حمزة: «أنظرونا ، عن أن اتّئادهم ليحلقوا بهم إمهال لهم.
نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ: نصب منه.
قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ: إلى الدّنيا فَالْتَمِسُوا نُوراً: بتحصيل المعارف الإلهيّة والأخلاق الفاضلة، فإنّه يتولّد منها. أو إلى الموقف، فإنّه من ثمّة يقتبس. أو إلى حيث شئتم فاطلبوا نورا آخر، فإنّه لا سبيل لكم إلى هذا. وهو تهكّم بهم وتخييب من المؤمنين، أو من الملائكة.
فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ: بين المؤمنين والمنافقين.
بِسُورٍ: بحائط لَهُ بابٌ: يدخل فيه المؤمنون.
باطِنُهُ: باطن الباب، أو السّور فِيهِ الرَّحْمَةُ: لأنّه يلي الجنّة.
وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ : من جهته، لأنّه يلي النّار.
يُنادُونَهُمْ أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ: يريدون موافقتهم في الظّاهر.
قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ: بالنّفاق.
وَ تَرَبَّصْتُمْ: بالمؤمنين الدّوائر.
وَ ارْتَبْتُمْ: وشكّكتم في الدّين.
وَ غَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ: كامتداد العمر.حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ: وهو الموت.
وَ غَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ : الشّيطان، أو الدّنيا.
فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ: فداء.
و قرأ ابن عامر ويعقوب، بالتّاء.
وَ لا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا: ظاهرا وباطنا.
مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ: هي أولى بكم، كقول لبيد:
فعدت كلا الفرجين تحسب أنّه مولى المخافة خلفها وامامها
وحقيقة «مولاكم» مجراكم ، أي: مكانكم الّذي يقال فيه: هو أولى بكم، كقولك: هو مئنة الكرم ، أي: مكان قول القائل: إنّه لكريم.
أو مكانكم عمّا قريب، من الولي ، وهو القرب.
أو ناصركم على طريقة قولهم:
تحيّة بينهم ضرب وجميع
أو متولّيكم، بتوليكم، كما تولّيتم موجباتها في الدّنيا.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله : فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ (الآية) قال:
و اللّه، ما عنى به: اليهود ولا النصارى، وما عنى به: إلّا أهل القبلة. [ثمّ قال:
مَأْواكُمُ النَّارُ] هِيَ مَوْلاكُمْ قال: هي أولى بكم.
وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ : النّار و
في الخصال : في مناقب أمير المؤمنين- عليه السّلام- وتعدادها، قال: وأمّا الثّلاثون، فإنّي سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-يقول: تحشر أمّتي يوم القيامة على خمس رايات:
فأوّل راية ترد عليّ مع فرعون هذه الأمّة، وهو معاوية.
و الثّانية مع سامريّ هذه الأمّة، وهو عمرو بن العاص. والثّالثة مع جاثليق هذه الأمّة، وهو أبو موسى الأشعريّ.
و الرّابعة مع أبي الأعور السّلميّ.
و أمّا الخامسة فمعك [، يا عليّ] تحتها المؤمنون وأنت إمامهم.
ثمّ يقول اللّه للأربعة: ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وهم شيعتي من والاني وقاتل معني الفئة الباغية والنّاكبة عن الصّراط، وباب الرّحمة هم شيعتي، فينادي هؤلاء: أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ [في الدنيا] حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ- إلى قوله-: بِئْسَ الْمَصِيرُ.
ثمّ ترد أمّتي وشيعتي فيروون من حوض محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وبيدي عصا عوسج أطرد بها أعداني طرد غريبة الإبل .
و
في شرح الآيات الباهرة : تأويله: قال محمّد بن العباس: حدّثنا محمّد بن الحسن و عليّ بن مهزيار ، عن أبيه، عن جدّه، عن الحسن بن محبوب، عن الأحول، عن سلام بن المستنير قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قوله- تعالى-: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ (الآية).
قال: فقال: إنّها نزلت فينا وفي شيعتنا وفي الكفّار ، أما إنّه إذا كان يوم القيامة وحبس الخلائق في طريق المحشر ضرب اللّه سورا من ظلمة فيه باب باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ، يعني: النّور. وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ، يعني: الظّلمة. فيصيّرنا اللّه وشيعتنا فيباطن السّور الّذي فيه الرّحمة والنّور، ويصيّر عدوّنا والكفّار في ظاهر السّور الّذي فيه الظّلمة، فيناديكم عدوّنا وعدوّكم من الباب الّذي في السّور من ظاهره: ألم نكن معكم في الدّنيا. نبيّنا ونبيّكم واحد، وصلاتنا وصلاتكم واحد وصومنا وصومكم واحد وحجنا وحجّكم واحد؟
قال: فيناديهم الملك من عند اللّه: بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بعد نبيّكم، ثمّ تولّيتم وتركتم أتباع من أمركم به نبيّكم «و تربّصتم» به الدّوائر وارْتَبْتُمْ فيما قال فيه نبيّكم وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ وما اجتمعتم عليه من خلافكم لأهل الحقّ، وغرّكم حلم اللّه عنكم في تلك الحال حتّى جاء الحقّ، ويعني بالحقّ: ظهور عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- ومن ظهر من الأئمة بعده بالحقّ.
و قوله: وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ، يعني: الشيطان. فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: لا توجد (لكم) حسنة تفدون بها أنفسكم مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.
[و
روي - أيضا- تأويل آخر، عن أحمد بن محمّد الهاشمي، عن محمّد بن عيسى العبيديّ، قال: حدّثنا أبو محمّد الأنصاري، وكان خيّرا، عن شريك] عن الأعمش، عن عطاء عن ابن عبّاس، قال: سألت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن قوله- تعالى-:
فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ (الآية).
فقال: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أنا السور، وعليّ الباب.
و
يؤيّده - أيضا- ما رواه عن أحمد بن هوزة عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه بن حمّاد عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن سعيد بن جبير قال: سئل رسول الله- صلّى اللّه عليه وآله- عن قول اللّه: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ (الآية).
فقال: أنا السّور، وعليّ الباب، ليس يؤتى السّور إلّا من قبل الباب .أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ: ألم يأت وقته. يقال:
أنى الأمر يأني أنيا [و أنا] إذا جاء أناه.
و قرئ ، بكسر الهمزة [و سكون النّون] ، من آن يئين، بمعنى: أنى يأني [و «ا لما يأن»] .
نقل : أنّ المؤمنين كانوا مجد بين بمكّة، فلمّا هاجروا أصابوا الرّزق والنّعمة ففتروا عما كانوا عليه، فنزلت.
وَ ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ، أي: القرآن. وهو عطف على «الذّكر» عطف أحد الوصفين على الآخر.
و يجوز أن يراد بالذّكر: أن يذكر اللّه.
و قرأ نافع وحفص ويعقوب: «نزل» بالتّخفيف.
و قرئ : «أنزل».
وَ لا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ: عطف على «تخشع».
و قرأ رويس، بالتّاء، والمراد: النّهي عن مماثلة أهل الكتاب فيما حكي عنهمبقول: فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ، أي فطال عليهم الزّمان بطول أعمارهم وآمالهم، أو ما بينهم وبين أنبيائهم فقست [قلوبهم] .
و قرئ : «الأمدّ» وهو الوقت الأطول.
و
في الكافي : بإسناده إلى أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: تجنّبوا المنى، فإنّها تذهب بهجة ما خوّلتم، وتستصغرون بها مواهب اللّه عندكم، وتعقبكم الحسرات فيما وهمتم به أنفسكم.
و
بإسناده إلى أبي بصير: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لم يزل بنو إسماعيل ولاة البيت ويقيمون للنّاس حجّهم وأمر دينهم، يتوارثونه كابر عن كابر، حتّى كان زمن عدنان بن أدد فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وفسدوا وأحدثوا في دينهم وأخرج بعضهم بعضا. (الحديث)
و
في مجمع البيان ، ومن كلام عيسى- عليه السّلام-: لا تكثروا الكلام بغير ذكر اللّه فتقسو قلوبكم، فإنّ القلب القاسي بعيد من اللّه.
وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ : خارجون عن دينهم، رافضون لما في كتابهم من فرط القسوة.
و
في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى سماعة وغيره: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: نزلت هذه الآية في القائم وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ (الآية).
و
في شرح الآيات الباهرة : تأويله: رواه الشّيخ المفيد- رحمه اللّه- بإسناده، عن محمّد بن همام، عن رجل من أصحاب أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: نزلت هذه الآية: وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ (الآية) [في أهل زمان الغيبة والْأَمَدُ أمد الغيبة، كأنّه أراد- تعالى-: يا أمّة محمّد،- صلّى اللّه عليه وآله- يا معشر الشّيعة، لا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد.
] اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها: تمثيل لإحياء القلوب القاسية بالذّكر والتّلاوة بإحياء الأموات ، ترغيبا في الخشوع وزجرا عن القساوة.
و
في كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى سلام بن المستنير: عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ (الآية) قال: يحيها اللّه بالقائم، بعد موتها، يعني: بموتها كفر أهلها، والكافر ميّت.
و
بإسناده إلى [عبد الرحمن بن] سليط قال: قال الحسين بن عليّ- عليهما السّلام-: منّا اثنا عشر مهديّا، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. وآخر التّاسع من ولدي، وهم القائم بالحقّ، يحيي اللّه به الأرض بعد موتها، ويظهر به الدّين الحقّ [على الدين كلّه] ولو كره المشركون. (الحديث)
و
في روضة الكافي ، بإسناده إلى محمّد الحلبيّ، أنّه سأل أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قوله- تعالى-: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ (الآية).
قال: العدل بعد الجور.
و
في شرح الآيات الباهرة : روى محمّد بن العبّاس، عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، [عن أحمد بن الحسن الميثمي] عن الحسن بن محبوب، عن أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-:
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ (الآية)، يعني بموتها: كفر أهلها، والكافر ميّت، فيحيها اللّه بالقائم- عليه السّلام-، فيعدل فيها فتحيي الأرض ويحيى أهلها بعد موتهم.
قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ : لكي يكمل عقلكم.
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ: إنّ المتصدّقين والمتصدّقات، وقد قرئ بهما.
و قرأ ابن كثير وأبو بكر، بتخفيف الصّاد، أي: الّذين صدقوا اللّه ورسوله.وَ أَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً: عطف على معنى الفعل في المحلّى باللّام، لأنّ معناه: الّذين أصدقوا، أو صدقوا. وهو على الأوّل للدّلالة على أنّ المعتبر هو التّصدّق المقرون بالإخلاص .
يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ .
معناه والقراءة في «يضاعف» ما مرّ، غير أنّه لم يجزم، لأنّه خبر «إنّ» وهو مسند إلى «لهم» أو إلى ضمير المصدر .
وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ، أي: أولئك عند اللّه بمنزلة الصّدّيقين والشّهداء. أو هم المبالغون في الصّدق فإنّهم آمنوا وصدّقوا بجميع أخبار اللّه ورسله، والقائمون بالشّهادة للّه ولهم، أو على الأمم يوم القيامة.
و قيل : وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ مبتدأ وخبر، والمراد به: الأنبياء، من قوله:
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ [وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً.] أو الّذين استشهدوا في سبيل اللّه.
[و
في روضة الكافي خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وهي خطبة الوسيلة يقول فيها- عليه السّلام- وإنّي النبأ العظيم والصّديق الأكبر.
و
بإسناده إلى أبي حمزة ، قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول لرجل من الشيعة أنتم الطيّبون ونساؤكم الطّيّبات كلّ مؤمنة حوراء عيناء وكلّ مؤمن صدّيق
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و
في مجمع البيان :] وروى العيّاشي، بالإسناد، عن منهال القصّاب قال قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- أدع اللّه ان يرزقني الشهادة.فقال: إنّ المؤمن شهيد. وقرأ هذه الآية.
و
عن الحارث بن المغيرة ، قال: كنّا عند أبي جعفر- عليه السّلام- فقال:
العارف منكم هذا الأمر المنتظر له المحتسب فيه الخير، كمن جاهد ، واللّه مع قائم آل محمد- صلوات اللّه عليهم- بسيفه.
ثمّ قال: بل، واللّه، كمن جاهد مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بسيفه.
ثمّ قال الثّالثة: بل، واللّه، كمن استشهد مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في فسطاطه. وفيكم آية في كتاب اللّه.
قلت: وأيّة آية، جعلت فداك؟
قال: قول اللّه: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ (الآية).
[ثمّ] قال: صرتم، واللّه، صادقين شهداء عند ربّكم.
و
في تهذيب الأحكام ، بإسناده إلى أبي حضيرة: سمع عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- يقول وذكر الشّهداء، قال: فقال بعضنا في المبطون، وقال بعضنا في الّذي يأكله السّبع، وقال بعضنا غير ذلك ممّا يذكر في الشّهادة، فقال إنسان: ما كنت أرى أنّ الشّهيد إلّا من قتل في سبيل اللّه.
فقال عليّ بن الحسين: إنّ الشّهداء إذن لقليل. ثمّ قرأ هذه الآية: الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ (الآية).
ثمّ قال: هذه لنا ولشيعتنا.
و
في محاسن البرقيّ : عنه، عن أبيه، عن حمزة بن عبد اللّه الجعفريّ، عن جميل بن درّاج، عن عمرو بن مروان، عن الحرث بن حضيرة ، عن زيد بن أرقم، عن الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- قال: ما من شيعتنا إلّا صدّيق شهيد.
قال: قلت: جعلت فداك، أنّى يكون ذلك وعامّتهم يموتون على فراشهم ؟فقال: أما تتلوا كتاب اللّه في الحديد: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ (الآية).
قال: فكأنّي لم أقرأ هذه الآية من كتاب اللّه.
و قال: لو كان الشّهداء كما يقولون كان الشّهداء قليلا.
عنه [عن أبيه] ، عن النّضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبيّ، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال لي: يا أبا محمّد، إنّ الميّت منكم على هذا الأمر شهيد.
قلت: وإن مات على فراشه؟
قال: إي، واللّه، وإن مات على فراشه فإنّه حيّ عند ربّه يرزق.
عنه ، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن أبان بن تغلب قال: كان أبو عبد اللّه- عليه السّلام- إذا ذكر هؤلاء الّذين يقتلون في الثّغور يقول: ويلهم ما يصنعون بهذا يتعجّلون قتلة الدّنيا وقتلة الآخرة، واللّه، ما الشّهداء إلّا شيعتنا وإن ماتوا على فراشهم.
عنه ، عن ابن محبوب، عن عمرو بن ثابت، أبي المقدام، عن مالك الجهنيّ قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا مالك، إنّ الميّت منكم على هذا الأمر شهيد بمنزلة الضّارب في سبيل اللّه.
و
قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما يضرّ رجلا من شيعتنا أيّة ميتة مات، أكله السّبع، أو حرق بالنّار، أو خنق ، أو قتل، هو واللّه شهيد.
و
في شرح الآيات الباهرة : ممّا جاء في تأويل الصّديقين: ما رواه محمّد بن العبّاس، عن أحمد بن محمّد، عن إبراهيم بن إسحاق، عن الحسن بن [عبد الرّحمن، يرفعهإلى] عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: الصّديقون ثلاثة: حبيب النّجّار وهو مؤمن آل يس، وحزقيل وهو مؤمن آل فرعون، وعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- [و هو أفضل الثلاثة.] .
و
يؤيّده : ما رواه- أيضا-، عن الحسن بن عليّ المقريّ، بإسناده، عن رجاله، مرفوعا إلى أبي أيّوب الأنصاريّ قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: الصّديقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب مؤمن آل يس، وعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وهو أفضل الثلاثة.
و
روى - أيضا-، عن جعفر بن محمّد بن مالك، عن محمّد بن عمرو، عن عبد اللّه بن سليمان، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن عمر بن الفضل البصريّ، عن عبّاد بن صهيب، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: هبط على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ملك له عشرون ألف رأس، فوثب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ليقبّل يده، فقال له الملك: مهلا مهلا، يا محمّد،- صلّى اللّه عليه وآله- فأنت- واللّه- أكرم على أهل السّموات وأهل الأرضين. والملك يقال له: محمود، فإذا بين منكبيه مكتوب: لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه،- صلّى اللّه عليه وآله- عليّ الصّدّيق الأكبر.
فقال له النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: حبيبي محمود، منذ كم هذا مكتوب بين منكبيك؟
قال: من قبل أن يخلق اللّه [آدم] أباك باثني عشر ألف عام.
و فيه : وأمّا تأويل قوله: وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ وذكر ما نقلناه عن تفسير العيّاشيّ.
ثمّ قال: ويؤيّده
ما رواه صاحب كتاب البشارات، مرفوعا إلى الحسين بن [أبي] حمزة، عن أبيه قال: قلت لأبى عبداللّه عليه السّلام-: جعلت فداك، قد كبر سنّي ودقّ عظمي واقترب أجلي، وقد خفت أن يدركني قبل هذا الأمر الموت.
قال: فقال لي: يا أبا حمزة، أو ما ترى الشّهيد إلّا من قتل؟
قلت: نعم، جعلت فداك.
فقال لي: يا أبا جمزة، من آمن بنا وصدّق حديثنا وانتظرنا كان كمن قتل تحت راية القائم، بل واللّه، تحت راية رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
و
عن أبي بصير قال: قال لي الصّادق- عليه السّلام-: يا أبا محمّد، إنّ الميّت [منكم] على هذا الأمر شهيد.
قال: قلت: جعلت فداك، وإن مات على فراشه؟
[قال: وإن مات على فراشه] فإنّه حيّ يرزق .
ثمّ قال: ويعضده:
ما رواه محمّد بن يعقوب، بإسناده، عن يحيى الحلبيّ ، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: جعلت فداك، أ رأيت الرّادّ عليَّ هذا الأمر كالرّادّ عليكم؟
فقال: يا أبا محمّد، من ردّ عليك هذا الأمر فهو كالرّادّ على [رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وعلى اللّه] .
يا أبا محمّد، إنّ الميّت منكم على هذا الأمر شهيد.
قلت: وإن مات على فراشه؟
قال: إي، واللّه، وإن مات على فراشه حيّ [عند ربّه] يرزق.
و
روى - أيضا- بإسناده: عن عبد اللّه بن مسكان، عن مالك الجهنيّ قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا مالك، أما ترضون أن تقيموا الصّلاة وتؤتوا الزّكاة وتكفّواأيديكم وألسنتكم وتدخلوا الجنّة؟
يا مالك، إنّه ليس من قوم ائتمّوا بإمام في الدّنيا إلّا جاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه إلّا أنتم، ومن كان على مثل حالكم.
يا مالك، إنّ الميّت منكم، واللّه، على هذا الأمر لشهيد بمنزلة الضّارب بسيفه في سبيل اللّه.
و
روى ابن بابويه: عن أبيه، بإسناده يرفعه، إلى أبي بصير ومحمّد بن مسلم قال: قال أبو عبد اللّه: حدّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه- عليهم السّلام- أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- علّم أصحابه في يوم واحد أربعمائة باب من العلم، منها قوله- عليه السّلام-: احذروا السّفلة، فإنّ السّفلة لا تخاف اللّه، لأنّ فيهم قتلة الأنبياء وفيهم أعداؤنا.
إنّ اللّه أطّلع على الأرض فاختارنا، واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا (أولئك منّا) [و إلينا] ، وما من الشّيعة عبد يقارف أمرا نهيناه عنه فلا يموت حتّى يبتلى ببليّة تمحّص فيها ذنوبه، إمّا في ماله أو في ولده أو في نفسه حتّى يلقى اللّه وما له ذنب، وإنّه ليبقى عليه شّيء من ذنوبه فيشدّد عليه عند موته.
و الميّت من شيعتنا صدّيق شهيد، صدّق بأمرنا وأحبّ فينا، وأبغض فينا يريد بذلك [وجه] اللّه، مؤمن [باللّه وبرسله ، قال اللّه: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ (الآية).
ثمّ قال: وجاء في خطبة له- عليه السّلام- في «النّهج» [ألزموا الأرض و] ما يؤيّد هذه الأحاديث، وهو قوله- عليه السّلام- لأصحابه: [ألزموا الأرض، و] اصبروا علىالبلاد، ولا تحرّكوا بأيديكم وسيوفكم في هوى ألسنتكم، ولا تستعجلوا بما لم يعجّله اللّه لكم، فإنّه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حقّ ربّه وحقّ رسوله وأهل بيته مات شهيدا، ووقع أجره على اللّه، واستوجب ثواب ما نواه من صالح عمله، وقامت النّيّة مقام إصلاته لسيفه .
لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ.
قيل : مثل أجر الصّدّيقين والشّهداء، ومثل نورهم. أو الأجر والنّور الموعودان لهم.
و
في مجمع البيان : لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ، أي: لهم ثواب طاعتهم ونور إيمانهم الّذي يهتدون به إلى طريق الجنّة. وهذا قول عبد اللّه بن مسعود، ورواية براء بن عازب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-. (انتهى)
و أقول: قد مرّ في الأخبار ما يدلّ على أنّ المراد بنور المؤمنين ما ذا.
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ .
فيه دليل على أنّ الخلود في النّار مخصوص بالكفّار، من حيث أنّ التّركيب يشعر بالاختصاص ، والصّحبة تدلّ على الملازمة عرفا.
و
في أمالي شيخ الطّائفة ، في الحديث السّابق المنقول في آخر سورة الفتح، متّصلا بقوله: وأهل الولاية له. وقوله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ هم الّذين قاسم عليهم النّار فاستحقّوا الجحيم.
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ لمّا ذكر حال الفريقين في الآخرة حقّر أمور الدّنيا، وهي ما لا يتوصّل به إلىالفوز الآجل، بأن بيّن أنّها أمور خياليّة قليلة النّفع سريعة الزّوال، لأنها لعب يتعب فيه النّاس أنفسهم جدّا أتعاب الصبيان في الملاعب من غير فائدة، ولهو يلهون به أنفسهم عمّا يهمّهم، وزينة، كالملابس الحسنة والمراكب البهيّة والمنازل الرّفيعة، وتفاخر بالأنساب وتكاثر بالعدد [و العدد] .
ثمّ قرّر ذلك بقوله: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً: وهو تمثيل لها في سرعة تقضّيها وقلّة جدواها بحال نبات أنبته الغيث فاستوى واعجب به الحرّاث. أو الكافرون باللّه، لأنّهم أشدّ إعجابا بزينة الدّنيا، ولأنّ المؤمن إذا رأى معجبا انتقل فكره إلى قدرة صانعه فاعجب بها والكافر لا يتخطّى فكره عمّا أحسّ به فسيغرق فيه إعجابا، ثمّ هاج، أي: يبس بعاهة فاصفرّ، ثمّ صار حطاما.
ثمّ عظّم أمور الآخرة بقوله: وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ: تنفيرا عن الانهماك في الدّنيا، وحثّا على ما يوجب كرامة العقبى.
ثمّ أكد ذلك بقوله: وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ ، أي: لمن أقبل عليها ولم يطلب الآخرة بها.
سابِقُوا: سارعوا مسارعة المسابقين في المضمار.
إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [إلى موجباتها] وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، أي: عرضها كعرضيهما . وإذا كان العرض كذلك، فما ظنّك بالطّول؟! وقيل : المراد به: البسطة ، كقوله: «فذو دعاء عريض».
أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ.
فيه دليل على أنّ الجنّة مخلوقة ، وأنّ الإيمان وحده كاف في استحقاقها .
و
في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت: أخبرنيعمّا ندب اللّه المؤمنين إليه من الاستباق إلى الإيمان.
فقال: قول اللّه: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ- إلى قوله: وَرُسُلِهِ (الحديث).
و
في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ أدنى أهل الجنّة منزلا لو نزل به الثّقلان الجنّ والإنس لوسعهم طعام وشرابا، ولا ينقص ممّا عنده شيء. وإنّ أيسر أهل الجنّة من يرفع له ثلاث حدائق، فإذا دخل أدنا هنّ رأى فيها [من الأزواج] والخدم والأنهار والثّمار ما شاء اللّه ممّا يملأ عينه قرة وقلبه مسرة، فإذا شكر اللّه وحمده قيل له: ارفع رأسك إلى الحديقة الثّانية ففيها ما ليس في الأخرى.
فيقول: يا ربّ، أعطني هذه.
فيقول: اللّه: إنّ أعطيتكها سألتني غيرها؟
فيقول: ربّ، هذه هذه.
فإذا هو دخلها [و عظمت مسرته] شكر اللّه وحمده، قال: فيقال: افتحوا له بابا إلى الجنّة ، ويقال له: ارفع رأسك.
فإذا قد فتح له باب من الخلد ويرى أضعاف ما كان فيما قبل، فيقول عند مضاعفة مسرّاته: ربّ، لك الحمد الّذي لا يحصى إذ قد مننت عليّ بالجنان وأنجيتني من النّيران. (الحديث)
ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ: ذلك الموعود يتفضّل به من يشاء من غير إيجاب.
وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ : فلا يبعد منه التّفضّل بذلك وإن عظم قدره.
ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ، كجدب وعاهة.
وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ، كمرض وآفة.إِلَّا فِي كِتابٍ.
قيل : إلّا مكتوبة في اللّوح، مثبّتة في علم.
مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها: نخلقها. والضّمير «للمصيبة»، أو «للأرض» أو «للأنفس».
و
في علل الشّرائع ، بإسناده إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: تعتلج النطفتان في الرّحم فأيّتهما كانت أكثر جاءت تشبهها ، فإن كانت نطفة المرأة أثر جاءت تشبه أخواله، وإن كانت نطفة الرّجل أكثر جاءت تشبه أعمامه.
و قال: تحول النّطفة في الرّحم أربعين يوما، فمن أراد أن يدعو اللّه ففي تلك الأربعين قبل أن تخلق .
ثمّ يبعث اللّه ملك الأرحام فيأخذها فيصعد بها إلى اللّه، فيقف منه حيث شاء اللّه، فيقول: [يا إلهي] أذكر أم أنثى؟ فيوحي اللّه من ذلك ما يشاء ويكتب الملك، فيقول: اللّهمّ ، كم رزقه، وما أجله؟ ثمّ يكتبه ويكتب كلّ ما في الدّنيا بين عينيه.
ثمّ يرجع به فيردّه في الرّحم، فذلك قول اللّه: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ (الآية).
إِنَّ ذلِكَ: إنّ ثَبْتَه في كتاب عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ : لاستغنائه فيه عن العدّة والمدّة.
و
في تفسير عليّ بن إبراهيم ، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن كثير: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ (الآية) قال: صدق اللّه وبلّغت رسله، كتابه في السّماء علمه بها، وكتاب في الأرض علومنا في ليلة القدر وغيرها.
و
قال الصّادق- عليه السّلام- : لمّا ادخل رأس الحسين بن عليّ- عليه السّلام-على يزيد بن معاوية وادخل عليه عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- [و بنات أمير المؤمنين- عليه السّلام-، وكان عليّ بن الحسين- عليهما السّلام-] مقيّدا مغلولا، قال يزيد: يا عليّ بن الحسين،- عليه السّلام- ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ.
فقال عليّ بن الحسين- عليهما السّلام [-: كلّاما] نزلت [هذه الآية فينا] ، إنّما نزلت فينا: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ (الآية) فنحن الّذين لا نأسى على ما فاتنا ولا نفرح بما أوتينا منها.
و
في كتاب مقتل الحسين- عليه السّلام- لأبي مخنف: أنّ يزيد لمّا نظر إلى عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال له: أبوك قطع رحمي وجهل حقّي ونازعني في سلطاني، ففعل اللّه به ما رأيت.
قال له عليّ بن الحسين- عليهما السّلام-: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ (الآية).
لِكَيْلا تَأْسَوْا»، أي: أثبت وكتب كي لا تحزنوا عَلى ما فاتَكُمْ: من نعم الدّنيا.
وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ: بما أعطاكم اللّه منها، فإنّ من علم أنّ الكلّ مقدّر هان عليه الأمر.
و قرأ»
أبو عمرو: «بما أتاكم» من الإتيان، ليعادل «ما فاتكم».
و المراد به: نفي الأسى المانع عن التّسليم لأمر اللّه والفرح الموجب للبطر والاختيال، ولذلك عقّبه بقوله: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ : إذ قلّ من يثبت نفسه حالتي الضّرّاء والسّرّاء.
و
في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال أبو جعفر الثّاني- عليه السّلام- في قوله: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ: قال: أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: سأل رجل أبي عن ذلك.فقال: نزلت في أبي بكر وأصحابه، واحدة مقدّمة، وواحدة مؤخّرة (لِكَيْلا) تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ ممّا خصّ به عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ من الفتنة الّتي عرضت لكم بعد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
فقال الرّجل: أشهد أنّكم أصحاب الحكم الّذي لا اختلاف فيه.
ثمّ قام الرّجل فذهب فلم أره.
[و بإسناده إلى حفص بن غياث، قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- جعلت فداك فما حدّ الزّهد في الدّنيا فقال قد حدّه اللّه في كتابه فقال- عزّ وجلّ- لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ] .
و
بإسناده إلى سليمان بن داود، رفعه قال: جاء رجل إلى عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- فقال له: فما الزّهد؟
قال [الزهد] عشرة أجزاء، فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الرّضا. ألا وإنّ الزّهد في آية من كتاب اللّه لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ.
و
في الكافي ، بإسناده إلى الباقر- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: إنّ إلياس- عليه السّلام- قال له: أخبرني عن تفسير- (لِكَيْلا) تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ.
[قال في أبي فلان وأصحابه، واحدة مقدّمة، وواحدة مؤخّرة (لِكَيْلا) تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ] ممّا خصّ به عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ من الفتنة الّتي عرضت لكم بعد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن شعيب بن عبد اللّه، عن بعض أصحابه، رفعه قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إنّ النّاس ثلاثة زاهد، وصابر، وراغب. فأمّا الزّاهد فقد خرجت الأحزان والأفراح من قلبه، فلايفرح بشيء من الدّنيا ولا يأسى على شيء منها، فاته فهو مستريح. (الحديث).
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعليّ بن محمّد، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن عليّ بن هاشم بن البريد، عن أبيه، أنّ رجلا سأل عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- عن الزّهد.
فقال: عشرة أجزاء فأعلى درجة الزّهد [أدنى درجة] الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درج اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرّضا. ألا وإنّ الزّهد في آية من كتاب اللّه لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ.
و
في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: الزّهد كلّه بين كلمتين من القرآن [قال اللّه- تعالى-] : لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ. ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي، فقد أخذ الزّهد بطرفيه.
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ: بدل من كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ، فإنّ المختال بالمال يضنّ به غالبا.
أو مبتدأ خبره محذوف ومدلول عليه بقوله : وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ : لأنّ المعنى: ومن يعرض عن الإنفاق فإنّ اللّه غنيّ عنه وعن إنفاقه محمود في ذاته- تعالى- لا يضرّه الإعراض عن شكره ولا ينفه التّقرّب إليه بشكر نعمه.
و فيه تهديد، وإشعار بأنّ الأمر بالإنفاق لمصلحة المنفق.
و قرأ نافع وابن عامر: فإنّ اللّه الغنيّ».
و
في مجمع البيان : في الحديث: أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- سأل عن سيّد بني عوف.
فقالوا: جدّ بن قيس، على أنّه يزنّ بالبخل.
فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: وأيّ داء أدوى من البخل، سيّدكم البراء بن معرور.
و معنى «يزنّ»: يتّهم ويقرف .
لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا، أي: الملائكة إلى الأنبياء. أو الأنبياء إلى الأمم.
بِالْبَيِّناتِ: بالحجج والمعجزات .
وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ: ليبين الحقّ، ويميز صواب العمل.
وَ الْمِيزانَ: لتسوّى به الحقوق، ويقام به العدل، كما قال: لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ.
قيل : المراد بإنزاله: إنزال أسبابه والأمر بإعداده.
و قيل : أنزل الميزان إلى نوح.
و
في جوامع الجامع : وروى أنّ جبرئيل نزل بالميزان فدفعه إلى نوح، قال: مر قومك يزنوا به.
و يجوز أن يراد به: العدل، لتقام به السّياسة وتدفع به الأعداء.
و
في الكافي ، بإسناده إلى عبد الحميد بن أبي الدّيلم: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه وقد ذكر المسيح: وجرت من بعد في الحواريّين في المستحفظين، وإنّما سمّاهم [اللّه- عزّ وجلّ-] المستحفظين لأنّهم استحفظوا الاسم الأكبر، وهو الكتاب الّذي يعلم به علم كلّ شيء، الّذي كان مع الأنبياء، يقول اللّه: لَقَدْ أَرْسَلْنا [رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ] وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ الكتاب الاسم الأكبر. وإنّما عرف ممّا يدعى الكتاب التّوراة والإنجيل والفرقان، فيها كتاب نوح- عليه السّلام- وفيها كتاب صالح وشعيب وإبراهيم، فأخبر اللّه:إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى، صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى. فأن صحف إبراهيم؟ إنّما صحف إبراهيم الاسم الأكبر، وصحف موسى الاسم الأكبر، فلم تزل الوصيّة في عالم بعد عالم حتّى دفعوها إلى محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: الْمِيزانَ الإمام.
وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ: فإنّ آلات الحروب متّخذة منه.
و
في التّوحيد ، حديث طويل: عن عليّ- عليه السّلام- يقول فيه، وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات: وقد أعلمتك أنّ ربّ شيء من كتاب اللّه تأويله غير تنزيله ولا يشبه كلام البشر، وسأنبئك بطرف منه فتكتفي- إن شاء اللّه-: من ذلك قول إبراهيم:
إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ. فذهابه إلى ربّه توجّهه إليه عبادة واجتهادا وقربة إلى اللّه، ألا ترى أنّ تأويله غير تنزيله، وقال: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ، يعني:
السّلاح وغير ذلك.
و
في الاحتجاج» للطّبرسي- رحمه اللّه-: عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: وقال: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ فإنزاله خلقه إيّاه.
و
في الخصال عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، يقول فيه: ثمّ إنّ الجبال فخرت على الأرض فشمخت واستطالت، وقالت: أيّ شيء يغلبني؟ فخلق الحديد فقطعها، فقرّت الجبال وذلّت. [ثمّ إنّ] الحديد [فخر على الجبال، وقال: أيّ شيء يغلبني؟ فخلق النّار فأذابت الحديد] .
وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ: إذ ما من صنعة إلّا والحديد آلتها.
و
في مجمع البيان : وروى ابن عمر ، عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ اللّه أنزل أربع بركات من السّماء إلى الأرض: أنزل الحديد، والماء، والنّار، والملح.
وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ: باستعمال الأسلحة في مجاهدة الكفّار.و العطف على محذوف دلّ عليه ما قبله، فإنّه حال يتضمّن تعليلا . أو اللّام صلة لمحذوف، أي: أنزله ليعلم اللّه .
بِالْغَيْبِ: حل من المستكنّ في «ينصره».
إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ: على إهلاك من أراد إهلاكه.
عَزِيزٌ : لا يفتقر إلى نصرة، وإنّما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستوجبوا ثواب الامتثال به.
وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ: بأن استنبأناهم، وأوحينا إليهم الكتب.
و قيل : المراد بالكتاب: الخطّ.
فَمِنْهُمْ: فمن الذّرّيّة. أو فمن المرسل إليهم، وقد دلّ عليهم «أرسلنا».
مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ : خارجون عن الطّريق المستقيم.
و العدول عن سنن المقابلة للمبالغة في الذّمّ، والدّلالة على أنّ الغلبة للضّلّال .
في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل، يقول فيه: أما علمتم أنّه وقعت الوراثة والطّهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم؟
قالوا: ومن أين، يا أبا الحسن؟- عليه السّلام-.
قال- عليه السّلام-: من قول اللّه- تعالى-: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ- إلى قوله-: فاسِقُونَ. فصارت وراثة النّبوّة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين، أما علمتم أنّ نوحا حين سأل ربّه فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ. وذلك أنّ اللّه وعده أن ينجيه وأهله.فقال له ربّه: يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ (الآية).
ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ : أي: أرسلنا رسولا بعد رسول حتّى انتهى إلى عيسى- عليه السّلام-.
و الضّمير «لنوح وإبراهيم» ومن أرسلا إليهم. أو من عاصر هما من الرّسل لا للذّرّيّة، فإنّ الرّسل المقفّى بهم من الذّرّيّة.
وَ آتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ.
و قرئ ، بفتح الهمزة، وأمره أهون من أمر البرطيل لأنّه أعجميّ.
وَ جَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً.
و قرئ : «رآفة» على فعالة.
وَ رَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها، أي: وابتدعوا رهبانيّة ابتدعوها. أو رهبانيّة مبتدعة، على أنّها من المجعولات، وهي المبالغة في العبادة والرّياضة والانقطاع عن النّاس، منسوبة إلى الرّهبان وهو المبالغة في الخوف، من رهب، كالخشيان، من خشي.
و قرئت ، بضمّ الرّاء، كأنّها منسوبة إلى الرّهبان، وهو جمع راهب، كركبان، جمع راكب.
ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ: ما فرضنا عليهم.
إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ: استثناء منقطع، أي: ولكنّهم ابتدعوها ابتغاء رضوان اللّه.
و قيل : متّصل، فإنّ ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ بمعنى: ما تعبّدناهم بها. وهو كما ينفي الإيجاب المقصود منه دفع العقاب، ينفي النّدب المقصود منه مجرّد حصول مرضاة اللّه. وهو يخالف قوله: «ابتدعوها» إلّا أن يقال: ابتعدوها ثمّ ندبوا إليها. أو «ابتدعوها» بمعنى: استحدثوها وأتوا بها أوّلا، لأنّهم اخترعوها من تلقاء أنفسهم.
فَما رَعَوْها، أي: فما رعوها جميعا حَقَّ رِعايَتِها: بضمّ التّثليث، والقولبالاتّحاد، وقصد السمعة، والكفر بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- ونحوها إليها.
و
في عيون الأخبار ، بإسناده إلى محمّد بن عليّ بن أبي عبد اللّه: عن أبي الحسن- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها (الآية) قال: صلاة اللّيل.
و في الكافي ، بإسناده إلى محمّد بن علّ بن أبي عبد اللّه، مثله سواء.
و
في مجمع البيان : في خبر مرفوع إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: فما رعاها الّذين بعدهم حقّ رعايتها، وذلك لتكذيبهم بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- عن ابن عبّاس.
و قال الزّجّاج: إنّ تقديره: ما كتبناها عليهم إلّا ابتغاء رضوان اللّه [و ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ] اتّباع ما أمر به. فهذا وجه.
قال: وفيها وجه آخر، جاء في التّفسير: أنّهم كانوا يرون من ملوكهم ما لا يصبرون عليه، فاتّخذوا أسرابا وصوامع وابتدعوا ذلك، فلمّا ألزموا أنفسهم ذلك التّطوّع ودخلوا عليه لزمهم تمامه، كما أنّ الإنسان إذا جعل على نفسه صوما لم يفرض عليه لزمه أن يتمّه.
قال: وقوله: فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها على ضربين:
أحد هما، أن يكونوا قصّروا فيما ألزموا أنفسهم.
و الآخر، وهو الأجود، أن يكونوا حين بعث النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فلم يؤمنوا به كانوا تاركين لطاعة اللّه، فما رعوا تلك الرّهبانيّة حقّ رعايتها، ودليل ذلك قوله:
فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا [مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ، يعني: الّذين آمنوا] بالنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ، أي: كافرون. (انتهى كلام الزّجّاج).
و يعضد هذا:
ما جاءت به الرّواية ، عن ابن مسعود قال: كنت رديف رسولاللّه- صلّى اللّه عليه وآله- على حمار.
فقال: يا ابن أمّ عبد، هل تدري من أين أحدث بنو إسرائيل الرّهبانيّة؟
قلت: اللّه ورسوله أعلم.
قال: ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى- عليه السّلام- يعملون بمعاصي اللّه، فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم، فهزم أهل الإيمان ثلاث مرّات فلم يبق منهم إلّا القليل، فقالوا: إن ظهرنا لهؤلاء أفنونا ولم يبق للّدين أحد يدعو إليه، فتعالوا نتفرّق في الأرض إلى أن يبعث اللّه النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- الّذي وعدنا عيسى، يعنون: محمّدا. فتفرّقوا في غيران الجبال وأحدثوا رهبانيّة، فمنهم من تمسّك بدينه، ومنهم من كفر. ثمّ تلا هذه الاية: وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها (الآية).
ثمّ قال: يا ابن أمّ عبد، أ تدري ما رهبانيّة أمّتي؟
قلت: اللّه ورسوله أعلم.
قال: الهجرة، والجهاد، والصّلاة، والصّوم، والحجّ، والعمرة.
و
عن ابن مسعود قال: دخلت على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال:
يا ابن مسعود، اختلف من كان قبلكم على اثنتين وسبعين فرقة، نجا منها ثنتان وهلك سائرهن، فرقة قاتلوا الملوك على دين عيسى فقتلوهم، وفرقة لم يكن لهم طاقة لموازاة الملوك، ولا أنّ يقيموا بين ظهرانيهم يدعونهم إلى دين اللّه ودين عيسى، فساحوا في البلاد وترهبوا، وهم الّذين قال اللّه: وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ.
ثمّ قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: من آمن بي وصدّقني واتّبعني فقد رعاها حقّ رعايتها، ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون.
فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا: أتوا بالإيمان الصّحيح، ومن ذلك الإيمان بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وحافظوا حقوقها.
مِنْهُمْ: من المتّسمين باتّباعه.
أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ : خارجون عن حال الاتّباع.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: بالرّسل المتقدّمة.
اتَّقُوا اللَّهَ: فيما نهاكم عنه.وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ، محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.
يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ: نصيبين مِنْ رَحْمَتِهِ لإيمانكم بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وإيمانكم بمن قبله.
و لا يبعد أن يثابوا على دينهم السّابق، وإن كان منسوخا، ببركة الإسلام.
و قيل : الخطاب للنّصارى الّذين كانوا في عصره.
وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ: يريد: المذكور في قوله: يَسْعى نُورُهُمْ. أو الهدى الّذي يسلك به إلى طريق الجنّان .
و
في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال: الحسن والحسين- عليهما السّلام-.
وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ قال: إمام تأتمون به.
أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي الجارود قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: لقد أتى اللّه أهل الكتاب خيرا كثيرا.
قال: وما ذاك؟
قلت: قول اللّه: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ- إلى قوله-: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا.
قال: فقال: فقد آتاكم اللّه كما آتاهم. ثمّ تلا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ، يعني: إماما تأتمون به.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال: نصيبين من رحمته: أحد هما ألّا يدخله النار وثانيهما ان يدخله الجنّة. وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ، يعني: الإيمان.و
في المناقب لابن شهر آشوب: عن الصّادق- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ (الآية).
قال: الكفلين الحسن والحسين- عليهما السّلام-. والنور عليّ- عليه السّلام-.
و
في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا [علي بن عبد اللّه عن] إبراهيم بن محمّد الثّقفيّ، عن إسماعيل بن بشّار، عن عليّ بن صقر الحضرميّ ، عن جابر بن يزيد الجعفيّ قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ.
قال: الكفلين الحسن والحسين- عليهما السّلام-.
قلت: وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ قال: يجعل لكم إماما تأتمّون به.
و
قال - أيضا-: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، عن محمّد بن زكريّا، عن أحمد بن عيسى بن زيد قال: حدّثني عمّي، الحسين بن زيد، قال: حدّثني شعيب بن واقد قال: سمعت الحسين بن زيد يحدّث، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام-، عن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنه-، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في قوله: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال: الحسن والحسين- عليهما السّلام-. وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ قال:
[عليّ- عليه السّلام-.
و
قال - أيضا-: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن محمّد، عن [إبراهيم بن] ميمون، عن ابن أبي شيبة، عن جابر الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ- يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال: الحسن والحسين- عليهما السّلام-. وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ قال: إمام عدل تأتمّون به وهو عليّ- عليه السّلام-.و
قال : [حدّثنا] عبد العزيز بن يحيى، عن المغيرة بن محمّد عن الحسين بن حسن المروزيّ، عن الأحول بن جواب، عن عمّار بن زريق ، عن ثوير بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن كعب عيّاض قال: طعنت على عليّ- عليه السّلام- بين يدي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فوكزني في صدري.
ثمّ قال: يا كعب، إنّ لعليّ نورين: نورا في السّماء، ونورا في الأرض. فمن تمسّك بنوره أدخله اللّه الجنّة، ومن أخطأه أدخله اللّه النّار، فبشّر النّاس عنّي بذلك.
و
روي في معنى نوره- عليه السّلام- : ما روي مرفوعا، عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: خلق اللّه من نوره وجه عليّ- عليه السّلام- سبعين ألف ملك يستغفرون له ولمحبّيه إلى يوم القيامة.
وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
في مجمع البيان : قال سعيد بن جبير: بعث رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- جعفرا في سبعين راكبا إلى النّجاشيّ يدعوه، فقدم عليه ودعاه فاستجاب له وآمن به.
فلمّا كان عند انصرافه قال ناس ممّن آمن به من أهل مملكته، وهم أربعون رجلا: ائذن لنا فنأتي هذا النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فنسلم به.
فقدموا مع جعفر، فلمّا رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة استأذنوا [رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-] وقالوا: يا نبيّ اللّه، إنّ لنا أموالا، ونحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة، فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها.
فأذن لهم ، فانصرفوا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين، فأنزل اللّه [- تعالى- فيهم] : الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ- إلى قوله-:
وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ فكانت النّفقة الّتي واسوابها المسلمين.
فلمّا سمع أهل الكتاب ممّن لم يؤمن به قوله: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا فخروا على المسلمين، فقالوا: يا معشر المسلمين، أمّا من آمن منّا بكتابكم وكتابنا فله [أجران، ومن آمن منّا بكتابنا فله] أجر كأجوركم، فما فضلكم علينا؟
فنزل [قوله] : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ (الآية) فجعل لهم أجرين وزادهم النّور والمغفرة، ثمّ قال: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ.
و قال الكلبيّ: كان هؤلاء أربعة وعشرين رجلا قدموا من اليمن على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو بمكّة، لم يكونوا يهودا ولا نصارى، وكانوا على دين الأنبياء فأسلموا.
فقال لهم أبو جهل: بئس القوم أنتم والوفد لقومكم.
فردّوا عليه: وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ (الآية) فجعل اللّه لهم ولمؤمني أهل الكتاب، عبد اللّه بن سلام وأصحابه، أجرين اثنين، فجعلوا يفخرون على أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [و يقولون:] نحن أفضل منكم، لنا أجران ولكم أجر واحد. فنزل: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ (إلى آخر السّورة).
و
روي عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: من كانت له أمة فعلّمها فأحسن تعليمها وأدّبها فأحسن تأديبها وأعتقها وتزوّجها، فله أجران. وأيّما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وآمن بمحمّد، فله أجران، وأيّما مملوك أدّى حقّ اللّه وحقّ مواليه، فله أجران. أورده البخاري [و مسلم] في الصّحيح.
لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ، أي: ليعلموا، «و لا» مزيدة، ويؤيّده أنّه قرئ:
«ليعلم، و«لكي يعلم»، و«لأنّ يعلم» بإدغام النّون في الياء.
أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ.
«أن» هي المخفّفة، والمعنى: أنّه لا ينالون شيئا ممّا ذكر من فضله ولا يتمكّنونمن نيله، لأنّهم لم يؤمنوا برسوله وهو مشروط بالإيمان به.
أو لا يقدرون على شيء من فضله فضلا [عن] أن يتصرّفوا في أعظمه، وهم النّبوّة، فيخصّونها بمن أرادوا، ويؤيّده قوله: وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .
و قيل «لا» غير مزيدة، والمعنى: لئلّا يعتقد أهل الكتاب، أنّه لا يقدر النّبيّ والمؤمنون به على شيء من فضل [اللّه- تعالى-] ولا ينالونه. فيكون «و أنّ الفضل» عطفا على «لئلّا يعلم» .
و قرئ : «ليلا». ووجه: أنّ الهمزة حذفت وأدغمت [النّون في اللّام] ثمّ أبدلت ياء.
و قرئ : «ليلا» على أنّ الأصل في الحروف المفردة الفتح.