سورة التّين
مكّيّة. وقيل: مدنيّة.
و آيها ثمان بالإجماع.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ والتين في فرائضه ونوافله، اعطي من الجنّة حيث يرضى .
و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأها أعطاه اللّه خصلتين: العافية واليقين ما دام في الدّنيا، فإن مات أعطاه اللّه من الأجر بعدد من قرأ هذه السّورة صيام يوم.
و عن البراء بن عازب قال: سمعت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يقرأ في المغرب وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فما رأيت إنسانا أحسن قراءة منه. رواه مسلم في الصّحيح .
قال عمر بن ميمون : سمعت عمر بن الخطّاب يقرأ بمكّة في المغرب: والتينو الزيتون [و طور سيناء] فظننت أنّه إنّما قرأها ليعلم حرمة البلد . وروي ذلك عن موسى بن جعفر- عليه السّلام- أيضا.
وَ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ .
قيل : خصّصهما من الثّمار بالقسم، لأنّ التّين فاكهة طيّبة لا فضلة له، وغذاء لطيف سريع الهضم، ودواء كثير النّفع، فإنّه يليّن الطّبع، ويحلّل البلغم، ويطهّر الكليتين، ويزيل رمل المثانة، ويفتح سدّة الكبد والطّحال، ويسمن البدن.
و في الحديث: أنّه يقطع البواسير، وينفع من النّقرس.
و الزّيتون فاكهة وأدام ودواء، وله دهن لطيف كثير المنافع، مع أنّه قد ينبت حيث لا دهنيّة فيه، كالجبال.
و قيل : المراد بهما: جبلان من الأرض المقدّسة، أو مسجدا دمشق وبيت المقدس أو البلدان.
وَ طُورِ سِينِينَ .
قيل : يعني: الجبل الّذي ناجى عليه موسى ربّه . و«سنين» و«سيناء» اسمان للموضع الّذي هو فيه.
وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ، أي: الآمن، من أمن الرّجل أمانة، فهو أمين. أو المأمون فيه، يأمن فيه من دخله.
قيل : المراد به: مكّة.
و في كتاب الخصال : عن أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: فالتين المدينة، والزَّيْتُونِ بيت المقدس، وطُورِ سِينِينَ الكوفة، وهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ مكّة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ قال: التِّينِ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، والزَّيْتُونِ أمير المؤمنين،وَ طُورِ سِينِينَ الحسن والحسين، وهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ الأئمّة.
و في كتاب المناقب لابن شهرآشوب- بعد نقل قوله : وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ، وأنّها نزلت في أمير المؤمنين خاصّة، وأنّ الأزواج فاطمة، وذُرِّيَّاتِنا الحسن والحسين،- عليهما السّلام- قال: و
قد روي أنّ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ نزلت فيهم.
مقاتل بن مقاتل ، عن مرازم، عن موسى بن جعفر- عليهما السّلام- في قوله:
وَ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ قال: الحسن والحسين- عليهما السّلام-.
وَ طُورِ سِينِينَ قال: عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.
وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ قال: محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.
و في مجمع البيان : وقد روى أبو ذرّ أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال في التّين: لو قلت: إنّ فاكهة نزلت من الجنّة، لقلت: هذه هي، لأنّ فاكهة الجنّة بلا عجم، فكلوها فإنّها تقطع البواسير وتنفع من النّقرس.
و أمّا الزّيتون فإنّه يعتصر منه الزّيت يدور في أكثر الأطعمة، وهو إدام والتّين طعام، وفيه منافع كثيرة.
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ: يريد به الجنس.
فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ : تعديل، بأن خصّ بانتصاب القامة وحسن الصّورة واستجماع خواصّ الكائنات ونظائر سائر الممكنات.
[و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قوام الإنسان وبقاؤه بأربعة: بالنّار والنّور والرّيح والماء. فبالنّار يأكل ويشرب، وبالنور يبصر ويعقل، وبالرّيح يسمع ويشمّ، وبالماء يجد لذّة الطّعام [و الشراب] . ولولا أنّ النّار في معدته، لما هضمت الطّعام والشراب. ولولا أنّ النور في بصره، لما أبصر ولا عقل. ولولا الريح، لماالتهبت نار المعدة. ولولا الماء، لما وجد لذّة الطعام [و الشّراب] .
عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- قال: بني الجسد على أربعة أشياء: على الرّوح والعقل والدّم والنّفس. فإذا خرجت الروح، تبعهما العقل. وإذا رأت الرّوح شيئا، حفظه عليها العقل، وبقي الدّم والنفس] .
ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ .
قيل : بأن جعلناه من أهل النّار. أو إلى أسفل السافلين، وهو النّار.
و قيل : هو أرذل العمر.
و في كتاب المناقب لابن شهرآشوب، متّصلا بآخر ما نقلنا- أعني: «محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-»-: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ قال: الأوّل. ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ ببغضه أمير المؤمنين.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ قال:
نزلت في الأوّل ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ.
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ: استثناء متّصل على المعنى الأوّل، ومنقطع على الثّاني.
فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ : لا ينقطع، أو لا يمنّ به عليهم. وهو على الأوّل حكم مرتّب على الاستثناء مقرّر له.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قال: ذاك أمير المؤمنين- عليه السّلام-. فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ، أي: لا يمنّ عليهم به.
و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب، [- متّصلا بآخر ما نقلناه من قوله: «ببغضه أمير المؤمنين»-: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ عليّ بن أبي طالب- عليهالسّلام-] .
فَما يُكَذِّبُكَ، أي: فأيّ شيء يكذّبك، يا محمّد، دلالة أو نطقا. بَعْدُ بِالدِّينِ : بالجزاء بعد ظهور هذه الدّلائل.
و قيل : «ما» بمعنى: من.
و قيل : الخطاب للإنسان على الالتفات، والمعنى: فما الّذي يحملك على هذا الكذب.
و في كتاب المناقب لابن شهرآشوب- متّصلا بقوله: «عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-»-: فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ولاية علي بن أبي طالب- عليه السّلام-.
أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ : تحقيق لما سبق، والمعنى: أليس الّذي فعل ذلك من الخلق والرّدّ بأحكم الحاكمين صنعا وتدبيرا، ومن كان كذلك كان قادرا على الإعادة والجزاء، على ما مرّ مرارا.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال لنبيّه: فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ قال:
بأمير المؤمنين أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ.
و في مجمع البيان : وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إذا ختم هذه [السورة] قال: بلى، وأنا على ذلك من الشّاهدين.
و في عيون الأخبار ، في باب ذكر أخلاق الرّضا- عليه السّلام- ووصف عبادته: وإذا قرأ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ قال عند الفراغ منها: بلى، وأنا على ذلك من الشّاهدين.
و في كتاب الخصال : فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب، ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: إذا قرأتم والتين فقولوا في آخرها: ونحن على ذلك من الشّاهدين.و في شرح الآيات الباهرة : محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- رحمه اللّه- عن محمّد بن القاسم، عن محمّد بن زيد، عن إبراهيم بن محمّد بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل قال: قلت لأبي الحسن الرضا- عليه السّلام-: أخبرني عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (إلى آخر السّورة).
فقال: التّين والزّيتون: الحسن والحسين.
قلت: وَطُورِ سِينِينَ.
قال: هو ليس طور سينين، ولكنّه طور سيناء.
قال: فقلت: وطور سيناء؟
فقال: نعم، هو أمير المؤمنين- عليه السّلام-.
قلت: وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ.
قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أمن النّاس به من النّار إذا أطاعوه.
قلت: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.
قال ذاك: أبو فصيل حين أخذ اللّه ميثاقه له بالرّبوبيّة، ولمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- بالنّبوّة، ولأوصيائه بالولاية ، فاقرّ وقال: نعم، ألا ترى أنّه قال: ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ، يعني: الدّرك الأسفل حين نكص وفعل بآل محمّد- صلوات اللّه عليهم- ما فعل.
قال: قلت: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ.
قال: واللّه، هو أمير المؤمنين وشيعته. فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ.
قال: قلت: فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ.
قال: مهلا مهلا، لا تقل هكذا، هذا هو الكفر باللّه، لا واللّه، ما كذب رسول اللّه باللّه طرفة عين.
قال: قلت: فكيف هي؟
قال: فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ [و الدّين] أمير المؤمنين- عليه السّلام-.
أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ.