سورة البلد
مكّيّة.
و آيها عشرون بالإجماع.
بسم الله الرحمن الرحيم
في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من كان قراءته في الفريضة لا أقسم بهذا البلد كان في الدّنيا معروفا [أنّه (كان) من الصّالحين، وكان في الآخرة معروفا أنّ له] من اللّه مكانا، وكان يوم القيامة من رفقاء النّبيّين والشّهداء والصّالحين.
و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من قرأها، أعطاه اللّه الأمن من غضبه يوم القيامة.
لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ قيل : أقسم- سبحانه- بالبلد الحرام، وقيّده بحلول الرّسول فيه، إظهارا لمزيد فضله وإشعارا بأنّ شرف المكان بشرف أهله.و قيل : «حلّ» مستحلّ تعرّضك فيه، كما يستحلّ تعرّض الصّيد في غيره. أو حلال لك أن تفعل فيه ما تريد ساعة من النّهار، فهو وعد لما أحلّ له عام الفتح.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: كانت الجاهليّة يعظّمون المحرّم، ولا يقسمون به، ولا بشهر رجب، ولا يعرضون فيهما لمن كان فيهما ذاهبا أو جائيا وإن كان قتل أباه، ولا لشيء يخرج من الحرام دابّة أو شاة أو بعيرا أو غير ذلك، فقال اللّه لنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ.
قال: فبلغ من جهلهم أنّهم استحلّوا قتل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وعظّموا أيّام الشّهر حيث يقسمون به [فيفون] .
و فيه - أيضا-: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس، عن بعض أصحابنا قال: سألته عن قول اللّه : فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ.
قال: أعظم إثم من يحلف بها.
قال: وكان أهل الجاهليّة يعظّمون الحرم ولا يقسمون به و يستحلّون حرمة اللّه فيه، ولا يعرضون لمن كان فيه، ولا يخرجون منه دابّة، فقال اللّه- تبارك وتعالى-:
لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ وَوالِدٍ وَما وَلَدَ.
قال: يعظّمون البلد أن يحلفوا به، ويستحلّون فيه حرمة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
و في مجمع البيان : لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ. أجمع المفسّرون على أنّ هذا قسم بالبلد الحرام، وهو مكّة. وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ، أي: وأنت، يا محمّد، مقيم به وهو محلّك. وهذا تنبيه على شرف البلد بشرف من حلّ به من الرّسول الدّاعي إلى توحيده وإخلاص عبادته.... إلى قوله: وقيل: معناه: وأنت حلّ بهذا البلد، وهو ضدّ المحرّم، والمراد:
و أنت حلال لك قتل من رأيت به من الكفّار، ولك حين امر بالقتال يوم فتح مكّة فأحلّها اللّه له حتّى قاتل وقتل.
و قد قال- صلّى اللّه عليه وآله-: لم يحلّ لأحد قبلي، ولا يحلّ لأحد بعدي، ولم يحلّ لي إلّا ساعة من نهار. عن ابن عبّاس ومجاهد وقتادة وعطاء. وهذا وعد من اللّه لنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن يحلّ له مكّة حتّى يقاتل فيها ويفتحها على يده، ويكون بها حلّا يصنع بها ما يريد من القتل والأسر، وقد فعل- تعالى- ذلك، فدخلها- عليه السّلام- [غلبة] كرها وقتل ابن أخطل، وهو متعلّق بأستار الكعبة، ومقيس بن صبابة وغيرهما.
و قيل : معناه: لا أقسم بهذا البلد وأنت حلّ فيه، منتهك الحرمة، مستباح العرض لا تحترم، فلم يبق للبلد حرمة حيث هتكت حرمتك. عن أبي مسلم،
و هو المرويّ عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كانت قريش تعظّم البلد وتستحلّ محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- فيه، فقال: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ يريد: أنّهم استحلّوك فيه [و كذّبوك] وشتموك، وكانوا لا يأخذ الرّجل منهم فيه قاتل أبيه، ويتقلّدون لحاء شجر الحرم فيأمنون بتقليدهم إياه، فاستحلّوا من رسول اللّه ما لم يستحلّوا من غيره، فعاب اللّه ذلك عليهم.
وَ والِدٍ: عطف على بِهذَا الْبَلَدِ.
قيل : والوالد آدم ، أو إبراهيم.
وَ ما وَلَدَ : ذرّيّته، أو محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.
و التّنكير للتّعظيم. وإيثار «ما» على «من» لمعنى التّعجّب، كما في قوله:
وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ.
و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّدابن عبد اللّه، رفعه في قوله- تعالى-: لا أُقْسِمُ إلى: وَوالِدٍ وَما وَلَدَ قال: أمير المؤمنين- عليه السّلام- وما ولد من الأئمّة.
و في مجمع البيان : وَوالِدٍ وَما وَلَدَ، يعني: آدم وذرّيّته.
... إلى قوله: وقيل: آدم وما ولد من الأنبياء والأوصياء وأتباعهم. عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس، عن أحمد بن هوذة، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه بن حضيرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَوالِدٍ وَما وَلَدَ.
قال: يعني: عليّا- عليه السّلام- وما ولد من الأئمّة.
و روى - أيضا-، عن عليّ بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن محمّد، عن إبراهيم بن صالح الأنماطيّ، عن منصور، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ قال: يعني: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
قلت: وَوالِدٍ وَما وَلَدَ.
قال: عليّ وما ولد .
و روى - أيضا-، عن الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن يعقوب، عن عبد اللّه بن محمّد، عن أبي بكر الحضرميّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال لي: يا أبا بكر، قول اللّه- تعالى-: وَوالِدٍ وَما وَلَدَ هو عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. وما ولد الحسن والحسين.
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ .
قيل : في تعب ومشقّة. من كبد الرّجل كبدا: إذا رجعت كبده. ومنهالمكابدة. والإنسان لا يزال في شدائد مبدؤها ظلمة الرّحم ومضيقة، ومنتهاها الموت وما بعده. وهو تسلية للرّسول بما كان يكابده من قريش.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ، أي: منتصبا.
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى حمّاد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّا نرى الدّوابّ في بطون أيديها الرّقعتين، مثل الكيّ، فمن أيّ شيء ذلك؟
فقال: ذلك موضع منخريه في بطن أمّه، وابن آدم منتصب في بطن أمّه، وذلك قول اللّه- تعالى-: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ. وما سوى ابن آدم، فرأسه في دبره ويداه بين يديه.
و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، مرسلا، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول- عليه السّلام-: وهو قائم ليس على معنى انتصاب وقيام على ساق في كبد، كما قامت الأشياء، ولكن قائم يخبر أنّه حافظ، كقول الرّجل: القائم بأمر [نا] فلان.
أَ يَحْسَبُ قيل : الضّمير فيه لبعضهم، الّذي كان يكابد منه أكثر. أو يغترّ بقوّته، كأبي الأشدّ بن كلدة، فإنّه كان يبسط تحت قدميه أديم عكاظيّ، ويجذبه عشرة، فيتقطّع ولا تزلّ قدماه. أو لكلّ أحد منهم. أو للإنسان.
أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ : فينتقم منه.
يَقُولُ، أي في ذلك الوقت.
أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً : كثيرا من تلبّد الشّيء: إذا اجتمع والمراد: ما أنفقه سمعة ومفاخرة، أو معاداة للرّسول.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، بإسناده إلى الحسين بن أبي يعقوب: عن بعضأصحابه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: أَ يَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، يعني: يقتل في قتله ابنة النبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-. يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً، [يعني:
الّذي جهّز به النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في جيش العسرة .
و فيه : يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً] قال: اللبد المجتمع.
و في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً قال هو عمرو بن عبد ودّ حين عرض عليه عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- الإسلام يوم الخندق، وقال: فأين ما أنفقت فيكم مالا لبدا؟ وكان أنفق مالا في الصّدّ عن سبيل اللّه فقتله عليّ- عليه السّلام-.
أَ يَحْسَبُ: الإنسان.
أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ : حين كان ينفق. أو بعد ذلك فيسأله عنه، يعني:
أنّ اللّه يراه فيجازيه، أو يجده فيحاسبه عليه.
ثمّ قرّر ذلك بقوله: أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ : يبصر بهما.
وَ لِساناً: يترجم به عن ضمائره.
وَ شَفَتَيْنِ : يستر بهما فاه، ويستعين بهما على النّطق والأكل والشّرب وغيرهما.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أَ يَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قال: في فساد كان في نفسه. أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. وَلِساناً، يعني: أمير المؤمنين- عليه السّلام-. وَشَفَتَيْنِ، يعني: الحسن والحسين- عليهما السّلام-.
و في مجمع البيان : وروى عبد الحميد المدائنيّ، عن أبي حازم، أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ اللّه- تعالى- يقول: يا ابن آدم، إن نازعك لسانك فيما حرّمت عليك، فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق. (الحديث).
وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ .قيل : طريقي الخير والشّرّ، أو الثّديين. وأصله، المكان المرتفع.
و في مجمع البيان : وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ، أي: سبيل الخير وسبيل الشّرّ. عن عليّ- عليه السّلام-.
و روي
أنّه قيل لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: إنّ ناسا يقولون في قوله: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ: إنّهما الثّديان.
فقال: لا، هما الخير والشّرّ.
و قال الحسن - عليه السّلام-: بلغني أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: أيّها النّاس، هما نجدان: نجد الخير ونجد الشّرّ، فما جعل نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بآخر ما نقلت عنه قريبا، أعني: قوله:
الحسن والحسين. وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ إلى ولايتهما.
و في أصول الكافي ، بإسناده إلى حمزة بن محمّد: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ.
قال: نجد الخير والشّرّ.
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ، أي: فلم يشكر تلك الأيادي باقتحام العقبة، وهو الدّخول في أمر شديد.
و «العقبة» الطّريق في الجبل، استعارها لما فسّرها به من الفكّ والإطعام في قوله: وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ : لما فيهما من مجاهدة النّفس.
و لتعدّد المراد بها حسن وقوع «لا» موقع «لما» ، فإنّها لا تكاد تقع إلّا مكرّرة،إذ المعنى: فلا فكّ رقبة، ولا أطعم يتيما أو مسكينا.
و «المسغبة» و«المقربة» و«المتربة» مفعلات، من سغب: إذا جاع، وقرب في النّسب، وترب: إذا افتقر.
و قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائيّ: «فكّ رقبة أو أطعم» على الإبدال من «اقتحم». وقوله: «و ما أدراك ما العقبة» اعتراض معناه: أنّك لم تدركنه صعوبتها [و ثوابها] .
و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن يونس، قال: أخبرني من رفعه إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ، يعني بقوله: فَكُّ رَقَبَةٍ: ولاية أمير المؤمنين، فإنّ ذلك فكّ رقبة.
عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان الدّيلميّ، عن أبيه، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: جعلت فداك، قوله:
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ.
قال: من أكرمه اللّه بولايتنا فقد جاز العقبة، ونحن تلك العقبة الّتي من اقتحمها نجا.
قال: فسكت، فقال لي: فهلّا أفيدك حرفا خيرا لك من الدّنيا وما فيها؟
قلت: بلى، جعلت فداك.
قال: قوله: فَكُّ رَقَبَةٍ.
ثمّ قال: النّاس كلّهم عبيد النّار غيرك وأصحابك، فإنّ اللّه فكّ رقابكم من النّار بولايتنا، أهل البيت.
و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن عمر بن يزيد قال: أخبرت أبا الحسن الرّضا- عليه السّلام- أنّي أصبت بابنين و بقي لي بنيّ صغير.
قال: تصدّق عنه.
ثمّ قال حين حضر قيامي: مر الصّبيّ فليتصدّق بيده بالكسرة والقبضة والشّيء وإن قلّ، فإنّ كلّ شيء يراد به اللّه، وإن قلّ، بعد أن تصدق النّية فيه عظيم. إنّ اللّه يقول : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وقال: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ علم اللّه أنّ كلّ أحد لا يقدر على فكّ رقبة، فجعل إطعام اليتيم والمسكين مثل ذلك، تصدّق عنه.
أحمد بن محمّد ، عن أبيه، عن معمّر بن خلّاد قال: كان أبو الحسن الرّضا- عليه السّلام- إذا أكل اتي بصحفة فتوضع قرب مائدته، فيعمد إلى أطيب الطّعام ممّا يؤتى به، فيأخذ من كلّ شيء شيئا فيضع في تلك الصّحفة، ثمّ يأمر بها للمساكين، ثمّ يتلو هذه الآية فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ثمّ يقول: علم اللّه أنّه ليس كلّ إنسان يقدر على عتق رقبة، فجعل لهم السّبيل إلى الجنّة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ قال: «العقبة» الأئمّة، من صعدها فكّ رقبته من النّار.
و فيه : فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ، وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ يقول: يعني : ما أعلمك.
و كلّ شيء في القرآن [وَ ما أَدْراكَ فهو: ما أعلمك] .
حدّثنا جعفر بن محمّد ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن موسى، عن الحسن بن عليّ ابن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: فَكُّ رَقَبَةٍ قال: بنا تفكّ الرّقاب وبمعرفتنا، ونحن المطعمون في يوم الجوع وهو المسغبة.
و في مجمع البيان : وأمّا المراد بالعقبة، ففيه وجوه: أحدها، أنّه مثل ضربه اللّهلمجاهدة النّفس والهوى والشّيطان في أعمال الخير والشّر- إلى قوله-: وثانيها، أنّها عقبة حقيقة.
قال الحسن وقتادة : هي عقبة شديدة في النّار دون الجسر، فاقتحموها بطاعة اللّه.
و روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: إنّ أمامكم عقبة كؤودا لا يجوزها المثقلون، وأنا أريد أن أخفّف عنكم لتلك العقبة.
و روي مرفوعا، عن البراء بن عازب قال: جاء أعرابيّ إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا رسول اللّه، علّمني عملا يدخلني الجنّة.
قال: إن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النّسمة وفكّ الرّقبة.
فقال: ا وليسا واحدا؟
قال: لا، عتق النّسمة أن تنفرد بعتقها، وفكّ الرّقبة أن تعين في ثمنها. والفيء على ذي الرّحم الظّالم، فإن لم يكن ذلك فأطعم الجائع واسق الظّمآن وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر، فإنّ لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلّا من خير.
و روى محمّد بن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي الحسن الرّضا- عليه السّلام-:
إنّ لي ابنا شديد العلّة.
قال: مره يتصدّق بالقبضة من الطّعام بعد القبضة، فإنّ اللّه- تعالى- يقول:
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وقرأ الآيات.
و في محاسن البرقيّ : عنه، عن أبيه، عن معمّر بن خلّاد قال: رأيت أبا الحسنالرّضا- عليه السّلام- [يأكل] فتلا هذه الآية فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ الآية.
ثمّ قال: علم اللّه أنّه ليس كلّ خلقه يقدر أن يعتق رقبة، فجعل لهم سبيلا إلى الجنّة بالطّعام .
و في مجمع البيان : فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ و
في الحديث عن معاذ بن جبل قال:
قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من أشبع جائعا في يوم سغب، أدخله اللّه يوم القيامة من باب من أبواب الجنان لا يدخلها إلّا من فعل مثل ما فعل.
و عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من موجبات المغفرة إطعام المسلم السّغبان .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ، يعني: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، والمقربة أقرباؤه. أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ، يعني: أمير المؤمنين متربا بالعلم.
و فيه : أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ قال: لا يقيه من التّراب شيء.
و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من أطعم مؤمنا حتّى يشبعه، لم يدر أحد من خلق اللّه ما له من الأجر في الآخرة لا ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلّا اللّه ربّ العالمين.
ثمّ قال: من موجبات المغفرة إطعام المسلم السّغبان، ثمّ تلا قول اللّه- تعالى-:
أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ، أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ.
و في المحاسن ، مثله سواء
، مع زيادة «الجنّة» بعد «موجبات».
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا: عطف على «اقتحم» أو «فكّ» «بثمّ» لتباعدالإيمان عن العتق والإطعام في الرّتبة لاستقلاله واشتراط سائر الطّاعات به.
وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ: وأوصى بعضهم بعضا بالصّبر على طاعة اللّه.
وَ تَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ : بالرّحمة على عباده. أو بموجبات رحمة اللّه.
أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ : اليمين. أو اليمن.
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا: بما نصبنا دليلا على الحقّ من كتاب وحجة، أو بالقرآن.
هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ : الشّمال، أو الشّوم.
و لتكرير ذكر المؤمنين باسم الإشارة، والكفّار بالضّمير شأن
لا يخفى.
عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ : مطبقة. من أوصدت الباب: إذا أطبقته وأغلقته.
و قرأ
أبو عمرو وحمزة وحفص بالهمزة، من آصدته.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم
: قوله: أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ قال: أصحاب أمير المؤمنين- عليه السّلام-. وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا قال: الّذين خالفوا أمير المؤمنين هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ وقال: الْمَشْأَمَةِ أعداء آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ، أي: مطبقة.