فضل الجماعة :
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « أوّل جماعة كانت أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يصلّي وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام معه ؛ إذ مرّ أبو طالب وجعفر معه ، فقال : يابنيّ صل جناح ابن عمّك ، فلمّا أحسّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم تقدّمهما وانصرف أبو طالب مسروراً »([1]) .
وقيل للإمام الصادق عليهالسلام : إنّ الناس يقولون : إنّ الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين صلاة ، فقال : « صدقوا »([2]) .
وقال [ عليهالسلام] : « من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له »([3]) . أي لا صلاة كاملة له .
__________________
[1] الوسائل 8 : 288 ، ب1 من أبواب صلاة الجماعة ، ح12 .
[2] الوسائل 8 : 286 ، ب1 من أبواب صلاة الجماعة ، ح3 .
[3] الوسائل 8 : 285 ، ب1 من أبواب صلاة الجماعة ، ح2 .
الفقهاء :
قال صاحب الجواهر : ( الجماعة مستحبّة في الفرائض كلّها كتاباً وسنّة ، متواترة وإجماعاً ، بل ضرورة من الدين ، يدخل منكرها في سبيل الكافرين )([1]) .
وأجمعوا على أنّ الجماعة لا تجوز إطلاقاً في صلاة النوافل .
قال الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهماالسلام : « لا يجوز أن يصلّي تطوّعاً في جماعة ؛ لأنّ ذلك بدعة ، وكلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار »([2]) .
ولا تجب الجماعة بحسب الأصل إلاّ في الجمعة والعيدين مع اجتماع الشروط.
ويأتي الكلام في ذلك إن شاء اللّه ، وتجب بالعارض كالنذر والعهد واليمين ، وعلى من جهل القراءة إذا أمكنه أن يؤدّي الفريضة خلف الإمام .
______________________
[1] الجواهر 13 : 134 ـ 135 .
[2] الوسائل 8 : 335 ، ب20 من أبواب صلاة الجماعة ، ح6 .
شروط الجماعة :
يشترط في انعقاد الجماعة اُمور :
1 ـ العدد :
العدد ، وأقلّه اثنان : رجلان أو امرأتان أو بالتفريق . سئل الإمام الصادق عليهالسلام :
الرجلان يكونان جماعة ؟ قال : « نعم »([1]) .
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : « الاثنان جماعة »([2]) .
هذا في غير الجمعة والعيدين ؛ إذ لا بدّ فيهما من خمسة .
2 ـ قصد الائتمام:
أن يقصد المأموم الائتمام بمن يصلّي بصلاته ، بديهة أنّ مجرّد الصلاة وراءه أو إلى جانبه بدون هذا القصد ونيّة الاقتداء لا تتحقّق الجماعة ، كما لا تتحقّق الصلاة بمجرّد الركوع والسجود بدون قصد الصلاة ونيّتها ، ويشعر بذلك الحديث النبويّ المشهور:
« إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به »([3]) .
وقال صاحب الجواهر : ( بلا خلاف ؛ إذ هو من اُصول المذهب وقواعده )([4]) .
3 ـ الإمـام :
يشترط في إمام الجماعة أن يكون عاقلاً بالبداهة ؛ إذ لا صلاة ولا عبادة لمجنون ، وأن يكون بالغاً على المشهور ، حتّى ولو قلنا بصحّة عبادة الصبيّ المميّز ؛ لأنّ لفظة إمام الجماعة تنصرف إلى المكلّف البالغ ، وأن يكون موالياً للأ ئمّة الإثنى عشر عليهمالسلام .
قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه : ( بلا خلاف فيه عندنا ، بل لعلّه من ضروريّات المذهب )([5]) .
فلقد روي عن الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهماالسلام أ نّه قال : « لا يقتدى إلاّ بأهل الولاية »([6]) .
وأن يكون عادلاً ، قال صاحب الجواهر : ( لا يجوز الائتمام بالفاسق إجماعاً ، محصّلاً ومنقولاً ، مستفيضاً ومتواتراً كالنصوص ، بل ربّما حكي عن بعض السنّة موافقتهم للشيعة في ذلك محتجّاً بإجماع أهل البيت عليهمالسلام )([7]) .
وممّا روي عنهم عليهمالسلام : « أنّ إمامك شفيعك إلى اللّه ، فلا تجعل شفيعك سفيهاً ولا فاسقاً »([8]) . « لا تصلِّ إلاّ خلف من تثق بدينه »([9]) . « ثلاثة لا يصلّى خلفهم : المجهول والغالي والمجاهر بالفسق »([10]) . إلى غير ذلك ممّا لا يبلغه الإحصاء .
وأن لا يصلّي الإمام جالساً ، والمأموم واقفاً ، فلقد روي بطريق الشيعة والسنّة أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم صلّى بأصحابه في مرضه جالساً ، فلمّا فرغ قال : « لا يؤ مّن أحدكم بعدي جالساً »([11]) .
ولا بأس أن يكون القاعد إماماً لمثله ، والقائم إماماً للقاعد .
ويجوز أن يكون الرجل إماماً للرجال والنساء ، أمّا المرأة فلها أن تؤمّ النساء دون الرجال .
ولا تجوز إمامة من لا يحسن القراءة لمن يحسنها ، وتجوز لمثله ، على أن يلتقيا ويتّحدا في الشيء الّذي لم يحسناه ، كما لو جهل كلّ قراءة الحمد ، أمّا إذا أحسنها أحدهما دون السورة وأحسن الآخر السورة دون الحمد فلا .
ولا يجوز لمن يصلّي اليوميّة أن يقتدي بمن يصلّي الآيات والعيد وعلى الجنازة ولا العكس .
ويجوز لمن تيمّم أو لذي الجبيرة أن يكون إماماً لمن توضّأ وللسليم ، كما يجوز للمسافر أن يكون إماماً للحاضر وبالعكس ، ومن يقضي لمن يؤدّي وبالعكس ، ومن يجهر لمن يخفت ، ومن يصلّي وجوباً لمن يعيد استحباباً ، ومن يصلّي العصر لمن يصلّي الظهر . كلّ ذلك مشهور بين الفقهاء ، وفيه نصوص أيضاً .
ولا بدّ للمأموم أن يعيّن الإمام في نفسه بالاسم ، أو بالوصف ، أو بالإشارة .
4 ـ الحيلولة:
لا تجوز الحيلولة بين الإمام والمأموم بما يمنع المشاهدة ، إلاّ إذا كان الإمام رجلاً والمأموم امرأة ، على شريطة أن لا يمنعها الحائل من معرفة أحوال الإمام ؛ لتتمكّن من متابعته ، ولا يضرّ تعدّد الصفوف مهما كثرت ؛ لأنّ كلّ صف يشاهد الصف الّذي أمامه ، حتّى ينتهي إلى الصف الأوّل الّذي يشاهد الإمام .
قال صاحب المدارك : ( هذا الحكم مجمع عليه بين الفقهاء . والمستند فيه قول الإمام أبو جعفر عليهالسلام : « إن صلّى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطّى([12]) فليس ذلك الإمام لهم بإمام ، وأيّ صفّ كان أهله يصلّون بصلاة إمام وبينهم وبين الصفّ الّذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى فليس تلك لهم بصلاة ، وإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة ، إلاّ من كان بحيال الباب » )([13]) .
أمّا جواز الحائل بالقياس إلى المرأة فتدلّ عليه رواية عمّار ، قال : سألت أبا عبداللّه ـ أي الإمام الصادق عليهالسلام ـ عن الرجل يصلّي بالقوم ، وخلفه دار فيها نساء ، هل يجوز لهنّ أن يصلّين خلفه ؟ قال : « نعم ، إذا كان الإمام أسفل منهنّ » قلت : إنّ بينهنّ وبينه حائطاً أو طريقاً ، قال : « لا بأس »([14]) .
5 ـ العلو :
إذا تساوى موقف الإمام مع موقف المأموم أو تفاوت تفاوتاً يسيراً لا يعتدّ به صحّت الجماعة . وإن تفاوت كثيراً ينظر ، فإن كان المأموم أعلى صحّت الجامعة
إطلاقاً ، سواء أكان العلو عموديّاً ، كما لو صلّى المأموم على بناء والإمام على الأرض ، أو كان العلو انحداريّاً قريباً من التقوّس . وإن كان مكان الإمام هو الأعلى بطلت الجماعة إن كان العلو عموديّاً ، وصحّت إن كان انحداريّاً .
قال صاحب مصباح الفقيه : ( هذا هو المشهور ، بل عن أكثر من واحد دعوى الإجماع عليه )([15]) .
ويدلّ عليه قول الإمام الصادق عليهالسلام : « إن قام الإمام في موضع أرفع من موضعهم ـ أي موضع المأمومين ـ لم تجز صلاتهم . . . وإن قام الإمام أسفل من موضع من يصلّي خلفه فلا بأس »([16]) .
6 ـ تقدّم الإمام:
أن لا يتقدّم المأموم على الإمام في الموقف ، ولا بأس بالمساواة فيه ، بحيث تتساوى الأعقاب وإن لم تتساو([17]) الرؤوس حين الركوع والسجود ، كما لو كان الإمام قصيراً والمأموم طويلاً .
وإذا تقدّم المأموم بطلت الجماعة ؛ لأنّ المتبادر من لفظ المأموم هو تأخّره عن الإمام ، ولا أقلّ من عدم تقدّمه عليه . وعلى الإجمال أنّ المأموم إمّا أن يتقدّم ، وإمّا أن يتأخّر ، وإمّا أن يساوي الإمام في الموقف .
وقد أجمع الفقهاء على بطلان الجماعة في الأوّل ، وعلى صحّتها في الثاني.
واختلفوا في الثالث ، والمشهور على الصحّة ؛ لقول الإمام عليهالسلام : « الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه ، فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه »([18]) .
وروي عن أمير المؤمنين عليّ عليهالسلامأ نّه قال : « إذا جاء الرجل ولم يمكنه الدخول في الصفّ قام حذاء الإمام »([19]) .
7 ـ التباعد :
لا يجوز التباعد بين الإمام والمأموم في الموقف بأكثر من المعتاد ، بحيث لا يصدق معه اسم الجماعة والاقتداء ، بديهة أنّ الأحكام تتبع العناوين والأسماء ، ولا يضرّ تعدّد الصفوف وكثرتها بالغة ما بلغت ما دام اسم الجماعة ينطبق عليها .
قال صاحب الجواهر : ( بلا خلاف في ذلك أجده )([20]) .
________________________________
[1] الوسائل 8 : 296 ، ب4 من أبواب صلاة الجماعة ، ح1 .
[2] الوسائل 8 : 297 ، ب4 من أبواب صلاة الجماعة ، ح4 ، والرواية مضمرة.
[3] سنن البيهقي 3 : 112 ـ 113 ، ح5071 .
[4] الجواهر 13 : 230 .
[5] مصباح الفقيه الصلاة : 667 ( حجريّة) .
[6] الوسائل 8 : 290 ، ب1 من أبواب صلاة الجماعة ، ح18 .
[7] الجواهر 13 : 275 .
[8] الوسائل 8 : 314 ، ب11 من أبواب صلاة الجماعة ، ح2 .
[9] الوسائل 8 : 315 ، ب11 من أبواب صلاة الجماعة ، ح8 .
[10] الوسائل 8 : 314 ، ب11 من أبواب صلاة الجماعة ، ح4 .
[11] الوسائل 8 : 345 ، ب25 من أبواب صلاة الجماعة ، ح1 . سنن البيهقي 3 : 114، ح5075 .
[12] أي لا يستطيع الإنسان أن يخطو من فوقه ، وإذا استطاع ذلك فلا بأس . ومن هنا قال الفقهاء : لا بأس بالحائل الّذي لا يمنع من المشاهدة حين الجلوس [ منه قدسسره ] .
[13] المدارك 4 : 317 .
[14] الوسائل 8 : 409 ، ب60 من أبواب صلاة الجماعة ، ح1 .
[15] مصباح الفقيه الصلاة : 633 ـ 634 ( حجريّة ) .
[16] الوسائل 8 : 411 ، ب63 من أبواب صلاة الجماعة ، ح1 .
[17] في الطبعات السابقة « تتساوى » والصحيح ما أثبتناه .
[18] الوسائل 8 : 341 ، ب23 من أبواب صلاة الجماعة ، ح1 .
[19] الوسائل 8 : 407 ، ب58 من أبواب صلاة الجماعة ، ح1 .
[20] الجواهر 13 : 178 .