معنى الميقات :
المواقيت جمع ميقات ، وهو الوقت المضروب للموعد ، ومنه قوله تعالى : إِنَّ يَومَ الفَصلِ مِيقَاتُهُم أجمَعِينَ ([1]) ، يعني اليوم الّذي يفصل فيه بين الحقّ والباطل ، وهو يوم القيامة .
وقد يستعمل الميقات للمكان الّذي جعل له وقت معيّن ، ومنه قوله تعالى : وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا ([2]) ، أي المكان الّذي وقّتناه له وأمرناه بالمصير إليه .
وللحجّ مواقيت زمانيّة ومكانيّة ، والاُولى ما أشارت إليه الآية الحَجُّ أشهُرٌ مَّعلُومَاتٌ ([3]) وهذه الأشهر هي شوال وذو القعدة وذو الحجّة ، والثانية تبتدئ بالحدود التي لا يجوز للحاجّ أن يتعدّاها إلاّ محرماً منها أو ممّا يحاذيها ، وهي مفصّلة في الفقرة التالية .
_________________
[1] الدخان : 40 .
[2] الأعراف : 143 .
[3] البقرة : 197 .
المواقيت :
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « من تمام الحجّ والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لا تجاوزها إلاّ وأنت محرم ، فإنّه وقّت لأهل العراق ، ولم يكن يومئذٍ عراق ـ أي لم يكن فيه مسلم بعد ـ بطن العقيق([1]) من قبل العراق ، ووقّت لأهل اليمن يلملم ، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقّت لأهل المغرب الجحفة ـ وهي مهيعة ، ـ ووقّت لأهل المدينة ذو الحليفة ، ومن كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكّة فميقاته منزله »([2]) . أي أنّ من كان منزله أقرب إلى مكّة من هذه المواقيت أحرم من منزله .
الفقهاء :
قالوا : لا يجوز للحاجّ أن يحرم للحجّ قبل أشهره ، وهي كما قدّمنا شوّال وذو القعدة إلى نهاية اليوم الثالث عشر من ذي الحجّة ، وأيضاً لا يجوز له أن يتعدّى المواقيت التي ذكرها الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم إلاّ محرماً ، وهي :
1 ـ وادي العقيق : ويبعد عن مكّة مائة كيلو متر على التقريب ، وهو ميقات أهل العراق ونجد وكلّ من كان طريقه به إلى مكّة .
2 ـ يلملم : ويبعد عن مكّة ( 94 ) كيلو متراً ، وهو ميقات أهل اليمن ومن مرّ به .
3 ـ قرن المنازل : ويبعد عن مكّة ( 94 ) كيلو متراً ، وهو ميقات أهل الطائف ومن مرّ به .
4 ـ الجحفة : ويبعد عن مكّة ( 187 ) كيلو متراً ، وهي ميقات أهل مصر والشام بما فيهم اللبنانيّون والأردنيّون والفلسطينيّون ولمن مرّ به .
5 ـ ذو الحليفة : وهو مسجد الشجرة ، ويبعد عن مكّة ( 497 ) كيلو متراً ، وهو ميقات أهل المدينة ولمن مرّ به.
6 ـ من كان مِن مكّة أو من مكان بين الميقات وبين مكّة فميقاته من منزله .
________________________
[1] في الطبعات السابقة : « عرق » وما أثبتناه من المصدر .
[2] الوسائل 11 : 308 ، ب1 من أبواب المواقيت ، ح1 .
المحاذاة :
من حجّ على طريق لا يفضي إلى أحد المواقيت المتقدّمة فإنّه يحرم إذا غلب على ظنّه المحاذاة لأحدها ؛ لقول الإمام الصادق عليهالسلام : « من أقام بالمدينة شهراً وهو يريد الحجّ ثمّ بدا له أن يخرج من غير طريق أهل المدينة التي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستّة أميال ، فيكون حذاء الشجرة من البيداء »([1]) .
والّذي ليس فيه شكّ أنّ إقامة ستّة أشهر والشجرة وستّة أميال وما إليها لا خصوصيّة لها ، ولا فرق في المحاذاة بين أن يكون السفر في البرّ أو البحر ، أ مّا السفر في الجوّ فلا تتحقّق المحاذاة فيه إطلاقاً ؛ لأنّ معنى محاذاتك للشيء أن يكون على يمينك أو يسارك لا تحتك أو فوقك .
________________________
[1] الوسائل 11 : 318 ، ب7 من أبواب المواقيت ، ح1 .
الإحرام قبل الميقات :
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « الإحرام من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا ينبغي لحاجّ ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها »([1]) .
وقال [ عليهالسلام] : « من أحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ([2]) فلا حجّ له ، ومن أحرم دون الميقات فلا إحرام له »([3]) .
وفي بعض الروايات من أحرم قبل الميقات كان كمن صلّى صلاة العصر ستّاً ([4]) .
الفقهاء :
اتّفقوا على أ نّه لا يجوز الإحرام قبل الميقات إلاّ في صورتين :
1 ـ أن يريد العمرة المفردة لرجب ، ولكنّه يخاف إن أخّر الإحرام إلى الميقات أن ينتهي رجب ويدخل شعبان ، فيجوز له والحال هذه أن يحرم قبل الميقات وينوي عمرة رجب ما بقي منه يوم أو بعض يوم ، فقد سئل الإمام عليهالسلام عن الرجل يجيء معتمراً ينوي عمرة رجب فيدخل عليه هلال شعبان قبل أن يبلغ الميقات أيحرم قبله ويجعلها لرجب أو يؤخّر ويجعلها لشعبان ؟ قال : « يحرم قبل الميقات ، وتكون العمرة
لرجب ، وله فضله ، وهو الّذي نوى »([5]) .
2 ـ أن ينذر الإحرام قبل الميقات ، فقد سئل الإمام الصادق عليهالسلام عن رجل جعل للّه شكراً أن يحرم من الكوفة ؟ فقال : « فليحرم من الكوفة ، وليفِ للّه بما قال »([6]) .
وبديهة أنّ تخصيص المورد لا يخصّص([7]) الوارد أي لا خصوصيّة([8]) للكوفة بالذات .
______________________
[1] الوسائل 11 : 308 ، ب1 من أبواب المواقيت ، ح3 .
[2] في الطبعات السابقة : « الحاج » وما أثبتناه من المصدر .
[3] الوسائل 11 : 272 ، ب11 من أبواب المواقيت ، ح4 .
[4] انظر الوسائل 11 : 324 ، ب12 من أبواب المواقيت ، ح6 .
[5] الوسائل 11 : 326 ، ب12 من أبواب المواقيت ، ح2 ، مع اختلاف في اللفظ .
[6] الوسائل 11 : 326 ، ب13 من أبواب المواقيت ، ح1 .
[7] في الطبعات السابقة : « يخصّ » .
[8] في بعض الطبعات السابقة : « خصوصة » .
الإحرام بعد الميقات :
قدّمنا أ نّ كلّ من حجّ أو اعتمر على ميقات يلزمه الإحرام منه ، سواء أكان من أهله أم من غير أهله ، ولكنّه مرّ به صدفة أو لضرورة ، فإذا تعدّاه دون أن يحرم عامداً قال صاحب الجواهر : ( لم يصحّ إحرامه حتّى يعود إلى الميقات ويحرم منه ، ولو افترض أن تعذّر عليه الرجوع والإحرام من الميقات بعد أن تركه عمداً لم يصحّ إحرامه وفاقاً للمشهور ، بل ربّما يفهم من غير واحد عدم الخلاف فيه بيننا مؤاخذة له بسوء فعله )([1]) .
وإذا كان قدر ترك الإحرام من الميقات ناسياً أو جاهلاً وأمكن الرجوع إليه والإحرام منه وجب ، وإلاّ فمن الميقات الّذي أمامه إن أمكن ، وإلاّ فالقدر الممكن من مكّة أو خارجها مقدّماً الثاني على الأوّل . فقد سئل الإمام عليهالسلام عن رجل مرّ على الميقات الّذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتّى أتى مكّة فخاف إن رجع إلى المواقيت أن يفوته الحجّ ؟ قال : « يخرج من الحرم ويحرم ، ويجزيه ذلك »([2]) .
وسئل عن رجل نسي أن يحرم حتّى دخل الحرم ؟ قال [ عليهالسلام] : « يخرج إلى ميقات أهل أرضه ، فإن خشي أن يفوته الحجّ أحرم من مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج »([3]) .
ولو نسي الإحرام كلّية ولم يذكر حتّى أكمل مناسكه فهل يجزيه الحجّ أو يجب عليه القضاء ؟
الجواب :
قال صاحب الجواهر : ( بل يجزيه على المشهور شهرة عظيمة ، وهو مرويّ في مرسل جميل )([4]) .
________________________
[1] الجواهر 18 : 132 .
[2] الوسائل 11 : 328 ، ب14 من أبواب المواقيت ، ح2 .
[3] الوسائل 11 : 328 ، ب14 من أبواب المواقيت ، ح1 ، وفيه : « فليخرج ثمّ ليحرم » .
[4] الجواهر 18 : 134 .