قال تعالى : وَاذكُرُوا اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَومَينِ فَلاَ إثمَ عَلَيهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاَ إِثمَ عَلَيهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللّهَ وَاعلَمُوا أَنَّكُم إِلَيهِ تُحشَرُونَ ([1]) .
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : « لا تبت ليالي التشريق ـ الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجّة ـ إلاّ بمنى ، فإن بتّ في غيرها فعليك دم ، فإن خرجت أوّل الليل فلا ينتصف الليل إلاّ وأنت في منى إلاّ أن يكون شغلك نسك أو قد خرجت من مكّة ، وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تصبح في غيره »([2]) .
وسئل عن رجل زار عشيّاً ـ أي زار البيت الحرام ـ فلم يزل في طوافه ودعائه ، وفي السعي بين الصفا والمروة حتّى يطلع الفجر ؟ قال [ عليهالسلام] : « ليس عليه شيء كان في طاعة اللّه »([3]) .
وقال [ عليهالسلام] : « من تعجّل في يومين فلا ينفر ـ أي من منى ـ حتّى تزول الشمس ، فإن أدركه المساء بات ولم ينفر »([4]) .
وسئل عن الرجل ينفر في النفر الأوّل ـ أي اليوم الثاني عشر ـ ؟ قال [ عليهالسلام] : « له أن ينفر ما بينه وبين أن تسفر الشمس ، فإن هو لم ينفر حتّى يكون عند غروبها فلا ينفر ، وليبت بمنى حتّى إذا أصبح وطلعت الشمس فلينفر متى شاء »([5]) . أي أنّ
للحاجّ أن يخرج من منى في اليوم الثاني عشر من ذي الحجّة بعد زوال الشمس وقبل غروبها ، وإذا بقي في منى إلى المغيب وجب عليه المبيت في منى ليلة الثالث عشر ، ولا ينفر منها إلاّ بعد طلوع الشمس .
وقال [ عليهالسلام] في رواية ثانية : « من أتى النساء والصيد في إحرامه لم يكن له أن ينفر في النفر الأوّل »([6]) .
وإذا عطفنا هذه الرواية على الرواية المتقدّمة كانت النتيجة أنّ من غربت عليه الشمس وهو في منى يوم الثاني عشر ومن لم يلق النساء والصيد في إحرامه وجب عليه حتماً أن يبيت بمنى ليلة الثالث عشر من ذي الحجّة .
الفقهاء :
لا خلاف بينهم في أنّ الحاجّ إذا قضى مناسكه بمكّة يوم العيد من طواف الحجّ والسعي وطواف النساء لا خلاف في أ نّه تجب عليه والحال هذه العودة يوم العيد بالذات إلى منى ، والمبيت فيها بنيّة التقرّب إلى اللّه ليلة الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجّة ، ولا يجب عليه المبيت بمنى ليلة الثالث عشر ، على شريطة أن يخرج من منى في اليوم الثاني عشر بعد الزوال وقبل المغيب ، وأن يكون قد اتّقى وهو محرم الصيد والنساء . وفي هذا تجد تفسير قوله تعالى : فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَومَينِ فَلاَ إِثمَ عَلَيهِ وَمَن
تَأَخَّرَ فَلاَ إِثمَ عَلَيهِ لِمَنِ اتَّقَى ([7]) . أي اتّقى الصيد والنساء في إحرامه . وإذا كان قد أتى النساء والصيد أو غابت الشمس من اليوم الثاني عشر وهو في منى وجب عليه المبيت فيها حتماً ليلة الثالث عشر ، ورمي الجمار الثلاث في صبيحته .
وقالوا : إذا بات في غير منى يُنظر ، فإن كان بمكّة مشتغلاً بالعبادة حتّى الصباح جاز ولا شيء عليه ، وإن بات فيها غير متعبّد أو في غيرها ، وإن تعبّد فعليه عن كلّ ليلة شاة حتّى ولو كان ناسياً أو جاهلاً ، فإن بات الليالي الثلاث في غيرها فعليه ثلاث شياه ، والواجب في ليالي منى هو المبيت بنيّة القربة . ويستحبّ التهجّد والعبادة . وتستحبّ الصلاة بمسجد الخيف ، وفي سفح كلّ جبلٍ بمنى يسمّى خيفاً .
_____________________________________
[1] البقرة : 203 .
[2] الوسائل 14 : 254 ، ب1 من أبواب العود إلى منى ، ح8 .
[3] الوسائل 14 : 254 ، ب1 من أبواب العود إلى منى ، ح9 ، وفيه : « زار عشاءً » .
[4] الوسائل 14 : 277 ، ب10 من أبواب العود إلى منى ، ح1 .
[5] الوسائل 14 : 278 ، ب10 من أبواب العود إلى منى ، ح4 .
[6] الوسائل 14 : 279 ، ب11 من أبواب العود إلى منى ، ح1 .
[7] البقرة : 203 .
أيّام التشريق هي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجّة ، وقيل : إنّ سبب تسميتها بذلك أنّهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي ، أي يقدّدونها ويبرزونها للشمس([1]) .
_____________________________________
[1] انظر مجمع البحرين 5 : 191 .
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « الحجّ الأكبر الوقوف بعرفات ورمي الجمار »([1]) يريد رميها بمنى .
وقال [ عليهالسلام] : « إرم في كلّ يوم عند زوال الشمس وقل كما قلت حين رميت جمرة العقبة ، فابدأ بالجمرة الاُولى عن يسارها في بطن المسيل وقل كما قلت يوم النحر ، ثمّ قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة واحمد اللّه وأثن عليه ، وصلّ على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ افعل ذلك عند الثانية ، واصنع كما صنعت بالاُولى ، وتقف وتدعو اللّه كما دعوت ، ثمّ امض إلى الثالثة ، وعليك السكينة والوقار فارمِ ولا تقف عندها »([2]) .
وسئل عن الرجل يرمي الجمار منكوسة ـ أي بغير الترتيب الشرعي ـ ؟ قال [ عليهالسلام] : « يعيدها على الوسطى وجمرة العقبة »([3]) .
وقال [ عليهالسلام] : « رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها »([4]) . و« رخّص للعبد والخائف والراعي بالرمي ليلاً »([5]) .
الفقهاء :
أوجبوا على كلّ حاجّ متمتّعاً كان أو قارناً أن يرمي في كلٍّ من اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر ثلاث جمرات ، كلّ جمرة بسبع حصيات ، وإذا بات ليلة الثالث عشر بمنى وجب عليه أن يرمي في يومه ثلاث جمرات أيضاً ، وصورة الرمي واحدة في جميع الجمرات ، وتقدّم بيانها مفصّلاً في فصل « منى وأعمالها » . وأوجبوا أن يكون الرمي على الترتيب الشرعي ، بحيث يبدأ بالجمرة الاُولى ثمّ الوسطى ثمّ جمرة العقبة ، وإذا خالف الترتيب عن عمد أو سهو أو جهل أعاد على الوسطى وجمرة العقبة ، ولا بدّ([6]) من مرشد يدلّه على هذه الجمرات الثلاث .
أمّا وقت الرمي مختاراً فهو ما بين طلوع الشمس إلى غروبها ، ويجوز للمضطرّ كالخائف والمريض والراعي أن يرمي ليلاً .
وعقّب صاحب الجواهر على كلّ ما ذكرناه بكلمته المكرورة ، وهي : ( بلا خلاف أجده فيه )([7]) .
وإذا نسي رمي جمرة أو بعضها أعاد من الغد ما دامت أيّام التشريق ، وإن نسي الجمار بكاملها حتّى خرج من منى وجب عليه الرجوع إليها ، والرمي إن كانت أيّام التشريق باقية ، وإلاّ قضى الرمي في السنة القادمة بنفسه أو استناب عنه ، ولا كفّارة عليه.
ومن المفيد أن ننقل ما ذكره العلاّمة الحلّي في كتاب التذكرة: ( يرمي في كلّ يوم إحدى وعشرين حصاة على ثلاث دفعات ، كلّ واحدة منها سبع حصيات ، يبتدئ بالاُولى وهي أبعد الجمرات من مكّة وتلي مسجد الخيف ، ويستحبّ أن يرميها خذفاً ـ أي يضع الحصاة على باطن الإبهام ويدفعها بظاهر السبّابة ـ عن يسار الجمرة من بطن المسيل بسبع حصيات ، ويكبّر عند كلّ حصاة ويدعو . ثمّ يتقدّم إلى الجمرة الثانية ـ وتسمّى الوسطى ـ ويقف عن يسار الطريق ، ويستقبل القبلة ، ويحمد اللّه ، ويثني عليه ، ويصلّي على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ يتقدّم قليلاً ويدعو ، ثمّ يرمي الجمرة ، ويصنع كما صنع عند الاُولى ، ويقف ويدعو أيضاً بعد الحصاة الأخيرة . ثمّ يمضي إلى الجمرة الثالثة ـ وتسمّى بجمرة العقبة ـ ويرميها كالسابقة ، ولا يقف بعدها ، وبها يختم
الرمي . فمجموع ما يرميه في الأيّام الثلاثة بمنى ( 63 ) حصاة ـ هذا ، إن بات بمنى ليلة الثالث عشر ـ كلّ يوم ( 21 ) تضاف إلى السبع التي رماها يوم العيد ، فتتمّ على السبعين ) . وبعد أن ذكر هذا العلاّمة قال : ( لا نعلم فيه خلافاً )([8]) .
_____________________________________
[1] الوسائل 14 : 263 ، ب4 من أبواب العود إلى منى ، ح1 .
[2] الكافي 4 : 480 ، ح1 . الوسائل 14 : 65 ، ب10 من أبواب رمي جمرة العقبة ، ح2 ، ولم يذكر صدر الرواية .
[3] الوسائل 14 : 265 ، ب5 من أبواب العود إلى منى ، ح1 .
[4] الوسائل 14 : 70 ، ب13 من أبواب رمي جمار العقبة ، ح6 .
[5] الوسائل 14 : 71 ، ب14 من أبواب رمي جمار العقبة ، ح2 .
[6] في الطبعات السابقة : « لا بدّ » .
[7] الجواهر 20 : 20 .
[8] التذكرة 8 : 359 ـ 360 .
ومتى أنهى الحاجّ عمليّة الجمار بمنى جاز له أن يقفل منها عائداً إلى وطنه دون أن يهبط إلى مكّة المكرّمة ، ولكنّ الأفضل الأكمل أن يعود إلى بيت اللّه الحرام ،
ويطوف طواف الوداع ، كما جرت عليه عادة الحجّاج كافّة منذ القديم ، قال الإمام الصادق عليهالسلام : « إذا أردت أن تخرج من مكّة وتأتي أهلك فودّع البيت وطف به سبعاً »([1]) .
والحمد للّه ربّ العالمين والصلاة على النبيّ وآله الأكرمين .
_____________________________________
[1] الوسائل 14 : 287 ، ب18 من أبواب العود إلى منى ، ح1 ، وفيه : « اسبوعاً » بدل « سبعاً » .
تستحبّ زيارة الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم استحباباً مؤكّداً ، بخاصّة في حقّ الحاجّ ، قال الإمام الصادق عليهالسلام : « قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أتى مكّة حاجّاً ولم يزرني في المدينة جفوته يوم القيامة ، ومن أتاني زائراً وجبت له شفاعتي ، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنّة »([1]) .
وثبت عن الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم أ نّه قال : « من زار قبري بعد موتي كمن هاجر إليّ في حياتي »([2]) .
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : « إنّ زيارة قبر رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وزيارة قبور الشهداء وزيارة قبر الحسين عليهالسلام تعدل حجّة مع رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم »([3]) .
وقال [ عليهالسلام] : « من زار جدّي أمير المؤمنين [ عليهالسلام] عارفاً بحقّه كتب اللّه له بكلّ خطوة حجّة مقبولة وعمرة مبرورة »([4]) .
ويستحبّ إتيان المساجد كلّها في المدينة ، مثل مسجد قبا ، ومشربة اُمّ إبراهيم ، ومسجد الأحزاب ، ومسجد القبلتين ، ومسجد أمير المؤمنين عليهالسلام ، ومساجد اُحد ، وقبور الشهداء ، بخاصّة قبر حمزة عليهالسلام .
أمّا زيارة قبور أئمّة البقيع ـ عليهم أفضل الصلوات الّذين ظلموا أحياءً وأمواتاً ـ فهي من أفضل الطاعات ، وأبرّ الصلات ، بخاصّة في هذا العصر ، وأئمّة البقيع هم : الإمام الحسن ، والإمام زين العابدين ، والإمام الباقر ، والإمام الصادق عليهم أفضل الصلاة والسلام .
أمّا زيارة فاطمة [ عليهاالسلام] اُمّ الحسنين فهي تماماً كزيارة أبيها ؛ لأ نّها بضعة منه ، وقد تعدّدت الأقوال في مكان قبرها الشريف ، والأقرب الأصوب أ نّها دفنت في بيتها المجاور لمسجد أبيها ، وحين زاد الاُمويّون في المسجد صار القبر من جملته ، وإلى هذا
ذهب ابن بابويه([5]) . وإنّما قلنا أقرب وأصوب للحديث المشهور عن أبيها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : « بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة »([6]) . واللّه وحده العالم ، وهو وليّ التوفيق .
_____________________________________
[1] الوسائل 14 : 333 ، ب3 من أبواب المزار ، ح3 .
[2] الوسائل 14 : 337 ، ب4 من أبواب المزار ، ح1 .
[3] الوسائل 14 : 326 ، ب2 من أبواب المزار ، ح13 .
[4] الوسائل 14 : 377 ، ب23 من أبواب المزار ، ح3 .
[5] الفقيه 2 : 572 .
[6] الوسائل 14 : 345 ، ب7 من أبواب المزار ، ح1 .