يثبت هلال رمضان وغيره بالطرق التالية :
1 ـ الرؤية:
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « إذا رأيت الهلال فصم ، وإذا رأيته فافطر »([1]) . أمّا حديث : « صوموا للرؤية وافطروا للرؤية »([2]) فقد تواتر ودار على كلّ لسان .
وأجمع الفقهاء على كلمة واحدة على أنّ من تفرّد برؤية هلال رمضان وجب عليه الصوم حتّى ولو أفطر الناس جميعاً ، وإذا أفطر فعليه القضاء والكفّارة ، وإذا تفرّد برؤية هلال شوّال حرم عليه الصوم حتّى ولو صام الناس جميعاً ، فإذا صام فعل محرّماً ، إلاّ أن يمسك لا بنيّة الصيام بل بنيّة المجاراة أو ما إليها .
_________________
[1] الوسائل 10 : 252 ، ب3 من أبواب أحكام شهر رمضان ، ح1 .
[2] الوسائل 10 : 253 ، ب3 من أبواب أحكام شهر رمضان ، ح5 .
2 ـ الشياع:
ليس معنى الشياع الّذي يثبت به الهلال أن تصوم طائفة أو أهل قطر أو بلد اعتماداً على حكم متطفّل بأنّ غداً من رمضان ، أو يفطروا لحكمه بأنّ غداً من شوّال ، كلاّ فإنّ هذا إفطار بالرأي لا بالرؤية ، وبالوهم لا بالعلم . إنّ معنى الشياع الّذي يثبت به الهلال هو أن تكون رؤية الهلال عامّة لا خاصّة ، هو أن يراه العدد الكثير والجمّ الغفير ، بحيث يمتنع بحسب العادة أن يتواطأوا على الكذب ، ومن أجل هذا تطمئنّ النفس وتركن إلى هذا الشياع ، ومن أجله أيضاً لا يشترط الإيمان فضلاً عن العدالة في أفراد الشياع .
وعلى هذا المعنى ـ أي شياع الرؤية لا الرأي ولا شياع الإفطار أو الصيام ـ يحمل قول الإمام عليهالسلام : « الفطر يوم يفطر الناس ، والأضحى يوم يضحّي الناس ، والصوم يوم يصوم الناس »([1]) يجب أن يحمل هذا القول وما في معناه من كلمات أهل البيت عليهمالسلام على رؤية الهلال العامّة ، أو على أي مسوّغ شرعيّ ، كما لو رأيت بين الناس الّذين ضحّوا وأفطروا من تثق بدينه ومعرفته وتحفّظه ، تماماً كما لو رأيت إماماً مجهولاً لديك يصلّي خلفه الجمّ الغفير وتعرف منهم من تثق به فتقتدي بالإمام من أجل من تثق به لا من أجل الجمع الكثير .
________________________
[1] الوسائل 10 : 133 ، ب57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح7 .
3 ـ إكمال العدد :
من طرق ثبوت الهلال إكمال العدد ، فأيّ شهر قمري ثبت أوّله ينتهي حتماً بمضيّ ثلاثين يوماً ويدخل الّذي يليه ؛ لأ نّه لا يزيد عن ( 30 ) ولا ينقص عن ( 29 ) ، فإذا ثبت أوّل شعبان كان اليوم الواحد والثلاثون من رمضان قطعاً ، وإذا عرفنا أوّل رمضان فالواحد والثلاثون من شوّال.
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ليلة ثمّ افطروا »([1]) .
وقال [ عليهالسلام] : « إذا خفي الشهر فأتمّوا عدّة شعبان ثلاثين يوماً وصوموا الواحد والثلاثين »([2]) .
____________________
[1] الوسائل 10 : 265 ، ب5 من أبواب أحكام شهر رمضان ، ح11 ، وفيه : « عن أبي جعفر7 » .
[2] الوسائل 10 : 257 ، ب3 من أبواب أحكام شهر رمضان ، ح17 .
4 ـ البيّنة الشرعيّة :
يثبت الهلال بشهادة رجلين عدلين ، ولا أثر للواحد ، ولا لشهادة النساء ، منفردات عن الرجال أو منضمّات إليهم وإن كثرن .
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « صم لرؤية الهلال وافطر لرؤيته ، وإن شهد عندك شاهدان مرضيّان بأ نّهما رأياه فاقضه »([1]) .
وقال [ عليهالسلام] أيضاً : « لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلاّ شهادة رجلين عدلين »([2]) .
وما عدا هذه الرواية ممّا يخالف معناها فشاذّ متروك .
وعلى كلّ من يثق بعدالة الشاهدين أن يعمل بقولهما ، ولا يجوز له أن يخالف شهادتهما حتّى ولو ردّها الحاكم.
_________________
[1] الوسائل 10 : 287 ، ب11 من أبواب أحكام شهر رمضان ، ح4 .
[2] الوسائل 10 : 288 ، ب11 من أبواب أحكام شهر رمضان ، ح7 .
5 ـ حكم الحاكم الشرعي :
إذا حكم الحاكم الشرعي بأنّ غداً من رمضان أو من شوّال فلمن علم أ نّه قد استند في حكمه هذا إلى ما لا يجوز الاستناد إليه شرعاً يحرم عليه العمل به بالإتّفاق ، ولمن علم أ نّه قد استند إلى ما يجوز الاعتماد عليه شرعاً وجب العمل به بالإتّفاق أيضاً ، ولكن لمكان العلم لا لحكم الحاكم . وإذا لم يعلم خطأه ولا صوابه فهل يجوز العمل به أو لا ؟
الجواب:
قال صاحب الحدائق([1]) : إنّ الظاهر من أقوال الفقهاء وجوب العمل بحكم الحاكم الشرعي متى ثبت ذلك عنده وحكم به ، ثمّ نقل عن عالم فاضل لم يذكر اسمه أنّ الحاكم الشرعي إنّما يرجع إليه في الدعاوي والفصل في الخصومات وفي الفتوى بالأحكام الشرعيّة ، أمّا حكمه بالموضوعات الخارجيّة وأنّ هذا غصبٌ أو أنّ الوقت قد دخل وما إلى ذلك فلا دليل على وجوب اتّباعه والعمل بأقواله.
ثمّ قال صاحب الحدائق : ( والمسألة عندي موضع توقّف وإشكال ؛ لعدم الدليل الواضح على وجوب الأخذ بحكم الحاكم في الموضوعات )([2]) .
ونحن نعتقد أنّ المعصوم [ عليهالسلام] وحده هو الّذي يجب اتّباعه في جميع أقواله وأفعاله ، سواء أكانت من الموضوعات أم من غيرها ، أمّا النائب والوكيل فلا ، بداهة أنّ النائب غير المنوب عنه ، والوكيل غير الأصيل ، وليس من الضرورة أن يكون النائب في شيء نائباً في كلّ شيء ، وأيضاً نعتقد أنّ من قال وادعى : إنّ للمجتهد العادل كلّ ما للمعصوم [ عليهالسلام] هو واحد من اثنين لا ثالث لهما ، إمّا ذاهل مغفّل ، وإمّا أ نّه يجرّ النار لقرصه ويزعم لنفسه ما خصّ اللّه به صفوة الصفوة من خلقه وهم النبيّ [ صلىاللهعليهوآلهوسلم] وأهل بيته عليهمالسلام ، وأعوذ باللّه من هذه الدعوى وصاحبها.
______________________
[1] الحدائق 13 : 258 ، 259 .
[2] الحدائق 13 : 260 .
6 ـ أقوال الفلكيّين :
إذا عطفنا حديث « صوموا للرؤية وافطروا للرؤية » المتّفق عليه عند المسلمين جميعاً ، وأيضاً عطفنا إتّفاقهم أنّ المتعيّن هو صوم شهر رمضان الّذي يختلف مع الشهرين الحافّين به شعبان وشوّال نقصاناً وتماماً بين ( 29 ) و ( 30 ) يوماً ، إذا عطفنا هذين المبدأين على اختلاف المسلمين وتفاوتهم في صدق من يدّعي رؤية الهلال وأنّ بعضهم يثق بدعواه دون بعض ، إذا عطفنا هذه بعضها على بعض وجمعناها في جملة واحدة جاءت النتيجة الحتميّة القهريّة أن تصوم فئة وتفطر اُخرى ، وقد يكون الصائم من طائفة والمفطر من طائفة ثانية ، وقد يكونان من طائفة واحدة تبعاً للوثوق وعدمه ، كما حدث في العام الماضي ( 1964 م ) حيث أفطر مرجع من مراجع النجف الأشرف هو ومقلّدوه يوم الجمعة ، وأفطر المرجع الآخر في النجف بالذات هو ومقلّدوه يوم السبت ، وكما حدث أيضاً سنة ( 1939 م ) حيث كان عيد الأضحى في مصر يوم الاثنين ، وفي السعودية يوم الثلاثاء ، وفي بومباي يوم الأربعاء ، مع العلم بأنّ الجميع من السنّة . وإذن ليست المسألة مسألة اختلاف بين الطوائف والمذاهب ، بل مسألة ثقة وعدم الثقة بمدّعي الرؤية .
وغفلة عن هذه الحقيقة شاع وتردّد على ألسن كثيرين هذا التساؤل : لماذا لا يتفادى المسلمون هذه الفوضى ، وهذا الاختلاف ـ وإن لم يكن طائفيّاً ـ يتفادونه بالرجوع إلى العلم ، وأقوال الفلكيّين الّذين يولدون الهلال ؟ وأيضاً شاع الجواب عن هذا التساؤل بين الشيوخ أو بعضهم بأنّ الشرع الّذي أمرنا بالصوم قد أمرنا أيضاً أن نفطر للرؤية ، والّذي يفهمه الناس من الرؤية ـ بخاصّة في عهد الرسالة ـ هي البصريّة لا الرؤية العلميّة ، ومقتضى ذلك أن لا نعتني بغيرها مهما كان ويكون .
وعندي أنّ هذا السؤال لا يتّجه من الأساس ، وكذلك الجواب الّذي بني عليه ؛ لأنّ المبنيّ على الفاسد فاسد مثله ، وإليك البيان :
لقد اتّفق المسلمون كافّة على أنّ أحكام اللّه سبحانه يجب امتثالها وطاعتها بطريق العلم ، ولا يجوز الركون إلى الظنّ ما وجدنا إلى العلم سبيلاً ؛ لأنّ الظنّ لا يغني عن الحقّ شيئاً . أجل نلجأ إلى الظنّ المعتبر الّذي نصّ الشرع عليه ، كالظنّ الحاصل من البيّنة وما إليها ، نلجأ إلى هذا الظنّ حيث لا طريق إلى العلم إطلاقاً ، وإذا جاز الركون إلى البيّنة المفيدة للظنّ فبالأولى أن يجوز العمل بالعلم ، بل هو المتعيّن مع إمكانه .
وعليه فمتى حصل العلم من أقوال الفلكيّين وجب على كلّ من علم بصدقهم أن يعمل بأقوالهم ، ولا يجوز له إطلاقاً الأخذ بشهادة الشهود ، ولا بحكم الحاكم ، ولا بشيء يخالف علمه.
ونقول : إنّ قول الشارع : « صوموا للرؤية ، وافطروا للرؤية » يدلّ على أنّ العلم الّذي يجب اتّباعه في ثبوت الهلال هو خصوص العلم الناشئ من الرؤية البصريّة لا العلم من أيّ سبب حصل.
ونقول في الجواب : إنّ العلم حجّة من أيّ سبب تولّد ، وليس للشارع ولا لغير الشارع أن يفرّق بين أسبابه ؛ لأنّ حجيّة العلم ذاتيّة وغير مكتسبة ، وليس لأحد أ يّاً كان أن يلغيها أو يتصرّف بها بالتقليم والتعديل . أجل للشارع أن يعتبر العلم جزءً من موضوعات أحكامه ـ كما تقرّر في الاُصول ـ ولكنّ الّذي نحن فيه أجنبيّ عن ذلك ؛ لأنّ الشارع إنّما اعتبر الرؤية كوسيلة للعلم بالهلال لا كغاية في نفسها ، كما هو الشأن في كلّ طريق مجهول لمعرفة الأحكام ، وبكلمة أنّ اسم الطريق يدلّ عليه .
بقي شيء واحد وهو أنّ أقوال الفلكيّين هل تفيد العلم القاطع لكلّ شبهة تماماً كما تفيد الرؤية البصريّة أو لا ؟
ويعرف الجواب عن ذلك ممّا قدّمنا من أنّ المسألة تختلف باختلاف الأشخاص ، تماماً كمسألة الثقة بمن يدّعي الرؤية ، وبقول الطبيب إذا أخبر بالضرر أو عدمه ، فمن حصل له العلم من أقوال الفلكيّين وجب عليه اتّباعهم ، ولا يجوز له الأخذ بالبيّنة ولا بحكم الحاكم ، ولا بغيرهما ممّا يخالف علمه ويقينه ، وإلاّ فلا طريق إلاّ الطرق الشرعيّة الاُخرى التي ذكرناها من البيّنة وما إليها .
ومهما يكن فإنّ لنا ولغيرنا أن نقول : إنّ كلام الفلكيّين حتّى الآن مبنيّ على التقريب لا على التحقيق ، بدليل اختلافهم وتضارب أقوالهم في تعيين الليلة التي يتولّد فيها الهلال وفي ساعة ميلاده وفي مدّة بقائه ، ومتى جاء الزمن الّذي تتوافر فيه للعلماء أسباب المعرفة الدقيقة الكافية بحيث تصبح كلمتهم واحدة في التوليد ويتكرّر صدقهم المرّة تلو المرّة حتّى تعدّ أقوالهم من القطعيّات ، تماماً كأيّام الاُسبوع ، فيمكن والحال هذه الاعتماد عليهم والرجوع إليهم في أمر الهلال وثبوته ، حيث يحصل العلم للجميع من أقوالهم لا لفرد دون فرد أو فئة دون فئة .