إذا مات الميّت توجّه على الأحياء واجبات على سبيل الكفاية ، إذا قام بها البعض سقطت عن الكلّ ، وإذا تركوا جميعاً كانوا مسؤولين ومحاسبين . وهي ما يلي :
1 ـ الاحتضار :
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « إذا مات لأحدكم ميّت فسجّوه اتجاه القبلة »([1]) .
وفي رواية ثانية : « استقبل بباطن قدميه القبلة »([2]) .
وهذا هو الاحتضار أن يلقى الميّت على ظهره حين النزع ، وباطن قدميه إلى القبلة ، بحيث إذا جلس استقبل القبلة بوجهه ومقاديم بدنه ، وعلى وجوب ذلك أكثر الفقهاء .
ويستحبّ تغميض عيني الميّت ، وشدّ لحييه ، ومدّ ساقيه ، ويديه إلى جنبيه ، وتليين مفاصله ، وتجريده من ثيابه ، ووضعه على لوح أو سرير ، وتغطيته بثوب .
وأهمّ المستحبّات جميعاً التعجيل بتجهيزه ، فإنّ كرامة الميّت تعجيله ، وعدم تأخيره ، جاء في الحديث : « لا ألفينّ رجلاً منكم مات له ميّت ليلاً فانتظر به الصبح ، ولا رجلاً مات له ميّت نهاراً فانتظر به الليل ، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها ، عجّلوا بهم إلى مضاجعهم ، رحمكم اللّه »([3]) .
_____________
[1] الوسائل 2 : 452 ، ب35 من أبواب الاحتضار ، ح2 .
[2] الوسائل 2 : 453 ، ب35 من أبواب الاحتضار ، ح4 .
[3] الوسائل 2 : 472 ، ب47 من أبواب الاحتضار ، ح1 .
2 ـ الغسل :
سئل الإمام الصادق عليهالسلام عن السقط إذا استوت خلقته يجب له الغسل واللحد والكفن ؟ قال : « نعم ، كلّ ذلك يجب إذا استوى »([1]) .
وقال عليهالسلام : « يغسّل الميّت ثلاثة أغسال : مرّة بالسدر ، ومرّة بالماء يطرح فيه الكافور ، ومرّة اُخرى بالقراح ، ثمّ يكفّن »([2]) .
كلّ من قال : لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه يجب تغسيله إذا مات ، حتّى الفاسق المتظاهر بالفسق ، وحتّى ابن الزنا والسقط إذا تمّ له أربعة أشهر . واللقيط من دار الإسلام بحكم المسلم . أجل لا يجوز تغسيل المغالي والناصبي والخارجي .
ويجب تغسيل المسلم ثلاث مرّات : الاُولى بالماء مع قليل من السدر ، والثانية بالماء مع قليل من الكافور ، إلاّ أن يكون الميّت محرماً فلا يجعل الكافور في ماء غسله ، والثالثة بالماء الخالص دون أن يُضاف إليه شيء ، وينبغي أن لا يكثر من
السدر والكافور خشية أن يصير الماء مضافاً ، فلا يحصل به التطهير .
وكما يجب الترتيب بين الأغسال الثلاثة ، كذلك يجب الترتيب بين الأعضاء الثلاثة ، فيبدأ بالرأس مع الرقبة ، ويثني بالجانب الأيمن ، ويثلّث بالأيسر تماماً كغسل الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس ، بل غسل الميّت أولى وآكد في الترتيب من سائر الأغسال ، حيث ورد النصّ فيه ، ولم يرد فيها ، حتّى أنّ بعض الفقهاء أو الكثير منهم قاس جميع الأغسال على غسل الميّت . فلقد ثبت عن الصادق عليهالسلام أ نّه قال في الميّت : « اغسل رأسه بالرغوة وبالغ . . . ثمّ اضجعه على الجانب الأيسر([3]) وصبّ الماء من نصف رأسه إلى قدميه . . . ثمّ اضجعه على الجانب الأيمن([4] وافعل به مثل ذلك »([5]) .
ولا بدّ في تغسيل الميّت من نيّة التقرّب إلى اللّه ؛ لأ نّه من العبادات ، وإطلاق الماء وطهارته وإباحته ، ومن إزالة النجاسة أوّلاً عن بدن الميّت ، ومن عدم وجود الحاجب المانع من وصول الماء إلى البشرة ، ويكره التغسيل بالماء الساخن .
والرجال يغسّلهم الرجال ، والنساء تغسّلهنّ النساء ، ولكلّ من الزوج والزوجة أن يغسّل الآخر ، والمطلّقة الرجعيّة زوجة ما دامت في العدّة .
وأيضاً للرجل أن يغسّل بنت ثلاث سنين ، وللمرأة ابن ثلاث أعوام ، والأولى الاقتصار على حال الضرورة .
وأيضاً للمحارم بنسب أو رضاع أن يغسّل بعضهم بعضاً عند الضرورة ، وعدم وجود المماثل ، على أن يكون الغسل من وراء الثياب([6]) .
وإذا لم يوجد مماثل ولا ذو رحم يسقط الغسل ؛ لما روي عن الإمام الصادق عليهالسلام :
أنّ المرأة تموت في السفر وليس معها ذو رحم ولا نساء ، قال : « تدفن كما هي في ثيابها » . وأنّ الرجل يموت وليس معه إلاّ النساء ، قال : « يدفن كما هو في ثيابه »([7]) .
وذهب أكثر الفقهاء إلى أنّ المسلم إذا مات ولا مماثل من المسلمين ووجد مماثل من أهل الكتاب يغتسل الكتابي أوّلاً ، ثمّ يباشر بتغسيل الميّت المسلم ، واستندوا في ذلك إلى أنّ الإمام الصادق عليهالسلام سئل عن رجل مسلم وليس معه رجل مسلم ولا امرأة مسلمة من ذوي قرابته ومعه رجل نصراني ونساء مسلمات ليس بينه وبينهنّ قرابة ؟ قال : « يغتسل النصراني ثمّ يغسّله فقد اضطر » . وإذا ماتت المرأة المسلمة وليس معها مسلمة ولا رجل مسلم من قرابتها ومعها نصرانيّة « تغتسل النصرانيّة ثمّ تغسّلها »([8]) .
وحمل هؤلاء الفقهاء الرواية المتقدّمة الآمرة بالدفن بلا غسل ، حملوها على صورة عدم وجود المماثل إطلاقاً ، حتّى من أهل الكتاب .
وتجدر الإشارة إلى أنّ رواية تغسيل الكتابي للمسلم تدلّ بصراحة على طهارة أهل الكتاب ، وأنّ نجاستهم عرضيّة لا ذاتيّة ، وبديهة أنّ الضرورة لا تجعل النجس طاهراً ، وإنّما تسوغ الانتقال من حال إلى اُخرى ، فالواجب أوّلاً المماثل المسلم مع وجوده ، ومع عدمه فالمماثل الكتابي ، تماماً كما هي الحال بالقياس إلى أولياء الميّت الّذين يأتي الكلام عنهم .
الشهيد والمرجوم :
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « إنّ الرجل الّذي يقتل في سبيل اللّه يدفن كما هو في ثيابه ، إلاّ أن يكون شهيداً ([9]) فإنّه يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه »([10]) .
وقال [ عليهالسلام] : « المرجوم والمرجومة يغسّلان ويحنّطان ويلبسان الكفن ثمّ
يرجمان ويصلّى عليهما ، والمقتصّ منه بمنزلة ذلك ، ثمّ يقاد ويصلّى عليه »([11]) .
الفقهاء :
قالوا : كلّ من قتل دفاعاً عن الإسلام فهو شهيد ، وحكمه أن يدفن بثيابه ، ودمائه بعد أن يُصلّى عليه ، على شريطة أن تخرج روحه في المعركة أو خارجها والحرب قائمة لم تنته بعد ، فإذا مات بعد انتهاء المعركة وجب تغسيله .
ومن وجب قتله برجم أو قصاص يغتسل هو غسل الأموات ويتحنّط ويلبس الكفن ، ثمّ يرجم أو يقتل ، ثمّ يصلّى عليه ويدفن .
____________________
[1] الوسائل 2 : 502 ، ب12 من أبواب غسل الميّت ، ح1 .
[2] الوسائل 2 : 481 ، ب2 من أبواب غسل الميّت ، ح4 .
[3] في الطبعات السابقة « الأيمن » ، وما أثبتناه من المصدر .
[4] في الطبعات السابقة « الأيسر » ، وما أثبتناه من المصدر .
[5] الوسائل 2 : 480 ، ب2 من أبواب غسل الميّت ، ح3 .
[6] سئل الإمام الصادق عليهالسلام عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته يغسّلها ؟ قال : « نعم واُمّه واُخته يلقي على عورتها خرقة » [ منه قدسسره ] الوسائل 2 : 516 ، ب20 من أبواب غسل الميّت ، ح1 .
[7] الوسائل 2 : 520 ، ب21 من أبواب غسل الميّت ، ح1 .
[8] الوسائل 2 : 515 ، ب19 من أبواب غسل الميّت ، ح1 .
[9] في المصدر : « إلاّ أن يدركه المسلمون وبه رمق ثمّ يموت بعد ذلك » .
[10] الوسائل 2 : 510 ، ب14 من أبواب غسل الميّت ، ح9 .
[11] الوسائل 2 : 513 ، ب17 من أبواب غسل الميّت ، ح1 .
3 ـ الكفن :
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « يكفّن الميّت بثلاثة أثواب ، وإنّما كفّن رسول اللّه بثلاثة : ثوبين صحاريّين ، وثوب حبرة ، والصحاريّة نسبة إلى بلد باليمامة »([1]) .
وقال أيضاً : « الميّت يكفّن في ثلاثة ، سوى العمامة والخرقة يشدّ بها وركه لكيلا يبدو منه شيء ، والخرقة والعمامة لا بدّ منهما ، وليستا من الكفن »([2]) .
وقوله عليهالسلام : « لا بدّ منهما » مع قوله [ عليهالسلام] : « ليستا من الكفن » مبالغة في تأكيد استحباب العمامة والخرقة .
الفقهاء :
قالوا : يجب تكفين الميّت رجلاً كان أو امرأة بثلاث قطع : الاُولى المئزر يلفّه من السرّة إلى الركبة ، والأفضل من الصدر إلى القدم . الثانية القميص من المنكبين إلى نصف الساق ، والأفضل إلى القدم . الثالثة الإزار يغطّي تمام البدن .
وتستحبّ العمامة للرجل تدار على رأسه ، ويُجعل طرفاها تحت حنكه ، وأيضاً يستحبّ أن يشدّ وسطه بخرقة ، ولا يزاد على ذلك شيئاً .
أمّا المرأة فتستحبّ لها المقنعة بدلاً عن العمامة ، وخرقة على وسطها ، وثانية للفخذين .
ويشترط في الكفن ما يشترط في الساتر الواجب حين الصلاة من كونه طاهراً ومباحاً ، لا حريراً ولا ذهباً حتّى للنساء ، ولا من حيوان لا يؤكل لحمه ، وما إلى ذلك ممّا يأتي الكلام عنه في باب الصلاة إن شاء اللّه .
وحكم السقط كحكم الكبير إذا تمّ له أربعة أشهر في بطن اُمّه ، وإلاّ يلفّ بخرقة ويدفن .
وكفن الزوجة على زوجها ، وكفن غيرها يخرج من التركة مقدّماً على الدين والميراث .
________________
[1] الوسائل 3 : 7 ـ 8 ، ب2 من أبواب التكفين ، ح6 .
[2] الوسائل 3 : 9 ، ب2 من أبواب التكفين ، ح12 .
4 ـ الحنوط :
سئل الإمام الصادق عليهالسلام عن الحنوط ؟ قال : « اجعله في مساجده »([1]) .
الفقهاء :
جاء ذكر الحنوط في كتب الفقه بعد التكفين([2]) ، وسرنا نحن على طريق الفقهاء ، وكان الأولى أن يذكر بعد التغسيل ؛ لأ نّه أيسر وأسهل ، ولكن جاء ذكر الحنوط في بعض الروايات عن الإمام الصادق عليهالسلام بعد الكفن ، فكانت القدوة .
ومهما يكن فإنّ التحنيط واجب كالغسل ، وهو مسح الكافور على الأعضاء السبعة التي يسجد عليها المصلّي ، وهي : الجبهة ، والكفّان والركبتان وإبهاما الرجلين ، ويجب تحنيط السقط إذا أتمّ الأشهر الأربعة .
وبعد أن نقل صاحب الجواهر إتّفاق الفقهاء على وجوب التحنيط بعد الغسل ، ونقل أيضاً خلافهم في أ نّه قبل الكفن أو بعده أو في أثنائه ، بعد هذا قال ما نصّه بالحرف : ( ولعلّ الأقوى جواز الكلّ ؛ للأصل ، وإطلاق كثير من الأدلّة ، وإن كان الأولى تقديمه على الكفن )([3]) .
وتجدر الإشارة إلى أنّ المحرم في الحجّ لا يجوز تحنيطه ؛ لأنّ تطييبه حرام ، سواء أكان بالكافور أو بغيره .
_____________
[1] الوسائل 3 : 36 ، ب16 من أبواب التكفين ، ح1 .
[2] في الطبعات السابقة « بعد الغسل » والصحيح ما أثبتناه .
[3] الجواهر 4 : 176 .
5 ـ الصلاة :
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « كان رسول اللّه إذا صلّى على ميّت كبّر وتشهّد وصلّى على الأنبياء ودعا ، ثمّ كبّر ودعا واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، ثمّ كبّر الرابعة ودعا للميّت ، ثمّ كبّر الخامسة وانصرف ، فلمّا نهاه اللّه سبحانه عن الصلاة على المنافقين انصرف بعد الرابعة ولم يدع للميّت »([1]) ، فقوله تعالى لنبيّه الكريم : وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُم عَلَى قَبرِهِ ([2]) أي لا تدعو له .
وقال [ عليهالسلام] : « كان رسول اللّه يكبّر على قوم خمساً ، وعلى قوم آخرين أربعاً ، فإذا كبّر على رجل أربعاً اُتّهم بالنفاق »([3])([4]) .
وقال [ عليهالسلام] : « فرض اللّه الصلوات خمساً ، وجعل للميّت من كلّ صلاة تكبيرة »([5]) .
وقال [ عليهالسلام] : « صلِّ على من مات من أهل القبلة ، وحسابه على اللّه »([6]) .
الفقهاء :
قالوا : تجب الصلاة على كلّ مسلم عادلاً كان أو فاسقاً ، حتّى ولو كان قد قتل نفسه ، وتجب على الشهيد الّذي لا يجوز غسله وتكفينه ؛ لقول الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« لا تدعوا أحداً من اُمّتي بلا صلاة »([7]) .
وقال أكثر الفقهاء : لا تجب الصلاة على الطفل المتولّد من مسلم إلاّ إذا أتمّ سنّ السادسة . وفيه روايات عن أهل البيت عليهمالسلام([8]) .
وقال البعض : لا تجب الصلاة على أحد إلاّ من وجبت عليه الصلاة([9]) .
صورة الصلاة :
أن يوضع الميّت مستلقياً على ظهره ، ويقف المصلّي وراء الجنازة غير بعيد عنها ، مستقبل القبلة ، ورأس الميّت على يمينه ، وأن لا يوجد حائل بينه وبين الميّت ، وأن يكون المصلّي واقفاً ، إلاّ لعذر مشروع ، ثمّ ينوي ويكبّر خمساً بعدد الفرائض اليوميّة ، ويأتي بعد التكبيرة الاُولى بالشهادتين ، وبعد الثانية بالصلاة على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبعد الثالثة بالدعاء للمؤمنين والمؤمنات ، وبعد الرابعة بالدعاء للميّت ، وإن كان الميّت دون البلوغ دعا لأبويه ، ثمّ يكبّر الخامسة وينصرف .
وليست الطهارة شرطاً في هذه الصلاة ؛ لأ نّها مجرّد دعاء للميّت بأن يتغمّده اللّه في رحمته ، والدعاء لا تشترط فيه الطهارة من الحدث ولا من الخبث ، ولسنا نعرف صلاة لا ركوع فيها ولا سجود .
وتجوز هذه الصلاة جماعة وفرادى ، ولكنّ الإمام لا يتحمّل عن المأموم شيئاً على الإطلاق .
ومن المعلوم بضرورة الدين أنّ الصلاة تكون قبل الدفن ، فإن دُفن قبل أن يصلّى عليه فلا يجوز نبش القبر لأجل الصلاة ، بل يصلّى عليه في قبره .
____________
[1] الوسائل 3 : 60 ، ب2 من أبواب صلاة الجنازة ، ح1 .
[2] التوبة : 84 .
[3] إنّ السنّة بمذاهبهم الأربعة يكبّرون على الميّت أربعاً فقط [ منه قدسسره ] .
[4] الوسائل 3 : 72 ، ب5 من أبواب صلاة الجنازة ، ح1 .
[5] الوسائل 3 : 73 ، ب5 من أبواب صلاة الجنازة ، ح3 .
[6] الوسائل 3 : 133 ، ب37 من أبواب صلاة الجنازة ، ح2 .
[7] الوسائل 3 : 133 ، ب37 من أبواب صلاة الجنازة ، ح3 .
[8] الوسائل 3 : 95 ، 98 ، ب13 ، 15 من أبواب صلاة الجنازة .
[9] قاله ابن أبي عقيل ومال إليه المحدّث الكاشاني في الوافي ، راجع الجواهر 12 : 6 .
6 ـ الدفن :
قال اللّه تعالى : أَلَم نَجْعَلِ الأَرضَ كِفَاتاً * أَحْيَاءً وَأَموَاتاً ([1]) ، وقال : مِنهَا خَلَقنَاكُم وَفِيهَا نُعِيدُكُم ([2]) .
وقال الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهماالسلام : « إنّما اُمر بدفن الميّت لئلاّ يظهر الناس على فساد جسده ، وقبح منظره ، وتغيّر رائحته ، ولا يتأذّى الأحياء بريحه ، وبما يدخل عليه من الفساد ، وليكون مستوراً عن الأولياء والأعداء ، فلا يشمت عدوّه ، ولا يحزن صديقه »([3]) .
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : « حدّ القبر إلى الترقوة »([4]) .
وعنه [ عليهالسلام] رواية اُخرى : « أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى أن يعمّق القبر فوق ثلاثة أذرع »([5]) .
وسئل الإمام الكاظم ابن الإمام الصادق عليهماالسلام عن رجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم ، كيف يصنع به ؟ قال : « يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه ويدفن »([6]) .
وفي رواية([7]) عن الإمام أبي جعفر عليهالسلام : « إذا كان الميّت نصفين صلّي على النصف الّذي فيه القلب »([8]) .
الفقهاء :
قالوا : يجب دفن الميّت في الأرض بصورة تمنع الحفرة عنه السباع ، ورائحته عن الناس ، ولا يجوز وضعه على وجه الأرض والبناء عليه ، حتّى وإن تحقق الأمران :
الحفظ ومنع الرائحة . ويستحبّ تعميق القبر قدر قامة أو إلى الترقوة ، وأن يُحفر فيه لحد يسجّى عليه الميّت .
ويجب دفن الأجزاء المبانة من الميّت ، حتّى السن والشعر والظفر ، أمّا القطعة المنفصلة من الحيّ أو من الميّت فإن كانت لحماً بدون عظم تُلفّ بخرقة وتدفن ، وإن كانت عظماً غير الصدر تغسّل وتلفّ وتدفن ، وإن كانت صدراً أو بعض الصدر
المشتمل على القلب تغسّل وتكفّن ويصلّى عليها وتدفن .
وإذا مات في سفينة يوضع في خابية ، ويوكأ رأسها وتطرح في الماء . وفيه رواية صحيحة عن الإمام الصادق عليهالسلام([9]) .
وفي رواية اُخرى عنه عليهالسلام : « أن يوثق برجله حجر ويرمى به في الماء »([10]) .
ولكن قال صاحب المدارك : ( إنّها ضعيفة السند )([11]) .
وإذا مات في بئر وتعذّر إخراجه يُسدّ ويكون قبراً له .
ويجب أن يوضع الميّت على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ورأسه إلى المغرب ورجليه إلى المشرق . قال صاحب المدارك : ( الأصل في هذا الحكم التأسّي بالنبيّ [ صلىاللهعليهوآلهوسلم] والأئمّة الأطهار عليهمالسلام )([12]) .
والمرأة يلحدها زوجها أو أحد محارمها أو النساء ، وإن لم يكن زوج ولا محرم ولا نساء فالرجال الصالحون .
ولا يجوز دفن الميّت في مكان مغصوب ، ولا في الأوقاف غير المقابر ، ويحرم نبش القبر إلاّ مع العلم بصيرورة الميّت تراباً ، أو كان النبش لمصلحة الميّت ، كما لو كان القبر في مجرى السيل ، أو دفن في مكان مغصوب وأبى المالك بقاءه بحال ، أو كفّن بما لا يجوز التكفين به ، أو دفن معه مال له قيمة سواء أكان لوارثه أو لغيره .
الأولياء :
قال الإمام الصادق عليهالسلام : « يغسّل الميّت أولى الناس به »([13]) .
وقال [ عليهالسلام] : « يصلّي على الجنازة أولى الناس بها ، أو يأمر من يحبّ »([14]) .
وقال [ عليهالسلام] : « الزوج أحقّ بامرأته حتّى يضعها في قبرها »([15]) .
فقيل له : الزوج أحقّ من الأب والولد ؟ قال [ عليهالسلام] : « نعم »([16]) .
الفقهاء :
قالوا : لا بدّ أن يكون تغسيل الميّت والصلاة عليه بإذن الوليّ ، فإذا غُسّل أو كفّن دون الاستئذان منه وقع العمل باطلاً .
وتسأل : أي معنى لإذن الوليّ مع العلم بأنّ التكاليف الشرعيّة لا تناط بإرادةأحد ؟
الجواب :
أجل ، ولكن الوليّ هنا ليس شرطاً لوجوب الغسل والصلاة ، بل لصحّتهما وإيجادهما في الخارج على النحو المطلوب ، تماماً كالوضوء بالقياس إلى الصلاة التي تجب ، وإن لم يكن المكلّف متوضّئاً ، وإنّما عليه أن يتوضّأ حين الاطاعة والامتثال .
ولأولياء الميّت مراتب يتقدّم بعضهم على بعض على الوصف التالي :
1 ـ الزوج يقدّم حتّى على الآباء والأبناء .
2 ـ الأب يقدّم على الاُم والأولاد .
3 ـ الاُم تقدّم مع عدم وجود الأب على الأولاد والذكور .
4 ـ الذكور مقدّمون على الاُناث من طبقتهم ومرتبتهم ، وكذا يقدّم البالغ على غير البالغ .
5 ـ البنات يتقدّمن على أولاد الأولاد والأجداد والاُخوة .
6 ـ أولاد الأولاد يقدّمون على الجدّ .
7 ـ الجدّ يقدّم على الأخ .
8 ـ الأخ يقدّم على الاُخت .
9 ـ الاُخت تقدّم على أولاد الأخ .
10 ـ الأعمام يتقدّمون على الأخوال .
11 ـ الأخوال يقدّمون على الحاكم الشرعي .
12 ـ الحاكم يقدّم على عدول المسلمين .
ووجود الصبيّ والمجنون والغائب بحكم العدم ، ومن انتسب إلى الميّت بالأب والاُم معاً أولى ممّن انتسب إليه بأحدهما ، ومن انتسب إليه بالأب أولى ممّن انتسب بالاُم ، وإذا كان أهل المرتبة الواحدة متعدّدين كالأولاد والاُخوة والأعمام والأخوال تكون الولاية مشتركة بين الجميع على السواء ؛ لأنّ نسبة الدليل إلى الكلّ واحدة دون تفاوت . فما هو المعروف من استئذان الولد الأكبر فقط لا مستند له في الشريعة .
وإذا أوصى الميّت إلى رجل بتجهيزه لا يسقط إذن الوليّ ، حيث لا مانع من الجمع ، فيأذن الوليّ ، ويجهّز الموصى إليه ، وبه نجمع بين أمر الشرع وإرادة الميّت .
________________________
[1] المرسلات : 25 ـ 26 .
[2] طه : 55 .
[3] الوسائل 3 : 141 ، ب1 من أبواب الدفن ، ح1 .
[4] الوسائل 3 : 165 ، ب14 من أبواب الدفن ، ح2 .
[5] الوسائل 3 : 165 ، ب14 من أبواب الدفن ، ح1 .
[6] الوسائل 3 : 135 ، ب38 من أبواب صلاة الجنازة ، ح1 .
[7] إنّ محلّ الشاهد صدر الرواية ولم يذكره المؤ لّف رحمهالله .
[8] الوسائل 3 : 136 ، ب38 من أبواب صلاة الجنازة ، ذيل الحديث 5 .
[9] الوسائل 3 : 206 ، ب40 من أبواب الدفن ، ح1 .
[10] الوسائل 3 : 206 ، ب40 من أبواب الدفن ، ح2 .
[11] المدارك 2 : 135 .
[12] المدارك 2 : 136 .
[13] الوسائل 2 : 535 ، ب26 من أبواب غسل الميّت ، ح1 .
[14] الوسائل 3 : 114 ، ب23 من أبواب صلاة الجنازة ، ح1 ، 2 .
[15] الوسائل 3 : 116 ، ب24 من أبواب صلاة الجنازة ، ح3 .
[16] الوسائل 3 : 115 ، ب24 من أبواب صلاة الجنازة ، ح1 ، 2 ، وفيه : « والولد والأخ » .
مسّ الميّت :
سئل الإمام الصادق عليهالسلام : هل يجب الغسل على من مسّ ميّتاً ؟ قال : « أمّا بحرارة فلا بأس ؛ إنّما ذاك إذا برد »([1]) .
وقال الإمام أبوجعفر عليهالسلام : « مسّ الميّت بعد غسله ، والقبلة ليس بها بأس »([2]) .
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : « إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما فيه عظم فقد وجب على من مسّه الغسل ، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه »([3]) .
الفقهاء :
قالوا : من مسّ ميّتاً بعد أن يبرد جسده وقبل أن يُغسّل فعليه أن يغتسل من مسّ الميّت .
وإذا مسّه بعد موته بلا فاصل وقبل أن يبرد جسده فلا شيء عليه ، وكذلك إذا مسّه بعد أن تمّ غسله الشرعي .
ولا فرق بين أن يكون الميّت مسلماً أو غير مسلم ، كبيراً أو صغيراً ، حتّى السقط . وإذا مسّ قطعة مبانة من إنسان حيّ أو ميّت وفيها عظم وجب عليه الغسل من المسّ ، وإن لم يكن فيها عظم فلا شيء عليه .
وصورة الغسل من الميّت تماماً كصورة الغسل من الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس .
____________________
[1] الوسائل 3 : 290 ، ب1 من أبواب غسل المسّ ، ح2 .
[2] الوسائل 3 : 295 ، ب3 من أبواب غسل المسّ ، ح1 .
[3] الوسائل 3 : 294 ، ب2 من أبواب غسل المسّ ، ح1 .