الأموال التي يجب فيها الخمس سبعة ، وهي : غنائم دار الحرب ، والمعادن ، والكنوز ، والغوص ، والمكاسب ، والأرض التي اشتراها الذمّي من مسلم ، والحلال المختلط بالحرام . والحصر بهذه السبعة استقرائي مستفاد من الأدلّة الشرعيّة ، وليس حصراً عقليّاً مردّداً بين السلب والإيجاب .
1 ـ غنائم دار الحرب:
ما يؤخذ من دار الحرب ، سواء أحواه العسكر أم لم يحوه ، وسواء أكان منقولاً كالدواب والأثاث والنقود أم غير منقول كالأراضي والأشجار والبناء ، قليلاً كان أم غير قليل ، على شريطة أن يصحّ تملّكه للمسلمين كغير الخمر والخنزير ، وأن يكون غير مغتصب من مسلم أو ذمّي أو معاهد .
قال الإمام الباقر عليهالسلام : « كلّ شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنّ لنا خمسه ، ولا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً
حتّى يصل إلينا حقّنا »([1]) .
وتنبغي الإشارة إلى أنّ المراد بالحرب هنا التي يملك المسلمون غنائمها ، وهي الحرب مع غير المسلمين من أجل الإسلام ، بحيث يصدق عليها اسم الجهاد من أجل الدين ، لا كلّ حرب بين المسلمين وغيرهم حتّى ولو كانت للدنيا لا للدين ، ويدلّ على ذلك صراحة قول الإمام [ عليهالسلام] : « قوتل على شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه » .
وبكلمة : أنّ مال غير المسلم إنّما يحلّ للمسلم في صورة واحدة فقط ، وهي أن يصدق على غير المسلم أ نّه حرب على اللّه ورسوله ، ويصدق على حرب المسلم أ نّه انتصار للّه ورسوله ، ومن أجل هذا حلّ دم الأوّل واستبيحت أمواله ، فهو بنفسه وبسوء اختياره قد أهدر دمه وماله ، حيث كان بإمكانه أن يدع هذه الحرب ويبقى لدمه وماله احترامهما ، وليس هذا المعنى الّذي ذكرنا مجرّد تأويل وتبرير ، بل هو المفهوم الواضح للآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة ، وأقوال المذاهب الإسلاميّة كافّة من غير استثناء .
___________________
[1] الوسائل 9 : 487 ، ب2 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، ح5 .
2 ـ المعادن :
المعادن وهي كلّ ما خرج من الأرض ممّا خلق فيها ، وليس جزءً من كنهها وحقيقتها ، على أن يكون له قيمة وثمن كالذهب والفضّة والرصاص والحديد والنحاس والياقوت والفيروزج والملح والكحل والنفط والكبريت ، وما إلى ذلك .
والعبرة أن يصدق عليه اسم المعدن ، وما شُكّ في صدق الاسم عليه فلا يلحق به .
وسئل الإمام الصادق عليهالسلام عن معادن الذهب والفضّة والصفر والحديد والرصاص ؟
فقال : « عليها الخمس جميعاً »([1]) . وعن الكنز والمعادن ؟ قال [ عليهالسلام] : « الخمس »([2]) .
وسئل أبوه الإمام الباقر عليهالسلام عن الملح والنفط والكبريت ؟ قال : « هذا وأشباهه فيه الخمس »([3]) .
وإنّما يجب الخمس في المعدن إذا بلغت قيمته عشرين ديناراً فما فوق ، وليس فيما دون العشرين شيء ، ومتى بلغها استثني منه نفقات الإخراج والتصفية ، وأخرج خمس ما بقي ولو كان ديناراً . قال الإمام عليهالسلام : « ليس في المعدن شيء ، حتّى ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً »([4]) . وعلى هذه الرواية تحمل بقيّة الروايات التي أوجبت الخمس في المعادن دون أن تقيّدها وتحدّدها ببلوغ العشرين ديناراً .
وإذا استخرج المعدن على دفعات ضمّ بعضها إلى بعض ، واعتبر النصاب في المجموع ، ووجب فيه الخمس حتّى ولو اختلف الصنف كالذهب والفضّة والنحاس والحديد.
وإذا اشترك جماعة في الإخراج ينظر ، فإن بلغ نصيب كلّ واحد النصاب وجب فيه الخمس ، وإلاّ فلا .
وإذا اُخرج المعدن من أرض مملوكة فهو لصاحب الأرض ؛ لأنّ ما في الأرض يتبعها ، وحكمه حكمها ، وإن أخرجه من أرض مباحة فهو لمخرجه حيث تملّكه بالحيازة ، وعليه الخمس إن بلغ النصاب .
_______________________
[1] الوسائل 9 : 491 ، ب3 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، ح1 ، وفيه : « عن أبي جعفر7 » .
[2] الوسائل 9 : 492 ، ب3 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، ح2 .
[3] الوسائل 9 : 492 ـ 493 ، ب3 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، ح4.
[4] الوسائل 9 : 494 ـ 495 ، ب4 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، ح1.
3 ـ الكنز :
الكنز ، ويسمّى ركازاً ، من ركز إذا خفي ، ومنه قوله تعالى : أَو تَسمَعُ لَهُم رِكزَا ([1]) . أي صوتاً خفيّاً ، والمراد به هنا المال المدفون في الأرض نقداً كان أو جوهراً ، عليه أثر الإسلام أو الجاهليّة ، وجد في أرض أهل الحرب أو السلم ، فإنّ كلّ من وجد شيئاً من ذلك فهو ملك له ، وعليه خمسه إذا بلغ النصاب ، وهو عشرون ديناراً ولا شيء فيما دون ذلك . سئل الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهماالسلام عن مقدار الكنز الّذي يجب فيه الخمس ؟ فقال : « ما تجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس ، وما لم يبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه »([2]) . أي ما قيمته عشرون ديناراً أو مائتا درهم .
ولو افترض ضعف هذه الرواية سنداً فعمل المشهور بها يقوّيه ويجبره ، هذا بالإضافة إلى أنّ الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه وصف رواية البزنطي بالصحّة([3]) ، وهي تلتقي مع الرواية التي ذكرناها ، وهذا لفظ رواية البزنطي بالحرف : قال : سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز ؟ فقال [ عليهالسلام] : « ما يجب في مثله الزكاة ففيه الخمس »([4]) .
من وجد كنزاً في ملك غيره :
ومن وجد كنزاً في أرض غير مملوكة فهو لواجده ، ولاشيء عليه سوى الخمس ، سواء أكان عليه أثر الإسلام أم لم يكن ، وسواء أكان في أرض الحرب أو السلم أو الإسلام أو الكفر ، وعلى هذا الإجماع بشهادة صاحب الجواهر والمدارك والحدائق([5]) .
ومن اشترى قطعة أرض من غيره ووجد فيها كنزاً عرضه على المالك الأوّل وسأله عنه إن احتمل أ نّه له ، ومتى ادّعاه المالك البائع وجب تسليمه له بلا بيّنة لمكان اليد السابقة ، وإن لم يحتمل أ نّه له ولا لغيره من أبناء هذا العصر تملّكه الواجد ، ودفع خمسه للمستحقّين .
وإذا وجده في أرض مملوكة فلا يجوز التصرّف به حتّى يعرضه على صاحب الأرض ، فإن ادّعاه فهو أحقّ ، وإلاّ فهو لواجده ، هذا هو المنسوب إلى المشهور أو إلى كثير من العلماء ، ولكنّه كما ترى يحتاج إلى توضيح ، بل إلى تحديد أيضاً .
ومهما يكن فإنّ الّذي ينظر إلى الواقع نظرة سليمة يرى أنّ هذا الّذي نقلناه عن الفقهاء ليس عمليّاً ، فأيّ إنسان يرى كنزاً في أرض غيره فيعرّفه به ؟ ومن الّذي ينكره إذا عرض عليه ؟ ثمّ كيف يدّعيه وهو مجهول له من قبل ومن بعد ، ولو علم به لما تركه لحظة واحدة ؟ وهل يبيع الأرض مع علمه بأنّ فيها كنزاً ؟ أمّا افتراض بعض الفقهاء من أ نّه علم ثمّ ذهل ونسي فأبعد من بعيد ، نقول هذا ونحن نعلم علم اليقين أنّ عدم تنفيذ الأحكام الشرعيّة لا يستدعي نفيها وعدم تشريعها ، ولكن لمجرّد التقريب فقط.
والّذي ينبغي أن يقال : إنّ كلّ ما في الأرض فهو تابع لها ، ويدخل في ملك مالكها في نظر العرف وإن لم يكن جزءً منها ، سواء أكان شجراً أو حجراً أو معدناً أو كنزاً ، وسواء أملك الأرض بالحيازة أو الهبة أو البيع .
وعليه فمن وجد كنزاً في أرض غيره فلا يجوز له التعرّض له بحال ، حيث يحرم التصرّف بملك الغير إلاّ بإذنه ورضاه ، وإذا عصى وتعرّض وتصرّف بدون إذن المالك وأخرج الكنز فعليه أن يسلّمه لصاحب الأرض حتّى ولو لم يعلم به المالك ، كما أنّ من انتقلت الأرض إليه بسبب من الأسباب الشرعيّة فقد انتقل إليه كلّ ما فيها من كنز ومعدن وما إليهما ، ولا يجب عليه التعريف لا لصاحب الأرض الأوّل ولا لغيره إطلاقاً إلاّ إذا احتمل أ نّه هو أو وارثه الّذي أودعه وخبّأه .
ويدلّ على ما اخترناه رواية محمّد بن مسلم ، فقد سأل الإمام عليهالسلام عن الورق ـ أي الدراهم ـ يوجد في دار ؟ فقال : « إن كانت معمورة فهي لأهلها ، وإن كانت خربة فأنت أحقّ بها »([6]) . هذا إذا أراد بقوله عليهالسلام : « معمورة » المملوكة كما هو الظاهر . وأيضاً يستأنس لما قلناه بما جاء في باب اللقطة من أنّ من وجد في بيت غيره شيئاً عرضه عليه وعرّفه به.
وإذا اشترى حيواناً ولمّا ذبحه وجد في جوفه دراهم أو جوهرة وما إليها وجب أن يعرّفها البائع ، فإن عرفها فهي له ، وإلاّ فهي لمن وجدها بعد إخراج الخمس.
والدليل على هذا الحكم الخاصّ أنّ الإمام عليهالسلام سئل عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك ؟ فقال : « عرّفها البائع ، فإن لم يعرفها فالشيء لك ، رزقك اللّه تعالى إيّاه »([7]) .
وهذه الرواية أجنبيّة عن الكنز ؛ لأنّ الكنز هو المدفون في جوف الأرض لا في بطون الحيوانات .
وإذا اشترى سمكة ووجد في جوفها شيئاً أخرج خمسه كائناً ما كان وتملّك الباقي ، ولا يجب تعريف البائع عند المشهور ، والفرق بين الدابّة والسمكة وجود النصّ في الاُولى دون الثانية ، فيبقى أصل الإباحة في تملّك ما في جوف السمكة على ما هو.
وتجدر الإشارة إلى أنّ ما يجده في جوف الدابّة والسمكة لا يشترط فيه النصاب ؛ لأ نّه ليس بكنز ، أمّا ما يوجد في بطن الأرض فيشترط فيه النصاب ، وهو عشرون ديناراً أو مائتا درهم تماماً كما هي الحال في المعادن .
_____________________
[1] مريم : 98 .
[2] الوسائل 9 : 497 ، ب5 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، ح6 .
[3] مصباح الفقيه 14 : 47 .
[4] الوسائل 9 : 495 ـ 496 ، ب5 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، ح2.
[5] الجواهر 16 : 28 . المدارك 5 : 370 . الحدائق 12 : 333 ـ 334 .
[6] الوسائل 25 : 447 ، ب5 من كتاب اللقطة ، ح1 .
[7] الوسائل 25 : 452 ، ب9 من كتاب اللقطة ، ح1 .
4 ـ الغوص :
الغوص ، وهو ما يخرج من البحر ـ عن طريق الغوص ـ كالجواهر واللؤلؤ والمرجان ، وما إليهما من المعادن ، والنباتات التي لها قيمة دون الأسماك والحيوانات ، ويجب فيه الخمس إذا بلغت قيمته ديناراً أو أكثر ، ولا شيء فيما دون ذلك . سئل الإمام عليهالسلام عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ومعادن الذهب والفضّة ؟ فقال : « إن بلغت قيمته ديناراً ففيه الخمس »([1]) .
وإذا غرق شيء في البحر كالسفينة وما إليها فهو لمن أخرجه ، ولا خمس فيه ، قال الإمام الصادق عليهالسلام : « قال أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام : إذا غرقت السفينة وما فيها فأصابه الناس فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله ، وهم به أحقّ ، وما غاص عليه الناس وتركه صاحبه فهو لهم »([2]) .
_____________________
[1] الوسائل 9 : 499 ، ب7 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، ح2 .
[2] الوسائل 25 : 455 ، ب11 من كتاب اللقطة ، ح1 .
5 ـ الزائد على مؤنة السنة :
ما يفضل عن مؤنة السنة له ولعياله ممّا يكتسبه من أرباح التجارة والصناعة والزراعة أو أيّ عمل من الأعمال ، قال صاحب الجواهر : ( بلا خلاف معتدّ به ، بل عن جماعة الإجماع عليه ( ثمّ قال : ) وهو الّذي استقرّ عليه المذهب والعمل في زماننا هذا بل وغيره من الأزمنة السابقة التي يمكن دعوى اتصالها بزمان أهل العصمة عليهمالسلام )([1]) .
وفي ذلك روايات كثيرة عن أهل البيت عليهمالسلام :
منها : أنّ رجلاً كتب للإمام الباقر عليهالسلام : أخبرني عن الخمس أهو على جميع ما يستفيده الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الضياع ؟ وكيف ذلك ؟
فكتب [ عليهالسلام] بخطّه : « الخمس بعد المؤنة »([2]) .
وسئل الإمام الكاظم عليهالسلام عن الخمس ؟ فقال : « في كلّ ما أفاد([3]) الناس من قليل أو كثير »([4]) .
وإذن على من يفضل عن مؤنة سنته شيء فعليه خمسه ، حتّى ولو كان درهماً أو كيلواً من حبّ وما إليه . وأوّل السنة يجب إخراج الخمس فيما يزيد ، إنّما يختلف باختلاف الأشخاص ، فالتجارة من حين الشروع بالتجارة ، والزارع من حين حصول الناتج ، والموظّف منذ اليوم الّذي يقبض أجاره .
والمشهور بين الفقهاء بشهادة صاحب الحدائق والمدارك أ نّه لا خمس في الميراث والمهر والهبة وإن زادت عن مؤنة السنة([5]) . وألحق صاحب كاشف الغطاء والعروة الوثقى بهذه الثلاثة ما يؤخذ بالخمس أو الزكاة([6]) ؛ للشكّ في صدق اسم الفائدة عليه.
أمّا نحن فنشكّ حتّى فيما ذهب إليه المشهور من نفي الخمس عن الثلاثة ؛ إذ لا دليل عندهم إلاّ رواية ابن مهزيار ، وهي قاصرة الدلالة عمّا يدّعون([7]) ، فيبقى قول الإمام عليهالسلام : « الخمس في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير » . وقوله عليهالسلام أيضاً : « الخمس على جميع ما يستفيد الرجل من قليل أو كثير من جميع الضروب » يبقى هذا على إطلاقه ، ويجب تعميمه لكلّ فائدة بدون استثناء .
تحديد المؤنة :
ليس للمؤنة والنفقة المستثناة طوال السنة معنى خاصّ في الشريعة ، والمرجع في تحديدها هو العرف ، والمؤنة في نظر العرف تختلف باختلاف الأشخاص ، والضابط الجامع أنّ ما لا يعدّ إنفاقه سفهاً وتبذيراً فهو من المؤنة ، ويدخل فيها المأكل والملبس والمسكن والمركب والأثاث والمشرب الحلال ، وما يحتاجه في أسفاره ، ولخدمته وأضيافه ، وللإهداء ، ولدفع الشرّ عن نفسه أو عن مؤمن ، ولتزويج أولاده ، أو تزويجه ثانية مع عدم السفه ، وما إلى ذاك ممّا يتعسّر حصره . قال صاحب الجواهر : ( لا يمكن الإحاطة ببيان ذلك جميعه ، خصوصاً مع ملاحظة الأشخاص والأزمنة والأمكنة وغيرها ، فالأولى إيكال معرفة النفقة إلى العرف ، كإيكال معرفة العيال إليه ؛ إذ ما من أحد إلاّ وعنده عيال وله مؤنة )([8]) .
وتسأل : هل يحتسب الدين من المؤنة ، بحيث يعدّ وفاؤه تماماً كالمأكل والملبس أو لا ؟
الجواب :
إنّ الفقهاء اتّفقوا على أنّ الدين الكائن في سنة الربح لأجل النفقة ، أو التجارة فهو من المؤنة ، وأنّ الدين الّذي يحدث بعد مضي سنة الربح لا يزاحم الخمس في ربح السنة الماضية ؛ لأنّ الدين الأوّل حصل في أثناء السنة فيحسب منها ، والدين الثاني حصل بعدها فيكون أجنبيّاً عنها ، واختلفوا في الدين السابق على سنة الربح ، فمنهم من لا يحتسبه من نفقتها ، ومنهم من يراه منها في الصميم ، ونحن مع هؤلاء ؛ لأنّ السرّ الأوّل والأخير في عدّ الشيء من المؤنة هو الحاجة إليه ، ووفاء الدين بخاصّة السابق من أحوج الحاجات .
وقال صاحب الجواهر : ( إنّ الدين السابق يكون من النفقة حتّى مع عدم الحاجة إليه عند استدانته ، ولكن بعد أن اشتغلت الذمّة به أصبح من الحاجة )([9]) .
وإذا اشترى لحاجة السنة ما يبقى سنوات كالسجاد والمقاعد والأسرّة وأدوات السفرة وحليّ النساء والسيّارة وما إليها فهل يجب تقويمها بعد انتهاء السنة ودفع الخمس أو لا ؟
الجواب :
لا خمس فيها ما دامت الحاجة إليها باقية ، هذا إلى أ نّها قد خرجت عن أدلّة وجوب الخمس قطعاً في سنة الربح ، فلا تدخل فيها ثانية ، وتكون مشمولة لها إلاّ بدليل ، ولا دليل .
__________________
[1] الجواهر 16 : 45 .
[2] الوسائل 9 : 500 ، ب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، ح1 ، وفيه : « أبي جعفر الثاني7 » .
[3] في بعض الطبعات السابقة « في ما أفاده » وما أثبتناه من المصدر.
[4] الوسائل 9 : 503 ، ب8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، ح6 .
[5] الحدائق 12 : 351 ـ 352 . المدارك 5 : 384 .
[6] كشف الغطاء 4 : 207 . العروة الوثقى 2 : 204 ، م51 .
[7] ارتاب في هذه الرواية أكثر من فقيه ، وأوردوا عليها العديد من الإشكالات نقلها صاحب الحدائق [ 12 : 355] ، وجاء في شرح الإرشاد ما نصه بالحرف : فيها أحكام كثيرة مخالفة للمذهب مع الاضطراب [ مجمع الفائدة والبرهان 4 : 315] [ منه 1 ] .
[8] الجواهر 16 : 59 .
[9] الجواهر 16 : 62 .
6 ـ الذمّي وشراء الأرض :
السادس من الأموال التي يجب فيها الخمس هي الأرض التي يشتريها الذمّي من مسلم ، أي أنّ على الذمّي أن يخرج خمس ما اشتراه من المسلم ؛ لقول الإمام عليهالسلام :
« أ يّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس »([1]) .
وإذا علمت أنّ الذمّي هو الكتابي الّذي يدفع الجزية لبيت مال المسلمين علمت أ نّه لا مصداق اليوم لهذا المبدأ وما إليه .
___________________
[1] الوسائل 9 : 505 ، ب9 من أبواب ما يجب فيه الخمس ، ح1 .
7 ـ اختلاط الحلال بالحرام :
المال الحرام إذا اختلط بالحلال ولم يتميّز ولا عرف مقدار الحرام منه ولا صاحبه ومستحقّه إذا كان الأمر كذلك اُخرج خمس المجموع وحلّ الباقي .
قال العلاّمة الحلّي فيالتذكرة : ( لأنّ منعه من التصرّف ينافي ماليّة المالك ؛ لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم ، ويستدعي ضرراً عظيماً بترك الانتفاع بالمال وقت الحاجة ، وتسويغ التصرّف بالجميع إباحة للحرام ؛ إذ المفروض أنّ بعضه ملك للغير ، وكلاهما منفيّان ، ولا مخلص إلاّ إخراج الخمس [ إلى الذرية ]([1]) . وقال الإمام الصادق عليهالسلام : « إنّ رجلاً أتى عليّاً أمير المؤمنين عليهالسلام فقال : يا أمير المؤمنين إنّي أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه ، فقال له : أخرج الخمس من ذلك المال ، فإنّ اللّه تعالى قد رضي من المال الخمس » )([2]) .
ولو عرف مقدار الحرام وجب إخراجه ، سواء أكان أقلّ من الخمس أو أكثر.
ولو عرف الحرام بعينه أخرجه بالذات ، وإذا لم يعلم المبلغ على التحقيق ولكنّه علم أ نّه أكثر من الخمس يقيناً أخرج الخمس وما يغلب على الظنّ في الزائد.
ولو عرف صاحب المال وجهل المبلغ صالحه عليه ، أو أعطاه ما يغلب على ظنّه ، فإن رفض المالك مصالحته أخرج إليه الخمس فقط ؛ لأنّ هذا القدر جعله اللّه مطهّراً للمال .
___________________
[1] ما بين المعقوفين من المصدر .
[2] التذكرة 5 : 422 .