سورة لقمان مكّيّة.
و قيل : «إلّا آية. وهي الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ. فإنّ وجوبهما بالمدينة» وهو ضعيف. لأنّه لا ينافي شرعيّتهما بمكّة.
و قيل: إلّا ثلاثا. من قوله: وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ إلى آخرهن.
عدد آيها أربع، أو ثلاث وثلاثون.
بسم الله الرحمن الرحيم
في كتاب ثواب الأعمال بإسناده، عن أبي جعفر عليه السّلام- قال: من قرأ سورة لقمان في ليلة ، وكّل اللَّه به في ليلته ملائكة يحفظونه من إبليس وجنوده حتّى يصبح. فإذا قرأها بالنّهار، لم يزالوا يحفظونه من إبليس وجنوده حتّى يمسي.
و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال: ومن قرأ سورة لقمان، كان لقمان له رفيقا يوم القيامة. وأعطي من الحسنات عشرا، بعدد من عمل بالمعروف وعمل بالمنكر.
الم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ : تقدّم تفسيره في سورة يونس.
هُدىً وَرَحْمَةً: منصوبان بالحاليّة من «الآيات». والعامل فيهما معنىالإشارة. ورفعهما حمزة على الخبر بعد الخبر. أو الخبر المحذوف.
لِلْمُحْسِنِينَ : للّذين يحسنون العمل.
و قيل : للمطيعين. وقيل: للموحّدين.
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ :
بيان لإحسانهم. أو تخصيص لهذه الثّلاثّة من شعبه، لفضل اعتداد بها. وتكرير الضّمير، للتّوكيد ولما حيل بينه وبين خبره.
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ : لاستجماعهم العقيدة الحقّة، والعمل الصّالح.
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ: ما يلهى عمّا يغني. كالأحاديث الّتي لا أصل لها، والأساطير الّتي لا اعتبار فيها، والمضاحيك، وفضول الكلام. والإضافة بمعنى: من. وهي تبيينيّة، إن أراد بالحديث المنكر. وتبعيضيّة، إن أراد به الأعمّ منه.
و قيل : نزلت في النّضر بن الحرث بن علقمة بن كلدة بن عبد الدّار بن قصيّ بن كلاب. كان يتّجر، فيخرج إلى فارس. فاشترى كتب الأعاجم. «و كان يحدّث بها قريشا ويقول: إن كان محمّد يحدّثكم بحديث عاد وثمود، فأنا أحدّثكم بحديث رستم وإسفنديار والأكاسرة. فيستحلون حديثه ويتركون استماع القرآن.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فهو النّضر بن الحرث بن علقمة بن كلدة من بني عبد الدّار بن قصيّ بن كلاب. وكان النّضر ذا رواية لأحاديث النّاس وأشعارهم. يقول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ.
و قيل [: نزل] في رجل اشترى جارية مغنّية تغنّيه ليلا ونهارا.
و قيل : كان يشتري القيان ويحملهنّ على معاشرة من أراد الإسلام ومنعه عنه.و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا محمّد بن الحسن [بن أحمد بن الوليد قال: حدّثنا محمّد بن الحسن] الصّفّار، عن إبراهيم بن هاشم، عن عبد اللَّه بن المغيرة، عن يحيى بن عبادة، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام- قلت: قوله- عزّ وجلّ-: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ.
قال: منه الغناء.
و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام- عن كسب المغنّيات.
فقال: الّتي يدخل عليها الرّجال حرام. والّتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس.
و هو قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن إسماعيل، عن ابن مسكان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام- قال: سمعته يقول: الغناء ممّا أوعد اللَّه- عزّ وجلّ- عليه النّار. وتلا هذه الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ.
ابن أبي عمير، عن مهران بن محمّد ، عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام- قال: سمعته يقول: الغناء ممّا قال اللَّه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.
عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ، عن الوشّاء قال: سمعت أبا الحسن الرّضا- عليه السّلام- يقول: سئل أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- عن الغناء.
فقال: هو قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن مهران بن محمّد، عن الحسن بن هارون قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: الغناء مجلس لا ينظر اللَّه إلى أهله.
و هو ممّا قال اللَّه- عزّ وجلّ-: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.
و في مجمع البيان : وروى أبو أمامة، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال: لا يحلّ تعليم المغنيّات ولا بيعهنّ. وأثمانهنّ حرام. وقد نزل تصديق ذلك في كتاب اللَّه وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ والّذي نفسي بيده، ما رفع رجل عقيرته يتغنّى إلّا ارتدفه شيطانان يضربان بأرجلهما على ظهره وصدره حتّى يسكت.
و اعلم، أنّ هذه الآية صريحة في حرمة الغناء. بناء على تلك الأخبار.
و قال في القاموس : الغناء، ككساء. من الصّوت: ما طرب به. وقال فيه :
الطّرب، محركة الفرح والحزن «ضدّ» أو خفّة تلحقك، تسرّك أو تحزنك. وتخصيصه بالفرح وهم والحركة والشّوق. ورجل مطراب ومطرابة وطروب. واستطرب: طلب الطّرب.
و الإبل: حرّكها بالحداء والتّطريب: الإطراب. كالتّطرّب والتّغنّي. (انتهى).
فعلى هذا، الغناء: الصّوت المفرح أو المحزن. وهو حرام. يجب اجتنابه في كلّ صوت، بكلّ وجه، حيث لا تخصيص.
و قد روي عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أنّه قال: من ملأ مسامعه من غناء، لم يؤذن له أن يسمع صوت الرّوحانيّين يوم القيامة.
قيل: وما الرّوحانيّون يا رسول اللَّه؟
قال: قرّاء أهل الجنّة.
و في مجمع البيان : وروي عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال: هو الطّعن في الحقّ والاستهزاء به، وما كان أبو جهل وأصحابه يجيئون به. إذ قال: يا معاشر قريش، ألا أطعمكم من الزّقّوم الّذي يخوّفكم به صاحبكم؟ ثمّ أرسل إلى زبد وتمر، فقال: هذا هو الزّقّوم الّذي يخوّفكم به. قال: ومنه الغناء.و روى الواحديّ بالإسناد: عن نافع، عن ابن عمر أنّه سمع عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- يقول في هذه الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ قال:
باللّعب والباطل كثير النّفقة، سمع فيه ولا تطيب نفسه بدرهم يتصدّق به.
فعلى هذا، يدخل فيه كلّ شيء يلهى عن سبيل اللَّه وعن طاعته من الأباطيل والمزامير والملاهي والمعازف. ويدخل فيه السّخرية بالقرآن واللّغو فيه.
لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أي: ليضلّ غيره.
و سبيل الله دينه. أو قراءة القرآن.
و قراء ابن كثير وأبو عمرو، بفتح الياء. بمعنى: ليثبت على ضلاله ويزيد فيه . أو ليصير أمره إلى الضّلال. وهو وإن لم يشتر للضّلالة، فإنّه يصير أمره إلى ذلك. وحسب المرء من الضّلالة، أن يختار حديث الباطل على حديث الحقّ.
بِغَيْرِ عِلْمٍ: في موضع النّصب على الحال، أي: ليضلّ النّاس جاهلا، أو غير عالم. وهو حال مؤكّد.
و يحتمل أن يتعلّق «بيشتري»، أي: يشتري من غير علم. بحال ما يشتريه. أو بالتّجارة، حيث استبدل اللّهو بالقرآن.
وَ يَتَّخِذَها هُزُواً: ويتّخذ السّبيل سخرية. أو آيات اللَّه هزوا يستهزئ بها.
و قد نصبه حمزة والكسائي ويعقوب وحفص، عطفا على «ليضلّ» .
أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ : يهينهم اللَّه به. لإهانتهم الحقّ، باستئثار الباطل عليه.
وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً: أي: أعرض عن سماعها، رافعا نفسه فوق مقدارها.
كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها: مشابها حاله حال من لم يسمعها.
كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً: مشابها من في أذنيه ثقل لا يقدر أن يسمع.
و الأولى، حال من المستكنّ في «ولّى» أو «مستكبرا» والثّانية، بدل منها. أو
حال من المستكنّ في «لم يسمعها».
و يجوز أن يكونا استئنافين. [أ] والأولى حالا، والثّانية استئنافا.
فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ : أعلمه بعذاب مؤلم موجع، يحيق به لا محالة. وذكر البشارة، على سبيل الاستعارة التّبعيّة التّهكّميّة.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ : مبتدأ وخبر.
قدّم الخبر، لإفادة الاختصاص، أي لهم لا لغيرهم نعيم الجنّات. فعكس للمبالغة. وقيل :
رفع الجنّات بالظّرف، على المذهبين. لأنّه جرى [خبرا على المبتدأ.
و يردّ عليه فوت الدّلالة على الاختصاص.
خالِدِينَ فِيها: حال من الضّمير في «لهم». أو من «جنّات» والعامل] ما تعلّق به «اللّام».
وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا:
قيل : مصدران مؤكّدان. الأوّل لنفسه. والثّاني لغيره. لأنّ قوله: لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ وعد. وليس كلّ وعد حقّا.
و فيه: أنّ المصدر المؤكّد وَعْدَ اللَّهِ لا الوعد المطلق. ولَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ يحتمل مضمونه وعد غير اللَّه. ووعد اللَّه لا يحتمل غير الحقّ. فالمصدر الأوّل مؤكّد لغيره. والثّاني بعد تقيّده بالمؤكّد الأوّل مؤكّد لنفسه. على عكس ما قاله ذلك القائل.
و قيل : وَعْدَ اللَّهِ مصدر فعل محذوف. وحقا صفة للمصدر. تقديره: وعد اللَّه.
وعدا حقّا.
و فيه: أنّه إن جعل «حقّا» وصفا للوعد المذكور، يلزم الاختلاف بين الصّفة والموصوف. وإلّا يلزم الحذف بدون داع.
وَ هُوَ الْعَزِيزُ: الّذي لا يغلبه شيء. فيمنعه عن إنجاز وعده ووعيده.
الْحَكِيمُ : الّذي لا يفعل إلّا ما تقتضيه حكمته.خَلَقَ السَّماواتِ: استئناف، أي: أنشأها واخترعها.
بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها: جملة في موضع جرّ. لكونها صفة «لعمد»، أي: بغير عمد مرئيّة.
و جوّز أن يكون «غير» بمعنى: لا. وعلى الوجهين يتعلق «الباء» «بخلق».
و يجوز أن يكون «الباء» للحال من «السّماوات». وأن يتعلّق «بترون». والجملة في موضع نصب على الحال من «السّماوات».
قيل : لو كان لها عمد، لرأيتموها. لأنّها [لو] كانت [، تكون] أجساما عظاما حتّى يصحّ منها أن تقلّ السّماوات. ولو كانت كذلك، لاحتاجت إلى عمد أخر فكان يتسلسل. فإذا لا عمد لها.
و لا يخفى ما في هذا الكلام من الضّعف. فإنّ من الجائز أن يكون لها عمد ولا ترونها. أو يكون لها عمد لا يحتاج إلى عمد آخر.
و قيل : إنّ المراد، بغير عمد مرئيّة. والمعنى: أنّ لها عمدا، لا ترونها.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: قلت له: أخبرني عن قول اللَّه- تعالى- : وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ.
فقال: هي محبوكة إلى الأرض. وشبك بين أصابعه.
فقلت: كيف تكون محبوكة إلى الأرض واللَّه يقول : رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها؟
فقال: سبحان اللَّه، أليس يقول: بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها؟
فقلت: بلى.
فقال: فثمّ عمد ولكن لا ترونها.و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: فمن شواهد خلقه، خلق السّماوات موطّدات بلا عمد، قائمات بلا سند.
و فيه: كلام له- عليه السّلام- يذكر فيه خلق السّماوات: جعل سفلاهنّ موجا مكفوفا، وعلياهنّ سقفا محفوظا، وسمكا مرفوعا، بغير عمد تدعمها، ولا دسار ينتظمها.
و في كتاب الإهليلجة : قال الصّادق- عليه السّلام-: فنظرت العين إلى خلق مختلف ، متّصل بعضه ببعض. فدّلت القلب على أنّ لذلك خالقا. وذلك أنّه فكّر حيث دلّته العين على ما عانيت، من عظم ، السّماء وارتفاعها في الهواء بغير عمد ولا دعامة تمسكها. وأنّها لا تتأخّر، فتنكشط. ولا تتقدّم ، فتزول. ولا تهبط مرّة، فتدنو. ولا ترتفع، فلا ترى.
وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ: جبالا شوامخ.
و قيل : ثابتة.
أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ: في موضع نصب على المفعول له «لألقى» أي: كراهة أن تميد بكم.
و الميد، والميدان: التّحرّك. فإنّ تشابه أجزائها، يقتضي تبدّل أحيازها وأوضاعها.
لامتناع اختصاص كلّ منها لذاته. أو شيء من لوازمه. بحيّز ووضع معيّنين.
وَ بَثَّ فِيها، أي: فرّق في الأرض.
مِنْ كُلِّ دابَّةٍ: تدبّ على وجهها. من أنواع الحيوانات.
وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً، أي: مطرا. وفيه التفات من الغيبة إلى التّكلّم.فَأَنْبَتْنا فِيها: في الأرض، بذلك الماء.
مِنْ كُلِّ زَوْجٍ: صنف.
كَرِيمٍ : كثير المنفعة. وكأنّه استدلّ بذلك على عزّته الّتي هي كمال القدرة، وحكمته الّتي هي كمال العلم.
هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ: هذا الّذي ذكر مخلوقه. فما ذا خلق آلهتكم، حتّى استحقّوا مشاركته؟
و «أروني» من الرّؤية العلميّ، أي: دلّوني عليه. وهو يتعدّى إلى ثلاثة مفاعيل:
أولهما ضمير المتكلّم. والثّاني «ما» الاستفهاميّة. والثّالث «ذا» بصلته، أي: أروني أيّ شيء خلقه آلهتكم؟ والتّعليق إنّما هو، إذا كان إرادة التّعليق مقدّما على العمل.
و قيل : «ما ذا» نصب «بخلق»، أو «ما». مرتفع بالابتداء. وخبره «ذا» بصلته. و«أروني» معلّق عنه.
و يردّ على الأوّل، بقاء «أروني» بلا مفعول، أو مفعولين. وعلى الثّاني، احتمال كون الاسمين منصوبين على المفعوليّة كما ذكرناه. وحكاية التّعليق قد سمعتها.
بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ : إضراب عن تبكيتهم إلى التّسجيل عليهم بالإضلال، الّذي لا يخفى على ناظر. ووضع الظّاهر موضع المضمر، للدّلالة على أنّهم ظالمون بإشراكهم.
وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ:
قيل : إنّ لقمان لم يكن نبيّا، وكان حكيما. وقيل: كان نبيّا.
و قيل : خيّر بين الحكمة والنّبوّة، فاختار الحكمة.
و قيل : إنّه عاش ألف سنة، حتّى أدرك داود- عليه السّلام- وأخذ منه العلم.و من قال: إنّه نبيّ، فسّر الحكمة بالنّبوّة . ومن قال: لم يكن نبيّا، فسّرها بالفهم والمعرفة والعقل.
و في أصول الكافي : [أبو عبد اللَّه الأشعري، عن] بعض أصحابنا رفعه، عن هشام بن الحكم قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر- عليه السّلام-: يا هشام، إنّ اللَّه قال:
وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ قال: الفهم والعقل.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرنا الحسين بن محمّد، عن المعلى بن محمّد، عن عليّ بن محمّد، عن بكر بن صالح، عن جعفر بن يحيى، عن عليّ بن النّضر، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قلت: جعلت فداك [ما تقول في] قوله: وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ؟
قال: أوتي معرفة إمام زمانه.
و في مجمع البيان : وروي، عن نافع، عن ابن عمر قال: سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- يقول: حقّا أقول لم يكن لقمان نبيّا ولكن كان عبدا كثير التّفكّر حسن اليقين. أحبّ اللَّه فأحبّه ومنّ عليه بالحكمة. كان نائما نصف النّهار. إذ جاءه نداء:
يا لقمان، هل لك أن يجعلك اللَّه خليفة في الأرض تحكم بين النّاس بالحقّ؟
فأجاب الصّوت: إن خيّرني ربّي، قبلت العافية ولم أقبل البلاء. وإن هو عزم عليّ، فسمعا وطاعة. فإنّي أعلم أنّه إن فعل بي ذلك، أعانني وعصمني.
فقالت الملائكة بصوت لا يراهم: لم يا لقمان؟
قال: لأنّ الحكم أشدّ المنازل وآكدها. يغشاه الظّلم من كلّ مكان. إن وفي، فبالحريّ أن ينجو. وإن أخطأ، أخطأ طريق الجنّة. ومن يكن في الدّنيا ذليلا وفي الآخرة شريفا، خير من أن يكون في الدّنيا شريفا وفي الآخرة ذليلا. ومن يختر الدّنيا على الآخرة، تفّته الدّنيا ولا يصيب الآخرة. فتعجّبت الملائكة من حسن منطقه. فنام نومة، فأعطي الحكمةفانتبه يتكلم بها. ثم كان يؤازر داود بحكمته. فقال له داود: طوبى لك- يا لقمان- أعطيت الحكمة، وصرفت عنك البلوى.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن حمّاد قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن لقمان وحكمته الّتي ذكرها اللَّه- عزّ وجلّ-.
فقال: أما واللَّه، ما أوتي لقمان الحكمة بحسب ولا مال ولا أهل ولا بسط في جسم ولا جمال. ولكنّه كان رجلا قويّا في أمر اللَّه، متورّعا في اللَّه، ساكتا، مسكينا، عميق النّظر، طويل الفكر، حديد النّظر، مستغن بالعبر لم ينم نهارا قطّ. ولم يره أحد من النّاس على بول ولا غائط ولا اغتسال، لشدّة تستّره، وعمق نظره، وتحفّظه في أمره. ولم يضحك من شيء قطّ، مخافة الإثم. ولم يغضب قطّ. ولم يمازح إنسانا قطّ. ولم يفرح بشيء إن أتاه من أمر الدّنيا، ولا حزن منها على شيء قطّ. وقد نكح من النّساء، وولد له من الأولاد الكثير. وقدّم أكثرهم إفراطا، فما بكى على موت أحد منهم. ولم يمرّ برجلين يختصمان أو يقتتلان، إلّا أصلح بينهما. ولم يمض عنهما، حتّى تحابّا. ولم يسمع قولا قطّ من أحد استحسنه، إلّا سأل عن تفسيره وعمّن أخذه. وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء. وكان يغشى القضاة والملوك والسّلاطين. فيرثي للقضاة ممّا ابتلوا به، ويرحم الملوك والسّلاطين لغرّتهم باللَّه وطمأنينتهم في ذلك. ويعتبر ويتعلم ما يغلب به نفسه، ويجاهد به هواه، ويحترز به من الشّيطان. وكان يداوي قلبه بالفكر، ويداوي نفسه بالعبر. وكان لا يظعن، إلّا فيما يعنيه. فبذلك أوتي الحكمة ومنح العصمة.
و أنّ اللَّه- تبارك وتعالى- أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النّهار وهدأت العيون بالقائلة، فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم. فقالوا: يا لقمان، هل لك أن يجعلك اللَّه خليفة في الأرض تحكم بين النّاس؟
فقال لقمان: إنّ أمرني اللَّه بذلك، فالسّمع والطّاعة. لأنّه إن فعل بي ذلك، أعانني عليه وعلّمني وعصمني. وإن هو خيّرني، قبلت العافية.
فقالت الملائكة: يا لقمان، لم [قلت ذلك؟]
قال: لأنّ الحكم بين النّاس أشدّ المنازل من الدّين، وأكثر فتنا وبلاء. ما يخذل ولا يعان، ويغشاه الظّلم من كلّ مكان. وصاحبه فيه بين أمرينه: إن أصابا فيه الحقّ، فبالحريّ أن يسلم. وإن أخطأ، أخطأ طريق الجنّة. ومن يكن في الدّنيا ذليلا ضعيفا، كان أهون عليه في المعاد من أن يكون فيه حكما سريّا شريفا. ومن اختار الدّنيا على الآخرة، يخسرهما كلتيهما. تزول هذه ولا يدرك تلك.
و لا يدرك تلك.
قال: فتعجّب الملائكة من حكمته، واستحسن الرّحمن منطقه. فلمّا أمسى وأخذ مضجعه من اللّيل، أنزل اللَّه عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه إلى قدمه وهو نائم. وغطّاه بالحكمة غطّا. فاستيقظ، وهو أحكم النّاس في زمانه. وخرج على النّاس ينطق بالحكمة ويثبتها فيها.
قال: فلمّا أوتي الحكم بالخلافة ولم يقبلها، أمر اللَّه- عزّ وجلّ- الملائكة فنادت داود بالخلافة فقبلها، ولم يشترط فيها بشرط لقمان. فأعطاه اللَّه- عزّ وجلّ- الخلافة في الأرض.
و ابتلى بها غير مرّة، كلّ ذلك يهوي في الخطأ يقيله اللَّه- تعالى- ويغفر له. وكان لقمان يكثر زيارة داود- عليه السّلام- ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل علمه. وكان داود- عليه السّلام- يقول له: طوبى لك- يا لقمان- أوتيت الحكمة وصرفت عنك البليّة. وأعطي داود الخلافة وابتلي بالحكم والفتنة.
و لا يخفى ما في دلالة الخبرين، على أنّه خيّر بين النّبوّة والحكمة فاختار الحكمة.
و في مجمع البيان : وقيل: إنّه كان عبدا أسودا، حبشيّا، غليظ المشافر، مشقوق الرّجلين في زمن داود.
و قال له بعض النّاس: أ لست كنت ترعى معنا؟
قال: نعم.
قال: فمن أين أوتيت ما أرى؟
قال: قدر اللَّه، وأداء الامانة، وصدق الحديث، والصّمت عمّالا يعنيني.
و قيل: إنّه كان ابن أخت أيّوب.و قيل: كان ابن خالة أيّوب.
و فيه : ذكر في التّفسير أنّ مولاه دعاه، فقال: اذبح شاة، فآتني بأطيب مضغتين فيها. فذبح شاة، وأتاه بالقلب واللّسان. [ثمّ بعد أيّام أمر بأن يأتي بأخبث مضغتين. فأتى بهما- أيضا-] فسأله عن ذلك.
فقال: إنّهما أطيب شيء، إذا طابا. وأخبث شيء، إذا خبثا.
و قيل: إنّ مولاه دخل المخرج، فأطال فيه الجلوس. فناده لقمان: إنّ طول الجلوس على الحاجة يفجع منه الكبد، ويورث منه الباسور، وتصعد الحرارة إلى الرّأس. فاجلس هونا، وقم هونا.
قال: فكتبت حكمته على باب الحشّ.
[أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ:
قيل : لأن اشكر للَّه. أو أي: اشكر. فإنّ إيتاء الحكمة في معنى القول.
و قيل : قلنا له: اشكر] وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ: لأنّ نفعه عائد إليه. وهو دوام النّعمة، واستحقاق مزيدها.
وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ: لا يحتاج إلى الشّكر.
حَمِيدٌ : حقيق بالحمد، وإن لم يحمد. أو محمود، نطق بحمده جميع مخلوقاته بلسان الحال. ووضع «الكفر» موضع لم يشكر، للمبالغة في توبيخ من لم يشكر.
وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ، أي: اذكر يا محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- إذ قال:
وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ إذ قال لقمان.
لِابْنِهِ: وهو أنعم. أو أشكم. يقال: وشكم. أو ماثان .
وَ هُوَ يَعِظُهُ: حال من «لقمان».
أو ابنه، أي: قال له في حال يؤدّبه ويذكّره.يا بُنَيَّ: تصغير إشفاق.
و قراء ابن كثير: «يا بني» بإسكان الياء . إجراء للوصل مجرى الوقف.
لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ، أي: لا تعدل باللَّه شيئا في العبادة.
قيل : كان كافرا. فلم يزل به، حتّى أسلم. ومن وقف على «لا تشرك» جعل «باللَّه» قسما.
و في من لا يحضره الفقيه ، في الحقوق المروّية عن سيّد العابدين- عليه السّلام-: حقّ اللَّه الأكبر عليك أن تعبده ولا تشرك به شيئا. فإذا فعلت ذلك بإخلاص، جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدّنيا والآخرة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، في الحديث السّابق، متّصلا بقوله: وابتلى بالحكم والفتنة. ثمّ قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. قال: فوعظ لقمان ابنه ماثان ، حتّى تفطّر وانشقّ. وكان فيما وعظ به- يا حمّاد- أن قال: يا بنيّ، إنّك منذ سقطت إلى الدّنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة. فدار أنت إليها تسير، أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد.
يا بنيّ، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك. ولا تجادلهم، فيمنعوك. وخذ من الدّنيا بلاغا ولا ترفضها، فتكون عيالا على النّاس. ولا تدخل فيها دخولا يضرّ بآخرتك. وصم صوما يقطع شهوتك. ولا تصم صياما يمنعك من الصّلاة. فإنّ الصّلاة أحبّ إلى اللَّه- تعالى- من الصّيام.
يا بنيّ، إنّ الدّنيا بحر عميق. قد هلك فيها عالم كثير. فاجعل سفينتك فيها الإيمان.
و اجعل شراعها التّوكّل. واجعل زادك فيها تقوى اللَّه. فإن نجوت، فبرحمة اللَّه. وإن هلكت، فبذنوبك.يا بنيّ، إن تأدّبت صغيرا انتفعت به كبيرا. ومن عنى بالأدب أهتمّ به. ومن اهتمّ به تكلّف علمه. ومن تكلّف علمه اشتدّ له طلبه. ومن اشتدّ له طلبه أدرك منفعته. فاتّخذه عادة. فانّك تخلف في سلفك ، وينتفع به من خلفك، ويرتجيك فيه راغب، وخشي صولتك راهب. وإيّاك والكسل عنه بالطّلب لغيره. فإن غلبت على الدّنيا، فلا تغلبنّ على الآخرة. وإذا فاتك طلب العلم في مظانّه، فقد غلبت على الآخرة. واجعل في أيّامك ولياليك وساعاتك لنفسك نصيبا في طلب العلم. فإن فاتك لن تجد له تضييعا أشدّ من تركه.
و لا تمارينّ فيه لجوجا، ولا تجادلنّ فقيها ، ولا تعادينّ سلطانا، ولا تماشينّ ظلوما ولا تصادقنّه، ولا تصاحبنّ فاسقا ناطقا ولا تصاحبن متّهما. واخزن علمك كما تخزن ورقك.
يا بنيّ، خف اللَّه- عزّ وجلّ- خوفا لو أتيت القيامة ببرّ الثّقلين خفت أن يعذّبك، وارج اللَّه رجاء لو وافيت القيامة بإثم الثّقلين رجوت أن يغفر لك.
فقال له ابنه: يا أبت وكيف أطيق هذا وإنّما لي قلب واحد؟
فقال له لقمان: يا بنيّ لو استخرج قلب المؤمن فشقّ، يوجد فيه نوران: نور للخوف، ونور للرّجاء. لو وزنا، لما رجح أحدهما على الآخر بمثقال ذرّة. فمن يؤمن باللَّه يصدّق ما قال اللَّه- عزّ وجلّ- ومن يصدّق ما قال اللَّه، يفعل ما امر اللَّه. ومن لم يفعل ما أمر اللَّه، لم يصدّق ما قال اللَّه. فإنّ هذه الأخلاق يشهد بعضها لبعض. فمن يؤمن باللَّه إيمانا صادقا، يعمل للَّه خالصا ناصحا [و من عمل للَّه خالصا ناصحا،] فقد آمن باللَّه صادقا. ومن أطاع اللَّه، خافه. ومن خافه. فقد أحبّه. ومن أحبّه اتّبع أمره. ومن اتّبع أمره، استوجب جنّاته ومرضاته. ومن لم يتّبع رضوان اللَّه، فقد هان عليه سخطه- نعوذ باللَّه من سخط اللَّه-.
يا بنيّ، لا تركن إلى الدّنيا ولا تشغل قلبك بها. فما خلق اللَّه خلقا هو أهون عليه
منها. ألا ترى أنّه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين ، ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين؟
و في كتاب من لا يحضره الفقيه : وروى سليمان بن داود المنقريّ، عن حمّاد بن عيسى، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال في وصية لقمان لابنه: يا بنيّ، سافر بسيفك وخفّك وعمامتك وخبائك وسقائك وخيوطك ومخرزك، وتزوّد معك من الأدوية ما تنتفع به أنت ومن معك، وكن لأصحابك موافقا إلّا في معصية اللَّه- عزّ وجلّ- .
يا بنيّ ، إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وأمورهم، واكثر التبسّم في وجوههم، وكن كريما على زادك بينهم، وإذا دعوك فأجبهم، وإذا استعانوا بك فأعنهم، واستعمل طول الصّمت وكثرة الصّلاة وسخاء النّفس بما معك من دابّة أو ماء أو زاد، وإذا استشهدوك على الحقّ فاشهد لهم، وأجهد رأيك لهم إذا استشاروك، ثمّ لا تعزم حتّى تثبّت وتنظر، ولا تجب في مشورة حتّى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلّي وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورتك ، فإنّ من لم يمحض النّصيحة لمن استشاره سلبه اللَّه رأيه ونضع منه الأمانة، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم، وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم، وإذا تصدّقوا وأعطوا قرضا فأعط معهم، واسمع لمن هو أكبر منك سنّا، وإذا أمروك بأمر وسألوك شيئا فقل: نعم، ولا تقل لا، فإنّ «لا» عيّ ولؤم، وإذا تحيّرتم في الطّريق فانزلوا وإذا شككتم في القصد فقفوا وتآمروا، وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه، فإنّ الشّخص الواحد في الفلاة مريب لعلّه يكون عين اللّصوص أو يكون هو الشّيطان الّذي حيّركم، واحذروا الشّخصين أيضا إلّا أن تروا ما لا أرى، فإنّ العاقل إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحقّ منه والشّاهد يرى ما لا يرى الغائب.
يا بنيّ، إذا جاء وقت الصّلاة فلا تؤخرّها لشيء وصلّها واسترح منها فإنّها دينو صلّ في جماعة ولو على رأس زجّ، ولا تنامنّ على دابتّك، فإنّ ذلك سريع في دبرها وليس ذلك من فعل الحكماء إلّا أن تكون في محمل يمكنك التّمدّد لاسترخاء المفاصل، وإذا قربت من المنزل فانزل عن دابّتك وابدأ بعلفها قبل نفسك، فإنّها تعينك ، وإذا أردتم النّزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها لونا وألينها تربة وأكثرها عشيا، فإذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس، وإذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض، وإذا ارتحلت فصلّ ركعتين ثمّ ودّع الأرض الّتي حللت بها وسلّم عليها وعلى أهلها، فإنّ لكلّ بقعة أهلا من الملائكة، وإن استطعت أن لا تأكل طعاما حتّى تبدأ فتتصدّق منه فافعل، وعليك بقراءة كتاب اللَّه ما دمت راكبا، وعليك بالتّسبيح ما دمت عاملا عملا، وعليك بالدّعاء ما دمت خاليا، وإيّاك والسّير من أوّل اللّيل وسر في آخره، وإيّاك ورفع الصّوت في مسيرك.
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ : لأنّه تسوية بين من لا نعمة إلّا منه ومن لا نعمة منه.
و في أصول الكافي : وقد روي أكبر الكبائر الشّرك باللَّه.
عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن المفضّل بن صالح، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر قال: الظّلم ثلاثة: ظلم يغفره اللَّه، وظلم لا يغفره، وظلم لا يدعه اللَّه. فأمّا الظّلم الّذي لا يغفره اللَّه فالشّرك. وأمّا الظّلم الّذي يغفره، فظلم الرّجل نفسه فيما بينه وبين اللَّه. وأمّا الظّلم الّذي لا يدعه اللَّه، فالمدانية بين العباد.
وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ: لمّا قدّم الأمر بشكر نعمته، أتبعه بالتّنبيه على وجوب الشّكر لكلّ منعم. فبدأ بالوالدين، أي: أمرناه بطاعة الوالدين وشكرهما والإحسان إليهما. وإنّما قرن شكرهما بشكره، لأنّه الخالق المنشئ وهما السّبب في الإنشاء والتّربية وهو عطف على قوله آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ بعد تقييده بمتعلّقاته. ثمّ بيّن- سبحانه- زيادة نعمة الأمّ، فقال: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً: ذات وهن، أو تهن وهنا. وهو في موضع الحال.
عَلى وَهْنٍ، أي: تضعف ضعفا فوق ضعف. فإنّها لا تزال يتزايد ضعفها.قيل : يعني: ضعف نطفة الوالد على ضعف [نطفة] الأمّ.
و قيل : لأنّ الحمل يؤثّر فيها. فكلّما ازداد الحمل، ازدادت ضعفا على ضعف.
و قيل : لأنّها ضعيفة الخلق ، فازدادت ضعفا بالحمل.
و قيل : [وَهْناً عَلى وَهْنٍ] ، أي: شدّة على شدّة ، وجهدا على جهد.
و قرئ، بالتّحريك. يقال: وهن يهن وهنا، ووهن يوهن وهنا .
وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ: وفطامه في انقضاء عامين. لأنّ العامين جملة مدّة الرّضاع.
و المراد: بعد ما تلده، ترضعه عامين وتربّيه. فيلحقها المشقّة بذلك- أيضا.
و قرئ: فصله . وهو أعمّ من الفصال.
أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ: تفسير «لوصّينا». أو علّة له. أو بدل من «والديه»، بدل الاشتمال. وذكر الحمل والفصال في البين، اعتراض مؤكّد للتّوصية في حقّها خصوصا.
و في من لا يحضره الفقيه ، في الحقوق المروّيّة عن زين العابدين- عليه السّلام-: وأمّا حقّ أمّك: أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا، ووقتك بجميع جوارحها. ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظلّك، وتهجر النّوم لأجلك. ووقتك الحرّ والبرد ليكون لها. فإنّك لا تطيق شكرها إلّا بعون اللَّه وتوفيقه.
و أمّا حق أبيك: فأن تعلم أنّه أصلك. فإنك لولاه لم تكن فمهما رأيت من نفسك ما يعجبك، فاعلم أنّ أباك أصل النّعمة عليك فيه. فاحمد اللَّه واشكره على قدر ذلك. ولا قوّة إلّا باللَّه.و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن معمّر بن خلّاد قال: قلت لأبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- أدعوا لوالديّ إذا كانا لا يعرفان الحقّ؟
قال: ادع لهما، وتصدّق عنهما، وإن كانا حيّين لا يعرفان الحقّ، فدارهما. فإنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: إنّ اللَّه بعثني بالرّحمة، لا بالعقوق.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: جاء رجل إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: يا رسول اللَّه، من أبرّ؟
قال: أمّك.
قال: ثمّ من؟
قال: أمّك.
قال: ثمّ من؟
قال: أمّك.
قال: ثمّ من؟
قال: أباك.
و بإسناده إلى محمّد بن مروان قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- ما يمنع الرّجل منكم أن يبرّ والديه حيّين وميّتين!؟ يصلّي عنهما، ويتصدّق عنهما، ويحجّ عنهما، ويصوم عنهما.
فيكون الّذي صنع لهما وله مثل ذلك. فيزيده اللَّه- عزّ وجلّ- ببرّه وصلته خيرا كثيرا.
ابن محبوب، عن خالد بن نافع البجليّ ، عن محمّد بن مروان قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: إنّ رجلا أتى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: يا رسول اللَّه، أوصيني.
فقال: لا تشرك باللَّه شيئا وإن حرقت بالنّار وعذّبت إلّا وقلبك مطمئنّ بالإيمان، ووالديك فأطعهما وبرّهما حيّين كانا أو ميّتين، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل. فانّ ذلك من الإيمان.الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد ، وعليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، جميعا، عن الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم، عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: جاء رجل، وسأل النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- عن برّ الوالدين.
فقال: أبرر أمّك، أبرر أمّك، أبرر أمّك. أبرر أباك، أبرر أباك . وبدأ بالأمّ قبل الأب.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن عقبة ، عن عمر بن يزيد قال سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: شكر كلّ نعمة وإن عظمت أن يحمد اللَّه - عزّ وجلّ-.
عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: هل للشّكر حدّ إذا فعله العبد كان شاكرا؟
قال: نعم.
قلت: ما هو؟
قال: يحمد اللَّه على كلّ نعمة عليه في أهل ومال. وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حقّ، أدّاه.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
أبو عليّ الأشعريّ، عن عيسى بن أيّوب ، عن عليّ بن مهزيار، عن القاسم بن محمّد، عن إسماعيل بن أبي الحسن، عن رجل، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من أنعم اللَّه عليه بنعمة فعرفها بقلبه، فقد أدّى شكرها.
عليّ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللَّه صاحب السّابريّ، فيما أعلم أو
غيره، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: [قال: فيما] أوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إلى موسى- عليه السّلام-: يا موسى اشكرني حقّ شكري.
فقال: يا ربّ، وكيف أشكرك حقّ شكرك؟ وليس من شكر أشكرك به إلّا وأنت أنعمت به عليّ.
قال: يا موسى، الآن شكرتني حين علمت أنّ ذلك منّي.
و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل وفيه يقول- عليه السّلام- وأمر بالشّكر له وللوالدين. فمن لم يشكر والديه، لم يشكر اللَّه- تعالى-.
و بإسناده إلى محمود بن أبي البلاد ، قال: سمعت الرّضا- عليه السّلام- يقول: من لم يشكر المنعم عن المخلوقين، لم يشكر اللَّه- عزّ وجلّ-.
إِلَيَّ الْمَصِيرُ فأحاسبك على شكرك وكفرك. فيه تهديد ووعيد.
وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ: باستحقاقه الإشراك، تقليدا لهما.
و المراد نفيه. لأنّ ما يكون حقّا يعلم صحّته، فما لا يكون يعلّم صحّته فهو باطل. فكأنّه قال:
فإن دعواك إلى باطل.
فَلا تُطِعْهُما: في ذلك.
وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً: صحابا معروفا يرتضيه الشّرع ويقتضيه الكرم.
و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: برّ الوالدين من حسن معرفة العبد باللَّه، إذ لا عبادة أسرع بلوغا بصاحبها إلى رضا اللَّه- تعالى- من حرمة الوالدين المسلمين لوجه اللَّه- تعالى-. لأنّ حقّ الوالدين مشتقّ من حقّ اللَّه- تعالى- إذا كانا على مناهج الدّين والسّنة، ولا يكونان يمنعان الولد من طاعة اللَّه- تعالى- إلى معصيته، ومن اليقين إلى الشّكّ، ومن الزّهد إلى الدّنيا، ولا يدعوانه إلى خلاف ذلك. فإذا كانا كذلك فمعصيتهما طاعة، وطاعتهما معصية. قال اللَّه- تعالى -: وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما
. وأمّا في باب العشرة فدارهما، واحتمل أذاهما نحو ما احتملا عنك في حال صغرك، ولا تضيّق عليهما ممّا قد وسع اللَّه عليك من المأكول والملبوس، لا تحوّل بوجهك عنهما، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما. فإنّ تعظيمهما من اللَّه- تعالى- . وقل لهما بأحسن القول وألطفه. فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ .
و في كتاب المناقب ، لابن شهر آشوب: مرّ الحسين- عليه السّلام- على عبد اللَّه بن عمرو بن العاص. فقال عبد اللَّه: من أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السّماء فلينظر إلى هذا المجتاز. وما كلمته منذ ليالي صفّين. فأتى به أبو سعيد الخدري إلى الحسين- عليه السّلام- فقال له الحسين- عليه السّلام- أتعلم أنّي أحبّ أهل الأرض إلى أهل السّماء وتقاتلني وأبي يوم صفّين؟ واللَّه، إنّ أبي لخير منيّ.
فاستعذر، وقال: إنّ النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- قال لي: أطع أباك.
فقال له الحسين- عليه السّلام-: أما سمعت قول اللَّه- تعالى-: وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما. وقول رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-:
«إنّما الطّاعة بالمعروف.» وقوله: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»؟
و في عيون الأخبار ، في باب ما كتبه الرّضا- عليه السّلام- للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدّين: وبرّ الوالدين واجب وإن كانا مشركين. ولا طاعة لهما في معصية الخالق ولا لغيرهما. فإنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
و في كتاب الخصال : عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد- عليه السّلام- قال: هذه شرائع الدّين- إلى أن قال عليه السّلام- وبرّ الوالدين واجب. فإن كانا مشركين، فلا تطعهما ولا غيرهما في المعصية. فإنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
عن سليم بن قيس الهلاليّ ، قال: سمعت أمير المؤمنين- عليه السّلام- يقول- وذكر كلاما طويلا. وفي أثنائه-: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولا ينبغي للمخلوق أن يكونجنّة لمعصية اللَّه. فلا طاعة في معصيته. ولا طاعة لمن عصى اللَّه.
و في من لا يحضره الفقيه ، في ألفاظه- صلّى اللَّه عليه وآله- الموجزة: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
و في محاسن البرقيّ ، بإسناده عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- حديث طويل. وفيه يقول- صلّى اللَّه عليه وآله- أطيعوا آباءكم فيما أمروكم، ولا تطيعوهم في معاصي اللَّه.
و في حديث آخر ، عنه- صلّى اللَّه عليه وآله- وفيه يقول- صلّى اللَّه عليه وآله- إني لا آمرك بعقوق الوالدين، ولكن صاحبهما في الدّنيا معروفا.
و في أصول الكافي : يونس، عن عبد اللَّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: إنّ من الكبائر، عقوق الوالدين واليأس من روح اللَّه، والأمن من مكر اللَّه .
وَ اتَّبِعْ: في الدّين.
سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ: طريق من رجع إلى طاعتي. فأقبل إليّ بقلبه. وهو النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ يقول: اتّبع سبيل محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-
ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ: مرجعك ومرجعهما.
فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ : بأن أجازيك على عملك، وأجازيهما على عملهما.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن
أبان بن عثمان، عن عبد اللَّه بن سليمان قال: شهدت جابر الجعفيّ عند أبي جعفر- عليه السّلام- وهو يحدّث [النّاس] : أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وعليّا- عليه السّلام- [أرحم] الوالدين [قال:] قال عبد اللَّه بن سليمان: وسمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: منّا الّذي أحلّ الخمس. ومنّا الّذي جاء بالصّدق. ومنّا الّذي صدّق به. ولنا المودّة في كتاب اللَّه- عزّ وجلّ-. وعليّ- عليه السّلام- والرسول- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- الوالدان. وأمر اللَّه ذرّيّتهما بالشّكر لهما.
و قال- أيضا -: حدّثنا أحمد بن درست الحلبيّ، عن ابن سكان، عن زرارة، عن عبد الواحد بن المختار قال: دخلت على أبي جعفر- عليه السّلام- فقال: أما علمت أنّ عليّا أحد الوالدين اللّذين قال اللَّه- عزّ وجلّ-: اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ؟
قال زرارة: فكنت لا أدري أيّة آية، هي الّتي في بني إسرائيل أو الّتي في لقمان ؟
قال: فقضى لي أن حججت. فدخلت على أبي جعفر- عليه السّلام-. فخلوت به.
فقلت: جعلت فداك، حديثا جاء به عبد الواحد.
قال: نعم.
قلت: أيّة آية، هي الّتي في لقمان أو الّتي في بني إسرائيل؟
قال: الّتي في لقمان.
و قال- أيضا -: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن أبان بن عثمان، عن بشير الدّهّان، أنّه سمع أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أحد الوالدين.
قال: قلت: ولآخر؟
قال: هو عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد عن بسطام بن مرّة، عن إسحاق بن حفّان ، عن الهيثم بن واقد ، عن عليّ بن الحسين العبديّ، عن سعد الإسكاف، عن الأصبغ بن نباتة: أنّه سأل أمير المؤمنين- عليه السّلام- عن قوله- تعالى-: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ فقال: الوالدان اللّذان أوجب اللَّه الشّكر لهما، هما اللّذان ولدا العلم وورثا الحكم وأمر النّاس بطاعتهما. ثمّ قال اللَّه: إِلَيَّ الْمَصِيرُ. فمصير العباد إلى اللَّه. والدّليل على ذلك الوالدان. ثمّ عطف القول على ابن حنتمة وصاحبه، فقال في الخاصّ والعامّ: وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي: تقول في الوصيّة وتعدل عمّن أمرت بطاعته، فَلا تُطِعْهُما:
و لا تسمع قولهما. ثمّ عطف القول على الوالدين فقال: وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً. ويقول:
عرّف النّاس فضلهما، وادع إلى سبيلهما. وذلك قوله: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ.
فقال: إلي اللَّه ثمّ إلينا. فاتّقوا اللَّه، ولا تعصوا الوالدين. فإنّ رضاهما رضا اللَّه وسخطهما سخط اللَّه.
عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن بحر، عن عبد اللَّه بن مسكان، عمّن رواه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال- وأنا عنده- لعبد الواحد الأنصاريّ في برّ الوالدين، في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً. فظننّا أنّها الآية الّتي في بني إسرائيل : وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ . فلمّا كان بعد سألته.
فقال: هي الّتي في لقمان : وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما
فقال: إنّ ذلك أعظم من أن يأمر بصلتهما وحقّهما على كلّ حال. وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.
فقال: لا بل يأمر بصلتهما وإن جاهدا على الشّرك ما زاد حقّهما إلّا عظما.
يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ: ثمّ عاد- سبحانه- إلى الإخبار عن لقمان ووصيّته لابنه.
معناه : إنّ الفعلة من خير أو شرّ أو الخصلة منهما إن تك مثقال حبّة من خردل. في الثّقل والصّغر.
و رفع نافع «مثقال» على أنّ الهاء ضمير القصّة. «و كان» تامّة، وتأنيثها لإضافة المثقال إلي الحّبة. أو لأنّ المراد به الحسنة، أو السّيّئة .
و قيل : إنّ ابن لقمان سأل لقمان، فقال: أ رأيت الحبّة تكون في مقل البحر، أي:
في مغاص البحر، أ يعلمها اللَّه؟
فقال: إنّها، أي: إنّ الّتي سألتني عنها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ.
فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ: قيل : أي: في جبل. والمعنى: في صخرة عظيمة. لأنّ الحبّة فيها أخفى وأبعد من الاستخراج.
و قيل : أي: في جوف صخرة. فإنّه أخفى مكانه وأحرزه.
أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ: في أعلى مكان، كمحدب السّماوات، أو في أسفله، كمقعر الأرض.
و قرئ، بكسر الكاف. من وكن الطّائر: إذا استقرّ في وكنته .
يَأْتِ بِهَا اللَّهُ: يحضرها. فيحاسب عليها.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم قال: من الرّزق يأتيك به اللَّه.
إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ: يصل علمه إلى كلّ خفيّ.خَبِيرٌ : عالم بكنهه.
و في مجمع البيان : وروى العيّاشيّ بالإسناد عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: اتّقوا المحقّرات من الذّنوب، فإنّ لها طالبا. لا يقولنّ أحدكم:
أذنب، أستغفر اللَّه. إنّ اللَّه- تعالى- يقول: إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ. الآية.
و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن الوشّاء، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: اتّقوا المحقّرات من الذّنوب، فإنّ لها طالبا. لا يقول أحدكم: أذنب، وأستغفر. إن اللَّه- عزّ وجلّ- يقول :
وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ. وقال- عزّ وجلّ-: إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ- الآية، إلى قوله- لَطِيفٌ خَبِيرٌ.
يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ: فإنّها قربان كلّ تقيّ.
و في الكافي ، بإسناده إلى معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام-:
عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى ربّهم وأحبّ ذلك إلى اللَّه- عزّ وجلّ- ما هو؟
فقال: ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصّلاة . ألا ترى أنّ العبد الصّالح، عيسى بن مريم- عليه السّلام-: قال : وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا؟
عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس، عن هارون بن خارجة ، عن زيد الشّحّام، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: أحبّ الأعمال إلى اللَّه- عزّ وجلّ- الصّلاة. وهي آخر وصايا الأنبياء.
أبو داود، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- أنّه قال: الصّلاة قربان كلّ تقيّ.
وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ: بما يعرفه العقل والشّرع من الطّاعات.وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ: وهو كلّ معصية قبيح ينكرها العقل والشّرع.
و في من لا يحضره الفقيه ، في وصيّة أمير المؤمنين- عليه السّلام- لابنه محمّد بن الحنفيّة: يا بنيّ، اقبل من الحكماء مواعظهم وتدبّر أحكامهم، وكن آخذ النّاس بما تأمر به وأكفّ النّاس عمّا تنهى عنه، وأمر بالمعروف تكن من أهله. فإنّ استتمام الأمور عند اللَّه- تبارك وتعالى- الأمر بالمعروف والنهّي عن المنكر.
و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عيسى عن محمّد بن عرفة قال: سمعت أبا الحسن- عليه السّلام- يقول: لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر، أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم.
محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن النّعمان، عن عبد اللَّه بن مسكان، عن داود بن فرقد، عن أبي سعيد الزّهريّ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه- عليهما السّلام- قالا : ويل لقوم لا يدينون اللَّه بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
[و بإسناده ، قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: بئس القوم قوم يعيبون الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.]
وَ اصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ: من الشّدائد، سيّما في ذلك.
و
في مجمع البيان : وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ. من المشقّة والأذى، في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. عن عليّ- عليه السّلام-.
و في أصول الكافي ، بإسناده إلى حفص بن غياث قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: يا حفص، إنّ من صبر صبر قليلا. ومن جزع، جزع قليلا.
ثمّ قال: عليك بالصّبر في جميع أمورك. فإنّ اللَّه- عزّ وجلّ- بعث محمّدا- صلّى اللَّه عليه وآله- فأمره بالصّبر والرّفق. فقال : وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ. وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا.
وَ ذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ. وقال- تبارك وتعالى -: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [السّيّئة.] فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا. وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. فصبر- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- حتّى نالوه بالعظائم. ورموه بها. (الحديث).
محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللَّه بن بكر ، عن حمزة بن حمران، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: الجنّة محفوفة [بالمكاره والصّبر.
فمن صبر على المكاره في الدّنيا دخل الجنّة. وجهنّم محفوفة] باللّذات والشّهوات. فمن أعطى نفسه لذّتها وشهوتها دخل النّار.
محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن سنان، عن أبي الجارود، عن الأصبغ قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: الصّبر صبران: صبر عند المصيبة حسن جميل. وأحسن من ذلك الصّبر عند ما حرّم اللَّه- عزّ وجلّ- عليك.
أبو عليّ الأشعريّ، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ ، عن العبّاس بن عامر العرزيّ ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه: سيأتي على النّاس زمان لا ينال الملك فيه إلّا بالقتل والتجبّر، ولا الغنى إلّا بالغصب والبخل، ولا المحبّة إلّا باستخراج الدّين واتّباع الهوى. فمن أدرك ذلك الزّمان فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى، وصبر على البغضة وهو يقدر على المحبّة، وصبر على الذّلّ وهو يقدر على العزّ، أتاه اللَّه ثواب خمسين صدّيقا ممّن صدّق بي.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي حمزة الثّماليّ قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: من ابتلي من المؤمنين [ببلاء] فصبر عليه، كان له مثل أجر ألف شهيد.محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن سماعة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- أنعم على قوم فلم يشكروا، فصارت عليهم وبالا. وابتلى قوما بالمصائب فصبروا، فصارت عليهم نعمة.
أبو عليّ الأشعريّ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان، عن العلا بن فضيل، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: الصّبر من الإيمان بمنزلة الرّأس من الجسد. فإذا ذهب الرّأس ذهب الجسد. كذلك إذا ذهب الصّبر ذهب الإيمان.
إِنَّ ذلِكَ: إشارة إلى الصّبر، أو إلى كلّ ما أمر به.
مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ : من معزومات الأمور. من عزم الأمر: قطعت قطع إيجاب. مصدر أطلق للمفعول. أو من عازمات الأمور. من عزم الأمر: جدّ. مصدر أطلق للفاعل.
و منه الحديث : إنّ اللَّه يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يحبّ أنت يؤخذ بعزائمه.
و في جوامع الجامع : وفيه دلالة على أنّ هذه الطّاعات كانت مأمورا بهما في سائر الأمم.
و في مجمع البيان : إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، أي: من العقد الصّحيح على فعل الحسن، بدلا من القبيح. والعزم الإرادة المتقدّمة للفعل بأكثر من وقت. وهو العقد على الأمر لتوطين النّفس على فعله. والتّلوّن في الرّأي يناقض العزم.
و قيل : معناه: أنّ ذلك من الأمور الّتي يجب الثّبات والدّوام عليها.
و قيل : العزم: القوّة والحزم: الحذر. ومنه المثل: لا خير في عزم بغير حزم.
و قيل : الحزم: التّأهّب للأمر. والعزم: النّفاذ فيه ومنه. قيل في المثل: رق بحزم.
فإذا استوضحت، فاعزم.
وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ: لا تمله عنهم. ولا تولّهم صفحة وجهك، كما يفعله المتكبّر. من الصّعر: وهو الصّيد، داء يعتري البعير فيلوي عنقه.
و في مجمع البيان : ولا تعرضعمّن يكلّمك استخفافا به. وهذا المعنى قول ابن عبّاس وأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، أي: ولا تذلّ للنّاس طمعا في ما عندهم.
و قرأ نافع وحمزة والكسائيّ: «و لا تصاعر .»
و قرئ: «و لا تصعر». والكلّ واحد، مثل: علاه وأعلاه وعالاه .
وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً: مصدر وقع موقع الحال، أي: تمرح مرحا، أو لأجل المرح. وهو البطر.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، أي: فرحا.
و في رواية أبي الجارود [عن أبي جعفر- عليه السّلام-] يقول: بالعظمة.
إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ : علّة للنّهي.
قيل : وتأخير الفخور، وهو مقابل للمصعّر خذه. والمختال، للماشي مرحا ليوافق رؤوس الآي.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: أنّ النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أوصى رجلا من بني تميم. فقال له: إيّاك وإسبال الإزار والقميص. فإنّ ذلك من المخيلة. واللَّه لا يحبّ المخيلة.
و في ثواب الأعمال ، بإسناده إلى ابن فضّال، عمّن حدّثه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال رسول- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: من مشى على الأرض اختيالا، لعنته [الأرض] ومن تحتها ومن فوقها.
أبي- رحمه اللَّه - [قال:] حدّثني سعد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، رفعه قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: ويل لمنيختال في الأرض، يعارض جبار السّموات والأرض.
و في أمالي الصّدوق- رحمه اللَّه- وفي مناهي النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: ونهى أن يختال الرّجل في مشيه . وقال: من لبس ثوبا واختال فيه، خسف اللَّه به من شفير جهنّم وكان قرين قارون. لأنّه أوّل من اختال، فخسف اللَّه به وبداره الأرض. ومن اختال، فقد نازع اللَّه في جبروته.
و في من لا يحضره الفقيه، مثله سواء.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا.
يقول فيه- عليه السّلام- بعد أن قال: إنّ اللَّه- تبارك وتعالى- فرض الإيمان على جوارح بن آدم وقسّمه عليها وفرّق فيها: فرض على الرّجلين أن لا يمشي بهما إلى شيء من معاصي اللَّه.
و فرض عليهما المشي إلى ما يرضي اللَّه- عزّ وجلّ- فقال: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً. إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا.
وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ: توسّط بين الدّبيب والإسراع.
و قرئ، بقطع الهمزة. من أقصد الرّامي: إذا سدّد سهمه نحو الرّميّة.
و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سرعة المشي تذهب ببهاء المؤمن.
وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ: واستر بعض صوتك، أي: انقص منه واقصر.
إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ، أي: أقبح الأصوات لصوت الحمير. أوّله زفير، وآخره شهيق.
يقال: وجه منكر، أي: قبيح. والحمار مثل في الذّمّ، سيّما نهاقه ولذلك يكنّى عنه بطويل الأذنين. وقد يقال: إذا قطعت أذناه، طال صوته. وفي تمثيل الصّوت المرتفع بصوته. ثمّ إخراجه مخرج الاستعارة، مبالغة شديدة.و توحيد الصّوت، لأنّ المراد تفضيل الجنس في التّكثير دون الآحاد. أو لأنّه في الأصل مصدر.
في أصول الكافي : أحمد بن محمّد الكوفيّ، عن عليّ بن الحسن، عن عليّ بن أسباط، عن عمّه يعقوب بن سالم، عن أبي بكر الحضرميّ قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ.
قال: العطسة القبيحة.
و في مجمع البيان : وروي عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: هي العطسة المرتفعة القبيحة، والرّجل يرفع صوته بالحديث رفعا قبيحا، إلّا أن يكون داعيا أو يقرأ القرآن.
و روى عن زيد بن عليّ أنّه قال: أراد صوت الحمير من النّاس. وهم الجهّال.
شبّههم بالحمير، كما شبّههم بالأنعام في قوله أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ.
أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ بأن جعل أسبابا محصلة لمنافعكم، ومكّنكم من الانتفاع.
ما فِي السَّماواتِ: من الشّمس والقمر والنّجوم.
وَ ما فِي الْأَرْضِ: من الحيوان والنّبات وغير ذلك. ممّا تنتفعون به وتتصرّفون فيه، بحسب ما تريدون.
و في أمالي شيخ الطّائفة ، بإسناده إلى أبي جعفر الباقر- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه أنّ النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال لعليّ- عليه السّلام-: قل ما أوّل نعمة أبلاك اللَّه- عزّ وجلّ- وأنعم عليك بها؟
قال: أن خلقني.
إلى أن قال: فما التّاسعة؟
قال: أن سخّر لي سماءه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه.
قال: صدقت.و في أصول الكافي ، بإسناده إلى أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كفى لأولي الألباب بخلق الرّبّ المسخّر وملك الرّبّ القاهر- إلى قوله-: وما أنطق به ألسن العباد وما أرسل به الرّسل وما أنزل على العباد، دليلا على الرّبّ.
وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً، أي: وسّع وأتمّ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة.
و قرئ: «أصبغ» بالإبدال. وهو جار في كلّ سين اجتمع مع الغين والخاء والقاف، كسلخ وصقر .
و قرأ نافع وأبو عمرو وحفص: «نعمه» بالجمع والإضافة.
قيل : فالظّاهرة، ما لا يمكنكم جحده من خلقكم وإحيائكم وأقداركم وخلق الشّهوة فيكم وغيرها من ضروب النّعم. والباطنة، ما لا يعرفها إلّا من أمعن النّظر فيها.
و قيل : الباطنة، مصالح الدّين والدّنيا ممّا يعلمه اللَّه وخفي عن العباد علمه.
و قيل : الظّاهرة [، تخفيف الشّرائع. والباطنة، الشّفاعة.
و قيل : الظّاهرة،] نعم الدّنيا. والباطنة، نعم الآخرة.
و قيل : الظّاهرة، نعم الجوارح. والباطنة، نعم القلب.
و قيل: الظّاهرة، ظهور الإسلام والنّصر على الأعداء. والباطنة، الإمداد بالملائكة.
و قيل : الظّاهرة حسن الصّورة وامتداد القامة وتسوية الأعضاء. والباطنة، المعرفة.
و قيل : الظّاهرة، القرآن. والباطنة، تأويله ومعانيه.
و في مجمع البيان : وقال الباقر- عليه السّلام-: النّعمة الظّاهرة، النّبيّ- صلّى اللَّهعليه وآله وسلم- وما جاء به من معرفة اللَّه- عزّ وجلّ- وتوحيده. وأمّا النّعمة الباطنة، ولايتنا أهل البيت وعقد مودّتنا.
و لا تنافي بين هذه الأقوال، لأنّ كلّها نعم اللَّه. ويجوز حمل الآية على الجميع.
و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى حمّاد بن أبي زياد الأزديّ قال: سألت سيّدي موسى بن جعفر- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً.
فقال- عليه السّلام- النّعمة الظّاهرة الإمام الظّاهر. والباطنة، الإمام الغائب.
[و في كتاب المناقب ، لابن شهر آشوب: محمّد بن مسلم، عن الكاظم- عليه السّلام-: الظّاهرة، الإمام الظّاهر. والباطنة، الإمام الغائب.]
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن شريك، عن جابر قال: قرأ رجل عند أبي جعفر- عليه السّلام-: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً.
قال: أمّا النّعمة الظّاهرة، فالنّبيّ - صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وما جاء به من معرفة اللَّه- عزّ وجلّ- وتوحيده. وأمّا النّعمة الباطنة، فولايتنا أهل البيت وعقد مودّتنا.
فاعتقد- واللَّه- قوم هذه النّعمة الظّاهرة والباطنة. واعتقدها قوم ظاهرة. ولم يعتقدوها باطنة. فأنزل اللَّه يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ. ففرح رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- عند نزولها أنّه لم يقبل اللَّه- تبارك وتعالى- إيمانهم إلّا بعقد ولايتنا ومحبّتنا.
و في شرح الآيات الباهرة : عليّ بن أبي إبراهيم- رحمه اللَّه-، عنه، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن يحيى بن آدم، عن شريك، عن جابر قال: قراء رجل عند أبي جعفر- عليه السّلام-: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً.
فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: هذه قراءة العامّة. وأمّا نحن فنقرأ: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً. فأمّا النّعمة الظّاهرة، فهو النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وما جاء به من معرفة اللَّه وتوحيده. وأمّا النّعمة الباطنة، فموالاتنا أهل البيت وعقد مودّتنا.
و في مجمع البيان : وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وفي رواية الضّحّاك، عن ابن عبّاس قال: سألت النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.
فقال: يا ابن عبّاس، أمّا ما ظهر، فالإسلام وما سوّى اللَّه من خلقك وما أفاض عليك من الرّزق، وأمّا ما بطن، فستر مساوئ عملك ولم يفضحك به. يا ابن عبّاس، إنّ اللَّه- تعالى- يقول: ثلاثة جعلتهنّ للمؤمن ولم تكن له: صلاة المؤمنين عليه بعد انقطاع عمله، وجعلت له ثلث ماله يكفّر به عن خطاياه، والثّالثة»
سترت مساوئ عمله ولم أفضحه بشيء منه. ولو أبديتها عليه، لنبذه أهله فمن سواهم.
و في أمالي شيخ الطّائفة- قدّس سرّه- بإسناده إلى أبي جعفر- عليه السّلام- قال: حدّثني عبد اللَّه بن عبّاس وجابر بن عبد اللَّه الأنصاريّ [و كان بدرّيا أحديّا شجريّا وممّن لحظ من أصحاب رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- في مودّة أمير المؤمنين- عليه السّلام-] قالوا: أتينا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- في مسجده في رهط من أصحابه، فيهم أبو بكر وأبو عبيدة وعمر وعثمان وعبد الرّحمن ورجلان من قرّاء الصّحابة- إلى قوله- حاكيا عن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: وقد أوحى إليّ ربّي- جلّ وتعالى- أن أذكّركم بالنّعمة وأنذركم بما اقتصّ عليكم من كتابه. وتلا وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ. (الآية).
ثمّ قال لهم: قولوا الآن قولكم، ما أوّل نعمة رغّبكم اللَّه فيها وبلاكم بها؟
فخاض القوم جميعا. فذكروا نعم اللَّه الّتي أنعم عليهم وأحسن إليهم بها من المعاش والرّياش والذّرّيّة والأزواج إلى سائر ما بلاهم اللَّه- عزّ وجلّ- من أنعمه الظّاهرة.فلمّا أمسك القوم أقبل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- على عليّ- عليه السّلام- فقال: يا أبا الحسن، قل. فقد قال أصحابك.
فقال: فكيف لي بالقول؟- فداك أبي وأمّي. وإنّما هدانا اللَّه بك.
قال: ومع ذلك فهات. قل ما أوّل نعمة أبلاك اللَّه- عزّ وجلّ- وأنعم عليك بها؟
قال: أن خلقني- جلّ ثناؤه- ولم أك شيئا مذكورا.
قال: صدقت. فما الثّانية؟
قال: أن أحسن بي إذ خلقني، فجعلني حيّا لا مواتا .
قال: صدقت. فما الثّالثة؟
قال: أن أنشأني- فله الحمد- في أحسن صورة وأعدل تركيب.
قال: صدقت. فما الرّابعة؟
قال: أن جعلني متفكّرا داعيا لا يلهيه ساهيا.
قال: صدقت. فما الخّامسة؟
قال: أن جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت لها. فجعل لي سراجا منيرا.
قال: صدقت. فما السّادسة؟
قال: أن هداني [اللَّه لدينه] ولم يضلّني عن سبيله.
قال: صدقت. فما السّابعة؟
قال: أن جعل لي مردّا في حياة لا انقطاع لها.
قال: صدقت. فما الثّامنة؟
قال: أن جعلني ملكا مالكا لا مملوكا.
قال: صدقت. فما التّاسعة؟
قال: أن سخّر لي سماءه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه.قال: صدقت. فما العاشرة؟
قال: أن جعلنا- سبحانه- ذكرانا [قوّاما على حلائلنا] لا إناثا.
قال: صدقت. فما بعدها؟
قال: كثرت نعم اللَّه، يا نبيّ اللَّه، فطابت [و تلا:] وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها.
فتبسّم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. وقال: ليهنئك الحكمة، ليهنئك العلم، يا أبا الحسن. فأنت وارث علمي والمبيّن لأمّتي ما اختلفت فيه من بعدي. من أحبّك لدينك وأخذ بسبيلك، فهو ممّن هدي إلى صراط مستقيم. ومن رغب عن هواك وأبغضك [و تخلّاك،] لقى اللَّه يوم القيامة لا خلاف له.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ: في توحيده وصفاته.
بِغَيْرِ عِلْمٍ: مستفاد من دليل.
وَ لا هُدىً: راجع إلى الرّسول- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.
وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ : أنزله اللَّه بل بالتّقليد، كما قال: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا: وهو منع صريح من التّقليد في الأصول.
أَ وَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ: يحتمل أن يكون الضّمير لهم ولآبائهم.
إِلى عَذابِ السَّعِيرِ : إلى ما يؤول إليه من التّقليد، أو الإشراك. وجواب «لو» محذوف، مثل: «لاتّبعوه.» والاستفهام للإنكار التّعجّب.
وَ مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ: بأن فوّض أمره إليه، وأقبل بشراشره عليه. من أسلمت المتاع إلى الزّبون.
و يؤيّده القراءة بالتّشديد. وحيث عدّي باللّام، فلتضمّن معنى الإخلاص.
وَ هُوَ مُحْسِنٌ: في عمله.
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى: تعلّق بأوثق ما يتعلّق به. وهو تمثيلللمتوكّل المشتغل بالطّاعة، بمن أراد أنّ يترقّى شاهق جبل فتمسّك بأوثق عرى الحبل المتدلّي منه.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ. وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ وَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ. فهو النّضر بن الحارث. قال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-:
اتّبع ما أنزل إليك من ربّك.
قال: بل أتّبع ما وجدت عليه آبائي.
و قوله- عزّ وجلّ-: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى قال بالولاية.
في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رضي اللَّه عنه-: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد، عن أحمد بن الحسن بن سعيد، عن أبيه، عن حصين بن المخارق، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى قال: مودّتنا أهل البيت- عليهم السّلام-.
و قال- أيضا- : حدّثنا أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن حصين بن مخارق، عن هارون بن سعيد، عن زيد بن عليّ قال: العروة الوثقى المودّة لآل محمّد- عليهم السّلام-.
وَ إِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ : إذ الكلّ صائر إليه.
وَ مَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ: فإنّه لا يضرّك في الدّنيا والآخرة.
و قرئ: «فلا يحزنك» من أحزن .
إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ: في الدّارين.
فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا: بالإهلاك والتّعذيب.
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ : فيجازيهم عليها فضلا عمّا في الظّاهر.
نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا، أي: نعطهم من نعيم الدّنيا ما يتمتّعون مدّه قليلة. أو نمتّعهمتمتيعا قليلا. فإنّ ما يزول بالنّسبة إلى ما يدوم قليل.
ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ : يثقل عليهم [ثقل] الأجرام الغلاظ.
وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ: لوضوح الدّليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره بحيث اضطرّوا إلى إذعانه.
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ: على هدايته لنا وتوفيقه إيّانا لمعرفته.
و قيل : معناه: اشكر اللَّه. على دين يقرّ لك خصمك بصحّته لوضوح دلالته.
و قيل : قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ على إلزامهم، وإلجائهم إلى الاعتراف بما يوجب بطلان معتقدهم.
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ : ما عليهم من الحجّة. أو أنّ ذلك يلزمهم.
و في كتاب التّوحيد : [أبي- رحمه اللَّه- قال:] حدّثنا سعد بن عبد اللَّه، عن إبراهيم بن هاشم ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ويعقوب بن يزيد، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينه [، عن زرارة]، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل. يقول في آخره: وقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: كلّ مولود يولد على الفطرة، يعني:
على المعرفة بأنّ اللَّه- عزّ وجلّ- خالقه. فذلك قوله- عزّ وجلّ-: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ.
لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: لا يستحقّ العبادة فيها غيره.
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ: عن حمد الحامدين.
الْحَمِيدُ : المستحقّ للحمد، وإن لم يحمد.
وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ: ولو ثبت كون الأشجار أقلاما.
و توحيد الشّجرة، لأنّ المراد تفصيل الآحاد.
وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ: البحر المحيط بسعته ممدودا بسبعة أبحر يمدّه. من مدّ الدّواة وأمدّها.و رفعه، للعطف على محلّ «أنّ» ومعموليها. و«يمدّه» حال، أو على الابتداء على أنّه مستأنف. أو الواو للحال .
و نصبه البصريّان بالعطف على اسم «أنّ»، أو إضمار فعل يفسّره «يمدّه.»
و قرئ: «يمدّه وتمدّه» بالياء والتّاء .
و في مجمع البيان : وقرأ جعفر بن محمّد- عليه السّلام-: والبحر مداده.
ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ: يكتبها بتلك الأقلام، بذلك المداد.
و إيثار جمع القلّة، للإشعار بأنّ ذلك لا يفي بالقليل فكيف بالكثير.
و في مجمع البيان : والأولى أن تكون الكلمات عبارة عن معلوماته ومقدوراته.
لأنّها إذا كانت لا تتناهى، فكذلك الكلمات الّتي تقع عبارة عنها لا تتناهى.
و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللَّه-: أنّ يحيى بن أكثم سأل مولانا أبا الحسن العسكريّ- عليه السّلام- عن مسائل منها تأويل هذه الآية. فقال: ما هذه السّبعة أبحر، وما الكلمات لا تنفد؟
فقال: له الإمام- عليه السّلام-: أمّا الأبحر، فهي عين الكبريت وعين اليمن وعين البرهوت وعين الطّبرية وجمّة ما سيدان وجمّة إفريقية وعين بلعوران. ونحن الكلمات الّتي لا تدرك فضائلنا ولا تستقصى.
و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لينزل في ليلة القدر إلى وليّ الأمر تفسير الأمور سنة [سنة] يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا وفي أمر النّاس بكذا وكذا. وإنّه ليحدث لوليّ الأمر سوى ذلك كلّ يوم علم اللَّه- عزّ وجلّ- الخاصّ والمكنونالعجيب المخزون مثل ما ينزل في تلك اللّيلة من الأمر. ثمّ قرأ: وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ
(الآية) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و
في تفسير عليّ بن إبراهيم: أنّ اليهود سألوا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- عن الرّوح.
فقال: الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا.
قالوا: نحن خاصّة؟
قال: بل النّاس عامّة.
قالوا: فكيف يجتمع هذان، يا محمّد؟ تزعم أنّك لم تؤت من العلم إلّا قليلا؟ وقد أوتيت القرآن وأوتينا التّوراة. وقد قرأت : وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ وهي التّوراة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً.
فأنزل اللَّه- تبارك وتعالى-: وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ. يقول: علم اللَّه أكثر من ذلك. وما أوتيتم كثير فيكم، قليل عند اللَّه.
إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ: لا يغلبه شيء.
حَكِيمٌ : يفعل من ذلك ما يليق بحكمته.
ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ: كخلقها وبعثها في قدرته.
فإنّه لا يشقّ عليه ابتداء جميع الخلق ولا إعادتهم بعد إفنائهم. لأنّه يكفي لوجود الكلّ تعلّق إرادته وكذا لإفنائه وإعادته.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: بلغنا، واللَّه أعلم، أنّهم قالوا: يا محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- خلقنا أطوارا، نطفا، ثمّ علقا، ثمّ أنشأنا خلقا آخر كما تزعم، وتزعم أنّا نبعث في ساعة واحدة. فقال اللَّه: ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إنما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.
إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ: يسمع ما يقوله القائلون في ذلك.بَصِيرٌ : بما يضمرونه. فيكون وعيدا لهم.
و قيل : «سميع، يسمع كلّ مسموع. بصير، يبصر كلّ مبصر. لا يشغله إدراك بعضها عن بعض. فكذلك الخلق.» فيكون تعليلا.
أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ:
في تفسير عليّ بن إبراهيم : ما ينقص من اللّيل يدخل في النّهار. وما ينقص من النّهار يدخل في اللّيل.
و قيل : معناه: أنّ كلّ واحد منهما يتعقّب الآخر.
وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ: من النّيّرين.
يَجْرِي: في فلكه.
إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى: إلى منتهى معيّن: الشّمس إلى آخر السّنة، والقمر إلى آخر الشّهر.
و قيل : إلى يوم القيامه. والفرق بينه وبين قوله لِأَجَلٍ مُسَمًّى أنّ الأجل هاهنا منتهى الجري، وثمّ غرضه حقيقة أو مجازا. وكلا المعنيين حاصل في الغايات.
وَ أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ : عالم بكنهه.
ذلِكَ: إشارة إلى ما ذكر من سعة العلم، وشمول القدرة، وعجائب الصّنع واختصاصه بها.
بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ: بسبب أنّه الثّابت في ذاته، الواجب من جميع جهاته.
أو الثّابت الألوهيّة.
وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ: المعدوم في حدّ ذاته، لا يوجد ولا يتصرّف إلّا بجعله. أو الباطل الإلهيّة.
و قرأ البصريّان والكوفيّون غير أبي بكر، بالياء .
وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ: المرتفع على كل شيء.
الْكَبِيرُ : المسلّط عليه.أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ: بإحسانه في تهيئة أسبابه.
و هو استشهاد آخر على باهر قدرته وكمال نعمته وشمول أنعامه. والباء للصّلة، أو الحال.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم قال: السّفن تجري بقدرة اللَّه.
و قرئ: «الفلّك» بالتثقيل. و«بنعمات اللَّه» بسكون العين. وقد جوّز في مثله، الكسر والفتح والسّكون.
لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ: دلائله.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ: على المشاقّ. فيتعب نفسه بالتّفكر في الآفاق والأنفس.
شَكُورٍ : يعرف النّعم ويتعرّف مانحها. أو للمؤمنين.
فإنّ الإيمان- لمّا ورد في الحديث- نصفان: نصف صبر، ونصف شكر.
وَ إِذا غَشِيَهُمْ: علاهم وغطّاهم.
مَوْجٌ كَالظُّلَلِ: كما يظلّ من جبل، أو سحاب. أو غيرهما.
و قرئ «كالظّلال»: جمع ظلّة، كقلّة وقلال.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه- في قوله [عزّ وجلّ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ قال: هو الّذي يصبر على الفقر والفاقة ويشكر اللَّه] - عزّ وجلّ- على جميع أحواله.
دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ: لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتّقليد، بما دعاهم من الخوف والشّدائد.
فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ: مقيم على الطّريق القصد، الّذي هو التّوحيد، أو متوسّط في الكفر، لانزجاره بعض الانزجار.
وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ: غدّار. فإنّه نقض للعهد الفطريّ، أو لما كان في البحر. والختر: أشدّ الغدر.كَفُورٍ : للنّعم.
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ: لا يقضي عنه.
و قرئ: «لا يجزئ» من أجزأ [إذا أغنى]. والرّاجع إلى الموصوف محذوف، أي:
لا يجزى فيه .
وَ لا مَوْلُودٌ: عطف على «والد». أو مبتدأ خبره. هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً: وتغيير النّظم، للدلالة على أنّ المولود أولى بأن لا يجزي، وقطع طمع من توقّع من المؤمنين أن ينفع أباه الكافر في الآخرة.
إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ: بالثّواب والعقاب.
حَقٌّ: لا يمكن خلفه.
فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ :
الشّيطان. بأن يرجيكم التّوبة والمغفرة، فيجرئكم على المعاصي.
و في مجمع البيان : وفي الشّواذّ قراءة سماك بن حرب. «الغرور» بضمّ الغين.
و على هذا يكون المعنى: لا يغرّنكم غرور الدّنيا بخدعها الباطلة. أو غرور النّفس بشهواتها الموبقة.
و في من لا يحضره الفقيه ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه قال السّائل: فأيّ النّاس أثبت رأيا؟
قال: من لم يغرّه النّاس من نفسه، ولم تغرّه الدّنيا بتشويقها.
و في مجمع البيان : وفي الحديث: الكيس ، من حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت. والفاجر، من اتّبع نفسه هواها وتمنّى على اللَّه.
و في إرشاد المفيد- رحمه اللَّه- من كلام أمير المؤمنين- عليه السّلام- لرجل سمعه يذمّ الدّنيا من غير معرفة بما يجب أن يقول في معناها: الدّنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزوّد منها، مسجد أنبياء اللَّه، ومهبط وحيه، ومصلّى ملائكته ومتجر أوليائه. اكتسبوا فيها الرّحمة. وربحوا فيها الجنّة. فمن ذا لذمّها وقد آذنت ببينها ونادت بفراقها، ونعت نفسها. فشوّقت بسرورها إلى السّرور، و[حذّرت] ببلائها إلى البلاء تخويفا وتحذيرا وترغيبا وترهيبا. فيا أيّها الذّامّ للدّنيا والمعتل بتغريرها، متى غرّتك؟ أ بمصارع آبائك في البلاء، أم بمصارع أمّهاتك تحت الثّرى؟ كم علّلت بكفّيك ومرّضت بيديك، تبتغى لهم الشّفاء وتستوصف لهم الأطبّاء وتلتمس لهم الدّوا؟ لم تنفعهم بطلبك ولم تشفعهم بشفاعتك.
قد مثلت لك الدّنيا بهم مصرعك ومضجعك، حيث لا ينفعك بكاؤك ولا يغني عنك أحبّاؤك.
و في أصول الكافي ، بإسناده إلى محمّد بن مسلم بن شهاب قال: سألت عليّ بن الحسين- عليهما السلام-: أيّ الأعمال أفضل عند اللَّه- عزّ وجلّ-؟
فقال: ما من عمل بعد معرفة اللَّه- عزّ وجلّ- ومعرفة رسول أفضل من بغض الدّنيا.
و أنّ لذلك لشعبا كثيرة، وللمعاصي شعبا. فأوّل ما عصي اللَّه به الكبر. وهي معصية إبليس حين أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ. [و الحرص] وهي معصية آدم وحوّاء، حين قال اللَّه- عزّ وجلّ-: لهما فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ.
فأخذا ما لا حاجة بهما إليه، فدخل على ذرّيتهما إلى يوم القيامة. وذلك أنّ أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه. ثمّ الحسد وهي معصية ابن آدم، حين حسد أخاه فقتله. فتشعّب من ذلك حبّ النّساء، وحبّ الدّنيا، وحبّ الرئاسة، وحبّ الرّاحة، وحب الكلام، وحب العلوّ والثّروة. فصرن سبع خصال. فاجتمعت كلّهنّ في حبّ الدّنيا. فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك: «حبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة.» والدّنيا دنياآن: دنيا بلاغ ودنيا ملعونة.
و بإسناده إلى طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: مثل الدّنيا كمثل ماء البحر، كلّما شرب منه العطشان ازداد عطشا [حتّى يقتله.]
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ: علم وقت قيامها.
قيل : روى أنّ الحرث بن عمرو أتى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فقال: متى قيام السّاعة؟ وإنّي قد ألقيت حبّاتي في الأرض، فمتى السّماء، تمطر؟ وحمل امرأتي، ذكر أم أنثى؟ وما أعمل غدا؟ وأين أموت؟ فنزلت.
وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ: في وقته المقدّر له، والمحلّ المعيّن في علمه.
و قراء نافع وابن عامر وعاصم، بالتّشديد.
و في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الاربعمائة باب: وبنا ينزّل الغيث.
و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود، عن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: وبنا ينزّل الغيث وينشر الرّحمة.
و بإسناده إلى سليمان بن مهران الأعمش ، عن الصّادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين- عليه السّلام- قال: بنا ينزّل اللَّه الغيث وينشر الرّحمة.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ: أذكر أم أنثى، أتامّ أم ناقص، إلى غير ذلك.
و في نهج البلاغة ، خطبة يومئ بها إلى وصف الأتراك: كأنّي أراهم قوما كأنّ وجوههم المجانّ المطرّقة. يلبسون السّرق والدّيباج، يعتقبون الخيل العتاق. ويكون هناك استحرار قتل، حتّى يمشي المجروح على المقتول. ويكون المفلت أقلّ من المأسور.
فقال له بعض أصحابه: لقد أعطيت، يا أمير المؤمنين، علم الغيب.فضحك- عليه السّلام- وقال للرّجل- وكان كلبيّا-: يا أخا كلب، ليس هو بعلم غيب. وإنّما هو تعلّم [من ذي علم. وإنّما علم الغيب علم السّاعة وما عدّده اللَّه- سبحانه- بقوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ] عِلْمُ السَّاعَةِ. (الآية) فيعلم- سبحانه- ما في الأرحام من ذكر أو أنثى، وقبيح أو جميل، وسخيّ أو بخيل، وشقيّ أو سعيد. ومن يكون للنّار حطبا، أو في الجنان للنّبيّين مرافقا. فهذا علم الغيب لا يعلمه أحد إلّا اللَّه. وما سوى ذلك فعلم علّمه اللَّه نبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. فعلّمنيه. ودعا لي بأن يعيه صدري وتضطمّ عليه جوانحي.
وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً: من خير أو شرّ. وربّما تعزم على شيء وتفعل خلافه.
وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ: كما لا تدري في أيّ وقت تموت.
فقيل : إنّ ملك الموت مرّ على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النّظر إليه.
فقال الرّجل: من هذا؟
فقال: ملك الموت.
فقال: كأنّه يريدني. فمر الرّيح أن تحملني وتلقيني بالهند. ففعل .
فقال الملك: كان دوام نظري إليه تعجّبا منه، إذ أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك.
و قرئ: «بأيّة أرض». وشبّه سيبويه تأنيثها بتأنيث «كلّ» في «كلتهنّ ».
و في بصائر الدّرجات : محمّد بن عبد الحميد وأبو طالب، جميعا، عن حنان بن سدير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ للَّه علما عامّا وعلما خاصّا. فأمّا الخاصّ، فالّذي لم يطّلع عليه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل. وأمّا علمه العامّ، فالّذي اطّلعت عليه الملائكةالمقرّبون والأنبياء المرسلون. وقد وقع ذلك كلّه إلينا.
ثمّ قال: أما تقرأ: عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ؟
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ: يعلم الأشياء كلّها.
خَبِيرٌ : يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها.
و في كتاب الخصال : عن أبي أسامة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال [لي أبي]: ألا أخبرك بخمسة لم يطلع اللَّه عليها أحدا من خلقه.
قال: قلت: بلى.
قال: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ- إلى قوله- إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ قال الصّادق- عليه السّلام-: هذه الخمسة أشياء لم يطّلع عليها ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل. وهي من صفات اللَّه- عزّ وجلّ-.
و في من لا يحضره الفقيه»: وقال- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ فقال: من قدم إلى قدم.
و في أمالي الصّدوق- رحمه اللَّه- بإسناده إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه:
- عليه السّلام- لمّا أراد المسير إلى النّهروان أتاه منجّم فقال [له: يا أمير المؤمنين لا تسر في هذه السّاعة، وسر في ثلاث ساعات يمضين من النّهار.
فقال؟] له أمير المؤمنين- عليه السّلام-: ولم ذاك؟
قال: أنّك إن سرت في هذه السّاعة أصابك وأصاب أصحابك أذى وضرّ شديد.و إن سرت في السّاعة الّتي أمرتك ظفرت، وظهرت وأصبت كلّما طلبت.
فقال له أمير المؤمنين- عليه السّلام-: [تدري ما في بطن هذه الدّابّة، أذكر أم أنثى؟
قال: إن حسبت علمت.
قال له أمير المؤمنين- عليه السّلام-:] من صدّقك على هذا القول كذّب بالقرآن.
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. ما كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- يدّعي ما ادّعيت.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و في مجمع البيان : جاء في الحديث: إنّ مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهنّ إلّا اللَّه.
و قراء هذه الآية.
و قد روى عن أئمّة الهدى- عليهم السّلام- : أنّ هذه الأشياء الخمسة لا يعلمها على التّفصيل والتّحقيق غيره- تعالى.
و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحجّال، عن ابن بكير، عن أبي منهال، عن الحارث بن المغيرة قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: إنّ النّطفة إذا وقعت في الرّحم بعث اللَّه- عزّ وجلّ- ملكا فأخذ من التّربة الّتي يدفن فيها فماثها في النّطفة. فلا يزال قلبه يحنّ إليها حتّى يدفن فيها.
و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبد الحميد، عن الحسن بن الجهم قال: قلت للرّضا- عليه السّلام-: أمير المؤمنين- عليه السّلام- قد عرف قاتله، واللّيلة الّتي يقتل فيها، والموضع الّذي يقتل فيه، وقوله لمّا سمع صياح الأوزّ في الدّار: صوائح تتبعها نوائح. وقول أمّ كلثوم: لو صلّيت اللّيلة داخل الدّار وأمرت غيرك يصلّي بالنّاس. فأبى عليها وكثر دخوله وخروجه تلك اللّيلة بلا سلاح. وقد عرف- عليه السّلام- أنّ ابن ملجم- لعنة اللَّه عليه- قاتله بالسّيف. كان هذا ممّا لم يجز تعرضه.فقال: ذلك كان. ولكنّه جبن في تلك اللّيلة لتمضي مقادير اللَّه- عزّ وجلّ-.
و في كتاب مقتل الحسين- عليه السّلام- لأبي مخنف: إنّ الحسين- عليه السّلام- لمّا نزل كربلاء وأخبر اسمها بكى بكاء شديدا. وقال: أرض كرب وبلاء. فعفوا ولا تبرحوا، وحطّوا ولا ترحلوا فههنا، واللَّه، محطّ رحالنا. وهاهنا، واللَّه، سفك دمائنا. وهاهنا، واللَّه، تسبى حريمنا. وهاهنا، واللَّه، محلّ قبورنا. وهاهنا، واللَّه، محشرنا ومنتشرنا. وبهذا وعدني جدّي رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- ولا خلاف لوعده.