وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً: لأنّ النّساء خلقن من نطف الرّجال. أو لأنّهنّ من جنسهم، لا من جنس آخر.
لِتَسْكُنُوا إِلَيْها: لتميلوا إليها وتألفوا بها. فإنّ الجنسيّة علّة للضّمّ، والاختلاف سبب للتّنافر.
وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ، أي: بين الرّجال والنّساء. أو بين أفراد الجنس.
مَوَدَّةً وَرَحْمَةً: بواسطة الزّواج، حال الشّبق وغيرها- بخلاف سائر الحيوانات- نظما لأمر المعاش. أو بأنّ تعيّش الإنسان متوقّف على التّعارف والتّعاون، المحوج إلى التّوادّ والتّراحم.
و قيل : المودة: كناية عن الجماع. و«الرّحمة» عن الولد. كقوله : رحمة منا.
و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن
وهب قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: انصرف رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- من سريّة، قد كان أصيب فيها ناس كثير من المسلمين. فاستقبلته النّساء. يسألنه عن قتلاهنّ. فدنت منه امرأة، فقالت: يا رسول اللَّه، ما فعل فلان؟
فقال وما هو منك؟
قالت: أبي.
قال: احمدي اللَّه واسترجعي، فقد استشهد.
ففعلت ذلك. ثمّ قالت: يا رسول اللَّه، ما فعل فلان؟
فقال: وما هو منك؟
قالت: زوجي.
قال: احمدي اللَّه واسترجعي، فقد استشهد.
فقالت: وا ويلي.
فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: ما كنت أظنّ أنّ المرأة تجد بزوجها هذا كلّه، حتّى رأيت هذه المرأة.
أحمد بن محمّد، عن معمّر بن خلّاد قال: سمعت أبا الحسن- عليه السّلام- يقول:
قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- لابنة جحش: قتل خالك حمزة. قال:
فاسترجعت وقالت: أحتسبه عند اللَّه. ثمّ قال لها: قتل أخوك. فاسترجعت وقالت:
أحتسبه عند اللَّه. ثمّ قال لها: قتل زوجك. فوضعت يدها على رأسها وصرخت.
فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: ما يعدل الزّوج عند المرأة شيء.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ : فيعلمون ما في ذلك من الحكم.
وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ: لغاتكم. بأن علّم كلّ صنف لغة. أو ألهمه وضعها، وأقدره عليها. أو أجناس نطقكم وأشكاله. فإنّه لا تكاد تسمع منطقين متساويين في الكيفيّة.
وَ أَلْوانِكُمْ: بياض الجلد وسواده. أو تخطيطات الأعضاء وهيئاتها وألوانها وحلاها. بحيث وقع التّمايز والتّعارف. حتّى أنّ التّوأمين مع توافق موادّهما وأسبابهما والأمورالملاقية لهما في التّخليق، يختلفان في شيء من ذلك لا محال.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ : لا تكاد تخفى على عاقل، من ملك وإنس وقرأ حفص، بكسر اللّام. ويؤيّده قوله : وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ.
و في أصول الكافي : أحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن عيسى بن هشام، عن عبد اللَّه بن سليمان ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ الإمام إذا بصر إلى الرّجل عرفه، وعرف لونه. وإن سمع كلامه من خلق حائط، عرفه وعرف ما هو. إنّ اللَّه يقول: وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ. وهم العلماء. فليس يسمع شيئا من الأمر ينطق به، إلّا عرفه أنّه ناج أو هالك. فلذلك يجيبهم بالّذي يجيبهم.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و بإسناده إلى أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كفى لأولي الألباب بخلق الرّبّ المسخّر وملك الرّبّ القاهر- إلى قوله-: وما أنطق به ألسن العباد، وما أرسل به الرّسل، وما أنزل على العباد دليلا على الرّبّ.
و في توحيد المفضّل بن عمر المنقول عن أبي عبد اللَّه الصّادق- عليه السّلام- في الرّدّ على الدّهريّة: تأمّل- يا مفضّل- ما أنعم اللَّه تقدّست أسماؤه به على الإنسان من هذا النّطق. الّذي يعبّر به عمّا في ضميره، وما يخطر بقلبه، ونتيجة فكره. به يفهم غيره ما في نفسه. ولو لا ذلك، كان بمنزلة البهائم المهملة الّتي لا تخبر عن نفسها بشيء ولا تفهم عن مخبر شيئا.
و كذلك الكتابة، الّتي بها تفيد أخبار الماضين للباقين وأخبار الباقين للآتين. وبها تجلّد الكتب في العلوم والآداب وغيرها. وبها يحفظ الإنسان ذكرى ما يجري بينه وبين غيره من المعاملات والحساب. ولولاها لانقطع أخبار بعض الأزمنة عن بعض وأخبار الغائبين عن أوطانهم، ودرست العلوم، وضاعت الآداب، وعظم ما يدخل على النّاس منالخلل في أمورهم ومعاملاتهم، وما يحتاجون إلى النّظر فيه من أمر دينهم، وما روى لهم ممّا لا يسعهم جهله. ولعلّك تظنّ أنّها ممّا يخلص إليه بالحيلة والفطنة، وليس ممّا أعطيه الإنسان من خلقه وطباعه.
و كذلك الكلام. إنّما هو شيء يصطلح عليه النّاس، فيجري بينهم. ولهذا صار يختلف في الأمم المختلفة بألسن مختلفة. وكذلك بالكتابة، ككتابة العربيّ والسّريانيّ والعبرانيّ والرّوميّ وغيرها من سائر الكتابة الّتي هي متفرّقة في الأمم إنّما اصطلحوا عليها، كما اصطلحوا على الكلام. فيقال لمن ادّعى ذلك: إنّ الإنسان وإن كان له في الأمرين جميعا فعل أو حيلة، فانّ الشيء الّذي يبلغ به ذلك الفعل والحيل عطيّة وهبة من اللَّه- عزّ وجلّ- له في خلقه. فإنّه لو لم يكن له لسان مهيّا للكلام وذهن يهتدي به للأمور لم يكن ليتكلّم أبدا. و[و لو لم يكن له كفّ مهيّأة وأصابع لكتابة، لم يكن ليكتب أبدا. و] اعتبر ذلك من البهائم التي لا كلام لها ولا كتابة. فأصل ذلك فطرة البارئ- جلّ وعزّ- وما تفضّل به على خلقه. فمن شكر أثيب. وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ .
و في بصائر الدّرجات : أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن حمّاد بن عبد اللَّه الفرّاء، عن معتب أنّه أخبره: أنّ أبا الحسن الأوّل لم يكن يرى له ولد. فأتاه يوما إسحاق ومحمّد أخواه، وأبو الحسن يتكلّم بلسان ليس بعربي. فجاء غلام سقلابيّ، فكلّمه بلسانه.
فذهب فجاء بعليّ ابنه، فقال لإخوته: هذا عليّ ابني. فضموه إليه واحدا بعد واحد فقبّلوه.
ثمّ كلّم الغلام بلسانه. فذهب به ثمّ تكلّم بلسان غير ذلك اللّسان. فجاء غلام أسود فكلّمه بلسانه. فذهب فجاء بإبراهيم فقال: هذا إبراهيم ابني فكلّمه بكلام. فجمله فذهب به. فلم يزل يدعو بغلام بعد غلام ويكلّمهم، حتّى جاء بخمسة أولاد. والغلمان مختلفون في أجناسهم وألسنتهم.
محمّد بن عيسى، عن عليّ بن مهزيار قال: أرسلت إلى أرسلت إلى أبي الحسن- عليه السّلام- غلامي، وكان سقلابيّا. قال: فرجع الغلام إليّ متعجّبا.
فقلت له: ما لك يا بنيّ؟
قال: كيف لا أتعجّب؟! ما زال يكلّمني بالسّقلابيّة، كأنّه واحد منّا. فظننتأنّه إنّما دار بينهم.
أحمد بن محمّد، عن أبي القاسم وعبد اللَّه بن عمران ، عن محمّد بن بشير، عن رجل، عن عمّار السّاباطيّ قال: قال لي أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: يا عمّار «أبو مسلم فظلله فكسا فكسحه فسطورا» قلت: جعلت فداك، ما رأيت نبطيّا أفصح منك.
فقال: يا عمّار، وبكلّ لسان.
و روى: يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- يرفع الحديث إلى الحسن بن عليّ- صلوات اللَّه عليهما وعلى آبائهما- أنّه قال: إنّ للَّه مدينتين. إحداهما بالمشرق، والأخرى بالمغرب. عليهما سور من حديد. وعلى كلّ مدينة ألف ألف مصراع من ذهب. وفيها سبعون ألف ألف لغة يتكلّم كلّ لغة بخلاف صاحبه. وأنا أعرف جميع اللّغات. وما فيها، وما بينهما، فما عليهما حجّة غيري والحسين أخي.
و في كتاب علل الشّرائع، بإسناده إلى عبد اللَّه بن يزيد بن سلام أنّه سأل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: فأخبرني عن آدم، لم سمّي آدم؟
قال: لأنّه من طين الأرض وأديمها.
قال: فآدم خلق من الطّين كله أو من طين واحد؟
قال: بل من الطّين كلّه. ولو خلق من طين واحد لما عرف النّاس بعضهم بعضا، وكانوا على صورة واحدة.
قال: فلهم في الدّنيا مثل؟
قال: التّراب. فيه أبيض، وفيه أخضر، وفيه أشقر، وفيه أغبر، وفيه أحمر، وفيه أزرق، وفيه عذب، وفيه ملح، وفيه خشن، وفيه ليّن، وفيه أصهب. فلذلك صار النّاس فيهم لين، وفيهم خشن، وفيهم احمر وابيض، وفيهم أصغر وأصهب وأسود على ألوان التراب.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.و بإسناده إلى سهل بن زياد الآدميّ قال حدّثنا عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسنيّ قال:
سمعت عليّ بن محمّد العسكريّ عليه السّلام- يقول: عاش نوح ألفين وخمسمائة سنة. وكان يوما في السّفينة نائما، فهبّت ريح فكشف عورته. فضحك حام ويافث، فزجرهما سام عليه السّلام- ونهاهما عن الضّحك. كان كلّما غطّى سام شيئا تكشفه الرّيح، كشفه حام ويافث. فانتبه نوح عليه السّلام- فرآهم وهم يضحكون، فقال: ما هذا؟ فأخبره سام بما كان: فرفع نوح يده إلى السّماء يدعو ويقول: اللّهمّ، غيّر ماء صلب حام حتّى لا يولد له ولد إلّا السّودان. اللّهمّ، غيّر ماء صلب يافث. فغيّر اللَّه ماء صلبيهما. فجميع السّودان حيث كانوا من حام. وجميع التّرك والسّقالب ويأجوج ومأجوج والصّين من يافث حيث كانوا.
و جميع البيض سواهم من سام.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وَ مِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ: منامكم في الزّمانين، لاستراحة القوى النّفسانيّة وقوّة القوى الطّبيعية وطلب معاشكم فيهما. أو مناكم باللّيل وابتغاؤكم بالنّهار، فلفّ وضمّ بين الزّمانين والفعلين بعاطفين، إشعارا بأنّ كلّا من الزّمانين وإن اختصّ بأحدهما صالح للآخر عند الحاجة. ويؤيّده سائر الآيات الواردة فيه .و في توحيد الفضّل بن عمر المنقول عن الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- في الرّدّ على الدّهرّية: والكرى يقتضى النّوم الّذي فيه راحة البدن وإجمام قواه- إلى أن قال عليه السّلام-: وكذلك لو كان إنّما يصير إلى النّوم، بالتّفكّر في حاجته إلى راحة البدن وإجمام قواه، كان عسى أن يتثاقل عن ذلك فيدفعه حتّى يهنك بدنه.
و في كتاب علل الشّرائع، بإسناده إلى يعقوب بن شعيب قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السّلام- يقول: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: في بني آدم ثلاثمائة وستّين عرقا. ثمانون ومائة متّحركة، وثمانون ومائة ساكنة. فلو سكن المتحرّك، لم ينم. أو تحرّك السّاكن، لم ينم. فكان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- إذا أصبح قال: الحمد للَّه ربّ العالمين كثيرا على كلّ حال. ثلاثمائة وستّين مرّة. وإذا أمسى، قال مثل ذلك.
و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، حديث طويل، يقول فيه الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- مجيبا للخضر- عليه السّلام- بأمر أبيه أمير المؤمنين- صلوات اللَّه عليه وآله- وقد سأله عن مسائل: أمّا ما سألت عنه من أمر الإنسان إذا نام أين تذهب روحه.
فإنّ روحه متعلّقة بالرّيح. والرّيح متعلّقة بالهواء إلى وقت ما يتحرّك صاحبها لليقظة. فإن أذن اللَّه- عزّ وجلّ- بردّ تلك الرّوح على صاحبها [جذبت تلك الرّوح الرّيح وجذبت تلك الرّيح الهواء، فرجعت الرّوح فأسكنت في بدن صاحبها] وإن لم يأذن اللَّه- عزّ وجلّ- بردّ تلك الرّوح على صاحبها، جذب الهواء الرّيح، وجذبت الرّيح الرّوح، فلم تردّ على صاحبها إلى وقت ما يبعث.
و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من خبر الشّاميّ، وما سأل عنه أمير المؤمنين- عليه السّلام- في جامع الكوفة، حديث طويل، وفيه: وسأله عن النّوم، على كم وجه هو؟فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: النّوم على أربعة أصناف: الأنبياء تنام على أقفيتها مستقبلة، وأعينها لا تنام، متوقّعة لوحي ربّها- عزّ وجلّ- والمؤمنون ينامون على يمينهم، مستقبلين القبلة. الملوك وأبناؤها على شمائلها ليستمرءوا ما يأكلون. وإبليس وإخوانه وكلّ مجنون وذو عاهة ينامون على وجوههم منبطحين.
و في كتاب الخصال: عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- قالت: أمّ سليمان بن داود لسليمان: إيّاك وكثرة النّوم باللّيل. فأنّ كثرة النّوم باللّيل تدع الرّجل فقيرا يوم القيامة.
عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: لعن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- ثلاثة: الآكل زاده وحده، والرّاكب في الفلاة وحده، والنّائم في بيت وحده.
و فيما أوصى به النّبيّ عليّا- عليه السّلام -: يا علّى، ثلاث يتخوّف منهنّ:
الجنون- إلى قوله- صلّى اللَّه عليه وآله- والرّجل ينام وحده.
و فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب : إذا نام أحدكم فليضع يده اليمنى تحت خدّه الأيمن. فإنّه لا يدري أ ينتبه من رقدته أم لا.
لا ينام الرّجل على المحجنة .
لا ينام الرّجل على وجهه. من رأيتموه نائما على وجهه، فأنبهوه ولا تدعوه.
إذا أراد أحدكم النّوم، فليضع يده اليمنى تحت خدّه الأيمن وليقل: بسم اللَّه وضعت جنبي للَّه على ملّة إبراهيم ودين محمّد وولاية من افترض اللَّه طاعته، ما شاء اللَّه كان وما لم يشأ لم يكن. فمن قال ذلك، حفظ من اللّصّ المغير والهدم واستغفرت له الملائكة .
من قرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حين يأخذ مضجعه، وكّل اللَّه- عزّ وجلّ- به خمسين ألف ملك يحرسونه ليلته .و إذا أراد أحدكم النّوم، فلا يضعنّ جنبه على الأرض حتّى يقول: أعيذ نفسي وديني وأهلي [و ولدي] ومالي وخواتيم عملي وما رزقني ربّي وخوّلني، بعزة اللَّه وعظمة اللَّه وجبروت اللَّه وسلطان اللَّه ورحمة اللَّه ورأفة اللَّه وغفران اللَّه وقوّة اللَّه وقدرة اللَّه وجلال اللَّه وبصنع اللَّه وأركان اللَّه وبجمع اللَّه وبرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وبقدرة اللَّه على ما يشاء، من شرّ السّامّة والهامّة، ومن شرّ الإنس والجنّ، ومن شر ما يدبّ في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السّماء وما يعرج فيها، ومن [شرّ] كلّ دابّة ربّي آخذ بناصيتها، إنّ ربّ على صراط مستقيم، وهو على كلّ شيء قدير، ولا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العليّ العظيم. فإنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- [كان يعوّذ الحسن والحسين.
و بذلك أرنا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-].
إذا انتبه أحدكم من نومه، فليقل: لا إله إلّا اللَّه الحليم الكريم الحّي القيّوم، وهو على كلّ شيء قدير، سبحان ربّ النّبيّين وإله المرسلين، سبحان ربّ السّموات السّبع وما فيهنّ وربّ الأرضين السّبع وما فيهنّ وربّ العرش العظيم، والحمد للَّه ربّ العالمين. وإذا جلس من نومه، فليقل قبل أن يقوم: حسبي اللَّه، حسبي الرّبّ من العباد، حسبي الّذي هو حسبي مذ كنت، حسبي اللَّه ونعم الوكيل.
عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: ثلاث خصال فيهنّ المقت من اللَّه- تعالى-:
نوم من غير سهر. وضحك من غير عجب. وأكل على الشّبع.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ : سماع تفهّم واستبصار. فإنّ الحكمة فيه ظاهرة.
وَ مِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ: مقدّر «بأن» كقوله:
ألا أيّهذا الزّاجريّ أحضر الوغى وأن أشهد اللّذّات هل أنت مخلد.
أو الفعل فيه منزّل منزلة المصدر. كقولهم: تسمع المعيديّ خير من أن تراه. أو صفة
لمحذوف، تقديره: آية يريكم بها البرق. كقوله:
فما الدّهر إلّا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
خَوْفاً: من الصّاعقة، للمسافر.
وَ طَمَعاً: للغيث، للمقيم.
و نصبهما على العلّة لفعل يلزم المذكور . فإنّ إراءتهم تستلزم رؤيتهم. أوّله على تقدير مضاف، نحو: إرادة خوف، أو طمع. أو تأويل الخوف والطّمع، بالإخافة والإطماع.
كقولك: فعلته رغما للشّيطان. أو على الحال، مثل: كلّمته شفاها.
وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً:
و قرئ، بالتّشديد .
فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ: بالنّبات:
بَعْدَ مَوْتِها: يبسها.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ : يستعملون عقولهم في استنباط أسبابه، وكيفيّة تكوّنها. ليظهر لهم كمال قدرة الصّانع وحكمته.
وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ: قيامهما بإقامته لهما وإرادته لقيامهما في حيّزهما المعيّنين، من غير مقيم محسوس. والتّعبير بالأمر، للمبالغة في كمال القدرة والغنى عن الآلة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه- : وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ، يعني: السّماء والأرض هاهنا.
ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ : عطف على «أن تقوم» على تأويل مفرد. كأنّه قيل: ومن آياته قيام السّموات والأرض بأمره، ثمّ خروجكم من القبور إذا دعاكم دعوة واحدة. فيقول: أيّها الموتى، اخرجوا.
و المراد، تشبيه سرعة ترتّب حصول ذلك على تعلّق إرادته. بلا توقّف واحتياج إلى تجشّم عمل، بسرعة ترتّب إجابة الدّاعي المطاع على دعائه.و «ثمّ» إمّا لتراخي زمانه. أو لعظم ما فيه.
و «من الأرض» متعلّق «بدعا». كقوله: دعوته من أسفل الوادي، فطلع عليّ. لا «بتخرجون». لأنّ ما بعد «إذا» لا يعمل فيما قبلها. «و إذا» الثّانية للمفاجأة. ولذلك نابت مناب «الفاء» في جواب الأولى.
و في عوالي اللئالي وفي الحديث عنه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال: من قراء حين يصبح: فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون الآيات الثلاث إلى تخرجون أدرك ما فاته في يومه. وإن قالها حين يمسي، أدرك ما فاته في ليلته.
وَ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ : منقادون لفعله.
فهم لا يمتنعون عليه.
وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ: بعد هلاكهم.
وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ: والإعادة أسهل عليه من الأصل، بالإضافة إلى قدركم والقياس إلى أصولكم. وإلّا فهما عليه سواء. ولذلك قيل: «الهاء» للخلق.
و قيل : «أهون» بمعنى: هيّن. وتذكير «هو» «لأهون». أو لأنّ الإعادة بمعنى: أن يعيد.
وَ لَهُ الْمَثَلُ الوصف العجيب الشّأن. كالقدرة العامّة، والحكمة التّامّة. ومن فسّره يقول: لا إله إلّا اللَّه، أراد به الوصف بالوحدانيّة.
الْأَعْلى: ليس لغيره ما يساويه، أو يدانيه.
و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى حنان بن سدير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه: وقوم وصفوه بيدين، فقالوا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ . وقوم وصفوه بالرّجلين، فقالوا: وضع رجله على صخرة بيت المقدس، فمنها ارتقى إلى السّماء. وقوم وصفوه بالأنامل، فقالوا: إنّ محمّدا قال: إنّي وجدت برد أنامله على قلبي . فلمثل هذه الصّفاتقال : رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ. يقول: ربّ المثل الأعلى عمّا به مثّلوه. وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى الّذي لا يشبهه شيء ولا يوصف ولا يتوهّم. فذلك المثل الأعلى.
و في عيون الأخبار بإسناده إلى ياسر الخادم: عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- لعليّ- عليه السّلام- يا عليّ، أنت حجّة اللَّه. وأنت باب اللَّه. وأنت الطّريق إلى اللَّه. وأنت النّبأ العظيم. وأنت الصّراط المستقيم. وأنت المثل الأعلى.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و في عيون الأخبار - أيضا- في الزّيارة الجامعة لجميع الأئمّة- عليهم السّلام- المنقولة: عن الجواد- عليه السّلام- : السّلام على أئمّة الهدى- إلى قوله-: وورثة الأنبياء والمثل الأعلى.
عن عبد اللَّه بن العبّاس قال: قام رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فينا خطيبا. فقال في آخر خطبته: نحن كلمة التّقوى، وسبيل الهدى، والمثل الأعلى، والحجّة العظمى، والعروة الوثقى.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: يصفه به ما فيهما، دلالة ونطقا.
وَ هُوَ الْعَزِيزُ: القادر. الّذي لا يعجز عن إبداء ممكن، وإعادته.
الْحَكِيمُ : الّذي يجري الأفعال على مقتضى حكمته.
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ: منتزعا من أحوالها. الّتي هي أقرب الأمور إليكم.
هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ: من مماليككم.
مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ: من الأموال وغيرها.
فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ: فتكونون أنتم وهم فيه شرعا. يتصرّفون فيه كتصرّفكم. مع أنّهم بشر مثلكم، وأنّها معارة لكم.و «من» الأولى، للابتداء. والثّانيّة، للتّبعيض. والثّالثة، مزيدة لتأكيد الاستفهام، الجاري مجرى النّفي.
و
في تفسير عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه- : فأمّا قوله- عزّ وجلّ-: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فإنّه كان سبب نزولها:
أنّ قريشا والعرب كانوا إذا حجّوا يلبّون. وكانت تلبيتهم: لبيّك اللّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك لا شريك [لك.] وهي تلبية إبراهيم- عليه السّلام- والأنبياء- عليهم السّلام- فجاءهم إبليس في صورة شيخ فقال لهم:
ليس هذه تلبية أسلافكم.
قالوا: وما كانت تلبيتهم؟
قال: كانوا يقولون: لبّيك اللّهمّ لبّيك، لا شريك لك إلّا شريك هو لك. فتفرّق قريش من هذا القول. فقال لهم إبليس: على رسلكم حتّى آتي على آخر كلامي.
فقالوا: ما هو؟
[فقال:] إلّا شريك هو لك، تملكه وما يملك. ألا ترون أنّه يملك الشّريك وما ملكه. فرضوا بذلك وكا نوا يلبّون بهذا قريش خاصّة. فلمّا بعث اللَّه- عزّ وجلّ- رسوله- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أنكر ذلك عليهم وقال: هذا شرك. فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ- ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ، أي: ترضون أنتم فيما تملكون أن يكون لكم فيه شريك. وإذا لم ترضوا أنتم أن يكون لكم فيما تملكونه فيه شريك، فكيف ترضون أن تجعلوا لي شريكا فيما أملك.
تَخافُونَهُمْ: يستبدّوا بتصرّف فيه.
كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ: كما يخاف الأحرار بعضهم من بعض.
كَذلِكَ: مثل ذلك التّفصيل.
نُفَصِّلُ الْآياتِ: نبيّنها. فإنّ التّمثيل ممّا يكشف المعاني ويوضّحها.
لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ : يستعملون عقولهم في تدبّر الأمثال.بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا: بالإشراك.
أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ: جاهلين. لا يكفّهم شيء. فإنّ العالم إذا اتّبع هواه ربّما ردعه عنه.
فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ: فمن يقدر على هدايته.
وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ : يخلّصونهم من الضّلالة، ويحفظونهم عن آفاتها.
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً: فقوّمه له، غير ملتفت، أو ملتفت عنه. وهو تمثيل للإقبال والاستقامة عليه ، والاهتمام به.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً، أي:
طاهرا.
أخبرنا الحسين بن محمّد، عن المعلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن جعفر بن بشير، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-:
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً:
قال: هي الولاية.
أخبرنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن حمّاد بن عثمان النّاب وخلف بن حمّاد، عن الفضيل بن يسار وربعي بن عبد اللَّه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً.
قال: يقيم في الصّلاة. لا يلتفت يمينا ولا شمالا.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السّنديّ، عن جعفر بن بشير، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً:
قال: هي الولاية.
و في تهذيب الأحكام: عليّ بن الحسن الطّاطريّ، عن محمّد بن أبي حمزة، عن ابن
مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-:
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً قال: أمره أن يقيم وجهه للقبلة. ليس فيه شيء من عبادة الأوثان.
فِطْرَتَ اللَّهِ: خلقته. نصب، على الإغراء. أو المصدر. بما دلّ عليه ما بعدها.
الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها: خلقهم عليها. وفي قبولهم للحقّ، وتمكّنهم من إدراكه. أو ملّة الإسلام، فإنّهم لو خلوا وما خلقوا عليه أدّى بهم إليها.
و قيل : العهد المأخوذ من آدم وذرّيّته.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قلت: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها قال: التّوحيد.
عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد اللَّه بن سنان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ما تلك الفطرة؟
قال هي الإسلام فطرهم اللَّه حين أخذ ميثاقهم على التّوحيد. قال : أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ وفيه المؤمن والكافر.
محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها.
قال: فطرهم جميعا على التّوحيد.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن محمّد الحلبيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها.
قال: فطرهم على التّوحيد.محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب، عن الحسين بن نعيم الصّحّاف قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: لم يكون الرّجل عند اللَّه مؤمنا قد ثبّت له الإيمان عنده، ثمّ ينقله اللَّه بعد من الإيمان إلى الكفر؟
قال: فقال: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- هو العدل. إنّما دعا العباد إلى الإيمان به، لا إلى الكفر. ولا يدعو أحدا إلى الكفر. فمن آمن باللَّه ثمّ ثبت له الإيمان عند اللَّه، لم ينقله اللَّه- عزّ وجلّ- من الإيمان إلى الكفر.
قلت له: فيكون الرّجل كافرا قد ثبت له الكفر عند اللَّه، ثمّ ينقله اللَّه بعد ذلك من الكفر إلى الإيمان؟
قال: فقال: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- خلق النّاس كلّهم على الفطرة الّتي فطرهم عليها.
لا يعرفون إيمانا بشريعة ولا كفرا. بجحود ثمّ بعث اللَّه- عزّ وجلّ- الرّسل يدعو العباد إلى الإيمان به. فمنهم من هدى اللَّه، ومنهم من لم يهده.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه- : حدّثنا الحسين بن عليّ بن ذكريّا، قال:
حدّثنا الهيثم بن عبد اللَّه الرّمّانيّ قال: حدّثنا عليّ بن موسى الرّضا، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيه محمّد بن عليّ- صلوات اللَّه عليهم- في قوله- عزّ وجلّ-: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها.
قال: هو لا إله إلّا اللَّه، محمّد رسول اللَّه، عليّ أمير المؤمنين وليّ اللَّه. إلى هاهنا التّوحيد.
و في بصائر الدّرجات : أحمد بن موسى، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها قال: فقال: على التّوحيد، ومحمّد رسول اللَّه، وعليّ أمير المؤمنين- عليهما السّلام-.
و في كتاب التّوحيد : أبي- رحمه اللَّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن العلا بن فضيل، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها.
قال: على التّوحيد. [حدّثنا محمّد بن الحسن أحمد بن الوليد- رضي اللَّه عنه - قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار، عن إبراهيم بن هاشم ويعقوب بن يزيد، عن ابن فضّال، عن بكير، عن زرارة عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها.
قال: فطرهم على التّوحيد.
[حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد- رضي اللَّه عنه- : قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار، عن عليّ بن حسّان الواسطيّ، عن الحسن بن يونس، عن عبد الرّحمن [بن كثير] مولى أبي جعفر، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها.
قال: على التّوحيد] ومحمّد رسول اللَّه، وعليّ أمير المؤمنين- عليهما السّلام-.
أبي- رحمه اللَّه- قال : حدّثنا سعد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن المغيرة، عن ابن مسكان، عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-:
أصلحك اللَّه، قول اللَّه- عزّ وجلّ- في كتابه: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها.
قال: فطرهم على التّوحيد عند الميثاق، وعلى معرفة أنّه ربّهم.
قلت: وخاطبوه؟
قال: فطأطأ رأسه. ثمّ قال: فلولا ذلك، لم يعلموا من ربّهم ولا من رازقهم.
حدثنا أبو أحمد القاسم بن محمّد بن أحمد السّرّاج الهمدانيّ قال: حدّثنا أبو القاسم جعفر بن محمّد بن إبراهيم السّرنديبيّ قال: حدّثنا أبو الحسن محمّد بن عبد اللَّه بن هارون الرّشيد بحلب قال: حدّثنا محمّد بن آدم بن أبي إياس قال [: حدّثنا] ابن أبي أديب، عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- لا تضربوا أطفالكم على بكائهم.
فإنّ بكاءهم أربعة أشهر، شهادة أن لا إله إلّا اللَّه. وأربعة أشهر، الصّلاة على النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وأربعة أشهر، الدّعاء لوالديه.حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقاق- رضي اللَّه عنه- قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللَّه الكوفيّ قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكيّ قال: حدّثنا عليّ بن العبّاس قال: حدّثنا جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن فتح بن يزيد الجرجانيّ قال: كتبت إلى أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- أسأله عن شيء من التّوحيد، فكتب إليّ بخطّه.
قال جعفر، وإنّ فتحا أخرج إليّ الكتاب، فقرأته بخطّ أبي الحسن- عليه السّلام-:
بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم، الحمد للَّه الملهم عباده الحمد، وفاطرهم على معرفة ربوبيّته.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن إسماعيل الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كانت شريعة نوح- صلوات اللَّه عليه- أن يعبد اللَّه بالتّوحيد والإخلاص وخلع الأنداد. وهي الفطرة الّتي فطر النّاس عليها.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم بن زياد الكرخيّ قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: إنّ إبراهيم- عليه السّلام- كان مولده بكوثى ربا. وكان أبوه من أهلها. وكانت أمّ إبراهيم وأمّ لوط سادة وورقة- وفي نسخة رقيّة- أختين. وهما ابنتان للاحج. وكان اللّاحج نبيّا منذرا، ولم يكن رسولا. وكان إبراهيم- عليه السّلام- في شبيبته على الفطرة الّتي فطر اللَّه- عزّ وجلّ- الخلق عليها. حتّى هداه اللَّه- تبارك وتعالى- إلى دينه واجتباه.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و في تفسير العيّاشيّ : عن مسعدة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ- : كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً (الآية) وذكر حديثا طويلا. وفي آخره قلت:
أ فضلّالا كانوا قبل النّبيّين، أم على هدى؟
قال: لم يكونوا على هدى. كانوا على فطرة اللَّه الّتي فطرهم عليها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ
و لم يكونوا ليهتدوا حتّى يهديهم اللَّه أما تسمع لقول إبراهيم . لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، ناسيا للميثاق.
و في محاسن البرقيّ : عن أبيه، عن عليّ بن النّعمان، عن عبد اللَّه بن مسكان، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها.
قال: فطرهم على معرفته، أنّه ربّهم. ولولا ذلك، لم يعلموا إذا سئلوا من ربّهم ومن رازقهم.
و في شرح الآيات الباهرة: محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه- قال: حدّثنا أحمد بن الحسن المالكيّ، عن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن سعيد ، عن جعفر بن بشير، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-:
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها.
قال: هي الولاية.
و روى محمّد بن الحسن الصّفّار ، بإسناده عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها.
قال: على التّوحيد. وأنّ محمّدا رسول اللَّه. وأنّ عليّا أمير المؤمنين- صلوات اللَّه عليهما وعلى ذرّيّتهما الطّيّبين صلاة دائمة إلى يوم الدّين.
لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ: لا يقدر أحد أن يغيّره. أو ما ينبغي أن يغيّره.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينه، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللَّه- عزّ وجلّ- حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ.
قال: الحنيفيّة من الفطرة الّتي فطر اللَّه النّاس عليها. لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ قال:
فطرهم على المعرفة.
فقال زرارة: وسألته عن قول اللَّه- عزّ وجلّ- : وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى.
قال: أخرج من ظهر آدم ذرّيّته إلى يوم القيامة، فخرجوا كالذّرّ. فعرّفهم وأراهم نفسه. ولو لا ذلك لم يعرف أحد ربّه. قال: وقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-:
كلّ مولود يولد على الفطرة، يعني: على المعرفة بأنّ اللَّه- عزّ وجلّ- خالقه. وكذلك قوله :
وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ.
ذلك: إشارة إلى الدّين المأمور بإقامة الوجه له. أو الفطرة، إن فسّرت بالملّة.
الدِّينُ الْقَيِّمُ: المستوي ، الّذي لا عوج فيه.
وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ : استقامته، لعدم تدبّرهم.
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ: راجعين إليه. من أناب: إذا رجع مرّة بعد أخرى.
و قيل : منقطعين إليه.
و الإنابة: الانقطاع إلى اللَّه بالطّاعة. فأصله على هذا: القطع. ومنه، النّاب. لأنّه قاطع وينيب في الأمر: إذا نشب فيه، كما ينشب القاطع.
و هو حال من الضّمير في النّاصب المقدّر «لفطرة اللَّه». أو في «أقم» لأنّ الآية خطاب للرّسول- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- ولأمّته، لقوله: وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ : غير أنّها صدّرت بخطاب النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- تعظيما له، يعني: فأقيموا وجوهكم منيبين إليه، راجعين إلى كلّ ما أمر به، مع التّقوى وأداء الفرض والإخلاص في التّوحيد.
مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ: بدل من «المشركين»، أي: الّذين فرقوا عن دينكم.
و قيل : تفريقهم: اختلافهم فيما يعبدونه على اختلاف أهوائهم. فبعضهم يعبدونه بطريق، وبعضهم بطريق آخر.و قيل : معناه: الّذين أوقعوا في دينهم الاختلاف، وصاروا ذوي أديان مختلفة.
فصار بعضهم يعبد وثنا، وبعضهم يعبد نارا، وبعضهم يعبد شمسا إلى غير ذلك.
و قرأ حمزة والكسائي: «فارقوا»، بمعنى: تركوا دينهم الّذي أمروا به . وهو يؤيّد المعنى الأوّل.
وَ كانُوا شِيَعاً: فرقا. تشايع كلّ إمامها، الّذي أضلّ دينها.
كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ : راضون معجبون مسرورون. ظنّا بأنّه الحقّ.
قيل : ويجوز أن يجعل «فرحون» صفة «كلّ» على أنّ الخبر «من الّذين فرّقوا».
وَ إِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ: شدّة.
دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ: راجعين إليه من دعاء غيره.
ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً: خلاصا من تلك الشّدائد.
إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ : فاجأ فريق منهم بالإشراك بربّهم الّذي عافاهم.
لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ:
«اللّام» فيه، للعاقبة.
و قيل : للأمر، بمعنى: التّهديد. لقوله: فَتَمَتَّعُوا: غير أنّه التفت فيه مبالغة.
و قرئ: «و ليتمتّعوا» .
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ : عاقبة تمتّعكم.
و قرئ، بالياء. على أنّ «تمتّعوا» ماض .
أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً: حجّة.
و قيل : ذا سلطان، أي: ملكا معه برهان.
فَهُوَ يَتَكَلَّمُ: تكلّم دلالة على الأوّل. وتكلّم نطق على الثّاني.
بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ : بإشراكهم وصحّته. أو بالأمر الّذي بسببه يشركون به في ألوهيّته.و المعنى: أنّهم لا يقدرون على تصحيح ذلك بوجه.
وَ إِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً: من نعمة وسعة وصحّة.
فَرِحُوا بِها: بطروا بسببها.
وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ: شدّة.
بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ: بشؤم معاصيهم.
إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ : فاجئوا القنوط من رحمته.
و إنّما قال: بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ولم يقل: بما قدّموا، على التّغليب للأكثر الأظهر.
فإنّ أكثر العمل لليدين. والعمل للقلب وإن كان كثيرا، فإنّه أخفى.
أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ: ويضيّق لمن يشاء على حسب ما يقتضيه مصالح العباد. فما لهم لم يشكروا ولم يحتسبوا في السّرّاء والضّرّاء كالمؤمنين.
إِنَّ فِي ذلِكَ: في بسط الرّزق لقوم، وتضييقه لقوم آخرين.
لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ : فيستدلّون بها على كمال القدرة والحكمة.
فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ، أي: أعط ذوي قرباك يا محمّد حقوقهم، الّتي جعلها اللَّه لهم من الأخماس.
و في مجمع البيان: «روى أبو سعيد الخدريّ وغيره: أنّه لمّا نزلت هذه الآية على النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أعطى فاطمة فدكا، وسلّمه إليها. وهو المروىّ عن أبي عبد اللَّه وأبي جعفر- عليهما السّلام-.
و قيل : إنّه خطاب له ولغيره. والمراد بالقربى: قرابة الرّجل. وهو أمر بصلة الرّحم بالمال والنّفس.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عثمان بن عيسى وحمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لمّا بويع لأبي بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار، بعث إلى فدك فأخرج وكيل فاطمة بنت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- منها.فجاءت فاطمة إلى أبي بكر فقالت: يا أبا بكر، منعتني ميراثي من رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وأخرجت وكيلي من فدك، وقد جعلها لي رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بأمر اللَّه- عزّ وجلّ-.
فقال لها: هاتي على ذلك شهودا.
فجاءت بأمّ أيمن فقالت: لا أشهد حتّى أحتجّ- يا أبا بكر- عليك بما قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فقالت: أنشدك اللَّه- يا أبا بكر- أ لست تعلم أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال: إنّ أمّ أيمن امرأة من أهل الجنّة؟
قال: بلى.
قالت: فأشهد بأنّ اللَّه أوحى إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ فجعل فدكا لفاطمة بأمر اللَّه. وجاء عليّ، فشهد بمثل ذلك. فكتب لها كتابا بفدك ودفعه إليها. فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟
فقال أبو بكر: إنّ فاطمة ادّعت في فدك. وشهدت لها أمّ أيمن وعليّ. فكتبت لها بفدك. فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فمزّقه، وقال: هذا فيء للمسلمين. وقال: أوس بن الحدثان وعائشة وحفصة يشهدون على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أنّه قال: إنّا معاشر الأنبياء لا نورث. ما تركناه صدقة. وإنّ عليّا زوجها يجرّ إلى نفسه. وأمّ أيمن فهي امرأة صالحة. لو كان معها غيرها، لنظرنا فيه.
فخرجت فاطمة- عليهما السلام- من عندهما باكية حزينة. فلمّا كان بعد هذا، جاء عليّ- عليه السّلام- إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار. فقال: يا أبا بكر لم منعت فاطمة من ميراثها من رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وقد ملكته في حياة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-؟
فقال أبو بكر: هذا فيء للمسلمين. فإنّ أقامت شهودا أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- جعله لها، وإلّا فلا حقّ لها فيه.
فقال أمير المؤمنين: تحكم- يا أبا بكر- فينا بخلاف حكم اللَّه في المسلمين؟
قال: لا.قال: فإنّ كان في يد المسلمين شيء يملكونه وادّعيت أنا فيه، ممّن تسأل البيّنة؟
قال: إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين.
قال: وإذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون، فتسألني البيّنة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وبعده، ولم تسأل المسلمين [البيّنة] على ما ادّعوا عليّ شهودا كما سألتني على ما ادّعيت عليهم؟
فسكت أبو بكر. ثمّ قال عمر: يا عليّ، دعنا من كلامك. فإنّا لا نقوى على حججك . فإن أتيت شهودا عدولا، وإلّا فهو فيء للمسلمين. ولا حقّ لك ولفاطمة فيه.
فقال أمير المؤمنين: يا أبا بكر أ تقرأ كتاب اللَّه؟
قال: نعم.
قال: فأخبرني عن قول اللَّه- عزّ وجلّ- إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فيمن نزلت، فينا أم في غيرنا؟
قال: بل فيكم.
قال: فلو أنّ شاهدين شهدا على فاطمة بفاحشة ما كنت صانعا؟
قال: كنت أقيم عليها الحدّ، كما أقيم على سائر المسلمين.
قال: كنت إذا عند اللَّه من الكافرين.
قال: ولم؟
قال: لأنّك رددت شهادة اللَّه لها بالطّهارة، وقبلت شهادة النّاس عليها. كما رددت حكم اللَّه وحكم رسوله أن جعل لها فدكا وقبضته في حياته، ثمّ قبلت شهادة أعرابيّ بائل على عقبيه عليها. فأخذت منها فدكا وزعمت أنّه فيء للمسلمين . وقد قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه.
قال: فدمدم النّاس وبكى بعضهم. فقالوا: صدق- واللَّه- عليّ- عليه السّلام- ورجع عليّ- صلوات اللَّه عليه- إلى منزله.قال: فدخلت فاطمة- عليها السلام- المسجد وطافت بقبر أبيها- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وهي تبكي وتقول:
إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها واختلّ قومك فاشهدهم ولا تغب
قد كان بعدك أنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
قد كان جبرائيل بالآيات يؤنسنا فغاب عنّا فكلّ الخير محتجب
وكنت بدرا منيرا يستضاء به عليك تنزّل من ذي العزّة الكتب
تهضّمتنا رجال واستخفّ بنا إذ غبت عنّا فنحن اليوم نغتصب
فكلّ أهل لهم قربى ومنزلة عند الإله لدى الأدنين مقترب
أبدت رجال لنا نجوى صدورهم لمّا مضيت وحالت دونك التّرب
فقد رزئنا به بما لم يرزه أحد من البريّة لا عجم ولا عرب
فقد رزئنا به محضا خليقته صافي الضّرائب والأعراق والنّسب
فأنت خير عباد اللَّه كلّهم وأصدق النّاس حين الصّدق والكذب
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت منّا العيون بهمّال لها سكب
سيعلم المتوّلي ظلم حامتنا يوم القيامة انّى كيف ينقلب
فرجع أبو بكر إلى منزله. وبعث إلى عمر، فدعاه. فقال: أما رأيت مجلس عليّ بنا اليوم. واللَّه لئن قعد مقعدا مثله ليفسدنّ [علينا] أمرنا. فما الرّأي؟
قال عمر: الرّأي أن نأمر بقتله.
قال: فمن يقتله؟
قال: خالد بن الوليد.
فبعثا إلى خالد، فأتاهما. فقالا: نريد أن نحملك على أمر عظيم.قال: حمّلاني على ما شئتما، ولو قتل عليّ بن أبي طالب.
قالا: هو ذاك.
قال خالد : متى أقتله؟
قال أبو بكر: إذا حضر المسجد، فقم بجنبه في الصّلاة. فإذا أنا سلّمت، فقم إليه فاضرب عنقه.
قال: نعم.
فسمعت أسماء بنت عميس ذلك، وكانت تحت أبي بكر. فقالت لجاريتها: اذهبي إلى منزل عليّ وفاطمة فاقرئيهما السّلام. وقولي لعليّ- عليه السّلام- : إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ.
فجاءت الجارية إليهما. فقالت لعليّ- صلوات اللَّه عليه-: إنّ أسماء بنت عميس تقرأ عليكما السّلام، وتقول لك: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ.
فقال علّي- عليه السّلام-: إنّ اللَّه يحول بينهم وبين ما يريدون. ثمّ قام وتهيّأ للصلاة، وحضر المسجد. ووقف خلف أبي بكر، وصلّى لنفسه، وخالد بن الوليد لجنبه ومعه السّيف. فلمّا جلس أبو بكر للتّشهّد، ندم على ما قال. وخاف الفتنة وشدّة عليّ- عليه السّلام- وبأسه. فلم يزل متفكّرا لا يجسر أن يسلّم، حتّى ظنّ النّاس أنّه قد سهى. ثمّ التفت إلى خالد، فقال: يا خالد، لا تفعل ما أمرتك به. السّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
فقال أمير المؤمنين- صلوات اللَّه عليه-: يا خالد، ما الّذي أمرك به؟
قال: أمرني بضرب عنقك.
قال: أ وكنت فاعلا ؟
قال: إي واللَّه، لولا أنّه قال لي: لا تفعل. لقتلتك بعد التّسليم.
قال: فأخذه عليّ فضرب به الأرض. واجتمع [النّاس] عليه.فقال عمر: يقتلنّه السّاعة، وربّ الكعبة.
فقال النّاس: يا أبا الحسن، اللَّه بحقّ صاحب هذا القبر. فخلّى عنه.
قال: فالتفت إلى عمر فأخذ بتلابيبه، وقال: يا ابن صهاك، لولا عهد من رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وكتاب من اللَّه- عزّ وجلّ- سبق، لعلمت أيّنا أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً ثمّ دخل منزله.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس: حدّثنا عليّ بن العبّاس المقانعيّ ، عن أبي كريب، عن معاوية بن هشام، عن فضل بن مرزوق، عن عطيّه، عن أبي سعيد الخدريّ. قال: لمّا نزلت فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ دعى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فاطمة- عليها السلام- وأعطاها فدكا.
وَ الْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ: والمسافر المحتاج. ما وظّف لهما من الزّكاة.
و الخطاب للنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أو لمن بسط له.
ذلِكَ، أي: إعطاء الحقوق مستحقّيها.
خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ: ذاته. أو جهته، أي: يقصدون بمعروفهم إيّاه خالصا. أو جهة التّقرّب إلى اللَّه- تعالى- لا جهة أخرى من الرّياء والسّمعة وغيرهما.
وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ : الفائزون بثواب اللَّه. حيث حصلوا بما بسط لهم النّعيم المقيم.
وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً: من عطيّة، يتوقّع بها مزيد مكافأة. أو زيادة محرّمة في المعاملة.
و قرأ ابن كثير، بالقصر، بمعنى: ما جئتم به من إعطاء ربا.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: الرّبا رباءان: ربا يؤكل، وربا لا يؤكل.
فأمّا الّذي يؤكل، فهديّتك إلى الرّجل تطلب منه الثّواب أفضل منها. فذلك الرّباالّذي يؤكل. وهو قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ.
و أمّا الّذي لا يؤكل، فهو الّذي نهى اللَّه عنه وأوعد عليه النّار.
و في تهذيب الأحكام : الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في هذه الآية. فقال: هو هديّتك إلى الرّجل، تطلب منه الثّواب أفضل منها. فذلك ربا يؤكل.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن القاسم بن محمّد [، عن سليمان] بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- الرّبا رباءان:
أحدهما حلال، والآخر حرام.
فأمّا الحلال، فهو أن يقرض الرّجل أخاه قرضا، طمعا أن يزيده ويعوّضه بأكثر ممّا يأخذه بلا شرط بينهما. فإن أعطاه أكثر ممّا أخذه على غير شرط بينهما، فهو مباح له. وليس له عند اللَّه ثواب فيما أقرضه. وهو قول اللَّه: فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ.
و أمّا الحرام، فالرّجل يقرض قرضا ويشترط أن يردّ أكثر ممّا أخذه: فهذا هو الحرام.
و في مجمع البيان : قيل في الرّبا المذكور في الآية قولان: أحدهما، أنّ ربا حلال.
و هو أن يعطي الرّجل العطيّة، أو يهدي الهدّية ليثاب أكثر منها. فليس فيها أجر ولا وزر. وهو المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام-.
لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ: ليزيد ويزكو في أموالهم.
فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ: ولا يبارك فيه: وقرأ نافع ويعقوب: «لتربوا»، أي: لتزيدوا.
أو لتصيروا ذوي ربا.
وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ: تبتغون به وجهه خالصا، ولا تطلبون بها المكافأة.
فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ : ذوو أضعاف من الثّواب. ونظيره: المقويّ لذي القوّة، والموسر لذي اليسار. أو الّذين ضعفوا ثوابهم وأموالهم ببركة الزّكاة،
كما يأتي فيالخبر: إنّ اللَّه- تعالى- جعل الزّكاة سببا لزيادة المال.
و قرئ، بفتح العين. على لفظ اسم المفعول.
و تغييره عن سنن المقابلة عبارة ونظما، للمبالغة والالتفات للتّعظيم. كأنّه خاطب به الملائكة وخواصّ الخلق، تعريفا لحالهم. أو للتّعميم. كأنّه قال: فمن فعل ذلك فأولئك هم المضعفون.
و الرّاجع فيه محذوف، إن جعلت «ما» موصولة. تقديره: المضعفون به. أو فمؤتوه أولئك هم المضعفون.
و في من لا يحضره الفقيه ، خطبة للزّهراء- عليها السلام- وفيها: ففرض اللَّه الإيمان تطهيرا من الشّرك، والصّلاة تنزيها عن الكبر، والزّكاة زيادة في الرّزق.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال الصّادق- عليه السّلام-: على باب الجنّة مكتوب: القرض بثماني عشرة، والصّدقة بعشرة.
و في مجمع البيان : في الحديث: ما نقص مال من صدقة.
و قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- : فرض اللَّه- تعالى- الصّلاة تنزيها عن الكبر، والزّكاة تسبيبا للرّزق، والصّيام ابتلاء لإخلاص الخلق، وصلة الأرحام منماة للعدد. في كلام طويل.
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ: عود إلى دليل التّوحيد، أي: أوجدكم.
ثُمَّ رَزَقَكُمْ: أعطاكم أنواع النّعم.
ثُمَّ يُمِيتُكُمْ: ليفتح أبصاركم إلى ما عرّضكم له من الثّواب الدّائم.
ثُمَّ يُحْيِيكُمْ: ليجازيكم على أعمالكم.
و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: الحريص محروم. ومع حرمانه مذموم في أيّ شيء كان. وكيف لا يكون
محروما، وقد فرّ من وثاق اللَّه- تعالى- وخالف قول اللَّه- عزّ وجلّ- حيث يقول اللَّه: الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ.
هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ: الّتي عبدتموها من دونه.
مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ: فيجوز لذلك توجيه العبادة إليه. أثبت له لوازم الألوهيّة، ونفاها رأسا اتّخذوه شركاء له من الأصنام وغيرها مؤكّدا بالإنكار على ما دلّ عليه البرهان والعيان ووقع عليه الوفاق، ثمّ استنتج من ذلك تقدّسه عن أن يكونوا له شركاء فقال: سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ :
قيل : ويجوز أن تكون الكلمة الموصولة صفة. والخبر هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ. والرّابط «من ذلكم». لأنّه بمعنى: من أفعاله.
و «من» الأولى والثّانية، تفيدان شيوع الحكم في جنس الشّركاء والأفعال.
و الثّالثة، مزيدة لتعميم النّفي. فكلّ منها مستقلّة بتأكيد، لتعجيز الشّركاء.