و قال بعد هذا : فصل فيما نذكره من الجزء الثّالث من تفسير الباقر- عليه السّلام- من وجهة ثانية من ثاني سطر بلفظة : وأمّا قوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ. يقول: كونوا مع عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وآل محمّد- عليهم السّلام-. [قال اللَّه تعالى-:] مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وهو حمزة بن عبد المطلّب وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ هو عليّ بن أبي طالب. يقول اللَّه: وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا. وقال اللَّه- تعالى-: اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ. وهم ها هنا آل محمّد.
و في إرشاد المفيد- رحمه اللَّه -، في مقتل الحسين- عليه السّلام-: إنّ الحسين- عليه السّلام- مشى إلى مسلم بن عوسجة لمّا صرع فإذا هو به رمق، فقال: رحمك اللَّه، يا مسلم فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا.
و في مقتل الحسين- عليه السّلام- لأبي مخنف : إنّ الحسين- عليه السّلام- لمّا أخبر بقتل رسوله عبد اللَّه بن يقطر، تغرغرت عينه بالدّموع وفاضت على خدّيه ثمّ قال: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا.
و في كتاب المناقب ، لابن شهر آشوب: [إنّ أصحاب الحسين- عليه السّلام- بكربلاء كانوا] كلّ من أراد الخروج ودّع الحسين- عليه السّلام- وقال: السّلام عليك، يا ابن رسول اللَّه. فيجيبه: وعليك السّلام ونحن خلفك، ويقرأ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ.
و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن نصير بن أبي الحكم الخثعميّ ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: المؤمن مؤمنان:
فمؤمن صدق بعهد اللَّه- جلّ وعزّ- وفي بشرطه، وذلك قوله- عزّ وجلّ-: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فذلك الّذي لا تصيبه أهوال الدّنيا ولا أهوال الآخرة، وذلك ممّن يشفع ولا يشفع له.
[و مؤمن كخامة الزّرع تعوجّ أحيانا وتقوم أحيانا، فذلك ممّن تصيبه أهوال الدّنيا وأهوال الآخرة، وذلك ممّن يشفع له ولا يشفع.عدّة] من أصحابنا، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عبد اللَّه، عن خالد القمّيّ ، عن خضر بن عمرو، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: المؤمن مؤمنان:
مؤمن وفي للَّه- جلّ وعزّ- بشروطه الّتي اشترطها عليه، فذلك مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً، وذلك ممّن يشفع ولا يشفع له، وذلك ممّن لا تصيبه أهوال الدّنيا ولا أهوال الآخرة.
و مؤمن زلّت به قدم، فذلك كخامة الزّرع كيف ما كفأته الرّيح انكفأ ، وذلك ممن تصيبه أهوال الدّنيا وأهوال الآخرة ، ويشفع له، وهو على خير.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، عن محمّد بن زكرّياء، عن أحمد بن محمّد بن يزيد، عن سهل بن عامر البجليّ، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي إسحاق، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- ، عن محمّد بن الحنفيّة- رضي اللَّه عنه قال: قال عليّ- صلوات اللَّه عليه-: كنت عاهدت اللَّه- عزّ وجلّ- ورسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أنا وعمّي حمزة وأخي جعفر و[ابن] عمّي عبيدة بن الحارث على أمر وفينا به للَّه ولرسوله، فتقدّمني أصحابي وخلفت بعدهم لما أراد- عزّ وجلّ- فأنزل اللَّه- سبحانه- فينا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ حمزة وجعفر وعبيدة وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا. [فأنا المنتظر وما بدّلت تبديلا.]
و قال- أيضا : حدّثنا عليّ بن عبد اللَّه بن أسد ، عن إبراهيم محمّد الثّقفيّ، عن يحيى بن صالح، عن مالك بن خالد الأسديّ، عن الحسن بن إبراهيم، عن جدّه عبد اللَّه بن الحسن، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: عاهَدُوا اللَّهَ عليّ بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلّب وجعفر بن أبي طالب أن لا يفرّوا في زحف أبدا فتمّوا كلّهم، فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ-فينا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ حمزة استشهد يوم أحد، وجعفر استشهد يوم موتة وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ، يعني عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا، يعني الّذي عاهدوا عليه.
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ:
تعليل للمنطوق والمعرّض به. فكان المنافقين قصدوا بالتّبديل عاقبة السّوء، كما قصد المخلصون بالثّبات والوفاء والعاقبة الحسنى. والتّوبة عليهم مشروطة بتوبتهم، والمراد به التّوفيق للتّوبة.
إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا، يعني: الأحزاب.
بِغَيْظِهِمْ: متغيّظين.
لَمْ يَنالُوا خَيْراً: غير ظافرين. وهما حالان، بتداخل أو تعاقب.
وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ: بالرّيح والملائكة.
وَ كانَ اللَّهُ قَوِيًّا: على إحداث ما يريد.
عَزِيزاً : غالبا على كلّ شيء.
و
في مجمع البيان : وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ قيل: بعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وقتله عمرو بن عبدودّ، وكان ذلك سبب هزيمة القوم. عن عبد اللَّه بن مسعود. وهو المرويّ عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-.
وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ: ظاهروا الأحزاب.
مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، يعني: قريظة.
مِنْ صَياصِيهِمْ: من حصونهم. جمع، صيصية. وهي ما يتحصّن به. ولذلك يقال لقرن الثّور والظّبي وشوكة الدّيك وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ: الخوف.
و قرئ، بالصّنمّ .
فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً :
و قرئ، بضمّ السّين .
وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ: مزارعهم.وَ دِيارَهُمْ: حصونهم.
وَ أَمْوالَهُمْ: نقودهم وأثاثهم.
روي: أنّه- عليه السّلام- جعل عقارهم للمهاجرين، فتكلّم فيه الأنصار.
فقال: إنّكم في منازلكم.
و قال عمر: أما تخمّس كما خمّست يوم بدر؟
فقال: لا، إنّما جعلت هذه لي طعمة .
وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها: كفارس والرّوم.
و قيل : خيبر. وقيل: كلّ أرض تفتح إلى يوم القيامة.
وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً : فيقدر على ذلك.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ونزل في بني قريظة وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً. وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً.
فلمّا دخل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- المدينة واللّواء معقودا، أراد أن يغتسل من الغبار. فناداه جبرائيل- عليه السّلام-: عذيرك من محارب اللَّه. واللَّه ما وضعت الملائكة لامتها، فكيف تضع لأمتك؟ إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- يأمرك أن لا تصلّي العصر، إلّا بني قريظة. فإنيّ متقدّمك ومزلزل. بهم حصنهم. إنّا كنّا في آثار القوم نزجرهم زجرا، حتّى بلغوا حمراء الأسد.
فخرج رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فاستقبله حارثة بن النّعمان.
فقال له: ما الخبر، يا حارثة؟
فقال بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، هذا دحية الكلبيّ ينادي في النّاس: ألا لا يصلّينّ العصر أحد إلّا في بني قريظة.
فقال- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: ذاك جبرائيل- عليه السّلام- ادعوا عليّا. فجاء أمير المؤمنين- صلوات اللَّه عليه- فقال: ناد في النّاس: لا يصلّينّ أحد العصر إلّا بني قريظة .فجاء أمير المؤمنين- صلوات اللَّه عليه- فنادى فيهم، فخرج النّاس فبادروا إلى بني قريظة. وخرج رسول اللَّه وأمير المؤمنين- صلوات اللَّه عليهما- بين يديه مع الرّاية العظمى.
و كان حيّ بن أخطب لمّا انهزمت قريش، جاء فدخل حصن بني قريظة. فجاء أمير المؤمنين- عليه السّلام- وأحاط بحصنهم. [فأشرف عليهم كعب بن أسيد من الحصن يشتمهم ويشتم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. فأقبل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- على حمار، فاستقبله أمير المؤمنين- عليه السّلام-.
فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، لا تدن من الحصن.
فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: يا علي، لعلّهم شتموني. إنّهم لو رأوني، لأذلّهم اللَّه. ثمّ دنى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- من حصنهم] فقال: يا إخوة القردة والخنازير وعبدة الطّاغوت، أ تشتموني؟ إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباحهم.
فأشرف عليهم كعب بن أسيد من الحصن فقال: واللَّه يا أبا القاسم، ما كنت جهولا.
فاستحيا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- حتى سقط الرّواء من ظهره حياء ممّا قاله.
و كان حول الحصن نخل كثير، فأشار إليه رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بيده فتباعد عنه وتفرّق في المفازة. وأنزل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- العسكر حول حصنهم، فحاصرهم ثلاثة أيّام فلم يطلع أحد منهم رأسه. فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام، نزل إليه غزال بن شمول.
فقال: يا محمّد، تعطينا ما أعطيت إخواننا من بني النّضير، احقن دماءنا ونخلّي لك البلاد وما فيها ولا تكتمك شيئا.
فقال: لا، أو تنزلون على حكمي.
فرجع، وبقوا أيّاما، فشكى النسّاء والصّبيان إليهم وجزعوا جزعا شديدا. فلمّا اشتدّ عليهم الحصار، نزلوا على حكم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. فأمر [رسولاللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-] بالرّجال فكتّفوا، وكانوا سبعمائة، وأمر بالنّساء فعزلن.
و قامت الأوس إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فقالوا: يا رسول اللَّه، حلفاؤنا وموالينا من دون النّاس، نصرونا على الخزرج في المواطن كلّها، وقد وهبت لعبد اللَّه بن أبي سبعمائة ذراع وثلاثمائة حاسر في صبيحة واحدة، ولسنا نحن بأقلّ من عبد اللَّه بن أبي.
فلمّا أكثروا على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال لهم: أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟
فقالوا: بلى، فمن هو؟
قال: سعد بن معاذ.
قالوا: قد رضينا بحكمه.
فأتوا به في محفّة. واجتمعت الأوس حوله يقولون: يا أبا عمرو، اتّق اللَّه وأحسن في حلفائك ومواليك. فقد نصرونا ببغاث والحدائق والمواطن كلّها.
فلمّا أكثروا عليه قال: لقد آن لسعد أن لا يأخذه في اللَّه لومة لائم.
فقالت الأوس: وا قوماه، ذهبت- واللَّه- بنو قريظة [آخر الدّهور.]
و بكت النّساء والصّبيان إلى سعد. فلمّا سكتوا، قال لهم سعد: يا معشر اليهود، أرضيتم. بحكمي فيكم؟
قالوا: بلى قد رضينا بحكمك، وقد رجونا اللَّه نصفك ومعروفك وحسن نظرك.
فعاد عليهم القول.
فقالوا: بلى يا أبا عمرو.
فالتفت إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- إجلالا له، فقال: ما ترى، بأبي أنت وأمّي يا رسول اللَّه.
قال: احكم فيهم، يا سعد، فقد رضيت بحكمك فيهم.فقال: حكمت، يا رسول اللَّه، أن تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذراريّهم وتقسّم غنائمهم وأموالهم بين المهاجرين والأنصار.
فقام رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فقال: قد حكمت بحكم اللَّه- عزّ وجلّ- من فوق سبع أرقعة.
ثمّ انفجر جرح سعد بن معاذ، فما زال ينزفه الدّم حتّى قضى. وساقوا الأسارى إلى المدينة. فأمر رسول اللَّه بأخدود فحفرت بالبقيع. فلمّا أمسى أمر بإخراج رجل فكان يضرب عنقه.
فقال حيّ بن أخطب لكعب بن أسيد: ما ترى يصنع محمّد بهم؟
فقال له: ما يسوؤك. أما ترى الدّاعي لا يقلع والّذي يذهب لا يرجع. فعليكم بالصّبر والثّبات على دينكم.
فأخرج كعب بن أسيد مجموعة يديه إلى عنقه، وكان جميلا وسيما. فلمّا نظر إليه رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال له: يا كعب، أما نفعك وصيّة ابن الحواس الحبر الزّكيّ الّذي قدم عليكم من الشّام فقال: تركت الخمر والخمير وجئت إلى البؤس والتّمور، لنبيّ يبعث، مخرجه بمكّة ومهاجرته في هذه البحيرة، يجتزئ بالكسيرات والتّميرات، ويركب الحمار العريّ، في عينيه حمزة، وبين كتفيه خاتم النّبوّة، يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى منكم، يبلغ سلطانه منقطع الخفّ والحافر؟
فقال: قد كان ذلك، يا محمّد، ولو لا أنّ اليهود يعيّروني أنّي جزعت عند القتل لآمنت بك وصدّقتك، ولكنّي على دين اليهود عليه أحيى وعليه أموت.
فقال رسول اللَّه: قدّموه، فاضربوا عنقه. فضربت.
ثمّ قدّم حيّ بن أخطب. فقال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: يا فاسق، كيف رأيت صنع اللَّه بك؟
و اللَّه يا محمّد، ما ألوم نفسي في عداوتك. ولقد قلقلت كلّ مقلقل، وجهدت كلّ الجهد، ولكن من يخذل اللَّه يخذل. ثمّ قال حين قدّم للقتل: لعمري ما لام ابن أخطب نفسه ولكنه من يخذل اللَّه يخذل
فقدّم وضرب عنقه. فقتلهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- في البردين، بالغداة والعشيّ في ثلاثة أيّام. وكان يقول: اسقوهم العذب وأطعموهم الطّيّب وأحسنوا إلى أسراهم . حتّى قتلهم كلّهم. فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ- على رسوله فيهم وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ، أي: من حصونهم وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ إلى قوله- تعالى-: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا: السّعة والتّنعّم فيها.
وَ زِينَتَها: وزخارفها.
فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وأعطكنّ المتعة.
وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا : طلاقا من غير ضرار وبدعة.
و قرئ: «أمتّعكنّ، وأسرّحكنّ» بالرفع على الاستئناف .
وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً :
في تفسير عليّ بن إبراهيم : وأمّا قوله- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا إلى قوله: أَجْراً عَظِيماً. فإنّه كان سبب نزولها، أنّه لمّا رجع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- من غزوة خيبر وأصاب كنز آل أبي الحقيق، قلن أزواجه: أعطنا ما أصبت.
فقال لهنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: قسّمته بين المسلمين على ما أمر اللَّه- عزّ وجلّ-.
فغضبن من ذلك، وقلن: لعلّك ترى أنك إن طلّقتنا أن لا نجد الأكفاء من قومنا يتزوّجونا؟
فأنف اللَّه- عزّ وجلّ- لرسوله، فأمره اللَّه أن يعتزلهنّ. فاعتزلهنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- في مشربة أمّ إبراهيم تسعة وعشرين يوما، حتّى حضن وطهرن. ثمّ أنزلاللَّه- عزّ وجلّ- هذه الآية، وهي آية التّخيير، فقال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا إلى قوله: أَجْراً عَظِيماً.
فقامت أمّ سلمة، وهي أوّل من قامت فقالت. قد اخترت اللَّه ورسوله. فقمن كلّهن، فعانقنه وقلن مثل ذلك. فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ-: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ قال الصّادق- عليه السّلام-: من آوى، فقد نكح. ومن أرجى، فقد طلّق.
قوله- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً. وقد أخّرت عنها في التّأليف.
و في الكافي : حميد، عن ابن سماعة، عن ابن رباط، عن عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن رجل خيّر امرأته فاختارت نفسها، بانت؟
قال: لا، إنّما هذا شيء كان لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: خاصّة.
و أمر بذلك، ففعل. ولو اخترن أنفسهنّ، لطلّقن. وهو قول اللَّه- عزّ وجلّ-: قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا.
حميد [بن زياد،] عن ابن سماعة ، عن محمّد بن زياد وابن رباط، عن أبي أيّوب الخزّاز [، عن محمّد بن مسلم] قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: أنّي سمعت أباك يقول: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- خيّر نساءه، فاخترن اللَّه ورسوله فلم يمسكهنّ على طلاق، ولو اخترن أنفسهنّ لبنّ.
فقال: إنّ هذا حديث يرويه أبي عن عائشة، وما للنّاس والخيار، إنّما هذا شيء خصّ اللَّه به رسوله- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.
محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ قال: ذكر أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّ زينب قالتلرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: لا تعدل وأنت رسول اللَّه؟ وقالت حفصة: إن طلّقتنا وجدنا أكفاءنا من قومنا. فاحتبس الوحي عن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- عشرين يوما.
قال: فأنف اللَّه لرسوله، فأنزل يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها إلى قوله: أَجْراً عَظِيماً.
قال: فاخترن اللَّه ورسوله ولو اخترن أنفسهنّ لبنّ، وإن اخترن اللَّه ورسوله فليس بشيء.
حميد [بن زياد] ، عن ابن سماعة ، عن جعفر بن سماعة، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ زينب بنت جحش قالت: أ يرى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- إن خلّى سبيلنا أن لا نجد زوجا غيره؟ وقد كان اعتزل نساءه تسعا وعشرين ليلة. فلمّا قالت زينب الّذي قالت، بعث اللَّه- عزّ وجلّ- جبرائيل إلى محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فقال: قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ (الآيتين كلتيهما) فقلن: بل نختار اللَّه ورسوله والدّار الآخرة.
عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ، عن ابن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الأعلى بن أعين قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّ بعض نساء النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قالت: أ يرى محمّد أنّه لو طلّقنا أن لا نجد الأكفاء من قومنا؟
قال: فغضب اللَّه- عزّ وجلّ- له من فوق سبع سماواته. فأمره، فخيّرهنّ حتّى انتهى إلى زينب بنت جحش.
فقامت وقبّلته، وقالت: أختار اللَّه ورسوله.
حميد، عن الحسن بن سماعة ، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ زينب بنت جحش قالت لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: لا تعدل وأنت نبيّ؟
فقال: تربت يداك إذا لم أعدل، فمن يعدل؟
قالت: دعوت اللَّه يا رسول اللَّه، ليقطع يداي؟
فقال: لا، ولكن لتتربان.
فقالت: إنّك إن طلّقتنا وجدنا في قومنا أكفاءنا.
فاحتبس الوحي عن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- تسعا وعشرين ليله.
ثمّ قال أبو جعفر- عليه السّلام-: فأنف اللَّه لرسوله- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا (الآيتين) فاخترن اللَّه ورسوله ولم يكن شيئا. ولو اخترن أنفسهن، لبنّ.
و عنه، عن عبد اللَّه بن جبلة، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، مثله.
محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة قال:
سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- أنف لرسوله- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- من مقالة قالتها بعض نسائه، فأنزل اللَّه آية التّخيير، فاعتزل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- نساءه تسعا وعشرين ليلة في مشربة أمّ إبراهيم، ثمت دعاهنّ فخيّرهنّ فاخترنه فلم يكن شيئا، ولو اخترن أنفسهنّ كانت واحدة بائنة.
قال: وسألته عن مقالة المرأة ما هي؟
قال: فقال: إنّها قالت: يرى محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أنّه لو طلّقنا أن لا تأتينا الأكفاء من قومنا يتزوّجونا؟
و في مجمع البيان : وروى الواحديّ بالإسناد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال: كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- جالسا مع حفصة، فتشاجرا بينهما.
فقال لها: هل لك أن أجعل بيني وبينك رجلا؟
قالت: نعم.
فأرسل إلى عمر. فلمّا أن دخل عليهما قال لها: تكلّمي.
قالت: يا رسول اللَّه، تكلّم ولا تقل إلّا حقّا.
فرفع عمر يده فوجأ وجهها [، ثمّ رفع يده فوجأ وجهها.]
فقال له النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: كفّ.
فقال عمر: يا عدوّة اللَّه، النّبيّ لا يقول إلّا حقّا. والّذي بعثه بالحقّ لو لا مجلسه، ما رفعت يدي حتّى لموتي.
فقام النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فصعد إلى غرفة، فمكث فيها شهرا لا يقرب شيئا من نسائه يتغدّى ويتعشّى فيها. فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ- هذه الآيات.
و اختلف العلماء في حكم التّخيير على أقوال:
أحدها: أنّ الرّجل إذا خيّر امرأته فاختارت زوجها، فلا شيء. وإن اختارت نفسها، تقع تطليقة واحدة. وهو قول عمر بن الخطّاب وابن مسعود، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه.
و ثانيهما: أنّه إذا اختارت نفسها، تقع ثلاث تطليقات. وإن اختارت زوجها، تقع واحدة. وهو يقول زيد بن ثابت، وإليه ذهب مالك.
و ثالثها: أنّه إذا نوى الطّلاق، كان طلاقا وإلّا فلا. وهو مذهب الشّافعيّ.
و رابعها:
أنّه لا يقع بالتّغيير طلاق، وإنّما كان ذلك للنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- خاصّة. ولو اخترن أنفسهنّ لما خيّرهنّ، لبنّ منه. وأمّا غيره، فلا يجوز له ذلك. وهو المرويّ عن أئمتّنا- عليهم السّلام- .
و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن [ابن] أبي نجران، عن عبد الكريم بن عمرو، عن أبي بكر الحضرميّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا.
ثمّ قال وعنه، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير وغيره في تسمية نساء النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- ونسبهنّ وصفتهنّ: عائشة، وحفصة، وأمّ حبيب بنت أبي سفيان بن حرب، وزينب بنت جحش، وسودة بنت زمعة، وميمونة بنت الحرث، وصفيّة بنت حيّ بن أخطب، وأمّ سلمة بنت أبي أميّة، وجويرية بنت الحرث.
و كانت عائشة من تيم، وحفصة من عديّ، وأمّ سلمة من بني مخزوم، وسودة من بنيأسد [بن عبد العزى، وزينب بنت جحش من بني أسد]» وعدادها من بني أميّة، وأمّ حبيب بنت أبي سفيان من بني أميّة، وميمونة بنت الحرث من بني هلال، وصفيّة بنت حيّ بن أخطب من بني إسرائيل.
و مات- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- عن تسع [نساء]» وكان له سواهنّ الّتي وهبت نفسها للنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وخديجة بنت خويلد أمّ ولده، وزينب [بنت]»
أبي الجون الّتي خدعت، والكنديّة.
و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللَّه جعفر بن محمّد الصّادق- عليه السّلام- قال: تزوّج رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بخمس عشرة امرأة، ودخل بثلاث عشرة منهنّ، وقبض عن تسع.
فأمّا اللّتان لم يدخل بهما تعمرة والشبان .
و أمّا الثّلاث عشرة اللّاتي دخل بهنّ، فأولهنّ خديجة بنت خويلد. ثمّ سودة بنت زمعة. ثمّ أمّ سلمة، واسمها هند بنت أبي أميّة. ثمّ أمّ عبد اللَّه، عائشة بنت أبي بكر. ثمّ حفصة بنت عمر. ثمّ زينب بنت خزيمة بن الحرث أمّ المساكين. ثمّ زينب بنت جحش. ثمّ أمّ حبيبة رملة بنت أبي سفيان. ثمّ ميمونة بنت الحارث. ثمّ زينب بنت عميس. ثمّ جويرية بنت الحرث. ثمّ صفيّة بنت حيّ بن أخطب.
و الّتي وهبت نفسها للنّبيّ، خولة بنت حكيم السّلمي.
و كان له سريّتان يقسم لهما مع أزواجه، مارية القبطية ، وريحانة الخندقية .
و التّسع اللّاتي قبض عنهنّ: عائشة، وحفصة، وأمّ سلمة، وزينب بنت جحش، وميمونة بنت الحارث، وأمّ حبيبة بنت أبي سفيان، وصفيّة [بنت حيّ بن أخطب،] وجويرية [بنت الحارث،] وسودة [بنت زمعة.] وأفضلهنّ خديجة بنت خويلد، ثمّ أمّسلمة، ثمّ ميمونة .
يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ قيل : بكبيرة.
مُبَيِّنَةٍ: ظاهر قبحها.
يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ: ضعفي عذاب غيرهنّ، أي: مثليه. لأنّ الذّنب منهنّ أقبح. فإنّ زيادة قبحه، تتبع زيادة فضل المذنب والنّعمة عليه. ولذلك جعل حدّ الحرّ ضعفي حد العبد. وعوتب الأنبياء بما لا يعاتب به غيرهم.
و قرأ البصريّون: «يضعف» [على بناء المفعول.] وابن كثير وابن عامر «نضعف» بالنّون، وبناء الفاعل، ونصب العذاب .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا محمّد بن أحمد قال: حدّثنا محمّد بن عبد اللَّه بن غالب عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن صمّاد، عن حريز قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ قال: «الفاحشة» الخروج بالسّيف.
و في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أجرها مرّتين والعذاب. ضعفين. كلّ هذا في الآخرة، حيث يكون الأجر يكون العذاب.
و في مجمع البيان : وروى محمّد بن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن عليّ بن عبد اللَّه بن الحسين ، عن أبيه عليّ بن الحسين زين العابدين- عليه السّلام- أنّه قال له رجل: إنّكم أهل بيت مغفور لكم.
قال: فغضب وقال: نحن أحرى أن يجري فينا ما أجرى اللَّه في أزواجالنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- من أن نكون كما تقول. إنّما نرى لمحسننا ضعفين من الأجر ولمسيئنا ضعفين من العذاب. ثمّ قرأ الآيتين.
و في بصائر الدّرجات : أحمد بن محمّد والحسين بن عليّ بن النّعمان [، عن أبيه عليّ بن النّعمان،] عن محمّد بن سنان، يرفعه، قال: إن عائشة قالت: التمسوا لي رجلا شديد العداوة لهذا الرّجل حتّى أبعثه إليه.
قال: فأتيت به، فمثل بين يديها.
فرفعت إليه رأسها فقالت له: ما بلغ من عداوتك لهذا الرّجل؟
فقال لها: كثيرا ما أتمنى على ربّي، أنّه وأصحابه في وسطي فضربته ضربة بالسّيف فسبق السّيف الدّم.
قالت: فأنت له. اذهب بكتابي هذا، فادفعه إليه ظاعنا رأيته أو مقيما. أما إنّك إن رأيته رأيته راكبا على بغلة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- متنكّبا قوسه، معلّقا كنانته بقربوس سرجه، وأصحابه خلفه كأنّهم طير صوافّ [فتعطيه كتابي هذا. و] إن عرض عليك طعامه وشرابه، فلا تناولّن منه شيئا فإنّ فيه السّحر.
قال: فاستقبله راكبا [كما قالت] فناولته الكتاب، ففضّ خاتمه ثمّ قرأه.
فقال: تبلغ إلى منزلنا فتصيب من طعامنا وشرابنا ونكتب جواب كتابك؟
فقال: هذا، واللَّه، ما لا يكون.
قال: فسار خلفه فأحدق به أصحابه.
ثمّ قال له: أسألك.
قال: نعم.
قال: وتجيبني؟
قال: نعم.قال: نشدتك [اللَّه] هل قالت: التمسوا لي رجلا شديد العداوة لهذا الرّجل، فأتي بك. فقالت لك: ما بلغ من عداوتك لهذا الرّجل؟ فقلت: كثيرا ما أتمنّى على ربّي أنّه وأصحابه في وسطي وأنّي ضربت ضربة سبق السّيف الدّم؟
قال: اللّهمّ، نعم.
قال: فنشدتك اللَّه، أ قالت لك: اذهب بكتابي هذا فادفعه إليه ظاعنا كان أو مقيما، أما إنّك إن رأيته رأيته راكبا على بغلة رسول اللَّه متنكّبا قوسه معلّقا كنانته بقربوس سرجه، أصحابه خلفه كأنّهم طير صوافّ فتعطيه كتابي هذا؟
قال: اللّهمّ، نعم.
قال: فنشدتك اللَّه، هل قالت لك: إن عرض عليك طعامه وشرابه فلا تناولنّ منه شيئا، فإنّ فيه السّحر؟
قال: اللّهمّ، نعم.
قال: فتبلّغ عني؟
قال: اللّهمّ، نعم. فإني قد أتيتك وما في الأرض خلق أبغض إليّ منك، وأنا السّاعة ما في الأرض خلق أحبّ إليّ منك فمرني بما شئت.
قال: ارجع إليها بكتابي هذا، وقل لها: ما أطعت اللَّه ولا رسوله حيث أمرك اللَّه بلزوم بيتك، فخرجت تردّدين في العساكر. وقل لهم: ما أنصفتهم اللَّه ولا رسوله حيث خلّفتم حلائلكم في بيوتكم وأخرجتم حليلة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.
قال: فجاء بكتابه فطرحه إليها وأبلغها مقالته، ثم رجع إليه فأصيب بصفّين.
فقالت: ما نبعث إليه بأحد إلّا أفسده علينا.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-: حدّثنا الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن كرام، عن محمّد بن مسلم، عن أبي
عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال لي: أ تدري ما الفاحشة المبيّنة؟
قلت: لا.
قال: قتال أمير المؤمنين- عليه السّلام-، يعني: أهل الجمل.
وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً : لا يمنعه في التّضعيف كونهّن نساء النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. وكيف وهو سببه.
وَ مَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ: ومن يدم على الطّاعة.
لِلَّهِ وَرَسُولِهِ: ولعلّ ذكر اللَّه، للتّعظيم، أو لقوله:
وَ تَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ: مرّة على الطّاعة، ومرّة على طلبهنّ رضاء النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بالقناعة وحسن المعاشرة.
و قرأ حمزة والكسائيّ: ويعمل» بالياء- أيضا- حملا على لفظ «من» ويؤتها» على أنّ فيه ضمير اسم اللَّه .
وَ أَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً : في الجنّة، زيادة على أجرها.
يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ:
أصل «أحد» وحد، بمعنى: الواحد. ثمّ وضع في النّفي العام، مستويا فيه المذّكر والمؤنّث، والواحد والكثير.
و المعنى: لستن كجماعة واحدة من جماعات النّساء في الفضل.
إِنِ اتَّقَيْتُنَّ: مخالفة حكم اللَّه ورضا رسوله.
فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ: فلا تجبن بقولكنّ خاضعا ليّنا، مثل: قول المريبات والمومسات.
فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ: فجور.
و قرئ، بالجزم، عطفا على محلّ فعل النّهي. على أنّه نهى مريض القلب عن الطّمع عقيب نهيهنّ عن الخضوع بالقول.
وَ قُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً : حسنا، بعيدا عن الرّيبة.
وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ:
من وقر، يقر، وقارا. أو قرّ، يقرّ، قرارا. حذفت الأولى من رائي «اقررن» ونقلتكسرتها إلى القاف، فاستغني به عن همزة الوصل. ويؤيّده قراءة عاصم ونافع، بالفتح. من قررت، أقرّ وهو لغة فيه. ويحتمل أن يكون من قار، يقار: إذا اجتمع .
وَ لا تَبَرَّجْنَ: ولا تتبخترن في مشيتكنّ.
تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى تبرّجا مثل تبرّج النّساء في أيّام الجاهليّة القديمة.
و قيل : هي ما بين آدم ونوح- عليهما السلام-.
و قيل : الزّمان الّذي ولد فيه إبراهيم- عليه السّلام-. كانت المرأة تلبس ورعا من اللّؤلؤ فتمشي وسط الطّريق تعرض نفسها على الرّجال. والجاهليّة الأخرى ما بين عيسى ومحمّد- عليهما السّلام-.
و قيل : الجاهليّة الأولى جاهليّة الكفر قبل الإسلام، والجاهليّة الأخرى جاهليّة الفسوق فيه . ويعضده
قوله- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- لأبي الدّرداء: إنّ فيك جاهليّة.
قال: جاهلية كفر أو إسلام؟
قال: بل جاهلية كفر.
و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى عبد اللَّه بن مسعود، عن النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- حديث طويل. يقول فيه- عليه السّلام-: إنّ يوشع بن نون وصيّ موسى- عليه السّلام- عاش بعد موسى ثلاثين سنة. وخرجت عليه صفراء بنت شعيب زوجة موسى- عليه السّلام- فقالت: أنا أحقّ منك بالأمر. فقالتها فقتل مقاتليها، وأسرها فأحسن أسرها . وإنّ ابنة أبي بكر ستخرج على عليّ في كذا وكذا ألفا من أمّي، فيقاتلها فيقتل مقاتليها ويأسرها فيحسن أسرها. وفيها أنزل اللَّه- تعالى-: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى، يعني: صفراء بنت شعيب.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا حميد بن زياد، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن يحيى، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللَّه، عن أبيه- عليهما السلام- في هذه الآيةوَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى قال: أي: ستكون جاهليّة أخرى.
و في عيون الأخبار ، عن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: أنّ النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال، بعد أن ذكر ليلة أسري بي إلى السّماء: ورأيت امرأة معلّقة برجليها في تنّور من نار إلى قوله- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-:
و أمّا المعلّقة برجليها، فإنّها كانت تخرج من بيتها بغير إذن زوجها.
و في كتاب الخصال : عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أنّه قال في وصيّة له: يا عليّ، ليس على النّساء جمعة- إلى أن قال-:
و لا تخرج من بيت زوجها إلّا بإذنه. فإن خرجت بغير إذنه، لعنها اللَّه وجبرائيل وميكائيل.
وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ: في سائر ما أمركنّ به ونهاكنّ عنه.
و في كتاب علل الشّرائع : أبي- رضي اللَّه عنه- قال: حدّثني سعد بن عبد اللَّه، عن محمّد بن إسماعيل، عن عيسى بن محمّد [، عن محمّد] بن أبي عمير، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللَّه، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له: المرأة عليها أذان وإقامة؟
فقال: إن كانت تسمع أذان القبيلة، فليس عليها [شيء، وإلّا فليس عليها] أكثر من الشّهادتين. لأنّ اللَّه- تبارك وتعالى- قال للرّجال: أَقِيمُوا الصَّلاةَ وقال للنّساء:
وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ: الذّنب المدنّس لعرضكم. وهو تعليل لأمرهنّ ونهيهنّ على الاستئناف، ولذلك عمّ الحكم.
أَهْلَ الْبَيْتِ: نصب على النّداء، أو المدح.
وَ يُطَهِّرَكُمْ: من المعاصي.تَطْهِيراً : واستعارة «الرّجس» للمعصية، والتّرشيح «بالتّطهير» للتّنفير عنها.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
قال: نزلت هذه الآية في رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وعليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين- صلوات اللَّه عليهم. وذلك في بيت أمّ سلمة زوجة النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. فدعا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- عليّا وفاطمة والحسن والحسين، ثمّ ألبسهم كساء له خيبريّا ودخل معهم فيه، ثمّ قال: اللّهمّ، هؤلاء أهل بيتي الّذين وعدتني فيهم ما وعدتني، اللّهمّ اذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا .
فقالت أمّ سلمة: وأنا معهم، يا رسول اللَّه؟
فقال: أبشري، يا أمّ سلمة، فإنّك إلى خير.
و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون، في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل. وفيه: قال المأمون: من العترة الطّاهرة؟
فقال: الرّضا- عليه السّلام- الّذين وصفهم اللَّه- تعالى- في كتابه، فقال- تعالى-:
إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. وهم الذّين قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: إنّي مخلّف فيكم الثّقلين، كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي.
ألا وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفون فيهما. أيّها النّاس، لا تعلّموهم، فإنّهم أعلم منكم.
و فيه ، في هذا الباب يقول الرّضا- عليه السّلام- في الحديث المذكور والآية الثّانية في الاصطفاء: قوله- عزّ وجلّ- إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. وهذا الفضل الّذي لا يجهله أحد إلّا معاند ضالّ . لأنّه لا فضل بعد طهارة تنتظر، فهذه الثّانية.
و فيه ، في باب السّبب الّذي من أجله قبل الرّضا- عليه السّلام- ولاية العهد من المأمون ووجدت في بعض الكتب نسخة كتاب الحباء والشّرط من الرّضا- عليه السّلام- إلى العمّال في شأن الفضل بن سهل وأخيه ولم أرو ذلك عن أحد: أمّا بعد فالحمد للَّه المبدئ البديع ، إلى أن قال- عليه السّلام-: الحمد للَّه الّذي أورث أهل بيته مواريث النّبوّة، واستودعهم العلم والحكمة، وجعلهم معدن الإمامة والخلافة، وأوجب ولايتهم وشرّف منزلتهم، فأمر رسوله بمسألة أمّته مودّتهم، إذ يقول : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وما وصفهم به من إذهابه الرّجس عنهم وتطهيره إيّاهم في قوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
و فيه ، في الزّيارة الجامعة لجميع الأئمّة- عليهم السّلام- المنقول عن الهادي- عليه السّلام -: عصمكم اللَّه من الزلل، وآمنكم من الفتن، وطهّركم من الدّنس، وأذهب عنكم الرّجس وطهّركم تطهيرا.
و في كتاب الخصال ، في احتجاج عليّ- عليه السّلام- على أبي بكر قال: فأنشدك باللَّه، إليّ ولأهلي ولولدي آية التّطهير من الرّجس أم لك ولأهل بيتك؟
[قال: بل لك ولأهل بيتك] قال: فأنشدك باللَّه، أنا صاحب دعوة رسول اللَّه وأهلي وولدي يوم الكساء: اللّهمّ هؤلاء أهلي إليك لا إلى النّار» أم أنت؟
قال: بل أنت وأهل بيتك .
و فيه - أيضا- في احتجاجه- عليه السّلام- على النّاس يوم الشّورى، قال: أنشدكم اللَّه - هل فيكم أحد أنزل اللَّه فيه آية التّطهير على رسوله إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. فأخذ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-كساء خيبريّا فضمّني فيه وفاطمة والحسن والحسين- عليهم السّلام-. ثمّ قال: «ربّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا غيري ؟
قالوا: اللّهمّ، لا.
و فيه - أيضا- في مناقب أمير المؤمنين- عليه السّلام- وتعدادها، قال- عليه السّلام-: وأمّا السّبعون، فإنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- نام ونوّمني وزوجتي فاطمة وابنيّ الحسن والحسين وألقى علينا عباءة قطوانيّة، فأنزل اللَّه- تعالى- فينا إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
فقال جبرائيل- عليه السّلام-: أنا منكم، يا محمّد. فكان سادسنا جبرائيل- عليه السّلام-.
و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى سليم بن قيس الهلاليّ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد أيّام خلافة عثمان: أيّها النّاس، أ تعلمون أنّ اللَّه- عزّ وجلّ- أنزل في كتابه إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
فجمعني وفاطمة وابنيّ حسنا وحسينا وأتقى علينا كساء وقال: «اللّهمّ، إنّ هؤلاء أهل بيتي ولحمتي يؤلمني ما يؤلهمه ويجرحني ما يجرحهم، فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا» فقالت أمّ سلمة: وأنا يا رسول اللَّه؟ فقال: «أنت [أو إنّك] على خير، إنّما أنزلت فيّ وفي أخي [عليّ] وفي ابنتي وفي ابنيّ [الحسن والحسين] وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصّة ليس معنا فيها أحد» غيرنا؟
فقالوا كلّهم: تشهد أنّ أمّ سلمة حدّثتنا بذلك، فسألنا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فحدّثنا كما حدّثتنا أم سلمة- رضي اللَّه عنها.
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي
عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لمّا منع أبو بكر فاطمة- عليها السّلام- فدكا وأخرج وكيلها، جاء أمير المؤمنين- عليه السّلام- إلى المسجد- وأبو بكر جالس وحوله المهاجرون والأنصار.
فقال: يا أبا بكر، لم منعت فاطمة ما جعله رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- لها، ووكيلها فيه منذ سنين- إلى قوله- فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام- لأبي بكر: يا أبا بكر، تقرأ القرآن ؟
قال: بلى.
قال: فأخبرني عن قول اللَّه- تعالى-: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. أ فينا أو في غيرنا نزلت؟
قال: فيكم.
قال: فأخبرني، لو أنّ شاهدين من المسلمين شهدا على فاطمة- عليها السلام- بفاحشة، ما كنت صانعا؟
قال: كنت أقيم عليها الحدّ، كما أقيم على نساء المسلمين.
قال: كنت إذا عند اللَّه من الكافرين.
قال: ولم؟
قال: لأنّك كنت تردّ شهادة اللَّه وتقبل شهادة غيره، لأنّ اللَّه- عزّ وجلّ- قد شهد لها بالطّهارة. فإذا رددت شهادة اللَّه وقبلت شهادة غيره، كنت عند اللَّه من الكافرين.
قال: فبكى النّاس وتفرّقوا ودمدموا.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و بإسناده إلى عبد الرّحمن بن كثير قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: ما عنى اللَّه- عزّ وجلّ- بقوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.؟
قال: نزلت هذه الآية في النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وأمير المؤمنين- عليه السّلام- والحسن والحسين وفاطمة- عليهم السّلام-. فلمّا قبض اللَّه- عزّ وجلّ- نبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- كان أمير المؤمنين- عليه السّلام- ثمّ الحسن، ثمّ الحسين- عليهم السّلام-. ثمّ وقع تأويل هذه الآية وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ وكان عليّ بن الحسين- عليهما السلام- [إماما] ثمّ جرت في الأئمة [من ولده الأوصياء] - عليهم السّلام- فطاعتهم طاعة اللَّه، ومعصيتهم معصية اللَّه- عزّ وجلّ-.
و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا أبي ومحمّد بن الحسين بن أحمد بن الوليد- رضي اللَّه عنهما- قالا: حدّثنا عبد اللَّه بن جعفر الحميريّ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب قال:
حدّثنا النّضر بن شعيب، عن عبد الغفّار الجازيّ ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
قال: «الرّجس» هو الشّكّ.
و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن المفضّل بن صالح، عن محمّد بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
يعني: الأئمّة- عليهم السّلام- وولايتهم. من دخل فيها، دخل في بيت النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.
عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد. وأبي سعيد، عن محمّد بن عيسى [، عن يونس،] عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا. يقول فيه- عليه السّلام- حاكيا عن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وقال- عليه السّلام-: أوصيكم بكتاب اللَّه وأهل بيتي، فإنّي سألت اللَّه- عزّ وجلّ- أن لا يفرّق بينهما حتّى يوردهما عليّ الخوض، فأعطاني ذلك.
و قال: لا تعلّموهم، فإنّهم أعلم منكم. وقال: إنّهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ضلالة.
فلو سكت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- ولم يبيّن من أهل بيته، لادّعاهاآل فلان وآل فلان. ولكنّ اللَّه- عزّ وجلّ- أنزله في كتابه لنبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. وكان عليّ والحسن والحسين وفاطمة- عليهم السّلام- فأدخلهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- تحت الكساء في بيت أمّ سلمة، ثمّ قال: اللّهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهلا وثقلا وهؤلاء أهل بيتي وثقلي.
فقالت أمّ سلمة: أ لست من أهلك؟
فقال: إنّك إلى خير، ولكن هؤلاء أهلي وثقلي.
و في آخر الحديث وقال: «الرّجس» هو الشّكّ. واللَّه لا نشكّ في ربّنا أبدا.
محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبيّ [، عن أيّوب بن الحرّ وعمران بن علّي الحلبّي،] عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- مثل ذلك.
عليّ بن إبراهيم، عن حمّاد بن ربعي ، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعة يقول: إنّا لا نوصف. وكيف يوصف قوم رفع اللَّه عنهم الرّجس، وهو الشّكّ.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن عمير، عن حمّاد بن عيسى .
و حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لمّا بويع لأبي بكر واستقام له الامر على جميع المهاجرين والأنصار، بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة- عليها السلام- إلى أنّ قال- عليه السّلام-: فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: يا أبا بكر، تقرأ كتاب اللَّه؟
قال: نعم.
فقال: أخبرني عن قول اللَّه- تعالى-: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. فيمن نزلت، أ فينا أم في غيرنا؟
قال: بل فيكم.قال: فلو أنّ شاهدين شهدا على فاطمة بفاحشة، ما كنت صانعا؟
قال: كنت أقيم عليها الحدّ كما أقيم على سائر المسلمين.
قال: كنت إذا عند اللَّه من الكافرين.
قال: ولم؟
قال: لأنّك رددت شهادة اللَّه لها بالطّهارة وقبلت شهادة النّاس عليها، كما رددت حكم اللَّه وحكم رسوله أن جعل [رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-] لها فدكا وقبضته في حياته ثمّ قبلت شهادة أعرابيّ بائل على عقبيه عليها، وأخذت فها فدكا وزعمت أنّه في للمسلمين . وقد قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه.
قال: فدمدم النّاس وبكى بعضهم، فقالوا: صدّق، واللَّه، عليّ. ورجع عليّ إلى منزله. والحديث بتمامه مذكور في الرّوم عند قوله- تعالى-: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ.
و بأسناده إلى حذيفة بن اليماني ، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وذكر حديثا طويلا. وفيه يقول- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: ثمّ جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا. وذلك قوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه- عليه السّلام-: ثمّ ذكر من أذن له في الدّعاء إليه بعده وبعد رسوله في كتابه فقال :
وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. ثمّ أخبر عن هذه الأمّة، وممّن هي، وأنّها من ذرّية إبراهيم، ومن ذرّية إسماعيل، من سكّان الحرم، ممّن لم يعبدوا غير اللَّه قطّ، الّذين وجبت لهم الدّعوة دعوة إبراهيم وإسماعيل من أهل المسجد، الّذين أخبر عنهم في كتابه أنّه أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا.و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللَّه-، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- حديث طويل. يقول فيه لبعض الشّاميّين: فهل تجد لنا في سورة الأحزاب حقّا خاصّة دون المسلمين؟
فقال: لا.
قال عليّ [بن الحسين] - عليه السّلام-: أما قرأت هذه الآية: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
و في أمالي الصّدوق- رحمة اللَّه - بإسناده إلى أبي بصير قال: قلت للصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام-: من آل محمّد؟
قال: ذرّيته.
قلت: من أهل بيته؟
قال: الأئمّة الأوصياء.
[فقلت: من عترته] قال: أصحاب العباء.
فقلت: من أمتّه؟
فقال: المؤمنون الّذين صدّقوا بما جاء به من عند اللَّه- عزّ وجلّ-، المتمسّكون بالثّقلين، الّذين أمروا بالتّمسّك بهما، كتاب اللَّه وعترته أهل بيته، الّذين أذهب اللَّه عنهم الرّجس وطهّركم تطهيرا، وهما الخليفتان على الأمّة بعد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.
و في مجمع البيان : وقال أبو سعيد الخدريّ وأنس بن مالك ووائل بن الأسفع وعائشة وأمّ سلمة: إنّ الآية مختصّة برسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وعليّ وفاطمة والحسن والحسين- عليهم السّلام-.و ذكر أبو حمزة الثّماليّ في تفسيره: حدّثني شهر بن حوشب، عن أمّ سلمة قال: جاءت فاطمة- عليها السّلام- إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- تحمل حريرة لها.
فقال: ادعي زوجك وابنيك. فجاءت لهم، فطعموا. ثمّ ألقى عليهم كساء له خيبريّا وقال:
اللّهمّ، إنّ هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا.
فقلت: يا رسول اللَّه، وأنا معهم؟
قال- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: أنت إلى خير.
و روى الثّعلبيّ في تفسيره - أيضا- بالإسناد، عن أمّ سلمة أنّ النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- كان في بيتها، فأتته فاطمة ببرمة فيها حريرة . فقال لها: ادعي زوجك وابنيك- فذكرت الحديث نحو ذلك.
ثمّ قالت: فأنزل اللَّه- تعالى- إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ (الآية) قالت: فأخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثمّ أخرج يده فألوى بها إلى السّماء، ثمّ قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا.
فأدخلت رأسي البيت وقلت: أنا معكم، يا رسول اللَّه؟
قال: إنّك إلى خير، إنّك إلى خير.
و بإسناده، قال مجمع : دخلت مع أمّي على عائشة. فسألتها أمي: أ رأيت خروجك يوم الجمل؟
قالت إنّه كان قدرا من اللَّه.
فسألتها عن عليّ.
فقالت: تسأليني عن أحبّ النّاس كان إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وزوج أحبّ النّاس كانت إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. لقد رأيت عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا قد جمع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بثوب عليهم، ثمّ قال:اللّهمّ، هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا» قالت: يا رسول اللَّه، أنا من أهلك؟
قال: تنحّي، فإنّك إلى خير.
و بإسناده، عن أبي سعيد الخدريّ ، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال: نزلت هذه الآية في خمسة: فيّ وفي عليّ وحسن وحسين وفاطمة.
و أخبرنا السّيّد أبو الحمد قال: حدّثنا الحاكم [أبو القاسم الحسكانيّ قال: حدّثنا عن أبي بكر السّبيعيّ قال: حدّثنا أبو عروة الحرّانيّ قال: حدّثني ابن مصغيّ قال: حدّثنا] عبد الرّحيم بن واقد، عن أيّوب بن سيّار، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر قال: نزلت هذه الآية على النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وليس في البيت إلّا فاطمة والحسن والحسين وعليّ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ.
فقال النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: اللّهمّ هؤلاء أهلي.
و حدّثنا السّيّد أبو الحمد قال: حدّثنا الحاكم أبو القاسم بإسناده، عن زاذان، عن الحسن بن عليّ قال: لمّا نزلت آية التّطهير، جمعنا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وإيّاة في كساء لأمّ سلمة خيبريّ، ثمّ قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وعترتي.
و في تفسير العيّاشيّ : عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: ليس شيء أبعد من عقول الرّجال من تفسير القرآن. إنّ الآية ينزل اوّلها في شيء، وأوسطها في شيء آخر، وآخرها في شيء.
ثمّ قال: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً من ميلاد الجاهليّة.
و في بصائر الدّرجات : محمّد بن خالد الطيّالسيّ، عن سيف بن عميرة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: «الرّجس» هو الشّكّ. ولا تشكّ في ديننا أبدا.و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه-: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد، عن الحسن بن عليّ بن بزيع، عن إسماعيل بن بشّار الهاشميّ، عن قير بن الأعشى، عن هاشم بن البريد، عن زيد بن عليّ، عن أبيه، عن جدّة قال: كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- في بيت أمّ سلمة، فأتي. بحريرة، فدعا عليّا- عليه السّلام- وفاطمة والحسن والحسين فأكلوا منها. ثمّ جلّل عليهم كساء خيبريّا. ثمّ قال: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فقالت أمّ سلمة: وأنا معهم، يا رسول اللَّه؟
قال: إنّك إلى خير .
و قال- أيضا -: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، عن محمّد بن زكريّا، عن جعفر بن محمّد بن عمارة قال: حدّثني أبي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه قال: قال عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- فضّلنا أهل البيت، وكيف لا يكون كذلك واللَّه- عزّ وجلّ- يقول في كتابة: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. فقد طهّرنا اللَّه من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فنحن على منهاج الحقّ.
و قال - أيضا- حدّثنا عبد اللَّه بن عليّ بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن محمّد، عن عليّ بن جعفر بن محمّد، عن الحسين بن زيد، عن عمر بن عليّ قال: خطب الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- النّاس حين قتل عليّ- عليه السّلام- فقال: فقبض في هذه اللّيلة رجل لم يسبقه الأوّلون بعلم ولا يدركه الآخرون، ما ترك على ظهر الأرض سوداء ولا بيضاء إلّا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله.
ثمّ قال: يا أيّها النّاس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ،
و أنا ابن البشير النّذير الداعي إلى اللَّه بإذنه والسّراج المنير، أنا من أهل البيت الّذي كان ينزل فيه جبرائيل ويصعد، وأنا من أهل البيت الّذين أذهب اللَّه عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا.
و قال - أيضا-: حدّثنا مظفّر بن يونس بن مبارك، عن عبد الأعلى بن حمّاد، عن محمّد بن إبراهيم ، عن عبد الجبّار بن العبّاس، عن عمّار الدّهنيّ، عن عمرة بنت أفعى، عن أمّ سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي، وفي البيت سبعة: جبرائيل، وميكائيل، ورسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين- صلوات اللَّه عليهم.
و كنت على الباب، فقلت: يا رسول اللَّه، أ لست من أهل البيت؟
قال: إنّك من أزواج النّبيّ. وما قال: إنّك من أهل البيت.
قال البيضاويّ : وتخصيص الشّيعة أهل البيت بفاطمة وعليّ وابنيهما، لما روي، أنّه- عليه السّلام- خرج ذات غدوة، وعليه مرط مرحّل من شعر أسود، فجلس فأتت فاطمة فأدخلها فيه، ثمّ جاء عليّ فأدخله فيه، ثمّ جاء الحسن والحسين فأدخلهما فيه، ثمّ قال:
إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
و الاحتجاج بذلك على عصمتهم. وكون إجماعهم حجّة، ضعيف. لأنّ التّخصيص بهم لا يناسب ما قبل الآية وما بعدها. والحديث يقتضي أنّهم أهل البيت لا أنّه ليس غيرهم.
أقول: قد تواتر من طريق الخاصّة والعامّة تخصيص أهل البيت بهم كما علمت، وليس الاحتجاج بالإجماع بل بالحديث المتواتر ومناسبته لما قبل الآية وما بعدها يكفها عموم ظاهره، والتّخصيص للتّشريف. ونحن نقرّر استدلال الشّيعة على وجه قرّروه حتّى يظهر اندفاع ما ذكره عن استدلالهم.
قالوا: «إنّما» لفظة محقّقة لما أثبت بعدها، نافية لما لم يثبت. فإنّ قول القائل: إنّما لك [عندي درهم، وإنّما في الدّار زيد. يقتضي أنّه ليس له عنده سوى الدّرهم وليس في الدّار سوى زيد. فإذا تقرّر هذا، فلا تخلو الارادة في الآية] أن تكون هي الإرادة المحضة أوالارادة الّتي معها التّطهير وإذهاب الرّجس. فلا يجوز الوجه الأوّل، لأنّ اللَّه قد أراد من كلّ مكلّف هذه الإرادة المطلقة فلا اختصاص لها بأهل البيت دون سائر الخلق، ولأنّ هذا القول يقتضي المدح والتّعظيم لهم بغير شكّ وشبهة ولا مدح في الإرادة المجرّدة. فثبت الوجه الثّاني، وفي ثبوته ثبوت عصمة المعنيّين بالآية عن جميع القبائح. وقد علمنا أنّ ما عدا من ذكرنا من أهل البيت غير مقطوع على عصمته، فثبت أنّ الآية مختصة لهم لبطلان تعلّقها بغيرهم.
و متى قيل: إنّ صدر الآية وما بعدها في الأزواج.
فالقول فيه: إنّ هذا لا ينكر من عرف عادة الفصحاء في كلامهم، فإنّهم يذهبون من خطاب إلى غيره ويعودون إليه. والقرآن من ذلك مملوء، وكذلك كلام العرب وأشعارهم.
وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ:
قيل : معناه: واشكرن اللَّه- جلّ وعلا- إذا صيّركنّ في بيوت يتلى فيها القرآن والسّنّة.
و قيل : احفظن ذلك وليكن منكنّ على بال أبدا، ليعملن بموجبه. وهذا حثّ لهنّ على حفظ القرآن والأخبار ومذاكرتهنّ بها.
إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً : يعلم ويدّبر ما يصلح في الدّين، ولذلك خيّركنّ ووعظكنّ. أو يعلم من يصلح لنبوّته، ومن يصلح أن يكون أهل بيته.
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ: الدّاخلين في السّلم، المنقادين لحكم اللَّه في القول والعمل.
وَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ: والمصدّقين والمصدّقات، بما يجب أن يصدّق به.
وَ الْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ: المداومين على الطّاعة.
وَ الصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ: في القول والعمل.
وَ الصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ: على الطّاعة وعن المعاصي.
وَ الْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ: المتواضعين للَّه بقلوبهم وجوارحهم.
وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ: بما وجب في مالهم.
وَ الصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ: الصّوم المفروض.
وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ: عن الحرام.وَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ: بقلوبهم وألسنتهم.
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً: لما اقترفوا من الصّغائر، لأنّهنّ مكفرات. وَأَجْراً عَظِيماً : على طاعتهم. والآية وعدلهنّ ولأمثالهنّ على الطّاعة والتّدرعّ بهذه الخصال.
قال البيضاويّ : روي أنّ أزواج النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قلن: يا رسول اللَّه، ذكر اللَّه الرّجال في القرآن بخير فما فينا خير نذكر به، فنزلت.
و قيل : لمّا نزل فيهنّ ما نزّل اللَّه، قال نساء المسلمين: فما نزل فينا شيء، فنزلت.
و عطف الإناث على الذّكور، لاختلاف الجنسين وهو ضروريّ. وعطف الزّوجين على الزّوجين، لتغاير الوصفين فليس بضروري. ولذلك ترك في قوله، مسلمات مؤمنات، وفائدته الدّلالة على أنّ إعداد المعدّ لهم للجمع بين هذه الصّفات.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ عطف على نساء النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فقال: وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ، إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً. ثمّ عطف على آل محمّد- صلوات اللَّه عليهم- فقال- جلّ ذكره-: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ إلى قوله: وَأَجْراً عَظِيماً.
و في مجمع البيان : قال مقاتل بن حيّان: لمّا رجعت أسماء بنت عميس من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب، دخلت على نساء رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟
قلن: لا.
فأتت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فقالت: يا رسول اللَّه، إنّ النّساء لفي خيبة وخسار.
فقال: وممّ ذلك؟
قالت: لأنهنّ لا يذكرن بخير كما يذكر الرّجال. فأنزل اللَّه- تعالى- هذه الآية.
قال البلخيّ : فسّر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- المسلم والمؤمن بقوله:
المسلم، من سلم المسلمون من لسانه ويده. والمؤمن، من أمن جاره بوائقه. وما آمن بي منبات شبعانا وجاره طاو.
و في أصول الكافي : عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: إنّ الإيمان يشارك الإسلام، ولا يشاركه الإسلام. إنّ الإيمان ما وقر في القلوب، والإسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدّماء. والإيمان يشرك الإسلام، والإسلام لا يشرك الإيمان.
عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الصّباح الكنانيّ قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: أيّهما أفضل الإيمان أو الإسلام؟
فإنّ من قبلنا يقولون: إنّ الإسلام أفضل من الإيمان.
فقال: الإيمان أرفع من الإسلام.
قلت: فأوجدني ذلك.
قال: ما تقول فيمن أحدث في المسجد الحرام متعمّدا؟
قلت: يضرب ضربا شديدا.
قال: أصبت. قال: فما تقول فيمن أحدث في الكعبة متعمّدا؟
قلت: يقتل.
قال: أصبت. ألا ترى أنّ الكعبة أفضل من المسجد، وأنّ الكعبة تشرك المسجد والمسجد لا يشرك الكعبة. وكذلك الإيمان يشرك الإسلام، والإسلام لا يشرك الإيمان.
عليّ بن إبراهيم، عن العبّاس بن معروف ، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الرّحمن القصير قال: كتبت مع عبد الملك بن أعين إلى أبي جعفر- عليه السّلام - أسأله عن الإيمان ما هو؟
فكتب إليّ مع عبد الملك بن أعين: سألت- رحمك اللَّه- عن الإيمان. والإيمان، هو الإقرار باللّسان وعقد في القلب وعمل بالأركان. والإيمان بعضه من بعض. وهو دار، وكذلك الإسلام دار والكفر دار. فقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا، ولا يكون مؤمنا حتّى يكون مسلما. فالإسلام قبل الإيمان.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد البرقيّ والحسين بن سعيد جميعا، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن محمّد بن مروان، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: من قرأ عشر آيات في ليلة، لم يكتب من الغافلين. ومن قرأ خمسين آية، كتب من الذّاكرين.
و من قرأ مائة آية، كتب [من القانتين. ومن قرأ مائتي آية، كتب من الخاشعين.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن يريد بن معاوية العجليّ قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ الصّواعق لا تصيب ذاكرا.
قال: قلت: وما الذّاكر؟
قال: من قرأ مائة آية.]
و في مجمع البيان : وروى أبو سعيد الخدريّ، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال: إذا أيقظ الرّجل أهله من اللّيل وتوضّئا وصلّيا، كتبا من الذّاكرين اللَّه كثيرا والذّاكرات.
و روي عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام - أنّه قال: من بات على تسبيح فاطمة، كان من الذّاكرين اللَّه كثيرا والذّاكرات.
وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ: ما صحّ له.
إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً، أي: قضى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.
و ذكر اللَّه، لتعظيم أمره، والإشعار بأنّ قضاء اللَّه. لأنّه نزل في زينب بنت جحش بنت عمّته أميمة بنت عبد المطّلب، خطبها رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- لزيد بن حارثة فأبت هي وأخوها عبد اللَّه .
و قيل : في أمّ كلثوم بنت عقبة، وهبت نفسها للنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-فزوّجها من زيد.
أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ: أن يختاروا من أمرهم شيئا، بل يجب عليهم أن يجعلوا اختيارهم تبعا لاختيار اللَّه ورسوله.
و «الخيرة» ما يتخيّر. وجمع الضمير الأوّل «لمؤمن» و«مؤمنة» من حيث أنّهما في سياق النفي. وجمع الثّاني، للتّعظيم.
و قرأ الكوفيّون وهشام: «يكون» بالياء .
و في أصول الكافي : أبو محمد القاسم بن العلاء رفعه، عن عبد العزيز بن مسلم قال: كنّا مع الرّضا- عليه السّلام- بمرو، فاجتمعنا في الجامع [يوم الجمعة] في بدء مقدمنا، فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف النّاس فيها. فدخلت على سيّدي- عليه السّلام- فأعلمته خوض النّاس فيه.
فتبسّم- عليه السّلام- ثمّ قال: يا عبد العزيز، جهل القوم وخدعوا عن أديانهم . إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- لم يقبض نبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- حتّى أكمل له الدّين، إلى قوله- عليه السّلام-: ولقد راموا صعبا، وقالوا إفكا، وضلّوا ضلالا بعيدا، ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ . رغبوا عن اختيار اللَّه واختيار رسوله إلى اختيارهم، والقرآن يناديهم وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [من أمرهم] سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ. وقال- عزّ وجلّ-: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
و في كتاب التّوحيد ، بإسناد إلى الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- لرجل إن كنت لا تطيع خالقك، فلا تأكل رزقه. وإن كنتواليت عدوّه، فاخرج من ملكه. وإن كنت غير قانع بقضائه وقدره، فاطلب ربّا سواه.
و بإسناده إلى الحسين بن خالد ، عن عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- قال: سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- يقول: قال اللَّه- جلّ جلاله-: من لم يرض بقضائي ولم يؤمن بقدري، فليلتمس إلها غيري.
و قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: في كلّ قضاء اللَّه عزّ وجلّ- خيرة للمؤمن.
و بإسناده إلى سليمان بن خالد ، عن أبي عبد اللَّه الصّادق، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- قال: ضحك رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- ذات يوم حتّى بدت نواجذه. ثمّ قال: ألا تسألوني ممّا ضحكت؟
قالوا: بلى، يا رسول اللَّه.
قال: عجبت للمرء المسلم، أنّه ليس من قضاء يقضيه اللَّه إلّا كان خيرا له في عاقبة أمره.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وذلك أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- خطب على زيد بن حارثة زينب بنت جحش الأسديّة، من بني أسد بن خزيمة، وهي بنت عمّة النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.
فقالت: يا رسول اللَّه، حتّى أؤامر نفسي فأنظر.
فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ-: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ (الآية).
فقالت: يا رسول اللَّه، أمري بيدك.
فزوّجها إيّاه. فمكثت عند زيد ما شاء اللَّه، ثمّ أنّهما تشاجرا في شيء إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فنظر إليها النّبيّ فأعجبته.فقال زيد: يا رسول اللَّه، تأذن لي في طلاقها؟ فإنّ فيها كبرا وإنّها تؤذيني بلسانها.
فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: اتّق اللَّه وأمسك عليك زوجك وأحسن إليها.
ثمّ أنّ زيدا طلّقها وانقضت عدّتها، فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ- نكاحها على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فقال: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها .
و روي فيه- أيضا- غير هذا، وقد نقلناه عند قوله- تعالى-: وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ في أوّل هذه السّورة.
و فيه- أيضا - حديث طويل، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- يقول فيه وقد ذكر ما رأى ليلة أسري به: دخلت الجنّة فإذا على حافّيتها بيوتي وبيوت أزواجي، وإذا ترابها كالمسك، وإذا جارية تنغمس في أنهار الجنّة.
فقلت: لمن أنت، يا جارية؟
فقالت: لزيد بن حارثة.
فبشّرته. بها حين أصبحت.
وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً : بيّن الانحراف عن الصّواب.
وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ: بتوفيقه للإسلام.
وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ: بما وفّقك اللَّه فيه، وهو زيد بن حارثة.
أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ: زينب.
و ذلك أنّه - عليه السّلام- كان شديد الحبّ لزيد، وكان إذا أبطأ عليه [زيد] أتى منزله يسأله . فأبطأ عليه يوما، فأتى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- منزله، فإذا زينب جالسة في وسط حجرتها تسحق طيبا [بفهر لها.قال] فدفع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- الباب. فلما نظر إليها، قال:
سبحان اللَّه خالق النّور، تبارك اللَّه أحسن الخالقين. ورجع. فجاء زيد، فأخبرته زينب بما كان.
فقال لها: لعلّك وقعت في قلب رسول اللَّه، فهل لك أن أطلّقك حتّى يتزوّجك رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم؟
فقالت: أخشى أن تطلّقني ولا يتزوّجني.
فجاء زيد إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-، بتمام القّصة، فنزلت الآية .
فقال له: أمسك عليك زوجك.
وَ اتَّقِ اللَّهَ: في أمرها، فلا تطلّقها.
وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ:
قيل : وهو نكاحها إن طلّقها.
وَ تَخْشَى النَّاسَ: تعبيرهم إيّاك به.
وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ: إن كان فيه ما يخشى. والواو، للحال.
فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً: حاجة. بحيث ملّها ولم يبق له فيها حاجة، وطلّقها وانقضت عدّتها زَوَّجْناكَها:
و قيل : قضاء الوطر، كناية عن الطّلاق، مثل: لا حاجة لي فيك.
و قرئ: «زوّجتكها». والمعنى أنّه أمر بتزويجها منه. أو جعلها زوجته بلا واسطة عقد .
لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً: علّة للتّزويج.
وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ: أمره الّذي يريده.
مَفْعُولًا : مكونا لا محالة.و في عيون الأخبار ، في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- عند المأمون مع أصحاب الملل والمقالات، وما أجاب به عليّ بن الجهم في عصمة الأنبياء- عليهم السّلام- حديث طويل. وفيه يقول- عليه السّلام-: وأمّا محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وقول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فإنّ اللَّه- تعالى- عرّف نبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أسماء أزواجه في دار الدّنيا وأسماء أزواجه في الآخرة، وأنّهنّ أمّهات المؤمنين. وإحداهنّ سمّى له زينب بنت جحش، وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة. فأخفى- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- اسمها في نفسه ولم يبده، لكي لا يقول أحد من المنافقين: إنّه قال في امرأة في بيت رجل: إنّها إحدى أزواجه من أمهات المؤمنين. وخشي قول المنافقين. فقال اللَّه- عزّ وجلّ-: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ، يعني: في نفسك. فإنّ اللَّه- عزّ وجلّ- ما تولّى تزويج أحد من خلقه إلّا تزويج حوّاء من آدم، وزينب من رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بقوله- عزّ وجلّ-: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها وفاطمة من عليّ- عليه السّلام-.
قال: فبكى عليّ بن محمّد بن جهم، وقال: يا ابن رسول اللَّه، أنا تائب إلى اللَّه- تعالى- من أن أنطق في أنبياء اللَّه- عليهم السّلام- بعد يومي هذا إلّا بما ذكرته.
و فيه ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- عند المأمون في عصمة الأنبياء- عليهم السّلام- حديث طويل. وفيه يقول المأمون للرّضا- عليه السّلام- فأخبرني عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ قال الرّضا- عليه السّلام-: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده. فرأى امرأته تغسل، فقال لها: سبحان الّذي خلقك. وإنّما أراد بذلك تنزيه اللَّه- تعالى- عن قول من زعم: أنّ الملائكة بنات اللَّه. فقال اللَّه- عزّ وجلّ- : أَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً فقال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- لمّا رآها تغتسل: سبحان اللَّه الّذي خلقك
أن يتّخذ ولدا يحتاج إلى هذا التّطهير والاغتسال.
فلمّا عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجيء الرّسول- عليه السّلام- وقوله لها:
سبحان اللَّه الّذي خلقك. فلم يعلم زيد ما أراد بذلك، وظنّ أنّه قال ذلك لما أعجبه من حسنها. فجاء إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فقال: يا رسول اللَّه، إنّ امرأتي في خلقها سوء وإني أريد طلاقها.
فقال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ [وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ] وقد كان اللَّه- عزّ وجلّ- عرّفه عدد أزواجه، وأنّ تلك المرأة منهنّ. فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد، وخشي النّاس أن يقولوا: إنّ محمّدا يقول لمولاه: إنّ امرأتك ستكون لي زوجة فيعيبونه [بذلك. فأنزل اللَّه- تعالى- وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، يعني:
بالإسلام وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ، يعني: بالعتق أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ] وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ.
ثمّ أنّ زيد بن حارثة طلّقها واعتدّت منه، فزوّجها اللَّه- تعالى- من نبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وأنزل بذلك قرآنا فقال- عزّ وجلّ-: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا.
ثمّ علم- عزّ وجلّ- أنّ المنافقين سيعيبونه بتزويجها، فأنزل [اللَّه- تعالى-] ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ فقال المأمون: لقد شفيت صدري، يا ابن رسول اللَّه، وأوضحت لي ما كان ملتبسا عليّ فجزاك اللَّه عن أنبيائه وعن الإسلام خيرا.
و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللَّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه يقول- عليه السّلام- مجيبا لبعض الزّنادقة- وقد قال: ثمّ خاطبه فيأضعاف ما أثنى عليه في الكتاب، من الإزراء وانخفاض محلّه وغير ذلك من تهجينه وتأنيبه ما لم يخاطب به أحدا من الأنبياء، مثل : قوله: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ: والّذي بدا في الكتاب من الإزراء على النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- من فرية الملحدين. وهنا كلام طويل يطلب عند قوله- تعالى -: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا.
و في مجمع البيان : وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ.
قيل:
إنّ الّذي أخفاه في نفسه هو أن اللَّه- سبحانه- أعلمه أنّها ستكون من زواجه وأنّ زيدا سيطلّقها.
فلمّا جاء زيد وقال له: أريد أن أطلّق زينب.
قال له: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ.
فقال- سبحانه-: لم قلت: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ؟ وقد أعلمتك أنّها ستكون من أزواجك. وروي ذلك عن عليّ بن الحسين- عليه السّلام-.
و روى ثابت ، عن أنس بن مالك قال: لمّا انقضت عدّة زينب، قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- لزيد: اذهب فاذكرها عليّ.
قال زيد [: فانطلقت، فقلت: يا زينب، أبشري، قد أرسلني رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بذكرك ونزل القرآن.
و جاء رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فدخل عليها بغير إذن، لقوله:
زَوَّجْناكَها.
و في رواية أخرى ، قال زيد:] فانطلقت، فإذا هي تخمر عجينها. فلمّا رأيتها عظمت، في نفسي حتّى ما أستطيع أن أنظر إليها حين علمت أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- ذكرها. فولّيتها ظهري وقلت: يا زينب، أبشري، إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليهو آله وسلم- يخطبك.
ففرحت بذلك وقالت: ما أنا بصانعة شيئا حتّى أوامر ربّي. فقامت إلى مسجدها ونزل زَوَّجْناكَها. فتزوّجها رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- ودخل بها.
و في جوامع الجامع : وقرأ أهل البيت- عليهم السّلام-: زوجتكها.
قال الصّادق- عليه السّلام-: ما قرأتها على أبي إلّا كذلك- إلى أن قال-: وما قرأها عليّ- عليه السّلام- على النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- إلّا كذلك.
و روي : أنّ زينب كانت تقول للنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: إنّي لأدلّ عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدلّ بهنّ: جدّي وجدّك واحد، وزوّجنيك اللَّه، والسّفير جبرائيل- عليه السّلام-.
و في أصول الكافي : وتزوّج خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة، فولد له منها قبل مبعثه- عليه السّلام- القاسم، ورقيّة، وزينب، وأمّ كلثوم. وولد له بعد المبعث، الطّيبّ، والطّاهر، وفاطمة- عليها السّلام-.
ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ: قسم له وقدّر. من قولهم:
فرض له في الدّيوان. ومنه، فروض العسكر لأرزاقهم.
سُنَّةَ اللَّهِ: سنّ ذلك سنّة.
فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ: من الأنبياء. وهو نفي الحرج عنهم فيما أباح لهم.
وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً: قضاء مقضيّا، وحكما مبتوتا.
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ: صفة «الّذين خلوا». أو مدح لهم منصوب، أو مرفوع.
و قرئ: رسالة اللَّه .
وَ يَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ: إلّا منه.وَ كَفى بِاللَّهِ حَسِيباً : كافيا للمخاوف، أو محاسبا. فينبغي أن لا يخشى إلّا منه.
ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ: على الحقيقة. فيثبت بينه وبينه ما بين الوالد والوالد من حرمة المصاهرة وغيرها. ولا ينتقض عمومه بكونه أبا للطّاهر والطّيّب والقاسم وإبراهيم . لأنّهم لم يبلغوا مبلغ الرّجال، ولو بلغوا كانوا رجاله لا رجالهم.
و المراد مِنْ رِجالِكُمْ الّذين لم يلدهم.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بآخر ما نقلناه عنه، أعني: قوله: زَوَّجْناكَها.
و في قوله- عزّ وجلّ-: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ فإنّ هذه الآية نزلت في شأن زيد بن حارثة، قالت قريش: يعيّرنا محمّد يدّعي بعضنا بعضا، وقد ادّعى هو زيدا.
وَ لكِنْ رَسُولَ اللَّهِ: وكلّ رسول أبو أمّته لا مطلقا، بل من حيث أنّه شفيق ناصح لهم واجب التوّقير والطّاعة عليهم، وزيد منهم ليس بينه وبينه ولادة.
و قرئ: «رسول اللَّه» بالرّفع، على أنّه خبر مبتدأ محذوف. «و لكنّ» بالتّشديد، على حذف الخبر، أي: ولكن رسول اللَّه أب من غير وراثة، إذ لم يعش له ولد ذكر .
وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ: وآخرهم الّذي ختمهم، أو ختموا به. على قراءة عاصم بالفتح.
و لو كان له ابن بالغ، لاق بمنصبه أن يكون نبيّا، كما
قال عليه- الصّلاة والسّلام- في إبراهيم حين توفّي: لو عاش لكان نبيّا .
و لا يقدح فيه نزول عيسى بعده، لأنّه إذا نزل كان على دينه مع أنّه المراد أنّه آخر من نبئ.
وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً : فيعلم من يليق بأن يختم به النّبوّة، وكيف ينبغي شأنه.
و في من لا يحضره الفقيه : وقال الصّادق- عليه السّلام-: لمّا مات إبراهيم بن رسولاللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: حزنا عليك، يا إبراهيم، وإنّا لصابرون، يحزن القلب وتدمع العين ولا نقول ما يسخط الرّبّ.
و في مجمع البيان : وقد صحّ أنّه قال للحسن: إنّ ابني هذا سيّد.
و قال- أيضا - للحسن والحسين- عليهما السّلام-: ابناي هذان إمامان، قاما أو قعدا.
و قال- عليه السّلام-: إنّ كلّ بني بنت ينسبون إلى أبيهم، إلّا أولاد فاطمة فإنّي أنا أبوهم.
و في تهذيب الأحكام : محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن حسّان، عن بعض أصحابنا قال: تقدّم أبو الحسن الأوّل- عليه السّلام- إلى قبر النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فقال: السّلام عليك، يا أبة.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
محمّد بن أحمد بن داود، عن محمّد بن الحسن الكوفيّ قال: حدّثني محمّد بن عليّ بن معمّر قال: حدّثنا محمّد بن مسعدة قال: حدّثني عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عليّ بن أبي شعيب، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: بينا الحسين- عليه السّلام- قاعد في حجر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- ذات يوم، إذ رفع رأسه فقال: يا أبة.
قال: لبّيك، يا بنيّ.
قال ما لمن أتاك بعد وفاتك زائرا لا يريد إلّا زيارتك؟
فقال: يا بنيّ، من أتاني بعد وفاتي زائرا لا يريد إلّا زيارتي فله الجنّة.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.و في كتاب المناقب ، لابن شهر آشوب، عن أنس في حديث طويل: سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- يقول: أنا خاتم الأنبياء وأنت، يا عليّ، خاتم الأولياء.
و قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- : ختم محمّد ألف بنيّ، وإنيّ ختمت ألف وصيّ.
و إنّي كلّفت ما لم يكلّفوا.
و في روضة الكافي ، بإسناده إلى عليّ بن عيسى رفعه قال: إنّ موسى ناجاه اللَّه- تبارك وتعالى- فقال له في مناجاته [: يا موسى،] لا تطوّل في الدّنيا أملك- إلى قوله في وصيّته له بالنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: يا موسى، إنّه أمّيّ. وهو عبد صدق.
يبارك له فيما وضع يده عليه، ويبارك عليه كذلك. كان في علمي، وكذلك خلقته. به أفتح السّاعة، وبأمّته أختم مفاتيح الدّنيا.
و في عوالي الّلئالي : وقال- عليه السّلام-: أنا أوّل الأنبياء خلقا وآخرهم بعثا.
و في مجمع البيان : وصحّ الحديث، عن جابر بن عبد اللَّه، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال: إنّما مثلي في الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأكملها وأحسنها إلّا موضع لبنة، فكان من دخل فيها فنظر اليها قال: ما أحسنها! إلّا موضع هذه اللّبنة.
قال- صلّى اللَّه عليه وآله- فأنا موضع اللّبنة ختم بي الأنبياء. أورده البخاريّ ومسلم في صحيحيهما.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً : يغلب الأوقات، ويعمّ أنواع ما هو أهله التقديس والتّحميد والتّهليل.
وَ سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا : أوّل النّهار وآخره خصوصا. وتخصيصهما بالذّكر، للدّلالة على فضلهما على سائر الأوقات لكونهما مشهودين، كإفراد التّسبيح من جملة الأذكار، لأنّه العمدة فيها.و قيل : الفعلان موجّهان إليهما.
و قيل : المراد «بالتّسبيح» الصّلاة.
و في أصول الكافي : عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: ما من شيء إلّا وله حدّ ينتهي إليه، إلّا الذّكر فليس له حدّ ينتهي إليه. فرض اللَّه- عزّ وجلّ- الفرائض، فمن أدّاهنّ فهو حدّهنّ. وشهر رمضان، فمن صامه فهو حدّه. والحجّ فمن حجّ فهو حدّه. إلّا الذّكر فإنّ اللَّه- عزّ وجلّ- لم يرض منه بالقليل ولم يجعل له حدّا ينتهي إليه. ثمّ تلا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا فقال: لم يجعل اللَّه له حدّا ينتهي إليه.
قال: وكان [أبي] - عليه السّلام- كثير الذّكر. لقد كنت أمشي معه وأنّه ليذكر اللَّه، وآكل معه الطّعام وأنّه ليذكر اللَّه. ولقد كان يحدّث القوم ما يشغله ذلك عن ذكر اللَّه.
و كنت أرى لسانه لازقا بحنكه يقول: لا إله إلّا اللَّه. وكان يجمعنا فيأمرنا بالذّكر حتّى تطلع الشّمس، ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا، ومن كان لا يقرأ منّا أمره بالذّكر. والبيت الّذي يقرأ فيه القرآن ويذكر اللَّه- عزّ وجلّ- فيه، تكثر بركته، وتحضره الملائكة، وتهجره الشّياطين، ويضيء لأهل السّماء، كما يضيء الكوكب الدّرّيّ لأهل الأرض. والبيت الّذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر اللَّه فيه، تقلّ بركته، وتهجره الملائكة، وتهجره الشّياطين.
و قد قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم - ألا أخبركم بخير أعمالكم، أرفعها في درجاتكم، وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من الدّينار والدّرهم، وخير لكم من أن تلقوا عدوّكم فتقتلوهم يقتلوكم؟
فقالوا: بلى.
قال: ذكر اللَّه- عزّ وجلّ- كثيرا.
ثمّ قال: جاء رجل إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فقال: من خير أهل المسجد؟فقال: أكثرهم للَّه ذكرا.
و قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: من أعطي لسانا ذاكرا، فقد أعطي خير الدّنيا والآخرة.
و قال في قوله- تعالى -: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ.
قال: لا تستكثر ما عملت من خير للَّه.
حميد بن زياد، عن ابن سماعة ، عن وهيّب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: شيعتنا، الّذين إذا خلوا ذكروا اللَّه كثيرا.
الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد ، وعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الّله- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: من أكثر ذكر اللَّه- عزّ وجلّ- أحبّه اللَّه. ومن ذكر [اللَّه] كثيرا، كتبت له براءتان، براءة من النّار وبراءة من النّفاق.
محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن بكر بن أبي بكر ، عن زرارة بن أعين، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: تسبيح فاطمة الزّهراء- عليها السّلام- من الذّكر الكثير، الّذي قال اللَّه- عزّ وجلّ-:
اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً.
عنه ، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي أسامة زيد الشّحّام ومنصور بن حارم وسعيد الأعرج، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- [مثله.
الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن داود الحمّار، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-] قال: من أكثر ذكر اللَّه- عزّ وجلّ- أظلّه اللَّه في جنّته.
عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران، عن
سيف بن عميرة، عن سليمان بن عمرو، عن أبي المغرا الخصّاف رفعه قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: من ذكر اللَّه- عزّ وجلّ- في السّر، فقد ذكر اللَّه كثيرا. إنّ المنافقين كانوا يذكرون اللَّه علانية ولا يذكرونه في السّرّ، فقال اللَّه- عزّ وجلّ -: يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
.
و في قرب الإسناد للحميريّ، بإسناده إلى عبد اللَّه بن بكير قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- [عن قول اللَّه- تبارك وتعالى-:] اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً قال:
قلت: ما أدنى الذّكر؟
فقال: التّسبيح في دبر كلّ صلاة [ثلاثا و] ثلاثين مرّة.
و في مجمع البيان : اختلف في معنى الذّكر الكثير. قيل: هو أن تقول: سبحان اللَّه، والحمد للَّه، ولا إله إلّا اللَّه، واللَّه أكبر على كلّ حال.
فقد ورد عن أئمّتنا- عليهم السّلام- أنّهم قالوا: من قالها ثلاثين مرّة، فقد ذكر اللَّه ذكرا كثيرا.
و روى الواحديّ ، بإسناده، عن الضّحّاك بن مزاحم، عن ابن عبّاس قال: جاء جبرائيل- عليه السّلام- إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فقال: يا محمّد، قل: سبحان اللَّه، والحمد للَّه، ولا إله إلّا اللَّه، واللَّه أكبر، ولا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العليّ العظيم، عدد ما علم، وزنة [ما علم،] وملء ما علم. فإنّه من قالها كتب اللَّه له بها ستّ خصال، كتب من الذّاكرين اللَّه كثيرا، وكان أفضل من ذكره بالّليل والنّهار، وكنّ له غرسا في الجنّة، وتحاتّت عنه الخطايا يا كما تحاتّ ورق الشّجرة اليابسة، وينظر [اللَّه] إليه، ومن نظر [اللَّه] إليه لم يعذّبه.
و في تهذيب الأحكام : الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن ابن بكير قال: قلتلأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: قول اللَّه- عزّ وجلّ-: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ما ذا الذّكر الكثير؟
قال: أن يسبّح في دبر المكتوبة ثلاثين مرّة.
و في كتاب الخصال : عن زيد الشّحّام قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: ما ابتلي المؤمن بشيء أشدّ عليه من ثلاث خصال يحرمها.
قيل: وما هي ؟
قال: المواساة في ذات يده باللَّه، والإنصاف من نفسه، وذكر اللَّه كثيرا. أما إنّي لا أقول لكم: سبحان اللَّه، والحمد للَّه، ولا إله إلّا اللَّه، واللَّه أكبر. ولكن ذكر اللَّه عند ما أحلّ له، وذكر اللَّه عند ما حرّم عليه.
عن عبد اللَّه بن أبي يعفور قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: ثلاث لا يطيقهنّ النّاس، الصّفح عن النّاس، ومواساة الأخ أخاه في ماله، وذكر اللَّه كثيرا.
و في شرح الآيات الباهرة : أحمد بن هوذة الباهليّ، عن إبراهيم بن إسحاق النّهاونديّ، عن عبد اللَّه بن حمّاد، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: تسبيح فاطمة- عليها السّلام- من ذكر اللَّه الكثير، الّذي قال اللَّه- عزّ وجلّ-:
اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً.
و قال- أيضا -: حدّثنا الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن إسماعيل بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: قوله- عزّ وجلّ-: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ما حدّة؟
قال: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- علّم فاطمة- عليها السّلام- أن تكبّر أربعا وثلاثين تكبيرة، وتسبّح ثلاثا وثلاثين تسبيحة، وتحمّد ثلاثا وثلاثين تحميدة.
فإذا فعلت ذلك باللّيل مرّة وبالنّهار مرّة، فقد ذكرت اللَّه كثيرا.
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ: بالرّحمة.
وَ مَلائِكَتُهُ: بالاستغفار لكم والاهتمام بما يصلحكم.
و المراد بالصّلاة المشترك، هو العناية بصلاح أمركم وظهور شرفكم. مستعار، من الصّلو.
و قيل : التّرحّم والانعطاف المعنويّ مأخوذ من الصّلاة المشتملة على الانعطاف الصّوريّ، الّذي هو الرّكوع والسّجود. واستغفار الملائكة ودعاؤهم للمؤمنين، ترحّم عليهم.
سيما وهو سبب للرّحمة، من حيث أنّهم مجابو الدّعوة.
لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ: من ظلمات الجهل والمعصيته إلى نور الإيمان والطّاعة.
وَ كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً : حيث اعتنى بصلاح أمرهم وإنافة قدرهم.
و استعمل في ذلك ملائكته المقرّبين.
و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن يعقوب بن عبد اللَّه، عن إسحاق بن فروخ، مولى آل طلحة قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- يا إسحاق بن فرّوخ، من صلّى على محمّد وآل محمّد عشرا صلّى اللَّه عليه وملائكته [مائة مرّة.
و من يصلّي على محمّد وآل محمّد مائة مرّة صلّى اللَّه عليه وملائكته] ألفا. أما تسمع قوله- عزّ وجلّ-: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً.
و في مجمع البيان : في مسند السّيّد أبي طالب الهرويّ مرفوعا إلى أبي أيّوب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: قال صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ سبع سنين، وذلك أنّه لم يصلّ فيها أحد غيري وغيره.
تَحِيَّتُهُمْ: من إضافة المصدر إلى المفعول: أبي يحيّون.
يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ: يوم لقائه عند الموت والخروج عن القبر. أو دخول الجنّة.
سَلامٌ: إخبار بالسّلامة عن كلّ مكروه وآفة.وَ أَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً : هي الجنّة. ولعلّ اختلاف النّظم، لمحافظة الفواصل والمبالغة فيما هو أهمّ.
و في كتاب التّوحيد ، حديث طويل عن عليّ- عليه السّلام- يقول فيه- وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات-: واللّقاء، هو البعث. فافهم جميع ما في كتاب اللَّه من لقائه، فإنّه يعني بذلك: البعث. وكذلك قوله: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ، يعني: أنّه لا يزول الإيمان عن قلوبهم يوم يبعثون.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً: على من بعثت إليهم، بتصديقهم وتكذيبهم ونجاتهم وضلالهم. وهو حال مقدّرة.
وَ مُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ: بالإقرار به، وبتوحيده، وما يجب الإيمان به من صفاته.
بِإِذْنِهِ: بتيسيره. وأطلق له، من حيث أنّه من أسبابه. وقيّد به الدّعوة، إيذانا بأنّه أمر صعب لا يتأتّى إلّا بمعونة من جناب قدسه.
وَ سِراجاً مُنِيراً : يستضاء به عن ظلمات الجهالة، ويقتبس من نوره أنوار البصائر.
و في كتاب علل الشّرائع بإسناده إلى الحسن بن عبد اللَّه، عن آبائه، عن جدّه الحسن بن عليّ بن أبي طالب- عليهما السّلام- قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فسأله أعلمهم فيما سأله فقال: لأيّ شيء سمّيت محمّدا وأحمد وأبا القاسم وبشيرا ونذيرا وداعيا؟
فقال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أمّا الدّاعي، فإنّي أدعو النّاس إلى دين ربّي- عزّ وجلّ-. وأمّا النّذير، فإنّي أنذر بالنّار من عصاني. وأمّا البشير، فإنّي أبشّر بالجنّة من أطاعني.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه- في قوله- عزّ وجلّ-:
إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً إلى قوله- تعالى-:وَ دَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا. فإنّها نزلت بمكّة قبل الهجرة بخمس سنين. فهذا دليل على خلاف التّأليف.
وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً : على سائر الأمم، أو على أجر أعمالهم. ولعلّه معطوف على محذوف، مثل: فراقب أحوال أمّتك.
وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ: تهييج له على ما هو عليه من مخالفتهم.
وَ دَعْ أَذاهُمْ: إيذائهم إيّاك، ولا تحتفل به. أو إيذائك إيّاهم بمجازاة أو مؤاخذة على كفرهم ولذلك قيل : إنّه منسوخ.
وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ: فإنّه يكفيكهم .
وَ كَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا : موكلا إليه الأمر في الأحوال كلّها.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ: تجامعوهنّ.
فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ: أيّام يتربّصن فيها بأنفسهنّ.
تَعْتَدُّونَها: تستوفون عددها. [من عددت الدّراهم،] [فاعتدّها، كقوله: كلته، فأكتاله. أو تعدّونها. والإسناد إلى الرّجال، للدّلالة] على أنّ العدّة حقّ الأزواج، كما أشعر به «فما لكم».
و عن ابن كثير «تعتدونها» مخفّفا. على إبدال الدّالين بالتّاء، أو على أنّه من الاعتداء، بمعنى: تعتدون فيها. وهو يقتضي عدم وجوب العدّة بمجرد الخلوة، وتخصيص المؤمنات. والحكم عامّ، للتّنبيه على أنّ من شأن المؤمن أن لا ينكح إلّا مؤمنة وأنّ يتخيّر النّطفة.
فَمَتِّعُوهُنَّ: إن لم يكن مفروضا لها. فإنّ الواجب للمفروض لها نصفه دون المتعة.
وَ سَرِّحُوهُنَّ.
قيل : أخرجوهنّ من منازلكم، إذ ليس لكم عليهنّ عدّة.
سَراحاً جَمِيلًا : من غير ضرار ولا منع حقّ.و قيل : أي: طلّقوهنّ طلاقا للسّنّة من غير ظلم عليهنّ.
و قيل : «السّراح الجميل» هو دفع النّفقة . بحسب الميسرة والعسرة.
و في من لا يحضره الفقيه : وروى عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ- فإن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا.
قال: متعّوهنّ، أي: أجملوهنّ بما قدرتم عليه من معروف. فإنّهنّ يرجعن بكآبة ووحشة وهمّ عظيم وشماتة من أعدائهنّ. فإنّ اللَّه كريم يستحي ويحبّ أهل الحياء. إنّ أكرمكم، أشدّكم إكراما لحلائلهم.
و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عبد اللَّه بن سنان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سأله أبي- وأنا حاضر- عن رجل تزوّج امرأة فأدخلت عليه فلم يمسّها ولم يصل إليها حتّى طلّقها، هل عليها عدّة منه؟
فقال: إنّما العّدة من الماء.
قيل له: فإن كان واقعها في الفرج ولم ينزل؟
فقال: إذا أدخله، وجب الغسل والمهر والعدّة.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن الرّجل يطلّق المرأة وقد مسّ [كلّ شيء] منها إلّا أنّه لم يجامعها، أ لها عدّة؟
فقال: ابتلي أبو جعفر- عليه السّلام- بذلك. فقال له أبوه عليّ بن الحسين- عليهما السّلام-: إذا أغلق [بابا] وأرخى سترا، وجب المهر والعدّة.
أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: سألته عن الرّجل يتزوّج المرأة فيدخل بها ويغلق بابا ويرخيسترا عليها ويزعم أنّه لم يمسّها وتصدّقه هي بذلك، عليها عدّة؟
قال: لا.
قلت: فإنّه شيء دون شيء.
قال: إن أخرج الماء اعتدّت، يعني: إذا كانا مأمونين صدّقا.
عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد [، عن ابن محبوب،] عن ابن رئاب، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: الرّجل يتزوّج المرأة فيرخي عليها وعليه السّتر ويغلق الباب ثمّ يطلّقها، فتسأل المرأة: هل أتاك؟ فتقول: ما أتاني. ويسأل هو: هل أتيتها؟ فيقول: لم آتها.
فقال: لا يصدّقان. وذلك أنّها تريد أن تدفع العدّة عن نفسها، ويريد هو أن يدفع المهر [عن نفسه،] يعني: إذا كانا متّهمين.
عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد» وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الكريم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن الرّجل إذا طلّق امرأته ولم يدخل بها.
قال: فقد بانت منه. وتزوّج إن شاءت من ساعتها.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إذا طلّق الرّجل امرأته قبل أن يدخل بها، فليس عليها عدّة تزوّج من ساعتها إن شاءت، وتبينها تطليقة واحدة. وإن كان فرض لها مهرا، فلها نصف ما فرض.
أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، وأبو العبّاس محمّد بن جعفر الرّزّاز، عن أيّوب بن نوح، وحميد بن زياد، عن ابن سماعة جميعا، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إذا طلّق الرّجل امرأته قبل أن يدخل بها، فقد بانت منه وتتزوّج إن شاءت من ساعتها. وإن كان فرض لها مهرا، فلها نصف المهر. وإن لميكن فرض لها، فليمتّعها.
عليّ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها.
قال: عليه نصف المهر إن كان فرض شيئا. وإن لم يكن فرض لها، فليمتّعها على نحو ما يمتّع مثلها من النّساء.
محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها.
قال: عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا. وإن لم يكن فرض لها شيئا، فليمتّعها على نحو ما يمتّع به مثلها من النسّاء.
و في مجمع البيان : فَمَتِّعُوهُنَّ قال ابن عبّاس: هذا إذا لم يكن سمّى لها مهرا .
فإذا فرض لها صداقا، فلها نصفه ولا تستحقّ المتعة. وهو المرويّ عن أئمتّنا- عليهم السّلام-.
و الآية محمولة عندنا الّتي لم يسمّ لها مهر، فتجب لها المتعة.
عن حبيب بن ثابت قال: كنت قاعدا عند عليّ بن الحسين- عليهما السّلام-.
فجاءه رجل فقال: إنّي قلت: يوم أتزوّج فلانة، فهي طالق.
قال: اذهب فتزوّجها. فإنّ اللَّه- تعالى- بدأ بالنّكاح قبل الطّلاق. وقرأ هذه الآية.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ: مهورهنّ.
لأنّ المهر أجر على البضع. والإيتاء قد يكون بالأداء، وقد يكون بالالتزام.
و قيل : تقييد الإحلال له بإعطائها معجّلة لا لتوقّف الحلّ عليه، بل لإيثار الأفضل له، كتقييد إحلال المملوكة بكونها مسبيّة بقوله: وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ:
فإنّ المشتراة لا يتحقّق بدء أمرها وما جرى عليها.
و تقييد القرائب بكونها مهاجرات معه في قوله: وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ:قيل : يحتمل تقييد الحلّ بذلك في حقّه خاصّة. ويعضده قول أمّ هاني بنت أبي طالب: خطبني رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فاعتذرت إليه فعذرني. ثمّ أنزل اللَّه هذه الآية، فلم أحلّ له. لأنيّ لم أجاهر معه، كنت من الطّلقاء.
و في مجمع البيان : وهذا إنّما كان قبل تحليل غير المهاجرات، ثمّ نسخ شرط الهجرة في التّحليل.
وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ: نصب بفعل فسّره ما قبله، أو طف على ما سبق.
و لا يدفعه التّقييد «بأنّ»، الّتي للاستقبال. فإنّ المعنى بالإحلال: الإعلام بالحلّ، أي: أعلمناك حلّ امرأة مؤمنة تهب لك نفسها ولا تطلب مهرا إن اتّفق، ولذلك نكّرها.
و اختلف في اتّفاق ذلك والقائل به، ذكر أربعا: ميمونة بنت الحرث، وزينب بنت خزيمة الأنصاريّة، وأمّ شريك بنت جابر، وخولة بنت حكيم.
و قال ابن عبّاس في أحد قوليه: إنّه لم يكن عنده امرأة وهبت نفسها له.
و قرئ: «أن» بالفتح، أي: لأن وهبت. [أو مدّة أن وهبت] ، كقولك: اجلس ما دام زيد جالسا .
إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها: شرط للشّرط الأوّل في استيجاب الحلّ. فإنّ هبتها نفسها منه، لا توجب له، إلّا بإرادته نكاحها. فإنّها جارية مجرى القبول.
و العدول عن الخطاب إلى الغيبة بلفظ «النّبيّ» مكرّرا، ثمّ الرّجوع إليه في قوله:
خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ: إيذان بأنّه ممّا خصّ به لشرف نبوّته، وتقرير لاستحقاقه الكرامة لأجله.
و «لاستنكاح»: طلب النّكاح والرّغبة فيه.
و «خالصة» مصدر مؤكّدا، أي: خلص إحلالها. أو إحلال ما أحللناك على القيود المذكورة خلوصا لك. أو حال من الضّمير في «وهبت». أو صفة لمصدر محذوف، أي: هبة خالصة.و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ قلت: كم أحلّ له من النّساء؟ قال: ما شاء من شيء.
عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ، عن ابن نجران، عن عبد الكريم بن عمرو، عن أبي بكر الحضرميّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ- لنبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ قلت : كم أحلّ له من النّساء؟
قال: ما شاء من شيء.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قلت: قوله: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ فقال: لرسول اللَّه أن ينكح ما شاء من بنات عمّه وبنات عمّاته وبنات خاله وبنات خالاته وأزواجه اللّاتي هاجرن معه. أحل له أن ينكح من عرض المؤمنين بغير مهر، وهي الهبة، ولا تحلّ [الهبة] إلّا لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. فأمّا لغير رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فلا يصلح نكاح إلّا بمهر. وذلك معنى قوله- تعالى-:
وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ.
عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ، عن ابن أبي نجران، عن عبد الكريم بن عمرو ، عن أبي بكر الحضرميّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ- لنبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ كم أحلّ من النّساء؟قال: ما شاء من شيء.
قلت [قوله:- عزّ وجلّ-:] وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ فقال: لا تحلّ الهبة إلّا لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وأمّا لغير رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فلا يصلح نكاح إلّا بمهر.
أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان ومحمّد بن سنان جميعا، عن ابن مسكان، عن الحلبيّ قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن المرأة تهب نفسها للرّجل، ينكحها بغير مهر؟
فقال: إنّما كان هذا للنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. فأمّا لغيره، فلا يصلح هذا حتّى يعوّضها شيئا يقدّم إليها قبل أن يدخل بها، قلّ أو كثر ولو ثوب أو درهم.
و قال: يجزئ الدّرهم.
عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ.
فقال: لا تحلّ الهبة إلّا لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وأمّا غيره، فلا يصلح نكاح إلّا بمهر.
محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لا تحلّ الهبة إلّا لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. وأمّا غيره، فلا يصلح نكاح إلّا بمهر.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن بعض أصحابه، عن عبد اللَّه بن سنان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في امرأة وهبت نفسها للرّجل أو وهبها له وليّها.
فقال له: إنّما كان ذلك لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وليس لغيره، إلّا أن يعوّضها شيئا، قلّ أو كثر.عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن [محمّد ، عن] أبي القاسم الكوفيّ، عن عبد اللَّه بن المغيرة، عن رجل، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في امرأة وهبت نفسها لرجل من المسلمين.
قال: إن عوّضها، كان ذلك مستقيما.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فدخلت عليه، وهو في منزل حفصة، والمرأة متلبّسة متمشّطة. فدخلت على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.
فقالت: يا رسول اللَّه، إنّ المرأة لا تخطب الزّوج. وأنا امرأة أيم لا زوج لي منذ دهر ولا ولد. فهل لك من حاجة؟ فإن تك، فقد وهبت نفسي لك إن قبلتني.
فقال لها رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- خيرا ودعا لها.
ثمّ قال: يا أخت الأنصار، جزاكم اللَّه عن رسول اللَّه خيرا. فقد نصرني رجالكم ورغبت فيّ نساؤكم.
فقالت لها حفصة: ما أقلّ حيائك وأجرأك وأنهمك للرّجال! فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: كفّي عنها، يا حفصة، فإنّها خير منك، رغبت في رسول اللَّه فلمّتها» وعبتها.
ثمّ قال للمرأة: انصرفي، رحمك اللَّه، فقد أوجب اللَّه لك الجنّة لرغبتك فيّ وتعرّضك لمحبّتي وسروري، وسيأتيك أمري إن شاء اللَّه. فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ- وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ [إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ.
قال: فأحلّ اللَّه- عزّ وجلّ- هبة المرأة نفسها لرسول اللَّه، ولا يحلّ ذلك لغيره.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-] فإنّه كان سبب نزولها: أنّ امرأة من الأنصار أتت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وقد تهيّأت وتزيّنت.
فقالت: يا رسول اللَّه، هل لك فيّ حاجة؟ فقد وهبت نفسي لك.
فقالت لها عائشة: قبّحك اللَّه، ما أنهمك للرّجال! فقال لها رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: مه، يا عائشة، فإنّها رغبت في رسول اللَّه إذ زهدتنّ فيه.
ثمّ قال: رحمك اللَّه ورحمكم، يا معاشر الأنصار، ينصرني رجالكم وترغب فيّ نساؤكم. ارجعي، رحمك اللَّه، فإني أنتظر أمر اللَّه- عزّ وجلّ- فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ- وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ. فلا تحلّ الهبة إلّا لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.
و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللَّه جعفر بن محمّد الصّادق- عليه السّلام- قال: تزوّج رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بخمس عشرة امرأة، ودخل بثلاث عشرة منهنّ، وقبض عن تسع.
فأمّا اللّتان لم يدخل بهما، فعمرة والشّنبا .
و أمّا الثّلاث عشرة اللاتي دخل بهنّ، فأوّلهن خديجة- إلى قوله-: والتي وهبت نفسها للنّبيّ خولة بنت حكيم السّلميّ.
و في مجمع البيان : وقيل: إنّها لما وهبت نفسها للنّبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قالت عائشة: ما بال النّساء يبذلن أنفسهنّ بلا مهر، فنزلت الآية.
فقالت عائشة: ما ارى اللَّه- تعالى- إلّا يسارع في هواك.
فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: وإنّك إن أطعت اللَّه، سارع في هواك.
و اختلف في أنّه هل كانت عند النّبيّ امرأة وهبت نفسها له أم؟ فقيل: إنّه لم تكن . وقيل: بل كانت- إلى قوله- وقيل: هي امرأة من بني أسد، يقال لها: أم شريك بنت جابر، عن عليّ بن الحسين- عليه السّلام -.
و في كتاب الخصال ، في الحديث المتقدّم عن الصّادق- عليه السّلام-: وكان له سريّتان يقسم لهما مع أزواجه، مارية القبطيّة وريحانة الخندقيّة .
قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ: من المهر، والحصر بعدد محصور.
و وضعناه من قبل تخفيفا.
وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ: وما فرضنا عليهم في ملك اليمين، أن لا يقع عنهم الملك إلّا بوجوه معلومة من الشّراء والهبة والأسر والسّبي. وإنّما خصصناك على علم منّا بالمصلحة فيه من غير محاباة ولا جزاء. والجملة اعتراض بين قوله: لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ومتعلّقه، وهو «خالصة». للّدلالة على أنّ الفرق بينه وبين المؤمنين في نحو ذلك، لا بمجرد قصد التّوسّع عليه، بل لمعان تقتضي التّوسيع عليهم والتّضييق عليه تارة والعكس أخرى.
وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً: لما يعسر التّحرّز عنه.
رَحِيماً : بالتّوسعة في مظانّ الحرج.
تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ قيل : تؤخرّها وتترك مضاجعتها.
وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ: وتضمّ إليك وتضاجعها.
و قيل : تعزل من تشاء بغير طلاق، وتردّ إليك من تشاء منهنّ بعد اعتزالك إيّاها بلا تجديد عقد.
و قيل ، تترك من تشاء منهنّ من نساء أمّتك، وتنكح من تشاء منهنّ.
و قيل : تقبل من تشاء من المؤمنات [اللّاتي يهبن أنفسهن لك فتؤويها إليك، وتترك من تشاء فلا تقبلها.
و قيل : تطلّق من تشاء، وتمسك من تشاء.] و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قلت: أ رأيت قوله: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ قال: من آوى فقد نكح. ومن أرجى، فلم ينكح.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و
في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ أنزل اللَّه- عزّ وجلّ- هذه الآية، وهي آية التّخيير، فقال : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إلى قوله: أَجْراً عَظِيماً فقامت أمّ سلمة أوّل من قامت فقالت: قد اخترت اللَّه ورسوله. فقمن كلّهنّ، فعانقنه وقلن مثل ذلك. فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ- تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ.
فقال الصّادق- عليه السّلام-: من آوى، فقد نكح. ومن أرجى فقد طلّق.
و قوله- عزّ وجلّ-: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ [وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ] مع هذه الآية قوله- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إلى قوله: أَجْراً عَظِيماً وقد أخّرت عنها في التّأليف، وقد كتبنا ذلك فيما تقدّم.
و في مجمع البيان : تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ قال أبو جعفر وأبو عبد اللَّه- عليهما السّلام-: من أرجى لم ينكح. ومن آوى، فقد نكح.
و قرأ حمزة والكسائي وحفص: «يرجي» بالياء. والمعنى واحد .
وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ: طلبت.
مِمَّنْ عَزَلْتَ: طلّقت بالرّجعة.
فَلا جُناحَ عَلَيْكَ: في شيء من ذلك.
ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ: ذلك التّفويض إلى مشيئتك، أقرب إلى قرّة عيونهنّ وقلّة حزنهنّ ورضاهنّ جميعا. لأنّه حكم «كلّهنّ» فيه سواء. ثمّ إن سوّيت بينهنّ، وجدن ذلك تفضّلا منك. وإن رجّحت بعضهن، علمن أنّه بحكم اللَّه فتطمئنّ نفوسهنّ.
و قرئ : «تقرّ» بضمّ التّاء. «و أعينهنّ» بالنّصب. وتقرّ على البناء للمفعول.
و «كلّهنّ» تأكيد نون «يرضين» وقرئ، بالنّصب، تأكيدا لهنّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ: فاجتهدوا في إحسانه.
وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً: بذات الصّدور.
حَلِيماً : لا يعاجل بالعقوبة. فهو حقيقى بأن يتّقى.
لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ: بالياء. لأنّ تأنيث الجمع غير حقيقيّ.
و قرأ البصريّان، بالتّاء .
مِنْ بَعْدُ.
قيل : من بعد التّسع. وهو في حقّه، كالأربع في حقّنا.
و قيل : من بعد اليوم، حتّى لو ماتت واحدة لم يحل له نكاح أخرى.
وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ: فتطلّق واحدة وتنكح مكانها أخرى. و«من» مزيدة لتأكيد الاستغراق.
وَ لَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ: حسن الأزواج المستبدلة.
و هو حال من فاعل «تبدّل» دون مفعوله، وهو «من أزواج»، لتوغلّه في التّنكير.
و تقديره: مفروضا إعجابك بهنّ.
و اختلف في أنّ الآية محكمة أو منسوخة بقوله: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ على المعنى الأخير. فإنّه وإن تقدّمها قراءة، فهو مسوق بها نزولا.
و قيل : المعنى: لا يحلّ النّساء من بعد الأجناس الأربعة اللّاتي نصّ على إحلالهنّ لك، ولا أن تبدّل بهنّ أزواجا من أجناس أخر.
و قيل : معناه: لا تحلّ لك اليهوديّات ولا النّصرانيّات ولا أن تبدّل بهنّ، أي: ولا أن تتبدّل الكتابيّات بالمسلمات، لأنّه لا ينبغي أن يكنّ أمّهات المؤمنين.إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ: استثناء من «النّساء»، لأنّه يتناول الأزواج والإماء.
و قيل : منقطع.
وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً : فتحفظوا أمركم، ولا تتخطّوا ما أحلّ لكم.
و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نجران، عن عبد الكريم بن عمرو، عن أبي بكر الحضرميّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام
- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ فقال: إنّما عنى به: لا يحلّ لك النّساء الّتي حرّم اللَّه عليك في هذه الآية حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ إلى آخرها ولو كان الأمر كما يقولون، كان قد أحلّ لكم ما لم يحلّ له. لأنّ أحدكم يستبدل كلّما أراد. ولكن ليس الأمر كما تقولون. إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- أحلّ لنبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أن ينكح من النّساء ما أراد إلّا ما حرّم عليه في هذه الآية الّتي في النّساء.
عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ فقال: أراكم وأنتم تزعمون أنّه يحلّ لكم ما لم يحلّ لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. [و قد أحلّ اللَّه- تعالى- لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-] أن يتزوّج من النّساء ما شاء. إنّما قال: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ الّذي حرّم عليك قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ (إلى آخر الآية.)
أحمد بن محمد العاصميّ، عن عليّ بن الحسن بن فضّال ، عن علىّ بن أسباط، عن عمّه يعقوب بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قلت له: أ رأيت قولاللَّه- عزّ وجلّ-: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ قال: إنّما لم يحلّ له النّساء الّتي حرّم عليه في هذه الآية حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ في هذه الآية. كلّها. ولو كان الأمر كما تقولون ، لكان قد أحلّ لكم ما لم يحلّ له هو. لأنّ أحدكم يستبدل كلمّا أراد. ولكن ليس الأمر كما تقولون أحاديث آل محمّد خلاف أحاديث النّاس. إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- أحلّ لنبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أن ينكح من النّساء ما أراد، إلّا ما حرّم اللَّه عليه في سورة النّساء في هذه الآية.
و في مجمع البيان : وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ، يعني: إن أعجبك حسن ما حرّم عليك من جملتهنّ ولم يحللن لك. وهو المرويّ عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ: إِلّا وقت أن يؤذن لكم. أو إلّا مأذونا لكم.
إِلى طَعامٍ.
في أصول الكافي : محمّد بن الحسن وعليّ بن محمّد [، عن سهل،] عن محمّد بن سليمان، عن هارون بن الجهم، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: لمّا احتضر الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- قال للحسين- عليه السّلام-: يا أخي، إنيّ أوصيك بوصيّة فاحفظها، فإذا أنا متّ فهيّئني، ثمّ وجّهني إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- لأحدث به عهدا، ثمّ اصرفني إلى أمّي فاطمة- عليها السّلام- ثمّ ردّني فادفني في البقيع. واعلم أنّه سيصيبني من الحميراء ما يعلم النّاس من صنيعها وعداوتها للَّه ولرسوله- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وعداوتها لنا أهل البيت.
فلمّا قبض الحسن- عليه السّلام- وضع على سريره وأنطلق به إلى مصلّى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- الّذي كان يصلّي فيه على الجنائز، فصلّى على الحسن- عليه السّلام-. فلمّا أن صلّى عليه، حمل فأدخل المسجد. فلمّا أوقف على قبر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بلغ عائشة الخبر، وقيل لها: إنّهم قد أقبلوا بالحسن بن عليّ- عليه السّلام- ليدفنوه مع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.فخرجت مبادرة على بغل بسرج، فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجا، فوقفت وقالت: نحّو ابنكم عن بيتي، فإنّه لا يدفن فيه شيء ولا يهتك على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- حجابه.
فقال لها الحسين بن عليّ- عليهما السّلام-: قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول اللَّه، وأدخلت بيته من لا يحبّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قربه. وإنّ اللَّه سائلك عن ذلك، يا عائشة. إنّ أخي أمرني أن أقرّ به من أبيه رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- ليحدث به عهدا. واعلمي أنّ أخي أعلم النّاس باللَّه ورسوله، وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- ستره. لأنّ اللَّه- تبارك وتعالى- يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ وقد أدخلت أنت بيت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- الرّجال بغير إذنه. وقد قال اللَّه- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند أذن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- المعاون.
و قال اللَّه- عزّ وجلّ -: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بقربهما منه الأذى، وما رعيا من حقّه ما أمرهما اللَّه به على لسان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- إنّ اللَّه حرّم من المؤمنين أمواتا ما حرّم منهم أحياء. واللَّه، يا عائشة، لو كان هذا الّذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه- عليه السّلام- جائزا فيما بيننا وبين اللَّه، لعلمت أنّه سيدفن وإن معطسل.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة .
و في أمالي شيخ الطّائفة- قدس سرّه - بإسناده إلى ابن عبّاس قال: دخل الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- على أخيه الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- في مرضه الّذي توفّي.
فقال: كيف تجدك، يا أخي؟
قال: أجدني في أوّل يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من ايّام الدّنيا- إلى قوله-: وأن تدفنني مع [جدّي] رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. فإنيّ أحقّ به ببيته ممّن أدخلبيته بغير إذنه ولا كتاب جاءهم من بعده. قال اللَّه فيما أنزل على نبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- في كتابه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ فو اللَّه ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته. ونحن مأذون لنا في التّصرّف فيما ورثناه من بعده. فإن أنت غلبك الأمر ، فأنشدك بالقرابة الّتي قرّب اللَّه- عزّ وجلّ- منك والرّحم الماسّة من رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أن لا تهريق فيّ محجمة من دم حتّى نلقى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فنختصم إليه، ونخبره بما كان من النّاس إلينا بعده. ثمّ قبض- عليه السّلام-.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و في كتاب علل الشرائع ، بإسناده إلى عمرو بن جميع، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: كان جبرائيل- عليه السّلام- إذا أتى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قعد بين يديه قعدة العبد. وكان لا يدخل حتّى يستأذنه.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم . وأمّا قوله- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ [إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ] فإنّه لمّا تزوّج رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بزينب بنت جحش، وكان يحبّها، فأولم ودعا أصحابه. [فكان أصحابه] إذا أكلوا يحبّون أن يتحدّثوا عند رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وكان يحبّ أن يخلو مع زينب. فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ وذلك أنّهم كانوا يدخلون بلا إذن. [فقال- عزّ وجلّ-: إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى قوله- تعالى-: مِنْ وَراءِ حِجابٍ]
غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ: غير منتظرين وقته، أو إدراكه. حال من فاعل «لا تدخلوا» أو المجرور في «لكم».
و قرئ، بالجرّ، صفة «لطعام» فيكون جاريا على غير من هو له بلا إبراز الضّمير،و هو غير جائز عند البصريّين. وقد أمال حمزة والكسائي «إناه» لأنّه مصدر أنى الطّعام: إذا أردك .
وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا: تفرّقوا ولا تمكثوا.
و الآية خطاب لقوم يتحيّنون طعام رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه مخصوصة بهم وبأمثالهم. وإلّا لما جاز لأحد أن يدخل بيوته بالإذن لغير الطّعام ولا اللّبث بعد الطّعام.
وَ لا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ: بعضهم بعضا. عطف على «ناظرين». أو مقدّر بفعل، أي: ولا تدخلوا، أو لا تمكثوا مستأنسين.
إِنَّ ذلِكُمْ: اللّبث.
كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ: لتضييق المنزل عليه وعلى أهله، وإشغاله فيما لا يعنيه.
فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ: من إخراجكم، لقوله: وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، يعني:
إخراجكم حقّ. فينبغي أن لا يترك حياء، كما لم يتركه اللَّه ترك الحييّ فأمركم بالخروج.
و قرئ: «لا يستحي» بحذف الياء الأولى، وإلقاء حركتها على الحاء .
وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً: شيئا ينتفع به.
فَسْئَلُوهُنَّ: المتاع.
مِنْ وَراءِ حِجابٍ: ستر.
ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ: من خواطر الشّيطان.
وَ ما كانَ لَكُمْ: ما صحّ لكم.
أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ:- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- تفعلوا ما يكرهه.
وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً: من بعد وفاته، أو فراقه.
إِنَّ ذلِكُمْ، يعني: إيذاءه ونكاح نسائه.
كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً : ذنبا عظيما. وفيه تعظيم من اللَّه لرسوله- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وإيجاب لحرمته حيّا وميّتا. ولذلك بالغ في الوعيد عليه.و في جوامع الجامع : وعن أمّ سلمة- رضي اللَّه عنها- قالت: كنت عند النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وعنده ميمونة. فأقبل ابن أمّ مكتوم، وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب.
فقال: احتجبا.
فقلنا: يا رسول اللَّه، أليس أعمى لا يبصرنا؟
فقال: أ فعمياوان أنتما، أ لستما تبصرانه؟
و روي أنّ بعضهم قالت: أ ننهى أن نكلّم بنات عمّنا إلّا من وراء حجاب؟ لإن مات محمّد لأتزوّجن عائشة. وعن مقاتل: هو طلحة بن عبيد اللَّه. فنزلت وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ (إلى آخرها).
و في مجمع البيان : ونزلت آية الحجاب لمّا بنى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بزينب بنت جحش، وأو لم عليها.
[قال أنس: أو لم عليها] بتمر وسويق، وذبح شاة، وبعثت إليه أمّي، أمّ سليم بحيس في تور من حجارة. فأمرني رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أن أدعو الصّحابة إلى الطّعام، فدعوتهم. فجعل القوم يجيئون ويأكلون ويخرجون، ثم، يجيء القوم فيأكلون ويخرجون.
قلت: يا نبيّ اللَّه، قد دعوت حتّى ما [أجد] أحدا أدعوه .
فقال: ارفعوا طعامكم.
فرفعوا طعامهم ، وخرج القوم. وبقي ثلاثة نفر يتحدّثون في البيت، فأطالوا المكث.
فقام- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وقمت معه لكي يخرجوا. فمشى حتى بلغ حجرة عائشة، ثمّ ظنّ أنّهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه فإذا هم جلوس مكانهم، فنزلت الآية.
و نزل قوله: ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ (إلى آخر الآية) في رجل من
الصّحابة قال: لئن قبض رسول اللَّه لأنكحنّ عائشة بنت أبي بكر. عن ابن عبّاس.
قال مقاتل: هو طلحة بن عبيد اللَّه.
و قيل: إنّ رجلين قالا: أ ينكح محمّد نسائنا ولا ننكح نساءه؟ واللَّه لئن مات لنكحنا نساءه. وكان أحدهما يريد عائشة، والآخر يريد أمّ سلمة. عن أبي حمزة الثّماليّ.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وأمّا قوله- عزّ وجلّ-: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً فإنّه كان سبب نزولها، أنّه لمّا أنزل اللَّه النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وحرّم اللَّه نساء النّبيّ على المسلمين، غضب طلحة فقال: يحرّم محمّد علينا نساءه ويتزوّج هو نساءنا! لئن أمات اللَّه- عزّ وجلّ- محمّدا- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- لنركضنّ بين خلاخيل نسائه كما ركض بين خلاخيل نسائنا . فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ- وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً.
و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن أحمد بن النّضر، عن محمّد بن مروان رفعه إليهم في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ في عليّ والأئمّة كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا .
و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- أنّه قال: لو لم يحرّم على النّاس أزواج النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- لقول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا [أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً حرّم على الحسن والحسين- عليهما السّلام- لقول اللَّه- تعالى- -: وَلا تَنْكِحُوا] ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ.و لا يصلح للرّجل أن ينكح امرأة جدّة.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة قال: حدّثني سعد بن أبي عروة، عن قتادة، عن الحسن البصريّ أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- تزوّج امرأة من بني عامر بن صعصعة، يقال لها: سنى . وكانت من أجمل أهل زمانها.
فلمّا نظرت إليها عائشة وحفصة قالتا: لتغلبنا هذه على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: بجمالها.
[فقالتا لها: لا يرى منك رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- حرصا.
فلمّا دخلت على رسول اللَّه] تناولها بيده. فقالت: أعوذ باللَّه. فانقبضت يد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- عنها، فطلّقها وألحقها بأهلها.
و تزوّج رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- امرأة من كندة بنت الجون .
فلمّا مات إبراهيم بن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بن مارية القبطيّة قالت: لو كان نبيّا ما مات ابنه. فألحقها رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بأهلها قبل أن يدخل بها.
فلمّا قبض رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وولّي النّاس أبو بكر، أنته، العامريّة والكنديّة وقد خطبتا. فاجتمع أبو بكر وعمر فقالا لهما: اختارا إن شئتما الحجاب، وإن شئتما الباه.
فاختارتا الباه. فتزوّجتا، فجذم أحد الرّجلين وجنّ الآخر.
قال عمر بن أذينة: فحدّثت بهذا الحديث زرارة والفضيل، فرويا عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال: ما نهى اللَّه- عزّ وجلّ عن شيء إلا، وقد عصي فيه، حتّى لقد نكحوا أزواج النبىّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- من بعده. وذكر هاتين، العامريّة والكنديّة.
ثمّ قال أبو جعفر- عليه السّلام-:
لو سألتم عن رجل تزوّج امرأة وطلّقها قبل أن يدخل بها، أ تحلّ لابنه؟ لقالوا: لا. فرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أعظم حرمة بن آبائهم.محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن ابن أعين، عن أبي جعفر- عليه السّلام- نحوه. وقال في حديثه: و[لا] هم يستحلّون أن يتزوّجوا أمّهاتهم إن كانوا مؤمنين. وإنّ أزواج رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-، في الحرمة مثل أمّهاتهم.
إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً: كنكاحهنّ على ألسنتكم.
أَوْ تُخْفُوهُ: في صدوركم.
فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً : فيعلم ذلك، فيجازيكم به. وفي هذا التّعميم مع البرهان على المقصود ومزيد تهويل ومبالغة في الوعيد.
لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ: استثناء لمن لا يجب الاحتجاب عنهم.
روي أنّه لمّا نزلت آية الحجاب، قال الآباء والأبناء والأقارب: يا رسول اللَّه، أو نكلّمهن- أيضا من وراء الحجاب؟ فنزلت .
قيل : وإنّما لم يذكر العمّ والخال، لأنّهما بمنزلة الوالدين. ولذلك سمّي العمّ: أبا:
في قوله : وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ. أو لأنّه كره ترك الحجاب عنهما، مخافة أن يصفا لأبنائهما.
وَ لا نِسائِهِنَّ، يعني نساء المؤمنات.
وَ لا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ.
قيل : من العبيد والإماء وقيل: من الإماء خاصّة.
و في كتاب المناقب ، لابن شهر آشوب: إنّ عليّا- عليه السّلام- توّفي عن أربع نسوة، أمامة وأمّها زينب بنت النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-، وأسماء بنت عميس، وليلى التّميميّة، وأمّ البنين الكلابيّة. ولم يتزوّجن بعده.
و خطب المغيرة بن نوفل أمامة، ثمّ أبو الهياج بن أبي سفيان بن حارث.
فروت عنعليّ- عليه السّلام-: أنّه لا يجوز لأزواج النّبيّ والوصيّ أن يتزوّجن بغيره بعده.
فلم تتزوّج امرأة ولا أمّ ولد بهذه الرّواية.
و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد [، عن محمّد] بن إسماعيل، عن إبراهيم بن أبي البلاد، ويحيى بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم، عن معاوية بن عمّار قال: كنّا أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- نحوا من ثلاثين رجلا، إذ دخل أبي فرحّب به أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- وأجلسه إلى جنبه وأقبل عليه طويلا.
ثمّ قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ لأبي معاوية حاجة، فلو خفّفتم . فقمنا جميعا.
فقال لي أبي: ارجع، يا معاوية. فرجعت.
فقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: هذا ابنك؟
فقال: نعم، وهو يزعم أنّ أهل المدينة يصنعون شيئا لا يحلّ لهم.
قال: وما هو؟
قلت: إنّ المرأة القرشيّة والهاشميّة تركب وتضع يدها على رأس الأسود وذراعها على عنقه.
فقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: يا بنيّ، أما تقرأ القرآن؟
قلت: بلى.
قال: اقرأ هذه الآية: لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ حتّى بلغ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ.
ثمّ قال: يا بنيّ، لا بأس أن يرى المملوك الشّعر والسّاق.
وَ اتَّقِينَ اللَّهَ: فيما أمرتنّ به.
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً : لا يخفى عليه خافية.
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ: يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ: اعتنوا أنتم- أيضا. فإنّكم أولى بذلك.وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً : وانقادوا لاوامره.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثم ذكر ما فضّل اللَّه نبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فقال- جلّ ذكره-: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
قال: صلوات اللَّه عليه، تزكية له وثناء عليه. وصلوات الملائكة، مدحهم له.
و صلوات النّاس، دعاؤهم له والتّصديق والإقرار بفضله. وقوله- تعالى-: وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، يعني: سلّموا له بالولاية وبما جاء به.
و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل. وفيه: قالت العلماء: فأخبرنا، هل فسّر اللَّه- تعالى- الاصطفاء في الكتاب؟
فقال الرّضا- عليه السّلام-: فسّر الاصطفاء في الظّاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا، إلى قوله- عليه السّلام-: وأمّا الآية السّابعة فقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [و قد علم المعاندون منهم أنّه لمّا نزلت هذه الآية] قيل : يا رسول اللَّه، قد عرفنا التّسليم عليك فكيف الصّلاة عليك؟
فقال: تقولون: اللّهمّ، صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.
فهل بينكم، معاشر النّاس، في هذه خلاف؟
قالوا: لا. قال المأمون: هذا ممّا لا خلاف فيه أصلا وعليه إجماع الأمّة، فهل عندك في الآل شيء أوضح من هذا في القرآن؟
قال أبو الحسن- عليه السّلام- نعم، أخبروني عن قول اللَّه- تعالى -: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ فمن عنى بقوله: يس؟
قالت العلماء: يس محمّد، لا يشكّ فيه أحد.
و قال أبو الحسن- عليه السّلام- فإنّ اللَّه- عزّ وجلّ- أعطى محمّدا وآلمحمّد من ذلك فضلا لا يبلغ أحد كنه وصفه إلّا من عقله، وذلك أنّ اللَّه- عزّ وجلّ- لم يسلّم على أحد إلّا على الأنبياء- صلوات اللَّه عليهم. فقال- تعالى -: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ. وقال : سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ وقال : سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ ولم يقل:
سلام على آل نوح. ولم يقل: سلام على آل إبراهيم. ولم يقل : سلام على آل موسى وهارون: وقال : سَلامٌ عَلى إِلْياسِينَ، يعنى: آل محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.
فقال المأمون: قد علمت أنّ في معدن النّبوة شرح هذا وبيانه، فهذه السّابعة.
و في باب ما كتبه الرّضا- عليه السّلام- للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدّين : والصّلاة على النّبيّ واجبة في كلّ المواطن، وعند العطاس والذّبائح وغير ذلك.
و في أصول الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن حسين بن زيد، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: ما من قوم اجتمعوا في مجلس فلم يذكروا اسم اللَّه- عزّ وجلّ- ولم يصلّوا على نبيّهم، إلّا كان ذلك المجلس حسرة وبالا عليهم.
و في كتاب الخصال : عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال: هذه شرائع الّدين إلى أن قال- عليه السّلام-: الصّلاة على النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- واجبة في كلّ المواطن، وعند العطاس والرّياح وغير ذلك.
و فيه ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: صلّوا على محمّد وآل محمّد. فإنّ اللَّه- تعالى- يقبل دعاءكم عند ذكر محمّد، ودعائكم له، وحفظكم إيّاه.
و إذا قرأتم: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ - صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.فصلّوا عليه في الصّلاة كنتم، أو في غيرها .
عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام - قال: أربعة أوتوا سمع الخلائق، النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-، وحور العين، والجنّة، والنّار. فما من عبد يصلّي علّى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أو يسلّم عليه، إلّا بلغه ذلك وسمعه.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم [، عن أبيه،] عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إذا أذّنت فأفصح بالألف والهاء، وصلّ على النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر في أذان أو غيره.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة .
و في كتاب ثواب الأعمال : عن أبي المغرا قال: سمعت أبا الحسن- عليه السّلام- يقول: من قال في دبر صلاة الصّبح وصلاة المغرب قبل أن يثني رجليه أو يكلّم أحدا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً. اللّهمّ صلّ على محمّد وذرّيته ، قضى اللَّه له مائة حاجة سبعين في الدّنيا وثلاثين في الآخرة.
قال: قلت ما معنى صلاة اللَّه وصلاة ملائكته وصلاة المؤمنين ؟
قال: صلاة اللَّه، رحمة من اللَّه. وصلاة الملائكة تزكية منهم له. وصلاة المؤمنين ، دعاء منهم له.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و في إرشاد المفيد- رحمه اللَّه - بإسناده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ سبع سنين، وذلك أنّه لم يرفع إلى السّماء شهادة أن لا إله إلّا اللَّه وأنّ محمّدا رسول اللَّه إلّا منّي ومن عليّ.و في مجمع البيان : وفي مسند السّيّد أبي طالب الهرويّ مرفوعا إلى أيّوب: عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال: صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ سبع سنين، وذلك أنّه لم يصلّ فيها أحد غيري وغيره.
و في كتاب التّوحيد ، خطبة لعليّ- عليه السّلام- وفيها: وبالشّهادتين تدخلون الجنّة، وبالصّلاة تنالون الرّحمة، فأكثروا من الصّلاة على نبيّكم وآله إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر قال: حدّثنا المعلى بن محمّد البصريّ، عن محمّد بن القّميّ، عن أحمد بن حفض البزّاز الكوفي، عن أبيه، عن ابن أبي حمزة، عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
فقال: الصّلاة من اللَّه- عزّ وجلّ- رحمة. ومن الملائكة، تزكية. ومن النّاس، دعاء.
و أمّا قوله- عزّ وجلّ-: سَلِّمُوا تَسْلِيماً، يعني: التّسليم فيما ورد عنه.
قال: فقلت له: فكيف نصلّي على محمّد؟
قال: تقولون: صلوات اللَّه وصلوات ملائكته وأنبيائه ورسله. وجميع خلقه على محمّد وآل محمّد، عليه وعليهم، ورحمة اللَّه وبركاته.
قال: قلت: فما ثواب من صلّى على النّبيّ وآله بهذه الصّلاة؟
قال: الخروج من الذّنوب، واللَّه، كهيئته يوم ولدته أمّه.
و في الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن عليّ بن مهزيار، عن موسى بن القاسم قال: قلت لأبي جعفر الثّاني- عليه السّلام-: طفت يوما عن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.
فقال ثلاث مرّات: صلّى اللَّه على رسول اللَّه.
و الحديث طويل أخذت منه موضعالحاجة.
و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى قال: كنت عند الرّضا- عليه السّلام- فعطس.
فقلت [له:] صلّى اللَّه عليك. ثمّ عطس، فقلت: صلّى اللَّه عليك. [ثمّ عطس، فقلت: صلّى اللَّه عليك.]
و قلت: جعلت فداك، إذا عطس مثلك نقول له يقول بعضنا لبعض: يرحمك اللَّه.
أو كما نقول ؟
قال: نعم، أليس تقول : صلّى اللَّه على محمّد وآل محمّد؟
قلت: بلى. قال: أرحم محمّدا وآل محمّد؟
قال: بلى وقد صلّى عليه ورحمه، وإنّما صلواتنا عليه رحمة لنا وقربة.
محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن ابن فضّال، عن عليّ بن النّعمان، عن أبي مريم الأنصاريّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له: كيف كانت الصّلاة على النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-؟
قال: لمّا غسّله أمير المؤمنين- عليه السّلام- وكفّنه سجّاه، ثمّ أدخل عليه عشرة فداروا حوله، ثمّ وقف أمير المؤمنين- عليه السّلام- في وسطهم وقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً. فيقول القوم كما يقول.
حتّى صلّى عليه أهل المدينة وأهل العوالي.
محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب ، عن عليّ بن سيف، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لمّا قبض النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- صلّت عليه الملائكة والمهاجرون والأنصار فوجا فوجا.
[قال:] وقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله
و سلم- يقول في صحّته وسلامته: إنّما أنزلت هذه الآية عليّ في الصّلاة عليّ بعد قبض اللَّه لي إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
و في الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن عليّ بن مهزيار، عن حمّاد بن عيسى، عن محمّد بن مسعود قال: رأيت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- انتهى إلى قبر النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فوضع يده عليه وقال: أسأل اللَّه الّذي اجتباك واختارك وهداك وهدى بك، أن يصلّي عليك.
ثمّ قال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
و في روضة الكافي ، خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وفي خطبة الوسيلة. قال فيها- عليه السّلام-: أكثروا من الصّلاة على نبيّكم إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
و خطبة له- عليه السّلام - يقول فيها: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً اللّهمّ، صلّ على محمّد وآل محمّد وبارك على محمّد وآل محمّد وتحنّن على محمّد وآل محمّد وسلّم على محمّد وآل محمّد، كأفضل ما صلّيت وباركت وترحّمت وتحنّنت وسلّمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد.
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان، عن عليّ بن عيسى رفعه قال: إنّ موسى- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- ناجاه اللَّه- تبارك وتعالى- فقال له في مناجاته، وقد ذكر محمّدا- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فصلّ عليه، يا ابن عمران، فإنّي أصلّي عليه وملائكتي.
و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللَّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: فأمّا ما علمه الجاهل والعالم من فضل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- من كتاب اللَّه، فهو قول اللَّه- سبحانه-: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً. ولهذه الآية ظاهر وباطن، فالظّاهر قوله:
صَلُّوا عَلَيْهِ والباطن قوله: وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، أي: سلّموا لمن وصّاه واستخلفه وفضّله عليكم وما عهد به إليه تسليما. وهذا ممّا أخبرتك أنّه لا يعلم تأويله إلّا من لطف حسّه وصفا ذهنه وصحّ تمييزه .
و في محاسن البرقيّ : عنه، عن محمّد بن سنان، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
قال: فقال: أمنوا عليه وسلّموا له.
و في الصّحيفة السّجّاديّة ، في دعائه- عليه السّلام- في طلب الحوائج: وصلّ على محمّد وآله صلاة دائمة نامية لا انقطاع لأبدها ولا منتهى لأمدها، واجعل ذلك عونا لي وسببا لنجاح، إنّك واسع كريم.
و في شرح الآيات الباهرة : وروي الشّيخ أبو جعفر محمّد بن بابويه- رحمه اللَّه- بإسناده، عن أبي المغيرة قال: قلت لأبي الحسن- عليه السّلام-: ما معنى صلوات اللَّه وملائكته والمؤمنين؟
قال: صلوات اللَّه، رحمة اللَّه. وصلوات ملائكته، تزكية منهم له. وصلوات المؤمنين، دعاء منهم له.
و قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه : حدّثنا عبد العزيز بن يحيى، عن عليّ بن الجعد، عن شعيب، عن الحكم قال: سمعت ابن أبي ليلى يقول: لقيني كعب بن أبي عجرة فقال:
ألا أهدي إليك هدية؟
قلت: بلى.
قال: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- خرج إلينا، فقلت: يا رسول اللَّه، قد علمنا كيف السّلام عليك فكيف الصّلاة عليك؟قال: قولوا: اللّهم، صلّ على محمّد وآل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد. وبارك على محمّد وآل محمّد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد.
و روي عن الصّادق- عليه السّلام - قال: لمّا نزل قوله- عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً. قالوا: يا رسول اللَّه، قد عرفنا كيف السّلام عليك فكيف الصّلاة عليك؟
قال: تقولون: اللّهمّ، صلّ على محمّد وآل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد.
و ممّا ورد في فضل الصّلاة على محمّد وآل محمّد- عليهم السّلام- ما رواه الشّيخ أبو جعفر بن بابويه- رحمه اللَّه - بإسناده إلى عبد اللَّه بن سنان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- لأمير المؤمنين- عليه السّلام- ذات يوم: ألا أبشّرك؟
فقال: بلى، بأبي أنت وأمّي، فإنّك لم تزل مبشّرا بكلّ خير.
فقال: أخبرني جبرائيل آنفا بالعجب.
فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: ما الّذي أخبرك به، يا رسول اللَّه؟
قال: أخبرني أنّ الرّجل من أمّتي إذا صلّى عليّ وأتبع بالصّلاة على أهل بيتي، فتحت له أبواب السّماء، وصلّت عليه الملائكة سبعين صلاة- وأنّه لمذنب خطيّ- ثم تحاتّ عنه الذّنوب، كما تحاتّ الورق عن الشّجر. ويقول اللَّه- تعالى-: لبّيك عبدي وسعديك. يا ملائكتي، أنتم تصلّون عليه سبعين صلاة وأنا صلّي عليه سبعمائة صلاة. وإذا لم يتبع بالصّلاة على أهل بيتي كان بينها وبين السّماء سبعون حجابا، ويقول اللَّه- جلّ جلاله-:
لا لبّيك ولا سعديك. يا ملائكتي، لا تصعّدوا دعاءه إلّا أن يلحق بالنّبيّ عترته. فلا يزال محجوبا حتّى يلحق بي أهل بيتي.
و روى- أيضا - بإسناده، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه: قال: إذا ذكر النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فأكثروا من الصّلاة عليه. فإنّه من صلّى عليهصلاة واحدة، صلّى اللَّه عليه ألف صلاة في ألف صفّ من الملائكة، ولم يبق شيء ممّا خلق اللَّه إلّا صلّى على ذلك العبد لصلاة اللَّه عليه. فلا يرغب عن هذه إلّا جاهل مغرور ، وقد بريء اللَّه منه ورسوله.
و روى- أيضا- عن الصّادق- عليه السّلام - أنّه قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وسلم-: أنّا عند الميزان يوم القيامة. فمن ثقلت سيّئاته على حسناته، جئت بالصّلوات عليّ حتّى أثقل بها حسناته. وقد تقدّم البحث، بأن المصلّي على محمّد دعاؤه محجوب حتّى يصلّي على آله.
و يؤيّده ما
رواه- أيضا- بإسناده، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام - أنّه قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- كلّ دعاء محجوب عن السّماء حتّى يصلّى على النّبيّ وآله- صلوات اللَّه عليهم.
و ممّا رواه في فضل الصّلاة على محمّد وأهل بيته في تفسير الإمام أبي محمّد الحسن العسكريّ- عليه السّلام -: أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- أتى إلى جبل بالمدينة في حديث طويل.
قال : فقال: يا أيّها الجبل، إنّي أسألك بجاه محمّد وآله الطّيّبين، الّذين بذكر أسمائهم خفّف اللَّه العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن يقدروا على تحريكه وهم خلق كثير لا يعرف عددهم إلّا اللَّه- عزّ وجلّ-.
و قصّة ذلك، قال الإمام- عليه السّلام- في حديث طويل: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: إنّ اللَّه لمّا خلق العرش، خلق له ثلاثمائة وستّين ألف ركن. وخلق عند كلّ ركن ثلاثمائة وستّين ألف ملك، لو أذن اللَّه لأصغرهم لالتقم السّماوات السّبع والأرضين السّبع وما كان بين لهواته إلّا كالرّملة في المفازة الفضفاضة.
فقال اللَّه- تعالى- لهم: يا عبادي، احتملوا عرشي هذا. فتعاطوه، فلم يطيقوا حمله ولا تحريكه. فخلق اللَّه مع كلّ واحد منهم واحدا، فلم يقدروا أن يزعزعوه . فخلق اللَّه مع كلّ واحد منهم عشرة، فلم يقدروا أن يحرّكوه.فقال اللَّه- عزّ وجلّ- لجمعهم: خلّوه عليّ أمسكه بقدرتي. فخلّوه، فأمسكه اللَّه- عزّ وجلّ- بقدرته.
ثمّ قال لثمانية منهم: احملوا أنتم.
فقالوا: يا ربّنا، لم نطقه نحن ولم يطيقوا هذا الخلق الكثير والجمع الغفير، فكيف نطيق الآن دونهم؟
فقال اللَّه- عزّ وجلّ-: لأنّي أنا اللَّه المقرّب للعبيد [، والمذلّل للعبيد،] والمخفّف للشّديد، والمسهّل للعسير، أفعل ما أشاء، وأحكم ما أريد، أعلّمكم كلمات تقولونها يخفّف بها عليكم.
قالوا: وما هي، ربّنا؟
قال: تقولون: بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم، ولا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العليّ العظيم، وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطّيّبين.
فقالوها، فحملوه وخفّ على كواهلهم، كشعرة نابتة على كاهل رجل قويّ.
ثمّ قال اللَّه- عزّ وجلّ- لسائر تلك الأملاك: خلّوا عن هؤلاء الثّمانية عرشي ليحملوه، وطوفوا أنتم حوله وسبّحوني ومجّدوني وقدّسوني. فإنّي أنا اللَّه القادر على ما رأيتم وعلى كلّ شيء قدير.
فقد بان لك، أنّ بالصّلاة على محمّد وآله حمل الملائكة العرش، ولولاها لم يطيقوا حمله ولا خفّ عليهم ثقله.
و ممّا ورد في الصّلاة على محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- في يوم الجمعة ، فمن ذلك ما
رواه الشّيخ الصّدوق- رحمه اللَّه- بإسناده، عن الباقر- عليه السّلام- أنّه سئل: ما أفضل الأعمال يوم الجمعة؟
قال: لا أعلم عملا أفضل من الصّلاة على محمّد وآل محمّد.
و ذكر الشّيخ المفيد- رحمه اللَّه- في المقنّعة، عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه قال: إذا كان يوم الخميس وليلة الجمعة، نزلت ملائكة من السّماء ومعها أقلام الذّهب وصحف الفضّة،لا يكتبون إلّا الصّلاة على محمّد وآله إلى أن تغرب الشّمس يوم الجمعة.
و ذكر- أيضا- عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه قال: الصّدقة ليلة الجمعة ويوم الجمعة بألف. والصّلاة على محمّد وآله ليلة الجمعة ويوم الجمعة بألف من الحسنات، ويحطّ اللَّه فيها ألفا من السّيّئات، ويرفع بها ألفا من الدّرجات. وأنّ المصلّي على محمّد وآله ليلة الجمعة ويوم الجمعة يزهر نوره في السّماوات إلى يوم السّاعة. وأنّ ملائكة اللَّه في السّماوات يستغفرون له والملك الموكّل بقبر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- يستغفر له إلى أن تقوم السّاعة.
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ: يرتكبون ما يكرهانه من الكفر والمعاصي. أو يؤذون رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بكسر رباعيّته، وقولهم: شاعر مجنون، ونحو ذلك.
و ذكر اللَّه، للتّعظيم له. ومن جوز إطلاق اللّفظ الواحد على معنيين، فسّره بالمعنيين باعتبار المعمولين.
لَعَنَهُمُ اللَّهُ: أبعدهم عن رحمته.
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً : يهينهم مع الإيلام.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً
قال: نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين- عليه السّلام- حقّه، وأخذ حقّ فاطمة- عليها السّلام- وآذاها. وقد قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: من أذاها في حياتي، كمن آذاها بعد موتي. ومن آذاها بعد موتي، كمن آذاها في حياتي. ومن آذاها، فقد آذاني. ومن آذاني، فقد آذى اللَّه. وهو قول اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (الآية.)
و في مجمع البيان : حدّثنا السّيّد أبو الحمّد قال: حدّثنا الحاكم أبو القاسم الحسكانيّ قال: حدّثنا الحاكم أبو عبد اللَّه الحافظ قال: حدّثنا أحمد بن أبي دارم الحافظ قال:
حدّثنا عليّ بن أحمد العجليّ قال: حدّثنا عبّاد بن يعقوب قال: حدّثنا أرطاة بن حبيب قال:حدّثني أبو خالد الواسطيّ، وهو آخذ بشعرة، قال: حدّثني زيد بن عليّ بن الحسين، وهو آخذ بشعره، قال: حدّثني عليّ بن الحسين، وهو آخذ بشعره، قال: حدّثني الحسين بن عليّ [بن أبي طالب،] وهو آخذ بشعره، قال: حدّثني عليّ بن أبي طالب، وهو آخذ بشعره، قال: حدّثني رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وهو آخذ بشعره، فقال [يا عليّ،] من آذى شعرة منك، فقد آذاني. ومن آذاني، فقد آذى اللَّه. ومن آذى اللَّه، فعليه لعنة اللَّه.
و في تهذيب الأحكام : الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عبد اللَّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: أخّر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- ليلة من اللّيالي العشاء الآخرة ما شاء اللَّه، فجاء عمر فدق الباب فقال: يا رسول اللَّه، نام النّساء نام الصّبيان.
فخرج رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فقال: ليس لكم أن تؤذوني ولا تأمروني، إنّما عليكم أن تسمعوا وتطيعوا.
وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا: بغير جناية استحقّوا بها.
فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً : ظاهرا.
قيل [: إنّها] نزلت في المنافقين [كانوا] يؤذون عليّا- عليه السّلام-. وقيل: في أهل الإفك. وقيل: في زناة كانوا يبتغون النّساء وهنّ كارهات.
و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، عن عبد اللَّه بن سنان قال: كان رجل عند أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- فقرأ هذه الآية:
وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً.
قال: فقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: فما ثواب من أدخل عليه السرور؟
فقلت: جعلت فداك، عشر حسنات؟
فقال: إي، واللَّه، وألف ألف حسنة.محمّد بن يحيى، عن أحمد بن سنان ، عن منذر بن يزيد، عن المفضّل بن عمر، قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الصّدود لأوليائي؟ فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم. فيقال: هؤلاء الّذين آذوا المؤمنين ونصبوا لهم وعاندوهم وعنّفوهم في دينهم. ثمّ يؤمر بهم إلى جهنّم.
و في كتاب الخصال : عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: النّاس رجلان، مؤمن وجاهل. فلا تؤذ المؤمن، ولا تجهل على الجاهل فتكون مثله.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ، يعني: عليّا وفاطمة- عليهما السّلام- بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً وهي جارية في النّاس كلّهم.
و في شرح الآيات الباهرة : في تفسير الإمام أبي محمد الحسن العسكريّ- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بعث جيشا وأمّر عليهم عليّا- عليه السّلام-. وما بعث جيشا قطّ وفيهم عليّ- عليه السّلام- إلّا جعله أميرهم.
فلمّا غنموا رغب عليّ- عليه السّلام- أن يشري من جملة الغنائم جارية، وجعل ثمنها في جملة الغنائم. فكايده فيها خاطب بن أبي بلتعة وبريدة الأسلمي وزايده. فلمّا نظر إليهما يكايدانه ويزايدانه، انتظر إلى أن بلغ قيمتها قيمة عدل في يومها، فأخذها بذلك.
فلمّا رجعوا إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- تواطئا على أن يقولا ذلك لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. فوقف بريدة قدّام رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وقال: يا رسول اللَّه، ألم تر إلى ابن أبي طالب أخذ جارية من المغنم دون المسلمين؟
فأعرض عنه. فجاء عن يمينه، فقالها، فأعرض عنه. فجاءه عن يساره، فقالها، فأعرض عنه.
قال: فغضب رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- غضبا لم ير قبله ولا بعده غضبا مثله، وتغيّر لونه، وتزبّد، وانتفخت أوداجه، وارتعدت أعضاؤه، وقال: مالك، يا بريدة، آذيت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- منذ اليوم؟ أما سمعت قول اللَّه- عزّ وجلّ-:
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً.وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً؟
فقال بريدة: ما علمت أنّي قصدتك بأذى.
فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: أو تظنّ، يا بريدة، أنّه لا يؤذيني إلّا من قصد ذات نفسي؟ أما علمت أنّ عليّا منّي وأنا منه، وأنّ من آذى عليّا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللَّه، ومن آذى اللَّه فحقّ على اللَّه أن يؤذيه بأليم عذابه في نار جهنّم؟ يا بريدة، أنت أعلم أم اللَّه- عزّ وجلّ-؟ وأنت أعلم أم قرّاء اللّوح المحفوظ؟ وأنت أعلم أما ملك الأرحام؟
فقال بريدة: بل اللَّه أعلم، وقرّاء اللّوح المحفوظ أعلم، وملك الأرحام أعلم.
فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: وأنت أعلم، يا بريدة، أم حفظة عليّ بن أبي طالب؟
قال: بل حفظة عليّ بن أبي طالب.
فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: فكيف تخطّئه وتلومه وتوبّخه وتشنّع عليه في فعله؟ وهذا جبرائيل أخبرني عن حفظة عليّ، أنّهم لم يكتبوا عليه قطّ خطيئة منذ ولد. وهذا ملك الأرحام حدّثني، أنّه كتب قبل أن يواد حين استحكم في بطن أمّة أنّه لا يكون منه خطيئة أبدا. وهؤلاء قرّاء اللّوح المحفوظ أخبروني ليلة أسري بي، أنّهم وجدوا في اللّوح المحفوظ مكتوبا عليّ المعصوم من كلّ خطاء وزلل. فكيف تخطّئه أنت، يا بريدة؟ وقد صوّبه ربّ العالمين والملائكة المقرّبين؟ يا بريدة، لا تعرّض لعليّ بخلاف الحسن الجميل، فإنّه أمير المؤمنين، وسيد الصّالحين، وفارس المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين، وقسيم الجنّة والنّار، يقول: هذا لي، وهذا لك.
ثمّ قال: يا بريدة، أ ترى ليس لعليّ من الحقّ عليكم؟ معاشر المسلمين، أن تكايدوه ولا تعاندوه ولا تزايدوه، هيهات هيهات هيهات هيهات ، إنّ قدر عليّ عند اللَّه أعظم من قدره عندكم. أو لا أخبركم؟
قالوا: بلى، يا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.
فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: إنّ اللَّه- سبحانه وتعالى- يبعث يوم القيامة أقواما تمتلئ من جهة السّيّئات موازينهم.فيقال لهم: هذه السّيّئات، فأين الحسنات؟ وإلّا فقد عطبتم.
فيقولون: يا ربّنا، ما نعرف لنا من حسنات.
فإذا النّداء من قبل اللَّه- عزّ وجلّ-: إن لم تعرفوا لأنفسكم من حسنات، فإنّي أعرّفها لكم وأوفّيها عليكم.
ثمّ تأتي الرّيح برقعة صغيرة تطرحها في كفّة حسناتهم فترجح بسيّئاتهم بأكثر ما بين السّماء والأرض فيقال لأحدهم: خذ بيد أبيك وأمّك وإخوانك وأخواتك وخاصّتك وقراباتك وأخدانك ومعارفك، فأدخلهم الجنّة.
فيقول أهل المحشر: يا ربّنا، أمّا الذّنوب فقد عرفناها، فما كانت حسناتهم؟
فيقول اللَّه- عزّ وجلّ- يا عبادي، إنّ أحدهم مشى ببقية دين عليه لأخيه إلى أخيه، فقال له: خذها فإنّي أحبّك بحبّك لعليّ بن أبي طالب. فقال له الآخر: إنّي قد تركتها لك بحبّك لعليّ بن أبي طالب، ولك من مالي ما شئت. فشكر اللَّه- تعالى- لهما، فحطّ به خطاياهما، وجعل ذلك في حشو صحائفهما وموازينهما، وأوجب لهما ولوالديهما الجنّة.
قال: يا بريدة، إنّ من يدخل النّار ببعض عليّ أكثر من الحذف الّذي يرمى عند الجمرات، فإيّاك أن تكون منهم.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ: يغطّين وجوههنّ وأبدانهنّ بملاحفهنّ إذا برزن لحاجة.
و «من» للتّبعيض. فإنّ المرأة ترخي بعض جلبابها وتتلفّع ببعض.
ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ: يميّزن من الإماء والقينات.
فَلا يُؤْذَيْنَ: فلا يؤذيهنّ أهل الرّيبة بالتّعرض لهنّ.
و في مجمع البيان : إنّ أهل الريبة كانوا يمازحون الإماء، وربّما كان يتجاوز المنافقون إلى ممازحة الحرائر. فإذا قيل لهم في ذلك، قالوا: حسبناهنّ إماء. فقطع اللَّه عذرهم.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : إنّه كان سبب نزولها، أنّ النّساء كنّ يجئن إلى المسجد ويصلّين خلف رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-. فإذا كان باللّيل وخرجن إلى صلاةالمغرب والعشاء الآخرة والغداة، يقصد الشّبّان لهنّ في طريقهنّ فيؤذونهن ويتعرّضون لهنّ.
فأنزل اللَّه يا أَيُّهَا النَّبِيُّ (الآية).
وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً: لما سلف.
رَحِيماً : بعباده. حيث يراعي مصالحهم حتّى الجزئيّات منها.
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ: عن نفاقهم.
وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: ضعف إيمان وقلّة ثبات عليه، أو فجور عن تزلزلهم في الدّين، أو فجورهم.
وَ الْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ: يرجفون أخبار السّوء عن سرايا المسلمين ونحوها. من إرجافهم. وأصله، التّحريك. من الرّجفة: وهي الزّلزلة. سمّي به الإخبار الكاذب، لكونه متزلزلا غير ثابت.
لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ: لنأمرنّك بقتالهم وإجلائهم، أو ما يضطرّهم إلى طلب الجلاء.
ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ: عطف على «لنغرينّك». و«ثمّ» للدّلالة على أنت الجلاء ومفارقة جوار الرّسول أعظم ما يصيبهم.
فِيها: المدينة.
إِلَّا قَلِيلًا : زمانا، أو جوارا قليلا.