الآيات الأنعام وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ. تفسير قال الطبرسي رحمه الله وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ أي أبدعكم و خلقكم مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ أي من آدم ع لأن الله تعالى خلقنا جميعا منه و خلق أمنا حواء من ضلع من أضلاعه انتهى. أقول و قد مر أن خلقهم من أب واحد لا يقتضي عدم مدخلية الأم و لا يكون الأم مخلوقة منه لما مر نفي ذلك في الأخبار فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ قال المفسرون فيه وجوها الأول مستقر في الرحم إلى أن يولد و مستودع في القبر إلى أن يبعث و الثاني مستقر في بطن الأمهات و مستودع في أصلاب الآباء الثالث مستقر على ظهر الأرض في الدنيا و مستودع عند الله في الآخرة الرابع مستقر في القبر و مستودع في الدنيا و قيل مستقرها أيام حياتها و مستودعها حيث يموت. و أقول قرأ ابن كثير و أبو عمرو و يعقوب بكسر القاف و الباقون بالفتح و على ما سيأتي من التأويل في الأخبار تستقيم القراءتان فبالفتح أي فلكم استقرار في الإيمان و استيداع فيه أو فمنكم من هو محل استقرار الإيمان و منكم من هو محل استيداعه ففيه حذف و إيصال أي مستقر فيه و بالكسر أي فمنكم مستقر في الإيمان و منكم مستودع فيه أو فإيمان بعضكم مستقر و إيمان بعضكم مستودع على القراءتين
1- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن حسين بن نعيم الصحاف قال قلت لأبي عبد الله ع لم يكون الرجل عند الله مؤمنا قد ثبت له الإيمان عنده ثم ينقله الله بعد من الإيمان إلى الكفر قال فقال إن الله عز و جل هو العدل إنما دعا العباد إلى الإيمان به لا إلى الكفر و لا يدعو أحدا إلى الكفر به فمن آمن بالله ثم ثبت له الإيمان عند الله لم ينقله الله عز و جل بعد ذلك من الإيمان إلى الكفر قلت له فيكون الرجل كافرا قد ثبت له الكفر عند الله ثم ينقله الله بعد ذلك من الكفر إلى الإيمان قال فقال إن الله عز و جل خلق الناس كلهم على الفطرة التي فطرهم عليها لا يعرفون إيمانا بشريعة و لا كفرا بجحود ثم بعث الله الرسل تدعو العباد إلى الإيمان به فمنهم من هدى الله و منهم من لم يهده الله
بيان يمكن أن يكون بناء الجوابين على أمر واحد و هو أن هدايته تعالى و خذلانه المعبر عنه بالإضلال ليسا علتين مستقلتين للنقل من الكفر إلى الإيمان و من الإيمان إلى الكفر بل كل منهما باختيار العبد و الهدايات الخاصة لبعض لا تصيره مجبورا على الإيمان و ترك تلك الهدايات لبعض لعدم استحقاقه لها لا يصيره مجبورا على الكفر كما مر تحقيقه. و يحتمل أن يكون بناؤها على الفرق بينهما فحاصل الجواب الأول أن المؤمن الواقعي الذي ثبت إيمانه عند الله و لم يكن منافقا و مستودعا لا يسلب الله منه توفيقه و هدايته و لا يرجع عن الإيمان أبدا و من تراه يرجع فليس بمؤمن واقعي بل هو ممن يظهر الإيمان و لم يستقر في قلبه كما اختاره بعض المتكلمين و حاصل الثاني أن الكفر لما كان أمرا عدميا و الناس في بدو الفطرة لم يتصفوا بالإيمان لكنهم على الفطرة القابلة للإيمان و للكفر بمعنى الجحود لا الكفر بمعنى عدم الإيمان فإنه متصف به قبل التصديق و الإذعان فبعث الله الرسل لإتمام الحجة عليهم ثم بعد ذلك بعضهم يستحق الهدايات و الألطاف الخاصة بحسن اختياره و عدم إبطاله الفطرة الأصلية فتشمله تلك الألطاف فيختار الإيمان و بعضهم لم يستحق ذلك فيخذله الله فيختار الكفر بمعنى الجحود. و كأن هذا أظهر من الخبر لكن فيه أنه لم يظهر منه أنه هل يمكن أن ينقله الله من كفر الجحود إلى الإيمان و الظاهر أن مراد السائل كان استعلام ذلك و يمكن الجواب بوجهين الأول أن نحمل كلام السائل ثانيا على الإخبار أو التعجب لا الاستفهام و لما كان كلامه موهما لكون ذلك على الجبر أفاد ع أن هدايته سبحانه و خذلاته لا يوجبان سلب الاختيار فإنهم على الفطرة القابلة لهما و الثاني أن يقال إنه أفاد ع قاعدة كلية يظهر منه جواب ذلك و هو أنه يمكن ذلك لكن بهذا النحو المذكور لا بالجبر. فإذا عرفت ذلك فاعلم أن المتكلمين اختلفوا في أن المؤمن بعد اتصافه بالإيمان الحقيقي في نفس الأمر هل يمكن أن يكفر أم لا و لا خلاف في أنه لا يمكن ما دام الوصف و إنما النزاع في إمكان زواله بضد أو غيره فذهب أكثرهم إلى جواز ذلك بل إلى وقوعه و ذلك لأن زوال الضد بطريان ضده أو مثله على القول بعدم اجتماع الأمثال ممكن لأنه لا يلزم من فرض وقوعه محال و ظاهر كثير من الآيات الكريمة دال عليه كقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً و قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ. و ذهب بعضهم إلى عدم جواز زوال الإيمان الحقيقي بضد أو غيره و قال الشهيد الثاني قدس الله روحه و نسب ذلك إلى السيد المرتضى رضي الله عنه مستدلا بأن ثواب الإيمان دائم و عقاب الكفر دائم و الإحباط و الموافاة عنده باطلان أما الإحباط فلاستلزام أن يكون الجامع بين الإحسان و الإساءة بمنزلة من لم يفعلهما مع تساويهما أو بمنزلة من لم يحسن إن زادت الإساءة و بمنزلة من لم يسئ مع العكس و اللازم بقسميه باطل قطعا فالملزوم مثله و أما الموافاة فليست
عندنا شرطا في استحقاق الثواب بالإيمان لأن وجوه الأفعال و شروطها التي يستحق بها ما يستحق لا يجوز أن تكون منفصلة عنها و لا متأخرة عن وقت حدوثها و الموافاة منفصلة عن وقت حدوث الإيمان فلا يكون وجها و لا شرطا في استحقاق الثواب. لا يقال الثواب إنما يستحقه العبد على الفعل كما هو مذهب العدلية و الإيمان ليس فعلا للعبد و إلا لما صح الشكر عليه لكن التالي باطل إذ الأمة مجتمعة على وجوب شكر الله تعالى على نعمة الإيمان فيكون الإيمان من فعل الله تعالى إذ لا يشكر على فعل غيره و إذا لم يكن من فعل العبد فلا يستحق عليه ثوابا فلا يتم دليله على أنه لا يتعقبه كفر لأن مبناه على استحقاق الثواب على الإيمان. لأنا نقول بل هو من فعل العبد و نلتزم عدم صحة الشكر عليه و نمنع بطلانه قولك في إثباته الأمة مجتمعة إلخ قلنا الشكر إنما هو على مقدمات الإيمان و هي تمكين العبد من فعله و إقداره عليه و توفيقه على تحصيل أسبابه و توفيق ذلك له لا على نفس الإيمان الذي هو فعل العبد فإن ادعى الإجماع على ذلك سلمناه و لا يضرنا و إن ادعى الإجماع على غيره منعناه فلا ينفعهم. و الاعتراض عليه رحمه الله من وجوه أحدها توجه المنع إلى المقدمة القابلة بأن الموافاة ليست شرطا في استحقاق الثواب و ما ذكره في إثباتها من أن وجوه الأفعال و شروطها التي يستحق بها ما يستحق لا يجوز أن تكون منفصلة عنها و الموافاة منفصلة عن وقت الحدوث فلا يكون وجها لا دلالة له على ذلك بل إن دل فإنما يدل على أن الموافاة ليست من وجوه الأفعال لكن لا يلزم من ذلك أن لا يكون شرطا لاستحقاق الثواب فلم لا يجوز أن يكون استحقاق الثواب مشروطا بوجوه الأفعال مع الموافاة أيضا لا بد لنفي ذلك من دليل ثانيها الآيات الكريمة التي مر بعضها فإنها تدل على إمكان عروض الكفر بعد الإيمان بل بعضها على وقوعه و أجاب السيد عن ذلك بأن المراد و الله أعلم من وصفهم بالإيمان الإيمان اللساني دون القلبي و قد وقع مثله كثيرا في القرآن العزيز كقوله تعالى آمنوا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ و حيث أمكن صحة هذا الإطلاق و لو مجازا سقط الاستدلال بها. ثالثها أن الشارع جعل للمرتد أحكاما خاصة به لا يشاركه فيها الكافر الأصلي كما هو مذكور في كتب الفروع و هذا أمر لا يمكن دفعه و لا مدخل للطعن فيه فإن الكتاب العزيز و السنة المطهرة ناطقان بذلك و الإجماع واقع عليه كذلك و لا ريب أن الارتداد هو الكفر المتعقب للإيمان كما دل عليه قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ الآية فقد دل على ما ذكرناه على أن المؤمن يمكن أن يكفر أقول و للسيد رحمه الله أن يجيب عن ذلك بأن ما ذكر إنما يدل على أن من اتصف في ظاهر الشرع بالارتداد فحكمه كذا و كذا و لا يدل على أنه صار مرتدا بذلك في نفس الأمر فلعله كان كافرا في الأصل و حكمنا بإيمانه ظاهرا للإقرار بما يوجب الإيمان مع بقائه على كفره عند الله تعالى و بفعله ما يوجب الارتداد ظاهرا حكمنا بارتداده أو كان مؤمنا في الأصل و هو باق على إيمانه عند الله تعالى لكن لاقتحامه حرمات الشارع و تعديه هذه الحدود العظيمة جعل الشارع الحكم بالارتداد عليه عقوبة له لتنحسم بذلك مادة الاقتحام و التعدي من المكلفين فيتم نظام النواميس الإلهية. و أقول الحق أن المعلومات التي يتحقق الإيمان بالعلم بها أمور متحققة ثابتة لا تقبل التغير و التبدل إذ لا يخفى أن وحدة الصانع تعالى و وجوده و أزليته و أبديته و علمه و قدرته و حياته إلى غير ذلك من الصفات أمور تستحيل تغيرها و كذا كونه تعالى عدلا لا يفعل قبيحا و لا يخل بواجب و كذا النبوة و المعاد فإذا علمها الشخص على وجه اليقين و الثبات صار علمه بها كعلمه بوجود نفسه غير
أن الأول نظري و الثاني بديهي لكن لما كان النظري إنما يصير يقينيا بانتهائه إلى البديهي و لم يبق فرق بين العلمين امتنع تغير ذلك العلم و تبدله كما يمتنع تغير علمه بوجود نفسه. و الحاصل أن العلم إذا انطبق على المعلوم الحقيقي الذي لا يتغير أصلا فمحال تغيره و إلا لما كان منطبقا فعلم أن ما يحصل لبعض الناس من تغيير عقيدة الإيمان لم يكن بعد اتصاف أنفسهم بما ذكرناه من العلم بل كان الحاصل لهم ظنا غالبا بتلك المعلومات لا العلم بها و الظن يمكن تبدله و تغيره و إن كان المظنون لا يمكن تبدله لأن الانطباق غير حاصل و إلا لصار علما. إن قلت يتصور زوال الإيمان بصدور بعض الأفعال الموجبة للكفر كما تقدم و إن بقي التصديق اليقيني بالمعارف المذكورة فقد صح أن المؤمن قد يكفر بعد اتصافه بالإيمان. قلت لا نسلم إمكان صدور فعل يوجب الكفر ممن اتصف بالعلم المذكور بل صار ذلك الفعل ممتنعا بالغير الذي هو العلم اليقيني و إن أمكن بالذات و حينئذ فصدور بعض الأفعال المذكورة إنما كان لعدم حصول العلم المذكور و بالجملة فكلام علم الهدى و مذهبه هنا رضي الله عنه في غاية القوة و المتانة بعد تدقيق النظر و قد ظهر مما حررناه أن القائلين بإمكان زوال الإيمان بعروض الكفر إن أرادوا به إمكان زوال العلم بالأمور المذكورة فظاهر أنه ممتنع بالذات كانقلاب الحقائق و إن أرادوا به إمكان انتفاء الإيمان بعروض شيء من الأفعال و إن بقي العلم فقد بينا أنه ممتنع بالغير فإن أرادوا بالإمكان على هذا التقدير الإمكان الذاتي فلا نزاع لأحد فيه و إن أرادوا به عدم الامتناع و لو بالغير فقد بينا منعه و امتناعه. و بالجملة فظواهر كثير من الآيات الكريمة و السنة المطهرة تدل على إمكان طروء الكفر على الإيمان و على هذا بناء أحكام المرتدين و هو مذهب أكثر المسلمين نعم في الاعتبار ما يدل على عدم جواز طروئه عليه كما أشرنا إليه إن جعلنا الإيمان عبارة عن التصديق مع الإقرار أو حكمه لكن الأول هو الأرجح في النفس انتهى. و أقول إذا اكتفي في الإيمان بالظن الحاصل من التقليد أو غيره فلا ريب في أنه يجوز تبدل الإيمان بالكفر و إن اشترط فيه العلم القطعي ففي جواز زواله إشكال و لما لم يقم دليل تام على عدم الجواز مع أن ظواهر الآيات و الأخبار تدل على الجواز فالجواز أقوى مع أن كثيرا ما يعرض للإنسان أنه يقطع بأمر بحيث لا يحتمل عنده خلاف ثم يتزلزل لشبهة قوية تعرض له و القول بأنه ظن قوي يتوهم قطعا بعيد نعم إن اعتبر في الإيمان اليقين و فسر بأنه اعتقاد جازم ثابت مطابق للواقع يمتنع زواله فبعد زواله انكشف أنه لم يكن مؤمنا لكن اعتبار ذلك أول الكلام و قد شرحنا الخبر في مرآة العقول و حققنا ذلك بوجه آخر فإن أردت الاطلاع عليه فارجع إليه
2- سن، ]المحاسن[ عن أبيه عن محمد بن سنان عن المفضل عن أبي عبد الله ع قال إن الحسرة و الندامة و الويل كله لمن لم ينتفع بما أبصر و من لم يدر الأمر الذي هو عليه مقيم أ نفع هو له أم ضرر قال قلت فبما يعرف الناجي قال من كان فعله لقوله موافقا فأثبت له الشهادة بالنجاة و من لم يكن فعله لقوله موافقا فإنما ذلك مستودع
كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن سنان مثله إلى قوله فبما يعرف الناجي من هؤلاء جعلت فداك إلى قوله فأثبتت له الشهادة
بيان إن الحسرة و الندامة و الويل الحسرة اسم من حسرت على الشيء حسرا من باب تعب و هي التلهف و التأسف على فوات أمر مرغوب و الندامة الحزن على فعل شيء مكروه و الويل العذاب و واد في جهنم يعني هذا كله لمن لم ينتفع بما أبصره و علمه من العقائد و الأحكام و الأعمال و الأخلاق و الآداب و عدم الانتفاع بها بأن لا يعمل بمقتضى علمه بها و لم يدر ما الأمر الذي هو عليه مقيم من العقائد و الأعمال و الأخلاق أ نفع بصيغة المصدر أي نافع و يحتمل الماضي و كذا أو ضر يحتملهما و الأول أظهر فيهما و فيه حث على مراقبة النفس في جميع الحالات و محاسبتها في جميع الحركات و السكنات ليعلم ما ينفعها فيجلبها و يزيد منها و ما يضرها فيجتنبها. فبما يعرف الناجي من هؤلاء أي من يكون أمره آئلا إلى النجاة من المهالك و عقوبات الآخرة فقال من كان فعله لقوله موافقا أي لقوله الحق و هو ما يأمر الناس به من الخيرات و الطاعات و ترك المنكرات أو لما يدعيه من الإيمان بالله و اليوم الآخر و الأنبياء و الأوصياء ع فإن مقتضى ذلك العمل بما يأمره الله تعالى و يوجب الوصول إلى مثوباته و النجاة من عقوباته و متابعة أئمة الدين في أقوالهم و أفعالهم أو لما يدعي لنفسه من الكمالات و ما نصب نفسه له من الحالات و الدرجات أو الجميع. فأثبتت له الشهادة على صيغة المجهول أي يشهد الله تعالى و ملائكته و حججه ع و كمل المؤمنين بأنه من الناجين لاتصافه بكمال الحكمة النظرية لقوله الحق و كمال الحكمة العملية لعمله بأقواله الحقة و في بعض النسخ فأتت و من لم يكن فعله لقوله موافقا أي بأن يكون قوله حقا و فعله باطلا كما هو شأن أكثر الخلق فإنما ذلك مستودع إيمانه غير ثابت فيه فيحتمل أن يبقى على الحق و يثبت له الإيمان و تحصل له النجاة و أن يزول عن الحق و يعود إلى الشقاوة و يستحق الويل و الحسرة و الندامة
3- كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري و غيره عن عيسى شلقان قال كنت قاعدا فمر أبو الحسن موسى ع و معه بهمة قال فقلت يا غلام ما ترى ما يصنع أبوك يأمرنا بالشيء ثم ينهانا عنه أمرنا أن نتولى أبا الخطاب ثم أمرنا أن نلعنه و نتبرأ منه فقال أبو الحسن ع و هو غلام إن الله خلق خلقا للإيمان لا زوال له و خلق خلقا للكفر لا زوال له و خلق خلقا بين ذلك أعارهم الإيمان يسمون المعارين إذا شاء سلبهم و كان أبو الخطاب ممن أعير الإيمان قال فدخلت على أبي عبد الله ع فأخبرته بما قلت لأبي الحسن ع و ما قال لي فقال أبو عبد الله ع إنه نبعة نبوة
بيان في المصباح البهمة ولد الضأن يطلق على الذكر و الأنثى و الجمع بهم مثل تمرة و تمر و جمع البهم بهام مثل سهم و سهام و تطلق البهام على أولاد الضأن و المعز إذا اجتمعت تغليبا فإذا انفردت قيل لأولاد الضأن بهام و لأولاد المعز سخال و قال ابن فارس البهم صغار الغنم و قال أبو زيد يقال لأولاد الغنم ساعة تضعها الضأن و المعز ذكرا كان الولد أو أنثى سخلة ثم هي بهمة و الجمع بهم و قال الغلام الابن الصغير و أبو الخطاب هو محمد بن مقلاص الأسدي الكوفي و كان في أول الحال ظاهرا من أجلاء أصحاب الصادق ع ثم ارتد و ابتدع مذاهب باطلة و لعنه الصادق ع و تبرأ منه و روى الكشي روايات كثيرة تدل على كفره و لعنه و اختلف الأصحاب فيما رواه في حال استقامته و الأكثر على جواز العمل بها و كأنه متفرع على المسألة السابقة فمن ادعى جواز تحقق الإيمان و زواله يجوز العمل بروايته لأنه حينئذ كان مؤمنا و من زعم أنه كاشف من عدم كونه مؤمنا لا يجوز العمل بها. إنه نبعة نبوة أي علمه من ينبوع النبوة أو هو غصن من شجرة النبوة و الرسالة في القاموس نبع الماء ينبع مثلثة نبعا و نبوعا خرج من العين و النبع شجر للقسي و للسهام ينبت في قلة الجبل
4- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن حبيب عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ع قال إن الله جبل النبيين على نبوتهم فلا يرتدون أبدا و جبل الأوصياء على وصاياهم فلا يرتدون أبدا و جبل بعض المؤمنين على الإيمان فلا يرتدون أبدا و منهم من يعير الإيمان عارية فإذا هو دعا و ألح في الدعاء مات على الإيمان
بيان في القاموس جبلهم الله يجبل و يجبل خلقهم و على الشيء طبعه و جبره كأجبله فإذا هو دعا فيه حث على الدعاء لحسن العاقبة و عدم الزيغ كما كان دأب الصالحين قبلنا و فيه دلالة أيضا على أن الإتمام و السلب مسببان عن فعل الإنسان لأنه يصير بذلك مستحقا للتوفيق و الخذلان. و جملة القول في ذلك أن كل واحد من الإيمان و الكفر قد يكون ثابتا و قد يكون متزلزلا يزول بحدوث ضده لأن القلب إذا اشتد ضياؤه و كمل صفاؤه استقر الإيمان و كل ما هو حق فيه و إذا اشتدت ظلمته و كملت كدورته استقر الكفر و كل ما هو باطل فيه و إذا كان بين ذلك باختلاط الضياء و الظلمة فيه كان مترددا بين الإقبال و الإدبار و مذبذبا بين الإيمان و الكفر فإن غلب الأول دخل الإيمان فيه من غير استقرار و إن غلب الثاني دخل الكفر فيه كذلك و ربما يصير الغالب مغلوبا فيعود من الإيمان إلى الكفر و من الكفر إلى الإيمان فلا بد للعبد من مراعاة قلبه فإن رآه مقبلا إلى الله عز و جل شكره و بذل جهده و طلب منه الزيادة لئلا يستدبر و ينقلب و يزيغ عن الحق كما ذكر سبحانه عن قوم صالحين رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ و إن رآه مدبرا زائغا عن الحق تاب و استدرك ما فرط فيه و توكل على الله و توسل إليه بالدعاء و التضرع لتدركه العناية الربانية فتخرجه من الظلمات إلى النور و إن لم يفعل ربما سلط عليه عدوه الشيطان و استحق من ربه الخذلان فيموت مسلوب الإيمان كما قال سبحانه فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ أعاذنا الله من ذلك و سائر أهل الإيمان
-5 كش، ]رجال الكشي[ عن حمدويه عن محمد بن عيسى عن يونس عن ابن مسكان عن عيسى شلقان قال قلت لأبي الحسن ع و هو يومئذ غلام قبل أوان بلوغه جعلت فداك ما هذا الذي يسمع من أبيك إنه أمرنا بولاية أبي الخطاب ثم أمرنا بالبراءة منه قال قال أبو الحسن ع من تلقاء نفسه إن الله خلق الأنبياء على النبوة فلا يكونون إلا أنبياء و خلق المؤمنين على الإيمان فلا يكونون إلا مؤمنين و استودع قوما إيمانا فإن شاء أتمه و إن شاء سلبهم إياه و إن أبا الخطاب كان ممن أعاره الله الإيمان فلما كذب على أبي سلبه الله الإيمان قال فعرضت هذا الكلام على أبي عبد الله ع قال فقال لو سألتنا عن ذلك ما كان ليكون عندنا غير ما قال
6- ب، ]قرب الإسناد[ عن معاوية بن حكيم عن البزنطي عن الرضا ع قال إن جعفرا ع كان يقول فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ فالمستقر ما ثبت من الإيمان و المستودع المعار و قد هداكم الله لأمر جهله الناس فاحمدوا الله على ما من عليكم به
7- ب، ]قرب الإسناد[ عن ابن أبي الخطاب عن البزنطي عن الرضا ع قال إن الله عز و جل قد هداكم و نور لكم و قد كان أبو عبد الله ع يقول إنما هو مستقر و مستودع فالمستقر الإيمان الثابت و المستودع المعار أ تستطيع أن تهدي من أضل الله
8- شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال قلت هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ قال ما يقول أهل بلدك الذي أنت فيه قال قلت يقولون مستقر في الرحم و مستودع في الصلب فقال كذبوا المستقر ما استقر الإيمان في قلبه فلا ينزع منه أبدا و المستودع الذي يستودع الإيمان زمانا ثم يسلبه و قد كان الزبير منهم
9- شي، ]تفسير العياشي[ عن جعفر بن مروان قال إن الزبير اخترط سيفه يوم قبض النبي ص و قال لا أغمده حتى أبايع لعلي ثم اخترط سيفه فضارب عليا فكان ممن أعير الإيمان فمشى في ضوء نوره ثم سلبه الله إياه
10- شي، ]تفسير العياشي[ عن سعيد بن أبي الأصبع قال سمعت أبا عبد الله ع و هو يسأل عن مستقر و مستودع قال مستقر في الرحم و مستودع في الصلب و قد يكون مستودع الإيمان ثم ينزع منه و لقد مشى الزبير في ضوء الإيمان و نوره حين قبض رسول الله حتى مشى بالسيف و هو يقول لا نبايع إلا عليا
11- شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن ع هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ قال ما كان من الإيمان المستقر فمستقر إلى يوم القيامة أو أبدا و ما كان مستودعا سلبه الله قبل الممات
12- شي، ]تفسير العياشي[ عن صفوان قال سألني أبو الحسن ع و محمد بن خلف جالس فقال لي مات يحيى بن القاسم الحذاء فقلت له نعم و مات زرعة فقال كان جعفر ع يقول فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ فمستقر قوم يعطون الإيمان و يستقر في قلوبهم و المستودع قوم يعطون الإيمان ثم يسلبونه
13- شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي الحسن الأول قال سألته عن قول الله فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ قال المستقر الإيمان الثابت و المستودع المعار
14- شي، ]تفسير العياشي[ عن أحمد بن محمد قال وقف علي أبو الحسن الثاني ع في بني زريق فقال لي و هو رافع صوته يا أحمد قلت لبيك قال إنه لما قبض رسول الله ص جهد الناس على إطفاء نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين ع فلما توفي أبو الحسن ع جهد علي بن أبي حمزة و أصحابه على إطفاء نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره و إن أهل الحق إذا دخل فيهم داخل سروا به و إذا خرج منهم خارج لم يجزعوا عليه و ذلك أنهم على يقين من أمرهم و إن أهل الباطل إذا دخل فيهم داخل سروا به و إذا خرج عنهم خارج جزعوا عليه و ذلك أنهم على شك من أمرهم إن الله يقول فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ قال ثم قال أبو عبد الله ع المستقر الثابت و المستودع المعار
كش، ]رجال الكشي[ عن حمدويه عن الحسن بن موسى عن داود بن محمد عن أحمد مثله
15- شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن مسلم قال سمعته يقول إن الله خلق خلقا للإيمان لا زوال له و خلق خلقا للكفر لا زوال له و خلق خلقا بين ذلك فاستودع بعضهم الإيمان فإن شاء أن يتمه لهم أتمه و إن شاء أن يسلبهم إياه سلبهم
16- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم عن أحدهما ع مثله و زاد في آخره و كان فلان منهم معارا
بيان خلق خلقا للإيمان قيل اللام لام العاقبة أي خلق خلقا عاقبتهم الإيمان في العلم الأزلي لا زوال لإيمانهم و هم الأنبياء و الأوصياء و التابعون لهم من المؤمنين الثابتين على الإيمان و خلق خلقا عاقبتهم الكفر في علمه عز و جل و خلق خلقا مترددين بين الإيمان و الكفر مستضعفين في علمه فمن آمن منهم كان إيمانه مستودعا فإن يشأ الله أن يتمه لهم لحسن استعدادهم و إقبالهم إلى الله عز و جل أتمه بفضله و توفيقه و جعله ثابتا مستقرا فيهم و إن يشأ أن يسلبهم إياه لزوال استعدادهم الفطري و فساد استعدادهم الكسبي سلبهم و رفع عنهم توفيقهم و يفهم بالمقايسة حال من كفر منهم. و أقول من علم أنهم يموتون على الإيمان كان ينبغي أن يدخلهم في القسم الأول على هذا الوجه و من علم أنهم يموتون على الكفر في القسم الثاني بل الأحسن أن يقال لما علم الله سبحانه استعداداتهم و قابلياتهم و ما يئول إليه أمرهم و مراتب إيمانهم و كفرهم فمن علم أنهم يكونون راسخين في الإيمان كاملين فيه و خلقهم فكأنه خلقهم للإيمان الكامل الراسخ و كذا الكفر و من علم أنهم يكونون متزلزلين مترددين بين الإيمان و الكفر فكأنه خلقهم كذلك فهم مستعدون لإيمان ضعيف فمنهم من يختم له بالإيمان و منهم من يختم له بالكفر فهم المعارون. و الظاهر أن المراد بفلان أبو الخطاب و كنى عنه بفلان لمصلحة فإن أصحابه كانوا جماعة كثيرة كان يحتمل ترتب مفسدة على التصريح باسمه و يحتمل أن يكون كناية عن ابن عباس فإنه قد انحرف عن أمير المؤمنين ع و ذهب بأموال البصرة إلى الحجاز و وقع بينه ع و بينه مكاتبات تدل على شقاوته و ارتداده كما مر و التقية فيه أظهر لكن سيأتي التصريح بأبي الخطاب في خبر شلقان و على التقديرين منهم خبر كان و ضمير الجمع للخلق بين ذلك و معارا خبر بعد خبر و قيل فلان كناية عن عثمان و الضمير للخلفاء الثلاثة و الظرف حال عن فلان و معارا خبر كان و لا يخفى بعده لفظا و معنى فإن الثلاثة كانوا كفرة لم يؤمنوا قط
17- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب و القاسم بن محمد الجوهري عن كليب بن معاوية الأسدي عن أبي عبد الله ع قال إن العبد يصبح مؤمنا و يمسي كافرا و يصبح كافرا و يمسي مؤمنا و قوم يعارون الإيمان ثم يسلبونه و يسمون المعارين ثم قال فلان منهم
بيان ثم يسلبونه يدل على أن السلب متعد إلى مفعولين بخلاف ما يظهر من كتب اللغة و يومئ إليه أيضا تمثيلهم لبدل الاشتمال بقولهم سلب زيد ثوبه إذ لو كان متعديا إلى مفعولين لما احتاج إلى البدلية لكن لا عبرة بقولهم بعد وروده في كلام أفصح الفصحاء
18- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن ع قال إن الله خلق النبيين على النبوة فلا يكونون إلا أنبياء و خلق المؤمنين على الإيمان فلا يكونون إلا مؤمنين و أعار قوما إيمانا فإن شاء تممه لهم و إن شاء سلبهم إياه و قال و فيهم جرت فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ و قال لي إن فلانا كان مستودعا إيمانه فلما كذب علينا سلب إيمانه ذلك
بيان قال تعالى وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ قال البيضاوي أي فلكم استقرار في الأصلاب أو فوق الأرض و استيداع في الأرحام أو تحت الأرض أو موضع الاستقرار و الاستيداع و قرأ ابن كثير و البصريان بكسر القاف على أنه اسم فاعل و المستودع اسم مفعول أي و منكم قار و منكم مستودع لأن الاستقرار منا دون الاستيداع انتهى. و لعل تأويله ع أنسب بالقراءة الأخيرة أي فمنكم إيمانه مستقر أي ثابت و بعضكم إيمانه مستودع أو بعضكم مستقر في الإيمان و بعضكم غير مستقر و مُسْتَوْدَعٌ اسم مفعول أو اسم مكان و على القراءة الأولى اسم مكان أي بعضكم محل استقرار الإيمان و المستودع يحتمل الوجهين قوله سلب إيمانه يحتمل بناء المفعول و الفاعل و على الثاني ذلك إشارة إلى الكذب
19- نهج، ]نهج البلاغة[ من خطبة له ع فمن الإيمان ما يكون ثابتا مستقرا في القلوب و منه ما يكون عواري بين القلوب و الصدور إلى أجل معلوم فإذا كانت لكم براءة من أحد فقفوه حتى يحضره الموت فعند ذلك يقع حد البراءة و الهجرة قائمة على حدها الأول ما كان لله في أهل الأرض حاجة من مستسر الأمة و معلنها لا يقع اسم الهجرة على أحد إلا بمعرفة الحجة في الأرض فمن عرفها و أقر بها فهو مهاجر و لا يقع اسم الاستضعاف على من بلغته الحجة فسمعتها أذنه و وعاها قلبه إن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا عبد امتحن الله قلبه للإيمان و لا تعي حديثنا إلا صدور أمينة و أحلام رزينة أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض قبل أن تشغر فتنة تطأ في خطامها و تذهب بأحلام قومها
بيان العواري جمع العارية بالتشديد فيهما كأنها منسوبة إلى العار فإن طلبها عار و عيب قال ابن ميثم رحمه الله قوله ع فمن الإيمان إلى آخره قسمة للإيمان إلى قسمين أحدهما الثابت المستقر في القلوب الذي صار ملكة و ثانيهما ما كان في معرض الغير و الانتقال و استعار ع لفظ العواري لكونه في معرض الاسترجاع و الرد و كنى ع بكونه بين القلوب و الصدور عن كونه غير مستقر في القلوب و لا متمكن من جواهر النفوس. و قال ابن أبي الحديد أراد ع من الإيمان ما يكون على سبيل الإخلاص و منه ما يكون على سبيل النفاق و قوله ع إلى أجل معلوم ترشيح لاستعارة العواري و هذه القسمة إلى القسمين هي الموجودة في نسخة الرضي رضي الله عنه بخطه و في نسخ كثير من الشارحين و نسخ كثيرة معتبرة ثلاثة أقسام هكذا فمن الإيمان ما يكون ثابتا مستقرا في القلوب و منه ما يكون عواري في القلوب و منه ما يكون عواري بين القلوب و الصدور إلى أجل معلوم. و قال ابن أبي الحديد في بيانها إن الإيمان إما أن يكون ثابتا مستقرا بالبرهان و هو الإيمان الحقيقي أو ليس بثابت بالبرهان بل بالدليل الجدلي ككثير ممن لم يحقق العلوم العقلية و هو الذي عبر ع عنه بقوله عواري في القلوب فهو و إن كان في القلب الذي هو محل الإيمان الحقيقي إلا أن حكمه حكم العارية في البيت و إما أن يستند إلى تقليد و حسن ظن بالأسلاف و قد جعله ع عواري بين القلوب و الصدور لأنه دون الثاني فلم يجعله حالا في القلب و رد قوله ع إلى أجل معلوم إلى القسمين الأخيرين لأن من لم يبلغ درجة البرهان ربما ينحط إلى درجة المقلد فيكون إيمان كل منهما إلى أجل معلوم لكونه في معرض الزوال. فإذا كانت لكم براءة إلخ قيل أي إذا أردتم التبري من أحد فاجعلوه موقوفا إلى حال الموت و لا تسارعوا إلى البراءة منه قبل الموت لأنه يجوز أن يتوب و يرجع فإذا مات و لم يتب جازت البراءة منه لأنه ليس له بعد الموت حالة تنتظر و ينبغي أن تحمل هذه البراءة على البراءة المطلقة لجواز التبري من الفاسق و هو حي و من الكافر و هو حي لكن بشرط الاتصاف بأحد الوصفين بخلاف ما بعد الموت. و قيل المعنى انتظروا حتى يأتيه الموت فإنه ربما يكون معتقدا للحق و يكتم إيمانه لغرض دنيوي و قيل هذا إشارة إلى ما كان يفعله رسول الله ص في الصلاة على المنافقين فإذا كبر أربعا كانوا يعلمون أنه منافق و إذا كبر خمسا كانوا يعلمون أنه مؤمن فأشار ع إلى أنه عند الموت تقع البراءة و تصح بعلامة تكبيراته الأربع و كلا الوجهين كما ترى. و الظاهر أن المراد بالبراءة قطع العلائق الإيمانية التي يجوز معها الاستغفار كما يومئ إليه قوله سبحانه ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى إلى قوله تعالى فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ. و الهجرة قائمة إلخ و أصل الهجرة المأمور بها الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام و قال في النهاية فيه لا هجرة بعد الفتح و لكن جهاد و نية و في حديث آخر لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة الهجرة في الأصل اسم من الهجر ضد الوصل و قد هجره هجرا و هجرانا ثم غلب على الخروج من أرض إلى أرض و ترك الأولى للثانية يقال منه هاجر مهاجرة. و الهجرة هجرتان إحداهما التي وعد الله عليها الجنة في قوله إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ فكان الرجل يأتي النبي ص و يدع أهله و ماله لا يرجع في شيء منه و ينقطع بنفسه إلى مهاجره و كان النبي ص يكره أن يموت الرجل بالأرض التي هاجر منها فمن ثم قال لكن البائس سعد بن خولة يرثي له أن مات بمكة و قال حين قدم مكة اللهم لا
تجعل منايانا بها فلما فتحت مكة صارت دار إسلام كالمدينة و انقطعت الهجرة. و الهجرة الثانية من هاجر من الأعراب و غزا مع المسلمين و لم يفعل كما فعل أصحاب الهجرة الأولى فهو مهاجر و ليس بداخل في فضل من هاجر تلك الهجرة و هو المراد بقوله لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة فهذا وجه الجمع بين الحديثين و إذا أطلق في الحديث ذكر الهجرتين فإنما يراد بهما هجرة الحبشة و هجرة المدينة انتهى. و قال ابن أبي الحديد هذا كلام من أسرار الوصية يختص به علي ع لأن الناس يروون أن النبي ص قال لا هجرة بعد الفتح فشفع عمه العباس في نعيم بن مسعود الأشجعي أن يستثنيه فاستثناه و هذه الهجرة التي أشار إليها أمير المؤمنين ع ليست تلك بل هي الهجرة إلى الإمام و قال بعض الأصحاب تجب المهاجرة عن بلد الشرك على من يضعف عن إظهار شعائر الإسلام مع المكنة و يستحب للقادر على إظهارها تحرزا عن تكثير سواد المشركين و المراد بها الأمور التي تختص بالإسلام كالأذان و الإقامة و صوم شهر رمضان و غير ذلك و ألحق بعضهم ببلاد الشرك بلاد الخلاف التي لا يتمكن فيها المؤمن من إقامة شعائر الإيمان مع الإمكان و لو تعذرت الهجرة لمرض أو عدم نفقة أو غير ذلك فلا حرج لقوله تعالى إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَ كانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً. و الظاهر أن قوله ع ما كان لله في أهل الأرض حاجة كناية عن بقاء التكليف كما يدل عليه قول النبي ص لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة و للتجوز مجال واسع و في الصحيفة السجادية و لا ترسلني من يدك إرسال من لا خير فيه و لا حاجة بك إليك و قيل كلمة ما هاهنا نافية و وجهوه بتوجيهات ركيكة و السر ما يكتم و استسر أي استتر و اختفى فالمختفي حينئذ كمن لا يختفي بل يعلن نفسه لأنه لا يخاف و لا يتقي لدينه أو غيره و قيل أي ممن أسر دينه أو أظهره و أعلنه و من لبيان الجنس و قيل زائدة و لو حذفت لجر المستسر بدلا من أهل الأرض. لا تقع اسم الهجرة إلخ أي يشترط في صدق الهجرة معرفة الإمام و الإقرار به و المراد بقوله فمن عرفها إلخ أنه مهاجر بشرط الخروج إلى الإمام و السفر إليه أو المراد بالمعرفة المعرفة المستندة إلى المشاهدة و العيان و يحتمل أن يكون المراد أن مجرد معرفة الإمام و الإقرار بوجوب اتباعه كاف في إطلاق اسم الهجرة كما هو ظاهر الجزء الأخير من الكلام و يدل عليه بعض أخبارنا فمعرفة الإمام و الإقرار به في زمانه قائم مقام الهجرة المطلوبة في زمان الرسول ص. و قال بعض الأصحاب الهجرة في زمان الغيبة سكنى الأمصار لأنها تقابل البادية مسكن الأعراب و الأمصار أقرب إلى تحصيل الكمالات من القرى و البوادي فإن الغالب على أهلها الجفاء و الغلظة و البعد عن العلوم و الكمالات كما روي عن النبي ص أن الجفاء و القسوة في الفدادين و قيل هي الخروج إلى طلب العلوم فيعم الخروج عن القرى و البوادي و الخروج عن بلد لا يمكن فيه طلب العلم. و لا يقع اسم الاستضعاف إلخ الاستضعاف عد الشيء ضعيفا أو وجدانه ضعيفا و استضعفه أي طلب ضعفه و الحجة الدليل و البرهان و يعبر به عن الإمام لأنه دليل الحق و المراد به هنا إما دليل الحق من أصول الدين أو الأعم أو الإمام بتقدير مضاف أي حجة الحجة. قال القطب الراوندي رحمه الله يمكن أن يشير بهذا الكلام إلى إحدى آيتين إحداهما إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصِيراً
فيكون مراده ع على هذا أنه لا يصدق اسم الاستضعاف على من عرف الإمام و بلغته أحكامه و وعاها قلبه و إن بقي في ولده و أهله لم يتجشم السفر إلى الإمام كما صدق على هؤلاء المذكورين في الآية و الثانية قوله تعالى بعد ذلك إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ الآية فيكون مراده على هذا أن من عرف الإمام و سمع مقالته و وعاها قلبه لا يصدق عليه اسم الاستضعاف كما صدق على هؤلاء إذ كان المفروض على الموجودين في عصر الرسول المهاجرة بالأبدان دون من بعدهم بل يقنع منهم بمعرفته و العمل بقوله بدون المهاجرة إليه بالبدن. و قال ابن ميثم رحمه الله بعد حكاية كلامه و أقول يحتمل أن يريد بقوله ذلك أنه لا عذر لمن بلغته دعوة الحجة فسمعتها أذنه في تأخيره عن النهوض و المهاجرة إليه مع قدرته على ذلك و لا يصدق عليه اسم الاستضعاف كما يصدق على المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان حتى يكون ذلك عذرا له بل يكون في تأخره ملوما مستحقا للعقاب كالذين قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ و يكون مخصوصا بالقادرين على النهوض دون العاجزين فإن اسم الاستضعاف صادق عليهم انتهى. و أقول سيأتي شرح هذا الكلام في أخبار كثيرة و أن المراد به أن المستضعف المعذور في معرفة الإمام في زمان الهدنة في الجملة إنما هو إذا لم تبلغه الحجة و اختلاف الناس فيه أو بلغه و لم يكن له عقل يتميز به بين الحق و الباطل كما سنذكر تفصيله إن شاء الله تعالى. إن أمرنا صعب مستصعب الصعب العسر و الأبي الذي لا ينقاد بسهولة ضد الذلول و استصعب الأمر أي صار صعبا و استصعبت الأمر أي وجدته صعبا و حملته و احتملته بمعنى و حملته بالتشديد فاحتمله و الامتحان الاختبار و امتحن الله قلبه أي شرحه و وسعه. قال ابن أبي الحديد قال الله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى يقال امتحن فلان لأمر كذا أي جرب للنهوض به فهو قوي على احتمال مشاقه و يجوز أن يكون بمعنى المعرفة لأن تحقيقك الشيء إنما يكون باختباره فوضع موضعها فيتعلق اللام بمحذوف أي كائنة له و هي اللام التي في قولك أنت لهذا الأمر أي مختص به و يكون مع معمولها منصوبة على الحال و يجوز أن يكون المعنى ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن لأجل التقوى أي ليثبت و يظهر تقواها و يعلم أنهم متقون لأن التقوى لا يعلم إلا عند الصبر على المحن و الشدائد أو أخلص قلوبهم للتقوى أي أذابه و صفاه و وعيت الحديث أي حفظته و فهمته و الغرض حفظ الحديث عن الإذاعة و ضبط الأسرار عن إفضائها إلى غير أهلها أو الإذعان الكامل به و عدم التزلزل عند العجز عن المعرفة التفصيلية به فيكون كالتفسير لما قبله و الحلم بالكسر الأناة و العقل و الرزانة الوقار. و حاصل الكلام أن شأنهم و ما هم عليه من الكمال و القدرة على خوارق العادات صعب لا يحصل لغيرهم مستصعب الفهم على الخلق أو فهم علومهم و إدراك أسرارهم مشكل يستصعبه أكثر الخلق فلا يقبله حق القبول بحيث لا يخرج إلى طرف الإفراط بالغلو أو التفريط بعدم التصديق أو القول بعدم الحق لسوء الفهم إلا قلب عبد شرحه الله و صفاه للإيمان فيحمل كلما يأتون به على وجهه إذا وجد له محملا و يصدق إجمالا بكل ما عجز عن معرفته تفصيلا و يرد علمه إليهم ع. و المراد بطرق السماء الطرق التي يصعد منها الملائكة و يرفع فيها أعمال العباد أو منازل سكان السماوات و مراتبهم أو الأمور المستقبلة و ما خفي على الناس مما لا يعلم إلا بتعليم رباني فإن مجاري نزولها في السماء أو أحكام الدين و قواعد الشريعة
و على ما يقابل كل واحد منها يحمل طرق الأرض. و شغر البلد كمنع إذا خلا من حافظ يمنعه و بلدة شاغرة برجلها لم تمنع عن غارة أحد و شغرت المرأة رفعت رجلها للنكاح و شغرتها فعلت بها ذلك يتعدى و لا يتعدى و شغر الكلب إذا رفع أحد رجليه ليبول و قيل الشغر البعد و الاتساع و قيل كنى بشغر رجلها عن خلو تلك الفتنة عن مدبر يردها و يحفظ الأمور و ينظم الدين و يحتمل أن يكون كناية عن شمولها للبلاد و العباد من الشغر بمعنى الاتساع أو من شغر الكلب أو من شغرة المرأة كناية عن تكشفها و عدم مبالاتها بظهور عيوبها و إبداء سوأتها و الوطء الدوس بالرجل و الخطم بالفتح من الدابة مقدم أنفها و ككتاب ما يوضع في أنف البعير ليقتاد به و الوطء في الخطام كناية عن فقد القائد و إذا خلت الناقة من القائد تعثر و تخبط و تفسد ما تمر عليه بقوائمها. و تذهب بأحلام قومها أي تفسد عقول أهلها فكانت أفعالهم على خلاف ما يقتضيه العقل فالمراد بأهلها المفسدون أو يتحير أهل زمانها فلا يهتدون إلى طريق التخلص عنها فأهلها من أصابته البلية أو يأتي أهل ذلك الزمان إليها رغبة و رهبة و لا يتفحصون عن كونها فتنة لغفلتهم عن وجه الحق فيها