يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ قيل : بإشاعة الفاحشة.
و قيل : آثاره وطرقه الّتي تؤدّي إلى مرضاته.
و قيل : وساوسه.
و قرأ : نافع والبزّي وأبو عمرو وأبو بكر وحمزة بسكونها.
و قرئ بفتح الطّاء.
و في مجمع البيان : وروي عن عليّ- عليه السّلام- خطئات بالهمزة.
وَ مَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ:
بيان لعلّة النّهي عن اتّباعه.
و قيل : الفحشاء: ما أفرط قبحه. والمنكر: ما أنكره الشّرع.
وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ بتوفيق التّوبة الماحية للذّنوب، وشرع الحدود المكفّرة لها ما زَكى: ما طهر من دنسها مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً: آخر الدّهر.
وَ لكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ بحمله على التّوبة وقبولها.وَ اللَّهُ سَمِيعٌ: لمقالتهم عَلِيمٌ بنيّاتهم وأفعالهم وأحوالهم.
و في الآية دلالة على أنّ اللّه- سبحانه- يريد من خلقه خلاف ما يريده الشّيطان.
و فيها دلالة على أنّ أحدا لا يصلح إلّا بلطفه.
وَ لا يَأْتَلِ: ولا يحلف. افتعال من الأليّة، أو لا يقصّر من الألو. ويؤيّد الأوّل، أنّه قرئ : «و لا يتأل».
أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ في الدّين وَالسَّعَةِ في المال أَنْ يُؤْتُوا: على أن لا يؤتوا. أو: في أن يؤتوا.
و قرئ بالتّاء على الالتفات.
أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ:
صفات لموصوف واحد- أي ناسا جامعين لها، لأنّ الكلام فيمن كان كذلك- أو لموصوفات أقيمت مقامها، فيكون أبلغ في تعليل المقصود.
وَ لْيَعْفُوا: [ما فرط منهم] .
وَ لْيَصْفَحُوا: بالإغماض عنه.
أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ على عفوكم وصفحكم وإحسانكم إلى من أساء إليكم.
و في مجمع البيان : وروي عن النّبيّ - صلّى اللّه عليه وآله-: «و لتعفوا ولتصفحوا» بالتّاء. كما روي بالياء أيضا.
و في نهج البلاغة : من كلام له- عليه السّلام- على سبيل الوصيّة: إنّ أبق فأنا وليّ دمي. وإن أفن، فالفناء ميعادي. وإن أعف، فالعفو لي قربة، ولكم حسنة، فاعفوا.
ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم!؟
و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب، في مناقب زين العابدين- عليه السّلام-: وكان إذا دخل شهر رمضان، يكتب على غلمانه ذنوبهم، حتّى إذا كان آخر ليلةدعاهم. ثمّ أظهر الكتاب، وقال: يا فلان، فعلت كذا ولم أؤدّبك . فيقروّن أجمع. فيقوم وسطهم، ويقول لهم: ارفعوا أصواتكم وقولوا: يا عليّ بن الحسين! ربّك قد أحصى عليك ما عملت، كما أحصيت علينا. ولديه كتاب ينطق بالحقّ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة.
فاذكر ذلّ مقامك بين يدي ربّك، الّذي لا يظلم مثقال ذرّة وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً .
فاعف واصفح، يعف عنك المليك- لقوله تعالى-: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا، أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ. ويبكي وينوح.
وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ مع كمال قدرته. فتخلّقوا بأخلاقه!
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى: وهم قرابة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. واليتامى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا. يقول: يعفو بعضكم عن بعض، ويصفح [بعضكم بعضا] . فإذا فعلتم، كانت رحمة من اللّه لكم. يقول اللّه- عزّ وجلّ-: أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
و في مجمع البيان : قيل: إنّ قوله: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ (الآية) نزلت في أبي بكر ومسطح بن أثاثة، وكان ابن خالة أبي بكر، وكان من المهاجرين ومن جملة البدريّين. وكان فقيرا، وكان أبو بكر يجري عليه ويقوم بنفقته. فلمّا خاض في الإفك، قطعها وحلف أن لا ينفعه بنفع أبدا. فلمّا نزلت الآية، عاد أبو بكر إلى ما كان وقال:
و اللّه إنّي لأحبّ أن يغفر اللّه لي. واللّه لا أنزعها عنه أبدا. عن ابن عبّاس وعائشة وابن زيد.
و قيل : نزلت في يتيم كان في حجر أبي بكر، حلف لا ينفق عليه. عن الحسن ومجاهد.و قيل : نزلت في جماعة من الصّحابة أقسموا على أن لا يتصدّقوا على رجل تكلّم بشيء من الإفك ولا يواسوهم. عن ابن عبّاس وغيره. انتهى.
و البيضاويّ، بعد أن قال: «نزلت الآية في أبي بكر» و. فسّر أولي الفضل بأولي الفضل في الدّين، قال : «و فيه دليل على فضل أبي بكر وشرفه». ولم يعلم أنّ ذلك لا يدلّ عليه، إلّا إذا كانت الإضافة في أولي الفضل للعهد والإشارة إليه، ولم يعهد ذلك سابقا. فالمراد أنّ من كان ذا فضل بحسب الدّين، يجب عليه ذلك. ولا يلزم منه أنّ كلّ من عمل به، كان ذا فضل بحسب الدين، لجواز أن يكون الباعث على العمل به ادّعاؤه كونه ذا فضل منه، وإن كان في الواقع بخلافه.
بل يمكن أن يقال: فيه إشعار بخلاف ما ادّعاه وعدم فضله بحسبه في الواقع. لأنّ الدّاعي إلى الإنفاق على أولي القربى وغيرهم، هو السّعة في المال. فلو كان له فضل بحسب الدّين، لكفاه أن يقال: «و لا يأتل أولي السّعة». فلمّا لم يكن له ذلك، ويحتمل عدم امتثاله لعدم داع قويّ إلى ذلك، وأمكنه المعذرة بانتفاء السّعة الفاضلة عن كفافه الصّالحة لذلك- مع أنّ كونه ذا سعة، لا يوافق غرضه كمال المناسبة- أكّده بضمّ «الفضل» الدّالّ بحسب الظّاهر على الفضل في الدّين، ليدعوه ادّعاؤه اندراجه فيه إلى الامتثال.
و الحاصل أنّه لو لم يكن المقصود في الآية، الإشعار بكون أبي بكر غير ذي فضل بحسب الدّين، لزم الاستدراك بقوله- عزّ وجلّ-: «أولي الفضل»، وهو محال. فالواجب أن يكون هو لذلك الإشعار. وظهر أن حبّ أبي بكر، أعمى وأصمّ ذلك الفاضل بحسبه.
وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ.
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ العفائف الْغافِلاتِ ممّا قذفن به الْمُؤْمِناتِ باللّه وبرسوله، استباحة لعرضهنّ وطعنا في الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- والمؤمنين لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ: أبعدوا عن الرّحمة في الدّارين، كما طعنوا فيهنّ.
وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ : لعظم ذنوبهم.و قيل : هو حكم كلّ قاذف، ما لم يتب.
و قيل : مخصوص بمن قذف أزواج النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله.
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ:
ظرف لما في «لهم»، من معنى الاستقرار لا للعذاب، لأنّه موصوف.
و قرأ حمزة والكسائيّ بالياء، للفصل .
أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ : يعترفون بها بإنطاق اللّه إيّاها بغير اختيارهم، أو بظهور آثاره عليها.
و في ذلك مزيد تهويل للعذاب.
و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمد بن سالم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: ونزل بالمدينة : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
فبرّأه اللّه ما كان مقيما على الفرية من أن يسمّى بالإيمان. قال اللّه - عزّ وجلّ-: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ.
و جعله اللّه- عزّ وجلّ- منافقا. قال اللّه - عزّ وجلّ-: إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ.
و جعله- عزّ وجلّ- من أولياء إبليس، قال : إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ.
و جعله ملعونا، فقال:إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.
و ليست تشهد الجوارح على مؤمن. إنّما تشهد على من حقّت عليه كلمة العذاب. فأمّا المؤمن، فيعطى كتابه بيمينه. قال اللّه - عزّ وجلّ-: فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا
.
و في مصباح الشّريعة: قال الصّادق- عليه السّلام- في كلام طويل: واجعل ذهابك ومجيئك في طاعة اللّه والسّعي في رضاه. فإنّ حركاتك كلّها مكتوبة في صحيفتك. قال اللّه- عزّ وجلّ-: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ: جزاءهم المستحقّ.
وَ يَعْلَمُونَ لمعاينتهم الأمر أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ : الثّابت بذاته، الظّاهر ألوهيّته، لا يشاركه في ذلك غيره، ولا يقدر على الثّواب والعقاب سواه. أو: ذو الحقّ المبين، أي: العادل الظّاهر عدله. ومن كان هذا شأنه، ينتقم من الظّالم للمظلوم، لا محالة.
الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ، أي: الخبائث يتزوجن الخباث وبالعكس. وكذلك أهل الطّيب.
و في روضة الكافي : أحمد بن محمّد [بن أحمد] ، عن عليّ بن الحسين الميثميّ ، عن محمّد بن عبد اللّه، عن زرارة، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول الرجل من الشّيعة: أنتم الطّيّبون ونساؤكم الطّيّبات.
و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.
و في مجمع البيان : في معناه أقوال- إلى قوله:
الثّالث:
الخبيثات من النّساء للخبيثين من الرّجال. والخبيثون من الرّجال للخبيثات من النّساء. والطّيّبات من النّساء للطّيّبين من الرّجال. والطّيّبون من الرّجال للطّيّبات من النّساء. عن أبي مسلم والجبّائيّ. وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام. قالا: هي مثل قوله : الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً (الآية).
لأنّ أناسا همّوا أن يتزوّجوا منهنّ، فنهاهم اللّه عن ذلك، وكره ذلك لهم.
و قيل : إنّ الخبيثات من الكلم، للخبثين من الرّجال. والخبيثون من الرّجال، للخبيثات من الكلم. وكذلك أهل الطّيب.
و قيل : الخبيثات من السّيّئات للخبيثين من الرجال. والخبيثون من الرجال للخبيثات من السيئات. والطّيّبات من الحسنات للطّيّبين من الرّجال. والطيّبون من الرجال للطيّبات من الحسنات.
أُولئِكَ: [اهل بيت الرسول، أو الرسول وعائشة وصفوان، أو الطيّبون والطيّبات] مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ: ممّا يقوله الآفكون. أو: ممّا يقوله أو يعمله الخبيثون والخبيثات.
لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ : يعني في الجنّة.
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- حديث طويل، يقول فيه- وقد قام من مجلس معاوية وأصحابه، بعد أن ألقمهم الحجر-:
الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ. هم- واللّه، يا معاوية!- أنت وأصحابك هؤلاء وشيعتك. وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ. هم عليّ بن أبي طالب وأصحابه وشيعته.
و في كتاب الخصال ، عن عبد اللّه بن عمر وأبي هريرة، قالا: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إذا طاب قلب المرء، طاب جسده. وإذا خبث القلب، خبث الجسد.
قيل : ولقد برّأ اللّه- تعالى- أربعة بأربعة: برّأ يوسف- عليه السّلام- بشاهد من أهلها. وموسى- عليه السّلام- من قول اليهود فيه، بالحجر الّذي ذهب بثوبه. ومريم- عليها السّلام- بإنطاق ولدها. وعائشة بهذه الآيات الكريمة مع هذه المبالغات. وما ذلك إلّا لإظهار منصب الرّسول، وإعلاء منزلته- صلّى اللّه عليه وآله.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ الّتي تسكنونها، فإن الآجر والمعير أيضا لا يدخلان إلّا بإذن.
حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا: تستأذنوا .
من الاستئناس بمعنى الاستعلام. من: آنس الشّيء: إذا أبصره. فإنّ المستأذن، مستعلم للحال، مستكشف أنّه هل يرد دخوله، أي يؤذن له؟ أو من الاستئناس الّذي هو خلاف الاستيحاش. فإنّ المستأذن، مستوحش خائف أن لا يؤذن له. فإذا أذن له، استأنس. أو: تتعرّفوا هل ثمّ إنسان من الإنس؟
وَ تُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها: بأن تقولوا: السّلام عليكم، أ أدخل؟
و عنه - صلّى اللّه عليه وآله-: التّسليم، أن يقول: السّلام عليكم أ أدخل؟ ثلاث مرّات. فإن أذن له، دخل، وإلّا، رجع.
و في كتاب معناى الأخبار : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد [بن الوليد قال: حدّثنا محمد بن الحسن الصّفّار، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، ومحسن بن أحمد، عن أبان الأحمر] عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها. قال: الاستئناس، وقع النّعل والتّسليم.
و في مجمع البيان : عن أبي أيّوب الأنصاريّ، قال: قلنا: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ما الاستئناس؟ قال: يتكلّم الرّجل بالتّسبيحة والتّحميدة والتّكبيرة، يتنحنح على أهل البيت.
و عن سهل بن سعيد ، قال: اطّلع رجل في حجرة من حجر رسول اللّه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله- ومعه مدريّ يحكّ به رأسه-: لو أعلم أنّك تنظر، لطعنت به
في عينيك. إنّما الاستئذان من النّظر.
و روي أنّ رجلا قال للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أستأذن على أمّي؟ فقال:
نعم. قال: إنّها ليس لها خادم غيري، أ فأستأذن عليها كلّما دخلت؟ قال: أ تحبّ أن تراها عريانة؟ قال الرّجل: لا قال: فاستأذن عليها.
و روي أنّ رجلا أستأذن على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فتنحنح. فقال- صلّى اللّه عليه وآله- لامرأة- يقال لها روضة-: قومي إلى هذا، فعلّميه وقولي له:
قل: السّلام عليكم، أدخل؟ فسمعها الرّجل، فقالها. فقال: ادخل.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني عليّ بن الحسين قال: حدّثني أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، [عن أبان، عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الاستئناس، وقع النّعل والتّسليم.
و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن] هارون بن الجهم عن جعفر [بن عمر] عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: نهى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن يدخل الرّجل على النّساء، إلّا بإذن أوليائهنّ.
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: يستأذن الرّجل إذا دخل على أبيه. ولا يستأذن الأب على الابن. قال: ويستأذن الرّجل على ابنته وأخته إذا كانتا متزوّجتين.
أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن محمّد بن عليّ الحلبيّ قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: الرّجل يستأذن على أبيه؟ فقال: نعم. وقد كنت أستأذن على أبي، وليست أمّي عنده، وإنّما هي امرأة أبي. توفّيت أمّي وأنا غلام. وقد يكون من خلوتهما مالا أحبّ أن أفاجئهما عليه، ولا يحبّان ذلك منّي. والسّلام أصوب وأحسن.
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن إسماعيل بن مهران، عن عبيد بن
معاوية بن شريح، عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، [عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام-] عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ، قال: خرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يريد فاطمة- عليها السّلام- وأنا معه.
فلمّا انتهيت إلى الباب، وضع يده عليه، فدفعه. ثمّ قال: السّلام عليكم. فقالت فاطمة:
عليك السّلام يا رسول اللّه.
قال: أدخل؟ قال: قالت: ادخل يا رسول اللّه.
قال: أدخل أنا ومن معي؟ قالت: يا رسول اللّه، ليس عليّ قناع.
فقال: يا فاطمة، خذي فضل مفحفتك، فقنّعي به رأسك. ففعلت، ثمّ قال: السّلام عليكم. فقالت فاطمة: وعليك السّلام يا رسول اللّه.
قال: أدخل؟ قالت: نعم، يا رسول اللّه.
قال: أنا ومن معي؟ قالت: ومن معك.
قال جابر: فدخل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ودخلت. فإذا وجه فاطمة- عليهما السّلام- اصفر، كأنّه بطن جرادة.
فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: مالي أرى وجهك اصفر؟ قالت: يا رسول اللّه، الجوع! فقال- صلّى اللّه عليه وآله-: اللّهم مشبع الجوعة ودافع الضيعة، أشبع فاطمة بنت محمّد.
قال جابر: فو اللّه لنظرت إلى الدّم ينحدر من قصاصها، حتّى عاد وجهها أحمر. فما جاعت بعد ذلك اليوم.
و في من لا يحضره الفقيه : وروي عن جرّاح المدائنيّ قال سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن دار فيها ثلاث أبيات، وليس لهنّ حجر. قال: إنّما الإذن على البيوت. ليس على الدّار إذن.
ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ، أي: الاستئذان والتّسليم خير لكم من أن تدخلوا بغتة، أو على تحيّة الجاهليّة.
كان الرّجل منهم إذا دخل بيتا غير بيته، قال: «حيّيتم صباحا، وحيّيتم مساء»و دخل. فربّما أصاب الرّجل مع امرأته [في لحاف] .
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ :
متعلّق بمحذوف، أي: أنزل عليكم. أو: قيل لكم هذا، إرادة أن تذكّروا، وتعملوا بما هو أصلح لكم.
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً يأذن لكم، فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ: حتّى يأتي من يأذن لكم.
فإنّ المانع من الدّخول ليس الاطّلاع على العورات فقط، بل وعلى ما يخفيه النّاس عادة. مع أنّ التّصرف في ملك الغير بغير إذنه محظور واستثني ما إذا عرض فيه حرق أو غرق، أو كان فيه منكر ونحوها.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ أدّب اللّه- عزّ وجلّ- خلقه فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ- إلى قوله:- فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ. قال:
معناه: فإنّ لم تجدوا فيها أحدا يأذن لكم، فلا تدخلوها حتّى يؤذن لكم.
وَ إِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ولا تلحّوا.
هُوَ أَزْكى لَكُمْ: الرّجوع أطهر لكم، عمّا لا يخلو الإلحاح والوقوف على الباب عنه، من الكراهة وترك المروءة. أو: أنفع لدينكم ودنياكم.
وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ : فيعلم ما تأتون وما تذرون ممّا خوطبتم به، فيجازيكم عليه.
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ، كالرّبط والخانات والحوانيت.
فِيها مَتاعٌ: استمتاع لَكُمْ، كالاستكنان من الحرّ والبرد، وإيواء الأمتعة والجلوس للمعاملة.
و ذلك استثناء من الحكم السّابق، لشموله البيوت المسكونة وغيرها.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ رخّص اللّه- تعالى- فقال: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ.
قال الصّادق- عليه السّلام-: هيالحمّامات والخانات والأرحية، تدخلها بغير إذن.
وَ اللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ :
و عيد لمن دخل مدخلا لفساد، أو تطّلع على عورات.
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ: أي ما يكون نحو محرّم.
وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ إلّا على أزواجهم، أو ما ملكت أيمانهم.
و لمّا كان المستثنى منه كالشّاذّ النّادر- بخلاف الغضّ- أطلقه، وقيدّ الغضّ بحرف التّبعيض.
و قيل : حفظ الفروج هاهنا خاصّة سترها.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ.
فإنّه حدّثني أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه قال: كلّ آية في القرآن في ذكر الفروج، فهو من الزّنا، إلّا هذه الآية، فإنّها من النّظر.
و في من لا يحضره الفقيه : قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في وصيّة لابنه محمّد بن الحنفيّة: وفرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرّم اللّه- عزّ وجلّ- عليه. فقال- عزّ من قائل-: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ فحرّم أن ينظر أحد إلى فرج غيره.
و في كتاب الخصال : عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: ما للرّجل أن يرى من المرأة إذا لم تكن له بمحرم؟ قال: الوجه والكفّين والقدمين.
و فيه : وقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: يا عليّ، أوّل نظرة لك. والثّانية عليك، لا لك.
و فيه أيضا فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه:
ليس في البدن شيء أقلّ شكرا من العين. فلا تعطوها سؤلها، فتشغلكم عن ذكر اللّه.
إذا تعرّى الرّجل نظر الشّيطان إليه، وطمع فيه، فاستتروا.
ليس للرّجل أن يكشف ثيابه عن فخذيه ويجلس بين قوم.
لكم أوّل نظرة إلى المرأة، فلا تتبعوها بنظرة أخرى واحذروا الفتنة.
إذا أحدكم امرأة تعجبه، فليأت أهله، فإنّ عند أهله مثل ما رأى. ولا يجعلنّ للشّيطان إلى قلبه سبيلا. وليصرف بصره عنها. فإذا لم تكن له زوجة، فليصلّ ركعتين، ويحمد اللّه كثيرا، ويصلّي على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ثمّ يسأل اللّه من فضله.
فإنّه يبيح له برأفته وبرحمته ما يغنيه.
عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: كلّ عين باكية يوم القيامة، إلّا ثلاث أعين: عين بكت من خشية اللّه، وعين غضّت عن محارم اللّه، وعين باتت ساهرة في سبيل اللّه.
عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- ، قال: أربعة لا يشبعن من أربعة: الأرض من المطر، والعين من النّظر (الحديث).
عن الحسين بن عليّ ، قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- للشّاميّ الّذي سأله عن المسائل في جامع الكوفة: أربعة لا يشبعن من أربعة- وذكر كالسّابق.
عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من سلم من نساء أمّتي من أربع خصال، فلها الجنّة: إذا حفظت ما بين رجليها، وأطاعت زوجها، وصلّت خمسها، وصامت شهرها.
و في قرب الإسناد للحميريّ : أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال: سألت الرّضا- عليه السّلام- عن الرّجل، أ يحلّ له أن ينظر إلى شعر أخت امرأته؟ فقال: لا، إلّا أن تكون من القواعد. قلت له: أخت امرأته والغريبة سواء؟ قال: نعم. قلت: فما لي النّظر إليه منها؟فقال: شعرها وذراعها.
و قال : إنّ أبا جعفر مرّ بامرأة محرمة، وقد استترت بمروحة على وجهها. فأماط المروحة بقضيبه عن وجهها.
و بإسناده إلى عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى- عليه السّلام- قال: سألته عن الرّجل، ما يصلح له أن ينظر إليه من المرأة الّتي لا تحلّ له؟ قال: الوجه والكفّ وموضع السّوار.
و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن سويد قال: قلت لأبي الحسن- عليه السّلام-: إنّي مبتلى بالنّظر إلى المرأة الجميلة، يعجبني النّظر إليها. فقال لي: يا عليّ! لا بأس إذا عرف اللّه من نيّتك الصّدق. وإيّاك والزّنا، فإنّه يمحق البركة ويهلك الدّين.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن النّوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لا حرمة لنساء أهل الذّمّة، أن ينظر إلى شعورهنّ وأيديهنّ.
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن مروك بن عبيد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: ما يحلّ للرّجل أن يرى من المرأة إذا لم تكن محرما؟ قال: الوجه والكفّان والقدمان.
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبّاد بن صهيب قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: لا بأس بالنّظر إلى رؤوس أهل تهامة والأعراب وأهل السّواد والعلوج، لأنّهم إذا نهوا لا ينتهون . قال: والمجنونة والمغلوبةعلى عقلها. ولا بأس بالنّظر إلى شعرها وجسدها، ما لم يتعمّد ذلك.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن [أبي] أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن الرّجل يريد أن يتزوّج المرأة، أ ينظر إليها؟ قال: نعم، إنّما يشتريها بأغلى الثّمن.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم وحمّاد بن عثمان وحفص بن البختريّ، كلّهم عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لا بأس بأن ينظر الرّجل إلى وجهها ومعاصمها، إذا أراد أن يتزوّجها.
أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن الحسن [بن عليّ] السّريّ قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: الرّجل يريد أن يتزوج المرأة، يتأمّلها وينظر إلى حلقها وإلى وجهها؟ قال: لا بأس بأن ينظر الرّجل إلى المرأة، إذا أراد أن يتزوّجها، ينظر إلى حلقها وإلى وجهها.
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن الفضل، عن أبيه، عن رجل عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-، قال: قلت له: أ ينظر الرّجل إلى المرأة، يريد تزويجها، فينظر إلى شعرها ومحاسنها؟ قال: لا بأس بذلك، إذا لم يكن متلذّذا.
محمّد بن يحيى ، عن أحمد وعبد اللّه ابني محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه، قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن المملوك، يرى شعر مولاته؟ قال: لا بأس.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: المملوك يرى شعر مولاته وساقها؟ قال: لا بأس.محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن يونس [بن عمّار ويونس] بن يعقوب، جميعا عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لا يحلّ للمرأة أن ينظر عبدها إلى شيء من جسدها، إلّا إلى شعرها، غير متعمّد لذلك.
و في رواية أخرى: لا بأس أن ينظر إلى شعرها، إذا كان مأمونا.
ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ: أنفع لكم، أو أطهر لما فيه من البعد عن الرّيبة.
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ لا يخفى عليه إجالة أبصارهم، واستعمال سائر حواسّهم، وتحريك جوارحهم، وما يقصدون بها. فليكونوا على حذر منه في كلّ حركة وسكون.
و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن سعد الإسكاف، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: استقبل شابّ من الأنصار امرأة بالمدينة، وكان النّساء يتقنّعن خلف آذانهنّ. فنظر إليها وهي مقبلة. فلمّا جاوزت نظر إليها ودخل في زقاق قد سمّاه ببني فلان. فجعل ينظر خلفها واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة، فشقّ وجهه.
فلمّا مضت المراة، نظر. فإذا الدّماء تسيل على ثوبه وصدره . فقال: واللّه لآتينّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ولأخبرنّه.
قال: فأتاه. فلمّا رآه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال له: ما هذا؟ فأخبره. فهبط جبرئيل- عليه السّلام- بهذه الآية: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ، ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ.
وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ فلا ينظرن إلى ما لا يحلّ لهنّ النّظر إليه من الرّجال، وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ بالتّستّر، أو بالتّحفّظ عن الزّنا.
و تقديم الغضّ، لأنّ النّظر يريد الزّنا.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن
بريد قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا قال فيه- عليه السّلام- بعد أن قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- فرض الإيمان على جوارح ابن آدم، وقسّمه عليها، وفرّقه فيها:
و فرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرّم اللّه عليه، وأن يعرض عمّا نهى اللّه عنه، ممّا لا يحلّ له. وهو عمله، وهو من الإيمان. فقال- تبارك وتعالى-: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ. فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم، وأن ينظر المرء إلى فرج أخيه، ويحفظ فرجه أن ينظر إليه. وقال: وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ من أن تنظر إحداهنّ إلى فرج أختها، وتحفظ فرجها من أن ينظر إليها.
و قال: كلّ شيء في القرآن من حفظ الفرج، فهو من الزّنا، إلّا هذه الآية، فإنّها من النّظر.
و في جوامع الجامع : وعن أمّ سلمة- رضي اللّه عنها- قالت: كنت عند النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وعنده ميمونة. فأقبل ابن أمّ مكتوم، وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب. فقال: احتجبا! فقلنا: يا رسول اللّه! أليس أعمى لا يبصرنا!؟ فقال:
أ فعمياوان أنتما!؟ أ لستما تبصرانه!؟
وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها:
الظّاهر أنّ المراد بزينتهنّ ما يزيّنهنّ. وهو مجموع الحليّ والثّياب ومواضعها. فالمعنى:
و لا يبدين زينتهنّ إلّا ما ظهر منها، وهو الحليّ والثّياب. فالمحرّم إبداء مواضع الحليّ والثّياب، والمحلّل إبداؤهما.
و في الكافي : أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد والحسن بن سعيد، عن القاسم بن عروة، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- تبارك وتعالى-: إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها قال: الزّينة الظّاهرة، الكحل والخاتم.
الحسين بن محمّد ، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، [عن أبي بصير] ،
عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها. قال: الخاتم والمسكة وهي القلب .
و في جوامع الجامع : فالظّاهرة لا يجب سترها، وهي الثّياب- إلى قوله:- و
عنهم- عليهم السّلام-: الكفّان والأصابع.
و في مجمع البيان : وفي تفسير عليّ بن إبراهيم: الكفّان والأصابع.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها: فهي الثّياب والكحل والخاتم وخضاب الكفّ والسّوار. والزّينة ثلاث: زينة للنّاس، وزينة للمحرم، وزينة للزّوج. فأمّا زينة النّاس، فقد ذكرناها. وأمّا زينة المحرم، فموضع القلادة فما فوقها، والّدملج وما دونه، والخلخال وما أسفل منه. وأمّا زينة الزّوج، فالجسد كلّه.
وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ سترا لأعناقهنّ.
وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ:
كرّره للتّأكيد لبيان [من يحلّ له الإبداء، ومن لا يحلّ له.
إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ، فإنّهم المقصودون بالزّينة. ولهم أن ينظروا إلى] جميع بدنهنّ، حتّى الفرج.
و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد [بن عيسى] عن ابن محبوب، عن جميل [بن دراج] عن الفضيل [بن يسار] ، قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن الذراعين من المرأة، أ هما من الزّينة التّي قال اللّه- تعالى-: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ. قال: نعم. وما دون الخمار من الزّينة، وما دون السّوارين.
و في مجمع البيان ، إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ، أي: أزواجهنّ. يبدين مواضع زينتهنّ لهم، استدعاء لميلهم، وتحريكا لشهوتهم.
فقد روي أنّه- صلّى اللّه عليه وآله- لعن السّلتاء
من النّساء والمرهاء.
فالسّلتاء الّتي لا تختضب. والمرهاء الّتي لا تكتحل. ولعن- عليه السّلام- المسوّفة والمفسّلة . فالمسوّفة التّي إذا دعاها زوجها إلى المباشرة، قالت: سوف أفعل. والمفسّلة، هي الّتي إذا دعاها، قالت: أنا حائض، وهي غير حائض.
أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ:
و هؤلاء الّذين يحرم عليهم نكاحهنّ، فهم ذوو محارم لهنّ بالأسباب والأنساب ويدخل أجداد البعولة فيه، وإن علوا، وأحفادهم، وإن سفلوا. يجوز الزّينة لهم من غير استدعاء لشهوتهم. ويجوز لهم تعمّد النّظر من غير تلذّذ.
أَوْ نِسائِهِنَّ:
يعني المؤمنات، فإنّ الكافرات لا يتحرّجن عن وصفهنّ للرّجال.
أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ:
المراد بها الإماء.
و في مجمع البيان : أَوْ نِسائِهِنَّ. يعني النّساء المؤمنات. ولا يحلّ لها أن تتجرّد ليهوديّة أو نصرانيّة أو مجوسيّة، إلّا إذا كانت أمة. وهو معنى قوله: أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ، أي من الإماء.
عن ابن جريح ومجاهد والحسن وسعيد بن المسيّب، قالوا : ولا يحلّ للعبد أن ينظر إلى شعر مولاته.
و قيل :
معناه العبيد والإماء. وروي ذلك عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام.
قال الجبّائي : أراد مملوكا لهم ، لم يبلغ مبلغ الرّجال.
و في من لا يحضره الفقيه : وروى حفص بن البختريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لا ينبغي للمرأة أن تنكشف بين يدي اليهوديّة والنّصرانيّة، فإنّهنّ يصفن ذلك لأزواجهنّ.
أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ: أي أولي الحاجة إلى النّساء، وهمالشّيوخ الهمّ.
و قيل : البله الّذين يتبعون النّاس لفضل طعامهم، ولا يعرفون شيئا من أمور النّساء.
و قرأ ابن عامر وأبو بكر: «غير» بالنّصب، على الحال.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وأما قوله- عزّ وجلّ-: أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ فهو الشّيخ [الكبير] الفاني الّذي لا حاجة له في النّساء.
و في مجمع البيان : أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ. اختلف في معناه.
فقيل:
التّابع، الّذي يتبعك لينال من طعامك، ولا حاجة له في النّساء. وهو الأبله المولّى عليه. عن ابن عبّاس وقتادة وسعيد بن جبير. وهو المرويّ عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام.
و في الكافي : حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد، عن غير واحد، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألته عن أولي الإربة من الرّجال. قال:
الأحمق المولّى عليه، الّذي لا يأتي النّساء.
الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد، وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: كان بالمدينة رجلان، يسمّى أحدهما هيت والآخر مانع. فقالا لرجل- ورسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يسمع-: إذا افتتحتم الطّائف- إن شاء اللّه تعالى- فعليك بابنة غيلان الثّقفيّة، فإنّها شموع نجلاء مبتّلة هيفاء شنباء. إذا جلست تثنّت.
و إذا تكلّمت غنّت. تقبل بأربع وتدبر بثمان . بين رجليها مثل القدح.فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: لا أراكما من أولي الإربة من الرّجال! فأمر بهما رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فغرّب بهما إلى مكان يقال له «العرايا». فكانا يتسوّفان في كلّ جمعة.
أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ لعدم تمييزهم. من الظّهور بمعنى الاطّلاع. أو: لعدم بلوغهم حدّ الشّهوة. من الظّهور بمعنى الغلبة.
و الطّفل وضع موضع الجمع، اكتفاء بدلالة الوصف.
وَ لا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ: لتقعقع خلخالها، ليعلم أنّها ذات خلخال، فإنّ ذلك يورث ميلا في الرّجال.
و هو أبلغ من النّهي عن إظهار الزّينة، وأدلّ على المنع من رفع الصّوت.
و قيل : معناه: ولا تضرب المرأة برجلها إذا مشت، لتبيّن خلخالها، أو يسمع صوته.
وَ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، إذ لا يخلو أحد منكم من تفريط سيّما في الكفّ [عن الشّهوات.
و قيل : توبوا ممّا كنتم تفعلونه في الجاهليّة. فإنّه- وإن جبّ بالإسلام- لكن يجب النّدم عليه، والعزم على الكفّ] عنه كلّما يتذكّر.
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ بسعادة الدّارين.
و في مجمع البيان : وفي الحديث أنّه- عليه السّلام- قال: أيّها النّاس! توبوا إلى ربّكم! فإنّي أتوب إلى اللّه في كلّ يوم مائة مرّة. أورده مسلم في الصّحيح.
و المراد بالتّوبة، الانقطاع إلى اللّه.
وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ:
لمّا نهى عمّا عسى أن يفضي إلى السّفاح المخلّ بالنّسب، المتقضي للإلفة وحسنالتّربية ومزيد الشّفقة المؤدّية إلى بقاء النّوع، بعد الزّجر عنه مبالغة فيه، أمر بالنّكاح الحافظ له. والخطاب للأولياء.
و «أيامى»: مقلوب «أيايم»- كيتامى - جمع أيم. وهو العزب ذكرا كان أو أنثى، بكرا أو ثيّبا.
و المعنى: تزوّجوا أيّها المؤمنون من لا زوج له، من أحرار رجالكم ونسائكم. وهذا أمر ندب واستحباب.
و في مجمع البيان : وقد صحّ عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: من أحبّ فطرتي، فليستنّ بسنّتي. ومن سنّتي النّكاح.
و قال - صلّى اللّه عليه وآله-: يا معشر الشّباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوّج. فإنّه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع، فعليه بالصّوم. فإنّه له وجاء .
و روى عطاء بن السّائب ، عن سعيد بن جبير قال: لقيني ابن عبّاس في حجّة حجّها. فقال: هل تزوّجت؟ قلت: لا. قال: فتزوّج.
قال: فلقيني في العام المقبل. فقال: هل تزوّجت؟ قلت: لا. فقال: اذهب وتزوّج.
فإنّ خير هذه الأمّة كان أكثرها نساء. يعني النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله.
و عن أبي هريرة قال: لو لم يبق من الدّنيا إلّا يوم واحد، للقيت اللّه بزوجة.
سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: شرار موتاكم عزّابكم.
و قال - صلّى اللّه عليه وآله-: من أدرك له ولد، وعنده ما يزوّجه، فلم يزوّجه، فأحدث، فالإثم بينهما.
و عن أبي أمامة ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أربع لعنهم اللّه من فوقعرشه، وأمّنت عليه ملائكة: الّذي يحصر نفسه، فلا يتزّوج ولا يتسرّى، لئلّا يولد له.
و الرّجل يتشبّه بالنّساء، وقد خلقه اللّه ذكرا. والمرأة تتشبّه بالرّجال وقد خلقها [اللّه] أنثى. ومضلّل النّاس، يريد الّذي يهزأ بهم، يقول للمسكين: هلمّ أعطك! فإذا جاء، يقول: ليس معي شيء. ويقول للمكفوف: اتّق الدّابّة! وليس بين يديه شيء. والرّجل يسأل عن دار القوم، فيضلّله.
و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن أبي القدّاح قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ركعتان يصلّيهما المتزوّج، أفضل من سبعين ركعة يصلّيها الأعزب.
عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- مثله.
عليّ بن محمّد بن بندار ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الجامورانيّ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن كليب بن معاوية الأسديّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:
قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من تزوّج، أحرز نصف دينه.
و في حديث آخر: فليتّق اللّه في النّصف الآخر، أو الباقي.
و عنه ، عن محمّد بن عليّ، عن عبد الرحمن بن خالد، عن محمّد الأصمّ ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: رذال موتاكم العزّاب.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا لقي يوسف- عليه السّلام- أخاه، قال: يا أخي، كيف استطعت أن تتزوّج النّساء بعدي؟ قال: أبي أمرني، قال: إن استطعت أن يكون
لك ذرّيّة، تثقل الأرض بالتّسبيح، فافعل.
و في كتاب الخصال : قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أربع من سنن المرسلين: العطر، والنّساء، والسّواك، والحنّاء.
و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من أخباره المجموعة: وبإسناده قال: قال عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: للمرأة عشر عورات.
فإذا زوّجت ، سترت لها عورة. وإذا ماتت، تستر عوراتها كلّها.
وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ: وزوّجوا المستورين من عبيدكم وولائدكم .
و خصّصهم، لأنّ إحصانهم دينهم والاهتمام بشأنهم، أهمّ.
و قيل : المراد: الصّالحون للّنكاح، والقيام بحقوقه.
و قيل : معنى الصّلاح هاهنا الإيمان.
إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ:
ردّ لما عسى أن يمنع النّكاح. والمعنى: لا يمنع فقر الخاطب أو المخطوبة من النّكاح، فإنّ في فضل اللّه، غنية عن المال، فإنّه غاد ورائح.
ففي الكافي : عنه، عن الجامورانيّ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن محمّد بن يوسف التّميميّ، عن محمّد بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من ترك التّزويج مخافة العيلة، فقد أساء ظنّه باللّه- عزّ وجلّ-. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن حريز، عن وليد بن صبيح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-، قال: من ترك التّزويج مخافة العيلة، فقد أساء الظّنّ باللّه.و في من لا يحضره الفقيه : روي عن محمّد بن أبي عمير، عن حريز، عن الوليد قال:
قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: من ترك التّزويج مخافة الفقر، فقد أساء الظّنّ باللّه- عزّ وجلّ. إنّ اللّه يقول: إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.
ففي الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه الجامورانيّ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن عبد المؤمن ، عن إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: الحديث الّذي يرويه النّاس حقّ؟ أنّ رجلا إنّي النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فشكا إليه الحاجة. فأمره بالتّزويج. ففعل. ثمّ أتاه، فشكا إليه الحاجة. فأمره بالتّزويج. حتّى أمره ثلاث مرّات فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: نعم، هو حقّ. ثمّ قال: الرّزق مع النّساء والعيال.
محمّد بن يحيى ، عن أحمد وعبد اللّه ابني محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: جاء رجل إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فشكا إليه الحاجة. فقال: تزوّج. فتزوّج، فوسّع عليه.
عليّ بن إبراهيم [عن أبيه] ، عن صالح بن السّندي، عن جعفر بن بشير، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أتى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- شابّ من الأنصار فشكا إليه الحاجة. فقال له: تزوّج. فقال الشّابّ: إنّي لأستحيي أن أعود إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله.
فلحقه رجل من الأنصار فقال: إنّ لي بنتا وسيمة . فزوّجها إيّاه، فوسّع اللّه عليه.
فأتى الشّابّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فأخبره. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا معشر الشّبابّ! عليكم بالباه .
عليّ بن محمّد بن بندار وغيره، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقيّ، عن ابن فضّال وجعفر بن محمّد، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:
جاء رجل إلى أبي- عليه السّلام- فقال له: هل لك زوجة؟ فقال: لا.
فقال أبي- عليه السّلام-: وما أحبّ أنّ لي الدّنيا وما فيها وانّى بتّ ليلة وليست لي زوجة.
ثمّ قال: الرّكعتان يصلّيهما رجل متزوّج، أفضل من رجل أعزب، يقوم ليله ويصوم نهاره. ثمّ أعطاه أبي سبعة دنانير. ثمّ قال له: تزوّج بهذه.
ثمّ قال أبي: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: اتّخذوا الأهل، فإنّه أرزق لكم.
وَ اللَّهُ واسِعٌ: ذو سعة لا تنفد نعمته، إذ لا تنتهي قدرته عَلِيمٌ يبسط الرّزق ويقدر ، على ما تقتضيه حكمته.
و في الكافي بإسناده إلى عاصم بن حميد، قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام. فأتاه رجل، فشكا إليه الحاجة. فأمره بالتّزويج.
قال: فاشتدّت به الحاجة. فأتى أبا عبد اللّه- عليه السّلام- فسأله عن حاله. فقال له: اشتدّت بي الحاجة. قال: ففارق.
ثمّ أتاه. فسأله عن حاله. فقال: أثريت وحسن حالي. فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّي أمرتك بأمرين أمر اللّه بهما. قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ- إلى قوله:- وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ. وقال : إِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ.
و اعلم أنّ التّكافؤ الّذي اشترط في التّزويج، هو التّكافؤ في أصل الإيمان، ولا يشترط التّكافؤ في سواه.
ففي الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن عمر بن أبي بكار، عن أبي بكر الحضرميّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- زوّج مقداد بن الأسود ضباعة بنت الزّبير بن عبد المطّلب. وإنّما زوّجه لتتّضع المناكح، وليتأسّوا برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وليعلموا أن أكرمهم عند الله أتقاهم.عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: انّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- زوّج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزّبير بن عبد المطّلب. ثمّ قال:
إنّما زوّجها المقداد، لتتّضع المناكح، وليتأسّوا برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ولتعلموا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ. وكان الزّبير أخا عبد اللّه وأبي طالب لأبيهما وأمّهما.
و في تهذيب الأحكام : عليّ بن الحسن بن فضّال، عن محمّد بن عبد اللّه، عن محمّد بن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- زوّج ضبيعة بنت الزّبير بن عبد المطّلب من مقداد بن الأسود.
فتكلّمت في ذلك بنو هاشم. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّي إنّما أردت أن تتّضع المناكح.
و يستحبّ أن يختار من النّساء ما يدلّ عليه الأخبار:
ففي كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى محمّد بن طلحة الصّيرفيّ، قال: سمعت أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- يقول: سمعت أبي يحدّث عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إيّاكم وخضراء الدّمن ! قيل: يا رسول اللّه، وما خضراء الدّمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السّوء .
حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل- رحمه اللّه- قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميريّ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم الكرخيّ قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: إن صاحبتي هلكت وكانت لي موافقة، وقد هممت أن أتزوّج. فقال: انظر أين تضع نفسك، ومن تشركه في مالك، وتطلعه على دينك وسرّك وأمانتك. فإن كنت لا بدّ فاعلا، فبكرا تنسب إلى الخير وإلى حسن الخلق. ألا إنّ النّساء خلقن شتّى فمنهنّ الغنيمة والغرام
ومنهنّ الهلال إذا تجلّى لصاحبه ومنهنّ الظلام
فمن يظفر بصالحهنّ يسعد ومن يغبن فليس له انتقام
وهنّ ثلاث: فامرأة ولود ودود، تعين زوجها على دهره لدنياه ولآخرته، ولا تعين الدّهر عليه. وامرأة عقيم، لا ذات جمال ولا خلق، ولا تعين زوجها على خير. وامرأة صخّابة ولّاجة همّازة ، تستقلّ الكثير، ولا تقبل اليسير.
و في كتاب الخصال ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: النّساء أربع: جامع مجمع، وربيع مربع، وكرب مقمع، وغلّ قمل .
و بإسناده إلى زيد بن ثابت، قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا زيد، تزوّجت؟ قال: قلت: لا. قال: تزوّج، تستعفّ مع عفّتك. ولا تتزوّجنّ خسما. قال زيد: من هنّ يا رسول اللّه؟ فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:
لا تتزوّجنّ شهبرة، ولا لهبرة، ولا نهبرة، ولا هيدرة، ولا لفوتا.
فقال زيد: يا رسول اللّه، ما عرفت ممّا قلت شيئا، وإنّي بأمرهنّ لجاهل. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:
ألستم عربا!؟ أمّا الشّهبرة، فالزّرقاء البذيئة. وأمّا اللّهبرة، فالطّويلة المهزولة. وأما النّهبرة، فالقصيرة الدّميمة. وأما الهيدرة، فالعجوز المدبرة. وأمّا اللّفوت، فذات الولد من غيرك.
و بإسناده إلى عبد الأعلى مولى آل سالم عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:
قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: تزوّجوا الأبكار، فإنّهنّ أطيب شيء أفواها، وأدرّ شيء أخلافا، وأفتح شيء أرحاما. أما علمتم أنّي أباهي بكم الأمم يوم القيامة؟ حتّى بالسّقط. يظلّ محبنطئا على باب الجنّة، فيقول اللّه- عزّ وجلّ- له: ادخل الجنة فيقول: لا، حتّى يدخل أبواي قبلي.
فيقول اللّه- عزّ وجلّ- لملك من الملائكة: ائتني بأبويه. فيأمر بهما إلى الجنّة، فيقول: هذا بفضل رحمتي لك.
و يستحبّ تزويج المسلم:
ففي كتاب الخصال ، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال: ثلاثة يستظلّون بظلّ عرش اللّه [يوم القيامة] يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: رجل زوّج أخاه المسلم، أو أخدمه، أو كتم له سرّا.
عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أربعة ينظر اللّه- تعالى- إليهم يوم القيامة: من أقال نادما، أو أغاث لهفان، أو أعتق نسمة، أو زوّج عزبا.
وَ لْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً:
قيل : أي: وليجتهد في العفّة وقمع الشّهوة، الّذين لا يجدون أسباب النّكاح.
حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فيجدوا أسبابه.
و في الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن بعض أصحابه، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية قال: يتزوّجوا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.
فعلى هذه الرّواية، الاستعفاف طلب العفّة بالتزوّج. ومعنى لا يَجِدُونَ نِكاحاً ما ينكح به من المهر والنّفقة، فليتزوّجوا بما في الذّمّة حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ: المكاتبة.
و هو أن يقول الرّجل لمملوكه: «كاتبتك على كذا». من الكتاب، لأنّ السّيّد كتب على نفسه عتقه إذا أدّى المال. أو لأنّه ممّا يكتب لتأجيله. أو من الكتب، بمعنى الجمع، لأنّ العوض يكون فيه منجما بنجوم يضمّ بعضها إلى بعض.
مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ عبدا كان أو أمة. والموصول مع الصّلة مبتدأ خبره:
فَكاتِبُوهُمْ، أو مفعول لمضمر هذا تفسيره. والفاء لتضمّنه معنى الشّرط. وهذا أمر ندب واستحباب عند معظم الفقهاء.
و قيل»
: أمر حتم وإيجاب، إذا طلبه العبد، [و علم فيه الخير.
و المكاتبة ضربان: مطلق ومشروط.
فالمشروط أن يقول لعبده في حال الكتابة: متى عجزت عن أداء ثمنك، كنت] مردودا في الرّقّ. فإن كان كذلك، جاز له ردّه في الرّقّ عند العجز.
و المطلق ينعتق منه عند العجز بحساب ما أدّى من المال، ويبقى مملوكا بحساب ما بقي عليه، ويرث ويورث بحساب ما عتق منه.
إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً: صلاحا وقدرة على اكتساب المال.
قيل : ولا يستحبّ أن يكاتب إذا لم يقدر على ذلك، ويذهب ويسأل النّاس، ويطعم مولاه أو ساخ أيديهم.
و في من لا يحضره الفقيه : روى العلاء ، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية قال: الخير أن يشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّدا رسول اللّه، ويكون بيده عمل يكتسب به، أو يكون له حرفة.
و في تهذيب الأحكام : الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً. قال: كاتبوهم إن علمتم لهم مالا.و في الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-:
إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً. قال: إن علمتم لهم دينا ومالا .
أقول: والمراد إن علمتم دينا، وجواز تحصيل مال.
و كذا ما رواه بإسناده إلى محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته عنها. قال: الخير إن علمت أنّ عنده مالا.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فيها. قال: كاتبوهم إن علمتم أنّ لهم مالا.
يدلّ على ما ذكرنا ما رواه محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة، عن سماعة قال: سألته- عليه السّلام- عن العبد يكاتبه مولاه، وهو يعلم أنّه ليس له قليل ولا كثير . قال: يكاتبه وإن كان يسأل النّاس. ولا يمنعه المكاتبة من أجل أن ليس له مال.
فإنّ اللّه يرزق بعضهم من بعض. والمؤمن معان. ويقال: المحسن معان.
وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ:
قيل : أمر للموالي كما قبله بأن يبذلوا لهم شيئا من أموالهم. وفي معناه حطّ شيء من مال الكتابة.
و قيل : ندب لهم إلى الإنفاق عليهم، بعد أن يؤدّوا ويعتقوا.
و قيل : أمر لعامّة المسلمين بإعانة المكاتبين وإعطائهم سهمهم من الزّكاة.
و من قال إنّه خطاب للموالي، فأكثرهم على أنّ الأمر للوجوب. واختلفوا في قدر ما يجب فقيل : يكفي أقلّ ما يتموّل.
و قيل : يحطّ الرّبع. وقيل : الثّلث.و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن العلا بن الفضيل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال في قوله- عزّ وجلّ-: فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ. قال: تضع عنه من نجومه الّتي لم تكن تريد أن تنقصه منها، ولا تزيد فوق ما في نفسك. فقلت: كم؟ فقال: وضع أبو جعفر- عليه السّلام- عن مملوك ألفا من ستّة آلاف.
و بإسناده عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ. قال: الّذي أضمرت أن تكاتبه عليه، لا تقول: أكاتبه بخمسة آلاف، وأترك له ألفا. ولكن انظر إلى الّذي أضمرت عليه، فأعطه.
و في من لا يحضره الفقيه : وروي عن القاسم بن سليمان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ.
قال: سمعت أبي يقول: لا يكاتبه على الّذي أراد أن يكاتبه، ثمّ يزيد عليه، ثمّ يضع عنه. ولكنّه يضع عنه ممّا نوى أن يكاتبه عليه.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ومعنى قوله وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ، قال: إذا كاتبتهم تجعل لهم من ذلك شيئا.
و في مجمع البيان : من قال إنّه خطاب للسّادة، اختلفوا في قدر ما يجب. فقيل:
يتقدّر بربع المال. عن الثّوريّ. وروي ذلك عن عليّ- عليه السّلام.
و الأظهر أنّ الأمر للندّب، كما في أصل الكتاب. واختلاف الأخبار، محمول على اختلاف مراتب الكمال.
وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ: على الزّنا.
قيل : كانت لعبد اللّه بن أبيّ ستّ جوار يكرههنّ على الزّنا، وضرب عليهنّ الضّرائب. فشكا بعضهنّ إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فنزلت.
إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً: تعفّفا.شرط للإكراه، فإنّه لا يوجد بدونه. وإن جعل شرطا للنّهي، لم يلزم من عدمه جواز الإكراه، لجواز أن يكون ارتفاع النّهي بامتناع المنهيّ عنه.
و إيثار «إن» على «إذا»، لأنّ إرادة التّحصّن من الإماء كالشّاذّ النّادر.
لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا: كسبهنّ وبيع أولادهنّ.
وَ مَنْ يُكْرِهْهُنَّ: يجبرهنّ، فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ لهنّ.
قيل : أو له، إن تاب. ويؤيّد الأوّل ما في مصحف ابن مسعود: «من بعد إكراههنّ لهنّ غفور رحيم».
قيل : ولا يرد عليه أنّ المكرهة غير آثمة، فلا حاجة إلى المغفرة. لأنّ الإكراه لا ينافي المؤاخذة بالذّات. ولذلك حرّم على المكره القتل، وأوجب عليه القصاص.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: كانت العرب وقريش يشترون الإماء، ويضعون عليهنّ الضّريبة الثّقيلة، إذ هن وازنين واكتسبن. فنهاهم اللّه عن ذلك فقال: وَلا تُكْرِهُوا- إلى قوله تعالى:- غَفُورٌ رَحِيمٌ، أي: لا يؤاخذهنّ اللّه- تعالى- بذلك إذا أكرهن عليه.
و في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: هذه الآية منسوخة نسختها فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ
.
وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ، يعني: الآيات الّتي بيّنت في هذه السّورة، وأوضحت فيها الأحكام والحدود.
و قرأ ابن عامر والكسائي وحفص بالكسر، لأنّها واضحات تصدّقها الكتب المتقدّمة والعقول المستقيمة، من بيّن بمعنى تبين، أو لأنّها بيّنت الأحكام والحدود.
وَ مَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ: وأخبارا من الّذين مضوا من قبلكم وقصصا لهم، وشبها عن حالهم بحالكم لتعتبروا بها.
و قيل : قصّة عجيبة مثل قصصهم. وهي قصّة عائشة، فإنّها كقصّة يوسف ومريم.وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ :
يعني ما وعظ به في تلك الآيات. وتخصيص المتّقين، لأنّهم المنتفعون بها.
و قيل : المراد بالآيات، القرآن. والصّفات المذكورة، صفاته.
اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:
قيل : النّور في الأصل كيفيّة تدركها الباصرة أوّلا، وبوساطتها سائر المبصرات، كالكيفيّة الفائضة من النّيّرين على الأجرام الكثيفة المحاذية لهما.
و هو- بهذا المعنى- لا يصحّ إطلاقه على اللّه- تعالى- إلّا بتقدير مضاف- كقولك: زيد كرم، أي: ذو كرم- أو على تجوّز، بمعنى: «منوّر السّموات والأرض»، وقد قرئ به. فإنّه- تعالى- نوّرّهما بالكواكب وما يفيض عنها من الأنوار، أو بالملائكة والأنبياء [و الأوصياء] .
أو: مدبّرهما. من قولهم للرئيس الفائق في التّدبير: «نور القوم» لأنّهم يهتدون به في الأمور.
أو: موجدهما. فإنّ النّور ظاهر بذاته، مظهر لغيره. وأصل الظّهور هو الوجود، كما أنّ أصل الخفاء هو العدم. واللّه- سبحانه وتعالى- موجود بذاته، موجد لما عداه.
أو: الّذي به تدرك أو يدرك أهلهما. من حيث إنّه يطلق على الباصرة،- لتعلّقها به، أو لمشاركتها له في توقّف الإدراك عليه- ثمّ على البصيرة، لأنّها أقوى إدراكا، فإنّها تدرك نفسها وغيرها من الكليّات والجزئيّات، الموجودات والمعدومات، وتغوص في بواطنها، وتتصرّف فيها بالتّركيب والتّحليل. ثمّ إنّ هذه الإدراكات ليست لذاتها، وإلّا لما فارقتها. فهي إذن من سبب يفيضها عليها، وهو اللّه- سبحانه وتعالى- ابتداء، أو بتوسيط من الملائكة والأنبياء، ولذلك سمّوا نورا. ويقرب منه قول ابن عبّاس: معناه هادي من فيهما، فهم بنوره يهتدون. فإضافته إليهما، للدّلالة على سعة إشراقه.
أو: لاشتمالهما على الأنوار الحسّيّة والعقليّة، وقصور الإدراكات البشريّة عليهما وعلى المتعلّق بهما والمدلول لهما. و في كتاب التّوحيد»: حدّثنا أبي- رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن يعقوب بن يزيد، عن العبّاس بن هلال، قال: سألت الرّضا- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ- اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. فقال: هاد لأهل السّموات وهاد لأهل الأرض.
مَثَلُ نُورِهِ: [صفته نوره العجيبة الشّأن.
و إضافته إلى ضميره- سبحانه- دليل على أنّ إطلاقه عليه لم يكن على ظاهره.
قيل : مَثَلُ نُورِهِ] الّذي هدى به المؤمنين، وهو الإيمان في قلوبهم.
و في مجمع البيان : وكان أبيّ يقرأ: «مثل نور من آمن به».
و قيل : مَثَلُ نُورِهِ الّذي هو القرآن في القلب.
و قيل : عنى بالنّور محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله. وأضافه إلى نفسه، تشريفا له.
و قيل : نوره الأدلّة الدّالّة على توحيده وعدله، الّتي هي في الظّهور والوضوح مثل النّور.
و قيل : النّور هنا الطّاعة. أي: مثل طاعة اللّه في قلب المؤمن.
كَمِشْكاةٍ: كصفة مشكاة.
قيل : إنّها روميّة معرّبة.
و قال الزّجّاج : يجوز أن يكون عربيّة، لأنّ في الكلام مثل لفظها شكوة، وهي قرية صغيرة. فعلى هذا تكون مفعلة منها. وأصلها مشكوة، فقلبت الواو ألفا، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها.
قيل : وهي الكوّة الغير النّافذة في الحائط، يوضع عليها زجاجة، ثمّ يكون المصباح خلف تلك الزّجاجة. ويكون للكوّة باب آخر، يوضع المصباح فيه.
و قيل : المشكاة، القنديل الّذي فيه الفتيلة.و قيل ، الأنبوبة في وسط القنديل.
فِيها مِصْباحٌ:
و أصله من الصّبح بمعنى البياض، والأصبح: الأبيض. وهو السّراج.
الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ: في قنديل من الزّجاج.
و فائدة اختصاص الذّكر، لأنّه أصفى الجواهر، فالمصباح فيه أضوء. الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ: مضيء متلألئ مثل كوكب، كالزّهرة في صفائه وزهرته.
منسوب إلى الدّرّ. أو فعيل- كمريق- من الدّرء، فإنّه يدفع الظّلام بضوئه، أو بعض ضوئه بعضا من لمعانه، إلّا أنّه قلبت همزته ياء.
و قرأ حمزة وأبو بكر على الأصل.
يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ، أي: ابتداء ثقوب المصباح من شجرة الزّيتون المتكاثر نفعه، بأن رويت ذبالته بزيتها.
و في إبهام الشّجرة ووصفها بالبركة، ثمّ إبدال الزّيتونة عنها، تفخيم لشأنها.
و قرأ نافع وابن عامر وحفص بالياء والبناء للمفعول من أوقد، وحمزة والكسائي وأبو بكر بالتّاء. كذلك على إسناده إلى الزّجاجة [بحذف المضاف].
و قرئ : «توقد» بمعنى تتوقّد، و«يوقد» بحذف التّاء.
لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ تقع الشّمس عليها حينا دون حين، بل بحيث تقع عليها طول النّهار، كالّتي تكون على قلّة أو صحراء واسعة، فإنّ ثمرتها تكون أنضج وزيتها أصفى. أو: لا نابتة في شرق المعمورة وغربها، بل في وسطها وهو الشّام، فإنّ زيتونه أجود الزّيتون. أو: لا في مضحى تشرق الشّمس عليها دائما، فتحرقها، أو في مفيأة تغيب عنها دائما، فتتركها نيئا.
و في الحديث : لا خير في شجرة ولا في نبات في مفيأة، ولا خير فيهما في مضحى.
يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ، أي: يكاد يضيء بنفسه من غير نار،لتلألئه وفرط وبيصه .
نُورٌ عَلى نُورٍ: متضاعف.
فإنّ نور المصباح، زاد في إنارته صفاء الزّيت وزهرة القنديل وضبط المشكاة لأشعّته.
و قد ذكر في معنى التّمثيل وجوه:
«الأوّل» أنّه تمثيل للهدى الّذي دلّ عليه الآيات البيّنات، في جلاء مدلولها، وظهور ما تضمّنته من الهدى، بالمشكاة المنعوتة.
«الثّاني» أنه تشبيه للهدى، من حيث إنّه محفوف بظلمات أوهام النّاس وخيالاتهم بالمصباح. وإنّما ولي الكاف المشكاة، لاشتمالها عليه. وتشبيهه به، أوفق من تشبيهه بالشّمس.
«الثّالث» أنّه تمثيل لما نوّر اللّه به قلب المؤمن من المعارف والعلوم، بنور المشكاة المنبثّ فيها من مصباحها. ويؤيّده قراءة أبيّ: «مثل نور المؤمن».
الرابع أنّه تمثيل لما منح اللّه به عباده، من القوى الدّراكة الخمس المترتّبة الّتي ينوط بها المعاش والمعاد. وهي: الحسّاسة الّتي تدرك المحسوسات بالحواسّ الخمس.
و الخياليّة الّتي تحفظ صور تلك المحسوسات لتعرضها على القوّة العقليّة متى شاءت.
و العاقلة الّتي تدرك الحقائق الكلّيّة. والمفكّرة، وهي الّتي تؤلّف المعقولات، لتستنتج منها علم ما لم يعلم. والقوّة القدسيّة الّتي تتجلّى فيها لوائح الغيب وأسرار الملكوت، المختصّة بالأنبياء والأولياء المعنيّة بقوله - تعالى-: وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا بالأشياء الخمسة المذكورة في الآية، وهي المشكاة والزّجاجة والمصباح والشّجرة والزّيت.
فإنّ الحسّاسة كالمشكاة، لأنّ محلّها كالكوى ووجهها إلى الظّاهر، لا تدرك ما وراءها وإضاءتها بالمعقولات لا بالذّات.
و الخياليّة كالزّجاجة في قبول صور المدركات من الجوانب، وضبطها للأنوار العقليّة، وإنارتها بما تشتمل عليه من المعقولات.و العاقلة كالمصباح، لإضاءتها بالإدراكات الكلّيّة والمعارف الإلهيّة.
و المفكّرة بالشّجرة المباركة، لتأديتها إلى ثمرات لا نهاية لها.
و الزّيتونة المثمرة للزّيت الّذي هو مادّة المصابيح، الّتي لا تكون شرقيّة ولا غربيّة، لتجرّدها عن اللّواحق الجسميّة، أو لوقوعها بين الصّور والمعاني متصرّفة في القبيلين، منتفعة من الجانبين.
و القوّة القدسيّة كالزّيت، فإنّها لصفائها وشدّة ذكائها، تكاد تضيء بالمعارف من غير تفكّر ولا تعليم.
«الخامس» أنّه تمثيل للقوّة العقليّة في مراتبها بذلك. فإنّها في بدء أمرها خالية عن العلوم مستعدّة لقبولها كالمشكاة. ثمّ تنتقش بالعلوم الضّروريّة بتوسّط إحساس الجزئيّات، بحيث تتمكّن من تحصيل النّظريّات. فتصير كالزجاجة متلألأة في نفسها قابلة للأنوار.
و ذلك التّمكّن، إن كان بفكر واجتهاد، فكالشّجرة الزّيتونة. وإن كان بالحدس، فكالزّيت. وإن كان بقوّة قدسيّة فكالّتي يكاد زيتها يضيء. لأنّها تكاد تعلم، ولو لم تتّصل بملك الوحي والإلهام، الّذي مثله النّار من حيث أنّ العقول تشتعل عنه. ثمّ إذا حصل بها العلوم بحيث تتمكّن من استحضارها متى شاءت، كان كالمصباح. فإذا استحضرتها، كان نورا على نور.
السّادس» أنّه مثل ضربه اللّه لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله. والمشكاة صدره.
و الزّجاجة قلبه. والمصباح فيه النّبوّة. لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ، أي: لا يهوديّة ولا نصرانيّة.
يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ هي شجرة النّبوّة، وهي إبراهيم- عليه السّلام. يكاد نور محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- يتبيّن للنّاس، ولو لم يتكلّم به. كما أنّ ذلك الزّيت يكاد يضيء. وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ، أي: لم تصبه النّار.
«السّابع» أنّ المشكاة إبراهيم- عليه السّلام. والزّجاجة إسماعيل. والمصباح محمّد- صلّى اللّه عليه وآله. ويسمّى سراجا في موضع آخر . مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ يعني إبراهيم، لأنّ أكثر الأنبياء من صلبه. لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ: لا نصرانية [و لا يهوديّة.
لأنّ النّصارى] تصلّي إلى المشرق، واليهود تصلّي إلى المغرب. يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ، أي: يكاد محاسن محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- تظهر قبل أن يوحى إليه. نُورٌ عَلى نُورٍ، أي: نبيّ من نسل نبيّ.
«الثّامن» أنّ المشكاة عبد المطّلب. والزّجاجة عبد اللّه. والمصباح هو النّبيّ. لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ بل مكّيّة، لأنّ مكّة وسط الدّنيا.
و في كتاب التّوحيد : [بإسناده عن العبّاس بن هلال، قال: سألت الرضا- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. فقال: هاد لأهل السماء، وهاد لأهل الأرض] .
و في رواية البرقي: هدى من في السموات، وهدى من في الأرض .
و قد روي عن الصّادق - عليه السّلام- أنّه سئل عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:
اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ. فقال: هو مثل ضربه اللّه لنا. فالنّبيّ والأئمّة- عليهم السّلام- من دلالات اللّه وآياته التي يهتدى بها إلى التّوحيد ومصالح الدّين وشرائع الإسلام والسّنن والفرائض . ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم.
و تصديق ذلك
ما حدّثنا به إبراهيم بن هارون الهيتي بمدينة السّلام قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن أبي الثّلج قال: حدّثنا الحسين بن أيّوب، عن محمّد بن غالب، عن عليّ بن الحسين، [عن الحسن] بن أيّوب، عن الحسين بن سليمان، عن محمّد بن مروان الذّهليّ ، عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ؟ قال: كذلك اللّه- عزّ وجلّ.قال: قلت: مَثَلُ نُورِهِ؟ قال: محمّد- صلّى اللّه عليه وآله.
[قلت: كَمِشْكاةٍ؟ قال: صدر محمّد- صلّى اللّه عليه وآله.]
قلت: فِيها مِصْباحٌ؟ قال: فيه نور العلم، يعني النّبوّة.
قلت: الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ؟ قال: علم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى قلب عليّ- عليه السّلام.
قلت: كَأَنَّها؟ قال: لأيّ شيء تقرأ كأنّها؟ قلت: فكيف، جعلت فداك؟
قال: «كأنّه كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ .
قلت: يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ. قال: ذاك أمير المؤمنين- عليه السّلام- لا يهوديّ ولا نصرانيّ.
قلت: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ؟ قال: يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمّد، من قبل أن ينطق به.
قلت: نُورٌ عَلى نُورٍ؟ قال: الإمام في أثر الإمام.
و بإسناده إلى عيسى بن راشد، عن محمّد بن عليّ بن الحسين- عليهم السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-:
كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ قال: المشكاة نور العلم في صدر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله.
الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ. الزّجاجة صدر عليّ- عليه السّلام. صار علم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- إلى صدر عليّ- عليه السّلام. [علّم النّبيّ عليّا- عليهما السّلام] .
الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ. قال: نور العلم .
لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ. قال: لا يهوديّة ولا نصرانيّة.يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ. قال: يكاد العالم من آل محمّد [يتكلّم بالعلم قبل أن يسال.
نُورٌ عَلى نُورٍ، يعني: إماما مؤيّدا بنور العلم والحكمة، في أثر إمام من آل محمّد] .
و ذلك من لدن آدم إلى أن تقوم السّاعة. فهؤلاء الأوصياء الّذين جعلهم اللّه- عزّ وجلّ- خلفاءه في أرضه وحججه على خلقه. لا تخلو الأرض في كلّ عصر من واحد منهم.
و بإسناده إلى جابر بن يزيد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ: فالمشكاة صدر النّبيّ - صلّى اللّه عليه وآله. فِيها مِصْباحٌ. والمصباح هو العلم. فِي زُجاجَةٍ. والزّجاجة أمير المؤمنين- عليه السّلام- وعلم نبيّ اللّه عنده.
و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن إسحاق بن جرير قال: سألتني امرأة [منا] أن أدخلها على أبي عبد اللّه- عليه السّلام.
فاستأذنت لها، فأذن لها. فدخلت ومعها مولاة لها. فقالت له: يا أبا عبد اللّه، قول اللّه- عزّ وجلّ-: زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ما عنى بهذا؟ فقال لها: أيّتها المرأة! إنّ اللّه- تعالى- لم يضرب الأمثال للشّجر . إنّما ضرب الأمثال لبني آدم.
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن إسحاق بن جرير مثله.
و الحديثان طويلان. أخذت منهما موضع الحاجة.
و في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس، عن عليّ بن حمّاد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال في حديث طويل: ثمّ إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وضع العلم الّذي كان عنده عند الوصيّ. وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. يقول: أنا هاديالسّموات والأرض. مثل العلم الّذي أعطيته، وهو نوري الّذي يهتدى به، مثل المشكاة فيها المصباح. والمشكاة، قلب محمّد- صلّى اللّه عليه وآله. والمصباح، النّور الّذي فيه العلم.
و قوله: الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ، يقول: إنّي أريد أن أقبضك، فأجعل الّذي عندك عند الوصيّ، كما يجعل المصباح في الزّجاجة كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، فأعلمهم فضل الوصيّ.
يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ. فأصل الشّجرة المباركة إبراهيم- عليه السّلام-. [و هو قول اللّه - عزّ وجلّ-: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ] وهو قول اللّه - عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ. يقول: لستم بيهود، فتصلّوا قبل المغرب. ولا نصارى، فتصلّوا قبل المشرق. وأنتم على ملّة إبراهيم- صلّى اللّه عليه. وقد قال اللّه - عزّ وجلّ-: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
و قوله يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ.
يقول: مثل أولادكم الّذين يولدون منكم، مثل الزّيت الّذي يعصر من الزّيتون.
و في أمالي الصّدوق - رحمه اللّه- بإسناده إلى الصّادق- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: أنا فرع من فروع الزّيتونة، وقنديل من قناديل بيت النّبوّة، وأديب السّفرة، وربيب الكرام البررة، ومصباح من مصابيح المشكاة الّتي فيها نور النّور، وصفو الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر.
يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ: لهذا النّور الثّاقب مَنْ يَشاءُ:
فإنّ الأسباب دون مشيئته لاغية، إذ بها تمامها.
و في الحديث السّابق المنقول عن الروضة - متّصلا بقوله: مثل الزّيت الّذي يعصر من الزّيتون- قوله: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ: يكادون أن يتكلّموا بالنّبوّة، ولو لم ينزل عليهم ملك.
وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ، إدناء للمعقول من المحسوس، توضيحا وبيانا.
وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، معقولا كان أو محسوسا، ظاهرا كان أو خفيّا.
و فيه وعد ووعيد لمن تدبّرها، ولمن لم يكترث بها.
و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسين ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الأصمّ، عن عبد اللّه بن القاسم، عن صالح بن سهل الهمدانيّ، قال:
قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ، فاطمة- عليها السّلام.
فِيها مِصْباحٌ: الحسن. الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ: الحسين. الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ: فاطمة كوكب درّيّ بين نساء أهل الدّنيا.
يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ: إبراهيم- عليه السّلام. زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ:
لا يهوديّة، ولا نصرانيّة. يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ: يكاد العلم ينفجر بها. وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ.
نُورٌ عَلى نُورٍ: إمام منها بعد إمام. يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ: يهدي اللّه للأئمّة- عليهم السّلام- من يشاء. وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة. وستسمع تتمّته عند قوله- تعالى-:
أَوْ كَظُلُماتٍ (إلى آخره) - إن شاء اللّه- تعالى.و بإسناده إلى يعقوب بن سالم، عن رجل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: إنّ اللّه- تعالى- بعث إلى أهل البيت- عليهم السّلام- بعد وفاة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- من يعزّيهم. فسمعوا صوته، ولم يروا شخصه. فكان في تعزيته:
جعلكم أهل بيت نبيّه. واستودعكم علمه. وأورثكم كتابه. وجعلكم تابوت علمه، وعصا عزّه. وضرب لكم مثلا من نوره.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا حميد بن زياد، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن يحيى، عن طلحة بن زيد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- في هذه الآية:
اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قال: بدأ بنور نفسه. «مثل نور»: مثل هداه في قلب المؤمن. كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ. والمشكاة جوف المؤمن. والقنديل قلبه. والمصباح، النّور الّذي جعله اللّه في قلبه.
يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ. قال: الشّجرة، المؤمن. زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ.
قال: على سواء الجبل. لا غَرْبِيَّةٍ، أي: لا شرق لها. ولا شَرْقِيَّةٍ، أي: لا غرب لها.
إذا طلعت الشّمس، طلعت عليها. وإذا غربت ، غربت عليها.
يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ: يكاد النّور الّذي جعله اللّه في قلبه يضيء، وإن لم يتكلّم.
نُورٌ عَلى نُورٍ: فريضة على فريضة، وسنّة على سنّة. يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ يهدي اللّه لفرائضه وسننه من يشاء. وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ. فهذا مثل ضربه اللّه للمؤمن.
ثمّ قال: فالمؤمن يتقلّب في خمسة من النّور: مدخله نور، ومخرجه نور، وعلمه نور، وكلامه نور، ومصيره يوم القيامة إلى الجنّة نور.
قلت لجعفر [بن محمد- عليهما السّلام-: جعلت فداك، يا سيّدي!] إنّهم يقولون:
مثل نور الرّبّ. قال: سبحان اللّه! ليس للّه مثل. قال اللّه : فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ.
قال عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه- في قول اللّه- عزّ وجلّ-:اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ- إلى قوله تعالى:- وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ: فإنّه
حدّثني أبي، عن عبد اللّه بن جندب قال كتبت: إلى أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- أسأله عن تفسير هذه الآية.
فكتب إليّ الجواب:
أمّا بعد، فإنّ محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- كان أمين اللّه في خلقه. فلمّا قبض النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- كنّا أهل البيت ورثته. فنحن أمناء اللّه في أرضه. عندنا علم المنايا والبلايا، وأنساب العرب، ومولد الإسلام. وما من فئة تضلّ مائة به وتهدي مائة به، إلّا ونحن نعرف سائقها وقائدها وناعقها.
و إنّا لنعرف الرّجل إذا رأيناه، بحقيقة الإيمان وحقيقة النّفاق. وإنّ شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم واسماء آبائهم. أخذ اللّه- عزّ وجلّ- علينا وعليهم الميثاق. يردون موردنا، ويدخلون مدخلنا. ليس على ملّة الإسلام غيرنا وغيرهم إلى يوم القيامة.
نحن الآخذون بحجزة نبيّنا. ونبيّنا الآخذ بحجزة ربّنا. والحجزة النّور. وشيعتنا آخذون بحجزتنا. من فارقنا هلك. ومن تبعنا نجا. والمفارق لنا والجاحد لولايتنا كافر.
و متّبعنا وتابع أوليائنا مؤمن. لا يحبّنا كافر ولا يبغضنا مؤمن. فمن مات وهو يحبّنا، كان حقّا على اللّه أن يبعثه معنا.
نحن نور لمن تبعنا، وهدى لمن اهتدى بنا. ومن لم يكن منّا، فليس من الإسلام في شيء. بنا فتح اللّه الدّين، وبنا يختمه. وبنا أطعمكم اللّه عشب الأرض. وبنا أنزل اللّه قطر السّماء. وبنا آمنكم اللّه- عزّ وجلّ- من الغرق في بحركم، ومن الخسف في برّكم.
و بنا نفعكم اللّه في حياتكم، وفي قبوركم، وفي محشركم، وعند الصّراط، وعند الميزان، وعند دخولكم الجنان.
مثلنا في كتاب اللّه- عزّ وجلّ- كمثل مشكاة، والمشكاة في القنديل. فنحن المشكاة فيها مصباح.
المصباح محمّد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ من عنصرةطاهرة. الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ: لا دعيّة ولا منكرة. يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ القرآن. نُورٌ عَلى نُورٍ: إمام بعد إمام. يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
فالنّور عليّ- صلوات اللّه عليه. يهدي اللّه لولايتنا من أحبّ. وحقّ على اللّه أن يبعث وليّنا، مشرقا وجهه، منيرا برهانه، ظاهرة عند اللّه حجّته.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و في شرح الآيات الباهرة : قال أبو عليّ الطّبرسيّ: روي عن الرّضا- عليه السّلام- أنّه قال: نحن المصباح في المشكاة. وهو محمّد- صلّى اللّه عليه وآله. يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ: يهدي اللّه لولايتنا من أحبّ.
و فيه أيضا : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن قال: حدّثنا أصحابنا أنّ أبا الحسن- عليه السّلام- كتب إلى عبد اللّه بن جندب قال: قال لي عليّ بن الحسين- عليهما السّلام-: إنّ مثلنا في كتاب اللّه كمثل مشكاة، والمشكاة في قنديل. فنحن المشكاة فِيها مِصْباحٌ. والمصباح محمّد- صلّى اللّه عليه وآله. الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ. نحن الزّجاجة.
يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ: عليّ. زَيْتُونَةٍ: معروفة. لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ: لا منكرة ولا دعيّة.
يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ القرآن عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. بأن يهدي من أحبّ إلى ولايتنا.
فِي بُيُوتٍ:
متعلّق بما قبله. أي: كمشكاة كائنة في بعض بيوت، أو توقد في بعض بيوت هذه صفتها. فيكون تقييدا للممثّل به بما يكون تحبيرا ومبالغة فيه. فإنّ قناديل المساجد تكون أعظم. أو تمثيلا لصلاة المؤمنين- أو أبدانهم- بالمساجد. ولا ينافي جمع البيوت وحدةالمشكاة، إذ المراد بها ما له هذا الوصف بلا اعتبار وحدة ولا كثرة.
أو بما بعده وهو «يسبّح»، وفيها تكرير مؤكّد، لا ب «يذكر». لأنّه من صلة «أن» فلا يعمل فيما قبله.
أو بمحذوف، مثل: سبّحوا في بيوت.
قيل : المراد بها المساجد. ويعضده
قول النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: المساجد بيوت اللّه في الأرض. وهي تضيء لأهل السّماء، كما تضيء النّجوم لأهل الأرض.
و قيل : إنّها أربع مساجد لم يبنها إلّا نبيّ: الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل، ومسجد بيت المقدس، بناه داود وسليمان، ومسجد المدينة، ومسجد قباء، بناهما رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله.
و قيل : هي بيوت الأنبياء. وروي ذلك مرفوعا أنّه سئل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا قرأ الآية: أيّ بيوت هذه؟ فقال: بيوت الأنبياء. فقام أبو بكر، فقال: يا رسول اللّه، هذا البيت، منها بيت عليّ وفاطمة؟ قال: نعم، من أفاضلها.
و يعضد هذا القول، قوله : إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً، وقوله : رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، والأحاديث الآتية.
و التّنكير في البيوت للتّعظيم.
أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ بالتّعظيم ورفع القدر من الأرجاس، والتّطهير من المعاصي والأدناس.
و قيل : المراد برفعها، رفع الحوائج فيها إلى اللّه- تعالى.
و الاولى الحمل على لأعمّ منهما، ومن الرّفع بالبناء.
وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ:
عامّ فيما يتضمّن ذكره، حتّى المذاكرة في أفعاله والمباحثة في أحكامه.
قيل : يتلى فيها كتابه.
و قيل : يذكر فيها أسماؤه الحسنى.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا محمّد بن همّام قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك قال: حدّثنا القاسم بن الرّبيع، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن منخل، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ، قال: هي بيوت الأنبياء. وبيت عليّ منها.
و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب : أبو حمزة الثّماليّ في خبر: لمّا كانت السّنة الّتي حجّ فيها أبو جعفر محمّد بن عليّ- عليهما السّلام- ولقيه هشام بن عبد الملك، أقبل النّاس ينثالون عليه.
فقال عكرمة: من هذا؟ عليه سيماء زهرة العلم، لأجرّبنّه. فلمّا مثل بين يديه، ارتعدت فرائصه، وأسقط في يدي أبي جعفر- عليه السّلام. وقال: يا ابن رسول اللّه، لقد جلست مجالس كثيرة بين يدي ابن عبّاس وغيره، فما أدركني ما أدركني آنفا! فقال له أبو جعفر- عليه السّلام-: ويلك يا عبيد أهل الشّام! إنّك بين يدي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ.
و في عيون الأخبار ز في الزّيارة الجامعة لجميع الأئمّة- عليهم السّلام- المنقولة عن الجواد - عليه السّلام-: خلقكم اللّه أنوارا، فجعلكم بعرشه محدقين، حتّى منّ علينا بكم، فجعلكم اللّه فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ.
و في كتاب إكمال الدّين وتمام النّعمة ، في باب اتّصال الوصيّة من لدن آدم- عليه السّلام- بإسناده إلى محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام- حديث طويل، وفيه يقول- عليه السّلام-: إنّما الحجّة في آل إبراهيم، لقول اللّه - عزّ وجلّ-: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. فالحجّة الأنبياء وأهل بيوتات الأنبياء، حتّى تقوم السّاعة. لأنّ كتاب اللّه ينطق بذلك، ووصيّة اللّه جرت بذلك، في العقب من البيوت
الّتي رفعها اللّه- تبارك وتعالى- على النّاس. فقال: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ. وهي بيوتات الأنبياء والرّسل والحكماء وأئمّة الهدى.
و في روضة الكافي : أبان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ [وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ] . قال:
هي بيوت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: قال محمّد بن الحسن بن عليّ، عن أبيه قال: قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن عبد الحميد، عن محمّد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ. قال: بيوت محمّد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ثمّ بيوت عليّ- عليه السّلام- منها.
يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ ينزّهونه، أو يصلّون له فيها بالغدوات والعشايا.
و الغدوّ مصدر أطلق للوقت. ولذلك حسن اقترانه بالآصال، وهو جمع أصيل.
و قرئ : «و الإيصال»، وهو: الدّخول في الأصيل.
و قرأ ابن عامر وعاصم : «يسبّح» بالفتح، على إسناده إلى أحد الظّروف الثّلاثة ورفع «رجال» بما يدلّ عليه.
و قرئ بالتّاء مكسورا ، لتأنيث الجمع. ومفتوحا على إسناده إلى أوقات الغدوّ.
لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ: لا تشغلهم معاملة رابحة.
وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ:
مبالغة بالتّعميم بعد التّخصيص، إن أريد به مطلق المعاوضة، أو بإفراد ما هو الأهمّ من قسمي التّجارة. فإنّ الرّبح يتحقّق بالبيع، ويتوقّع بالشّراء.و قيل : المراد بالتّجارة: الشّراء، فإنّه أصلها ومبدؤها.
و قيل : الجلب، لأنّه الغالب فيها. ومنه يقال: تجر فلان في كذا: إذا جلبه.
و قيل : وفيه إيماء بأنّهم تجّار.
وَ إِقامِ الصَّلاةِ:
عوّض فيه الإضافة من التّاء المعوّضة عن العين السّاقطة بالإعلال. كقوله:
وأخلفوك عد الأمر الّذي وعدوا
وَإِيتاءِ الزَّكاةِ: ما يجب إخراجه من المال للمستحقّين.
يَخافُونَ يَوْماً- مع ما هم عليه من الذّكر والطّاعة- تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ : تضطرب وتتغيّر من الهول. أو: تتقلّب أحوالها، فتفقه القلوب ما لم تكن تفقه، وتبصر الأبصار ما لم تكن تبصر. أو: تتقلّب «القلوب» من توقّع النّجاة وخوف الهلاك، و«الأبصار» من أي ناحية يؤخذ بهم ويؤتى كتابهم.
و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عمّن ذكره، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: وصل اللّه طاعة وليّ أمره بطاعة رسوله، وطاعة رسوله بطاعته . فمن ترك طاعة ولاة الأمر، لم يطع اللّه ولا رسوله. وهو الإقرار بما أنزل من عند اللّه - عزّ وجلّ-: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ.
و التمسوا البيوت الّتي أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ. فإنّه يخبركم أنّهم رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، عن
عقيل الخزاعيّ: انّ أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- كان إذا حضر الحرب، يوصي المسلمين بكلمات فيقول:
تعاهدوا الصّلاة. وحافظوا عليها. واستكثروا منها. وقد عرف حقّها من طرقها .
و أكرم بها من المؤمنين الّذين لا يشغلهم عنها زين متاع، ولا قرّة عين من مال ولا ولد.
يقول اللّه- تعالى-: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن [محمّد، عن عليّ بن احكم، عن أسباط بن سالم قال: دخلت على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فسألنا عن عمر بن] مسلم ما فعل.
فقلت: صالح، ولكنّه ترك التّجارة.
فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: عمل الشّيطان- ثلاثا.
أما علم أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- اشترى عيرا أتت من الشّام، فاستفضل فيها ما قضى دينه، وقسّم في قرابته!؟ يقول اللّه- عزّ وجلّ-: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ (إلى آخر الآية). يقول القصّاص: إنّ القوم لم يكونوا يتّجرون! كذبوا! ولكنّهم لم يكونوا يدعون الصّلاة في مواقيتها . وهو أفضل ممّن حضر الصّلاة ولم يتّجر.
عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن الحسين بن بشّار، عن رجل رفعه في قول اللّه- عزّ وجلّ-: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ قال: هم التّجّار الّذين لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. إذا دخل مواقيت الصّلاة، أدّوا إلى اللّه حقّه فيها.
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثّماليّ قال:
قال أبو جعفر- عليه السّلام- لقتادة: من أنت؟ قال: أنا قتادة بن دعامةالبصريّ.
فقال له أبو جعفر- عليه السّلام-: أنت فقيه أهل البصرة؟ قال: نعم.
فقال له أبو جعفر- عليه السّلام-: ويحك يا قتادة! إنّ اللّه- عزّ وجلّ- خلق خلقا من خلقه، فجعلهم حججا على خلقه. فهم أوتاده في أرضه، قوّام بأمره، نجباء في علمه. اصطفاهم قبل خلقه أظلّة عن يمين عرشه.
قال: فسكت قتادة طويلا. ثمّ قال: أصلحك اللّه، واللّه لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عبّاس ، فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم، ما اضطرب قدّامك! فقال له أبو جعفر- عليه السّلام-: أ تدري أين أنت؟ بين يدي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ. فأنت ثمّ، ونحن أولئك.
فقال له قتادة: صدقت واللّه، جعلني اللّه فداك. واللّه ما هي بيوت حجارة ولا طين.
و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.
و في نهج البلاغة : قال عليه السّلام- بعد أن ذكر الصّلاة وحثّ عليها المؤمنين-: الّذين لا يشغلهم عنها زينة متاع، ولا قرّة عين من ولد ولا مال. يقول اللّه- سبحانه-:
رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ.
و فيه أيضا : من كلام له- عليه السّلام- عند تلاوته يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ: وإنّ للذّكر لأهلا، أخذوه من الدّنيا بدلا. فلم تشغلهم تجارة ولا بيع عنه. يقطعون به أيّام الحياة . ويهتفون بالزّواجر عن محارم اللّه في أسماع الغافلين. ويأمرون بالقسط، ويأتمرون به. وينهون عن المنكر ويتناهون عنه. كأنّما قطعوا الدّنيا إلى الآخرة، وهم فيها، فشاهدوا ما وراء ذلك. فكأنّما اطّلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الإقامة فيه. وحقّقت القيامة عليهم عداتها. فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدّنيا، حتّى كأنّهم يرون ما لا يرى النّاس، ويسمعون ما لا يسمعون.و في من لا يحضره الفقيه : وروي عن روح بن عبد الرّحيم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ قال:
كانوا أصحاب تجارة. فإذا حضرت الصّلاة، تركوا التّجارة وانطلقوا إلى الصّلاة. وهم أعظم أجرا ممّن لا يتّجر.
لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ:
متعلّق ب «يسبّح» أو «لا تلهيهم» أو «يخافون».
أَحْسَنَ ما عَمِلُوا: أحسن جزاء ما عملوا الموعود لهم من الجنّة.
وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ أشياء لم يعدهم على أعمالهم ولم تخطر ببالهم.
وَ اللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ :
تقرير للزّيادة، وتنبيه على كمال القدرة ونفاذ المشيئة وسعة الإحسان.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود قال: حدّثنا الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه- عليهما السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ قال: بيوت آل محمّد: عليّ، وفاطمة، والحسن والحسين، وحمزة، وجعفر- عليهم السّلام.
قلت: بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ. قال: الصّلاة في أوقاتها. قال: ثمّ وصفهم اللّه- تعالى- فقال: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ. قال: هم الرّجال لم يخلط اللّه معهم غيرهم.
ثمّ قال: لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. قال: ما اختصّهم به من المودّة والطّاعة المفروضة، وصيّر مأواهم الجنّة. وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.
و ذكر عليّ بن إبراهيم في تفسيره ما رواه عن أبيه، عن عبد اللّه بن جندب قال: كتبت إلى الرّضا- عليه السّلام- أسأله عن تفسير هذه الآية: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ- إلى قوله:- وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. فأجابني: نزلت هذه الآية فينا. واللّهضرب لنا المثل . وعندنا علم المنايا والبلايا، وأسباب الغيب ، ومولد الإسلام. وما من فئة تضلّ مائة وتهدي مائة، إلّا وعندنا علم قائدها وسائقها وتابعها إلى يوم القيامة.
[و قوله: كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الكوّة الّتي فيها السّراج يضيء بها البيت. فكذلك مثل آل محمّد في النّاس. أضاء اللّه بهم الدّنيا والدّين. والدّليل على أنّ هؤلاء هم آل محمّد، وأنّ هذا المثل لهم، قوله- تعالى-: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ- إلى قوله:- بِغَيْرِ حِسابٍ.
]
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ:
و الّذين كفروا، حالهم على ضدّ ذلك. فإنّ أعمالهم الّتي يحسبونها صالحة نافعة عند اللّه، يجدونها لاغية مخيّبة في العاقبة كالسّراب، وهو ما يرى في الفلاة من لمعان الشّمس عليها وقت الظّهيرة، فيظنّ أنّه ماء يسرب- أي يجري- والشّعاع يرتفع بين السّماء والأرض، كالماء ضحوة النّهار. والآل يرفع الشّخص الّذي فيه.
و القيعة: بمعنى القاع، وهو: الأرض المستوية. وقيل : جمع كجار وجيرة.
و قرئ : «بقيعات» كديمات في ديمة.
يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً، أي: العطشان.
و تخصيصه لتشبيه الكافر به، في شدّة الخيبة عند مسيس الحاجة.
حَتَّى إِذا جاءَهُ: جاء ما توّهمه ماء، أو موضعه لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً ممّا ظنّه.
وَ وَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ: عقابه أو زبانيته. أو: وجده محاسبا إيّاه.
فَوَفَّاهُ حِسابَهُ استعراضا أو مجازاة.
وَ اللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ لا يشغله حساب عن حساب.
و في شرح الآيات الباهرة : عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد قال: سألت أباجعفر- عليه السّلام- عن هذه الآية. فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بنو أميّة. أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً. والظَّمْآنُ نعثل . فينطلق بهم، فيقول: أوردكم الماء. حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ.
و في مجمع البيان : وسئل أمير المؤمنين- عليه السّلام-: كيف يحاسبهم في حالة واحدة؟ فقال: كما يرزقهم في حالة واحدة.
أَوْ كَظُلُماتٍ:
عطف على «كسراب». و«أو» للتّخيير. فإنّ أعمالهم لكونها لاغية لا منفعة لها، كالسّراب. ولكونها خالية عن نور الحقّ، كالظّلمات المتراكمة من لجج البحر والأمواج والسّحاب. أو للتّنويع. فإنّ أعمالهم، إن كانت حسنة، فكالسّراب، وإن كانت قبيحة، فكالظّلمات. أو للتّقسيم باعتبار وقتين. فإنّها كالظّلمات في الدّنيا، والسّراب في الآخرة.
فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ: عميق. منسوب إلى اللّجّ، وهو معظم الماء.
يَغْشاهُ: يغشى البحر.
مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ، أي: أمواج مترادفة متراكمة.
مِنْ فَوْقِهِ: من فوق الموج الثاني سَحابٌ غطّى النّجوم، وحجب أنوارها.
و الجملة صفة أخرى للبحر.
ظُلُماتٌ، أي: هذه ظلمات بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ:
و قرأ ابن كثير : «ظلمات» بالجرّ، على إبدالها من الأولى، أو بإضافة السّحاب إليها.
إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ- وهي أقرب ما يرى إليه- لَمْ يَكَدْ يَراها: لم يقرب أن يراها، فضلا أن يراها. كقول ذي الرمّة:
إذا غيّر النّأي المحبّين لم يكد رسيس الهوى من حبّ مية يبرح
و الضمائر للواقع في البحر، وإن لم يجر ذكره لدلالة المعنى عليه.
وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً: ومن لم يقدّر له الهداية، ولم يوفّقه لأسبابها فَما لَهُ مِنْ نُورٍ : خلاف الموفّق الّذي له نور على نور.
و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الأصمّ، عن عبد اللّه بن القاسم، عن صالح بن سهل الهمدانيّ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ- إلى قوله:
قلت: أَوْ كَظُلُماتٍ؟ قال: الأوّل وصاحبه. يَغْشاهُ مَوْجٌ: الثّالث. مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ... ظُلُماتٌ: الثّاني. بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ: معاوية- لعنه اللّه- وفتن بني أميّة. إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ المؤمن في ظلمة فتنتهم، لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً. إماما من ولد فاطمة- عليها السّلام- فَما لَهُ مِنْ نُورٍ: إمام يوم القيامة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا محمّد بن همّام، عن جعفر بن محمّد بن مالك، عن محمّد بن الحسين الصّائغ، عن الحسن بن عليّ، عن صالح بن سهل قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول في قول اللّه- عزّ وجلّ-: أَوْ كَظُلُماتٍ: فلان وفلان فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ- يعني نعثل- مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ: طلحة والزّبير. ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ: معاوية ويزيد وفتن بني أميّة. إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ في ظلمة فتنتهم لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً- يعني إماما من ولد فاطمة عليها السّلام- فَما لَهُ مِنْ نُورٍ: فما له من إمام يوم القيامة، يمشي بنوره. [يعني] كما في قوله - تعالى-:
يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ. قال: إنّما المؤمنون يوم القيامة، نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، حتّى ينزلوا منازلهم من الجنان.
و في شرح الآيات الباهرة عن محمّد بن جمهور، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن الحكيم بن حمران قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قوله- عزّ وجلّ-:أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ. قال: فلان وفلان. مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ. قال: أصحاب الجمل وصفّين والنّهروان. مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ. قال: بنو أميّة.
إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ- يعني أمير المؤمنين عليه السّلام في ظلماتهم- لَمْ يَكَدْ يَراها، أي:
إذا نطق بالحكمة بينهم، لا يقبلها منه أحد، إلّا من أقرّ بولايته، ثمّ بإمامته. وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ، أي: من لم يجعل اللّه له إماما في الدّنيا، فماله في الآخرة من نور إمام يرشده ويتبعه إلى الجنّة.
و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن جعفر، عن السّيّاريّ، عن محمّد بن بكر، عن أبي الجارود، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال: والّذي بعث محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- بالحقّ وأكرم اهل بيته، ما من شيء يطلبونه ، من حرز، أو حرق، أو غرق، أو سرق، أو إفلات دابّة من صاحبها، أو ضالّة، أو آبق ، إلّا وهو في القرآن. فمن أراد ذلك، فليسألني عنه.
قال: فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين! أخبرني عن الآبق. فقال: اقرأ: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ- إلى قوله:- وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ. فقرأ الرّجل، فرجع إليه الآبق.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و في من لا يحضره الفقيه : وروي عن أبي جميلة، عن عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: اكتب للآبق في ورقة أو في قرطاس: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم. يد فلان مغلولة إلى عنقه. إذا أخرجها لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ. ثمّ لفّها واجعلها بين عودين. ثمّ ألقها في كوّة بيت مظلم، في الموضع الّذي كان يأوي فيه.