سورة النّمل مكّيّة. وهي ثلاث وتسعون آية.
بسم الله الرحمن الرحيم
في كتاب ثواب الأعمال، بإسناده: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سور الطّواسين الثّلاث في ليلة الجمعة كان من أولياء اللّه وفي جواره وكنفه، ولم يصبه في الدّنيا بؤس أبدا، وأعطي في الآخرة من الجنّة حتّى يرضى وفوق رضاه، وزوّجه اللّه مائة زوجة من الحور العين.
و في مجمع البيان : روى أبو بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: قال من قرأ الطّواسين الثّلاث. (و ذكر مثله، وزاد في آخره:) وأسكنه اللّه في جنّة عدن وسط الجنّة مع النّبيّين والمرسلين والوصيّين الرّاشدين.
أبيّ بن كعب قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من قرأ طس سليمان، كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بسليمان وكذّب به وهود وشعيب وصالح وإبراهيم، ويخرج من قبره وهو ينادي، لا إله إلّا اللّه.
و عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وأعطيت طه والطّواسين من ألواح موسى.
طس: قد مرّ الإشارة إلى بعض معانيه.و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ: عن الصّادق- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وأمّا طس فمعناه:
أنا الطّالب السّميع.
تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ الإشارة إلى [آي] السّورة. والكتاب المبين، إمّا اللّوح وإبانته أنّه خطّ فيه ما هو كائن فهو يبّينه للنّاظرين فيه، وتأخيره هاهنا باعتبار تعلّق علمنا به وتقديمه في الحجر باعتبار الوجود، أو القرآن وإبانته لما أودع فيه من الحكم والأحكام، أو لصّحته بإعجازه.
و عطفه على القرآن، كعطف إحدى الصّفتين على الأخرى، وتنكيره للتّعظيم.
و قرئ : «كتاب» بالرّفع، على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.
هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ : حالان من «الآيات» والعامل فيهما معنى الإشارة، أو بدلان منها، أو خبران [آخران، أو] خبران لمحذوف.
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ: الّذين يعملون الصّالحات من الصّلاة والزّكاة.
وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ : من تتمة الصّلة، والواو للحال أو للعطف، وتغيير النّظم للدّلالة على قوّة يقينهم وثباته وأنّهم الأوحدون فيه. أو جملة اعتراضيّة، كأنّه قيل: وهؤلاء الّذين يؤمنون باللّه ويعملون الصّالحات هم الموقنون بالآخرة، فإنّ تحمّل المشاقّ إنّما يكون لخوف العاقبة والوثوق على المحاسبة. وتكرير الضّمير للاختصاص.
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ: زيّن لهم أعمالهم القبيحة، بأن جعلها مشتهاة للطّبع محبوبة للنّفس. أو الأعمال الحسنة الّتي وجب عليهم أن يعملوها بترتيب المثوبات عليها.
فَهُمْ يَعْمَهُونَ : عنها، لا يدركون ما يتبعها من ضرّ أو نفع.
أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ، كالقتل والأسر يوم بدر.
وَ هُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ : أشدّ النّاس خسرانا لفوت المثوبةو استحقاق العقوبة.
وَ إِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ: لتؤتاه.
مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ : أيّ حكيم وأيّ عليم.
و الجمع بينهما، مع أنّ العلم داخل في الحكمة، لعموم العلم ودلالة الحكمة على اتّقان الفعل، والإشعار بأنّ علوم القرآن منها ما هي حكمة، كالعقائد والشّرائع، ومنها ما ليس كذلك، كالقصص والإخبار عن المغيبات.
ثمّ شرع في بيان بعض تلك العلوم بقوله: إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً، أي: اذكر قصّته «إذ قال».
و يجون أن يتعلّق «بعليم».
سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ، أي: عن حال الطّريق لأنّه قد ضله.
و جمع الضّمير، إن صحّ أنّه لم يكن معه غير امرأته، لما كنّي عنها بالأهل.
و «السّين» للدّلالة على بعد المسافة والوعد بالإتيان وإن أبطأ .
أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ: شعلة نار مقبوسة.
و إضافة الشّهاب [إليه لأنّه قد يكون قبسا وغير قبس.
و نوّنه الكوفيّون ويعقوب، على أنّ القبس بدل منه أو وصف له، لأنّه بمعنى:
المقبوس] .
و العدتان على سبيل الظّنّ، ولذلك عبّر عنهما بصيغة التّرجّي [في طه] والتّرديد، للدّلالة على أنّه إن لم يظفر بهما لم يعدم أحدهما، بناء على ظاهر الأمر أو ثقة بعادة اللّه أنّه لا يكاد يجمع حرمانين على عبده.
لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ : رجاء أن تستدفئوا بها.
«و الصّلاء» النّار العظيمة.
فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ، أي: بورك، فإنّ النّداء فيه معنى القول. أوبأن بورك، على أنّها مصدريّة. أو مخفّفة من الثّقيلة، والتّخفيف وإن اقتضى التعويض «بلا» أو «قد» أو «السّين» أو «سوف» لكنّه دعاء وهو يخالف غيره في أحكام كثيرة.
مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها: من في مكان النّار، وهو البقعة المباركة المذكورة في قوله- تعالى-: نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ. ومن حول مكانها.
و الظّاهر أنّه عامّ في كلّ من تلك الوادي وحواليها من أرض الشّام الموسومة بالبركات، لكونها مبعث الأنبياء وكفاتهم أحياء وأمواتا، وخصوصا تلك البقعة الّتي كلّم اللّه- تعالى- فيها موسى.
و قيل : المراد: موسى والملائكة الحاضرون.
و تصدير الخطاب بذلك بشارة بأنّه قد قضي له أمر عظيم تنتشر بركته في أقطار الشّام.
وَ سُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ : من تمام ما نودي به، لئلّا يتوهّم من سماع كلامه تشبيها وللتّعجب من عظمة ذلك الأمر، أو تعجّب من موسى لما دهاه من عظمته.
يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ «الهاء» للشّأن وأَنَا اللَّهُ جملة مفسّرة له، أو للمتكلّم «و أنا» خبره «و اللّه» بيان له.
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ : صفتان له ممهّدتان لما أراد أن يظهره، يريد: أنا القويّ القادر على ما يبعد من الأوهام، كقلب العصا حيّة، الفاعل كلّ ما أفعله بحكمة وتدبير.
وَ أَلْقِ عَصاكَ: عطف على «بورك»، أي: نودي أن بورك من في النار وأن ألق عصاك. ويدلّ عليه قوله: وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ بعد قوله أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ بتكرير «أن».
فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ: تتحرّك باضطراب.
كَأَنَّها جَانٌّ: حيّة خفيفة سريعة.
و قرئ : «جأن» على لغة من جدّ في الهرب من التقاء السّاكنين.
وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ: ولم يرجع، من عقّب المقاتل: إذا كرّ بعد الفرار.
و إنّما رعب لظنّه أنّ ذلك لأمر أريد به، ويدلّ عليه قوله: يا مُوسى لا تَخَفْ: أي: من غيري ثقة بي، أو مطلقا لقوله: إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ : حين يوحى إليهم من فرط الاستغراق، فإنّهم أخوف النّاس من اللّه.
أو لا يكون لهم عندي سوء عاقبة فيخافون منه.
إِلَّا مَنْ ظَلَمَ: استثناء منقطع، يعني: لكن من ظلم نفسه بفعل القبيح من غير المرسلين، لأنّ الأنبياء لا يقع منهم ظلم لكونهم معصومين من الذّنوب والقبائح.
ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ أي: بدّل توبة وندما على ما فعله من القبيح، وعزما أن لا يعود إلى مثله في المستقبل.
فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ، أي: ساتر لذنبه قابل لتوبته.
وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ قيل : لأنّه كان بمدرعة صوف لا كمّ لها.
و قيل : «الجيب» القميص، لأنّه يجاب، أي: يقطع.
تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ
في كتاب معاني الأخبار ، وبإسناده إلى خلف بن حمّاد: عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ قال: من غير برص.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
فِي تِسْعِ آياتٍ: في جملتها، أو معها، على أنّ التّسع هي: الفلق ، والطّوفان، والجراد، والقمل، والضّفادع، والدّم، والطّمسة، والجدب في بواديهم، والنّقصان في مزارعهم. ولمن عدّ العصا واليد من التّسع أن يعدّ الأخيرين واحدا ولا يعدّالفلق، لأنّه لم يبعث به إلى فرعون.
أو اذهب في تسع آيات، على أنّه استئناف بالإرسال، فيتعلّق به إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ. وعلى الأوّلين يتعلّق بنحو: مبعوثا ومرسلا.
إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ : تعليل للإرسال.
فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا: بأن جاءهم موسى بها.
مُبْصِرَةً: بيّنة. اسم فاعل أطلق للمفعول، إشعارا بأنّها لفرط اجتلائها للأبصار بحيث تكاد تبصر نفسها لو كانت ممّا يبصر. أو ذات تبصّر من حيث أنّها تهدي، والعمي لا تهتدي فضلا أن تهدي . أو مبصرة كلّ من نظر إليها وتأمّل فيها.
و قرئ : «مبصرة»، أي: مكانا يكثر فيه التّبصّر.
و في مجمع البيان : وقراء عليّ بن الحسين- عليهما السّلام-: «مبصرة» بفتح الميم والصّاد.
قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ واضح سحريّته.
وَ جَحَدُوا بِها: وكذّبوا بها.
وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ: [و قد استيقنتها،] لأنّ الواو للحال.
ظُلْماً: لأنفسهم.
وَ عُلُوًّا: ترفّعا من الإيمان.
و انتصابهما على العلّة من «جحدوا».
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له:
أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب اللّه- عزّ وجلّ-.
قال: الكفر في كتاب اللّه على خمسة أوجه: فمنها كفر الجحود على وجهين.
... إلى قوله: وأمّا الوجه الآخر من الجحود على معرفة، وهو أن يجحد الجاحد وهو
يعلم أنّه حقّ قد استقرّ عنده، وقد قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ : وهو الإغراق في الدّنيا، والإحراق في الآخرة.
وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً: طائفة من العلم، وهو علم الحكم والشّرائع. وعلما أيّ علم.
وَ قالا الْحَمْدُ لِلَّهِ: عطفه بالواو إشعارا بأنّ ما قالاه بعض ما أتيا به في مقابلة هذه النّعمة، كأنّه قال: ففعلا شكرا له ما فعلا وَقالا: الْحَمْدُ لِلَّهِ.
الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ، يعني: من لم يؤت علما، ومثل علمهما.
و فيه دليل على فضل العلم وشرف أهله حيث شكرا على العلم وجعلاه أساس الفضل ولم يعتبر دونه ما أوتيا من الملك الّذي لم يؤت غيرهما، وتحريض للعالم على أن يحمد اللّه على ما آتاه من فضله وأن يتواضع ويعتقد أنّه وإن فضّله على كثير فقد فضّل عليه كثير.
وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ قيل : النّبوّة أو العلم أو الملك بأنّ قام مقامه في ذلك دون سائر بنيه، وكانوا تسعة عشر.
و الصّحيح عند أهل البيت- عليهم السّلام- أنّ الأنبياء يورثون المال كتوريث غيرهم.
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: روى عبد اللّه بن الحسن، بإسناده، عن آبائه- عليهم السّلام- أنّه لمّا أجمع أبو بكر على منع فاطمة فدك وبلغها ذلك جاءت إليه وقالت له: يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب اللّه أن ترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريّا، أ فعلى عمد تركتم كتاب اللّه ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب: وذكر مسلم، عن عبد الرّزاق، عن معمّر، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة، وفي حديث اللّيث بن سعد ، عن عقيل، عن ابن عروة ، عن عائشة في خبر طويل تذكر فيه، أنّ فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأل ميراثها من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- القصّة . قال: فهجرته ولم تكلّمه حتّى توفّيت ولم يؤذن بها ابو بكر يصلّي عليها.
و في بصائر الدّرجات : سلمة بن الخطّاب، عن عبد اللّه بن القاسم، عن زرعة ، عن المفضّل قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- داود ورّث سليمان وإنّا ورثنا محمّدا.
وَ قالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: تشهيرا لنعمة اللّه، وتنويها بها، ودعاء للنّاس إلى التّصديق بذكر المعجزة الّتي هي علم منطق الطّير وغير ذلك من عظائم ما أوتيه.
و النّطق والمنطق في التّعارف كلّ لفظ يعبّر به عمّا في الضّمير مفردا كان أو مركّبا، وقد يطلق لكلّ ما يصوّت به على التّشبيه أو التّبع، كقولهم: نطقت الحمامة. ومنه النّاطق والصّامت للحيوان والجماد، فإنّ الأصوات الحيوانيّة من حيث أنّها تابعة للتّخيّلات منزلة منزل العبارات، سيما وفيها ما يتفاوت باختلاف الأغراض بحيث يفهمها ما من جنسه.
قيل : ولعلّ سليمان- عليه السّلام- مهما سمع صوت حيوان علم بقوّته القدسيّة التّخيّل الّذي صوّته والغرض الّذي توخّاه به، ومن ذلك ما حكي أنّه مرّ ببلبل يصوّت ويترقّص، فقال: يقول: إذا أكلت نصف تمرة فعلى الدّنيا العفاء . وصاحت فاختة، فقال:
إنّها تقول: ليت الخلق لم يخلقوا. فلعلّه كان صوت البلبل عن شبع وفراغ بال، وصياحالفاختة عن مقاساة شدّة وتألّم قلب.
و قال عليّ بن عيسى : إنّ الطّير كانت تكلّم النّاس معجزة له، كما أخبر عن الهدهد.
و الضّمير في «علّمنا» و«أوتينا» له ولأبيه، أو له وحده على عادة الملوك لمراعاة قواعد السّياسة.
و المراد مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: كثرة ما أوتي، كقولك: فلان يقصده كلّ واحد ويعلم كلّ شيء.
و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن سيف، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر الثّاني- عليه السّلام- قال: قلت له: إنّهم يقولون في حداثة سنّك.
فقال: إنّ اللّه- تعالى- أوحى إلى داود أن يستخلف سليمان وهو صبيّ يرعى الغنم، فأنكر ذلك عبّاد بني إسرائيل وعلماؤهم، فأوحى اللّه إلى داود: أن خذ عصا المتكلّمين وعصا سليمان واجعلهما في بيت واختم عليها بخواتيم القوم، فإذا كان من الغد فمن كانت عصاه قد أورقت وأثمرت فهو الخليفة. فأخبرهم داود- عليه السّلام- فقالوا: قد رضينا وسلّمنا.
محمّد بن يحيى عن أحمد بن أبي زاهر أو غيره، عن محمّد بن حمّاد، عن أخيه، أحمد بن حمّاد، عن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام- قال: قلت له:
جعلت فداك، أخبرني عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ورث النّبيّين كلّهم؟
قال: نعم.
قلت: من لدن آدم حتّى انتهى إلى نفسه؟
قال: ما بعث اللّه نبيّا إلّا ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أعلم منه.
قال: قلت: إن عيسى بن مريم كان يحيي الموتى بإذن اللّه.
قال: صدقت، وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطّير، وكان رسول اللّه- صلّىاللّه عليه وآله- يقدر على هذه المنازل.
و بإسناده إلى أبي بصير: عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: قال لي: يا أبا محمّد، إنّ الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من النّاس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه الرّوح، فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و بإسناده إلى الفتح بن يزيد الجرجانيّ: عن أبي الحسن- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: إنّما قلنا: اللّطيف للخلق اللّطيف [و] لعلمه بالشّيء اللّطيف، أو لا ترى، وفّقك اللّه وتبتّك، الى أثر صنعه في النّبات اللّطيف وغير اللّطيف ومن الخلق اللّطيف ومن الحيوانات الصّغار ومن البعوض والجرجس وما هو أصغر منها، ممّا لا تكاد تستبينه العيون، بل لا يكاد يستبان لصغره الذّكر من الأنثى والحدث المولود من القديم، فلمّا رأينا صغر ذلك في لطفه واهتدائه للسفاد والهرب من الموت والجمع لما يصلحه وما في لجج البحار وما في الحاء الأشجار والمفاوز والقفاز وإنهام بعضها عن بعض منطقها وما يفهم به أولادها عنها- إلى قوله-: علمنا أنّ خالق هذا الخلق لطيف.
محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عليّ، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كنت عنده يوما إذ وقع زوج ورشان على الحائط وهدلا هديلهما، فردّ أبو جعفر عليهما كلامهما ساعة ثم نهضا، فلمّا طارا على الحائط هدل الذّكر على الأنثى ساعة ثمّ نهضا.
فقلت: جعلت فداك، ما هذا الطّير؟
قال: يا ابن مسلم، كلّ شيء خلقه اللّه من طير أو بهيمة أو شيء فيه روح فهو أسمع لنا وأطوع من بني آدم، إنّ هذا الورشان ظنّ بامرأته فحلفت له ما فعلت، فقالت:
ترضى بمحمّد بن عليّ. فرضيابي، فأخبرته أنّه لها ظالم، فصدّقها.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال الصّادق- عليه السّلام-: أعطي سليمان بنداود، مع علمه، معرفة المنطق بكلّ لسان ومعرفة اللّغات ومنطق الطّير والبهائم والسّباع، فكان إذا شاهد الحروب تكلّم بالفارسيّة، وإذا قعد لعمّاله وجنوده وأهل مملكته تكلّم بالرّوميّة، وإذا خلا بنسائه تكلّم بالسّريانيّة والنّبطيّة، وإذا اقام في محرابه لمناجاة ربّه تكلّم بالعربيّة، وإذا جلس للوفود والخصماء تكلّم بالعبرانيّة.
و فيه : قال: أعطي داود وسليمان- عليهما السّلام- ما لم يعط أحد من أنبياء اللّه من الآيات، علمهما منطق الطّير وألان لهما الحديد والصّقر من غير نار وجعلت الجبال يسبّحن مع داود- عليه السّلام-.
و في الخرائج والجرائح : قال بدر مولى الرّضا- عليه السّلام-: إنّ إسحاق بن عمّار دخل على موسى- عليه السّلام- فجلس عنده إذ استأذن عليه رجل من خراسان فكلّمه بكلام لم أسمع بمثله، كأنّه كلام الطّير.
قال إسحاق: فأجابه موسى- عليه السّلام- بمثله وبلغته إلى أن قضى وطره من مسائله فخرج من عنده.
فقلت: ما سمعت بمثل هذا الكلام.
فقال: هذا كلام قوم من أهل الصّين، وليس كلّ كلام أهل الصّين مثله.
ثمّ قال: أتعجب من كلامي بلغنه؟
فقلت: هو موضع العجب.
قال- عليه السّلام-: أخبرك بما هو أعجب منه، إنّ الإمام يعلم منطق الطّير ونطق كلّ ذي روح خلقه اللّه- تعالى- وما يخفى على الإمام شيء.
و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب: في تفسير الثّعلبيّ قال الصّادق- عليه السّلام-: قال: الحسين بن عليّ- صلوات اللّه عليهما-: إذا صاح النّسر قال: يا بن آدم، عش ما شئت آخره الموت. وإذا صاح الغراب قال: إنّ في البعد عن النّاسأنس . وإذا صاح القنبر قال: اللّهمّ، العن مبغضي آل محمّد. وإذا صاح الخطّاف قرأ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ويمدّ الضَّالِّينَ، كما يمدّها القارئ.
و فيه ، في مناقب أبي جعفر الباقر- عليه السّلام-: وسمع عصافير يصحن، قال: أ تدري، يا أبا حمزة، ما يقلن؟
قلت: لا.
قال: يسبّحن ربّي- عزّ وجلّ- ويسألن قوت يومهنّ.
محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: علّمنا منطق الطّير، وأوتينا من كلّ شيء.
و في بصائر الدّرجات : يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عمّن رواه، عن الميثميّ، عن منصور، عن الثّماليّ قال: كنت مع عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- في داره وفيها [شجرة فيها] عصافير وهنّ يصحن.
فقال لي: أ تدري ما يقلن هؤلاء؟
فقلت: لا أدري.
قال: يسبّحن ربّهنّ ويطلبن رزقهنّ.
محمّد بن إسماعيل ، عن عليّ بن الحكم، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة الثّماليّ.
قال: كنت عند عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- فانتشرت العصافير وصوّتت.
فقال لي: يا أبا حمزة، أ تدري ما تقول؟
قلت: لا.
قال: تقدّس ربّها وتسأله قوت يومها.
ثمّ قال: يا أبا حمزة، علّمنا منطق الطير وأوتينا من كلّ شيء.
أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد، عن بعض رجاله، عن أبي
عبد اللّه- عليه السّلام- وتلا رجل عنده هذه الآية: عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ليس فيها «من» إنّما هي «و أوتينا كلّ شيء».
محمّد بن محمّد، عن أحمد بن يوسف، عن داود الحدّاد، عن فضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كنت عنده إذ نظرت إلى زوج حمام ، فهدر الذّكر على الأنثى.
فقال لي: أ تدري ما يقول؟
قلت: لا.
قال: يقول: يا سكني وعرسي، ما خلق اللّه أحبّ إليّ منك إلّا أن يكون مولاي جعفر بن محمّد.
عليّ بن إسماعيل ، عن محمّد بن عمرو الزّيّات، عن أبيه، عن الفيض بن المختار قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ سليمان بن داود قال: عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وقد، واللّه، علّمنا منطق الطّير وعلم كلّ شيء.
أحمد بن موسى ، عن محمّد بن أحمد المعروف بغزال، عن محمّد بن الحسين، عن سليمان من ولد جعفر بن أبي طالب قال: كنت مع أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- في حائط له إذ جاء عصفور فوقع بين يديه وأخذ يصيح ويكثر الصّياح ويضطرب.
فقال لي: يا فلان. أ تدري ما تقول هذا العصفور؟
قال : قلت: اللّه ورسوله وابن رسوله أعلم.
قال: إنّها تقول: إنّ حيّة تريد أن تأكل فراخي في البيت، [فخذ معك العصا] وادخل [البيت واقتل] الحيّة.قال: فأخذت التّبعة ، وهي العصا، ودخلت إلى البيت وإذا حيّة تجول في البيت فقتلتها.
أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن ثعلبة، عن سالم، مولى أبان بيّاع الزّطّي قال: كنّا في حائط لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- معه ونفر معي، قال:
فصاحت العصافير.
فقال: أ تدري ما تقول هذه ؟
فقلنا: جعلنا اللّه فداك، ما ندري واللّه ما تقول.
قال: تقول: اللّهمّ، إنّا خلق من خلقك ولا بدّ لنا من رزقك، فأطعمنا واسقنا.
أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد والبرقيّ، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن ابن مسكان، عن عبد اللّه بن فرقد قال: خرجنا مع أبي عبد اللّه- عليه السّلام- متوجّهين إلى مكّة، حتّى إذا كنّا بسرف استقبله عذاب ينعق في وجهه.
فقال: مت جوعا، ما تعلم شيئا إلّا ونحن نعلمه، ألا إنّا أعلم باللّه منك.
فقلنا: هل كان في وجهه شيء؟
قال: نعم، سقطت ناقة بعرفات.
أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن ابن مسكان، عن أبي أحمد، عن شعيب بن الحسن قال: كنت عند أبي جعفر- عليه السّلام- جالسا فسمع صوت فاختي .
فقال: تدرون ما تقول [هذه؟
فقلنا: واللّه، ما ندري.]
قال: تقول: فقدتكم. فافقدوها قبل أن تفقدكم.
محمّد بن عبد الجبّار ، عن الحسن بن الحسين اللّؤلؤيّ، عن أحمد بن الحسن الميثميّ [، عن محمّد بن الحسن بن زياد الميثميّ] ، عن مليح ، عن أبي حمزة قال: كنت عند عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- وعصافير على الحائط يصحن.
فقال: يا أبا حمزة، أ تدري ما يقلن؟
[قلت: لا أدري] .
قال: يتحدّثن أنّهنّ في وقت يشكون قوتهنّ.
أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد والبرقي، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن عبد اللّه بن مسكان، عن داود بن فرقد، عن عليّ بن سنان قال: كنّا عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فسمع صوت فاختي في الدّار.
فقال: أين هذه الّتي أسمع صوتها؟
قلنا: هي في الدّار أهديت لبعضهم.
فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: أما لنفقدنّك قبل أن تفقدنا.
قال: ثمّ أمر بها فأخرجت من الدّار.
أحمد بن محمّد ، عن بكر بن صالح، عن محمّد بن أبي حمزة، عن عمر بن [محمّد] الإصبهانيّ قال: أهديت لإسماعيل بن أبي عبد اللّه صلصلا ، فدخل أبو عبد اللّه- عليه السّلام- فلمّا رآها قال: ما هذا الطّير المشئوم ؟ فإنّه يقول: فقدتكم، فقدتكم ، فافقدوه قبل أن يفقدكم.و عنه عن الجامورانيّ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن محمّد بن يوسف التّميميّ، عن محمّد بن جعفر، عن أبيه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أ تدرون ما تقول الصّنانية إذا هي ترنّمت؟ تقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حتّى تقرأ أمّ الكتاب، فإذا كان في آخرها قالت: وَلَا الضَّالِّينَ.
عبد اللّه بن محمّد ، عن: محمّد بن إبراهيم بن شمر ، عن بشير ، عن عليّ بن أبي حمزة قال: دخل رجل من موالي أبي الحسن، فقال: جعلت فداك، أحبّ أن تتعذّى عندي. فقام أبو الحسن حتّى مضى معه ودخل البيت، وإذا في البيت سرير فقعد على السّرير وتحت السّرير زوج حمام، فهدر الذّكر على الأنثى، وذهب الرّجل ليحمل الطّعام فرجع وأبو الحسن- عليه السّلام- يضحك.
فقال: أضحك اللّه سنّك، ممّا ضحكت؟
فقال: إنّ هذا الحمام هدر على هذه الحمامة ، فقال لها: يا سكني ويا عرسي، واللّه، ما على وجه الأرض [أحد] أحبّ إليّ منك ما خلا هذا القاعد على السّرير. [قال:] قلت: جعلت فداك، وتفهم كلام الطّير.
قال: نعم، عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
عبد اللّه بن محمّد ، عمّن رواه، عن محمّد بن عبد الكريم، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن، عن أبان بن عثمان، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- لابن عبّاس: إنّ اللّه علّمنا منطق الطّير، كما علّمه سليمان بن داود، ومنطق كلّ دابّة في برّ وبحر.
إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ : الّذي لا يخفى على أحد.
و في مجمع البيان : وروى الواحديّ بالإسناد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: أعطي سليمان بن داود ملك مشارق الأرض ومغاربها، فملك سبعمائة سنة وستّة أشهر، ملك أهل الدّنيا كلّهم من الجنّ والإنس والشّياطين والدّوابّ والطّير والسّباع، وأعطي علم كلّ شيء ومنطق كلّ شيء، وفي زمانه صنعت الصّنائع العجيبة الّتي سمع بها النّاس، وذلك قوله: عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ.
و في بصائر الدّرجات : أحمد بن موسى، عن محمّد بن الحسين، عن النّضر بن شعيب، عن عمر بن خليفة، عن شيبة بن الفيض، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: يا أيّها النّاس عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ.
و في جوامع الجامع : إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ و
عن الصّادق- عليه السّلام- يعني: الملك والنّبوّة.
و يروى: أنّه خرج من بيت المقدس مع ستّمائة ألف كرسيّ عن يمينه وشماله ، وأمر الطّير فأظلّتهم، وأمر الرّيح فحملتهم حتّى وردت بهم المدائن ثمّ رجع فبات في إصطخر، فقال: بعضهم لبعض: هل رأيتم ملكا قطّ أعظم من هذا أو سمعتم؟ قالوا: لا فنادى ملك في السّماء لثواب تسبيحة واحدة في اللّه أعظم ممّا رأيتم.
وَ حُشِرَ: وجمع.
لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ :
يحبسون، يحبس أوّلهم على آخرهم ليتلاحقوا .
و
في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله- عزّ وجلّ-:وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ فإنّه قعد على كرسيّه وحملته الرّيح فمرّت به على وادي النّمل، وهو واد ينبت فيه الذّهب والفضّة، وقد وكلّ اللّه به النّمل، وهو قول الصّادق- عليه السّلام-: إنّ للّه واديا ينبت فيه الذّهب والفضّة وقد حماه اللّه بأضعف خلقه وهو النّمل، لو رامته البخاتي ما قدرت عليه.
و في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-:
فَهُمْ يُوزَعُونَ قال: يحبس أوّلهم على آخرهم.
و في بصائر الدّرجات : أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن شعيب العقرقوفيّ، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان سليمان عنده اسم اللّه الأكبر الّذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب، ولو كان اليوم لاحتاج إلينا.
حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قيل : واد بالشّام كثير النّمل. وتعدية الفعل إليه «بعلى» إمّا لأنّ إتيانهم كان من عال، أو لأنّ المراد قطعه من قولهم: أتى على الشّيء: إذا أنفده وبلغ آخره، كأنّهم أرادوا أن ينزلوا أخريات الوادي.
قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ، كأنّها لمّا رأتهم متوجّهين إلى الوادي فرّت عنهم مخافة حطمهم فتبعها غيرها، فصاحت صيحة تنبّهت بها ما بحضرتها من النّمال فتبعتها، فشبّه ذلك بمخاطبة العقلاء ومناصحتهم فلذلك أجروا مجراهم، مع أنّه لا يمتنع أن خلق اللّه فيها العقل والنّطق.
لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ: نهي لهم عن الحطم، والمراد: نهيها عن التّوقّف بحيث يحطمونها، كقولهم: لا أرينّك هاهنا. فهو استئناف، أو بدل من الأمر لا جواب له فإنّ النّون لا تدخله في السّعة.
وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ : أنّهم يحطمونكم إذ لو شعروا لم يفعلوا، كأنّها شعرتعصمة الأنبياء من الظّلم والإيذاء.
و قيل : استئناف، أي: فهم سليمان والقوم لا يشعرون.
فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها: تعجّبا من حذرها وتحذيرها واهتدائها إلى مصالحها. أو سرورا ممّا خصّه اللّه به من إدراك همسها وفهم غرضها، ولذلك سأل توفيق شكره.
و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى داود بن سليمان الغازيّ قال: سمعت عليّ بن موسى الرّضا- عليهما السّلام- يقول عن أبيه، موسى بن جعفر بن محمّد- عليهم السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها. وقال: لمّا قالت النّملة: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ حملت الرّيح صوت النّملة إلى سليمان- عليه السّلام- وهو مارّ في الهواء والريح قد حملته فوقف، وقال: عليّ بالنّملة.
فلمّا أتي بها قال سليمان- عليه السّلام-: يا أيّتها النّملة، أما علمت أنّي نبيّ اللّه وأنّي لا أظلم أحدا؟
قالت النّملة: بلى.
قال سليمان- عليه السّلام-: فلم تحذّرينهم ظلمي، وقلت: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ؟
قالت النّملة: خشيت أن ينظروا إلى زينتك فيفتتنوا بها فيعبدون غير اللّه - عزّ وجلّ-:
ثمّ قالت النّملة: أنت أكبر أم أبوك، داود؟
قال سليمان- عليه السّلام-: بل أبي، داود.
قالت النّملة: فلم يزيد في حروف [اسمك حرف على حروف اسم] أبيك، داود؟
قال سليمان- عليه السّلام-: مالي بهذا علم.قالت: النّملة: لأنّ أباك، داود داود جرحه بودّ فسمّي داود، وأنت يا سليمان أرجو أن تلحق بأبيك.
ثمّ قالت النّملة: هل تدري لم سخّرت لك الرّيح من بين سائر المملكة؟
قال سليمان- عليه السّلام-: مالي بهذا علم.
قالت النّملة: يعني- عزّ وجلّ- بذلك: لو سخّرت لك جميع المملكة، كما سخّرت لك هذه الرّيح، لكان زوالها من يديك كزوال الرّيح. فحينئذ تبسّم ضاحكا من قولها.
و في مجمع البيان : وروي أنّ نمل سليمان هذا كان كأمثال الذّئاب والكلاب.
وَ قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ: [اجعلني أزع شكر نعمتك] عندي، أي: أكفه وأرتبطه لا ينفلت عنّي بحيث لا أنفكّ عنه.
الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ: أدرج فيه ذكر والديه تكثيرا للنّعمة. أو تعميما لها فإنّ النّعمة عليهما نعمة عليه، والنّعمة عليه يرجع نفعها إليهما سيما الدّينيّة.
وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ: إتماما للشّكر واستدامة للنّعمة.
وَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ : في عدادهم في الجنّة.
وَ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ: وتعرّف الطّير فلم يجد فيها الهدهد.
فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ :
«أم» منقطعة، كأنّه لمّا لم يره ظنّ أنّه حاضر ولا يراه لساتر أو غيره، فقال: مالي لا أراه، ثمّ احتاط فلاح له أنّه غائب فأضرب عن ذلك وأخذ يقول: أهو غائب ، كأنّه يسأل عن صحّة ما لاح له.