وَ الَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ : في الآخرة.
وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ :
ذكر ذلك هضما لنفسه، وتعليما للأمّة، أن يجتنبوا المعاصي ويكونوا على حذر.
و حمل الخطيئة على كلماته الثّلاث: إِنِّي سَقِيمٌ ، بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ ، وقوله:
«هي أختي» ، ضعيف، لأنّها معاريض، وليست خطايا.
رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً: كمالا في العلم والعمل، أستعدّ به خلافة الحقّ ورئاسة الخلق.
وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ : ووفّقني للكمال في العمل، لأنتظم به في عداد الكاملين في الصّلاح، الّذين لا يشوب صلاحهم كبير ذنب ولا صغيره. وهم الأنبياء- عليهم السّلام-.
وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ : جاها وحسن صيت في الدّنيا، يبقى أثره إلى يوم الدّين. ولذلك ما من أمّة إلّا وهم محبّون له مثنون عليه. أو: صادقا من ذرّيّتي يجدّد أصل ديني، ويدعو النّاس إلى ما كنت أدعوهم إليه. وهو محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.
و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: ألا وإنّ اللّسان الصّالح يجعله اللّه للمرء في النّاس، خير له من المال يورثه من لا يحمده.
و في شرح الآيات الباهرة : روي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه أراد به النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.
و روي عنه- عليه السّلام- أنّه أراد به عليّا- عليه السّلام-. قال: إنّه عرضت على إبراهيم ولاية عليّ بن أبي طالب. قال: أللّهمّ اجعله من ذرّيّتي. ففعل اللّه ذلك.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللّه-، في قوله- عزّ وجلّ-:
وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ قال: هو أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه.
و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، [عن عثمان بن عيسى] ، عن يحيى، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: ولسان الصّدق للمرء يجعله اللّه في النّاس، خير من المال يأكله ويورثه.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
وَ اجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ في الآخرة.
و قد مرّ معنى الوراثة فيها.
و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، في آخره بيان ما جرى منه- عليه السّلام- أيّام تزويج فاطمة- عليها السّلام- [من عليّ- عليه السّلام-] . وفيه:
فسأل عليّا: كيف وجدت أهلك؟ قال: نعم العون على طاعة اللّه. وسأل فاطمة.
فقالت: خير بعل. فقال: اللّهمّ اجمع شملهما [و ألّف بين قلوبهما] واجعلهما وذرّيّتهما من ورثة جنّة النّعيم.
وَ اغْفِرْ لِأَبِي بالهداية والتّوفيق للإيمان، إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ :
طريق الحقّ.
و قد مرّ بيان ذلك في سورة التّوبة.
وَ لا تُخْزِنِي، أي: لا تعيّرني ولا تفضحني بذنب.
و هذا الدّعاء منه على وجه الانقطاع إلى اللّه تعالى، لما بيّنّا أنّ القبيح لا يجوز وقوعه عن الأنبياء. وهو من الخزي بمعنى الهوان، أو من الخزاية بمعنى الحياء.
يَوْمَ يُبْعَثُونَ : الضمير للعباد، لأنّهم معلومون. أو للضّاليّن.
يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ، أي:
لا ينفعان أحدا إلّا مخلصا سليم القلب عن الكفر وميل المعاصي وسائر آفاته. أو: لا ينفعان إلّا مال من هذا شأنه وبنوه، حيث أنفق ماله في سبيل الخير، وأرشد بنيه إلى الحقّ، وحثّهمعلى البرّ، وقصدهم أن يكونوا عباد اللّه مطيعين، شفعاء له يوم القيامة.
و قيل : الاستثناء، ممّا دلّ عليه المال والبنون. أي: لا ينفع غنى إلّا غناه.
و قيل : منقطع. والمعنى: ولكن سلامة مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ تنفعه.
[و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقريّ، عن سفيان بن عيينة:] [عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-] قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. قال: [القلب] السّليم الذي يلقى ربّه، وليس فيه أحد سواه. قال: كلّ قلب فيه شرك أو شكّ، فهو ساقط. وإنّما أراد بالزّهد في الدّنيا، لتفزع قلوبهم إلى الآخرة.
و بإسناده إلى الحسن بن الجهم عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: قال:
التّواضع أن تعطي النّاس ما تحبّ أن تعطاه.
و في حديث آخر قال: قلت: ما حدّ التّواضع الّذي إذا فعله العبد، كان متواضعا؟
فقال: للتّواضع درجات. منها أن يعرف المرء قدر نفسه، فينزلها منزلتها بقلب سليم، لا يحبّ أن يأتي إلى أحد إلّا بمثل ما يؤتى إليه. إن رأى سيّئة، درأها بالحسنة. كاظم الغيظ، عاف عن النّاس. واللّه يحبّ المحسنين.
و في مجمع البيان : وروي عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه قال: هو القلب الّذي سلم من حبّ الدّنيا.
و يؤيّده
قول النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: «حبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة».
و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: صاحب النّيّة الصّادقة، صاحب القلب السّليم. لأنّ سلامة القلب من هواجس المحذورات، بتخليص النّيّة للّه في الأمور كلّها. قال اللّه- تعالى-: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ، بحيث يرونها من الموقف، فيتبجّحون بأنّهم المحشورون إليها.
وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ ، فيرونها مكشوفة ويتحسّرون على أنّهم المسوقون إليها.
و في اختلاف الفعلين، ترجيح لجانب الوعد.
وَ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ: أين آلهتكم، الّذين تزعمون أنّهم شفعاؤكم؟
هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ بدفع العذاب عنكم؟
أَوْ يَنْتَصِرُونَ : بدفعه عن أنفسهم؟
لأنّهم وآلهتهم، الملقون في النار، كما قال:
فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ ، أي: الآلهة وعبدتهم.
و الكبكبة: تكرير الكبّ، لتكرير معناه. كأنّ من ألقي في النّار، ينكبّ مرّة بعد أخرى، حتّى يستقرّ في قعرها.
و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن أبي سعيد المكاريّ، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ قال: [يا أبا بصير] هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثمّ خالفوه الى غيره.
[محمّد بن يحيى ، عن الحسين بن إسحاق عن عليّ بن مهزيار، عن عبد اللّه بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال في قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ قال: يا أبا بصير، هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثم خالفوه إلى غيره.]
و
في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ قالالصّادق- عليه السّلام- نزلت في قوم وصفوا عدلا بألسنته، ثمّ خالفوه إلى غيره.
و في خبر آخر قال: «هم» بنو أميّة. وَالْغاوُونَ بنو العبّاس .
و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب: أبو ذرّ في خبر عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: يا أبا ذرّ، يؤتى بجاحد عليّ يوم القيامة أعمى أبكم، يتكبكب في ظلمات يوم القيامة، ينادي: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ، وفي عنقه طوق من النّار.
و في محاسن البرقيّ: وفي رواية عثمان بن عيسى- أو غيره- عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ قال: من وصف عدلا، ثمّ خالفه إلى غيره.
وَ جُنُودُ إِبْلِيسَ: متّبعوه من عصاة الثّقلين، أو شياطينه.
أَجْمَعُونَ :
تأكيد للجنود، أو للضّمير في «كبكبوا» وما عطف عليه.
قالُوا وَهُمْ: [متبّعوه] ، أي: العبدة.
فِيها يَخْتَصِمُونَ : مع معبوديها.
تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ ، أي: في استحقاق العبادة.
و في كتاب التّوحيد خطبة لعليّ - عليه السّلام- يقول فيها: أيّها السائل اعلم أنّ من شبّه ربّنا الجليل بتباين أعضاء خلقه، وبتلاحم أحقاق مفاصلهم المحتجبة بتدبير حكمته، إنّه لم يعقد غيب ضميره على معرفته، ولم يشاهد قلبه اليقين بأنّه لا ندّ له. وكأنّه لم يسمع بتبرّي التّابعين من المتبوعين، وهم يقولون: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ.فمن ساوى ربّنا بشيء، فقد عدل به. والعادل به، كافر بما تنزّلت به محكمات آياته، ونطقت به شواهد حجج بيّناته. لأنّه اللّه الّذي لم يتناه في العقول، فيكون في مهبّ فكرها مكيّفا، وفي حواصل هويّات همم النّفوس محدودا مصرّفا. المنشئ أصناف الأشياء، بلا رويّة احتاج إليها، ولا قريحة غريزة أضمر عليها، ولا تجربة أفادها من مرّ حوادث الدّهور، ولا شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور.
وَ ما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ :
قيل : أي: إلّا أوّلونا الّذين اقتدينا بهم.
و قيل : إلّا الشّياطين.
و قيل : إلّا الكافرون الّذين دعونا إلى الضّلال.
فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ ، كما للمؤمنين من الملائكة والأنبياء.
و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر- عليه السّلام-، حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وأنزل في طسم: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ. جنود إبليس ذرّيّته من الشّياطين.
و قوله: وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ، يعني: المشركين الّذين اقتدى بهم هؤلاء، فاتّبعوهم على شركهم. وهم قوم محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- ليس فيهم من اليهود والنّصارى أحد. وتصديق ذلك قول اللّه- عزّ وجلّ-: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ . كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ . كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ . ليس هم اليهود الّذين قالوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ولا النّصارى الّذين قالوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ سيد خل اللّه اليهود والنّصارى النّار، ويدخلكلّ قوم بأعمالهم، وقولهم: وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ إذ دعونا إلى سبيلهم، ذلك قول اللّه- عزّ وجلّ- فيهم حين جمعهم إلى النّار: قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ. وقوله: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً بريء بعضهم من بعض، ولعن بعضهم بعضا، يريد بعضهم أن يحجّ بعضا رجاء الفلج فيفلتوا من عظيم ما نزل بهم، وليس بأوان بلوى ولا اختبار، ولا قبول معذرة ولا حين نجاة.