انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا قيل : لقلّة عيالكم ولكثرتها. أو ركبانا ومشاة. أو خفافا وثقالا من السّلاح. أو صحاحا ومراضا، ولذلك لمّا قال ابن أمّ مكتوم لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أعليّ أن أنفر؟ قال: نعم. حتّى نزل لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال شبانا وشيوخا، يعني: إلى غزوة تبوك.
وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: بما أمكن لكم منهما، كليهما أو أحدهما.
ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ: من تركه.
إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ : الخير، علمتم أنّه خير لكم. أو إن كنتم تعلمون أنه خير، إذ إخبار اللَّه به صادق فبادروا إليه.
لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً: لو كانوا ما دعوا إليه نفعا دنيويا قريبا، سهل المأخذ.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الباقر- عليه السّلام- يقول: غنيمة قريبة.
وَ سَفَراً قاصِداً: متوسّطا.
لَاتَّبَعُوكَ: لوافقوك.
وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ: المسافة الّتي تقطع بمشقّة.
و قرئ ، بكسر العين والشّين.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : إلى تبوك.و في كتاب التّوحيد : حدّثني أبي ومحمد بن الحسن [بن أحمد بن الوليد] - رضي اللَّه عنهما- قالا: حدّثنا سعد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عبد اللَّه بن محمّد الحجّال الأسدي، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبد الأعلى بن أعين، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في هذه الآية: [إنّهم كانوا يستطيعون] وقد كان في العلم أنّه لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لفعلوا.
و في تفسير العيّاشيّ : عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه- عليهما السلام- قال اللَّه- عزّ وجلّ-: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ (الآية): أنّهم يستطيعون. وقد كان في علم اللَّه [أنّه] «لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا» لفعلوا.
وَ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ، أي: المتخلّفون، إذا رجعت من تبوك مقتدرين.
لَوِ اسْتَطَعْنا: لو كان لنا استطاعة العدّة، أو البدن.
و قرئ : «لو استطعنا» بضمّ الواو، تشبيها لها بواو الضّمير في قوله: «اشتروا الضّلالة».
لَخَرَجْنا مَعَكُمْ: سادّ مسدّ جوابي القسم والشرط. وهذا من المعجزات، لأنّه إخبار عمّا وقع قبل وقوعه.
يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ: بإيقاعها في العذاب. وهو بدل من «سيحلفون»، لأنّ الحلف الكاذب إيقاع للنفس في الهلاك. أو حال من فاعله.
وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ : في ذلك، لأنّهم كانوا مستطيعين للخروج.
و في كتاب التّوحيد : حدثنا أبي ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد- رضي اللَّه عنهما- قالا: حدّثنا [سعد بن عبد اللَّه قال: حدثنا] أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن عبد اللَّه، عن أحمد بن محمّد البرقيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في هذه الآية.قال: كذّبهم اللَّه في قولهم: لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ. وقد كانوا مستطيعين للخروج.
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ: بيان لما كنّى عنه بالعفو، ومعاتبة عليه.
و المعنى: لأي شيء أذنت لهم في القعود حين استأذنوك واعتلّوا بأكاذيب، وهلّا توقّف؟
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا: في الاعتذار.
وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ : فيه.
قيل : انّما فعل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- شيئين لم يؤمر بهما: أخذه الفداء ، وإذنه للمنافقين. فعاتبه اللَّه عليهما.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- يقول: لتعرف أهل العذر ، والّذين جلسوا بغير عذر.
و في الجوامع : وهذا من لطيف المعاتبة، بدائه بالعفو قبل العتاب. ويجوز العتاب من اللَّه فيما غيره أولى، لا سيما للأنبياء. وليس، كما قاله جار اللَّه، من أنّه كناية عن الجناية. وحاشا سيد الأنبياء وخير بني حوّاء من أن ينسب إليه جناية.
و في عيون الأخبار : عن الرّضا- عليه السّلام- بإسناده إلى عليّ بن محمّد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا- عليه السّلام-.
فقال له المأمون: يا ابن رسول اللَّه، أليس من قولك: إن الأنبياء معصومون؟
قال: بلى.
قال: فما معنى قول اللَّه- عزّ وجلّ- إلى أن قال: فأخبرني عن قوله- تعالى-:
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ.
قال الرّضا- عليه السّلام-: هذا مما نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة. خاطب اللَّه بذلك نبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وأراد به أمّته. وكذلك قول اللَّه- عزّ وجلّ-:لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ . وقوله: لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا .
قال: صدقت، يا ابن رسول اللَّه.
لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، أي: ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا. وانّ الخلص منهم يبادرون إليه ولا يوقفونه على الإذن فيه، فضلا أن يستأذنوا في التّخلف عنه. أو أن يستأذنوك في التّخلف، كراهة أن يجاهدوا.
وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ : شهادة لهم بالتّقوى، وعدة لهم بثوابه.
إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ: في التّخلف.
الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ: تخصيص الإيمان باللَّه واليوم الآخر في الموضعين، للإشعار بأنّ الباعث على الجهاد والوازع عنه الإيمان وعدم الإيمان بهما.
وَ ارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ : يتحيّرون.
في كتاب الخصال : عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: من تردّد في الرّيب، سبقه الأوّلون وأدركه الآخرون ووطأته سنابك الشّياطين.
و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: من تردّد في الرّيب، وطأته سنابك الشّياطين.
وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ: للخروج.
عُدَّةً: اهبة.
و قرى ، بحذف التّاء عند الإضافة، كقوله: وأخلفوك عدّ الأمر الّذي وعدوا.
و «عدة» بكسر العين، بإضافة وبغيرها.
و في تفسير العيّاشيّ : عن المغيرة قال: سمعته يقول في قول اللَّه: وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً.قال: يعني: بالعدّة النيّة. يقول: لو كان لهم نيّة، لخرجوا.
و في كتاب الخصال : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: إذا أردتم الحجّ، فتقدّموا في شراء الحوائج ببعض يقوتكم على السّفر. فان اللَّه يقول: وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً.
وَ لكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ: استدراك عن مفهوم قوله: وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ، كأنّه قال: ما خرجوا، ولكن ثبّطوا. لأنّه- تعالى- كره انبعاثهم، أي: نهوضهم للخروج.
فَثَبَّطَهُمْ: فحبسهم بالجبن والكسل.
وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ : تمثيل الإلقاء اللَّه- تعالى- كراهة الخروج في قلوبهم. أو وسوسة الشّيطان بالأمر بالعقود. أو حكاية قول بعضهم لبعض. أو إذن الرّسول لهم.
و «القاعدين» يحتمل المعذورين وغيرهم. وعلى الوجهين لا يخلو عن ذمّ.
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ: بخروجهم شيئا.
إِلَّا خَبالًا: فسادا وشرّا. ولا يستلزم ذلك أن يكون لهم خبال، حتّى لو خرجوا زادوه. لأنّ الزّيادة باعتبار أعمّ العامّ الذي وقع منه الاستثناء. ولأجل هذا التّوهم جعل الاستثناء منقطعا، وليس كذلك لأنّه لا يكوم مفرغا.
وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ: ولأسرعوا ركائبهم بينكم بالنّميمة والتضريب، أو الهزيمة والتّخذيل. من وضع البعير وضعا: إذا أسرع.
يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ: يريدون أن يفتنوكم بإيقاع الخلاف بينكم، أو الرّعب في قلوبكم.
و الجملة، حال، من الضّمير في «أوضعوا».
وَ فِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ: ضعفة يسمعون قولهم ويطيعونهم. أو نمّامون يسمعون حديثكم، للنّقل إليهم.
وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ : فيعلم ضمائرهم وما يتأتى منهم.
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ: تشتيت أمرك، وتفريق أصحابك.مِنْ قَبْلُ، يعني: يوم أحد. فإنّ ابن أبي وأصحابه، كما تخلّفوا عن تبوك بعد ما خرجوا مع الرّسول إلى ذي جدة أسفل من ثنية الوداع، انصرفوا يوم أحد.
وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ: ودبّروا لك المكائد والحيل، وزوّروا الآراء في إبطال أمرك.
حَتَّى جاءَ الْحَقُّ: النصر والتأييد الإلهيّ.
وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ: وعلا دينه.
وَ هُمْ كارِهُونَ ، أي: على رغم منهم.
و الآيتان لتسلية الرّسول والمؤمنين على تخلّفهم، وبيان ما ثبّطهم اللَّه لأجله وكره انبعاثهم له، وهتك أستارهم وكشف أسرارهم وإزاحة اعتذارهم، تداركا لما فوت الرّسول- عليه السّلام- بالمبادرة إلى الإذن.
وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي: في القعود.
وَ لا تَفْتِنِّي: ولا توقعني في الفتنة، أي: العصيان والمخالفة، بأن لا تأذن لي.
و فيه إشعار بأنه لا محالة متخلّف أذنه أو لم يأذن.
أو في الفتنة بسبب ضياع المال والعيال، إذ لا كافل لهم بعدي.
أو في الفتنة بنساء الرّوم، لمّا يأتي في تفسير عليّ بن إبراهيم.
أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا، أي: انّ الفتنة هي الّتي سقطوا فيها. وهي فتنة التخلّف وظهور النفاق، لا ما احترزوا عنه.
وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ : جامعة لهم يوم القيامة. أو الآن، لاحاطة أسبابها بهم.
و
في تفسير عليّ بن إبراهيم : لقي رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- الحر بني قيس.
فقال له: يا أبا وهب، ألا تنفر معنا في هذه الغزوة ، لعلّك أن تحتفد من بنات الأصفر ؟فقال: يا رسول اللّه، واللّه ان قومي ليعلمون أنه ليس فيهم أحد أشدّ عجبا بالنّساء مني. وأخاف إن خرجت معك، ان لا أصبر إذا رأيت بنات الأصفر. فلا تفتنّي وائذن لي أن أقيم.
و قال لجماعة من قومه: لا تخرجوا في الحرّ.
فقال ابنه: تردّ على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فتقول ما تقول. ثمّ تقول لقومك: لا تنفروا في الحرّ، واللَّه، لينزلنّ اللَّه في هذا قرآنا يقرأه النّاس إلى يوم القيامة، فأنزل اللَّه على رسوله في ذلك وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي (الآية) ثمّ قال الحر بن قيس : أ يطمع محمد أنّ حرب الرّوم، مثل حرب غيرهم لا يرجع من هؤلاء أحد أبدا.
إِنْ تُصِبْكَ: في بعض غزواتك.
حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ: لفرط حسدهم.
وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ: كسر أو شدة، كما أصاب يوم احد.
يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ: يتبجّحون بانصرافهم، واستحمدوا آراءهم في التخلّف.
وَ يَتَوَلَّوْا: عن متحدّثهم بذلك ومجتمعهم له. أو عن الرسول.
وَ هُمْ فَرِحُونَ : مسرورون.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الباقر- عليه السّلام-: أمّا الحسنة، فالغنيمة والعافية. وأما المصيبة، فالبلاء والشّدة.
قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا: إلّا ما اختصّنا بإثباته وإيجابه من النصرة، أو الشّهادة. أو ما كتب لأجلنا في اللّوح المحفوظ، لا يتغير بموافقتكم ولا بمخالفتكم.
و قرئ : «و هل يصيبنا». وهو من فيعل لا من فعل، لأنه من بنات الواو.
لقولهم: صاب السهم يصوب. واشتقاقه من الصواب، لأنّه وقوع الشيء فيما قصد به.
و قيل : من الصوب.هُوَ مَوْلانا: ناصرنا ومتولي أمرنا.
وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ : لأنّ حقّهم أن لا يتوكلوا على غيره.
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا: تنتظرون بنا.
إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ: إلا إحدى العاقبتين اللّتين كلّ منهما حسنى العواقب، النصرة والشّهادة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السلام- يقول: الغنيمة والجنّة.
وَ نَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ: أيضا إحدى السّوأيين.
أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ: بقارعة من السّماء.
أَوْ بِأَيْدِينا: أو بعذاب بأيدينا، وهو القتل على الكفر.
فَتَرَبَّصُوا: ما هو عاقبتنا.
إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ : ما هو عاقبتكم.
و في نهج البلاغة . قال عليّ- عليه السّلام-: وكذلك المرء المسلم البريء من الخيانة ينتظر إحدى الحسنيين: إمّا داعي اللَّه، فما عند اللَّه خير له. وإما رزق اللَّه، فإذا هو ذو أهل ومال، ومعه دينه وحسبه.
و في روضة الكافي : علي بن محمد، عن عليّ بن عبّاس، عن الحسن بن عبد الرّحمن، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له: قوله- عزّ وجلّ-: هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ.
قال: إمّا موت في طاعة اللَّه، أو إدراك ظهور إمامه . ونحن نتربّص بهم مع ما نحن فيه من الشّدة أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ قال: هو المسخ. أَوْ بِأَيْدِينا وهو القتل. قال اللَّه- عزّ وجلّ- لنبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله-:فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ . و«التربص» انتظار وقوع البلاء بأعدائهم.
قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ: أمر في معنى الخبر، أي: لن يتقبّل منكم نفقاتكم، أنفقتم طوعا أو كرها.
و فائدته المبالغة في تساوي الإنفاقين في عدم القبول، كأنّهم أمروا بأن يمتحنوا فينفقوا وينظروا، هل يتقبّل منهم.
قيل : وهو جواب قول حرّ بن قيس: وأعينك بمالي. ونفي التقبل يحتمل أمرين: أن لا يؤخذ منهم، وأن لا يثابوا عليه.
و قوله: إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ تعليل له على سبيل الاستئناف، وما بعده بيان وتقرير له.
وَ ما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، أي: وما منعهم قبول نفقاتهم إلّا كفرهم.
و قرأ حمزة والكسائيّ: «أن يقبل» بالياء. لأنّ تأنيث النّفقات غير حقيقيّ.
و قرئ : «يقبل»، على أنّ الفعل للَّه.
و في أصول الكافي : محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي بكير، عن أبي أمية، يوسف بن ثابت قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: لا يضرّ مع الإيمان عمل، ولا ينفع مع الكفر عمل. ألا ترى أنه قال: وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ.
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن ثعلبة، عن أبي أميّة، يوسف بن ثابت بن أبي سعدة ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: الإيمان لا يضرّ معه عمل، وكذلك الكفر لا ينفع معه عمل.
و في روضة الكافي : أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن الحسن بن
عليّ بن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي أمية، يوسف بن ثابت بن أبي سعيدة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال في حديث طويل: واللَّه، لو أنّ رجلا صام النّهار وقام الليل، ثمّ لقي اللَّه- عزّ وجلّ- بغير ولايتنا أهل البيت، لقيه اللَّه وهو عنه غير راض أو ساخط عليه.
ثمّ قال: وذلك قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ (الآية).
ثمّ قال: وكذلك الإيمان لا يضرّ معه العمل، وكذلك الكفر لا ينفع معه العمل.
و في كتاب الاحتجاج للطبرسيّ- رحمه اللَّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: فكلّ عمل مجرى على غير أيدي أهل الأصفياء وعهودهم وحدودهم وشرائعهم وسننهم ومعالم دينهم، مردود غير مقبول. وأهله بمحلّ كفر، وإن شملتهم صفة الإيمان. ألم تسمع قول اللَّه- عزّ وجلّ- وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ. فمن لم يهتد من أهل الإيمان إلى سبيل النّجاة، لم يغن عنه إيمانه باللَّه مع دفع حقّ أوليائه، وحبط عمله ، وهو في الآخرة من الخاسرين.
وَ لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى: متثاقلين.
و في كتاب الخصال : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: لا يقومنّ أحدكم في الصّلاة متكاسلا ولا ناعسا، ولا يفكرن في نفسه. فانه بين يدي اللَّه- عزّ وجلّ- وإنّما للعبد من صلاته ما أقبل عليها منها [بقلبه] .
وَ لا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ : لأنّهم كانوا لا يرجون بهما ثوابا، ولا يخافون على تركهما عقابا.
فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ: فإن ذلك استدراج، ووبال لهم.
في مجمع البيان : الخطاب للنبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-. والمراد جميع المؤمنين.
و قيل : الخطاب للسّامع.
و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن احمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبي المعزاء، عن زيد الشّحام، عن عمرو بن سعيد بن الهلال، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال: أوصيك بتقوى اللَّه، وصدق الحديث، والورع والاجتهاد. واعلم أنّه لا ينفع اجتهاد لا ورع معه. وايّاك أن تطمح نفسك إلى من فوقك، وكفى بما قال اللَّه- عزّ وجلّ- لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا: بسبب ما يكابدون لجمعها وحفظها من المتاعب، وما يرون فيها من الشّدائد والمصائب.
وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ : فيموتوا كافرين مشتغلين بالتّمتّع عن النّظر في العاقبة، فيكون ذلك استدراجا لهم.
و أصل الزّهوق: الخروج بصعوبة.
وَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ: لمن جماعة المسلمين.
وَ ما هُمْ مِنْكُمْ: لكفر قلوبهم.
وَ لكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ : يخافون منكم أن تفعلوا بهم ما تفعلون بالمشركين، فيظهرون الإسلام تقيّة.
لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً: حصنا يلجئون إليه.
أَوْ مَغاراتٍ: غيرانا.
أَوْ مُدَّخَلًا: نفقا ينجحرون فيه. مفتعل، من الدّخول.
و قرأ يعقوب: «مدخلا». من دخل.
و قرى : «مدخلا»، أي: مكان يدخلون فيه أنفسهم. و«متدخلا» من تدخّل. و«مندخلا» من اندخل.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: موضعا يلتجئون إليه.و في مجمع البيان : قيل: أسرابا في الأرض.
لَوَلَّوْا إِلَيْهِ: لأقبلوا نحوه.
وَ هُمْ يَجْمَحُونَ : يسرعون إسراعا لا يردّهم شيء، كالفرس الجموح.
و قرئ : «يجمزون». ومنه الجمازة.
وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ: يعيبك.
و قرأ يعقوب: «يلمزك» بالضّمّ. وابن كثير: «يلامزك».
فِي الصَّدَقاتِ: في فيئها.
فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ ، يعني:
أنّ رضاهم وسخطهم لأنفسهم لا للدّين.
و «إذا» للمفاجأة، نائب مناب الفاء الجزائية.
و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التّميميّ، وهو حرقوص بن زهير أصل الخوارج. فقال: أعدل، يا رسول اللَّه.
فقال: ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟! (الحديث).
إلى أن قال: فنزلت.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : نزلت لمّا جاءت الصّدقات، وجاء الأغنياء وظنّوا أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يقسمهما بينهم. فلمّا وضعها في الفقراء، تغامزوا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ولمزوه. وقالوا: نحن الّذين نقوم في الحرب وننفر معه ونقوي أمره، ثمّ يدفع الصّدقات إلى هؤلاء الّذين لا يغنوه ولا يغنوا عنه شيئا.
و في أصول الكافي : عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابراهيم بن
عبد الحميد، عن إسحاق بن غالب قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: [يا إسحاق] كم ترى أهل هذه الآية فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ؟
قال: ثمّ قال: هم أكثر من ثلثي النّاس.
وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: بما أعطاهم الرّسول من الغنيمة، أو الصّدقة. وذكر اللَّه للتّعظيم والتّنبيه. على أنّ ما فعله الرّسول كان بأمره.
وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ: كفانا فضله.
سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ: صدقة، أو غنيمة أخرى.
وَ رَسُولُهُ: فيؤتينا أكثر ممّا آتانا اللَّه.
إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ : في أن يغنينا من فضله. والآية بأسرها في حيّز الشّرط، والجواب محذوف، تقديره: لكان خيرا لهم.
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ، أي: الزّكاة لهؤلاء المعدودين دون غيرهم.
قيل : وهو دليل على أنّ المراد باللّمز: لمزهم في قسم الزكوات دون الغنائم.
وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها: السّاعين في تحصيلها وجمعها.
وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ: قوم وحّدوا اللَّه، ولم تدخل المعرفة في قلوبهم أنّ محمدا رسول اللَّه. فكان رسول اللَّه يتألّفهم ويعلّمهم لكي ما يعرفوا. فجعل اللَّه لهم نصيبا في الصّدقات، لكي يعرفوا ويرغبوا.
و قيل : أو أشراف يترقّب بإعطائهم ومراعاتهم إسلام نظرائهم. وقد أعطى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- عيينة بن حصين والأقرع بن حابس والعبّاس بن مرداس لذلك.
و قيل : أشراف يستألفون.
و قيل : كان سهم المؤلّفة للتكثير. فلمّا أعز اللَّه الإسلام وأهله، سقط.
وَ فِي الرِّقابِ: وللصرف في فكّ الرّقاب.قيل : العدول عن «اللّام» إلى «في»، للدّلالة على أنّ الاستحقاق للجهة لا للرّقاب.
و قيل ، للإيذان، بأنّهم أحقّ بها.
وَ الْغارِمِينَ: المديونين، الّذين وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللَّه من غير إسراف.
وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: وللصرف في الجهاد، بالإنفاق على المتطوّعة وابتياع الكراع والسلاح. والصّرف في جميع سبل الخير.
وَ ابْنِ السَّبِيلِ: المسافر المنقطع عن ماله.
فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ: مصدر لما دلّ عليه الآية، أي: فرض اللَّه لهم الصدقات فريضة. أو حال من الضّمير المستكنّ في «للفقراء».
و قرئ ، بالرّفع. على: تلك فريضة.
وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ يضع الأشياء في مواضعها.
قيل : وظاهر الآية يقتضي تخصيص استحقاق الزكاة بالأصناف الثمانية، ووجوب الصّرف إلى كلّ صنف وجد منهم. ومراعاة التّسوية بينهم، قضيّة للاشتراك.
و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن صباح بن سيابة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أيّما مؤمن أو مسلم مات وترك دينا ولم يكن في فساد ولا إسراف، فعلى الإمام أن يقضيه. فان لم يقضه، فعليه إثم ذلك. إنّ اللَّه- تبارك وتعالى- يقول: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ (الآية). فهو من الغارمين، وله سهم عند الإمام. فإن حبسه، فإثمه عليه.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة ومحمّد بن مسلم، إنّهما قالا لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: أ رأيت قول اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ- إلى قوله- فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ. أكلّ هؤلاء يعطى إن كان لايعرف؟
فقال: إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا، لأنّهم يقرّون له بالطّاعة.
قال: قلت: فإن كانوا [لا] يعرفون؟
فقال: يا زرارة، لو كان يعطي من يعرف [دون من لا يعرف] ، لم يوجد لها موضع. وإنّما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدّين، فيثبت عليه. فأمّا اليوم، فلا تعطها أنت وأصحابك إلّا من يعرف. فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا، فأعطه دون النّاس.
ثمّ قال: سهم المؤلّفة قلوبهم وسهم الرّقاب عامّ، والباقي خاصّ.
قال: قلت: فإن لم يوجدوا؟
قال: لا تكون فريضة فرضها اللَّه- عزّ وجلّ- لا يوجد لها أهل.
قال: قلت: فإن لم تسعهم الصّدقات؟
فقال: إنّ اللَّه فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم. ولو علم أنّ ذلك لا يسعهم، لزادهم. إنّهم لم يؤتوا من قبل فريضة اللَّه، ولكن أوتوا من منع من منعهم حقّهم لا ممّا فرض اللَّه لهم. ولو أنّ النّاس أدّوا حقوقهم، لكانوا عائشين بخير.
عليّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن عبد اللَّه بن يحيى، عن عبد اللَّه بن مسكان، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-:
قول اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ.
قال: «الفقير» الّذي لا يسأل النّاس، و«المسكين» أجهد منه، و«البائس» أجهدهم. فكلّ ما فرض اللَّه- عزّ وجلّ- عليك، فإعلانه أفضل من إسراره. وكل ما كان تطوعا، فإسراره أفضل من إعلانه. ولو أنّ رجلا يحمل زكاة ماله [على عاتقه] فقسّمها علانية، كان ذلك حسنا جميلا.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن زرارة،
عن عبد الكريم بن عتبة الهاشميّ قال: كنت قاعدا عند أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- بمكّة إذ دخل عليه أناس من المعتزلة، فيهم عمرو بن عبيد.
- إلى أن قال-: قال- عليه السّلام- لعمرو بن عبيد: ما تقول في الصّدقة؟
فقرأ عليه الآية: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها (الى آخر الآية).
قال: نعم، فكيف تقسّمها؟
قال: أقسّمها على ثمانية أجزاء، فأعطي كلّ جزء من الثّمانية جزءا .
قال: وإن كان صنف منهم عشرة آلاف، وصنف منهم رجلا واحدا أو رجلين أو ثلاثة، جعلت لهذا الواحد لما جعلت للعشرة آلاف؟
قال: نعم [قال: وتجمع صدقات أهل الحضر وأهل البوادي فتجعلهم فيها سواء قال: نعم] .
قال: فقد خالفت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في كلّ ما قلت في سيرته. كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يقسم صدقات أهل البوادي في أهل البوادي، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر. ولا يقسمه بينّهم بالسّويّة، وإنّما يقسمه على قدر ما يحضره منهم وما يرى. وليس عليه في ذلك شيء موقّت موظف، وإنما يصنع ذلك بما يرى على قدر ما يحضره منهم. فإن كان في نفسك ممّا قلت شيء، فالق فقهاء أهل المدينة، فإنّهم لا يختلفون في أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- كذا كان يصنع.
و في مجمع البيان : أنّ الفقير، هو المتعفف الّذي لا يسأل. والمسكين، الّذي يسأل. عن ابن عبّاس.
و الحسن والزهريّ ومجاهد ذهبوا إلى، أنّ المسكين مشتق من المسكنة بالمسألة.
و روي ذلك عن أبي جعفر الباقر- عليه السّلام-.
و قيل : إنّ الفقير، الّذي يسأل. والمسكين، الّذي لا يسأل. وجاء فيالحديث ما يدل على ذلك،
فقد روي عن النّبي- صلّى اللّه عليه وآله- أنه قال: [ليس] المسكين، الّذي تردّه الأكلة والأكلتان والتّمرة والتّمرتان، ولكنّ المسكين الّذي لا يجد غنيّا فيغنيه ولا يسأل النّاس شيئا ولا يفطن به فيتصدق عليه.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وبيّن الصّادق- عليه السّلام- من هم، فقال:
«الفقراء» هم الّذين لا يسألون وعليهم مؤنات من عيالهم. والدّليل على أنهم هم الّذين لا يسألون قول اللّه- عزّ وجلّ- في سورة البقرة: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً . و«المساكين» هم أهل الزّمانة من العميان والعرجان والمجذومين وجميع أصناف الزّمنى، الرّجال والنّساء والصّبيان. «و العاملين عليها» [هم] السّعادة والجباة في أخذها وجمعها وحفظها، حتّى يؤدّوها إلى من يقسمها.
«و المؤلّفة قلوبهم» قوم وحّدوا اللّه، ولم تدخل المعرفة في قلوبهم أن محمّدا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يتألّفهم ويعلّمهم كيما يعرفوا.
فجعل اللّه- عزّ وجلّ- لهم نصيبا في الصّدقات، لكي يعرفوا ويرغبوا.
و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: «المؤلّفة قلوبهم» أبو سفيان بن حرب بن أميّة، وسهل بن عمرو، وهو من بني عامر بن لؤيّ، وهمام بن عمرو وأخوه، وصفوان بن أميّة بن خلف القرشي ثمّ [الجشمي الجمحي] والأقرع بن حابس التّميميّ، ثمّ [عمر] أخو بني حازم، وعيينة بن حصين الفزاريّ، ومالك بن عوف وعلقمة بن علاقة . بلغنا أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان يعطي الرّجلمنهم مائة من الإبل ورعاتها، وأكثر من ذلك وأقلّ
و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن موسى بن بكر وعليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن رجل جميعا، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: «المؤلّفة قلوبهم» قوم وحدوا اللّه وخلعوا عبادة من يعبد من دون اللّه، ولم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمّدا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يتألّفهم ويعرّفهم لكيما يعرفوا، ويعلّمهم.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- [قال: سألته] عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: «و المؤلّفة».
قال: هم قوم وحّدوا اللّه- عزّ وجلّ- وخلعوا عبادة من يعبد من دون اللَّه، وشهدوا أن لا إله إلّا اللَّه وأنّ محمّدا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. وهم في ذلك شكّاك في بعض ما جاء به محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-. فأمر اللَّه- عزّ وجلّ- نبيّه أن يتألّفهم بالمال والعطاء، لكي يحسن إسلامهم ويثبتوا على دينهم الّذي دخلوا فيه وأقرّوا به. وأنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يوم حنين تألّف رؤساء العرب من قريش وسائر مضر، منهم أبو سفيان بن حرب وعيينة بن حصين الفزاريّ وأشباههم من النّاس. فغضب الأنصار، واجتمعت إلى سعد بن عبادة.
فانطلق بهم إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بالجعرانة، فقال: يا رسول اللَّه، أ تأذن لي في الكلام؟
فقال: نعم.
فقال: ان كان هذا الأمر من هذه الأموال التي قسّمت بين قومك شيئا أنزله اللَّه، رضينا. وإن كان غير ذلك، لم نرض.
قال زرارة: وسمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا معشر الأنصار، أكلكم على قول سيّدكم سعد. فقالوا: سيّدنا اللَّه ورسوله.
ثمّ قالوا في الثّالثة: نحن على مثل قوله ورأيه.فقال زرارة: فسمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: فحطّ اللَّه نورهم، وفرض للمؤلّفة قلوبهم سهما في القرآن.
علي، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن رجل، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: «المؤلّفة قلوبهم» لم يكونوا قطّ أكثر منهم اليوم.
[عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن حسان، عن موسى بن بكر عن رجل، قال: قال أبو جعفر: ما كانت المؤلّفة قلوبهم قطّ اكثر منهم اليوم] وهم قوم وحّدوا اللَّه وخرجوا من الشّرك، ولم تدخل معرفة محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- قلوبهم وما جاء به. فتألّفهم رسول اللَّه، وتألّفهم المؤمنون بعد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لكيما يعرفوا.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم - رحمه اللَّه-: «و في الرّقاب» قوم قد لزمهم كفّارات في قتل الخطأ، وفي الظّهار، وقتل الصّيد في الحرم، وفي الأيمان. وليس عندهم ما يكفرون. وهم يؤمنون. فجعل اللَّه- عزّ وجلّ- لهم سهما في الصّدقات، ليكفر عنهم.
«و الغارمين» قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللَّه- عزّ وجلّ- من غير إسراف، فيجب على الإمام أن يقضي ذلك عنهم ويفكّهم من مال الصّدقات.
«و في سبيل اللَّه» قوم يخرجون في الجهاد وليس عندهم ما ينفقون، أو قوم من المسلمين ليس عندهم ما يحجّون به، أو في جميع سبل الخير. فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات، حتّى ينفقونه على الحجّ والجهاد.
«و ابن السّبيل» أبناء الطريق الّذين يكونون في الأسفار في طاعة اللَّه، فيقطع عليهم ويذهب ما لهم. فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات.
و الصدقات تتجزأ ثمانية أجزاء، فيعطى كلّ إنسان من هذه الثّمانية على قدر ما يحتاجون إليه، بلا إسراف ولا تقتير، مفوّض ذلك إلى الإمام، يعمل بما فيه الصّلاح.و في كتاب من لا يحضره الفقيه : وسئل الصّادق- عليه السّلام- عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدّى بعضها.
قال: يؤدى عنه من مال الصّدقة. إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- يقول في كتابه: «و في الرّقاب».
و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن موسى بن بكر قال: قال لي أبو الحسن- عليه السّلام-: من طلب هذا الرّزق من حلّه ليعود به على نفسه وعياله، كان كالمجاهد في سبيل اللَّه. فإن غلب عليه، فليستدن على اللَّه وعلى رسوله- صلّى اللَّه عليه وآله- ما يقوت به عياله. فإن مات ولم يقضه، كان على الإمام قضاؤه. فإن لم يقضه، كان عليه وزره. إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- يقول: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها- إلى قوله- وَالْغارِمِينَ. فهو فقير مسكين مغرم.
محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سليمان، عن رجل من أهل الجزيرة يكنّى: أبا محمّد، قال: سأل الرّضا- صلوات اللَّه عليه- رجل، وأنا أسمع.
فقال له: جعلت فداك، إنّ اللَّه- تبارك وتعالى- يقول: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ . أخبرني عن هذه النظرة الّتي ذكرها اللَّه في كتابه، لها حدّ يعرف إذا صار هذا المعسر إليه، لا بدّ له من أن ينتظر وقد أخذ مال هذا الرّجل وأنفقه على عياله، وليس له غلّة ينتظر إدراكها ولا دين ينتظر محلّه ولا مال غائب ينتظر قدومه؟ قال [نعم] ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام. فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين، إذا كان أنفقه في طاعة اللَّه. فان كان أنفقه في معصية اللَّه، فلا شيء له على الإمام.
قلت: فما بال هذا الرّجل الّذي ائتمنه، وهو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة اللَّه أم في معصيته؟
قال: يسعى له في ماله، فيرده وهو صاغر.
و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى الحسين بن عمر قال: قلت لأبيعبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ رجلا أوصى إليّ في سبيل اللَّه.
قال: أصرفه في الحجّ.
قال: قلت له: إنّه أوصى إليّ في سبيل اللَّه.
قال: أصرفه في الحجّ، فإني لا أعرف سبيلا من سبله أفضل من الحجّ.
حدثنا أبي - رحمه اللَّه- قال: حدّثنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعريّ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن الحسن بن راشد قال: سألت أبا الحسن العسكريّ بالمدينة عن رجل أوصى بماله في سبيل اللَّه.
قال: سبيل اللَّه شيعتنا.
و في عيون الأخبار : عن الرّضا- عليه السّلام- كلام طويل في الفرق بين العترة والأمّة. يقول فيه- عليه السّلام- في شأن ذي القربى: فما رضيه لنفسه ولرسوله، رضيه لهم. قاله- عليه السّلام- بعد أن ذكر قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ (الآية).
ثمّ قال- عليه السّلام-: وكذلك [الفيء] ما رضيه منه لنفسه ولنبيّه رضيه لذي القربى، كما أجراهم في الغنيمة. فبدأ بنفسه- جلّ جلاله- ثمّ برسوله ثم بهم، وقرن سهمهم بسهمه وسهم رسوله. وكذلك في الطاعة، قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ . فبدأ بنفسه ثمّ برسوله ثمّ بأهل بيته. وكذلك آية الولاية إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فجعل طاعتهم مع طاعة الرّسول مقرونة بطاعته، [كذلك ولايتهم مع ولاية الرسول مقرونة بطاعته] كما جعل سهمهم مع سهم الرّسول مقرونا بسهمه في الغنيمة والفيء. فتبارك اللَّه وتعالى، ما أعظم نعمته على أهل هذا البيت! فلما جاءت قصّة الصّدقة، نزّه نفسه ورسوله ونزه أهل بيته. فقال: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ- إلى قوله- فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ. فهل تجد في شيء من ذلك أنّه- عزّ وجلّ- سمّى
لنفسه أو لرسوله أو لذي القربى؟ لأنه لمّا نزّه نفسه عن الصّدقة ونزه رسوله، نزّه أهل بيته. لا بل حرّم عليهم، لأن الصدقة محرّمة على محمد وآله. وهي أوساخ [أيدي] الناس لا تحلّ لهم، لأنّهم طهروا من كلّ دنس ووسخ. فلما طهرهم واصطفاهم، رضي لهم ما رضي لنفسه، وكره لهم ما كره لنفسه.
و في كتاب الخصال : عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: لا تحلّ الصّدقة لبني هاشم، إلا في وجهين: إن كانوا عطاشا فأصابوا ماء فشربوا، وصدقة بعضهم على بعض.
و في تهذيب الأحكام : محمّد بن يعقوب، عن احمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن صفوان بن يحيى، عن عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: انّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي. وقالوا: يكون لنا هذا السّهم الّذي جعله اللَّه للعاملين عليها، فنحن أولى به.
فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا بني عبد المطّلب، إنّ الصّدقة لا تحلّ لي ولا لكم. ولكني قد وعدت الشّفاعة.
ثمّ قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: أشهد لقد وعدها. فما ظنّكم، يا بني عبد المطلب، إذا أخذت بحلقة باب الجنّة أ تروني مؤثرا عليكم غيركم؟
سعد بن عبد اللَّه ، عن موسى بن الحسن، عن محمّد بن عبد الحميد، عن الفضل بن صالح، عن أبي اسامة، زيد الشّحام، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألت عن الصدقة التي حرمت عليهم.
فقال: هي الزكاة المفروضة. ولم تحرّم علينا صدقة بعضنا على بعض.
محمد بن عليّ بن محبوب ، عن أحمد بن محمد، عن الحسين، عن النّضر، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس ولا لنظرائهم منبني هاشم.