وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ: هو كوّنكم منها لا غيره. فإنّه خلق آدم وموادّ النّطف الّتي خلق نسله منها من التّراب.
وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيها: عمّركم واستبقاكم. من العمر. أو أقدركم على عمارتها وأمركم بها.
و قيل : هو من العمرى، بمعنى: أعمركم فيها دياركم، ويرثها منكم بعد انصرام أعماركم. أو جعلكم معمّرين دياركم تسكنونها مدّة عمركم، ثمّ تتركونها لغيركم.
فعلى الأوّل «استعمر»، بمعنى: أعمر. وعلى الثّاني، بمعنى: جعلك معمّرا.
جاز في الاستفعال الوجهان.
فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ: قريب الرّحمة.
مُجِيبٌ : لداعيه.
قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا: لما نرى فيك من مخايل الرّشد والسّداد، أن تكون لنا سيّدا ومستشارا في الأمور، وأن توافقنا في الدّين. فلمّا سمعنا هذا القول منك، انقطع رجاؤنا عنك.
أَ تَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا: على حكاية الحال الماضية.
وَ إِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ: من التّوحيد، والتّبرّؤ عن الأوثان.
مُرِيبٍ : موقع في الرّيبة. من أرابه. أو ذي ريبة، على الإسناد المجازيّ. من أراب في الأمر.
قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي: بيان وبصيرة. وحرف الشّكّ باعتبار المخاطبين.
وَ آتانِي مِنْهُ رَحْمَةً: نبوّة.
فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ: فمن يمنعني من عذابه.
إِنْ عَصَيْتُهُ: في تبليغ رسالته، والمنع عن الإشراك به.
فَما تَزِيدُونَنِي: إذن باستتباعكم إيّاي.
غَيْرَ تَخْسِيرٍ : غير أن تخسروني بإبطال ما منحني اللَّه والتّعرّض لعذابه.
أو فما تزيدونني بما تقولون لي غير أن أنسبكم إلى الخسران.
وَ يا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً انتصب «آية» على الحال، وعاملها معنى الإشارة. و«لكم» حال منها تقدّمت عليها، لتنكيرها.
فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ: ترع نباتها وتشرب ماءها.
وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ : عاجل. لا يتراخى عن مسّكم لها بالسّوء إلّا يسيرا، وهو ثلاثة أيّام.
فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ: عيشوا في منازلكم، أو في داركم الدّنيا.
و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من خبر الشّاميّ وما يسأل عنه أمير المؤمنين- عليه السّلام- في جامع الكوفة حديث طويل. وفيه: ثمّ قام إليه آخر، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن يوم الأربعاء وتطيّرنا منه وثقله منه ، وأيّ أربعاءهو؟
قال آخر أربعاء في الشّهر وهو المحاق، وفيه قتل قابيل أخاه- إلى أن قال عليه السّلام-: ويوم الأربعاء عقروا النّاقة.
ثَلاثَةَ أَيَّامٍ: الأربعاء والخميس والجمعة، ثمّ تهلكون.
ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ، أي: غير مكذوب فيه. فاتسع بإجرائه مجرى المفعول به: كقوله:
ويوما شهدناه سليما وعامرا
أو غير مكذوب على المجاز، وكأنّ هذا الواعد قال له: أفي بك، فإن وفى به صدّقه وإلّا كذّبه.
أو وعد غير كذب، على أنّه مصدر، كالمجلود والمعقول.
و في مجمع البيان : وروى جابر بن عبد اللَّه الأنصاريّ، أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لمّا نزل الحجر في غزوة تبوك قام فخطب النّاس، وقال: يا أيّها النّاس، لا تسألوا نبيّكم الآيات. فهؤلاء قوم صالح سألوا نبيّهم أن يبعث لهم النّاقة، فكانت ترد من هذا الفجّ فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون من لبنها، مثل الّذي كانوا يشربون من مائها يوم غبّها . فعتوا عن أمر ربّهم فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فذلك وعد من اللَّه غير مكذوب. ثمّ جاءتهم الصّيحة، فأهلك اللَّه من كان في مشارق الأرض ومغاربها منهم، إلّا رجلا كان في حرم اللَّه، فمنعه حرم اللَّه من عذاب اللَّه- تعالى- يقال له:
أبو رغال .
قيل: يا رسول اللَّه، من أبو رغال؟
قال: أبو ثقيف.
فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ، أي: ونجّيناهم من خزي يومئذ. وهو هلاكهم بالصّيحة، أو ذلّهم وفضيحتهم يوم القيامة.
و عن نافع والكسائيّ، هنا وفي المعارج، في قوله: «من عذاب يومئذ» بالفتح،على اكتساب المضاف البناء من المضاف إليه.
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ : القادر على كلّ شيء والغالب عليه.
و في أصول الكافي : محمّد بن أبي عبد اللَّه، رفعه إلى أبي هاشم الجعفريّ قال:
كنت عند أبي جعفر الثّاني- عليه السّلام-. فسأله رجل، فقال: أخبرني عن الرّبّ- تبارك وتعالى- له أسماء وصفات في كتابه، وأسماؤه وصفاته هي هو ؟
فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: إنّ لهذا الكلام وجهين.
- إلى قوله-: وكذلك سمّينا ربّنا قويّا، لا بقوّة البطش المعروف من المخلوق. ولو كانت قوته [قوة] البطش المعروف من المخلوق، لوقع التّشبيه ولاحتمل الزّيادة. وما احتمل الزيادة، احتمل النقصان. وما كان ناقصا، [كان] غير قديم. وما كان غير قديم، كان عاجزا.
وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ :
ميّتين.
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها: كأن لم يقيموا فيها أحياء. وتمام القصّة قد سبق في سورة الأعراف.
أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ.
نوّنه أبو بكر، ها هنا، وفي النّجم. والكسائي في جميع القرآن. وابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو في قوله: «أَلا بُعْداً لِثَمُودَ . ذهابا إلى الحيّ، أو الأب الأكبر.
و في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس، عن الحسن بن عبد الرّحمن، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه قصّة صالح- عليه السّلام- وقوله. وفيه قال: يا قوم، [إنّكم] تصبحونغدا ووجوهكم مصفرّة، واليوم الثّاني ووجوهكم محمرّة، واليوم الثّالث ووجوهكم مسودّة.
فلمّا أن كان أوّل يوم، أصبحوا ووجوههم مصفرّة. فمشى بعضهم إلى بعض، وقالوا: قد جاءكم ما قال لكم صالح.
فقال العتاة منهم: لا نسمع قول صالح، ولا نقبل قوله وإن كان عظيما.
فلمّا كان اليوم الثّاني، أصبحت وجوههم محمّرة. فمشى بعضهم إلى بعض، فقالوا: يا قوم، قد جاءكم ما قال لكم صالح.
فقال العتاة منهم: لو أهلكنا جميعا، ما سمعنا قول صالح ولا تركنا آلهتنا الّتي كان آباؤنا يعبدونها.
و لم يتوبوا، ولم يرجعوا. فلمّا كان اليوم الثّالث، أصبحوا ووجوههم مسوّدة.
فمشى بعضهم إلى بعض، وقالوا: يا قوم، أتاكم ما قال لكم صالح.
فقال العتاة منهم: قد أتانا ما قال لنا صالح.
فلمّا كان نصف اللّيل، أتاهم جبرئيل، فصرخ بهم صرخة خرقت تلك الصّرخة أسماعهم وفلقت قلوبهم وصدعت أكبادهم. وقد كانوا في تلك الثّلاثة أيّام قد تحنّطوا وتكفّنوا، وعلموا أنّ العذاب نازل بهم. فماتوا أجمعين في طرفة عين صغيرهم وكبيرهم، فلم يبق لهم ناعقة ولا راغية ولا شيء إلّا أهلكه اللَّه. فأصبحوا في ديارهم وكانوا في مضاجعهم موتى أجمعين، ثمّ أرسل اللَّه عليهم مع الصّيحة النّار من السّماء، فأحرقهم أجمعين.
وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ، يعني: الملائكة.
قيل : كانوا تسعة.
و قيل : كانوا ثلاثة: جبرئيل وميكائيل وإسرافيل.
و في مجمع البيان : عن الصّادق- عليه السّلام- قيل: كانوا أربعة: جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وكروبيل.بِالْبُشْرى.
قيل : بهلاك قوم لوط.
و في مجمع البيان ، وفي تفسير العيّاشيّ : عن الباقر- عليه السّلام-: أنّ هذه البشارة كانت بإسماعيل، من هاجر.
و يأتي من العلل.
و في تفسير العيّاشيّ : أنّها بإسحاق.
قالُوا سَلاماً: سلّمنا عليك سلاما. ويجوز نصبه ب «قالوا»، على معنى ذكروا سلاما.
قالَ سَلامٌ:، أي: أمركم، أو جوابي سلام، أو عليكم سلام. رفعه إجابة بأحسن من تحيّتهم.
و قرأ حمزة والكسائيّ: «سلم»، وكذلك في الذّاريات. وهما لغتان، كحرم، أو حرام.
و قيل : المراد به: الصّلح.
فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ : فما أبطأ مجيئه به، أو فما أبطأ في المجيء به، أو فما تأخّر عنه. والجارّ مقدّر أو محذوف.
و «الحنيذ» المشويّ بالرّضف .
و قيل الّذي يقطر ودكه. من حنذت الفرس: إذا عرقته بالجلال. لقوله:
«بعجل سمين» .
و في تفسير العيّاشيّ : عن الباقر- عليه السّلام-، يعني: زكيا مشويّا نضيجا.
و عن الصّادق- عليه السّلام- ، يعني: مشويّا نضيجا.و عنه - عليه السّلام-: أنّه قال: كلوا.
فقالوا: لا نأكل، حتّى تخبرنا ما ثمنه.
فقال: إذا أكلتم، فقولوا: بسم اللَّه. وإذا فرغتم، فقولوا: الحمد للّه.
فالتفت جبرئيل إلى أصحابه، وكانوا أربعة رئيسهم جبرئيل، فقال: حقّ للّه أن يتّخذ هذا خليلا .
فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ: لا يمدّون إليه أيديهم.
نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً: أنكر ذلك منهم، وخاف أن يريدوا به مكروها.
و «نكر» و«أنكر» و«استنكر» بمعنى.
و الإيجاس: الإدراك.
و قيل : الإضمار.
قالُوا: له لمّا أحسّوا منه أثر الخوف.
لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ : إنّا ملائكة مرسلة إليهم بالعذاب.
و إنّما لم نمدّ إليه أيدينا، لأنّا لا نأكل.
وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ: وراء السّتر تسمع محاورتهم، أو على رؤوسهم للخدمة. وهي سارة، ابنة لاحج. وهي ابنة خالته.
و في تفسير العيّاشيّ : إنّما عنى: سارة.
فَضَحِكَتْ: سرورا بزوال الخيفة. أو بهلاك أهل الفساد. أو بإصابة رأيها، فإنّها كانت تقول لإبراهيم: أضمم إليك لوطا، فإنّي أعلم أنّ العذاب ينزل بهؤلاء القوم.
و قيل : «فضحكت»، أي: فحاضت.
قال [الشاعر:]
وعهدي بسلمى ضاحكا في لبابة ولم تعد حقّا ثديها أن تحلبا
و منه: ضحكت السّمرة: إذا سال صمغها.
و قرئ ، بفتح الحاء.
و في كتاب علل الشّرائع ، وفي تفسير العيّاشيّ : عن الباقر، يعني: تعجّبت من قولهم.
و في معاني الأخبار ، وفي مجمع البيان ، وفي تفسير العيّاشيّ : عن الصّادق- عليه السّلام-: حاضت.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ضحكت، أي: حاضت. وقد كان ارتفع حيضها منذ دهر طويل.
فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ .
نصبه ابن عامر وحمزة وحفص بفعل يفسّره ما دلّ عليه الكلام، وتقديره:
و وهبناها من وراء إسحاق يعقوب.
و قيل : إنّه معطوف على موضع «بإسحاق»، أو على لفظ «إسحاق». وفتحته للجرّ، فإنّه غير منصرف ورد للفصل بينه وبين ما عطف عليه بالظّرف.
و قرأ الباقون، بالرّفع، على أنّه مبتدأ خبره الظّرف، أي: ويعقوب مولود من بعده.
و قيل : «الوراء» ولد الولد. ولعلّه سمّي به، لأنّه بعد الولد. وعلى هذا تكون إضافته إلى إسحاق ليس من حيث أنّ يعقوب وراءه، بل من حيث أنّه وراء إبراهيم من جهته، وفيه نظر. والاسمان يحتمل وقوعهما في البشارة، كيحيى. ويحتمل وقوعهما في الحكاية بعد أن ولدا، فسميا به. وتوجيه البشارة إليها للدّلالة على أنّ الولد المبشّر بهيكون منها، ولأنّها كانت عقيمة حريصة على الولد.
قالَتْ يا وَيْلَتى: يا عجبا. وأصله في الشّرّ، فأطلق في كلّ أمر فظيع.
و قرئ ، بالياء، على الأصل.
أَ أَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ: ابنة تسعين.
وَ هذا بَعْلِي: زوجي. وأصله القائم بالأمر.
شَيْخاً: ابن مائة وعشرين.
و نصبه على الحال، والعامل فيها معنى الإشارة.
و قرئ»
، بالرّفع، على أنّه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو شيخ. أو خبر بعد خبر.
أو هو الخبر، و«بعلي» بدل.
و في كتاب علل الشّرائع : عن أحدهما- عليهما السّلام-: وهي يومئذ ابنة تسعين سنة، وإبراهيم يومئذ ابن عشرين ومائة سنة.
و سيأتي الخبر بتمامه.
إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ، يعني: الولد من هرمين . وهو استعجاب من حيث العادة دون القدرة، ولذلك قالُوا أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ: منكرين عليها. فإنّ خوارق العادات، باعتبار أهل بيت النّبوّة ومهبط المعجزات وتخصيصهم بمزيد النّعم والكرامات، ليس ببدع ولا حقيق بأن يستغربه عاقل، فضلا عمّن نشأت وشابت في ملاحظة الآيات.
و «أهل البيت» نصب على المدح، أو النداء لقصد التّخصيص، كقولهم:
اللّهم، اغفر لنا أيّتها العصابة.
و في كتاب معاني الأخبار : أنّ الصّادق- عليه السّلام- سلّم على رجل.
فقال الرّجل: وعليكم السّلام ورحمة اللَّه وبركاته ورضوانه.
فقال: لا تجاوزوا بنا قول الملائكة لأبينا إبراهيم:رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
و في أصول الكافي : أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن جميل، عن أبي عبيدة الحذّاء، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: مرّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- بقوم، فسلّم عليهم.
فقالوا: عليك السّلام ورحمة اللَّه وبركاته ومغفرته ورضوانه.
فقال لهم أمير المؤمنين: لا تجاوزوا بنا، مثل ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم، إنّما قالوا: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ.
و في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس، عن عليّ بن حمّاد عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ [فأصل الشجرة المباركة] إبراهيم- عليه السّلام-. وهو قول اللَّه- تعالى-:
رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ عليّ بن أبي طالب مرّ بقوم فسلّم عليهم.
فقالوا: وعليكم السّلام ورحمة اللَّه وبركاته ومغفرته ورضوانه.
فقال لهم أمير المؤمنين- عليه السّلام-: لا تجاوزوا بنا ما قالت الأنبياء لأبينا إبراهيم- عليه السّلام-. إنّما قالوا: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
و روى الحسن بن محمّد، مثله. غير أنّه قال: ما قالت الملائكة [لأبينا- عليه السّلام-] .
إِنَّهُ حَمِيدٌ: فاعل ما يستوجب به الحمد.
مَجِيدٌ : كثير الخير والإحسان.و في تفسير العيّاشيّ : عن الصّادق- عليه السّلام- قال: أوحى اللَّه إلى إبراهيم، أنّه سيولد لك. فقال لسارة.
فقالت: أَ أَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ.
فأوحى اللَّه إليه، أنّها ستلد ويعذّب أولادها أربعمائة سنة بردّها الكلام عليّ.
قال: فلمّا طال على بني إسرائيل العذاب، ضجّوا وبكوا إلى اللَّه أربعين صباحا. فأوحى اللَّه إلى موسى وهارون، نخلّصهم من فرعون. فحطّ عنهم سبعين ومائة سنة.
قال: وقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: هكذا أنتم، لو فعلتم لفرّج اللَّه عنّا. فأمّا إذا لم تكونوا، فإنّ الأمر ينتهي إلى منتهاه.
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ، أي: ما أوجس من الخيفة، واطمأنّ قلبه بعرفانهم.
وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى: بدل «الرّوع».
يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ : يجادل رسلنا في شأنّهم. ومجادلته إيّاهم قوله:
إِنَّ فِيها لُوطاً. وكان لوط ابن خالته.
و هو إمّا جواب لمّا جيء به مضارعا على حكاية الحال. أو لأنّه في سياق الجواب بمعنى الماضي، كجواب لو. أو دليل جوابه المحذوف، مثل اجترأ على خطابنا، أو شرع في جدالنا. أو متعلّق به، فقام مقامه، مثل أخذ، أو أقبل يجادلنا.
إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ: غير عجول على الانتقام على من أساء إليه.
أَوَّاهٌ: كثير التّأوّه من الذّنوب والتّأسّف على النّاس.
و في تفسير العيّاشيّ : عنهما- عليهما السّلام- قالا: دعّاء.
مُنِيبٌ : راجع إلى اللَّه. والمقصود من ذلك: بيان الحامل له على المجادلة، وهو رقّة قلبه وفرط ترحّمه.
يا إِبْراهِيمُ: على إرادة القول، أي: قالت الملائكة: يا إبراهيم.
أَعْرِضْ عَنْ هذا: الجدال، وإن كانت الرّحمة حملتك عليه فلا فائدة فيه.
إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ: قضاؤه وحكمه، الّذي لا يصدر إلّا عن حكمة.
وَ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ : غير مصروف بجدال ولا دعاء ولا غير ذلك.
وَ لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ: ساءه مجيئهم، لأنّهم جاؤوا في صورة غلمان، فظن أنّهم أناس. فخاف عليهم أن يقصدهم قومه، فيعجز عن مدافعتهم.
وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً: وضاق بمكانهم ذرعه. وهو كناية عن شدّة الانقباض، للعجز عن مدافعة المكروه والاحتيال فيه.
وَ قالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ : شديد. من عصبه: إذا شدّه.
وَ جاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ: يسرعون إليه، كأنّهم يدفعون دفعا لطلب الفاحشة من أضيافه.
وَ مِنْ قَبْلُ: ومن قبل ذلك الوقت.
كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ: الفواحش. فتمرّنوا بها ولم يستحيوا منها، حتّى جاؤوا يهرعون لها مجاهرين.
قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي: فدى بهنّ أضيافه، كرما وحميّة.
و المعنى: هؤلاء بناتي، فتزوّجوهنّ. وكانوا يطلبونهنّ قبل فلا يجيبهم، لخبثهم وعدم كفاءتهم.
و في الكافي ، وفي تفسير العيّاشيّ : عن الصّادق- عليه السّلام-: عرض عليهم التّزويج.
و في تفسير العيّاشيّ : عن أحدهما- عليهما السّلام-: أنّه وضع يده على الباب ثمّ ناشدهم، فقال: «اتّقوا اللَّه ولا تخزون في ضيفي [قالوا أو لم ننهك عن العالمين] ». ثمّ عرض عليهم بناته بنكاح.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: عنى به: أزواجهم. وذلك أنّ النّبيّ هو أبو أمّته، فدعاهم إلى الحلال ولم يكن يدعوهم إلى الحرام.
و قيل : دعاهم إليهنّ إظهارا لشدّة امتعاضه من ذلك، كي يرقّوا له.هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ: أنظف فعلا، وأقلّ فحشا.
قيل : يعني: أدبارهنّ.
كقولك: الميتة أطيب من المغصوب، وأحلّ منه.
و قرئ : «أطهر» بالنّصب، على أنّ «هنّ» خبر «بناتي»، كقولك: هذا أخي هو. لا فصل، فإنّه لا يقع بين الحال وصاحبها.
و في تهذيب الأحكام : أحمد بن محمّد بن عيسى، عن موسى بن عبد الملك، والحسين بن عليّ بن يقطين وموسى بن عبد الملك، عن رجل قال: سألت أبا الحسن الرّضا- عليه السّلام- عن إتيان الرّجل المرأة من خلفها.
قال: أحلّه آية من كتاب اللَّه، قول لوط: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ. وقد علم أنّهم لا يريدون الفرج.
و في تفسير العيّاشيّ : الحسين بن عليّ بن يقطين قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن إتيان الرّجل المرأة من خلفها. وذكر مثله.
فَاتَّقُوا اللَّهَ: بترك الفواحش. أو بإيثارهنّ عليهم.
وَ لا تُخْزُونِ: ولا تفضحوني، من الخزي. أو ولا تخجلوني، من الخزاية، بمعنى: الحياء.
فِي ضَيْفِي: في شأنهم. فإن إخزاء ضيف الرّجل إخزاؤه.
أَ لَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ : يهتدي إلى الحقّ، ويرعوي عن القبيح.
قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ: حاجة.
وَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ : وهو إتيان الذّكران.
قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً: لو قويت بنفسي على دفعكم.
أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ، أي: قويّ، أتمنّع به عنكم. شبّهه بركن الجبل في شدّته.
و قرئ : «أو آويَ» بالنّصب، بإضمار «أن»، كأنّه قال: لو أنّ لي بكم قوّة أوإيواء. وجواب «لو» محذوف، تقديره: لدفعتكم.
و في الجوامع : قال جبرئيل: أنا ركنك الشّديد، افتح الباب ودعنا وإيّاهم.
و في مجمع البيان : عن الصّادق- عليه السّلام-: [فقال جبرئيل:] لو يعلم أيّ قوّة له.
و عن النّبيّ - صلّى اللَّه عليه وآله- رحم اللَّه أخي، لوطا، كان يأوي إلى ركن شديد.
و في الكافي»: عن الباقر- عليه السّلام-: رحم اللَّه لوطا، لو يدري من معه في الحجرة لعلم أنّه منصور. حيث يقول: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ. أيّ ركن أشدّ من جبرئيل معه في الحجرة.
و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى أبي بصير قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: ما كان قول لوط [: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً] أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ. إلّا تمنّيا لقوّة القائم- عليه السّلام-. ولا ذكر إلّا شدّة أصحابه، لأنّ الرّجل منهم يعطى قوّة أربعين رجلا، وأنّ قلبه لأشدّ من [زبر] الحديد. ولو مرّوا بجبال الحديد لقلعوه و لا يكفّون سيوفهم حتّى يرضى اللَّه- عزّ وجلّ-.
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى الحسين بن مسعود قال: احتجّوا في مسجد الكوفة.
فقالوا: ما بال أمير المؤمنين- عليه السّلام- لم ينازع الثّلاثة، كما نازع طلحة [الزبير] وعائشة ومعاوية؟فبلغ ذلك عليّا- عليه السّلام-. فأمر أن ينادى الصّلاة جامعة. فلمّا اجتمعوا، صعد المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه.
ثمّ قال: معاشر النّاس، إنّه بلغني عنكم كذا وكذا.
قالوا: صدق أمير المؤمنين- عليه السّلام-. قد قلنا ذلك.
قال: إنّ لي بسنة الأنبياء أسوة. فقد قال اللَّه في محكم كتابه: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ .
قالوا: ومن هم، يا أمير المؤمنين؟
قال: أوّلهم إبراهيم.
إلى أن قال: ولي بابن خالته، لوط أسوة إذ قال لقومه: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ. فإن قلتم: [إنّ لوطا كانت له بهم قوّة، فقد كفرتم. وإن قلتم:] لم يكن له قوّة، فالوصيّ أعذر.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : محمد بن جعفر قال: حدّثنا محمّد بن أحمد، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد اللَّه بن القاسم، عن صالح، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال في قوله: «قوّة».
قال: «القوّة» القائم- عليه السّلام-. و«الرّكن الشّديد» ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.
أخبرني الحسن بن عليّ بن مهزيار ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: ما بعث اللَّه نبيّا بعد لوط إلّا في عزّ من قومه.