فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ: أخذا يلزقان الورق على سوآتهما للتّستّر.
قيل : وهو ورق التّين.
وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ بأكل الشّجرة، فَغَوى : فضلّ عن المطلوب وخاب، حيث طلب الخلد بأكل الشّجرة. أو: عن المأمور به. أو: عن الرّشد، حيث اغتّر بقول العدوّ.
و قرئ : «فغوي» من: غوى الفصيل: إذا اتّخم من اللّبن.
و في النّعي عليه بالعصيان والغواية- مع صغر زلّته- تعظيم للزّلّة، وزجر بليغ لأولاده عنها.
و في كتاب علل الشّرائع بإسناده إلى الحسين بن أبي العلا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه [عن النّبيّ] - صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا أن وسوس الشّيطان إلى آدم، دنا من الشّجرة ونظر إليها، ذهب ماء وجهه. ثمّ قام ومشى إليها. وهي أوّل قدم مشت إلى الخطيئة. ثمّ تناول بيده ممّا عليها، فأكل.
فطار الحلي والحلل عن جسده.
ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ: اصطفاه وقرّبه بالحمل على التّوبة والتّوفيق له.
من: جبى إلى كذا، فاجتبيته، مثل: جليت على العروس، فاجتليتها. وأصل الكلمة: الجمع.
فَتابَ عَلَيْهِ: فقبل [توبته لمّا تاب] .
وَ هَدى إلى الثّبات على التّوبة والتّشبّث بأسباب العصمة.و في عيون الأخبار بإسناده إلى عليّ [بن محمّد] بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرّضا- عليه السّلام. فقال له المأمون: يا ابن رسول اللّه، أليس من قولك أنّ الأنبياء معصومون؟ قال: بلى. قال: فما معنى قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى؟ قال- عليه السّلام-:
إنّ اللّه- تعالى- قال لآدم: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ- وأشار لهما إلى شجرة الحنطة- فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ . ولم يقل لهما ولا تأكلا من هذه الشّجرة، ولا ممّا كان من جنسها.
فلم يقربا تلك الشّجرة [و لم يأكلا منها] . وإنّما أكلا من غيرها لمّا أن وسوس الشّيطان إليهما وقال: ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة، وإنّما نهاكما أن تقربا غيرها. ولم ينهكما عن الأكل منها، إلّا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين. وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ. ولم يكن آدم وحوّاء شاهدا قبل ذلك [من] يحلف باللّه كاذبا فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فأكلا منهما، ثقة بيمينه باللّه.
و كان ذلك من آدم قبل النّبوّة. ولم يكن ذلك بذنب كبير استحقّ به دخول النّار.
و إنّما كان من الصّغائر الموهوبة الّتي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم.
فلمّا اجتباه اللّه- تعالى- وجعله نبيّا، كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة.
قال اللّه- تعالى-: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى . وقال اللّه - عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ.
و فيه ، في باب ما كتبه الرّضا- عليه السّلام- للمأمون من مخص الإسلام وشرائع الدّين: انّ ذنوب الأنبياء- عليه السّلام- صغائر موهوبة.
و بإسناده إلى أبي الصّلت الهرويّ قال: لمّا جمع المأمون لعليّ بن موسى الرّضا- عليهما السّلام- أهل المقالات من أهل الإسلام والدّيانات- من اليهود والنّصارى والمجوس والصّابئين وسائر المقالات- فلم يقم أحد إلّا وقد ألزمه حجّته كأنّه ألقم حجرا، قام إليه عليّ، بن محمّد بن الجهم فقال له: يا ابن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أتقول بعصمة الأنبياء؟ فقال: نعم. قال: فما تقول في قول اللّه- عزّ وجلّ-:
وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى؟ فقال- عليه السّلام-:
إنّ اللّه- عزّ وجلّ- خلق آدم حجّة في أرضه وخليفة في بلاده، لم يخلقه للجنّة.
و كانت المعصية من آدم في الجنّة لا في الأرض ، لتتمّ مقادير [أمر] اللّه- عزّ وجلّ.
فلمّا أهبط إلى الأرض، وجعل حجّة وخليفة، عصم بقوله - عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ.
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام- مجيبا لبعض الزّنادقة- وقد قال ذلك الزّنديق:
و أجده قد شهر هفوات أنبيائه بقوله: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى!-: وأمّا هفوات الأنبياء- عليهم السّلام- وما بيّنه اللّه في كتابه [و وقوع الكناية من أسماء من اجترم أعظم ممّا اجترمته الأنبياء ممّن شهد الكتاب يظلمهم] فإنّ ذلك من أدلّ الدّلائل على حكمة اللّه- عزّ وجلّ- الباهرة، وقدرته القاهرة، وعزّته الظّاهرة. لأنّه علم أنّ براهين الأنبياء- عليهم السّلام- تكبر في صدور أممهم. وأنّ منهم من يتّخذ بعضهم إلها، كالّذي كان من النّصارى في ابن مريم. فذكرها دلالة على تخلّفهم عن الكمال الّذي انفرد به- عزّ وجلّ.
و عن داود بن قبيصة ، عن الرّضا، عن أبيه- عليهم السّلام- أنّه قال: وأمّا ما سألت: هل نهى عمّا أراد؟ فلا يجوز ذلك. ولو جاز ذلك، لكان حيث نهى آدم عن أكل الشّجرة، أراد منه أكلها. ولو أراد منه أكلها، لما نادى عليه صبيان الكتاتيب :وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و اعلم أنّ المعصية أطلقت على خلاف الأولى في تلك الآية والأخبار، وبهذا تندفع الشّبهة من الآيات والأخبار. وهو حمل مشهور شائع من الإماميّة- رضوان اللّه عليهم- يدلّ عليه
ما رواه شيخ الطّائفة في التّهذيب عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، [عن ابن أذينة] ، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال- وقد ذكر النّوافل اليوميّة-: وإنّما هذا كلّه تطوّع وليس بمفروض. إنّ تارك الفريضة كافر. وإنّ تارك هذا ليس بكافر، ولكنّها معصية. [لأنّه] يستحبّ إذا عمل الرّجل عملا من الخير أن يدوم عليه.
قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً: الخطاب لآدم وحوّاء.
و قيل : أو له ولإبليس.
و لمّا كانا أصلي الذرّيّة، خاطبهما مخاطبتهم فقال:
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ لأمر المعاش كما عليه [الناس من] التّجاذب والتّحارب. أو: لاختلال حال كلّ من النّوعين بواسطة الآخر .
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً: كتاب ورسول، فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ في الدّنيا، وَلا يَشْقى في الآخرة.
و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن السّيّاريّ، عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- قال: سأله رجل عن هذه الآية فقال: من قال بالأئمّة، واتّبع أمرهم، ولم يجز طاعتهم.وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي: عن الهدى الذّاكر لي والدّاعي إلى عبادتي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً: ضيّقا . مصدر وصف به، ولذلك سوّي فيه المذكّر والمؤنّث.
و قرئ : «ضنكى»- كسكرى. وذلك لأنّ مجامع همّه يكون إلى أعراض الدّنيا، متهالكا على ازديادها، خائفا على انتقاصها، بخلاف المؤمن الطّالب للآخرة. مع أنّه- تعالى- قد يضيّق بشؤم الكفر، ويوسّع ببركة الإيمان.
و قيل : هو الضّريع والزّقّوم في النّار.
و قيل : عذاب القبر.
و في روضة الكافي خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وهي خطبة الوسيلة، يقول فيها- عليه السّلام-: ولئن تقمّصها دوني الأشقيان ، نازعاني فيما ليس لهما بحقّ ، وركباها ضلالة، واعتقداها جهالة، فلبئس ما عليه وردا! ولبئس ما لأنفسهما مهّدا! يتلاعنان في دورهما، ويتبرّأ كلّ منهما من صاحبه. يقول لقرينه إذا التقيا : يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ . فيجيبه الأشقى على رثوثة : يا ليتني لم أتّخذك خليلا! لقد أضللتني عن الذّكر، بعد إذ جاءني وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا . فأنا الذّكر الّذي عنه ضلّ.
[و في اصول الكافي عن الصادق- عليه السّلام- قال: أعمى البصر في الآخرة أعمى القلب في الدنيا عن ولاية عليّ- عليه السّلام.]
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا أحمد بن محمّد، عن
عمر بن عبد العزيز، عن إبراهيم بن المستنير، عن معاوية [بن عمّار] ، قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: قول اللّه: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً؟ قال: هي واللّه للنّصاب .
قال: قلت: جعلت فداك، قد نراهم دهرهم الأطول في كفاية حتّى ماتوا! قال:
ذلك واللّه في الرّجعة. يأكلون العذرة.
وَ نَحْشُرُهُ:
[و قرئ بسكون الهاء على لفظ الوقف. وبالجزم عطفا على محلّ «فإنّ له معيشة [ضنكا] » لأنّه جواب الشرط.]
يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى : [أعمى البصر أو] القلب.
و في من لا يحضره الفقيه : وروي عن معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن رجل لم يحجّ قطّ، وله مال. فقال: هو ممّن قال اللّه- عزّ وجلّ-:
وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى: فقلت: سبحان اللّه! أعمى!؟ فقال: أعماه اللّه عن طريق الخير.
و في الكافي : حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثميّ، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: من مات وهو صحيح موسر لم يحجّ، فهو ممّن قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى. قال : قلت: سبحان اللّه! أعمى!؟ قال: نعم، إنّ اللّه أعماه عن طريق الحقّ.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني [أبي، عن] ابن أبي عمير، عن فضّالة، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن رجل لم يحجّ قطّ ولهمال. فقال: هو ممّن قال اللّه: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى. قلت: سبحان اللّه! أعمى!؟ قال: أعماه اللّه عن طريق الجنّة.
قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً :
و قد أمالهما حمزة والكسائي، لأنّ الألف منقلبة من الياء. وفرّق أبو عمرو بأنّ الأوّل رأس الآية ومحلّ الوقف، فهو جدير بالتّغيير.
قالَ كَذلِكَ، أي: مثل ذلك فعلت. ثمّ فسّره فقال:
أَتَتْكَ آياتُنا واضحة نيّرة، فَنَسِيتَها فعميت عنه، وتركتها غير منظور إليها.
وَ كَذلِكَ: ومثل تركك إيّاها، الْيَوْمَ تُنْسى : تترك في العمى والعذاب.
وَ كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ بالانهماك في الشّهوات والإعراض عن الآيات، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ بل كذّبها وخالفها.
وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ وهو الحشر على العمى.
و قيل : عذاب النّار. أي: والنّار بعد ذلك.
أَشَدُّ وَأَبْقى من ضنك العيش. أو: منه ومن العمى. ولعلّه إذا دخل النّار، زال عماه ليرى محلّه وحاله. أو: ممّا فعله من ترك الآيات والكفر بها.
و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن الحسين بن عبد الرّحمن، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً قال: يعني ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام.
قلت: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى؟ قال: يعني أعمى. البصر في الآخرة، أعمى القلب في الدّنيا عن ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام.
قال: وهو متحيّر في القيامة يقول: لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها. قال: الآيات الأئمّة. فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى، يعني:
تركتها، وكذلك اليوم تترك في النّار، كما تركت الأئمّة- عليهما السّلام- فلم تطع
أمرهم ، ولم تسمع قولهم.
قلت: وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى؟ قال: يعني: من أشرك بولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام- غيره وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ، ترك الأئمّة- عليهم السّلام- معاندة، فلم يتّبع آثارهم، ولم يتولّهم.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
أَ فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ:
مسند إلى اللّه أو الرّسول، أو ما دلّ عليه.
كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ:
أي: إهلاكنا إيّاهم. أو الجملة بمضمونها. والفعل على الأوّلين معلّق يجري مجرى اعلم. ويدلّ عليه القراءة بالنّون.
يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ ويشاهدون آثار هلاكهم.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى : لذوي العقول النّاهية عن التّغافل والتّعامي.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه: حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل العلويّ، عن عيسى بن داود النّجّار، عن أبي الحسن موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال: إنّه سأل أباه عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:
يا أيّها النّاس! اتّبعوا هدى اللّه [تهتدوا وترشدوا، وهو هداي. وهداي. هدى عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام. فمن اتّبع في حياتي وبعد موتي، فقد اتّبع هداي. ومن اتّبع هداي، فقد اتّبع هدى اللّه. (و من اتّبع هدى) اللّه،] فلا يضلّ ولا يشقى. قال:
وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ويحشره اللّه يوم القيامة أعمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ في عداوة آل محمّد وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى
. ثمّ قال اللّه- عزّ وجلّ-: أَ فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى وهم الأئمّة من آل محمّد. وما كان في القرآن مثلها. ويقول اللّه- عزّ وجلّ-:
وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى فَاصْبِرْ يا محمّد نفسك وذرّيّتك عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها.
وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ :
و هي العدة بتأخير عذاب هذه الأمّة إلى الآخرة.
لَكانَ لِزاماً مثل ما نزل بعاد وثمود لازما لهؤلاء الكفرة.
و هو مصدر وصف به. أو اسم آلة سمّي به اللّازم [لفرط لزومه] ، كقولهم: لزاز خصم.
وَ أَجَلٌ مُسَمًّى :
عطف على «كلمة». أي: ولولا العدة بتأخير العذاب وأجل مسمّى لأعمارهم. أو لعذابهم- وهو يوم القيامة أو بدر - لكان [العذاب لزاما. والفصل للدّلالة على استقلال كلّ منهما بنفي لزوم العذاب. ويجوز عطفه على المستكنّ في «كان». أي:
لكان] الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين لهم.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: اللّزام الهلاك.
قال : وكان ينزل بهم العذاب، ولكن قد أخّرهم لأجل مسمّى.
فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ: وصلّ وأنت حامد لربّك، على هدايته وتوفيقه. أو: نزّهه عن الشّريك وسائر ما يضيفون إليه من النّقائص، حامدا له على ما ميّزك بالهدى، معترفا بأنّه المولى للنّعم كلّها.
قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، يعني: الفجر.وَ قَبْلَ غُرُوبِها، يعني: الظّهر والعصر، لأنّهما من آخر النّهار. أو العصر وحده.
وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ: ومن ساعاته- جمع إنّا، بالكسر والقصر، أو أناء، بالفتح والمدّ- فَسَبِّحْ، يعني: المغرب والعشاء.
و إنّما قدم الزّمان فيه، لاختصاصه بمزيد الفضل، فإنّ القلب فيه أجمع والنّفس أميل إلى الاستراحة، فكانت العبادة فيه أحمز. ولذلك قال- تعالى-: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا .
وَ أَطْرافَ النَّهارِ:
تكرير لصلاتي: الصّبح والمغرب، إرادة الاختصاص . ومجيئه بلفظ الجمع، لأمن الإلباس، كقوله: ظهراهما مثل ظهور التّرسين.
أو أمر بصلاة الظّهر، فإنّه نهاية النّصف الأوّل من النّهار وبداية النّصف الأخير.
و جمعه باعتبار النّصفين، أو لأنّ النّهار جنس، أو بالتّطوّع في أجزاء النّهار.
لَعَلَّكَ تَرْضى :
متعلّق ب «سبّح». أي: سبّح في هذه الأوقات، طمعا أن تنال عند اللّه ما به ترضى نفسك.
و قرأ الكسائي وأبو بكر بالبناء للمفعول. أي: يرضيك ربّك.
و في كتاب الخصال : عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- تعالى-: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ [وَ قَبْلَ غُرُوبِها. فقال:
فريضة على كلّ مسلم أن يقول قبل طلوع الشّمس عشر مرّات وقبل غروبها] عشر مرّات: لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد. يحيي ويميت، وهو حيّ لا يموت. بيده الخير. وهو على كلّ شيء قدير.
قال: فقلت: لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد. يحيي ويميت.و يميت ويحيي. فقال: يا هذا، لا شكّ في أنّ اللّه يحيي ويميت، ويميت ويحيي، ولكن قل كما قلت.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له: وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى؟
قال: يعني: تطوّع بالنّهار.
وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ، أي: نظر عينيك إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ، استحسانا له، وتمنّيا أن يكون لك مثله.
أَزْواجاً مِنْهُمْ: أصنافا من الكفرة.
و يجوز أن يكون حالا من الضّمير [في «به»] والمفعول «منهم». أي: إلى الّذي متّعنا به، وهو أصناف بعضهم وناسا منهم.
زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا:
منصوب بمحذوف دلّ عليه «متّحنا» أو «به» على تضمينه معنى أعطينا، أو بالبدل من محلّ «به»، أو من «أزواجا» بتقدير مضاف ودونه، أو بالذّمّ. وهي الزّينة والبهجة.
و قرأ يعقوب بالفتح. وهي لغة- كالجهرة في الجهرة- أو جمع زاهر. وصف لهم بأنّهم زاهروا الدّنيا لتنعّمهم وبهاء زيّهم، بخلاف ما عليه المؤمنون الزّهّاد.
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ: لنبلوهم وتختبرهم. أو: لنعذّبهم في الآخرة بسببه.
وَ رِزْقُ رَبِّكَ: وما ادّخر لك في الآخرة. أو: ما رزقك من الهدى والنّبوّة.
خَيْرٌ ممّا منحهم في الدّنيا وَأَبْقى ، فإنّه لا ينقطع.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى. قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:
لمّا نزلت هذه الآية، استوى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- جالسا. ثمّ قال:من لم يتعزّ بعزاء اللّه، تقطّعت نفسه على الدّنيا حسرات. ومن اتّبع بصره ما في أيدي النّاس، طال همّه، ولم يشف غيظه. ومن لم يعرف أنّ للّه عليه نعمة إلّا في مطعم أو في مشرب، قصر أجله، ودنا عذابه.
و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبي المغرا ، عن زيد الشّحّام، عن عمرو بن سعيد بن هلال، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال:
إيّاك وأن تطمح نفسك إلى من فوقك. وكفى بما قال اللّه - عزّ وجلّ- لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ. وقال اللّه- عزّ وجلّ- لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ:
أمره بأن يأمر أهل بيته والتّابعين له من أمّته بالصّلاة، بعد ما أمره بها، ليتعاونوا على الاستعانة بها على خصاصتهم، ولا يهتمّوا بأمر المعيشة، ولا يلتفتوا لفت أرباب الثّروة.
وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها: وداوم عليها.
و في عوالي اللّئالي : وروي عن الباقر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها قال: أمر اللّه- تعالى- نبيّه أن يخصّ أهل بيته وأهله دون النّاس، ليعلم النّاس أنّ لأهله عند اللّه منزلة ليست لغيرهم. فأمرهم مع النّاس عامّة. ثمّ أمرهم خاصّة.
و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون، في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل. وفيه: قالت العلماء. فأخبرنا: هل فسّر اللّه- تعالى- الاصطفاء في الكتاب؟ فقال الرّضا- عليه السّلام-:فسّر الاصطفاء في الظّاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا. فأوّل ذلك- إلى أن قال:
و أمّا الثّاني عشر فقوله- تعالى-: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها. فخصّنا اللّه- تعالى- بهذه الخصوصيّة، إذ أمرنا مع الأمّة بإقامة الصّلاة، ثمّ خصّنا من دون الأمّة. فكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يجيء إلى باب عليّ وفاطمة- عليهما السّلام- بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر، كلّ يوم عند حضور كلّ صلاة خمس مرّات، فيقول: الصّلاة! رحمكم اللّه! وما أكرم اللّه أحدا من ذراري الأنبياء- عليهم السّلام- بمثل هذه الكرامة الّتي أكرمنا بها وخصّنا من دون جميع أهل بيتهم.
فقال المأمون والعلماء: جزاكم اللّه أهل بيت نبيّكم عن هذه الأمّة خيرا. فما نجد الشّرح والبيان فيما اشتبه علينا، إلّا عندكم.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، عن عقيل الخزاعيّ: انّ أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- كان إذا حضر الحرب، يوصي المسلمين بكلمات فيقول:
تعاهدوا الصّلاة. وحافظوا عليها. واستكثروا منها. وتقرّبوا بها- إلى أن قال عليه السّلام-: وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- منصبا لنفسه بعد البشرى له بالجنّة من ربّه، فقال- عزّ وجلّ-: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها (الآية). فكان يأمر بها أهله، ويصبّر عليها نفسه.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و
في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها فإنّ اللّه أمره أن يخصّ أهله دون النّاس، ليعلم النّاس أنّ لأهل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- عند اللّه منزلة خاصّة ليست للنّاس، إذ أمرهم مع النّاس [عامّة] ، ثمّ أمرهم خاصّة.
فلمّا أنزل اللّه هذه الآية، كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يجيء كلّ يوم عند صلاة الفجر حتّى يأتي باب عليّ وفاطمة [و الحسن والحسين- عليهم السّلام-]
فيقول: السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته. فيقول عليّ وفاطمة والحسن والحسين:
- عليهم السّلام-: وعليك السّلام يا رسول اللّه، ورحمة اللّه وبركاته. ثمّ يأخذ بعضادتي الباب فيقول: الصّلاة! الصّلاة! يرحمكم اللّه! إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً . فلم يزل يفعل ذلك كلّ يوم إذا شهد المدينة، حتّى فارق الدّنيا.
و قال أبو الحمراء خادم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أنا شهدته يفعل ذلك.
و فيه أيضا : وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ، أي: أمّتك. وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى. قال: للمتّقين.
و في نهج البلاغة : وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نصبا بالصّلاة بعد التّبشير له بالجنّة، لقول اللّه- سبحانه-: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها فكان يأمر بها [أهله] ويصبّر عليها نفسه.
و في مجمع البيان : روى أبو سعيد الخدريّ قال: لمّا نزلت هذه الآية، كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يأتي باب فاطمة وعليّ- عليهما السّلام- تسعة أشهر عند كلّ صلاة، فيقول: الصّلاة! رحمكم اللّه! إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. رواه ابن عقدة بإسناده من طرق كثيرة عن أهل البيت، وعن غيرهم مثل أبي بردة وأبي رافع.
لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً: أن ترزق نفسك ولا أهلك.
نَحْنُ نَرْزُقُكَ وإياهم، ففرّغ بالك لأمر الآخرة.
وَ الْعاقِبَةُ المحمودة لِلتَّقْوى : لذوي التّقوى.
في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه- بإسناده إلى أبي الحمراء قال: شهدت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أربعين صباحا يجيء إلى باب عليّ وفاطمة- عليهما السّلام- فيأخذ بعضادتي الباب، ثمّ يقول: السّلام عليكم أهل البيت ورحمة اللّه وبركاته. الصّلاة!يرحمكم اللّه! إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. قال- عزّ من قائل: لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى.
و في كتاب الخصال ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ أوّل ما يدخل به النّار [من] أمّتي الأجوفان. قالوا: يا رسول اللّه، وما الأجوفان؟ قال:
الفرج والفم. وأكثر ما يدخل به الجنّة تقوى اللّه وحسن الخلق.
و في كتاب التّوحيد بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: قال اللّه- تبارك وتعالى- لموسى- عليه السّلام-:
يا موسى، احفظ وصيّتي لك بأربعة- إلى أن قال:- والثّانية: ما دمت لا ترى كنوزي قد نفدت، فلا تغتمّ بسبب رزقك.
و بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: أمّا بعد، فإنّ الاهتمام بالدّنيا غير زائد في الموظوف، وفيه تضييع الزّاد . والإقبال على الآخرة غير ناقص في المقدور، وفيه إحراز المعاد. وأنشد يقول:
لو كان في صخرة في البحر راسية صمّاء مملوسة ملس نواحيها
رزق لنفس يراها اللّه لانفلقت عنه فأدّت إليه كلّ ما فيها
أو كان بين طباق السّبع مجمعة لسهّل اللّه في المرقى مراقيها
حتّى يوفّي الّذي في اللّوح خطّ له إن هي أتته وإلّا فهو آتيها
وَ قالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ: بآية تدلّ على صدقه في ادعاء- النّبوّة- أو: بآية مقترحة- إنكارا لما جاء به من الآيات، أو للاعتداد به، تعنّتا وعنادا. فألزمهم بإتيانه بالقرآن الّذي هو أمّ المعجزات وأعظهما وأتقنها. لأنّ حقيقة المعجزة اختصاص مدّعي النّبوّة بنوع من العلم أو العمل، على وجه خارق للعادة، ولا شكّ أنّ العلم أصل العمل وأعلى منه قدرا، وأبقى أثرا، وكذا ما كان من هذا القبيل. ونبّههم- أيضا- علىوجه أبين من وجوه إعجازه المختصّة بهذا الباب فقال:
أَ وَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى من التّوراة والإنجيل وسائر الكتب السّماويّة!؟ فإنّ اشتمالها على زبدة ما فيها من العقائد والأحكام الكلّيّة، مع أنّ الآتي بها أمّيّ لم يرها، ولم يتعلّم ممّن علمها، إعجاز بيّن.
و فيه إشعار بأنه كما يدلّ على نبوّته، برهان لما تقدّمه من الكتب، من حيث إنّه معجز، وتلك ليست كذلك، بل هي مفتقرة إلى ما يشهد على صحّتها.
و قرئ : «أ ولم تأتهم» بالتّاء والياء.
و قرئ : «الصّحف» بالتّخفيف.
وَ لَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ: من قبل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أو البيّنة. والتّذكير لأنّها في معنى البرهان. أو المراد بها القرآن.
لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ بالقتل والسّيئ في الدّنيا، وَنَخْزى بدخول النّار يوم القيامة.
و قد قرئ بالبناء للمفعول [فيهما] .
قُلْ كُلٌّ: كلّ واحد منّا ومنكم مُتَرَبِّصٌ: منتظر لما يؤول إليه أمرنا وأمركم.
فَتَرَبَّصُوا:
و قرئ : «فتمتّعوا».
فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ: المستقيم.
و قرئ : «السّواء»- أي: الوسط الجيّد- و«السّوأى» و«السّوء»- أي: الشّرّ- و«السّويّ» وهو تصغيره.
وَ مَنِ اهْتَدى من الضّلالة.
و «من» في الموضعين للاستفهام، ومحلّها الرّفع بالابتداء. ويجوز أن تكون الثّانية موصولة بخلاف الأولى، لعدم العائد. فتكون معطوفة على محلّ الجملة الاستفهاميّة المعلّقعنها الفعل،- على أنّ العلم بمعنى المعرفة- أو على «أصحاب» أو على «الصّراط» على أنّ المراد به النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله.
و في كشف المحجّة لابن طاوس - رحمه اللّه- حديث طويل عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- فيه: وقيل: فمن الوليّ يا رسول اللّه؟ قال:
وليّكم في هذا الزّمان أنا. ومن بعدي وصيّي. [و من بعد وصيّي] لكلّ زمان حجج اللّه. لكي لا تقولون كما قال الضّلّال من قبلكم فارقهم نبيّهم: رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى.
و إنّما كان تمام ضلالتهم جهالتهم بالآيات، وهم الأوصياء. فأجابهم اللّه: قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى. وإنّما كان تربّصهم أن قالوا: نحن في سعة من معرفة الأوصياء حتّى يعلن إمام علمه.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم في هذه الآية: حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام -: واللّه نحن السّبيل الّذي أمركم اللّه باتّباعه. ونحن- واللّه- الصّراط المستقيم.
و نحن- واللّه- الّذين أمر اللّه [العباد] بطاعتهم. فمن شاء، فيأخذهنا. [و من شاء، فليأخذ من هنا] . لا تجدون واللّه عنّا محيصا.
و في شرح الآيات الباهرة : قال عليّ بن إبراهيم- رحمه اللّه-: روى النّضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ- إلى قوله:- وَمَنِ اهْتَدى قال: إلى ولايتنا.
قال محمّد بن العبّاس - رحمه اللّه-: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه بن راشد، عن إبراهيم بن محمّد الثّقفيّ، عن إبراهيم بن محمّد بن ميمون، عن عبد الكريم بن يعقوب، عن
جابر، قال: سئل محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى. قال: اهتدى إلى ولايتنا.
و قال أيضا : حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن محمّد، عن إسماعيل بن بشّار، عن عليّ بن جعفر الحضرميّ، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله:
فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى [قال: عليّ صاحب الصّراط السويّ. وَمَنِ اهْتَدى] أي: إلى ولايتنا أهل البيت.
و قال أيضا : حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود النّجّار، عن أبي الحسن موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال: سألت أبي عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى. قال : أي:
إلى ولايتنا أهل البيت.
و قال أيضا : حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل العلويّ، عن عيسى بن داود النّجّار، عن أبي الحسن موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال: سألت أبي عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى. قال:
«الصّراط السّويّ هو القائم. والهدى من اهتدى إلى طاعته. ومثلها في كتاب اللّه - عزّ وجلّ-: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى. قال: إلى ولايتنا.