يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها: في الجنّات.
نَعِيمٌ مُقِيمٌ : دائم.
و قرأ حمزة: «يبشرهم» بالتّخفيف. وتنكير المبشّر به إشعار بأنّه وراء التّعيين والتّعريف.
خالِدِينَ فِيها أَبَداً: أكّد الخلود بالتّأبيد، لأنّه قد يستعمل للمكث الطّويل.
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ : يستحفر دونه ما استوجبوه لأجله. أو نعيم الدّنيا.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ قيل : نزلت في المهاجرين. فإنّهم لمّا أمروا بالهجرة، قالوا: إن هاجرنا، قطعنا آباءنا وأبناءنا وعشائرنا وذهبت تجاراتنا وبقينا ضائعين.
و قيل: نزلت نهيا عن موالاة التّسعة الّذين ارتدّوا ولحقوا بمكّة. والمعنى: لا تتّخذوهم أولياء يمنعونكم عن الإيمان ويصدّونكم عن الطّاعة. لقوله: إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ: إن اختاروه وحرصوا عليه.
و في تفسير العيّاشيّ : عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن
هذه الآية.
قال: الكفر في الباطن في هذه الآية ولاية الأوّل والثّاني، والإيمان ولاية عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.
و في مجمع البيان : روي عن أبي جعفر- عليه السّلام- وأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: أنّها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، حيث كتب إلى قريش يخبرهم بخبر النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- لمّا أراد فتح مكّة.
وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ : بوضعهم الموالاة في غير موضعها.
و في اعتقادات الإماميّة للصّدوق : ولمّا نزلت هذه الآية: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ، قال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: من ظلم عليّا مقعدي هذا بعد وفاتي، فكأنّما جحد نبوّتي ونبوّة الأنبياء- عليهم السّلام- قبلي. ومن تولّى ظالما، فهو ظالم. قال اللَّه- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا- إلى قوله-: هُمُ الظَّالِمُونَ.
قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ:
أقرباؤكم. مأخوذ من العشرة.
و قيل : من العشرة. فإنّ العشرة جماعة ترجع إلى عقد، كعقد العشرة.
و قرأ أبو بكر: «و عشيراتكم».
و قرئ: «و عشائركم».
وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها: اكتسبتموها.
وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها: فوات وقت نفاقها.
وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ: الحبّ الاختياريّ دون الطّبيعيّ، فإنّه لا يدخل تحت التّكليف في التّحفّظ عنه.
فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ: جواب ووعيد. والأمر عقوبة عاجلة، أو آجلة.
و قيل: فتح مكّة.وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ : لا يرشدهم. وفي الآية تشديد عظيم، وقلّ من يتخلّص منه.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : لمّا أذّن أمير المؤمنين- عليه السّلام- بمكّة، أن لا يدخل المسجد الحرام مشرك بعد ذلك العام، جزعت قريش جزعا شديدا وقالوا: ذهبت تجارتنا، وضاع عيالنا، وخربت دورنا . فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ- في ذلك: قل يا محمّد: «إن كان آباؤكم» (الآية).
و في الحديث : لا يجد أحدكم طعم الإيمان، حتّى يحبّ في اللَّه ويبغض في اللَّه.
و في نهج البلاغة : ولقد كنّا مع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا. ما يزيدنا ذلك إلّا إيمانا وتسليما، ومضيّا على اللّقم ، وصبرا على مضض الألم، وجدّا على جهاد العدوّ.
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ، يعني: مواطن الحرب، وهي مواقعها.
و في تفسير العيّاشيّ : يوسف بن سخت قال: اشتكى المتوكّل شكاة شديدة.
فنذر للّه، إن شفاه اللَّه يتصدّق بمال كثير. فعوفي من علّته. فسأل أصحابه عن ذلك، فأعلموه أنّ أباه تصدّق بثمانية ألف ألف درهم، وأن أراه تصدّق بخمسة ألف ألف درهم. فاستكثر ذلك.
فقال يحيى بن أبي منصور المنجّم: لو كتبت إلى ابن عمّك- يعني: أبا الحسن عليه السّلام- فيسأل.
فأمر أن يكتب له.
فكتب أبو الحسن: تصدّق بثمانين درهم.
فقالوا: هذا غلط، سلوه من أين قال هذا؟
فكتب: قال اللَّه لرّسوله: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ. والمواطن الّتينصر اللَّه رسوله- صلّى اللَّه عليه وآله- فيها ثمانون موطنا. فثمانون درهما من حلّه مال كثير.
و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السّعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال في رجل نذر أن يتصدّق بمال كثير.
فقال: الكثير ثمانون فما زاد، لقول اللَّه- تبارك وتعالى-: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ. وكانت ثمانين موطنا.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني محمّد بن أبي عمير قال: كان المتوكّل قد اعتلّ علّة شديدة. فنذر إن عافاه اللَّه أن يتصدّق بدنانير كثيرة. أو قال: بدراهم كثيرة.
فعوفي، فجمع العلماء، فسألهم عن ذلك. فاختلفوا عليه. قال أحدهم: عشرة آلاف.
و قال بعضهم: مائة ألف.
فلمّا اختلفوا، قال له عيّادة: ابعث إلى ابن عمّك، [عليّ بن] محمّد بن عليّ الرّضا- عليه السّلام- فاسأله.
فبعث إليه، فسأله.
فقال: الكثير ثمانون.
فقال له: ردّ إليه الرّسول، فقل: من أين قلت هذا ؟
فقال: من قول اللَّه- تبارك وتعالى-: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ.
و كانت المواطن ثمانين موطنا.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، [عن أبيه] عن بعض أصحابه ذكره قال: لمّا
سمّ المتوكّل، نذر إن عوفي بأن يتصدّق بمال كثير. فلمّا عوفي، سأل الفقهاء عن حدّ المال الكثير. فاختلفوا عليه. فقال بعضهم: مائة ألف. وقال بعضهم: عشرة آلاف. فقالوا فيه أقاويل مختلفة. فاشتبه عليه الأمر.
فقال رجل من ندمائه يقال له: صنعان : ألا تبعث إلى هذا الأسود فتسأل منه؟
فقال له المتوكّل: من تعني، ويحك؟
فقال له ابن الرّضا- عليه السّلام-.
فقال له: وهو يحسن من هذا شيئا؟
فقال له: إن أخرجك من هذا، فلي عليك كذا وكذا. وإلّا فاضربني مائة مقرعة .
فقال المتوكّل: قد رضيت. يا جعفر بن محمود، صر إليه وأسأل عن حدّ المال الكثير.
فصار جعفر بن محمود إلى أبي الحسن، عليّ بن محمّد- عليهما السّلام- فسأله عن حدّ المال الكثير.
فقال له: الكثير ثمانون.
فقال له جعفر: يا سيّدي، إنّه يسألني عن العلّة فيه.
فقال له أبو الحسن- عليه السّلام-: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- يقول: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ. فعدّدنا المواطن، فكانت ثمانين.
وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: وموطن يوم حنين.
و يجوز أن يقدر: في أيّام مواطن. أو يفسر الموطن بالوقت، كمقتل الحسين- عليه السّلام-.
و لا يمنع إبدال قوله: إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ منه أن يعطف على موضع في «مواطن». فإنّه لا يقتضي تشاركهما فيما أضيف إليه المعطوف، حتّى يقتضي كثرتهم وإعجابها إيّاهم في جميع المواطن.
و «حنين» واد بين مكّة والطّائف، حارب فيه رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-و المسلمون.
فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ، أي: الكثرة.
شَيْئاً: من الإغناء، أو أمر العدوّ.
وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ: برحبها، أي: سعتها. لا تجدون فيها مفرّا تطمئنّ إليه نفوسكم من شدّة الرّعب، أو لا تثبتون فيها، كمن لا يسعه مكانه.
ثُمَّ وَلَّيْتُمْ: الكفّار ظهوركم.
مُدْبِرِينَ منهزمين.
و «الإدبار» الذّهاب إلى خلف، خلاف الإقبال.
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ: رحمته الّتي سكنوا بها وأمنوا.
عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ: الّذين انهزموا. وإعادة الجارّ، للتّنبيه على اختلاف حاليهما.
و قيل : هم الّذين ثبتوا مع الرّسول- صلّى اللَّه عليه وآله- ولم يفرّوا.
وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها: بأعينكم من الملائكة. وكانوا خمسة آلاف، أو ثمانية، أو سبعة عشر على اختلاف الأقوال.
وَ عَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا: بالقتل والأسر والسّبي.
وَ ذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ ، أي: ما فعل بهم إلّا جزاء كفرهم في الدّنيا.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : كان سبب غزوة حنين، أنّه لمّا خرج رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- إلى فتح مكّة، أظهر أنّه يريد هوازن. فبلغ الخبر هوازن، فتهيّأوا وجمعوا الجموع والسّلاح، واجتمعوا. [و اجتمع] رؤساء هوازن إلى مالك بن عوف النّضريّ، فرأسّوه عليهم. وخرجوا وساقوا معهم أموالهم ونساءهم وذراريّهم، ومرّوا حتّى نزلوا بأوطاس . وكان دريد بن الصّمّة الجشميّ في القوم»
، وكان رئيس جشم ، وكانشيخا كبيرا قد ذهب بصره من الكبر.
فلمس الأرض بيده، فقال: في أيّ واد أنتم؟
قالوا: بوادي أوطاس.
قال: نعم مجال خيل، لا حزن ضرس ولا سهل دهس . وقال: ما لي أسمع رغاء البعير ونهيق الحمير وخوار البقر وثغاء الشّاة وبكاء الصّبيّ؟
فقالوا له: إنّ مالك بن عوف ساق مع النّاس أموالهم ونساءهم وذراريّهم، ليقاتل كلّ امرئ عن نفسه وماله وأهله.
فقال دريد: راعي ضأن، وربّ الكعبة. ما له وللحرب.
ثمّ قال: ادعوا لي مالكا.
فلمّا جاء، قال: يا مالك، ما فعلت!؟
قال: سقت مع النّاس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، ليجعل كلّ رجل أهله وماله وراء ظهره فيكون أشدّ لحربه.
فقال: يا مالك، إنك أصبحت رئيس قومك وإنّك تقاتل رجلا كريما. وهذا اليوم لما بعده، ولم تضع في تقدّمة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا. ويحك، وهل يلوي المنهزم على شيء؟ اردد بيضة هوازن إلى علياء بلادهم وممتنع محالّهم، وأبق الرّجال على متون الخيل. فإنّه لا ينفعك إلّا رجل بسيفه ودرعه وفرسه. فإن كانت لك، لحق من ورائك. وإن كانت عليك، لا تكون قد فضحت في أهلك وعيالك.فقال له مالك: إنّك قد كبرت وذهب علمك [و عقلك] .
فلم يقبل من دريد.
فقال دريد: ما فعلت كعب وكلاب؟
قالوا: لم يحضر منهم أحد.
قال: غاب الجدّ والحزم. لو كان يوم علاء وسعادة، ما كانت تغيب كعب ولا كلاب.
[قال:] فمن حضرها من هوازن؟
قالوا: عمرو بن عامر وعوف بن عامر.
قال: ذانك الجذعان ، لا ينفعان ولا يضرّان.
ثمّ تنفّس دريد، وقال: حرب عوان . ليتني فيها جذع أخبّ فيها وأضع أقود وطفاء الزّمع كأنّها شاة صدع.
و بلغ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- اجتماع هوازن بأوطاس. فجمع القبائل ورغّبهم في الجهاد ووعدهم النّصر، وأنّ اللَّه قد وعده أن يغنمه أموالهم ونساءهم وذراريّهم. فرغب النّاس، وخرجوا على راياتهم. وعقد اللّواء الأكبر ودفعه إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام-. وكلّ من دخل مكّة براية، أمره أن يحملها. وخرج في اثني عشر ألف رجل، عشرة آلاف ممّن كانوا معه.
و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: وكان معه من بني سليم ألف رجل، رئيسهم عبّاس بن مرداس السّلميّ. ومن مزينة ألف رجل.
رجع الحديث إلى عليّ بن إبراهيم، قال: فمضوا حتّى كان من القوم على مسيرة بعض ليلة.
قال: وقال مالك بن عوف لقومه: ليصيّر كلّ رجل منكم أهله وماله خلف ظهره، واكسروا جفون سيوفكم، واكمنوا في شعاب هذا الوادي وفي الشّجر. فإذا كان فيغلس الصّبح، فاحملوا حملة رجل واحد وهدّوا القوم. فإنّ محمّدا لم يلق أحدا يحسن الحرب.
قال: فلمّا صلّى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- الغداة، انحدر في وادي حنين، وهو واد له انحدار بعيد. وكانت بنو سليم على مقدّمته، فخرج عليهم كتائب هوازن من كلّ ناحية، فانهزمت بنو سليم وانهزم من ورائهم، ولم يبق أحد إلّا انهزم. وبقي أمير المؤمنين- عليه السّلام- يقاتلهم في نفر قليل. ومرّ المنهزمون برسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لا يلوون على شيء. وكان العبّاس أخذ بلجام بغلة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- عن يمينه وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب عن يساره.
فأقبل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ينادي: يا معشر الأنصار، إلى أين المفرّ؟
إليّ أنا رسول اللَّه. فلم يلو أحد عليه.
و كانت نسيبة بنت كعب المازنيّة تحثو في وجوه المنهزمين التّراب، وتقول: إلى أين تفرّون عن اللَّه وعن رسوله؟ ومرّ بها عمر، فقالت له: ويلك ما هذا الّذي صنعت؟
فقال لها: هذا أمر اللَّه.
فلمّا رأى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- الهزيمة، ركض يحوم على بغلته وقد شهر سيفه. فقال: يا عبّاس، اصعد هذا الظّرب وناد: يا أصحاب البقرة، ويا أصحاب الشّجرة، إلى أين تفرّون؟ هذا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.
ثمّ رفع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يده فقال: اللّهمّ، لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان.
فنزل عليه جبرئيل- عليه السّلام- فقال: يا رسول اللَّه، دعوت بما دعا به موسى حين فلق اللَّه له البحر ونجّاه من فرعون.
ثمّ قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لأبي سفيان بن الحارث: ناولني كفّا من حصى.
فناوله، فرماه في وجوه المشركين. ثمّ قال: شاهت الوجوه. ثمّ رفع رأسه إلىالسّماء وقال: اللّهم، إن تهلك هذه العصابة، لم تعبد. وإن شئت أن لا تعبد، لا تعبد.
فلمّا سمعت الأنصار نداء العبّاس، عطفوا وكسروا جفون سيوفهم وهم يقولون:
لبّيك. ومرّوا برسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- واستحيوا أن يرجعوا إليه ولحقوا بالرّاية.
فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- للعبّاس: من هؤلاء، يا أبا الفضل؟
فقال: يا رسول اللَّه، هؤلاء الأنصار.
فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: الآن حمي الوطيس.
و نزل النّصر من السّماء، وانهزمت هوازن، وكانوا يسمعون قعقعة السّلاح في الجوّ، وانهزموا في كلّ وجه. وغنّم اللَّه رسوله أموالهم ونساءهم وذراريّهم. وهو قول اللَّه:
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ.
و في تفسير العيّاشيّ : عن عجلان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه:
وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ- إلى قوله-: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ.
فقال: أبو فلان.
عن الحسن بن عليّ بن فضّال قال: قال أبو الحسن الرّضا- عليه السّلام- للحسن بن أحمد: أيّ شيء السّكينة عندكم؟ قال: لا أدري، جعلت فداك، أيّ شيء هو؟
فقال: ريح من الجنّة ، تخرج طيّبة. لها صورة، كصورة وجه الإنسان، فتكون مع الأنبياء.
و في الكافيّ : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل. وفي آخره: قال عليّ بن أسباط: وسألته فقلت:
جعلت فداك، ما السّكينة؟
قال: ريح من الجنّة. لها وجه، كوجه الإنسان. ريحها أطيب من المسك. وهي الّتي أنزلها اللَّه على رسوله بحنين، فهزم المشركين.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وهو القتل.وَ ذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ.
قال: وقال رجل من بني نضر بن معاوية يقال له: شجرة بن ربيعة، للمؤمنين وهو أسير في أيديهم: أين الخيل البلق، والرّجال عليهم الثّياب البيض؟ فإنّما كان قتلنا بأيديهم، وما كنّا نراكم فيهم إلّا، كهيئة الشّامة قالوا: تلك الملائكة.
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ: منهم بالتّوفيق للإسلام.
وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يتجاوز عنهم، ويتفضّل عليهم.
نقل : أنّ ناسا منهم جاؤوا إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وأسلموا، وقالوا:
يا رسول اللَّه، أنت خير النّاس وأبرّهم. وقد سبي أهلونا وأولادنا، وأخذت أموالنا.
و قد سبي يومئذ ستّة آلاف نفس، وأخذ من الإبل والغنم ما لا يحصى.
فقال- عليه السّلام-: اختاروا إمّا سباياكم، وإمّا أموالكم.
فقالوا: ما كنّا نعدل بالأحساب شيئا.
فقام رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وقال: إنّ هؤلاء جاؤوا مسلمين، وإنّا خيّرناهم بين الذّراريّ والأموال، فلم يعدلوا بالأحساب شيئا. فمن كان بيده سبي وطابت نفسه أن يردّه، فشأنه. ومن لا، فليعطنا وليكن قرضا علينا متى نصيب شيئا فنعطيه مكانه.
فقالوا: رضينا وسلّمنا.
فقال: إنّي لا أدري، لعلّ فيكم من لا يرضى. فمروا عرفاءكم، فليرفعوا.
إلينا فرفعوا إليهم قد رضوا.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ:
ظاهره، أن أعيانهم نجسة. ويؤيّده قوله: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ.
و ظاهره، أنّ النّجاسة مطلقة لا تدخل المسجد الحرام.
و كذا قيل في سائر المساجد. وبعضهم خصّ المنع بالنّجاسة المتعدّية.
قيل : لخبث باطنهم. أو لأنّه يجب أن يجتنب عنهم، كما يجتنب عن الأنجاس.أو لأنّهم لا يتطهّرون ولا يجتنبون عن النجاسات، فهم لابسون لها غالبا.
و قرئ: «نجس» بالسّكون وكسر النّون. وهو ككبد في كبد. وأكثر ما جاء تابعا لرجس.
فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ: لنجاستهم. وإنّما نهي عن الاقتراب، للمبالغة، أو للمنع عن دخول الحرم.
و قيل : المراد به النّهي عن الحجّ والعمرة، لا عن الدّخول مطلقا.
بَعْدَ عامِهِمْ هذا: بعد سنة براءة، وهي التّاسعة.
و قيل : سنة حجّة الوداع.
وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً: فقرا. بسبب منعهم من الحرم، وانقطاع ما كان لكم من قدومهم من المكاسب والأرزاق.
فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ: من عطائه، أو تفضّله بوجه آخر. وقد أنجز وعده بأن أرسل السّماء عليهم مدرارا، ووفّق أهل تبالة وجرش فأسلموا وامتاروهم. ثمّ فتح عليهم البلاد والغنائم، وتوجّه إليهم النّاس من أقطار الأرض.
و قرى: «عائلة». على أنّها مصدر، كالعافية. أو حال.
إِنْ شاءَ: قيّده بالمشيئة، لتنقطع الآمال إلى اللَّه، ولينبّه على أنّه متفضّل في ذلك. وأنّ الغنى الموعود يكون لبعض دون بعض، وفي عام دون عام.
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ: بأحوالكم.
حَكِيمٌ : فيما يعطي ويمنع.
قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، أي: لا يؤمنون بهما على ما ينبغي، كما بيّنّاه في أوّل البقرة. فإيمانهم كلا إيمان.
وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: ما ثبت تحريمه بالكتاب والسّنّة.
و قيل : «رسوله» هو الّذي يزعمون اتّباعه.
و المعنى: أنّهم يخالفون أصل دينهم، المنسوخ اعتقادا وعملا.
وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ: الثّابت، الّذي هو ناسخ سائر الأديان ومبطلها.
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ: بيان «الّذين لا يؤمنون».حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ: ما تقرّر عليهم أن يعطوه. مشتقّ من جزى دينه: إذا قضاه.
عَنْ يَدٍ: حال من الضّمير، أي: عن يد مؤاتية، بمعنى: منقادين. أو عن يدهم، بمعنى: مسلّمين بأيديهم غير باعثين بأيدي غيرهم. ولذلك منع من التّوكيل فيه.
و قيل : أو عن غنى، ولذلك قيل: لا تؤخذ من الفقير. أو عن يد قاهرة عليهم، بمعنى: عاجزين أذلّاء. أو عن إنعام عليهم، فإنّ إبقاءهم بالجزية نعمة عظيمة. أو من الجزية، بمعنى: نقدا مسلمة عن يد إلى يد.
وَ هُمْ صاغِرُونَ : أذلّاء، يعني: يؤخذ منهم على الصّغار والذّل.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، وعليّ بن محمّد القاسانيّ جميعا، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن الفصيل بن عيّاض. إلى أن قال:
و بإسناده، عن المنقريّ، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- [قال: سأل رجل أبي- صلوات اللَّه عليه-] عن حروب أمير المؤمنين- عليه السّلام-. وكان السّائل من محبّينا.
فقال له أبو جعفر- عليه السّلام-: بعث اللَّه محمّدا- صلّى اللَّه عليه وآله- بخمسة أسياف، ثلاثة منها شاهرة فلا تغمد حتّى تضع الحرب أوزارها، ولن تضع الحرب أوزارها حتّى تطلع الشّمس من مغربها. فإذا طلعت الشّمس من مغربها، آمن النّاس كلّهم ذلك اليوم .
إلى قوله- عليه السّلام-: والسّيف الثّاني على أهل الذّمّة. قال اللَّه- تعالى-:
وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً . [نزلت هذه الآية في أهل الذّمّة] ثم نسخها قوله- تعالى-:
قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ (الآية). فمن كان منهم في دار الإسلام، فلن يقبّل منهم إلّا الجزية أو القتل، وما لهم فيء وذراريهم سبي. فإذا قبلوا الجزية على أنفسهم، حرم علينا سبيهم وحرمت أموالهم وحلّت لنا مناكحتهم. ومن كان
منهم في دار الحرب، حلّ لنا سبيهم [و أموالهم] ، ولم تحلّ لنا مناكحتهم، ولم يقبل منهم إلّا الدّخول في الإسلام أو الجزية أو القتل.
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن أبي يحيى الواسطيّ، عن بعض أصحابنا قال: سئل أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- عن المجوس: أ كان لهم نبيّ؟
فقال: نعم. فقال: أما بلغك كتاب رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- إلى أهل مكّة أن أسلموا وإلّا فأذنوا بحرب من اللَّه .
فكتبوا إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أن خذ منّا الجزية، ودعنا على عبادة الأوثان.
فكتب إليهم النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّي لست آخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب.
فكتبوا إليه يريدون بذلك تكذيبه: زعمت أنّك لا تأخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب، ثمّ أخذت الجزية من مجوس هجر.
فكتب إليهم النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ المجوس كان لهم نبيّ فقتلوه، وكتاب أحرقوه. أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور.
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى الزّهريّ: عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال: سألته عن النّساء: كيف سقطت الجزية ورفعت عنهنّ؟
فقال: لأنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- نهى عن قتل النّساء والولدان في دار الحرب، إلّا أن تقاتل. وإن قاتلت- أيضا- فأمسك عنها ما أمكنك ولم تخف خللا. فلمّا نهى عن قتلهنّ في دار الحرب، كان ذلك في دار الإسلام [أولى. ولو امتنعت] أن تؤدّي الجزية، لم يمكنها قتلها. [فلمّا لم يمكن قتلها، رفعت] الجزية عنها. ولو منع الرّجال وأبوا أن يؤدّوا الجزية، كانوا ناقضين للعهد وحلّت دماؤهم وقتلهم. لأنّ قتل الرّجال مباح فيدار الشّرك، وكذلك المقعد من أهل الشّرك [و الذمّة] والأعمى والشّيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض [الحرب] فمن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن يحيى جميعا، عن عبد اللَّه بن المغيرة، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: جرت السّنّة ألّا تؤخذ الجزية من المعتوه، ولا من المغلوب على عقله.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: ما حدّ الجزية على أهل الكتاب، وهل عليهم في ذلك شيء موظّف لا ينبغي أن يجوزوا إلى غيره؟
فقال: ذلك إلى الإمام، يأخذ من كلّ إنسان منهم ما شاء على قدر ماله بما يطيق. إنّما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يقتلوا. فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما يطيقون له أن يأخذهم به، حتّى يسلموا. فإنّ اللَّه- تبارك وتعالى- قال: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ. فكيف يكون صاغرا وهو لا يكترث لما يؤخذ منه، حتّى لا تجد ذلّا لما أخذ منه، فيألم لذلك، فيسلم.
قال ابن مسلم: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: أ رأيت ما يأخذ هؤلاء من هذا الخمس من أرض الجزية ويأخذ من الدّهاقين جزية رؤوسهم، أما عليهم في ذلك شيء موظّف؟
فقال: كان عليهم ما أجازوا على أنفسهم، وليس للإمام أكثر من الجزية، إن شاء الإمام وضع ذلك على رؤوسهم، وليس على أموالهم شيء. وإن شاء فعلى أموالهم، وليس على رؤوسهم شيء.
فقلت: فهذا الخمس؟
فقال: إنّما هذا شيء كان صالحهم عليه رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن
محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في أهل الجزية، يؤخذ من أموالهم ومواشيهم شيء سوى الجزية؟
قال: لا.
وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ قيل : إنّما قاله بعض من متقدّميهم، أو ممّن كانوا بالمدينة. وإنّما قالوا ذلك، لأنّه لم يبق فيهم بعد وقعة بخت نصر من يحفظ التّوراة. وهو لمّا أحياه اللَّه بعد مائة عام، أملى عليهم التّوراة حفظا. فتعجّبوا من ذلك، وقالوا: ما هذا إلّا لأنّه ابن اللَّه. والدّليل على أنّ هذا القول كان فيهم، أنّ الآية قرئت عليهم فلم يكذّبوا مع تهالكهم على التّكذيب.
و قرأ عاصم والكسائيّ ويعقوب: «عزير» بالتّنوين. على أنّه عربيّ مخبر عنه «بابن» غير موصوف به. وحذفه في القراءة الأخرى إمّا لمنع صرفه للعجمة والتّعريف، أو لالتقاء السّاكنين تشبيها للنّون بحرف اللّين، أو لأنّ «الابن» وصف والخبر محذوف، مثل معبودنا أو صاحبنا. وهو مزّيف، لأنّه يؤدّي إلى تسليم النّسب وإنكار الخبر المقدّر.
وَ قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ: هو- أيضا- قول بعضهم. وإنّما قالوه استحالة، لأن يفعل ما فعله من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى من لم يكن إلها.
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ- رحمه اللَّه-: قال أبو محمّد العسكريّ:- عليه السّلام-: قال الصّادق- عليه السّلام-: ولقد حدّثني أبي، عن جدّي، عليّ بن الحسين زين العابدين، عن الحسين بن عليّ سيد الشّهداء، عن عليّ بن أبي طالب- صلوات اللَّه عليهم-: أنّه اجتمع يوما عند رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أهل خمسة أديان، اليهود والنّصارى والدّهريّة والثّنويّة ومشركوا العرب.
فقالت اليهود: نحن نقول: عزير ابن اللَّه. وقد جئناك، يا محمّد، لننظر ما تقول.
فإن اتّبعتنا، فنحن أسبق إلى الصّواب منك وأفضل. وإن خالفتنا، خصمناك .
و قالت النّصارى: نحن نقول: المسيح ابن اللَّه اتّحد به. وقد جئناك لننظر ما تقول. فإن اتّبعتنا، فنحن أسبق إلى الصّواب منك وأفضل. وإن خالفتنا، خصمناك.ثمّ قال- صلّى اللَّه عليه وآله- لليهود: أ جئتموني لأقبل قولكم بغير حجّة؟
قالوا: لا.
قال: فما الّذي دعاكم إلى القول بأنّ عزيز ابن اللَّه؟
قالوا: لأنّه أحيا لبني إسرائيل التّوراة بعد ما ذهبت، ولم يفعل بها هذا إلّا لأنّه ابنه.
فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: فكيف صار عزير ابن اللَّه دون موسى، وهو الّذي جاءهم بالتّوراة ورأوا منه من المعجزات ما قد علمتم؟ فإن كان عزير ابن اللَّه لما ظهر من إكرامه من إحياء التّوراة، فلقد كان موسى بالنّبوّة أحقّ وأولى. ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب له أنّه ابنه، فأضعاف هذه كرامة لموسى توجب له منزلة أجلّ من النّبوّة. لأنّكم إن كنتم إنّما تريدون بالنّبوّة الدّلالة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه من ولادة الأمّهات الأولاد بوطئ آبائهم لهنّ، فقد كفرتم باللَّه وشبّهتموه بخلقه وأوجبتم فيه صفات المحدثين. ووجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا، وأن يكون له خالق صنعه وابتدعه.
قالوا: لسنا نعني هذا. فإنّ هذا كفر كما ذكرت. ولكنّا نعني أنّه ابنه، على معنى الكرامة وإن لم يكن هناك ولادة، كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة عن غيره: يا بنيّ، وأنّه ابني. لا على إثبات ولادته منه. ولأنّه قد يقول ذلك لمن هو أجنبيّ، لا نسب له بينه وبينه. وكذلك لمّا فعل اللَّه بعزير ما فعل، كان قد اتّخذه ابنا على الكرامة لا على الولادة.
فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: فهذا ما قلته لكم، أنّه إن أوجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه. فإنّ هذه المنزلة لموسى أولى. وأنّ اللَّه يفضح كلّ مبطل بإقراره ويقلب عليه حجّته، لأنّ ما احتججتم به يؤدّيكم إلى ما هو أكبر ممّا ذكرته لكم.
لأنّكم قلتم: إنّ عظيما من عظمائكم قد يقول لأجنبيّ لا نسب بينه وبينه: يا بنيّ، وهذا ابني. لا على طريق الولادة. فقد تجدون- أيضا- هذا العظيم يقول لأجنبيّ آخر: هذا أخي. ولآخر: هذا شيخي، وأبي. ولآخر: هذا سيّدي، ويا سيّدي. على سبيل الإكرام. وأنّ من زاده في الكرامة، زاده في مثل هذا القول. فإذا يجوز عندكم أن يكونموسى أخا للّه أو شيخا أو أبا أو سيّدا. لأنّه قد زاده في الإكرام ممّا لعزير، كما أنّ من زاد رجلا في الإكرام فقال له: يا سيّدي، ويا شيخي، ويا عمّي، ويا رئيسي. على طريق الإكرام. وأنّ من زاده في الكرامة، زاده في مثل هذا القول. أ فيجوز عندكم أن يكون موسى أخا للَّه، أو شيخا، أو عمّا، أو رئيسا، أو سيّدا، أو أميرا. لأنّه قد زاده في الإكرام على من قال له: يا شيخي، أو يا سيّدي، أو يا عمّي ، أو يا رئيسي [أو يا أميري] !؟
قال: فبهت القوم وتحيّروا، وقالوا: يا محمّد، أجّلنا نتفكّر فيما قد قلته لنا.
فقال: انظروا فيه بقلوب معتقدة للإنصاف، يهدكم اللَّه.
ثمّ أقبل- صلّى اللَّه عليه وآله- على النّصارى، فقال: وأنتم قلتم: إنّ القديم- عزّ وجلّ- اتّحد بالمسيح - عليه السّلام- ابنه. فما الّذي أردتموه بهذا القول؟ أردتم أنّ القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الّذي هو عيسى، أو المحدث الّذي هو عيسى صار قديما لوجود القديم الّذي هو اللَّه، أو معنى قولكم: أنّه اتّحد به أنّه اختصّه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه؟ فإنّ أردتم أنّ القديم صار محدثا، فقد أبطلتم، لأنّ القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا. وإن أردتم أنّ المحدث صار قديما، فقد أحلتم ، لأنّ المحدث- أيضا- محال أن يصير قديما. وإن أردتم أنّه اتّحد به بان اختصه واصطفاه على سائر عباده، فقد أقررتم بحدوث عيسى وبحدوث المعنى الّذي اتّحد من أجله. لأنّه إذا كان عيسى محدثا وكان اللَّه قد اتّحد به بأن أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده، فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين. وهذا خلاف ما بدأتم تقولونه.
فقالت النّصارى: يا محمّد، إنّ اللَّه لمّا أظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة ما أظهر، فقد اتّخذه ولدا على جهة الكرامة.
فقال لهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الّذي ذكرتموه.
ثمّ أعاد- صلّى اللَّه عليه وآله- ذلك كلّه. فسكتوا، إلّا رجلا واحدا منهم قالله: يا محمّد، أو لستم تقولون: إنّ إبراهيم خليل اللَّه؟
قال: قد قلنا ذلك.
فقال: إذا قلتم ذلك، فلم منعتمونا من أن نقول: إنّ عيسى ابن اللَّه؟
فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّهما [لن يشتبها] . لأنّ قولنا: إنّ إبراهيم خليل اللَّه، فإنّما هو مشتقّ من الخلّة. والخلّة إنّما معناها: الفقر والفاقة. فقد كان خليلا إلى ربّه فقيرا، وإليه منقطعا، وعن غيره متعفّفا معرضا مستغنيا. وذلك لمّا أريد قذفه في النّار، فرمي به في المنجنيق، فبعث اللَّه جبرئيل- عليه السّلام- وقال له:
أدرك عبدي.
فجاءه فلقيه في الهواء، فقال: كلّفني ما بدا لك، فقد بعثني اللَّه لنصرتك.
فقال: بل حسبي اللَّه ونعم الوكيل، إنّي لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلّا إليه.
فسمّاه خليله، أي: فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمّن سواه.
و إذا جعل معنى ذلك من الخلّة - وهو أنّه قد تخلّل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره- كان [الخليل] معناه: العالم به وبأموره. ولا يوجب ذلك تشبيه اللَّه بخلقه. ألا ترون أنّه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله، وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله؟ وإنّ من يلده الرّجل- وإن أهانه وأقصاه- لم يخرج عن أن يكون ولده. لأنّ معنى الولادة قائم به. ثمّ [إن وجب لأنّه قال لإبراهيم: خليلي، أن تقيسوا أنتم فتقولوا بأنّ] عيسى ابنه، وجب- أيضا- [كذلك أن تقولوا لموسى: إنّه ابنه. فإنّ] الّذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى. فقولوا: إنّ موسى- أيضا- ابنه. وإنّه يجوز أن تقولوا على هذا المعنى: إنّه شيخه وسيّده وعمّه ورئيسه وأميره، كما ذكرته لليهود.
فقال بعضهم لبعض: وفي الكتب المنزلة، أنّ عيسى قال: أذهب إلى أبي [و أبيكم] .
فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فإن كنتم بذلك الكتاب تعملون، فإنّ فيه:أذهب إلى أبي وأبيكم. فقولوا: إنّ جميع الّذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء اللَّه، كما كان عيسى ابنه، من الوجه الّذي كان عيسى ابنه. ثمّ إنّ ما في هذا الكتاب يبطل عليكم هذا الّذي زعمتم أنّ عيسى من جهة الاختصاص كان ابنا له. لأنّكم قلتم: إنّما قلنا: إنّه ابنه، لأنّه اختصّه بما لم يختصّ به غيره. وأنتم تعلمون أنّ الّذي خصّ به عيسى لم يخصّ به هؤلاء القوم الّذين قال لهم عيسى: أذهب إلى أبي وأبيكم. فبطل أن يكون الاختصاص بعيسى، لأنّه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى. وأنتم إنّما حكيتم لفظة عيسى وتأوّلتموها على غير وجهها ، لأنّه إذا قال:
[أذهب إلى] أبي وأبيكم، فقد أراد غير ما ذهبتم إليه وتخيلتموه. وما يدريكم لعلّه عنى: أذهب إلى آدم أو إلى نوح- عليه السّلام-. لأنّ اللَّه يرفعني إليهم ويجمعني معهم، وآدم أبي وأبيكم وكذلك نوح. بل ما أراد غير هذا.
قال: فسكت النّصارى. وقالوا: ما رأينا كاليوم مجادلا ولا مخاصما مثلك، وسننظر في أمورنا. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. وتتمّته، وهي الرّدّ على الفرق الثّلاثة الباقية، مضى في أوّل سورة الأنعام.
و في آخر الحديث قال الصّادق- عليه السّلام-: فو الّذي بعثه بالحقّ نبيّا، ما أتت على جماعتهم إلّا ثلاثة أيّام حتّى أتوا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فأسلموا.
و كانوا خمسة وعشرين رجلا، من كلّ فرقة خمسة. وقالوا: ما رأينا مثل حجّتك، يا محمّد، نشهد أنّك رسول اللَّه.
و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الرّضا- عليه السّلام-: عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليه السّلام- قال: إنّ يهوديّا سأل عليّ بن أبي طالب، فقال:
أخبرني عمّا ليس عند اللَّه، وعمّا لا يعلمه اللَّه، وعمّا ليس للّه.
فقال عليّ- عليه السّلام-: أمّا ما لا يعلمه اللَّه، فذاك قولكم، يا معشر اليهود: إنّ عزير ابن اللَّه، واللَّه لا يعلم له ولدا . وأمّا قولك: ما ليس عند اللَّه، فليس عند اللَّه ظلمللعباد. فأمّا قولك: ما ليس للّه، فليس للّه شريك.
فقال اليهوديّ: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأشهد أنّ محمّدا رسول اللَّه.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن إسحاق بن الهيثم، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة، عن عليّ- عليه السّلام- أنّه قال: إنّ الشّجر لم يزل حصيدا كلّه، حتّى دعي للرّحمن ولد. عزّ الرّحمن وجلّ أن يكون له ولد. [فكادت السموات يتفطّرن منه، وتنشقّ الأرض، وتخرّ الجبال هدّا] . فعند ذلك اقشعرّ الشّجر وصار له شوك، حذرا أن ينزل به العذاب.
و في تفسير العيّاشيّ : عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: اشتدّ غضب اللَّه على اليهود حين قالوا: عزير ابن اللَّه.
و اشتدّ غضب اللَّه على النّصارى حين قالوا: المسيح ابن اللَّه. واشتدّ غضب اللَّه على من أراق دمي، وآذاني في عترتي.
عن يزيد بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قال: لم يغضب للّه شيء كغضب الطّلح والسّدر. إنّ الطّلح كانت كالأترج ، والسّدر كالبطّيخ. فلمّا قالت اليهود: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ تقبّض حملها فصغر، فصار له عجم واشتدّ العجم . فلمّا أن قالت النّصارى: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [اذعرّتا فخرج لهما هذا الشّوك] وتقبّض حملهما، وصار النّبق إلى هذا الحمل. وذهب حمل الطّلح فلا يحمل حتّى يقوم قائمنا.
ثمّ قال: من سقى طلحة أو سدرة، فكأنّما سقى مؤمنا من ظمأ .ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ: إمّا تأكيد لنسبة هذا القول إليهم ونفي للتجوز عنها، أو إشعار بأنه قول مجرد عن برهان وتحقيق مماثل للمهمل الّذي يوجد في الأفواه ولا يوجد مفهومه في الأعيان.
يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا، أي: يضاهي قولهم قول الّذين كفروا، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
مِنْ قَبْلُ: من قبلهم. والمراد: قدماؤهم. على معنى أنّ الكفر قديم فيهم. أو المشركون الّذين قالوا: الملائكة بنات اللّه. أو اليهود، على أنّ الضّمير للنّصارى.
و «المضاهاة» المشابهة. والهمزة لغة فيه.
و قد قرأ به عاصم. ومنه قولهم: امرأة ضهياء، على فعلاء، للتي شابهت الرّجال في أنّها لا تحيض.
قاتَلَهُمُ اللَّهُ.
قيل : دعاء عليهم بالإهلاك. فإنّ من قاتله اللَّه، هلك. أو تعجّب من شناعة قولهم.
و في كتاب الاحتجاج للطبرسيّ- رحمه اللَّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في حديث طويل، أي: لعنهم اللَّه [أنّى يؤفكون] . فسمى اللّعنة: قتالا.
أَنَّى يُؤْفَكُونَ : كيف يصرفون عن الحقّ إلى الباطل.
اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ: بأن أطاعوهم في تحريم ما أحلّ اللَّه، وتحليل ما حرّم اللَّه.
قيل : أو بالسّجود لهم.
و في مجمع البيان : وروي الثّعلبيّ، بإسناده: عن عدي بن حاتم قال: أتيت رسول اللَّه- صلى اللَّه عليه وآله- وفي عنقي صليب.
فقال لي: يا عديّ، اطرح هذا الوثن من عنقك.
قال: فطرحته. ثمّ أتيت إليه وهو يقرأ من سورة براءة هذه الآية:اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً حتى فرغ منها. فقلت: إنّا لسنا نعبدهم! قال: أليس يحرّمون ما أحلّ اللَّه، فتحرّمونه. ويحلّون ما حرّم اللَّه، فتستحلّونه؟
قال: فقلت: بلى.
قال: فتلك عبادتهم.
و في أصول الكافي : عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، [عن أبيه] عن عبد اللَّه بن يحيى، عن عبد اللَّه بن مسكان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن هذه الآية.
فقال: أما، واللَّه، ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم. ولو دعوهم [إلى عبادة أنفسهم] ، لما أجابوهم. ولكن أحلّوا لهم حراما، وحرّموا عليهم حلالا. فعبدوهم من حيث لا يشعرون.
عليّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من أطاع رجلا في معصية اللَّه ، فقد عبده.
و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في هذه الآية قال: أمّا، واللَّه، ما صاموا لهم ولا صلّوا. ولكنّهم أحلّوا لهم حراما وحرّموا عليهم حلالا، فاتبعوهم.
و قال في خبر آخر، عنه: ولكنّهم أطاعوهم في معصية اللَّه.
عن جابر ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن هذه الآية.
قال: أما إنّهم لم يتّخذوهم آلهة، إلّا أنّهم أحلوا حراما فأخذوا به، وحرّموا حلالا فأخذوا به. فكانوا أربابا لهم من دون اللَّه.
وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ: بأن جعلوه ابنا للَّه.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية: أمّا المسيح، فعصوه، وعظّموه في أنفسهم حتّى زعموا أنّه إله وأنّه ابن اللَّه. وطائفة منهم قالوا: ثالث ثلاثة. وطائفة منهم قالوا: هو اللَّه.
و أما أحبارهم ورهبانهم، فإنّهم أطاعوهم وأخذوا بقولهم، واتبعوا ما أمروهم به، ودانوا بما دعوهم إليه، فاتّخذوهم أربابا بطاعتهم لهم، وتركهم أمر اللَّه وكتبه ورسله، فنبذوه وراء ظهورهم. وما أمرهم به الأحبار والرّهبان اتبعوه وأطاعوهم، وعصوا اللَّه ورسوله. وإنما ذكر هذا في كتابنا، لكي نتّعظ بهم. فعيّر اللَّه- تبارك وتعالى- بني إسرائيل بما صنعوا. بقوله :
وَ ما أُمِرُوا، أي: وما أمر المتّخذون، أربابا. فيكون، كالدّليل على بطلان الاتخاذ.
إِلَّا لِيَعْبُدُوا: ليطيعوا.
إِلهاً واحِداً: وهو اللَّه- تعالى-. وأمّا طاعة الرّسل وسائر من أمر اللَّه بطاعته، فهي في الحقيقة طاعة اللَّه.
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: صفة ثانية. أو استئناف مقرر للتّوحيد.
سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ : تنزيله له عن أن يكون له شريك.
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا: يخمدوا.
نُورَ اللَّهِ: حجته الدّالّة على وحدانيته وتقدسه عن الولد. أو القرآن. أو نبوة محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-.
بِأَفْواهِهِمْ: بشركهم، أو تكذيبهم.
وَ يَأْبَى اللَّهُ: لا يرضى.
إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ: بإعلاء التّوحيد وإعزاز الإسلام.
و قيل : إنّه تمثيل لحالهم في طلبهم إبطال نبوّة محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- بالتكذيب، بحال من يطلب إطفاء نور عظيم منبثّ في الآفاق يريد اللَّه أن يزيده بنفخه.و انّما صح الاستثناء المفرغ والفعل موجب، لانّه في معنى النّفي.
وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ : محذوف الجواب، لدلالة ما قبله عليه.
و في كتاب الاحتجاج للطبرسيّ- رحمه اللَّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في هذه الآية: يعني: أنّهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله اللَّه، ليلبسوا على الخليفة. فأعمى اللَّه قلوبهم، حتّى تركوا فيه ما دلّ على ما أحدثوه [و حرّفوا منه] .
و فيه : عنه- عليه السّلام-: وجعل أهل الكتاب المقيمين به والعالمين بظاهره وباطنه من شجرة، أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ. تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها، أي: يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت، وجعل أعدائها أهل الشّجرة الملعونة الّذين حاولوا إطفاء نور اللَّه بأفواههم. فأبى اللَّه إلّا أن يتمّ نوره.
و في كتاب الغيبة لشيخ الطائفة- قدس سرّه-: وروى محمّد بن أحمد بن يحيى، عن بعض أصحابنا، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن سنان قال: ذكر عليّ بن أبي حمزة عند الرّضا- عليه السّلام- فلعنه.
ثمّ قال: إنّ عليّ بن أبي حمزة أراد أن لا يعبد اللَّه في سمائه وأرضه. وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ... وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ولو كره اللّعين المشرك.
قلت: المشرك.
قال: نعم، واللَّه، وان رغم أنفه. كذلك هو في كتاب اللَّه: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ. وقد جرت فيه وفي أمثاله، أنّه أراد أن يطفئ نور اللَّه.
بإسناده إلى الصّادق- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه- عليه السّلام- وقد ذكر شقّ فرعون بطون الحوامل في طلب موسى- عليه السّلام-: كذلك بنو اميّة وبنو العبّاس لمّا أن وقفوا أن زوال ملك الأمراء والجبابرة منهم على يدي القائم- عليه السّلام-، [منّا] ناصبونا العداوة ووضعوا سيوفهم في قتل أهل بيت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وإبادة نسله، طمعا منهم في الوصول إلى قتل القائم- عليه السّلام-. فأبى اللَّه أن يكشفأمره لواحد من الظّلمة إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ... وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، مثله سواء.
و في تفسير العيّاشيّ : عن أحمد بن محمّد قال: وقف عليّ أبو الحسن الثّاني- عليه السّلام- في بني زريق، فقال لي وهو رافع صوته : يا أحمد.
قلت: لبيك.
قال: إنّه لمّا قبض رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- جهد النّاس على إطفاء نور اللَّه. فأبى اللَّه إلّا أن يتمّ نوره بأمير المؤمنين.
و في قرب الإسناد للحميريّ: معاوية بن حكيم، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: وعدنا أبو الحسن الرضا- عليه السّلام- [ليلة] إلى مسجد دار معاوية. فجاء، فسلّم.
فقال: إنّ النّاس قد جهدوا على إطفاء نور اللَّه حين قبض اللَّه- تبارك وتعالى- رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. وأبى اللَّه إلّا أن يتمّ نوره. وقد جهد عليّ بن أبي حمزة على إطفاء نور اللَّه حين قبض أبو الحسن [الأوّل] ، فأبى اللَّه إلّا أن يتمّ نوره. وقد هداكم اللَّه [إلى من] جهله النّاس، فاحمدوا اللَّه على ما منّ عليكم به.
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ قيل : كالبيان لقوله: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ. ولذلك كرّر وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ . غير أنّه وضع «المشركون» موضع «الكافرون» للدّلالة على أنّهم ضمّوا الكفر بالرّسول إلى الشّرك باللّه.
و الضّمير في «ليظهره» للدّين الحقّ، أو للرّسول.
و اللّام في «الدّين» للجنس، أي: على سائر الأديان فينسخها، أو على أهلها فيخذلهم.و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى أبي بصير قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- في هذه الآية. فقال: واللَّه ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتّى يخرج القائم- عليه السّلام- فإذا خرج القائم، لم يبق كافر باللّه العظيم ولا مشرك بالإمام إلّا كره خروجه. حتّى لو كان كافر أو مشرك في بطن صخرة، لقالت: يا مؤمن، في بطني كافر فاكسرني وأقتله.
و بإسناده إلى [عبد الرحمن بن] سليط قال: قال الحسين بن عليّ بن أبي طالب- عليهما السّلام-: منّا اثنا عشرة مهديا. أوّلهم أمير المؤمنين، عليّ بن أبي طالب، وآخرهم التّاسع من ولدي. وهو القائم بالحقّ، يحيى اللَّه به الأرض بعد موتها، ويظهر به الدّين الحقّ [عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ] وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و بإسناده إلى محمّد بن مسلم الثقفي قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ- عليهما السلام- يقول: القائم منّا منصور بالرّعب، مؤيّد بالنّصر، تطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر اللَّه- عزّ وجلّ- به دينه على الدّين كله وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. فلا يبقى في الأرض خراب، إلّا عمر. ولا ينزل روح اللَّه، عيسى بن مريم- عليه السّلام-. فيصلي خلفه.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- قال: قلت: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ.
قال: هو الّذي أرسله بالولاية لوصيّه. والولاية هي دين الحقّ.
قلت: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ.
قال: يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم. قال: يقول اللَّه: «و اللَّه متمّ [نوره] ولاية القائم. وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ بولاية عليّ.قلت: هذا تنزيل؟
قال: نعم. أمّا هذا الحرف فتنزيل، وأما غيره فتأويل. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و في كتاب الاحتجاج للطبرسيّ- رحمه اللَّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: وغاب صاحب هذا الأمر بإيضاح العذر له في ذلك، لاشتمال الفتنة على القلوب، حتّى يكون أقرب النّاس إليه أشدّهم عداوة له. وعند ذلك يؤيّده اللَّه بجنود لم تروها، ويظهر دين نبيه- صلّى اللَّه عليه وآله- [على يديه] عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي المقدام، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية: يكون أن لا يبقى أحد إلّا أقرّ بمحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-.
و في مجمع البيان : قال المقداد بن الأسود: سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يقول: لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر، إلّا أدخله اللَّه كلمة الإسلام.
إمّا بعزّ عزيز، أو بذلّ ذليل. إمّا يعز بهم فيجعلهم اللَّه من أهله، فيعزّوا به، وإمّا يذلّهم، فيدينون له.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ: ليأخذونها بالرشى في الأموال. سمّى أخذ المال أكلا، لأنه الغرض الأعظم منه.
وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: دينه.
وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ: يجوز أن يراد به الكثير من الأحبار والرّهبان، فيكون مبالغة في وصفهم بالحرص على المال والضّنّ به. وأن يراد المسلمون الّذين يجمعون المال ويقتنونه، ولا يؤدون حقّه. ويكون اقترانه بالمرتشين من أهل الكتاب، للتغليظ قيد الكنز بعدم الإنفاق، لئلّا يعمّ من جمع للإنفاق وبعد إخراج الحقوق.فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ : هو الكيّ بهما.
يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ، أي: يوم القيامة توقد النّار ذات حمى شديد عليها.
و أصله: تحمى بالنّار، فجعل الإحماء للنّار مبالغة فيه. ثمّ حذفت النّار وأسند الفعل إلى الجارّ والمجرور، تنبيها على المقصود. فانتقل من صيغة التأنيث إلى صيغة التّذكير. وانّما قال: «عليها» والمذكور شيئان، لأنّ المراد بهما دراهم ودنانير كثيرة.
و كذا قوله: «و لا ينفقونها».
و قيل : الضّمير فيهما للكنوز، أو للأموال. فإن الحكم عامّ، وتخصيصهما بالذّكر، لأنّهما قانون التّمول. أو للفضة، وتخصيصها لقربها ودلالة حكمها على أنّ الذّهب أولى بهذا الحكم.
فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ.
قيل : لأن جمعهم وإمساكهم [إيّاه] ، كان لطلب الوجاهة بالغنى والتنعم بالمطاعم الشّهيّة والملابس البهية. أو لأنهم ازورّوا عن السّائل وأعرضوا عنه وولّوه ظهورهم. أو لأنّها أشرف الأعضاء الظّاهرة، فانّها المشتملة على الأعضاء الرّئيسية، التي هي الدماغ والقلب والكبد. أو لأنّها أصول الجهات الأربع، التي هي مقاديم البدن ومآخيره وجنباه .
هذا ما كَنَزْتُمْ: على إرادة القول.
لِأَنْفُسِكُمْ: لمنفعتها. وكان عين مضرتها، وسبب تعذيبها.
فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ، أي: وبال كنزكم، أو ما تكنزونه.
و قرئ: «تكنزون»، بضمّ النّون.
في الكافي : محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن معاذ بن كثير قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: موسع على شيعتنا أن ينفقوا ممّا في أيديهم بالمعروف. فإذا قام قائمنا، حرم على كلّ ذي كنز كنزه حتّى يأتيه به فيستعين بهعلى عدوّه. وهو قول اللَّه- تعالى-: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ- إلى قوله- فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ.
و في أمالي شيخ الطائفة- قدس سره- بإسناده: لما نزلت هذه الآية، قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: كل مال تؤدى زكاته، فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين. وكل مال لا تؤدّى زكاته، فهو كنز وان كان فوق الأرض.
و في مجمع البيان : وروي عن عليّ- عليه السّلام-: ما زاد على أربعة آلاف، فهو كنز أدّى زكاته أو لم يؤدها. وما دونها فهي نفقة.
قيل : لعلّ التوفيق بين هذه الأخبار، أن يقال بجواز الجمع لغرض صحيح إلى ألفي درهم أو إلى أربعة آلاف، بعد إخراج الحقوق. ومن جملة الحقوق حقّ الإمام- عليه السّلام- إذا كان ظاهرا، وهو ما زاد على ما يكفّ صاحبه.
و روى سالم بن أبي جعدان، عن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: لمّا نزلت هذه الآية، قال: تبا للذّهب، تبّا للفضّة- يكررها ثلاثا-. فشقّ ذلك على أصحابه.
فسأله عمر، فقال: يا رسول اللَّه، أيّ المال نتّخذ؟
فقال: لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على دينه.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، حديث طويل. وفيه: نظر عثمان بن عفّان إلى كعب الأحبار، فقال له: يا أبا إسحاق، ما تقول في رجل أدّى زكاة ماله المفروضة، هل يجب عليه فيما بعد ذلك شيء ؟
فقال: لا، ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ما وجب عليه شيء.
فرفع أبو ذرّ- رضي اللَّه عنه- عصاه فضرب بها رأس كعب. ثمّ قال له: يا ابن اليهوديّة الكافرة، ما أنت والنّظر في أحكام المسلمين. قول اللَّه أصدق من قولك حيث قال: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ (الآية).
و في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله:وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ (الآية) فإن اللَّه حرّم كنز الذّهب والفضّة، وأمر بإنفاقه في سبيل اللَّه. وقوله:
يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى (الآية). قال: كان أبو ذرّ الغفاريّ يغدو كلّ يوم، وهو بالشّام، فينادي بأعلى صوته: بشر أهل الكنوز بكيّ في الجباه وكيّ بالجنوب وكيّ بالظّهور أبدا، حتّى يتردد الحرّ في أجوافهم.
و في من لا يحضره الفقيه : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه الكبائر. وفيه منع الزّكاة المفروضة، لأن اللَّه- عزّ وجلّ- يقول: يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى (الآية).
و في كتاب الخصال : عن الحارث قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم، وهما مهلكاكم.
عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران، رفع الحديث قال: الذهب والفضّة حجران ممسوخان. فمن أحبّهما، كان معهما.
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ: إنّ مبلغ عددها.
عِنْدَ اللَّهِ: معمول «عدّة». لأنّها مصدر.
اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ: في اللّوح المحفوظ، أو في حكمه. وهو صفة «لاثناعشر». وقوله: يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ: متعلّق بما فيه من معنى الثّبوت. أو بالكتاب، ان جعل مصدرا.
و المعنى أنّ هذا الأمر ثابت في نفس الأمر منذ خلق اللَّه الأجرام والأزمنة.
مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: يحرم فيها القتال. واحد فرد، وهو رجب. وثلاثة سرد، ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم.
ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، أي: تحريم الأشهر الأربعة هو الدين القويم، دين إبراهيم وإسماعيل- عليهما السّلام-. والعرب ورثوه منهما.
فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ: بهتك حرمتها، وارتكاب حرامها.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن المغيرة، عن عمرو
الشّاميّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إِنَّ [عِدَّةَ] الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ. فغرّة الشّهور شهر اللَّه- عزّ ذكره-. وهو شهر رمضان. [قلب شهر رمضان] ليلة القدر. ونزل القرآن في أوّل ليلة من شهر رمضان، فاستقبل الشّهر بالقرآن.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن عمرو بن أذينة، عن زرارة قال: كنت قاعدا إلى جنب أبي جعفر- عليه السّلام- وهو محتب مستقبل القبلة.
فقال أما إنّ النظر إليها عبادة.
فجاءه رجل من بجيلة، يقال له: عاصم بن عمر. فقال لأبي جعفر- عليه السّلام-: إنّ كعب الأحبار كان يقول: إنّ الكعبة تسجد لبيت المقدس في كلّ غداة.
فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: فما تقول فيما قال كعب؟ أصدق؟
قلت: أقول: القول ما قال كعب.
فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: كذبت وكذب كعب الأحبار معك. وغضب.
قال زرارة: ما رأيته استقبل أحدا يقول: كذبت، غيره.
ثمّ قال: ما خلق اللَّه بقعة في الأرض أحبّ إليه منها- ثمّ أومأ بيده نحو الكعبة- ولا أكرم على اللَّه- تعالى- منها بها حرم اللَّه الأشهر الحرم في كتابه يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ. ثلاثة متوالية للحجّ: شوّال، وذو القعدة، وذو الحجّة. وشهر مفرد للعمرة، رجب.
و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي خالد الواسطيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:
حدثني أبي ، عليّ بن الحسين، عن أمير المؤمنين، أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لمّا ثقل في مرضه، قال: أيّها النّاس، إن السّنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم.
ثمّ قال بيده: رجب مفرد، وذو القعدة وذو الحجة والمحرّم ثلاث متواليات. ألاو هذا الشّهر المفروض رمضان، فصوموا للرّؤية وأفطروا للرؤية . فإذا خفي الشّهر، فأتموا العدّة شعبان ثلاثين وصوموا الواحد والثّلاثين.
و قال بيده: الواحد والاثنين والثّلاثة.
ثمّ ثنّى إبهامه، ثمّ قال: إنّها شهر كذا وشهر كذا.
و في كتاب الخصال : عن محمّد بن أبي عمير، يرفعه إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ.
قال: المحرّم، وصفر، وربيع الأول، وربيع الآخر، وجمادي الأول، وجمادي الآخرة، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوّال، وذو القعدة، وذو الحجّة. منها أربعة حرم، عشرون من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل، وعشر من ربيع الآخر.
عن أبي جعفر- عليه السّلام-: إنّ اللَّه- تعالى- خلق الشّهور اثني عشر شهرا، وهي ثلاثمائة وستّون يوما، فحجز منها ستّة أيّام خلق فيها السّموات والأرض. فمن ثمّ تقاصرت الشّهور.
و في شرح الآيات الباهرة ، ذكر الشيخ المفيد- رحمه اللَّه- في كتاب الغيبة [قال] حدثنا عليّ بن الحسين قال: حدّثنا محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عليّ، عن إبراهيم بن محمّد، عن محمّد بن عيسى، عن عبد الرّزاق، عن محمّد بن سنان، عن فضّال بن سنان ، عن أبي حمزة الثّماليّ قال: كنت عند أبي جعفر، محمّد بن عليّ الباقر- عليه السّلام- ذات يوم. فلمّا تفرّق من كان عنده، قال: يا أبا حمزة، من المحتوم الّذي حتمه اللَّه قيام قائمنا. فمن شكّ فيما أقول، لقى اللَّه وهو كافر به وله جاحد.
ثمّ قال: بأبي وأمي، المسمّى باسمي، المكنّى بكنيتي، السّابع من ولدي. يأتي فيملأ الأرض عدلا وقسطا، كما ملئت جورا وظلما. يا أبا حمزة، من أدركه فيسلّم ما سلّم لمحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- وعليّ، فقد وجبت له الجنة. ومن لم يسلّم، فقد حرّم اللَّه عليهالجنّة ومأواه النّار وبئس مثوى الظّالمين. وأوضح من هذا، بحمد اللَّه وأنور وأبين وأزهر لمن هداه وأحسن إليه، قول اللَّه في محكم كتابه: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ.
و معرفة الشّهور، المحرّم وصفر وربيع وما بعده. والحرم منها، رجب وذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم. وذلك لا يكون دينا قيّما. لأنّ اليهود والنّصارى والمجوس وسائر الملل والنّاس جميعا من الموافقين والمخالفين يعرفون هذه الشّهور ويعدونها بأسمائها، وليس هو كذلك. وإنّما عنى بهم: الأئمة القوّامين بدّين اللَّه. والحرم منها أمير المؤمنين عليّ الّذى اشتقّ اللَّه- سبحانه- له اسما من أسمائه العلى ، كما اشتق لمحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- اسما من أسمائه المحمود. وثلاثة من ولده أسماؤهم [عليّ وهم] عليّ بن الحسين وعليّ بن موسى وعليّ بن محمد. فصار لهذا الاسم المشتق من أسماء اللَّه- عزّ وجلّ- حرمة به، يعني: أمير المؤمنين- صلوات اللَّه عليه-.
و قال أيضا- رحمه اللَّه-: أخبرنا سلامة بن محمّد قال: حدثنا أبو الحسن، عليّ بن معمر قال: حدّثنا حمزة بن القاسم، عن جعفر بن محمّد، عن عبيد بن كثير، عن أحمد بن موسى، عن داود بن كثير الرّقيّ قال: دخلت على أبي عبد اللَّه، جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- [بالمدينة] .
فقال: ما الّذي أبطأك عنّا، يا داود؟
قلت: حاجة لي عرضت بالكوفة.
فقال: من خلّفت بها؟
قلت: جعلت فداك، خلّفت بها عمّك زيدا. تركته راكبا على فرس، متقلدا مصحفا، ينادي بعلو صوته سلوني قبل أن تفقدوني، فبين جوانحي علم جمّ. قد عرفت الناسخ والمنسوخ والمثاني والقرآن [ضرابه علم جم] العظيم. وإني العلم بين اللَّه وبينكم.
فقال: يا داود، لقد ذهبت بك لمذاهب.
ثمّ نادى: يا سماعة بن مهران، ائتني بسلّة الرّطب.
فأتاه بسلّة فيها رطب. فتناول رطبة وأكلها، واستخرج النّواة من فيه، وغرسها في الأرض. ففلقت، ونبتت، وأطلعت، وأعذفت . فضرب بيده إلى بسرة من عذق منها، فشقّها واستخرج منها رقا أبيض، [ففضّه] ودفعه إليّ.
و قال: اقرأه.
فقرأته، وإذا فيه مكتوب سطران، الأوّل: لا إله إلا اللَّه، محمّد رسول اللَّه.
و الثاني: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ. أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، الحسن بن عليّ، الحسين بن عليّ، عليّ بن الحسين، محمّد بن عليّ، جعفر بن محمّد، موسى بن جعفر، عليّ بن موسى، محمّد بن عليّ، عليّ بن محمد، الحسن بن علي، الخلف الحجّة- عليهم السّلام-.
ثم قال: يا داود، أ تدري متى كتب هذا في هذا؟
قلت: اللَّه ورسوله وأنتم أعلم.
قال: قبل أن يخلق اللَّه آدم بألفي عام.
و في هذا المعنى
ما رواه المقلد بن غالب الحسني- رحمه اللَّه- عن رجاله، بإسناد متصل إلى عبد اللَّه بن سنان الأسدي، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال: قال أبي، يعني: محمّد الباقر- عليه السّلام- لجابر بن عبد اللَّه: لي إليك حاجة. أخلو [بك فيها] .
فلمّا خلا به، قال: يا جابر، أخبرني عن اللّوح الّذي رأيته عند أمي، فاطمة.
فقال: أشهد باللّه، لقد دخلت على سيدتي، فاطمة، لاهنئها بولدها الحسين . فإذا بيدها لوح أخضر، من زمرّدة خضراء، في كتابة أنور من الشّمس وأطيبرائحة من المسك الأذفر.
فقلت: ما هذا، يا بنت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-؟
فقالت: هذا لوح أنزله اللَّه على أبي، وقال: لي احفظيه. ففعلت. فإذا فيه اسم أبي، واسم بعلي، واسم ابنيّ والأوصياء من بعد ولدي الحسين.
فسألتها أن تدفعه إليّ، لأنسخه. ففعلت.
فقال له [أبي: ما فعلت بنسختك ؟] .
[فقال: هي عندي.
قال: فهل لك أن تعارضني عليها؟
قال: فمضى جابر إلى منزله، فأتاه بقطعة جلد أحمر.
فقال له:] انظر في صحيفتك حتّى أقرأها عليك.
فكانت في صحيفته: بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم، هذا كتاب من اللَّه العزيز العليم، نزل به الرّوح الأمين على محمّد خاتم النبيين. يا محمّد، إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ.
يا محمّد، عظّم أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي ولا ترج سواي ولا تخش غيري. فإنّه من يرجو سواي ويخشى غيري، أعذّبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين.
يا محمّد، إني اصطفيتك على الأنبياء واصطفيت وصيّك [عليا] على الأوصياء. وجعلت الحسن عيبة علمي، بعد انقضاء مدّة أبيه. والحسين خير أولاد الأولين والآخرين، فيه تثبت الإمامة [و منه] العقب. وعليّ بن الحسين زين العابدين.
و الباقر العلم الدّاعي إلى سبيلي على منهاج الحقّ. وجعفر الصادق في القول والعمل، تلبس من بعده فتنة [صمّاء] ، فالويل كلّ الويل لمن كذّب عترة نبيي وخيرة خلقي.و موسى الكاظم الغيظ. وعليّ الرضا، يقتله عفريت كافر، يدفن بالمدينة الّتي بناها العبد الصّالح إلى جنب شر خلق اللَّه. ومحمّد الهادي شبيه جده الميمون. وعليّ الدّاعي إلى سبيلي، والذّابّ عن حرمي، والقائم في رعيّتي . والحسن الأغر يخرج منه ذو الاسمين خلف محمّد، يخرج في آخر الزمان وعلى رأسه عمامة بيضاء تظله [عن] الشّمس.
و ينادي مناد بلسان فصيح يسمعه الثّقلان ومن بين الخافقين: هذا المهديّ من آل محمد.
فيملأ الأرض عدلا، كما ملئت جورا. (انتهى ما في شرح الآيات الباهرة).
و قال- أيضا- في كتاب الغيبة روى جابر الجعفيّ قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن تأويل قول اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ (الآية). فتنفّس [سيّدي] الصّعداء. ثمّ قال: يا جابر، أما السّنة، فهي جدي رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. وشهورها اثنا عشر شهرا، فهو أمير المؤمنين، وإليّ، وإلى ابني جعفر، وابنه موسى، [و ابنه عليّ] وابنه محمّد، وابنه عليّ، وإلى ابنه الحسن، وإلى ابنه محمّد الهادي المهديّ، اثنا عشر اماما حجج اللَّه في خلقه وأمناؤه على وحيه وعلمه. والأربعة الحرم الّذين هم الدّين القيّم، أربعة منهم يخرجون باسم واحد: عليّ أمير المؤمنين، وأبي عليّ بن الحسين، وعليّ بن موسى، وعليّ بن محمّد. فالإقرار بهؤلاء هو الدِّينُ الْقَيِّمُ، فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ، أي: قولوا بهم جميعا، تهتدوا.
وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً.
في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الباقر- عليه السّلام- يقول: جميعا.
و هو مصدر، كفّ عن الشيء. فإنّ الجميع مكفوف عن الزّيادة، وتقع موقع الحال.
وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ : بشارة وضمان لهم بالنضرة، بسبب تقواهم.
إِنَّمَا النَّسِيءُ، أي: تأخير حرمة الشّهر إلى شهر آخر. كانوا إذا جاء شهرحرام، وهم محاربون، أحلّوه وحرّموا مكانه شهرا آخر. حتّى رفضوا خصوص الأشهر، واعتبروا مجرّد العدد.
و عن نافع : «انّما النّسيّ» بقلب الهمزة ياء، وادغام الياء فيها.
و قرئ : «النّسي» بحذفها: كالرّمي. ونسبه في مجمع البيان إلى الباقر- عليه السّلام-. وفي الجوامع إلى الصّادق- عليه السّلام-. و«النّسء» و«النّساء» وثلاثتها مصادر نسأه: إذا أخّره.
زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ: لأنه تحريم ما أحلّ اللَّه، وتحليل ما حرّمه. فهو كفر آخر ضمّوه إلى كفرهم.
يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا: إضلالا زائدا.
و قرأ حمزة والكسائي وحفص: «يضلّ» على البناء للمفعول.
و عن يعقوب : «يضلّ»، على أنّ الفعل للّه.
يُحِلُّونَهُ عاماً: يحلّون «النّسيء» من الأشهر الحرم سنة، ويحرّمون مكانه شهرا آخر.
وَ يُحَرِّمُونَهُ عاماً: فيتركونه على حرمته.
و الجملتان تفسير للضّلال، أو حال.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : كان سبب نزولها، أنّ رجلا من كنانة كان يقف في الموسم فيقول: قد أحللت دماء المحلّين طيء وخثعم في شهر المحرّم، وأنسأته وحرّمت بدله صفر. فإذا كان العام المقبل يقول: قد أحللت صفر وأنسأته، وحرّمت بدله شهر المحرّم. فأنزل اللَّه «إنّما النّسيء» (الآية).
و قيل : أوّل من أحدث ذلك جنادة بن عوف الكنانيّ. كان يقوم على جمل في الموسم فينادي: إن آلهتكم قد أحلّت لكم المحرّم، فأحلّوه. ثمّ ينادي في القابل: إنّ آلهتكم قد حرّمت عليكم المحرّم، فحرّموه.لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ، أي: ليوافقوا عدة الأربعة المحرّمة.
و «اللّام» متعلقة «بيحرّمونه». أو بما دلّ عليه مجموع الفعلين.
فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ: بمواطأة العدة وحدّها، من غير مراعاة الوقت.
زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ.
و قرئ ، على البناء للفاعل، وهو اللَّه- تعالى-. والمعنى: خذلهم وأظلّهم، حتّى حسبوا قبيح أعمالهم حسنا.
وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ : هداية موصلة إلى الاهتداء.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ: تباطأتم.
و قرئ : «تثاقلتم»، على الأصل. و«اثاقلتم»، على الاستفهام للتّوبيخ.
إِلَى الْأَرْضِ: متعلّق به، كأنّه ضمن معنى: الإخلاد والميل، فعدي «بإلى».
و في الجوامع : كان ذلك في غزوة تبوك، في سنة عشر، بعد رجوعهم من الطائف. استفروا في وقت قحط وقيظ مع بعد الشقّة وكثرة العدوّ، فشقّ ذلك عليهم.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وذلك أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لم يسافر سفرا بعد ولا أشدّ منه. وكان سبب ذلك، أنّ الصيّافة كانوا يقدمون المدينة من الشّام معهم الدّرموك والطّعام، وهم الأنباط، فأشاعوا بالمدينة أنّ الرّوم قد اجتمعوا يريدون غزو رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في عسكر عظيم، وأنّ هرقل قد سار في [جنوده، وجلب] معهم غسّان وجذام وبهراء وعاملة، وقد قدم عساكره البلقاء ، ونزل هو حمص.
فأمر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أصحابه بالتّهيّؤ إلى تبوك، وهي من بلاد البلقاء ، وبعث إلى القبائل حوله وإلى مكة وإلى من أسلم من خزاعة ومزينة وجهينة،و حثّهم على الجهاد. وأمر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بعسكره فضرب في ثنية الوداع.
و أمر أهل الجدة أن يعينوا من لا قوة به، ومن كان عنده شيء أخرجه. وحمّلوا وقوّوا وحثّوا على ذلك. ثمّ خطب خطبته ، ورغّب النّاس في الجهاد.
[لما سمعوا هذا من رسول اللَّه] قدمت القبائل من العرب ممّن استنفرهم، وقعد عنه قوم من المنافقين [و غيرهم] .
أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا: وغرورها.
مِنَ الْآخِرَةِ: بدل الآخرة ونعيمها.
فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا: فما التّمتّع بها.
فِي الْآخِرَةِ: في جنب الآخرة.
إِلَّا قَلِيلٌ : مستحقر.
إِلَّا تَنْفِرُوا: إن لا تنفروا إلى ما استنفرتم إليه.
يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً: بالإهلاك بسبب فظيع، كالقحط وظهور عدوّ.
وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ: ويستبدل بكم آخرين مطيعين، كأهل اليمن وأبناء فارس.
وَ لا تَضُرُّوهُ شَيْئاً: إذ لا يقدح تثاقلكم في نصر دينه شيئا. فإنّه الغنيّ عن كلّ شيء والنصرة. وفي كلّ أمر.
و قيل : الضّمير الرّسول- صلّى اللَّه عليه وآله-، أي: ولا تضرّوه، فإنّ اللَّه وعد له بالعصمة والنّصرة، ووعده حقّ.
وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ : فيقدر على التّبديل وتغيير الأسباب والنّصرة بلا مدد، كما قال:
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ: ان لم تنصروه فسينصره اللَّه، كما نصره.
إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ: ولم يكن معه إلّا رجل واحد. فحذف الجزاء وأقيم ما هو، كالدّليل عليه، مقامه. أو ان لم تنصروه، فقد أوجب اللَّه له النصرةحتّى نصره في مثل ذلك الوقت، فلن يخذله في غيره. وإسناد الإخراج إلى الكفرة، لأنّ همّهم بإخراجه أو قتله، تسبّب لإذن اللَّه له بالخروج.
و قرئ : «ثاني اثنين» بالسّكون، على لغة من يجري المنقوص مجرى المقصور في الإعراب. ونصبه على الحال.
و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى محمّد بن مروان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إن أبا طالب أظهر الكفر وأسرّ الإيمان. فلمّا حضرته الوفاة، أوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إلى الرّسول- صلّى اللَّه عليه وآله-: اخرج منها، فليس لك بها ناصر [فهاجر الى المدينة]
إِذْ هُما فِي الْغارِ: بدل من «إذ أخرجه» بدل البعض، إذ المراد به زمان متّسع.
و «الغار» نقب في أعلى ثور. وهو جبل في يمين مكّة على مسيرة ساعة، مكثا فيه ثلاثا.
و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى سعد بن عبد اللَّه القميّ:
عن الحجّة القائم- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه: يا سعد، وحين ادّعى خصمك أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ما أخرج من نفسه مختار هذه الأمة إلى الغار، الا علما منه أنّ الخلافة له من بعده، وأنّه هو المقلّد أمور التأويل، [و الملقى] إليه أزمّة الأمّة، وعليه المعوّل في لمّ الشّعث وسدّ الخلل وإقامة الحدود وتسرية الجيوش لفتح بلاد الكفر.
فلمّا أشفق على نبوّته، أشفق على خلافته. إذ لم يكن من حكم الاستتار والتّواري، أن يروم الهارب من الشّرّ مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه. وإنّما أبات عليا- عليه السّلام- على فراشه، لما لم [يكن] يكترث له [و لم يحفل به] .لاستثقاله إيّاه وعلمه، أنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب الّتي كانت يصلح لها.
فهلّا نقضت دعواه بقولك: أليس قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الّذين هم الخلفاء الرّاشدون في مذهبكم؟ وكان لا يجد بدا من قوله لك: بلى.
قلت له حينئذ: أليس كما علم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّ الخلافة من بعده لأبي بكر، علم أنها من بعد أبي بكر لعمر ومن بعد عمر لعثمان ومن بعد عثمان لعليّ- عليه السّلام- فكان- أيضا- لا يجد بدّا من قوله لك: نعم.
ثمّ كنت تقول له: فكان الواجب على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أن يخرجهم جميعا على التّرتيب إلى الغار، ويشفق عليهم، كما أشفق على أبي بكر. ولا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم، وتخصيصه أبا بكر وإخراجه مع نفسه دونهم.
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى ابن مسعود قال: احتجّوا في مسجد الكوفة، فقالوا: ما بال أمير المؤمنين لم ينازع الثّلاثة، كما نازع طلحة والزّبير وعائشة ومعاوية؟
فبلغ ذلك عليا- عليه السّلام- فأمر أن ينادى: الصلاة الجامعة. فلمّا اجتمعوا، صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه. ثمّ قال: يا معاشر النّاس، إنّه بلغني عنكم كذا وكذا.
قالوا: صدق أمير المؤمنين، قد قلنا ذلك.
قال: إنّ لي بسنة الأنبياء قبلي اسوة فيما فعلت. قال اللَّه- تعالى- في محكم كتابه: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ .
قالوا: ومن هم، يا أمير المؤمنين.
قال: أوّلهم إبراهيم- عليه السّلام-.
- إلى أن قال-: ولي بمحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- أسوة حين فرّ من قومه ولحقبالغار من خوفهم، وأنامني على فراشه. فإن قلتم: فرّ من قومه لغير خوف، فقد كفرتم.
و ان قلتم: خافهم وأنامني على فراشه ولحق بالغار من خوفهم، فالوصيّ أعذر.
إِذْ يَقُولُ: بدل «ثاني». أو ظرف «لثاني».
لِصاحِبِهِ: وهو أبو بكر.
لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا: بالعصمة والمعونة.
و في الكافي : حميد بن زياد، عن محمد بن أيّوب، عن عليّ ابن أسباط، عن الحكم بن مسكين، عن يوسف بن صهيب، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أقبل يقول لأبي بكر في الغار: اسكن، فإنّ اللَّه معنا. وقد أخذته الرّعدة، وهو لا يسكن. فلمّا رأى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- حاله قال له: تريد أن أريك أصحابي من الأنصار في مجالسهم يتحدّثون، وأريك جعفرا وأصحابه في البحر يغوصون؟
قال: نعم.
فمسح رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بيده على وجهه، فنظر إلى الأنصار يتحدّثون ونظر إلى جعفر وأصحابه في البحر يغوصون. فأضمر تلك السّاعة، أنه ساحر.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ: أمنته، التي تسكن إليها القلوب.
عَلَيْهِ: على النبيّ.
قيل : وعلى صاحبه. وهو الأظهر، لأنّه كان منزعجا.
و في تفسير العيّاشيّ : عن عبد اللَّه بن محمّد الحجّال قال: كنت عند أبي الحسن الثّاني، ومعي الحسن بن الجهم.
فقال له [الحسن] : إنّهم كانوا يحتجّون علينا بقول اللَّه- تبارك وتعالى-:
ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ.
قال وما لهم في ذلك؟ [من حجّة] فو اللَّه، لقد قال اللَّه:فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ. [قال ألا ترى أنّ السّكينة أنّما نزلت على رسوله] وما ذكره فيها بخير.
قال: قلت له: جعلت فداك، هكذا تقرءونها ؟
قال: هكذا قرأتها.
قال زرارة: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ [عَلى رَسُولِهِ] .
ألا ترى أنّ السكينة انما نزلت على رسوله؟
و في الجوامع ، نسب القراءة إلى الصادق- عليه السّلام- أيضا.
و في كتاب الخصال : عن جابر الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام-، عن عليّ- عليه السّلام- أنه قال، وقد سأله رأس اليهود عمّا امتحن اللَّه به الأوصياء في حياة الأنبياء وبعد وفاتهم: يا أخا اليهود، إنّ اللَّه- تعالى- امتحنني في حياة نبيّنا- صلّى اللَّه عليه وآله- في سبعة مواطن. فوجدني فيها، من غير تزكية لنفسي بنعمة اللَّه، له مطيعا.
قال فيم وفيم، يا أمير المؤمنين؟
قال: أمّا أوّلهنّ- إلى أن قال-: وأمّا الثانية، يا أخا اليهود، فإنّ قريشا [لم تزل تخيّل] الآراء وتعمل الحيل في قتل النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- حتّى كان آخر ما اجتمعت في ذلك في يوم [الدار] دار النّدوة، وإبليس الملعون، حاضر في صورة أعور ثقيف. فلم تزل تضرب أمرها ظهرا [لبطن] وبطنا، حتّى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كلّ فخذ من قريش رجل، ثمّ يأخذ كلّ رجل [منهم] سيفه، ثمّ يأتي النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- وهو نائم على فراشه، فيضربونه جميعا بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلونه. فإذا قتلوه، منعت قريش رجالها ولم تسلّمها. فيمضى دمه هدرا.
فهبط جبرئيل- عليه السّلام- على النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- فأنبأه بذلك،و أخبره باللّيلة الّتي يجتمعون فيها [و الساعة التي يأتون فراشه فيها] . وأمره بالخروج في الوقت الّذي خرج فيه إلى الغار. فأنبأني رسول اللّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بالخبر، وأمرني أن أضطجع في مضجعه [و أقيه بنفسي فأسرعت إلى ذلك مطيعا له مسرورا لنفسي بأن اقتل دونه فمضى- عليه السّلام- لوجهه واضطجعت في مضجعه] . وأقبلت رجال من قريش موقنة في أنفسها بقتل النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-. فلمّا [استووا في] البيت الّذي أنا فيه، ناهضتهم بسيفي، فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه اللَّه والناس .
ثمّ أقبل على أصحابه فقال: أليس كذلك؟
قالوا: بلى، يا أمير المؤمنين.
و في احتجاجه - عليه السّلام- على أبي بكر، قال: فأنشدك باللّه، أنا وقيت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بنفسي يوم الغار أم أنت؟
[قال: بل أنت] .
و في احتجاجه - عليه السّلام- على النّاس يوم الشّورى، قال: فأنشدكم باللّه، هل فيكم أحد وقى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- حيث جاء المشركون يريدون قتله، فاضطجعت في مضجعه وذهب رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- نحو الغار، وهم يرون أني أنا هو. فقالوا: أين ابن عمّك؟ فقلت: لا أدري. فضربوني حتّى كادوا يقتلونني غيري؟
قالوا: اللّهم، لا.
و في مناقبه - عليه السّلام- وتعدادها، قال- عليه السّلام-: وأما السّابعة، أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أنامني على فراشه حيث ذهب إلى الغار، وسجاني ببرده.
فلمّا جاء المشركون ظنوني محمدا، فأيقظوني وقالوا: ما فعل صاحبك؟
فقلت: ذهب في حاجة.
فقالوا: لو كان هرب، لهرب هذا معه.
و في كتاب الاحتجاج للطبرسيّ- رحمه اللَّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه للقوم بعد موت عمر بن الخطاب: نشدتكم باللَّه، هل فيكم أحد كان يبعث إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- الطّعام وهو في الغار، ويخبره الأخبار غيري؟
قالوا: لا.
و روي : عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- أنّ عليا- عليه السّلام- قال ليهوديّ في أثناء كلام طويل: ولئن كان يوسف القي في الجبّ، فلقد حبس محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- نفسه مخافة عدوه في الغار حتّى قال لصاحبه: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا ومدحه [اللَّه] في كتابه.
وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها، يعني: الملائكة، أنزلهم ليحرسوه في الغار، أو ليعينوه على العدوّ يوم بدر والأحزاب وحنين. فتكون الجملة معطوفة على قوله: «نصره اللَّه».
وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى.
قيل : يعني: الشّرك، أو دعوة الكفر.
و في تفسير العيّاشيّ : قال زرارة: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: هو الكلام الّذي يتكلّم به عتيق.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم، ما في معناه .
وَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا.
قيل : يعني: التّوحيد، أو دعوة الإسلام. والمعنى: وجعل ذلك بتخليص الرّسول عن أيدي الكفّار إلى المدينة، فإنّه المبدأ له. أو بتأييده إيّاه بالملائكة في هذه المواطن. أو بحفظه ونصره له حيث حضر.و قرأ يعقوب: «كلمة اللَّه» بالنّصب، عطفا على «كلمة الّذين». والرّفع أبلغ، لما فيه من الإشعار بأنّ كلمة اللَّه عالية في نفسها. وان فاق غيرها، فلا ثبات لتفوقه ولا اعتبار. ولذلك وسّط الفصل.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : هو قول رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.
وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ : في أمره وتدبيره.