سورة المؤمنون مكّيّة. وهي مائة وتسع عشرة آية عند البصريّين، وثماني عشرة عند الكوفيّين.
بسم الله الرحمن الرحيم
في كتاب ثواب الأعمال بإسناده عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال : من قرأ سورة المؤمنين، ختم اللّه له بالسّعادة، إذا كان يد من في قراءتها في كلّ جمعة. وكان في الفردوس الأعلى مع النّبيّين والمرسلين.
و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأ سورة المؤمنين، بشّرته الملائكة يوم القيامة بالرّوح والرّيحان وما تقرّبه عينه عند نزول ملك الموت.
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ : قد فازوا بأمانيهّم.
و «قد» تثبّت المتوقّع، كما أنّ «لمّا» تنفيه. وتدلّ على ثباته إذا دخل الماضي.
و لذلك تقرّب «قد» الماضي من الحال. ولمّا كان المؤمنون متوقّعين ذلك من فضل اللّه، صدّرت بها بشارتهم.و قرأ ورش عن نافع: «قد أفلح» بإلقاء حركة الهمزة على الدّال وحذفها.
و قرئ : «أفلحوا» على لغة «أكلوني البراغيث». أو على الإبهام والتّفسير.
و «أفلح» اجتزاء بالضّمّة عن الواو. و«أفلح» على البناء للمفعول.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال الصّادق- عليه السّلام-: لمّا خلق اللّه- عزّ وجلّ- الجنّة، قال لها: تكلّمي. فقالت: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ.
و في عيون الأخبار عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- تعالى- أعطى المؤمن ثلاث خصال: العزّة في الدّنيا، والفلاح في الآخرة، والمهابة في قلوب الظّالمين.
ثمّ قرأ : وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وقرأ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ- إلى قوله:- هُمْ فِيها خالِدُونَ.
عن عبد المؤمن الأنصاري ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أعطى المؤمن ثلاث خصال: العزّ في الدّنيا في دينه، والفلاح في الآخرة، والمهابة في صدور العالمين .
و في أصول الكافي بإسناده إلى كامل التّمّار قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. أ تدري من هم؟ قلت: أنت أعلم. قال: قد أفلح المؤمنون المسلمون.
إنّ المسلمين هم النّجباء. فالمؤمن غريب. فطوبى للغرباء!
و في محاسن البرقي : عنه، عن أبيه، عن عليّ بن النّعمان، عن عبد اللّه بن مسكان، عن كامل التّمّار قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: يا كامل، المؤمن غريب! [المؤمن غريب!] ثمّ قال: أ تدري ما قول اللّه: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ؟ قلت: قد أفلحوا وفازوا ودخلوا الجنّة. فقال: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ المسلمون. إنّ المسلمين هم النّجباء.
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ : خائفون من اللّه، متذلّلون له، ملزمونأبصارهم مساجدهم.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا كنت في صلاتك، فعليك بالخشوع والإقبال على صلاتك، فإنّ اللّه يقول: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ.
و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن، عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب، فهو عندنا نفاق.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ. قال: غضّك بصرك في صلواتك، وإقبالك عليها.
و في مجمع البيان : الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ.
روي أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- رأى رجلا يعبث بلحيته في صلاته، فقال: أما إنّه لو خشع قلبه، لخشعت جوارحه.
و روي أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان يرفع بصره إلى السّماء في صلاته. فلمّا نزلت الآية، طأطأ رأسه، ورمى ببصره إلى الأرض.
و في كتاب الخصال عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: ليخشع الرّجل في صلاته.
فإنّه من خشع قلبه للّه- عزّ وجلّ- خشعت جوارحه، فلا يعبث بشيء.
وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ لما بهم من الجدّ ما شغلهم عنه.
و هو أبلغ من «الّذين لا يلهون» من وجوه: جعل الجملة اسميّة، وبناء الحكم على الضّمير، والتّعبير عنه بالاسم، وتقديم الصّلة عليه، وإقامة الإعراض مقام التّرك، ليدلّ على بعدهم رأسا مباشرة وتسبّبا وميلا وحضورا. فإنّ أصله أن يكون في عرض غير عرضه. وكذلك الجملة التّالية بهذه.و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا يقول فيه- عليه السّلام- بعد أن قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- فرض الإيمان على جوارح ابن آدم، وقسّمه عليها، وفرّقه فيها:
و فرض اللّه على السّمع أن يتنزّه عن الاستماع إلى ما حرّم اللّه، وأن يعرض عمّا لا يحلّ له ممّا نهى اللّه- عزّ وجلّ- عنه، والإصغاء إلى ما أسخط اللّه- عزّ وجلّ-. فقال في ذلك : وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ. ثمّ استثنى اللّه- عزّ وجلّ- موضع النّسيان فقال: وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وقال : فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ. وقال- عزّ وجلّ-: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ. وقال : وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وقال : وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً.
فهذا ما فرض اللّه- عزّ وجلّ- على السّمع من الإيمان أن لا يصغي إلى ما لا يحلّ له. وهو عمله. وهو من الإيمان.
و في إرشاد المفيد - رحمه اللّه- كلام طويل لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وفيه يقول- عليه السّلام-: كلّ قول ليس فيه للّه ذكر ، فلغو.
و في مجمع البيان : وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. و
روي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: هو أن يتقوّل الرّجل عليك بالباطل، أو يأتيك بما ليس فيك، فتعرض عنه للّه.و في رواية أخرى
أنّه الغناء والملاهي.
و في اعتقادات الإماميّة للصّدوق- رحمه اللّه-: وسئل- عليه السّلام- عن القصّاص، أ يحلّ الاستماع لهم. فقال: لا.
و في عيون الأخبار بإسناده إلى محمّد بن أبي عبّاد- وكان مشتهرا بالسّماع وشرب النبّيذ- قال: سألت الرّضا- عليه السّلام- عن السّماع. فقال: لأهل الحجاز رأي فيه، وهو في حيّز الباطل واللهو. [أما سمعت اللّه- عزّ وجلّ- يقول : وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً!؟
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ] يعني عن الغناء والملاهي.
وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ :
وصفهم بذلك بعد وصفهم بالخشوع في الصّلاة، ليدلّ على أنّهم بلغوا الغاية من القيام على الطّاعات البدنيّة والماليّة، والتّجنّب عن المحرّمات، وسائر ما توجب المروءة اجتنابه. والزّكاة تقع على المعنى والعين. والمراد الأوّل: لأنّ الفاعل فاعل الحدث، لا المحلّ الّذي هو موقعه. أو الثّاني، على تقدير مضاف.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال الصّادق- صلوات اللّه عليه-: من منع قيراطا من الزّكاة، فليس بمؤمن ولا مسلم. ولا كرامة .
وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ لا يبذلونها.
إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ، يعني: الإماء.
و «على» صلة لحافظين، من قولك: احفظ على عنان فرسي. أو حال. أي:
حفظوها في كافّة الأحوال، إلّا في حال التّزوّج أو التّسرّي. أو بفعل دلّ عليه غَيْرُ مَلُومِينَ.
و إنّما قال «ما» إجراء للمالك مجرى غير العقلاء، إذ الملك أصل شائع فيه.
و إفراد ذلك بعد [تعميم] قوله: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ لأنّ المباشرة أشهى الملاهي إلى النّفس وأعظمها خطرا.
فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ :
الضّمير ل «حافظون» أو لمن دلّ عليه الاستثناء. أي: فإن بذلوها لأزواجهم أو إمائهم، فإنّهم غير ملومين على ذلك.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : والمتعة حدّها حدّ الإماء.
و في مجمع البيان : وملك اليمين في الآية يعني الإماء. لأنّ الذّكور من المماليك لا خلاف في وجوب حفظ الفرج منهم.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا يقول فيه بعد أن قال: وفرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرّم اللّه عليه، وأن يعرض عمّا نهى اللّه عنه، ممّا لا يحلّ له. وهو عمله. وهو من الإيمان. وذكر قوله - تعالى-:
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ- إلى قوله:- وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ. وفسّرها: وكلّ شيء في القرآن من حفظ الفرج، فهو من الزّنا، إلّا هذه الآية، فإنّها من النّظر.
و في كتاب الخصال عن مسعدة بن زياد قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يحرم من الإماء عشرة: لا يجمع بين الأمّ والبنت، ولا بين الأختين، ولا أمتك، وهي أختك من الرّضاعة، ولا أمتك، وهي حامل من غيرك حتّى تضع، [و لا أمتك، ولها زوج،] ولا أمتك، وهي عمّتك من الرّضاعة، [و لا أمتك، وهي خالتك من الرّضاعة،] ولا أمتك، وهي حائض حتّى تطهر، ولا أمتك وهي رضيعتك، ولا أمتك، ولك فيها شريك.
عن أمير المؤمنين - عليه السّلام-: أبعد ما يكون العبد من اللّه، إذا كان همّهفرجه وبطنه.
عن نجم ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال لي: يا نجم! كلّكم في الجنّة معنا، إلّا أنّه ما أقبح بالرّجل منكم أن يدخل الجنّة قد هتك ستره، وبدت عورته! قال:
قلت: جعلت فداك، وإنّ ذلك لكائن!؟ قال: نعم، إن لم يحفظ فرجه وبطنه.
عن أبي هريرة ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ أوّل ما يدخل به النّار من أمّتي الأجوفان. قالوا: يا رسول اللّه، وما الأجوفان؟ قال: الفرج والفم. وأكثر ما يدخل به الجنّة تقوى اللّه، وحسن الخلق.
عن الحسن بن المختار بإسناده يرفعه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ملعون ملعون من نكح بهيمة.
عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من سلم من أمّتي من أربع خصال، فله الجنّة: من الدّخول في الدّنيا، واتّباع الهوى، وشهوة البطن، وشهوة الفرج.
عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: تحلّ الفروج بثلاثة وجوه: نكاح بميراث، ونكاح بلا ميراث، ونكاح بملك يمين.
و في الكافي : وعنه، عن أحمد بن محمّد، عن العبّاس بن موسى، عن إسحاق بن أبي سارة قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عنها. يعني المتعة. فقال لي: حلال: فلا تتزوّج إلّا عفيفة. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. فلا تضع فرجك حيث لا تأمن على درهمك.
فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ المستثنى [فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ أي الظّالمون المتجاوزون إلى ما لا يحلّ] .و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: من جاوز ذلك [فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ.، أي:
الكاملون في العدوان] .
وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ، أي: لما يؤتمنون عليه، ويعاهدون من جهة الحقّ أو الخلق [راعُونَ : قائمون بحفظها وإصلاحها.
و قرأ ابن كثير هنا وفي المعارج: «لأمانتهم» على الإفراد، لأمن الالتباس، أو لأنّها في الأصل مصدر] .
وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ على أوقاتها وحدودها.
و لفظ الفعل فيه لما في الصّلاة من التّجدّد والتّكرّر. ولذلك جمعه غير حمزة والكسائي .
و ليس في ذلك تكرير لما وصفهم به أوّلا. لأنّ الخشوع في الصّلاة غير المحافظة عليها.
و في تصدير الأوصاف وختمها بالصّلاة تعظيم لشأنها.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد [بن محمّد] ، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن الفضيل [بن يسار] قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ. قال:
هي الفريضة. قلت: الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ . قال: هي النّافلة.
أُولئِكَ، أي: الجامعون بهذه الصّفات هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ .
و في عيون الأخبار بإسناده عن عليّ- عليه السّلام-: انّ هذه الآية فيّ نزلت.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:
ما خلق اللّه خلقا إلّا جعل له في الجنّة منزلا وفي النّار منزلا. فإذا سكن أهل الجنّة الجنّة، وأهل النّار النّار، نادى مناد: يا أهل الجنّة! أشرفوا. فيشرفون على أهل النّار، وترفع لهم منازلهم فيها. ثمّ يقال لهم: هذه منازلكم الّتي لو عصيتم اللّه، لدخلتموها. [يعني النار] .
قال: فلو أنّ أحدا مات فرحا، لمات أهل الجنّة في ذلك اليوم فرحا، لما صرف عنهم من العذاب.
ثمّ ينادي مناد: يا أهل النّار! ارفعوا رؤوسكم. فيرفعون رؤوسهم، فينظرون إلى منازلهم في الجنّة، وما فيها من النّعيم. فيقال لهم: هذه منازلكم الّتي لو أطعتم ربّكم، لدخلتموها.
قال: فلو أنّ أحدا مات حزنا، لمات أهل النّار حزنا. فيورث هؤلاء منازل هؤلاء.
و يورث هؤلاء منازل هؤلاء. وذلك قول اللّه: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
و في مجمع البيان : روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: ما منكم من أحد إلّا له منزلان: منزل في الجنّة، ومنزل في النّار. فإن مات، ودخل النّار، ورث أهل الجنّة منزله.
و «الفردوس» قيل : هو اسم من أسماء الجنّة.
و قيل : هو اسم لرياض الجنّة.
و قيل : هو جنّة مخصوصة.
ثمّ اختلف في أصله فقيل : إنّه روميّ فعرّب.
و قيل : عربيّ وزنه فعلول. وهو البستان الّذي فيه الكرم.
و في من لا يحضره الفقيه ، في خبر بلال عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- الّذي يذكر فيه صفة الجنّة، قال الرّاوي:
فقلت لبلال: هل فيها غيرها؟ قال: نعم، جنّة الفردوس.قلت: وكيف سورها؟ قال: نور.
قلت: الغرف الّتي هي فيها؟ قال: هي من نور ربّ العالمين.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل، عن عيسى داود، عن الإمام موسى بن جعفر- عليهما السّلام [عن أبيه]
في قول اللّه- عزّ وجلّ-: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ- إلى:- هُمْ فِيها خالِدُونَ قال: نزلت في رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وفي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين- صلوات اللّه عليهم.
وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ: من خلاصة سلّت من بين الكدر مِنْ طِينٍ :
متعلّق بمحذوف، لأنّه صفة ل «سلالة». أو «من» بيانيّة. أو بمعنى سلالة، لأنّها في معنى مسلولة. فتكون ابتدائيّة كالأولى.
و «الإنسان» آدم- عليه السّلام- خلق من صفوة سلّت من الطّين. أو الجنس، فإنّهم خلقوا من سلالة جعلت نطفا بعد أدوار.
و قيل : المراد بالطّين آدم، لأنّه خلق منه. والسّلالة نطفته.
ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً: خلقناه منها. أو: ثمّ جعلنا السّلالة نطفة.
و تذكير الضّمير على تأويل الجوهر أو المسلول أو الماء.
فِي قَرارٍ مَكِينٍ : مستقرّ حصين. يعني: الرّحم. وهو في الأصل صفة للمستقرّ، وصف به المحلّ مبالغة، كما عبّر عنه بالقرار.
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً بأن أحلنا النّطفة البيضاء علقة حمراء.
فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً: فصيّرناها قطعة لحم.
فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً بأن صلّبناها.
فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ممّا بقي من المضغة، أو ممّا أنبتنا عليها ممّا يصل إليها.
و اختلاف العواطف، لتفاوت الاستحالات. والجمع لاختلافها في الهيئة والصّلابة.
و قرأ ابن عامر وأبو بكر على التّوحيد فيهما اكتفاء باسم الجنس عن الجمع.و قرئ بإفراد أحدهما وجمع الآخر.
و في كتاب علل الشّرائع : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثني محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سهام المواريث من ستّة أسهم لا تزيد عليها.
فقيل له: يا ابن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ولم صارت ستّة أسهم؟ قال:
لأنّ الإنسان خلق من ستّة أشياء. وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً.
و بإسناده إلى الحسين بن خالد قال: قلت للرّضا- عليه السّلام-: إنّا روينا عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّ من شرب الخمر لم تحسب صلاته أربعين صباحا.
فقال: صدقوا.
فقلت: وكيف لا تحسب صلاته أربعين صباحا لا أقلّ من ذلك ولا أكثر؟ قال:
لأنّ اللّه- تبارك وتعالى- قدّر خلق الإنسان، [فصيّر] النّطفة أربعين يوما، ثمّ نقلها، فصيّرها علقة أربعين يوما. ثمّ نقلها، فصيّرها مضغة أربعين يوما. وهكذا إذا شرب الخمر، بقيت في مثانته على قدر ما خلق منه. وكذلك يجتمع غذاؤه وأكله وشربه يبقى في مثانته أربعين يوما.
و في كتاب الخصال عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: كان فيما وعظ لقمان ابنه أنّه قال له: يا بنيّ، ليعتبر من قصر يقينه، وضعفت نيّته في طلب الرّزق،- إلى قوله عليه السّلام:- أمّا أوّل ذلك، فإنّه كان في بطن أمّه يرزقه هناك في قرار مكين، حيث لا يؤذيه حرّ ولا برد. ثمّ أخرجه من ذلك.
(الحديث).و في كتاب مصباح الشّريعة لابن طاوس- رحمه اللّه- في دعاء الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- يوم عرفة: ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا. وخلقتني من التّراب. ثمّ أسكنتني الأصلاب، آمنا لريب المنون واختلاف الدّهور.
فلم أزل ظاعنا من صلب إلى رحم في تقادم الأيّام الماضية والقرون الخالية. لم تخرجني لرأفتك بي، ولطفك بي، وإحسانك إليّ، في دولة أيّام الكفرة الّذين نقضوا عهدك، وكذّبوا رسلك. لكنّك أخرجتني، رأفة منك وتحنّنا عليّ، للّذي سبق لي من الهدى الّذي يسّرتني، وفيه أنشأتني، ومن قبل ذلك رؤفت بي جميل صنعك وسوابغ نعمك.
و ابتدعت خلقي من منيّ يمنى. ثمّ أسكنتني في ظلمات ثلاث [بين] لحم وجلد دوم. لم تشهرني بخلقي ولم تجعل إليّ شيئا من أمري. ثمّ أخرجتني إلى الدّنيا تامّا سويّا.
و في الصّحيفة السّجادية في دعائه- عليه السّلام- بعد الفراغ من صلاة اللّيل: اللّهمّ وأنت حدرتني ماء مهينا من صلب متضايق العظام، حرج المسالك، إلى رحم ضيّقة سترتها بالحجب. تصرّفني حالا عن حال، حتّى انتهيت بي إلى تمام الصّورة، وأثبتّ فيّ الجوارح، كما نعتّ في كتابك نطفة، ثمّ علقة، ثمّ مضغة، ثمّ عظما. ثمّ كسونا العظام لحما. ثمّ أنشأتني خلقا آخر كما شئت.
حتّى إذا احتجت إلى رزقك، ولم أستغن عن غياث فضلك، جعلت لي قوتا من فضل طعام وشراب أجريته لأمتك الّتي أسكنتني جوفها، وأودعتني قرار رحمها. ولو تكلني يا ربّ في تلك الحالات إلى حولي، أو تضطرّني إلى قوّتي، لكان الحول عنّي معتزلا، ولكانت القوّة منّي بعيدة. فغذوتني بفضلك غذاء البرّ اللّطيف. تفعل ذلك بي تطوّلا عليّ إلى غايتي هذه.و في الكافي : ابن محبوب، عن رفاعة قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ النّطفة إذا وقعت في الرّحم، تصير إلى علقة، ثمّ إلى مضغة، ثمّ إلى ما شاء اللّه. وإنّ النطفة إذا وقعت في غير الرّحم، لم يخلق منها شيء.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن الحجّال، عن ابن بكير، عن أبي منهال، عن الحارث بن المغيرة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ النّطفة إذا وقعت في الرّحم، بعث اللّه- عزّ وجلّ- ملكا، فأخذ من التّربة الّتي يدفن فيها، فماثها في النّطفة. فلا يزال قلبه يحنّ إليها [حتّى يدفن فيها] .
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن الحسن بن الجهم قال:
سمعت أبا الحسن الرّضا- عليه السّلام- يقول: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إنّ النطفة تكون في الرّحم أربعين يوما. ثمّ تصير علقة أربعين يوما. ثمّ تصير مضغة أربعين يوما. فإذا كمل أربعة أشهر، بعث اللّه ملكين خلّاقين فيقولان: يا ربّ، ما تخلق؟
ذكرا أو أنثى؟ فيؤمران. فيقولان: يا ربّ، شقيّا أو سعيدا؟ فيؤمران. فيقولان: يا ربّ ما أجله وما رزقه؟ وكلّ شيء من حاله وعدّد من ذلك أشياء. ويكتبان الميثاق بين عينيه.
فإذا أكمل اللّه له الأجل ، بعث اللّه إليه ملكا، فزجره زجرة فيخرج وقد نسي الميثاق.
فقال الحسن بن الجهم: [فقلت له:] أ فيجوز أن يدعو اللّه، فيحوّل الأنثى ذكرا والذّكر أنثى؟ فقال: إنّ اللّه يفعل ما يشاء.
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- إذا أراد أن يخلق النّطفة الّتي ممّا أخذ عليها الميثاق في صلبآدم، أو ما يبدو له فيه ، ويجعلها في الرّحم، حرّك الرّجل للجماع، وأوحى إلى الرّحم أن افتحي بابك حتّى يلج فيك خلقي وقضائي النّافذ وقدري. فتفتح الرّحم بابها، فتصل النّطفة إلى الرّحم. فتردّد فيه أربعين صباحا . ثمّ تصير علقة أربعين يوما. ثمّ تصير مضغة أربعين يوما. ثمّ تصير لحما تجري فيه عروق مشتبكة.
ثمّ يبعث اللّه ملكين خلّاقين يخلقان في الأرحام ما يشاء اللّه. فيقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة، فيصلان إلى الرّحم. وفيها الرّوح القديمة المنقولة في أصلاب الرّجال وأرحام النّساء. فينفحان فيها روح الحياة والبقاء. ويشقّان له السّمع والبصر وجميع الجوارح، وجميع ما في البطن، بإذن اللّه.
ثمّ يوحي اللّه إلى الملكين: اكتبا عليه قضائي وقدري ونافذ أمري. واشترطا لي البداء فيما تكتبان فيقولان: يا ربّ، ما نكتب؟ قال: فيوحي اللّه- عزّ وجلّ- إليهما:
ارفعا رؤوسكما إلى رأس أمّه. فيرفعان رؤوسهما فإذا اللّوح يقرع جبهة أمّه. فينظران فيه.
فيجدان في اللّوح صورته ورؤيته ، وأجله وميثاقه، شقيّا أو سعيدا، وجميع شأنه.
قال: فيملي أحدهما على صاحبه. فيكتبان جميع ما في اللّوح، ويشترطان البداء فيما يكتبان. ثمّ يختمان الكتاب، ويجعلانه بين عينيه. ثمّ يقيمانه قائما في بطن أمّه .
قال: وربما عتى، فانقلب. ولا يكون ذلك إلّا في كلّ عات أو مارد.
فإذا بلغ أوان خروج الولد، تامّا أو غير تامّ، أوحى اللّه- عزّ وجلّ- إلى الرّحم أن افتحي بابك، حتّى يخرج خلقي إلى أرضي، وينفذ فيه أمري. فقد بلغ أوان خروجه.
قال: فتفتح الرّحم باب الولد. فيبعث اللّه- عزّ وجلّ- إليه ملكا يقال له زاجر.
فيزجره زجرة. فيفزع منها الولد. فينقلب، فتصير رجلاه فوق رأسه، ورأسه في أسفل البطن، ليسهّل اللّه على المرأة وعلى الولد الخروج.
قال: فإذا احتبس، زجره الملك زجرة أخرى. فيفزع منها. فيسقط الولد إلى الأرضباكيا فزعا من الزّجرة.
محمّد [بن يحيى ] ، عن أحمد [بن محمّد] ، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن الخلق. فقال:
إنّ اللّه- تبارك وتعالى- لمّا خلق الخلق بن طين، أفاض بها كإفاضة القداح .
فأخرج المسلم، فجعله سعيدا. وجعل الكافر شقيّا. فإذا وقعت النّطفة، تلقّتها . الملائكة، فصوّروها. ثمّ قالوا: يا ربّ، أذكر أو أنثى؟ فيقول الرّبّ- جلّ جلاله-: أيّ ذلك شاء.
فيقولان: تبارك اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ.
ثمّ توضع في بطنها. فتردّد تسعة أيّام في كلّ عرق ومفصل منها. و للرحم ثلاثة أقفال: قفل في أعلاها ممّا يلي أعلى السّرّة من الجانب الأيمن، والقفل الآخر وسطها، والقفل الآخر أسفل الرّحم . فيوضع بعد تسعة أيّام في القفل الأعلى. فيمكث فيه ثلاثة أشهر. فعند ذلك يصيب المرأة خبث النّفس والتّهوّع.
ثمّ ينزل إلى القفل الأوسط. فيمكث فيه ثلاثة أشهر . وسرّة الصّبيّ فيها مجمع [العروق، و] عروق المرأة كلّها منها، يدخل طعامه وشرابه من تلك العروق. ثمّ ينزل إلى القفل الأسفل. فيمكث فيه ثلاثة أشهر. فذلك تسعة أشهر.
ثمّ تطلق المرأة. فكلمّا طلقت، انقطع عرق من سرّة الصّبيّ، فأصابها ذلك الوجع.
و يده على سرّته ، حتّى يقع إلى الأرض ويده مبسوطة. فيكون رزقه حينئذ من فيه.
محمّد بن يحيى [عن أحمد بن محمّد] ، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل و غيره قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: جعلت فداك، الرّجل يدعو للحبلى أن يجعل اللّه ما في بطنها ذكرا سويّا. فقال:
يدعو ما بينه وبين أربعة أشهر. فإنّه أربعين ليلة نطفة، وأربعين ليلة علقة، وأربعين ليلة مضغة. فذلك تمام أربعة أشهر. ثمّ يبعث اللّه ملكين خلّاقين. فيقولان: يا ربّ، ما تخلق؟ ذكرا أو أنثى؟ شقيّا أو سعيدا؟ فيقال ذلك. فيقولان: يا ربّ، ما رزقه؟ وما أجله؟ وما مدّته؟ فيقال ذلك. وميثاقه بين عينيه ينظر إليه. فلا يزال منتصبا في بطن أمّه. حتّى إذا دنا خروجه، بعث اللّه إليه ملكا، فزجره زجرة. فيخرج وينسى الميثاق.
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، وعليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول، إذا وقعت النّطفة في الرّحم، استقرّت فيها أربعين يوما. وتكون علقة أربعين يوما.
و تكون مضغة أربعين يوما. ثمّ يبعث اللّه ملكين خلّاقين فيقال لهما: اخلقا كما أراد اللّه- تعالى- ذكرا أو أنثى. صوّراه. واكتبا اجله ورزقه ونيّته، وشقيّا أو سعيدا. واكتبا للّه الميثاق الّذي أخذه عليه في الذّرّ بين عينيه.
فإذا دنا خروجه من بطن أمّه، بعث اللّه إليه ملكا يقال له زاجر. فيزجره. فيفزع فزعا، فينسى الميثاق. ويقع على الأرض يبكي من زجرة الملك.
ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ:
و هو صورة البدن أو الرّوح أو القوى بنفخه فيه أو المجموع. و«ثمّ» لما بين الخلقين من التّفاوت.
فَتَبارَكَ اللَّهُ فتعالى شأنه في قدرته وحكمته أَحْسَنُ الْخالِقِينَ المقدّرين تقديرا.
فحذف المميّز لدلالة «الخالقين» عليه.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. قال: السّلالة الصّفوة من الطّعام والشّراب الّذي يصير نطفة. والنّطفة أصلها من السّلالة. والسّلالة هو من صفوة الطّعام والشّراب. والطّعام من أصل الطّين. فهذا معنى قوله- جلّ ذكره-: مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ. يعني [في الأنثيين ثمّ] في الرّحم.
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ. وهذه استحالة من أمر إلى أمر.
فحدّ النّطفة إذا وقعت في الرّحم أربعون يوما. ثمّ تصير علقة.
و قوله- عزّ وجلّ-: خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ- إلى قوله عزّ وجلّ:- ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فهي ستّة أجزاء وستّ استحالات. وفي كلّ جزء واستحالة دية محدودة. ففي النّطفة عشرون دينارا. وفي العلقة أربعون دينارا. وفي المضغة ستّون دينارا. وفي العظم ثمانون دينارا. وإذا كسي لحما، فمائة دينار، حتّى يستهلّ. فإذا استهلّ، فالدّية كاملة.
فحدّثني أبي بذلك، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت: يا ابن رسول اللّه، فإن خرج في النّطفة قطرة دم؟ قال: في القطرة عشر النّطفة. ففيها اثنان وعشرون دينارا.
قلت: فقطرتان؟ قال: أربعة وعشرون دينارا.
قلت: فثلاث؟ قال: ستّة وعشرون دينارا.
قلت: فأربع؟ قال: ثمانية وعشرون دينارا.
قلت: فخمس؟ قال: ثلاثون دينارا. [و ما زاد على النّصف] فهو على هذا الحساب، حتّى تصير علقة، فيكون فيها أربعون دينارا.
قلت: فإن خرجت [النطفة] متخضخضة بالدّم؟ قال: قد علقت، إن كان دماصافيا ، ففيها أربعون دينارا. وإن كان دما أسود، فذلك من الجوف، فلا شيء عليه إلّا التّعزيز. لأنّه ما كان من دم صاف، فذلك للولد ، وما كان من دم أسود، فهو من الجوف.
قال: فقال أبو شبل: فإنّ العلقة صارت فيها شبه العروق واللّحم؟ قال: اثنان وأربعون دينارا العشر.
[قال:] قلت: إنّ عشر الأربعين دينارا أربعة دنانير؟ قال: لا، إنّما هو عشر المضغة، لأنّه انّما ذهب عشرها. فكلّما ازدادت، زيد، حتّى تبلغ السّتّين.
قلت: فإن رأيت في المضغة مثل عقدة عظم يابس؟ قال: إنّ ذلك عظم أوّل ما يبتدئ، ففيه أربعة دنانير. فإن زاد، فزاد أربعة دنانير، حتّى يبلغ الثّمانين .
قلت: فإن كسي العظم لحما؟ قال: كذلك إلى مائة.
قلت: فإن وكزها ، فسقط الصّبيّ لا يدري حيّا كان أو ميّتا؟ قال: هيهات يا أبا شبل! إذا بلغ أربعة أشهر، فقد صارت فيه الحياة، وقد استوجب الدّية.
و في الكافي أيضا بعد أن قال : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الأصمّ، عن مسمع، عن أبي عبد اللّه قال: قضى أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال :
و بهذا الإسناد عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: جعل دية الجنين مائة دينار.
و جعل منيّ الرّجل إلى أن يكون جنينا خمسة أجزاء. فإذا كان جنينا قبل أن تلجه الرّوح ، مائة دينار. وذلك أنّ اللّه- عزّ وجلّ- خلق الإنسان من سلالة، وهي النّطفة، فهذا جزء. ثمّ علقة، فهو جزءان. ثمّ مضغة، فهو ثلاثة أجزاء. ثمّ عظما، فهو أربعة أجزاء. ثمّ يكسى لحما، فحينئذ تمّ جنينا، فكملت له خمسة أجزاء مائة دينار. والمائة دينارخسمة أجزاء. فجعل للنّطفة خمس المائة، عشرين دينارا. وللعلقة خمسي المائة، أربعين دينارا. وللمضغة ثلاثة أخماس المائة، ستّين دينارا. وللعظم أربعة أخماس المائة، ثمانين دينارا. فإذا كسي اللّحم، كانت له مائة [دينار] كاملة. فإذا نشأ فيه خلق آخر- وهو الرّوح- فهو حينئذ نفس [فيه] ألف دينار كاملة، إذا كان ذكرا. وإن كان أنثى، فخمسمائة دينار.
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- ما صفة [خلقة] النّطفة الّتي تعرف بها؟ فقال:
النّطفة تكون بيضاء مثل النّخامة الغليظة. فتمكث في الرّحم، إذا صارت فيه، أربعين يوما. ثمّ تصير إلى علقة.
قلت: فما صفة خلقة العلقة الّتي تعرف بها؟ قال: هي علقة كعلقة دم المحجمة الجامدة. تمكث في الرّحم، بعد تحويلها عن النّطفة، أربعين يوما. ثمّ تصير مضغة.
قلت: فما صفة المضغة وخلقتها الّتي تعرف بها؟ قال: هي مضغة لحم حمراء فيها عروق خضر مشتبكة. ثمّ تصير إلى عظم.
قلت: فما صفة خلقته إذا كان عظما؟ قال: إذا كان عظما، شقّ له السّمع والبصر، ورتّبت جوارحه. فإذا كان كذلك، فإنّ فيه الدّية كاملة.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن غالب، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب قال: سألت عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- عن رجل ضرب امرأة حاملا برجله، فطرحت ما في بطنها ميّتا. فقال: إن كان نطفة فعليه عشرون دينارا.
قلت: فما حدّ النّطفة؟ قال: هي الّتي إذا وقعت في الرّحم، فاستقرّت فيه [أربعين يوما. (قال:) وإن طرحته وهو علقة، فإنّ عليه أربعين دينارا.قلت: فما حدّ العلقة؟ قال: هي الّتي إذا وقعت في الرّحم، فاستقرّت فيه] ثمانين يوما. قال : وإن طرحته وهو مضغة، فإنّ عليه ستّين دينارا.
قلت: فما حدّ المضغة؟ فقال: هي الّتي إذا وقعت في الرّحم، فاستقرّت فيه مائة وعشرين يوما . قال: وإن طرحته، وهو نسمة مخلّقة له عظم ولحم مزيّل الجوارح، قد نفخ فيه روح العقل، فإنّ عليه دية كاملة.
قلت له: أ رأيت تحوّله في بطنها إلى حال أ بروح كان ذلك أو بغير روح ؟ قال: بروح عدا الحياة القديم المنقول في أصلاب الرّجال وأرحام النّساء. ولو لا أنّه كان فيه روح عدا الحياة، ما تحوّل عن حال بعد حال في الرّحم. وما كان- إذا- على من يقتله دية، وهو في تلك الحال.
محمّد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن إسماعيل بن عمر ، عن شعيب العقرقوفيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ للرّحم أربعة سبل. في أيّ سبيل سلك فيه الماء، كان منه الولد، واحد واثنان وثلاثة وأربعة. ولا يكون إلى سبيل أكثر من واحد.
أحمد بن محمّد ، رفعه عن محمّد بن حمران، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- خلق للرّحم أربعة أوعية: فما كان في الأوّل، فللأب. وما كان في الثّاني، فللأمّ. وما كان في الثّالث، فللعمومة. وما كان في الرّابع فللخئولة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ: فهو نفخ الرّوح فيه.
و في تهذيب الأحكام : محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن
العبّاس بن موسى الورّاق، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن أبي جرير القمّيّ قال: سألت العبد الصّالح- عليه السّلام- عن النّطفة: ما فيها من الدّية؟ وما في العلقة؟ وما في المضغة المخلّقة وما يقرّ في الأرحام؟
قال: إنّه يخلق في بطن أمّه خلقا بعد خلق: يكون نطفة أربعين يوما. ثمّ يكون علقة أربعين يوما. [ثمّ مضغة أربعين يوما] . ففي النّطفة أربعون دينارا. وفي العلقة ستّون دينارا. وفي المضغة ثمانون دينارا. فإذا كسي العظام لحما، ففيه مائة دينار. قال اللّه- عزّ وجلّ-: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ. فإن كان ذكرا، ففيه الدّية. وإن كانت أنثى ، ففيها ديتها.
و في كتاب التّوحيد بإسناده إلى الفتح بن يزيد الجرجانيّ، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: قلت: جعلت فداك، وغير الخالق الجليل خالق؟
قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- يقول-: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ. فقد أخبر أنّ في عباده خالقين [و غير خالقين] . منهم عيسى بن مريم. خلق من الطّين كهيئة الطّير بإذن اللّه. ونفخ فيه، فصار طائرا بإذن اللّه. والسّامريّ خلق لهم عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ .
و في كتاب الخصال عن زيد بن وهب قال: سئل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- عن قدرة اللّه- عزّ وجلّ. فقام خطيبا، فحمد اللّه وأثنى عليه. ثمّ قال:
إنّ للّه- تبارك وتعالى - ملائكة لو أنّ ملكا منهم هبط إلى الأرض، ما وسعته لعظم خلقته وكثرة أجنحته. ومنهم من لو كلّفت الجنّ والإنس أن يصفوه، ما وصفوه لبعد ما بين مفاصله وحسن تركيب صورته. وكيف يوصف من ملائكته من سبعمائة عامما بين منكبيه وشحمة أذنيه !؟
و منهم من يسدّ الأفق بجناح من أجنحته دون عظم بدنه. ومنهم من السّموات إلى حجزته. ومنهم من قدمه على غير قرار في جوّ الهواء الأسفل، والأرضون إلى ركبتيه .
و منهم من لو ألقي في نقرة إبهامه جميع المياه، لوسعتها. ومنهم من لو ألقيت السّفن في دموع عينيه، لجرت دهر الدّاهرين. فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ.
[و في كتاب التّوحيد مثله] .
و في كتاب الخصال - أيضا- عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: خمسة خلقوا ناريّين: الطّويل الذّاهب، والقصير القميء ، والأزرق بخضرة، والزّائد، والنّاقص.
و في مجمع البيان : وروي أنّ عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح كان يكتب لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. فلمّا بلغ إلى بوله: خَلْقاً آخَرَ خطر بباله: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ. فلمّا أملأها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كذلك، قال عبد اللّه: إن كان محمّد نبيّا يوحى إليه، فأنا نبيّ يوحى إليّ! فلحق بمكّة مرتدّا.
و لو صحّ هذا، فإنّ هذا القدر لا يكون معجزا، ولا يمتنع أن يتّفق ذلك من الواحد منّا. لكن هذا الشّقيّ إنّما اشتبه عليه، أو شبّه على نفسه، لما كان في صدره من الكفر والحسد للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله. انتهى.
ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ : لصائرون إلى الموت لا محال. ولذلك ذكر النّعت الّذي للثّبوت دون اسم الفاعل. وقد قرئ به.
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ للمحاسبة والمجازاة.
وَ لَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ: سموات. لأنّها طوارق [بعضها فوق] بعض، مطارقة النّعل بالنعل . وكلّ ما فوقه مثله، فهو طريقه. أو لأنّها طرق الملائكة، أوالكواكب فيها مسيرها.
وَ ما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ: عن ذلك المخلوق الّذي هو السّموات، أو عن جميع المخلوقات غافِلِينَ : مهملين أمرها، بل نحفظها عن الزّوال أو الاختلال، وندبّر أمرها حتّى تبلغ منتهى ما قدّر لها من الكمال، حسب ما اقتضته الحكمة، وتعلّقت به المشيئة.
وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ: بتقدير يكثر نفعه، ويقلّ ضرّه. أو: مقدار ما علمنا من صلاحهم.
فَأَسْكَنَّاهُ: فجعلناه ثابتا مستقرّا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ: على إزالته بالإفساد أو التّصعيد أو التّعميق، بحيث يتعذّر استنباطه لَقادِرُونَ كما كنّا قادرين على إنزاله.
و في تنكير «ذهاب» إيماء إلى كثرة طرقه، ومبالغة في الإيعاد به. ولذلك جعل أبلغ من قوله: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ: فهي الأنهار والعيون والآبار.
و في الكافي : عنه، عن أحمد بن محمّد، عن العبّاس بن معروف، عن النّوفليّ، عن اليعقوبيّ، عن عيسى بن عبد اللّه، عن سليمان بن جعفر قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ: يعني بالتّعميق .
و في مجمع البيان : وروى مقاتل، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ اللّه- تعالى- أنزل من الجنّة خمسة أنّهار: سيحون، وهو نهر الهند، وجيحون، وهو نهر بلخ، ودجلة، والفرات، وهما نهرا العراق، والنّيل، وهو نهر مصر. أنزلها اللّه من عين واحدة، وأجراها في الأرض. وجعل فيها منافع للنّاس فيأصناف معايشهم . فذلك قوله: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ (الآية).
فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ: بالماء جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها: في الجنّات فَواكِهُ كَثِيرَةٌ تتفكّهون بها.
وَ مِنْها: من الجنّات، ثمارها وزروعها تَأْكُلُونَ تغذّيا، أو ترتزقون وتحصلون معايشكم، من قولهم: فلان يأكل من حرفته.
و يجوز أن يكون الضّميران للنّخيل والأعناب. أي: لكم في ثمرتهما أنواع من الفواكه الرّطب والعنب والتّمر والزّبيب والعصير والدّبس وغير ذلك، وطعام تأكلونه.
وَ شَجَرَةً:
عطف على «جنّات».
و قرئت بالرّفع، على الابتداء. أي: وممّا أنشأنا لكم به شجرة.
تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ: جبل موسى بين مصر وأيلة.
و قيل : بفلسطين.
و قد يقال له: طور سينين. ولا يخلو من أن يكون الطّور للجبل، و«سيناء» اسم بقعة أضيف إليها. أو المركّب منهما علم له، كامرئ القيس. ومنع صرفه للتّعريف والعجمة، أو التّأنيث على تأويل البقعة، لا للألف. لأنّه فيعال- كديماس- من السّناء- بالمدّ- وهو: الرّفعة، أو بالقصر، وهو: النّور. أو ملحق بفعلال [- كعلباء- من السّين، إذا لا فعلاء بألف التّأنيث، بخلاف «سيناء» على قراءة الكوفيّين والشّاميّ ويعقوب فإنّه فيعال] - ككيسان- أو فعلاء- كصحراء- لا فعال، إذ ليس في كلامهم.
و قرئ بالكسر والقصر.
تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ، أي: تنبت ملتبسا بالدّهن، ومستصحبا له.و يجوز أن تكون الباء صلة معدّية ل «تنبت». كما في قولك: ذهبت بزيد.
و قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب في رواية: «تنبت». وهو إمّا من أنبت بمعنى نبت، كقول زهير:
رأيت ذوي الحاجات عند بيوتهم قطينا لهم حتىّ إذا أنبت البقل
أو على تقدير: تنبت زيتونها ملتبسا بالدّهن.
و قرئ على البناء للمفعول- وهو كالأوّل- و«تثمر بالدّهن» و«تخرج بالدهن» [و «تخرج الدّهن»] و«تنبت بالدّهان».
وَ صِبْغٍ لِلْآكِلِينَ :
معطوف على الدّهن، جار على إعرابه، عطف أحد وصفي الشّيء على الآخر. أي:
تنبت بالشّيء الجامع بين كونه دهنا يدهن به ويسرج منه، وكونه إداما يصبغ فيه الخبز، أي يغمس فيه للائتدام.
و قرئ : «و صباغ» كدباغ في دبغ.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ. قال: شجرة الزّيتون. وهو مثل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأمير المؤمنين- صلوات اللّه عليهما وآلهما. فالطّور الجبل. و. سيناء الشّجرة.
و في مجمع البيان : تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ. و
قد روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: الزّيت شجرة مباركة فأتدموا به، وادهنوا.
و في تهذيب الأحكام بإسناده إلى الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه كان في وصيّة أمير المؤمنين- عليه السّلام- أن أخرجوني إلى الظهر. فإذا تصوّبت .
أقدامكم، واستقبلتكم ريح، فادفنوني. فهو أوّل طور سيناء. ففعلوا ذلك.
و بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام- وقد ذكر أمير المؤمنين عليه السّلام-: والغريّ وهي قطعة من الجبل الّذي كلّم اللّه عليه موسى تكليما، وقدّس عليه عيسى تقديسا، واتّخذ عليه إبراهيم خليلا، واتّخذ محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- حبيبا. وجعله للنّبيّين مسكنا. فو اللّه ما سكن بعد أبويه الطّيّبين آدم ونوح أكرم من أمير المؤمنين- عليه السّلام.