وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ: وكما أنمناهم وبعثناهم لتزداد بصيرتهم أطلعنا عليهم أهل المدينة.
لِيَعْلَمُوا: ليعلم الّذين أطلعناهم على حالهم.
أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ: بالبعث، أو الموعود الّذي هو البعث.
حَقٌّ: لأنّ نومهم وانتباههم، كحال من يموت ثمّ يبعث.
وَ أَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها: وأنّ القيامة لا ريب في إمكانها، [فإنّ من توفّى نفوسهم وأمسكها ثلاثمائة سنين، حافظا أبدانها عن التّحلّل والتّفتّت ثمّ أرسلها] إليها، قدر أن يتوفّى نفوس جميع النّاس ممسكا إيّاها إلى أن يحشر أبدانها فيردّها عليها.
إِذْ يَتَنازَعُونَ: ظرف «لأعثرنا»، أي: أعثرنا عليهم حين يتنازعون.بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ: أمر دينهم، وكان بعضهم يقول : تبعث الأرواح مجرّدة دون الأجساد، وبعضهم يقول: يبعثان معا، ليرتفع الخلاف، ويتبيّن أنّهما يبعثان معا.
أو أمر الفتية حين أماتهم اللّه ثانيا بالموت، فقال بعضهم، ماتوا، وقال آخرون:
ناموا نومهم أوّل مرّة. أو قالت طائفة نبني عليهم بنيانا يسكنه النّاس ويتّخذونه قرية، وقال آخرون: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً يصلّى فيه، كما قال- تعالى- فَقالُوا.
و في مجمع البيان : أي: قال مشركو ذلك الوقت ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً، أي:
استروهم من النّاس، بأن تجعلوهم وراء ذلك البنيان.
رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ: [معناه: ربّهم أعلم بحالهم فيما تنازعوا فيه. وقيل: إنّه قال ذلك بعضهم، ومعناه: ربّهم، أي: خالقهم الّذي أنامهم وبعثهم أعلم بحالهم وكيفيّة أمرهم.
و قيل: معناه: ربّهم أعلم بهم أ أحياء نيام هم أم أموات، فقد قيل: إنّهم ماتوا.
و قيل: إنّهم لا يموتون إلى يوم القيامة] .
قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ.
قيل : يعني: الملك المؤمن وأصحابه.
و قيل : أولياء أصحاب الكهف من المؤمنين.
و قيل : رؤساء البلد [الّذين استولوا على أمرهم].
لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً [أي معبدا وموضعا للعبادة والسّجود يتعبّد النّاس فيه ببركاتهم، ودلّ ذلك على أنّ الغلبة كانت للمؤمنين.
و قيل: مسجدا يصلّى فيه أصحاب الكهف إذا استيقظوا ... عن الحسن.]
و قوله: رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ اعتراض، إمّا من اللّه ردّا على الخائضين.
في أمرهم من أولئك المتنازعين، أو من المتنازعين [في زمانهم، أو من المتنازعين] فيهم على عهد الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله-، أو من المتنازعين للرّدّ إلى اللّهبعد ما تذاكروا أمرهم وتناقلوا الكلام في أنسابهم وأحوالهم فلم يتحقّق لهم ذلك.
حكي أنّ المبعوث لمّا دخل السّوق وأخرج الدّرهم، وكان عليه اسم دقيانوس، اتّهموه بأنّه وجد كنزا، فذهبوا به إلى الملك، وكان نصرانيا موحّدا، فقصّ عليه القصص، فقال بعضهم: إنّ آباءنا أخبرونا أنّ الفتية فرّوا بدينهم من دقيانوس، فلعلّهم هؤلاء. فانطلق الملك وأهل المدينة من مؤمن وكافر وأبصروهم وكلّموهم، ثمّ قالت الفتية للملك: [نستودعك اللّه،] ونعيذك به من شرّ الجنّ والإنس. ثمّ رجعوا إلى مضاجعكم فماتوا، فدفنهم الملك في الكهف وبنى عليهم مسجدا.
و قيل : لما انتهوا إلى الكهف قال لهم الفتى: مكانكم حتّى أدخل أوّلا لئلّا يفزعوا. فدخل فعمي عليهم المدخل، فبنوا ثمّة مسجدا.
سَيَقُولُونَ، أي: الخائضون في قصّتهم في عهد الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- من أهل الكتاب والمؤمنين.
ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ، أي: هم ثلاثة رجال يربعهم كلبهم بانضمامه إليهم.
قيل : هو قول اليهود.
و قيل : هو قول السّيّد من نصارى نجران، وكان يعقوبيّا .
وَ يَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ.
قيل : قاله النّصارى، أو العاقب منهم وكان نسطوريّا.
رَجْماً بِالْغَيْبِ: يرمون رميا بالخبر الخفيّ الّذي لا مطلع لهم عليه وإتيانا به.
أو ظنّا بالغيب، من قولهم: رجم بالغيب: إذا ظنّ.و إنّما لم يذكر بالسّين اكتفاء بعطفه على ما هو فيه.
وَ يَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ.
قيل : إنّما قاله المسلمون بإخبار الرّسول لهم عن جبرئيل- عليه السّلام-، وإيماء اللّه إليه بأن أتبعه قوله: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ. وأتبع الأوّلين قوله: رَجْماً بِالْغَيْبِ. وبأن أثبت العلم بهم لطائفة بعد ما حصر أقوال الطّوائف في الثّلاثة المذكورة، فإنّ عدم إيراد رابع في هذا المحلّ دليل العدم مع أنّ الأصل ينفيه. ثمّ ردّ الأوّلين بأن أتبعهما قوله: رَجْماً بِالْغَيْبِ ليتعيّن الثّالث، وبأن أدخل فيه الواو على الجملة الواقعة صفة للنّكرة تشبيها لها بالواقعة حالا من المعرفة، لتأكيد لصوق الصّفة بالموصوف، والدّلالة على أنّ اتّصافه بها أمر ثابت.
و روي بطريق عامّيّ ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: أنّهم سبعة وثامنهم كلبهم، أسماؤهم: تمليخا ومكشلينا ومشلينا ، هؤلاء أصحاب يمين الملك، ومرنوش ودبر نوش وسارينوش ، أصحاب يساره، وكان يستشيرهم، والسّابع الرّاعي الّذي وافقهم، واسم كلبهم: قطمير، واسم مدينتهم: أفسوس.
و روي ذلك عن ابن عبّاس- أيضا-.
و في رواية ابن عباس : أنّ اسم الرّاعي كشيوطينوس .
و قيل : الأقوال الثّلاثة لأهل الكتاب والقليل منهم.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، في الحديث السّابق المنقول، عن الصّادق، متّصلا بقوله: سِنِينَ عَدَداً. فناموا حتّى أهلك اللّه- عزّ وجلّ- ذلك الملك وأهل مملكته، وذهب ذلك الزّمان وجاء زمان آخر وقوم آخرون، ثمّ انتبهوا فقال بعضهم لبعض: كم نمنا هاهنا؟ فنظروا إلى الشّمس قد ارتفعت1»
فقالوا: نمنا يوما أو بعض يوم. ثمّ قالوا لواحد منهم: خذ هذا الورق وادخل في المدينة متنكّرا لا يعرفوك، فاشتر لنا طعاما، فإنّهم إنعلموا بنا وعرفونا، يقتلونا أو يردّونا في دينهم.
فجاء ذلك الرّجل فرأى المدينة بخلاف الّذي عهدها، ورأى قوما بخلاف أولئك لم يعرفهم ولم يعرفوا لغته ولم يعرف لغتهم، فقالوا له: من أنت، ومن أين جئت؟ فأخبرهم، فخرج ملك تلك المدينة مع أصحابه والرّجل معهم حتّى وقفوا على باب الكهف، وأقبلوا يتطلّعون فيه، فقال بعضهم: هؤلاء ثلاثة ورابعهم كلبهم. وقال بعضهم: هم خمسة وسادسهم كلبهم. وقال بعضهم هم سبعة وثامنهم كلبهم. وحجبهم اللّه- عزّ وجلّ- بحجاب من الرّعب فلم يكن أحد يقدم بالدّخول عليهم غير صاحبهم، فإنّه لمّا دخل عليهم وجدهم خائفين أن يكون أصحاب دقيانوس شعروا بهم، فأخبرهم صاحبهم أنّهم كانوا نائمين هذا الزّمان الطّويل، وأنّهم آية للنّاس، فبكوا وسألوا اللّه- تعالى- أن يعيدهم إلى مضاجعهم نائمين، كما كانوا.
ثمّ قال الملك: ينبغي أن يبنى هاهنا مسجد ونزوره، فإنّ هؤلاء قوم مؤمنون.
فلهم في كلّ سنة نقلتان، ينامون ستّة أشهر على جنوبهم اليمنى، وستّة أشهر على جنوبهم اليسرى، والكلب معهم قد بسط ذراعيه بفناء الكهف.
فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً: فلا تجادل في شأن الفتية إلّا جدالا ظاهر غير متعمّق فيه، وهو أن تقصّ عليهم ما في القرآن من غير تجهيل لهم والرّدّ عليهم.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-:
إيّاكم والمراء والخصومة، فإنّهما يمرضان القلب على الإخوان وينبت عليهما النّفاق.
و بإسناده ، قال: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: ثلاث من لقى اللّه- عزّ وجلّ- بهنّ دخل الجنّة من أي باب شاء: من حسن خلقه، وخشي اللّه في المغيب والمحضر، وترك المراء وإن كان محقّا.بإسناده إلى عمّار بن مروان : قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: لا تمارينّ حليما ولا سفيها، فإنّ الحليم يقليك والسّفيه يؤذيك.
و في كتاب التّوحيد : عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أنا زعيم بيت في أعلى الجنّة وبيت في وسط الجنّة وبيت في رياض الجنّة لمن ترك المراء، وإن كان محقّا.
و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من يضمن [لي] أربعة بأربعة أبيات في الجنّة؟ من أنفق ولم يخف فقرا.
إلى قوله: وترك المراء وإن كان محقّا.
عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أربع خصال يمتن القلب: الذّنب على الذّنب، وكثرة منافثة النّساء، يعني: محادثتهنّ، ومماراة الأحمق تقول ويقول ولا يرجع إلى جزاء أبدا.
(الحديث) وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً : ولا تسأل أحدا منهم عن قصّتهم سؤال مسترشد، فإنّ فيما أوحي إليك لمندوحة عن غيره مع أنّه لا علم لهم بها، ولا سؤال متعنّت يريد تفضيح المسئول عنه وتزييف ما عنده فإنّه مخلّ بمكارم الأخلاق.
وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ: نهي تأديب من اللّه- تعالى- لنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- حين
قالت اليهود لقريش: سلوه عن الرّوح وأصحاب الكهف وذي القرنين. فسألوه: فقال: ائتوني غدا أخبركم. ولم يستثن، فأبطأ عليه الوحي حتّى شقّ عليه وكذّبته قريش.
و الاستثناء من النّهي، أي: ولا تقولنّ لشيء تعزم عليه: [إنّي فاعله] فيما
تستقبله إلّا بأن يشاء اللّه، أي: إلّا متلبّسا بمشيئته، قائلا: إن شاء اللّه. أو إلّا وقت أن يشاء اللّه أن تقوله، بمعنى: أن يأذن لك فيه.
قيل : ولا يجوز تعليقه «بفاعل» لأنّ استثناء اقتران المشيئة بالفعل غير سديد، واستثناء اعتراضها دونه لا يناسب النّهي .
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن مرازم بن حكيم قال: أمر أبو عبد اللّه- عليه السّلام- بكتاب في حاجة، فكتب ثمّ عرض عليه ولم يكن فيه استثناء.
فقال: كيف رجوتم أن يتمّ هذا وليس فيه استثناء؟ انظروا إلى كلّ موضع لا يكون فيه استثناء فاستثنوا فيه.
وَ اذْكُرْ رَبَّكَ: مشيئة ربّك، وقل: إن شاء اللّه، كما روي : أنّه لمّا نزل قال- عليه السّلام-: إن شاء اللّه.
إِذا نَسِيتَ: تركت الاستثناء.
و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبي جميلة، المفضّل بن صالح، عن محمّد الحلبي وزرارة عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ قال: إذا حلف الرّجل فنسي أن يستثني فليستثن [إذا ذكر] .
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد. وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر- عليه السّلام-في قول اللّه - عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً قال:
فقال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- لمّا قال لآدم: ادخل الجنّة، قال: يا آدم، لا تقرب هذه الشّجرة.
قال: وأراه إيّاها.
فقال آدم لربّه: كيف أقربها وقد نهيتني عنها أنا وزوجتي؟
قال: فقال لهما: لا تقرباها، يعني: لا تأكلا منها.
فقال آدم وزوجته: نعم، يا ربّنا، لا نقربها ولا نأكل منها . ولم يستثنيا في قولهما: نعم. فوكلهما اللّه في ذلك إلى أنفسهما وإلى ذكرهما.
قال: وقد قال اللّه- عزّ وجلّ- لنبيّه في الكتاب: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أن لا أفعله، فتسبق مشيئة اللّه في أن لا أفعله فلا أقدر على أن أفعله، فلذلك قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ، [أي: استثن مشيئة اللّه في فعلك.
عدة من أصحابنا (عن سهل بن زياد، ومحمّد بن يحيى، عن) أحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ.] .
قال: ذلك في اليمين إذا قلت: واللّه، لا أفعل كذا وكذا. فإذا ذكرت أنّك لم تستثن فقل: إن شاء اللّه.
عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: الاستثناء في اليمين متى ما ذكر وإن كان بعد أربعين صباحا. ثمّ تلا هذه الآية: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ.
أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحسين ، عن عليّ بن أسباط، عن الحسن بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ.
فقال: إذا حلفت على يمين ونسيت أن تستثني، فاستثن إذا ذكرت.
و فيمن لا يحضره الفقيه : وروي حمّاد بن عيسى، عن عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: للعبد أن يستثني ما بينه وبين أربعين يوما إذا نسى، إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أتاه أناس من اليهود فسألوه عن أشياء، فقال لهم: تعالوا غدا أحدّثكم. ولم يستثن، فاحتبس جبرئيل- عليه السّلام- عنه أربعين يوما، ثمّ أتاه فقال: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً، إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ.
و في تهذيب الأحكام ، بإسناده إلى عليّ بن حديد: عن مرازم قال: دخل أبو عبد اللّه- عليه السّلام- يوما إلى منزل معتب وهو يريد العمرة، فتناول لوحا فيه [كتاب فيه] تسمية أرزاق العيال وما يخرج لهم، فإذا فيه: لفلان وفلان [و فلان] وليس فيه استثناء.
فقال: من كتب هذا الكتاب ولم يستثن فيه، كيف ظنّ أنّه يتمّ؟
ثمّ دعا بالدّواة فقال: الحق فيه [في كلّ اسم] إن شاء اللّه- تعالى-. فالحق فيه في كلّ اسم إن شاء اللّه.
و في تفسير العيّاشي : عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب- صلوات اللّه عليه- قال: إذا حلف الرّجل باللّه فله ثنيا إلى أربعين يوما، وذلك أنّ قوما من اليهود سألوا النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عن شيء،فقال: ائتوني غدا- ولم يستثن- حتّى أخبركم. فاحتبس عنه جبرئيل- عليه السّلام- أربعين يوما، ثمّ أتاه وقال: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً، إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ.
عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- ذكر: أنّ آدم لمّا أسكنه اللّه الجنّة فقال له: يا آدم، لا تقرب هذه الشّجرة. فقال: نعم. ولم يستثن، فأمر اللّه نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً، إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ولو بعد سنة.
و في رواية عبد اللّه بن ميمون ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-:
وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً، إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ أن تقول: إلّا. من بعد الأربعين، فللعبد الاستثناء في اليمين ما بينه وبين أربعين يوما إذا نسى.
عن زرارة ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر [و أبي عبد اللّه] - عليهما السّلام- في قول اللّه: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ فقال: إذا حلف الرّجل فنسي أن يستثني فليستثن إذا ذكر.
عن حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ.
فقال: إن لم تستثن ثمّ ذكرت بعد فاستثن حين تذكر.
و في مجمع البيان : وقوله: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ فيه وجهان:
أحدهما، أنّه كلام متّصل بما قبله. ثمّ اختلف في ذلك فقيل: معناه:
و اذكر ربّك إذا نسيت الاستثناء ثمّ تذكّرت، فقل: إن شاء اللّه. وإن كان بعد يوم أو شهر أوسنة ... عن ابن عبّاس. وقد روي ذلك عن أئمّتنا- عليهم السّلام-.
و يمكن أن يكون الوجه فيه: أنّه إذا استثنى بعد النّسيان فإنّه يحصل له ثواب المستثني من غير أن يؤثّر الاستثناء بعد انفصال الكلام في الكلام، وإبطال الحنث وسقوط الكفّارة في اليمين، وهو الأشبه بمراد ابن عباس في قوله.
و قيل : واذكر الاستثناء ما لم تقم عن المحّل ... عن الحسن ومجاهد.
و قيل : واذكر الاستثناء إذا تذكّرت ما لم ينقطع الكلام، وهو الأوجه.
و قيل : معناه: و اذكر ربّك إذا نسيت الاستثناء بأن تندم على ما قطعت عليه من الخبر ... عن الأصم .
و الآخر أنّه كلام مستأنف غير متعلّق بما قبله. ثمّ اختلف في معناه فقيل:
معناه: واذكر ربّك إذا غضبت بالاستغفار ليزول عنك الغضب ... عن عكرمة.
و قيل : إنّه أمر بالانقطاع إلى اللّه- تعالى- ومعناه: واذكر ربّك إذا نسيت شيئا بك إليه حاجة تذكرة لك ... عن الجبّائيّ.
و قيل : المراد به الصّلاة ، والمعنى: إذا نسيت صلاة فصلّها إذا ذكرت ...
عن الضّحاك والسّديّ.
وَ قُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي: يدلّني.
لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً : لأقرب وأظهر دلالة على أنّي نبيء من نبأ أصحاب الكهف، وقد هداه لأعظم من ذلك، كقصص الأنبياء المتباعدة عنه أيّامهم والإخبار بالغيوب والحوادث النّازلة في الأعصار المستقبلة إلى قيام السّاعة.و قيل : معناه: ادع أنّ [اللّه] يذكّرك إذا نسيت شيئا و[قل] إن لم يذكّرني اللّه بذلك الّذي نسيت فإنّه يذكّرني ما هو أنفع لي منه ...
وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ، يعني: لبثهم فيه أحياء مضروبا على آذانهم. وهو بيان لما أجمله قبل.
و قيل : إنّه حكاية كلام أهل الكتاب، فإنّهم اختلفوا في عدّتهم، فقال بعضهم: ثلاثمائة. وقال بعضهم ثلاثمائة وتسع سنين.
و قرأ حمزة والكسائي: «ثلاثمائة سنين» بالإضافة، على وضع الجمع موضع الواحد ، ويحسّنه- هاهنا- أنّ علامة الجمع فيه جبر لما حذف من الواحد، وأنّ الأصل في العدد إضافته إلى الجمع، ومن لم يضف أبدل السّنين من ثلاثمائة.
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسي- رحمه اللّه-: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وقد رجع إلى الدّنيا ممّن مات خلق كثير، منهم أصحاب الكهف، أماتهم اللّه ثلاثمائة عام وتسعة [ثمّ] بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث، ليقطع حجّتهم، وليريهم قدرته، وليعلموا أنّ البعث حقّ.
و في مجمع البيان : وروي أنّ يهوديّا سأل عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- عن مدّة لبثهم، فأخبر بما في القرآن.
فقال: إنا نجد في كتابنا ثلاثمائة.
فقال- عليه السّلام-: ذلك بسني الشّمس، وهذا بسني القمر.
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: له ما غاب فيهما وخفي من أحوال أهلهما، فلا خلق يخفى عليه علما.أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ: ذكر بصيغة التّعجّب للدّلالة على أنّ أمره في الإدراك خارج عمّا عليه إدراك السّامعين والمبصرين، إذ لا يحجبه شيء ولا يتفاوت دونه لطيف وكثيف وصغير وكبير وخفيّ وجليّ.
و «الهاء» تعود إلى اللّه- تعالى-. ومحلّه الرّفع على الفاعليّة، و«الباء» مزيدة، عند سيبويه، وكان أصله، أبصر، أي: صار ذا بصر، ثمّ نقل إلى صيغة الأمر بمعنى الإنشاء، فبرز الضّمير لعدم لياق الصّيغة له، أو لزيادة الباء، كما في قوله: «و كفى به».
و النّصب على المفعوليّة، عند الأخفش، والفاعل ضمير المأمور، وهو كلّ أحد، و«الباء» مزيدة إن كانت الهمزة للتّعدية، ومعدّية إن كانت للصّيرورة .
ما لَهُمْ: الضّمير لأهل السّماوات والأرض.
مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ: متولّي أمورهم.
وَ لا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ: في قضائه.
أَحَداً : منهم، ولا يجعل له فيه مدخلا.
و قرأ ابن عامر وقالون، عن يعقوب، بالتّاء والجزم، على نهي كلّ أحد عن الإشراك.
ثمّ لما دلّ اشتمال القرآن على قصّة أصحاب الكهف، من حيث أنّها من المغيبات بالإضافة إلى الرّسول على أنّه وحي معجز، أمره أن يداوم درسه ويلازم أصحابه فقال: وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ: من القرآن، ولا تسمع لقولهم:
ائت بقرآن غير هذا، أو بدّله.
لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ: لا أحد يقدر على تبديلها وتغييرها غيره.
وَ لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً : ملتجأ تعدل إليه إن هممت به.
و في كتاب طبّ الأئمّة - عليهم السّلام-، بإسناده إلى سالم بن محمّد قال:
شكوت إلى الصّادق- عليه السّلام- وجع السّاقين وأنّه قد أقعدني عن أمر ربّي وأسبابي.
فقال: عوّذهما.
قلت: بماذا، يا ابن رسول اللّه؟
قال: بهذه الآية سبع مرّات، فإنّك تعافى بإذن اللّه: «و اتل ما أوحي إليك من كتاب ربّك لا مبدّل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا».
قال: فعوّذتها سبعا، كما أمرني، فرفع الوجع عنّي رفعا [حتّى] لم أحسّ بعد ذلك بشيء منه.
و في كتاب الخصال : عن محمّد بن مسلم ، رفعه، إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: قال عثمان بن عفّان: يا رسول اللّه، ما تفسير أبجد؟
قال: أمّا «الألف» فآلاء اللّه.
... إلى قوله- عليه السّلام-: وأمّا «كلمن» فالكاف كلام اللّه تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً.
عن عبد اللّه بن الصّامت ، عن أبي ذرّ- رحمه اللّه-: أوصاني [رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بسبع: أوصاني ] بحبّ المساكين والدّنوّ منهم، وأوصاني أن أقول الحقّ وإن كان مرّا. (الحديث)
وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ: واحبسها وثبّتها.
مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ: في مجامع أوقاتهم. أو في [طرفي] النّهار.
و قرأ ابن عامر: «بالغدوة». وفيه: أنّ «غدوة» علم في الأكثر، فتكون «الّلام» على تأويل التّنكير.يُرِيدُونَ وَجْهَهُ: رضاء اللّه وطاعته.
وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ: ولا يجاوزهم نظرك إلى غيرهم.
و تعديته «بعن» لتضمينه معنى: نبا .
و قرئ : «و لا تعدّ عينيك» «و لا تعد» من عدّاه وأعداه، والمراد: نهي الرّسول أن يزدري بفقراء المؤمنين وتعلو عينه عن رثاثة زيّهم، طموحا إلى طراوة زيّ الأغنياء.
تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا: حال من الكاف في المشهورة، ومن المستكنّ في الفعل في غيرها.
وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ: من جعلنا قلبه غافلا.
عَنْ ذِكْرِنا: كأميّة بن خلف في دعائك إلى طرد الفقراء عن مجلسك لصناديد قريش.
و فيه تنبيه على أنّ الدّاعي له إلى هذا الاستدعاء غفلة قلبه عن المعقولات وانّهما كه في المحسوسات، حتّى خفي عليه أنّ الشّرف بحلية النّفس لا بزينة الجسد، وأنّه لو أطاعه كان مثله في الغباوة.
و إسناد الإغفال إلى اللّه- تعالى- إمّا لأنّه مثل أجبنته: إذا وجدته كذلك، أو نسبته إليه، أو من أغفل إبله: إذا تركها بغير سمة، أي: لم نسمه بذكرنا كقلوب الّذين كتبنا في قلوبهم الإيمان، أو لأنّه جعله غافلا بتعريضه للغفلة، أو بخذلانه والتّخلية بينه وبين الشّيطان بتركه الأمر واتّباعه النّهي.
و قرئ : «أغفلنا» بإسناد الفعل إلى القلب، بمعنى: حسبنا قلبه غافلين عن ذكرنا إيّاه بالمؤاخذة .و
في تفسير عليّ بن إبراهيم : وأمّا قوله- عزّ وجلّ-: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا فهذه نزلت في سلمان الفارسي- رضي اللّه عنه- كان عليه كساء يكون فيه طعامه، وهو دثاره ورداؤه، وكان كساء من صوف، دخل عيينة بن حصين على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وسلمان عنده، فتأذّى عيينة بريح كساء سلمان، وقد كان عرق فيه وكان يوما شديد الحرّ فعرق في الكساء.
فقال: يا رسول اللّه، إذا نحن دخلنا عليك فأخرج هذا واصرفه من عندك، فإذا نحن خرجنا فأدخل من شئت.
فأنزل اللّه: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وهو عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر الفزاريّ.
و في مجمع البيان ، عند قوله: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ- إلى قوله- أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ: عن ابن مسعود حديث طويل، وهناك: وقال [سلمان و] خبّاب: فينا نزلت هذه الآية، جاء الأقرع بن حابس التّميميّ وعينية بن حصين الفزاريّ وذووهم من المؤلفة [قلوبهم] فوجدوا النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قاعدا مع بلال وصهيب وعمّار وخبّاب في ناس من ضعفاء المؤمنين، فحقروهم وقالوا : يا رسول اللّه، لو نحّيت هؤلاء عنك حتّى نخلو بك.
... إلى قوله: فكنا نقعد معه، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فأنزل اللّه:
وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ (الآية).
فقال: فكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقعد معنا ويدنو حتّى كادت
ركبتنا تمسّ ركبته، فإذا بلغ السّاعة [الّتي] يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم.
و فيه هنا: نزلت الآية في سلمان وأبي ذرّ وصهيب [و عمّار] وخبّاب وغيرهم من فقراء أصحاب الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله-. وذلك أنّ المؤلّفة قلوبهم جاؤوا إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، عينية بن حصين والأقرع بن حابس وذووهم، فقالوا: يا رسول اللّه، إن جلست في صدر المجلس ونحيت عنّا هؤلاء وروائح صنانهم ، وكانت عليهم جباب الصّوف، جلسنا نحن إليك وأخذنا عنك، فلا يمنعنا من الدّخول عليك إلّا هؤلاء.
فلمّا نزلت الآية قام النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يلتمسهم، فأصابهم في مؤخّر المسجد يذكرون اللّه- عزّ وجلّ- فقال: الحمد للّه الّذي لم يمتني حتى أمرني أن اصبّر نفسي مع رجال من أمّتي، معكم المحيا ومعكم الممات.
[عن عبد اللّه بن الصّامت ،] عن أبي ذرّ- رحمه اللّه-: أوصاني رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بسبع: أوصاني بحبّ المساكين والدّنوّ منهم، وأوصاني أن أقول الحقّ وإن كان مرّا. (الحديث)
وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ: الحقّ من جهة اللّه، لا ما يقضيه الهوى.
و يجوز أن يكون الْحَقُّ خبر محذوف، ومِنْ رَبِّكُمْ حالا .
فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ: لا أبالي بإيمان من آمن وكفر من كفر.
و في تفسير العيّاشي : عن عاصم الكوري ، عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- قال: سمعته يقول في قول اللّه: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ قال: وعيد.إِنَّا أَعْتَدْنا: هيّأنا.
لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها: فسطاطها، شبّه به ما يحيط بهم من النّار.
و قيل : «السّرادق» الحجرة التي تكون حول الفسطاط.
و قيل : «سرادقها» دخّانها .
و قيل: حائط من نار.
و في أصول الكافي : أحمد عن عبد العظيم، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: نزل جبرئيل- عليه السّلام- بهذه الآية هكذا:
«و قل الحقّ من ربّكم في ولاية عليّ- عليه السّلام- فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنّا أعتدنا للظّالمين آل محمّد نارا.
وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا: من العطش.
يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ، كالنّحاس المذاب.
و قيل : كدرديّ الزّيت.
و قيل : كعكر الزّيت ، إذا قرب إليه سقطت فروة رأسه. وفي مجمع البيان أنّ ذلك روي مرفوعا.
و قيل : هو القيح والدّم.
و قيل : هو الّذي انتهى حرّه.
و قيل : هو ماء أسود، وأنّ جهنّم سوداء، وماءها أسود، وشجرها سود، وأهلها سود.و هو على طريقة قوله:
فأعتبوا بالصّيلم يَشْوِي الْوُجُوهَ: إذا قدّم ليشرب من فرط حرارته.
و هو صفة ثانية «لماء». أو حال من «المهل»، أو الضّمير في «الكاف» .
بِئْسَ الشَّرابُ: المهل.
وَ ساءَتْ: وساءت النّار.
مُرْتَفَقاً : متّكئا.
و أصل الارتفاق: نصب المرفق تحت الخدّ، وهو لمقابلة قوله: «حسنت مرتفقا».
و إلّا فلا ارتفاق لأهل النّار .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: نزلت هذه الآية هكذا: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، يعني: ولاية عليّ «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنّا أعتدنا للظّالمين آل محمّد حقّهم نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل» قال: «المهل» الذي يبقى في أصل الزّيت المغليّ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً.
و في تهذيب الأحكام : ابن أبي عمير، عن بشير، عن ابن يعفور قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- إذ دخل عليه رجل من أصحابنا، فقال له: أصلحك اللّه، إنّه ربّما أصاب الرّجل منّا الضّيق والشّدّة فيدعى إلى البناء يبنيه أو النّهر يكريه أو المسنّاة يصلحها، فما تقول في ذلك؟
فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما أحبّ أنّي عقدت لهم عقدة، أو وكيت لهموكاء و أنّ لي ما بين لابتيها ، ولا مدّة بقلم، إنّ أعوان الظّلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتّى يحكم [اللّه] بين العباد.
محمّد بن يعقوب ، عن الحسين بن الحسن الهاشميّ، [عن صالح بن أبي حمّاد، عن] محمّد بن خالد، عن زياد بن سلمة قال: دخلت على أبي الحسن، موسى- عليه السّلام- فقال لي: يا زياد، إنّك تعمل عمل السّلطان؟
قال: قلت: أجل.
قال لي: ولم؟
قلت: أنا رجل لي مروّة وعليّ عيال وليس وراء ظهري شيء.
فقال لي: يا زياد، لئن أسقط من حالق فأتقطّع قطعة قطعة أحبّ إليّ من أن أ تولّى لأحد منهم عملا وأطأ بساط رجل منهم، إلّا لما ذا؟
قلت: لا أدري.
قال: إلّا لتفريج كربة عن مؤمن، أو فكّ أسره، أو قضاء دينه. يا زياد، إنّ أهون ما يصنع اللّه- عزّ وجلّ- بمن تولّى لهم عملا أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ اللّه- عزّ وجلّ- من حساب الخلائق.
و في تفسير العيّاشي : عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: الظّلم ثلاثة: ظلم لا يغفره اللّه، وظلم يغفره [اللّه] ، وظلم لا يدعه، فأمّا الظّلم الّذي لا يغفره اللّه الشّرك، وأمّا الظلم الّذي يغفره فظلم الرّجل نفسه، وأمّا الظّلم الّذي لا يدعه فالذّنب بين العباد.
و في مجمع البيان ، عند قوله: فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ. و
قد روي أنّ اللّه- تعالى- يجوّعهم حتّى ينسوا عذاب النّار من شدّة الجوع فيصرخون إلى مالك، فيحملهم إلى تلك الشّجرة، وفيهم أبو جهل، فيأكلون منها فتغلي بطونهم [كغلي الحميم، فيستسقون] فيسقون شربة من الماء الحارّ الّذي بلغ نهايته في الحرارة، فإذا قربوها من وجوههم شوت وجوههم، فذلك قوله: يَشْوِي الْوُجُوهَ.
و روى أبو أمامة ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في قوله: وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ قال: يقرّب إليه فيكرهه ، فإذا أدني منه شوى وجهه ووقع فروة رأسه، فإذا شرب قطّع أمعاءه حتّى يخرج من دبره، يقول اللّه- عزّ وجلّ-: وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ. ويقول: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ
و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، [عن أبيه] ، عن القاسم بن عروة، عن عبد اللّه بن بكير، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ.
قال: تبدّل خبزة نقيّة يأكل النّاس منها حتّى يفرغوا من الحساب.
فقال له قائل: إنّهم لفي شغل يومئذ عن الأكل والشّرب.
فقال له: إنّ ابن آدم خلق أجوف ولا بدّ له من طعام وشراب، أهم أشدّ شغلا أم من في النّار؟ فقد استغاثوا [و اللّه- عزّ وجلّ- يقول:] وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ.
و في تفسير العيّاشي : عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله اللّه: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ. قال: تبدّل خبزة نقيّة يأكل النّاس منها حتّى يفرغ من الحساب، إنّ ابن آدم خلق أجوف لا بدّ له من الطّعام والشّراب، أهم أشدّ شغلا أم من في النّار؟ فقد استغاثوا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ.
عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إنّ أهل النّار لمّا غلى الزّقّوم والضّريع في بطونهم، كغلي الحميم، سألوا الشّراب فاتوا بشراب غسّاق وصديد يتجرّعه ولا يكاد يسيغه، ويأتيه الموت من كلّ مكان وما هو بميّت، ومن ورائه عذاب غليظ وحميم، تغلي به جهنّم منذ خلقت كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً.
و في شرح الآيات الباهرة : محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن القاسم، عن أحمد بن محمّد السّيّاري، عن محمّد بن خالد البرقيّ، عن الحسين بن سيف، عن أخيه، عن أبيه، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قوله- تعالى-: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ في ولاية عليّ «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنّا أعتدنا لظالمي آل محمّد حقّهم نارا أحاط بهم سرادقها.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا :
خبر «إنّ» الأولى هي الثّانية بما في حيّزها، والرّاجع محذوف، تقديره: من أحسن عملا منهم. أو مستغنى عنه [بعموم من أحسن عملا، كما هو مستغنى عنه] .
في قولك: نعم الرّجل زيد. أو واقع موقع الظّاهر، فإنّ من أحسن عملا لا بحسن إطلاقه [على الحقيقة] إلّا على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات.
و في شرح الآيات الباهرة»: قال محمّد بن العبّاس: حدّثنا محمّد بن همام، عن محمّد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود، عن أبي الحسن، موسى بن جعفر، عن أبيه- صلوات اللّه عليهما- في قوله- تعالى-: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ [في ولاية علي- عليه السّلام-] فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ.
قال: وقرأ إلى قوله: أَحْسَنَ عَمَلًا.
ثمّ قال: قيل للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ في أمر عليّ، فإنّه الحقّ من ربّك فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ فجعل [اللّه تركه معصية وكفرا.قال: ثمّ قرأ: «إنّا أعتدنا للظالمين- لآل محمّد- نارا أحاط بهم سرادقها» (الآية).
ثمّ قرأ: إِنَ] الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، يعني [بهم]: آل محمّد- صلوات اللّه عليهم-.
أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ: استئناف لبيان الأجر، أو خبر ثان.
يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ.
«من» الأولى للابتداء، والثّانية للبيان صفة «لأساور»، وتنكيره لتعظيم حسنها من الإحاطة به. وهو جمع أسورة، أو أسوار في جمع سوار.
وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً: لأنّ الخضرة أحسن الألوان وأكثرها طراوة.
مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ: نمارق من الدّيباج وما غلظ منه، جمع بين النّوعين للدّلالة على أنّ فيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن بعض أصحابه، رفعه، قال:
قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا دخلت الجنّة رأيت شجرة طوبى أصلها في دار عليّ، وما في الجنّة قصر ولا منزل إلّا وفيها فتر منها، أعلاها أسفاط حلل من سندس وإستبرق، يكون للعبد المؤمن ألف ألف سفط، في كلّ سفط مائة حلّة ما فيها حلّة تشبه الأخرى على ألوان [مختلفة، وهو] ثياب أهل الجنّة. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ: على السّرر، كما هو هيئة المتنعّمين .
نِعْمَ الثَّوابُ: الجنّة ونعيمها.وَ حَسُنَتْ: الأرائك.
مُرْتَفَقاً : متّكأ.
وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا: للكافر والمؤمن.
رَجُلَيْنِ: مقدّرين، أو موجودين.
قيل : هما اخوان من بني إسرائيل، كافر اسمه: قطروس ، ومؤمن اسمه:
يهودا ، ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فتشاطرا، فاشترى الكافر بها ضياعا وعقارا، وصرفها المؤمن في وجوه الخير، وآل أمرهما إلى ما حكاه- تعالى-.
و قيل : الممثّل بهما اخوان من بني مخزوم، كافر وهو الأسود بن عبد الأسد ، ومؤمن وهو أبو سلمة ، عبد اللّه، زوج أمّ سلمة قبل رسول اللّه.
جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ: بستانين.
مِنْ أَعْنابٍ: من الكروم.
و الجملة بتمامها بيان للتّمثيل، أو صفة لرجلين.
وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ: وجعلنا النّخل محيطة بهما مؤزرا بها كرومهما، يقال:
حفّه القوم: إذا أحاطوا به. وحففته [بهم] : إذا جعلتهم حافّين حوله. فتزيده «الباء» مفعولا ثانيا، كقولك: غشيته، وغشيت به.
وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما: وسطهما. زَرْعاً : ليكون كلّ منهما جامعا للأقوات والفواكه، متواصل العمارة على الشّكل الحسن والتّرتيب الأنيق.
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها: ثمرها.
و إفراد الضّمير لإفراد «كلتا».
و قرئ : «كلّ الجنّتين أتى أكله».وَ لَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ: ولم تنقص من أكلها. شَيْئاً: يعهد في سائر البساتين، فإنّ الثّمار تتمّ في عام وتنقص في عام غالبا.
و في شرح الآيات الباهرة : محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- قال: حدّثنا الحسين بن عامر، عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن القاسم بن عروة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً، كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً قال: هما [عليّ- عليه السّلام-] ورجل آخر.
وَ فَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً : ليدوم شربهما، فإنّه الأصل ويزيد بهاؤهما.
و عن يعقوب : «و فجرنا» بالتّخفيف.
وَ كانَ لَهُ ثَمَرٌ: أنواع من المال سوى الجنّتين من ثمر ماله إذا كثر.
و قرأ عاصم بفتح الثّاء والميم، وأبو عمرو بضمّ الثّاء وإسكان الميم، والباقون بضمّهما، وكذلك في قوله: «و أحيط بثمره».
فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ: يراجعه في الكلام، من حار : إذا رجع.
أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً : حشما وأعوانا.
و قيل : أولادا ذكورا، لأنّهم الّذين ينفرون معه.
وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ: بصاحبه، يطوف به فيها ويفاخره بها.
و إفراد «الجنّة» لأنّ المراد ما هو جنّته وهو ما متّع به من الدّنيا، تنبيها على أنّه لا جنّة له غيرها ولا حظّ له في الجنّة الّتي وعد المتّقون. أو لاتصال كلّ واحدة من جنّتيه بالأخرى. أو لأنّ الدّخول يكون في واحدة واحدة.
وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ: ضارّ لها بعجبه وكفره.
قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ، أي: تفنى. هذِهِ: الجنّة. أَبَداً : لطول أمله، وتمادي غفلته، واغتراره بمهلته.وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً: كائنة.
وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي: بالبعث، كما زعمت.
لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها: من جنّته.
و قرأ الحجازيّان والشّاميّ: «منهما»، أي: من الجنّتين.
مُنْقَلَباً : مرجعا وعاقبة، لأنّها فانية وتلك باقية.
و إنّما أقسم على ذلك لاعتقاده أنّه- تعالى- إنّما أولاه لاستئهاله واستحقاقه إيّاه لذاته، وهو معه أينما يلقاه.
قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ: لأنّه أصل مادّتك، أو مادّة أصلك .
ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ: فإنّها مادّتك القريبة.
ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا : ثمّ عدلك وكملك إنسانا ذكرا بالغا مبلغ الرّجال.
جعل كفره بالبعث كفرا باللّه لأنّ منشأه الشّكّ في كمال قدرة اللّه، ولذلك رتّب الإنكار على خلقه إياه من التّراب فإنّ من قدر بدء خلقه منه قدر أن يعيده منه.
لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً .
أصله: لكنّ أنا، فحذفت الهمزة وألقيت حركتها على نون «لكنّ» فتلاقت النّونان فكان الإدغام.
و قرأ ابن عامر ويعقوب في رواية بالألف في الوصل لتعويضها من الهمزة أو لإجراء الوصل مجرى الوقف.
و قد قرئ : «لكنّ أنا» على الأصل، وهو ضمير الشّأن، وهو بالجملة الواقعة خبرا له خبر «أنا» [، أو ضمير اللّه و«اللّه» بدله و«ربّي» خبره، والجملة خبر «أنا»،] والاستدراك من «أكفرت»، كأنّه قال: أنت كافر باللّه لكنّي مؤمن به.
و قد قرئ : «لكنّ هو اللّه ربّي» و«لكنّ أنا أقول لا إله إلّا هو ربّي».
وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ: وهلّا قلت عند دخولها: ما شاءَ اللَّهُ، أي: الأمر ما شاء اللّه [أو ما شاء] كائن، على أنّ «ما» موصولة. أو أيّ شيء شاء اللّه كان، على أنّها شرطيّة والجواب محذوف إقرارا بأنّها وما فيها بمشيئة اللّه، إن شاء اللّه أبقاها وإن شاء أبادها.
لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ: وقلت: لا قوة إلّا باللّه، اعترافا بالعجز على نفسك والقدرة للّه، وأنّ ما تيسّر لك من عماراتها وتدبير أمرها فبمعونته وإقداره.
و عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- : من رأى شيئا فأعجبه فقال: ما شاء اللّه لا قوّة إلّا باللّه، لم يضرّه.
و في كتاب ثواب الأعمال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ما من رجل دعا فختم بقول: ما شاء اللّه لا حول ولا قوّة إلّا باللّه، إلّا أجيب حاجته .
و في تهذيب الأحكام ، بإسناده إلى الحسن بن عليّ بن عبد الملك الزّيّات: عن رجل، عن كرام عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أربع لأربع.
... إلى قوله: والثّالثة للحرق والغرق ما شاء اللّه لا قوّة إلّا باللّه، وذلك أنّه يقول: وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
و في محاسن البرقيّ ، عنه، عن عدّة من أصحابنا، عن عليّ بن أسباط، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: قال لي: إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل:
بسم اللّه آمنت باللّه توكلّت على اللّه ما شاء اللّه لا حول ولا قوّة إلّا باللّه، فتلقاه الشّياطين فتضرب الملائكة وجوهها وتقول: ما سبيلكم عليه وقد سمّي اللّه وآمن به وتوكّل على اللّه وقال: ما شاء اللّه لا قوّة إلّا باللّه.
عنه ، عن بكر بن صالح، عن سليمان بن جعفر، عن أبي الحسن، موسى بن جعفر- عليه السّلام- [قال] : من خرج وحده في سفر فليقل: ما شاء اللّه لا قوّة إلّا باللّهاللّهم آنس وحشتي وأعنّي على وحدتي وردّ غيبتي.
و في كتاب التّوحيد، بإسناده إلى جابر بن يزيد الجعفيّ: عن أبي جعفر، محمّد بن عليّ الباقر قال: سألته عن معنى لا حول ولا قوّة إلّا باللّه.
فقال: معناه، لا حول لنا عن معصية اللّه إلّا بقوّة اللّه، ولا قوّة لنا على طاعة اللّه إلّا بتوفيق اللّه- عزّ وجلّ-.
إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً .
يحتمل أن يكون «أنا» فصلا، وأن يكون تأكيدا للمفعول الأوّل.
و قرئ: «أقلّ» بالرّفع على أنّه خبر «أنا». والجملة مفعول ثان «لترن». وفي قوله- تعالى-: «ولدا» دليل لمن فسّر النّفر بالأولاد.
فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ: في الدّنيا والآخرة لإيماني. وهو جواب الشّرط.
و في كتاب الخصال : عن الصّادق، جعفر بن محمّد- عليه السّلام- قال: عجبت لمن يفزع [من أربع] كيف لا يفزع إلى أربع.
... إلى أن قال- عليه السّلام-: وعجبت لمن أراد الدّنيا وزينتها كيف لا يفزع إلى قوله- تعالى-: ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. فإنّي سمعت اللّه يقول بعقبها: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً، فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ. وعسى موجبة.
وَ يُرْسِلَ عَلَيْها: على جنّتك لكفرك.
حُسْباناً مِنَ السَّماءِ: مرامي. جمع حسبانة: وهي الصّواعق.
و قيل : هو مصدر بمعنى، الحساب، والمراد به: التّقدير لتخريبها. أو عذاب حساب الأعمال السّيّئة.
فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً : أرضا ملساء يزلق عليها باستئصال نباتهاو أشجارها.