سورة الكهف مكّيّة، إلّا قوله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ. فإنّها نزلت بالمدينة في قصة عيينة بن حصين الفزاريّ.
[و هي مائة وإحدى عشرة آية.]
بسم الله الرحمن الرحيم
في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة الكهف في كلّ ليلة جمعة لم يمت إلّا شهيدا، ويبعثه اللّه من الشّهداء، ووقف يوم القيامة مع الشّهداء.
و في الكافي : الحسين بن محمّد، عن عبد اللّه بن عامر، عن عليّ بن مهزيار، عن أيّوب عن نوح، عن محمّد بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: من قرأ سورة الكهف في كلّ ليلة جمعة كانت كفّارة ما بين الجمعة إلى الجمعة.
قال : وروى غيره- أيضا- فيمن قرأها يوم الجمعة بعد الظّهر والعصر، مثل ذلك.
و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: منقرأها فهو معصوم ثمانية أيّام من كلّ فتنة، فإن خرج الدّجّال في [تلك] الثّمانية أيّام عصمه اللّه من فتنة الدّجّال.
سمرة بن جندب ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأ عشر آيات من سورة الكهف [حفظا] لم يضرّه فتنة الدّجال، ومن قرأ السّورة كلّها دخل الجنّة.
و عن النّبيّ - صلّى اللّه عليه وآله-: ألا أدلّكم على سورة شيّعها سبعون ألف ملك حين نزلت، ملأت عظمتها ما بين السّماء والأرض؟
قالوا: بلى.
قال: سورة أصحاب الكهف، من قرأها يوم الجمعة غفر اللّه له إلى الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيّام، وأعطي نورا يبلغ السّماء، ووقي فتنة الدّجّال.
و روى الواحدي ، بإسناده إلى أبي الدّرداء: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من حفظ عشر آيات من أوّل سورة الكهف [ثمّ أدرك الدجّال لم يضرّه، ومن حفظ خواتيم سورة الكهف] كانت له نورا يوم القيامة.
و روى- أيضا-، بالإسناد ، عن سعيد بن محمّد الحرمي ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأ الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ستّة أيّام من كلّ فتنة تكون، فإن خرج الدّجّال عصم منه.
و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من خبر الشّاميّ وما سأل عنه أمير المؤمنين- عليه السّلام- في جامع الكوفة حديث طويل، وفيه: سأله:
كم حجّ آدم من حجة؟
فقال له: سبعين حجّة ماشيا على قدميه، وأوّل حجّة حجّها كان معه الصّرد يدلّه على مواضع الماء، وخرج معه من الجنّة، وقد نهي عن أكل الصّرد والخطّاف.و سأله: ما باله لا يمشي؟
فقال: لأنّه ناح على بيت المقدس فطاف حوله أربعين عاما يبكي عليه، ولم يزل يبكي مع آدم- عليه السّلام-. فمن هناك سكن البيوت، ومعه تسع آيات من كتاب اللّه ممّا كان آدم يقرأها في الجنّة، وهي معه إلى يوم القيامة، ثلاث آيات من أوّل الكهف، وثلاث [آيات] من سُبْحانَ الَّذِي وإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ، وثلاث آيات من يس وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا .
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ، يعني: القرآن. رتّب استحقاق الحمد على إنزاله تنبيها على أنّه أعظم نعمائه، وذلك لأنّه الهادي إلى ما فيه كمال العباد، والدّاعي إلى ما به ينتظم صلاح المعاش والمعاد.
وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً : شيئا من العوج، باختلال في اللّفظ وتناقض في المعنى ، أو انحراف من الدّعوة إلى جناب الحقّ. وهو في المعاني، كالعوج في الأعيان.
قَيِّماً: مستقيما معتدلا لا إفراط فيه ولا تفريط. أو قيّما بمصالح العباد، فيكون وصفا له بالتّكميل بعد وصفه بالكمال. أو قيّما على سائر الكتب السّابقة يشهد بصحّتها. أو قيّما دائما يدوم ويثبت إلى يوم القيامة، لا ينسخ.
و انتصابه بمضمر، تقديره: جعله قيّما. أو على الحال من الضّمير في «له» أو من «الكتاب» على أنّ الواو في «و لم يجعل» للحال دون العطف، إذ لو كان للعطف لكان المعطوف فاصلا بين أبعاض المعطوف عليه، ولذلك قيل: فيه تقديم وتأخير .
[قال عليّ بن إبراهيم في تفسيره: هذا مقدّم ومؤخّر،] لأن معناه: الّذي أنزل على عبده الكتاب قيّما ولم يجعل له عوجا، فقد قدّم حرف على حرف.و قرئ : «قيما».
«لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً، أي: لينذر الّذين كفروا عذابا شديدا، فحذف المفعول الأوّل اكتفاء بدلالة القرينة ، واقتصارا على الغرض المسوق إليه.
مِنْ لَدُنْهُ: صادرا من عنده.
و قرأ أبو بكر، بإسكان الدّال، وكسر النّون لالتقاء السّاكنين، وكسر الهاء للإتباع.
و في تفسير العيّاشي : عن البرقيّ، عمّن رواه، رفعه، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ قال: «البأس الشّديد» عليّ، وهو من لدن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قاتل معه عدوّه، فذلك قوله: لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن محمّد، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ.
فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: «البأس الشّديد» عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. وهو من لدن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، وقاتل معه عدوّه، فذلك قوله:
لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ.
وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً : هو الجنّة.
و في تفسير العيّاشي : عن الحسن بن صالح قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام-: لا تقرأ «يبشّر» إنّما البشر، بشر الأديم.قال: فصلّيت بعد ذلك خلف الحسن، فقرأ: «تبشّر».
ماكِثِينَ فِيهِ: في الأجر.
أَبَداً : بلا انقطاع.
وَ يُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً .
خصّهم بالذّكر، فكرّر الإنذار متعلّقا بهم، استعظاما لكفرهم. وإنّما لم يذكر المنذر به استغناء بتقدّم ذكره.
ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ، أي: بالولد . أو باتّخاذه. أو بالقول، والمعنى: أنّهم يقولون عن جهل مفرط وتوهّم كاذب، أو تقليد لما سمعوه من أوائلهم من غير علم بالمعنى الّذي أرادوا به، فإنّهم كانوا يطلقون الأب والابن بمعنى: المؤثر والأثر . أو باللّه، إذ لو علموه لما جوّزوا نسبة الاتّخاذ إليه .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً، ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ قال : [ما] قالت قريش حين زعموا أنّ الملائكة بنات اللّه، وما قالت اليهود والنّصارى في قولهم: عزير ابن اللّه، والمسيح ابن اللّه.
وَ لا لِآبائِهِمْ: لأسلافهم الّذين مضوا قبلهم على مثل ما هم عليه اليوم، وإنّما يقولون ذلك عن جهل وتقليد من غير حجّة.
كَبُرَتْ كَلِمَةً: عظمت مقالتهم هذه في الكفر لما فيها من التّشبيه والتّشريك وإيهام احتياجه- تعالى- إلى ولد يعينه ويخلفه إلى غير ذلك من الزّيغ.
و «كلمة» نصب على التّمييز.و قرئ بالرّفع، على الفاعليّة.
تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ: صفة لها تفيد استعظام اجترائهم على إخراجها من أفواههم ، والخارج بالذّات هو الهواء الحامل لها.
و قيل : صفة محذوف هو المخصوص بالذّمّ ، لأنّ «كبر» هاهنا بمعنى: بئس.
و قرئ : «كبرت» بالسّكون مع الإشمام.
إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ: قاتلها عَلى آثارِهِمْ: إذا ولّوا عن الإيمان.
شبّهه لما يداخله من الوجد على تولّيهم بمن فارقته أعزّته، فهو يتحسّر على آثارهم، ويبخع نفسه وجدا عليهم.
و قرئ : «باخع نفسك» على الإضافة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ يقول: قاتل نفسك على آثارهم.
إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ: بهذا القرآن.
أَسَفاً : للتّأسّف عليهم، أو متأسّفا عليهم .
و «الأسف» فرط الحزن والغضب.
و قرئ: «أن» بالفتح، على «لأن»، فلا يجوز إعمال «باخع» إلّا إذا جعل حكاية حال ماضية .إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ: من الحيوان والنّبات والمعادن.
زِينَةً لَها: ولأهلها.
لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا : في تعاطيه، وهو من زهد فيه، ولم يغترّ به، وقنع منه بما يزجي به أيّامه، وصرفه على ما ينبغي. وفيه تسكين لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
و في روضة الكافيّ ، كلام لعليّ بن الحسين- عليهما السّلام- في الوعظ والزّهد في الدّنيا، يقول فيه- عليه السّلام-: واعلموا أنّ اللّه لم يحبّ زهرة الدّنيا وعاجلها لأحد من أوليّائه ولم يرغّبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها، وإنّما خلق الدّنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيّهم أحسن عملا لآخرته.
وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً : تزهيد فيه.
و «الجرز»: الأرض الّتي قطع نباتها، [مأخوذ من الجرز] وهو القطع، والمعنى: إنّا لنعيد ما عليها من الزّينة ترابا مستويا بالأرض، ونجعله كصعيد أملس لا نبات فيه.
أَمْ حَسِبْتَ: بل حسبت.
أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ: في إبقاء حياتهم مدّة مديدة كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً .
و قصّتهم بالإضافة إلى خلق ما على الأرض من الأجناس والأنواع الفائتة للحصرعلى طبائع متباعدة وهيئات متخالفة تعجب النّاظرين من مادّة واحدة ثمّ ردّها إليها ليس بعجيب، مع أنّه من آيات اللّه كالنّزر الحقير.
و «الكهف» الغار الواسع في الجبل، وإذا صغر فهو غار.
و «الرّقيم» اسم الجبل، أو الوادي الّذي فيه كهفهم، أو اسم قريتهم، أو كلبهم، أو لوح [رصاصي أو] حجريّ رقمت فيه أسماؤهم وجعلت على باب الكهف.
و قيل : أصحاب الرّقيم قوم آخرون، كانوا ثلاثة خرجوا يرتادون لأهلهم»
فأخذتهم السّماء، فآووا إلى الكهف فانحطّت صخرة وسدّت بابه، فقال أحدهم :
اذكروا أيّكم عمل حسنة ، لعلّ اللّه يرحمنا ببركته.
فقال واحد منهم: استعملت أجراء ذات يوم، فجاء رجل وسط النّهار وعمل في بقيّته مثل عملهم، فأعطيته مثل أجرهم، فغضب أحدهم وترك أجره، فوضعته في جانب البيت، ثمّ مرّبيّ بقر فاشتريت به فصيلة فبلغت ما شاء اللّه، فرجع إليّ بعد حين شيخا ضعيفا لا أعرفه، وقال لي: إنّ لي عندك حقّا. وذكره لي حتّى عرفته، فدفعتا إليه جميعا، الّلهمّ، إن كنت فعلت ذلك لوجهك فأفرج عنّا. فانصدع الجبل حتّى رأوا الضّوء.
و قال آخر: كان فيّ فضل، وأصابت النّاس شدّة، فجاءتني امرأة فطلبت منّي معروفا، فقلت: واللّه ، ما هو دون نفسك. فأبت، وعادت ثمّ رجعت ثلاثا، ثمّ ذكرت لزوجها، فقال: أجيبي له وأعيني عيالك. فأتت وسلّمت إليّ نفسها، فلمّا تكشّفتها وهممت بها ارتعدت، فقلت: مالك؟ قالت: أخاف اللّه. فقلت لها: خفته في الشّدّة ولم أخفه في الرّخاء؟
فتركتها وأعطيتها ملتمسها، الّلهمّ، إن [كنت] فعلته لوجهك فأفرج عنّا.
فانصدع حتّى تعارفوا.و قال الثّالث: كان [لي] أبوان همّان ، وكانت لي غنم، وكنت أطعمهما وأسقيهما ثمّ أرجع إلى غنمي، فحبسني ذات يوم غيث فلم أبرح حتّى أمسيت، فأتيت أهلي وأخذت محلبي فحلبت فيه ومضيت إليهما، فوجدتهما نائمين، فشقّ عليّ أن أوقظهما، فتوقّعت جالسا ومحلبي على يدي حتّى أيقظهما الصّبح فسقيتهما، الّلهمّ، [إن كنت] فعلته لوجهك، فأفرج عنّا. ففرّج اللّه عنهم فخرجوا ... روى ذلك نعمان بن بشير مرفوعا.
و
في مجمع البيان : وقيل إنّ: أصحاب الرّقيم هم النّفر الثّلاثة الّذين دخلوا في غار فانسدّ عليهم، فقالوا: فليدع اللّه- تعالى- كلّ واحد منّا بعمله حتّى يفرّج اللّه عنّا.
[ففعلوا] . فنجّاهم اللّه. رواه النّعمان بن البشير مرفوعا.
و في محاسن البرقي : عنه، [عن عبد اللّه،] عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن المفضّل بن صالح، عن جابر الجعفيّ، يرفعه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: خرج ثلاثة نفر يسيحون في الأرض، فبينما هم يعبدون اللّه في كهف في قلّة جبل حين حتّى بدت صخرة من أعلى الجبل حتّى التقمت باب الكهف.
فقال بعضهم لبعض: عباد اللّه، [و اللّه،] ما ينجيكم ممّا وقعتم إلّا أن تصدقوا اللّه فهلمّ ما عملتم للّه خالصا، فإنّما ابتليتم بالذّنوب.
فقال أحدهم: الّلهمّ، أن كنت تعلم أنّي طلبت امرأة لحسنها وجمالها، فأعطيت فيها مالا ضخما، حتّى إذا قدرت عليها وجلست منها مجلس الرّجل من المرأة ذكرت النّارفقمت عنها فرقا منك، الّلهمّ، فرفع عنّا هذه الصّخرة. فانصدعت، حتّى نظروا إلى الصّدع.
ثم قال الآخر: الّلهمّ، إنّ كنت تعلم أنّي استأجرت قما يحرثون كلّ رجل منهم بنصف درهم، فلمّا فرغا أعطيتهم أجورهم، فقال أحدهم: قد عملت عمل اثنين، واللّه، لا آخذ إلّا درهما واحدا. وترك ماله عندي، فبذرت بذلك النّصف الدّرهم في الأرض فأخرج اللّه من ذلك رزقا، وجاء صاحب النّصف الدّرهم فأراده، فدفعت إليه عشرة آلاف درهم ، فإن كنت تعلم إنّما فعلته مخافة منك فارفع عنّا هذه الصّخرة.
فانفرجت عنهم، حتّى نظر بعضهم إلى بعض.
ثمّ أنّ الآخر قال: اللّهمّ، إنّ كنت تعلم أنّ أبي وأمّي كانا نائمين، فأتيتهما بقعب من لبن، فخفت أن أضعه أن تلج فيه هامّة، وكرهت أن أوقظهما من النّوم فيشقّ ذلك عليهما، فلم أزل كذلك حتّى استيقظا وشربا، الّلهمّ، فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك فارفع عنا هذه الصّخرة. فانفرجت لهم، حتّى سهل لهم طريقهم.
[ثمّ قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: من صدق اللّه نجا.]
و في الخرائج والجرائح : عن المنهال بن عمر قال: واللّه، أنا رأيت رأس الحسين- عليه السّلام- حين حمل، وأنا بدمشق، وبين يديه رجل يقرأ الكهف حتّى بلغ قوله:
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً. فأنطق اللّه- تعالى- الرّأس بلسان ذرب طلق قال: أعجب من أصحاب الكهف حملي وقتلي.
و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب: وروى أبو مخنف، عن الشّعبي: أنّه صلب رأس الحسين- عليه السّلام- بالصّياف في الكوفة، فتنحنح الرّأس وقرأ سورة الكهف إلى قوله: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً.
و سمع أيضا يقرأ: أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام
بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف، أسرّوا الإيمان وأظهروا الشّرك، فآتاهم اللّه أجرهم مرّتين.
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن درست الواسطيّ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما بلغت تقيّة أحد تقيّة أصحاب الكهف، إذ كانوا يشهدون الأعياد ويشدّون الزّنانير فأعطاهم اللّه أجرهم مرّتين.
و في تفسير العيّاشي : عن عبد اللّه بن يحيى، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه ذكر أصحاب الكهف، فقال: لو كلّفكم قومكم ما كلّفهم قومهم؟
فقيل له: وما كلّفهم قومهم ؟
فقال: كلّفوهم الشّرك باللّه العظيم، فأظهروا لهم الشّرك وأسرّوا الإيمان حتّى جاءهم الفرج.
عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الكفر، فآجرهم اللّه [مرّتين] .
عن محمّد ، عن أحمد بن عليّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً قال: هم قوم فرّوا، وكتب ملك ذلك الزّمان بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم في صحف من رصاص، فهو قوله:
أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ.
عن أبي بكر الحضرميّ ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: خرج أصحاب الكهف على غير معرفة ولا ميعاد، فلمّا صاروا في الصّحراء أخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق، يأخذ هذا على هذا وهذا على هذا، ثم قالوا: أظهروا أمركم. فأظهروه، فإذا على أمر واحد.عن الكاهليّ ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الكفر. وكانوا على إجهار الكفر أعظم أجرا منهم على الإسرار بالإيمان.
عن سليمان بن جعفر النّهديّ قال: قال لي جعفر بن محمّد- عليه السّلام-: يا سليمان، من الفتى؟
قال: قلت: جعلت فداك، الفتى عندنا الشّابّ.
قال لي: أما علمت أنّ أصحاب الكهف كانوا كلّهم كهولا فسمّاهم اللّه فتية بإيمانهم، يا سليمان، من آمن باللّه واتّقى، فهو الفتى.
و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، رفعه قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: لرّجل: ما الفتى عندكم؟
فقال له: الشّابّ.
فقال: لا، الفتى المؤمن، إنّ أصحاب الكهف كانوا شيوخا فسمّاهم اللّه- عزّ وجلّ- فتية بإيمانهم.
و روي عن سدير الصّيرفيّ قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: حديث بلغني [عن الحسن البصريّ، فإن كان حقّا، فإنّا للّه وإنّا إليه راجعون.
قال: وما هو؟
قلت: بلغني] أنّ الحسن كان يقول: لو غلى دماغه من حرّ الشّمس ما استظّل بحائط صيرفيّ، ولو تفرّثت كبده عطشا لم يستسق من دار صيرفيّ ماء. وهو عملي وتجارتي، وعليه نبت لحمي ودمي، ومنه حجّتي وعمرتي.
قال: فجلس- عليه السّلام- ثمّ قال: كذب الحسن، خذ سواء وأعط سواء، وإذا حضرت الصّلاة فدع ما بيدك وانهض إلى الصّلاة، أما علمت أنّ أصحاب الكهف كانوا صيارفة، يعني: صيارفة الكلام، ولم يعن صيارفة الدراهم .و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل القرشي:
عمّن حدّثه، عن إسماعيل بن أعبل، عن أبيه، عن أبي رافع ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، قال فيه بعد أن ذكر عيسى، ثمّ يحيى بن زكريّا، ثمّ العزير، ثمّ دانيال، ثمّ مكيخا بن دانيال- عليهم السّلام- وملوك زمانهم: فعند ذلك ملك شابور بن هرمز اثنين وسبعين سنّة، وهو أوّل من عقد التّاج ولبسه، وولي أمر اللّه- عزّ وجلّ- يومئذ أنشوا بن مكيخا. وملك بعد [ذلك] أردشير، أخو شابور سنتين، وفي زمانه بعث اللّه الفتية أصحاب الكهف والرّقيم، وولي أمر اللّه في الأرض يومئذ وسيخا بن أنشوا بن مكيخا.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً يقول: قد آتيناك من الآيات ما هو أعجب منه، وهو فتيةكانوا في الفترة بين عيسى بن مريم ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. وأما الرّقيم فهما لو حان من نحاس مرقوم، أي: مكتوب فيهما أمر الفتية، وأمر إسلامهم، وما أراد منهم دقيانوس الملك، وكيف كان أمرهم وحالهم.
و قال عليّ بن إبراهيم : فحدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان سبب نزول سورة الكهف، أنّ قريشا بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران، يعني : النّضر بن الحارث بن كلدة، وعقبة ابن أبي معيط، والعاص بن وائل السّهميّ، ليتعلّموا من اليهود والنّصارى مسائل يسألونها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، فخرجوا إلى نجران إلى علماء اليهود فسألوهم.
فقالوا: سلوه عن ثلاث مسائل، فإن أجابكم فيها على ما عندنا فهو صادق، ثمّ سلوه عن مسألة واحدة فإن أدّعى علمها فهو كاذب.
قالوا: وما هذه المسائل؟
قالوا: سلوه عن فتية كانوا في الزّمن الأوّل فخرجوا وغابوا وناموا، كم بقوا في نومهم حتّى انتبهوا، وكم كان عددهم، وأيّ شيء كان معهم [من غيرهم] ، وما كان قصّتهم؟ واسألوه عن موسى حين أمره اللّه- عزّ وجلّ- أن يتبع العالم ويتعلّم منه من هو، وكيف تبعه، وما كان قصته معه؟ واسألوه عن طائف طاف [من] مغرب الشّمس ومطلعها حتّى بلغ سدّ يأجوج ومأجوج، من هو، وكيف كان قصّته؟
ثمّ أملوا عليهم أخبار هذه الثّلاث مسائل وقالوا لهم: إن أجابكم بما قد أملينا عليكم فهو صادق، وإن أخبركم بخلاف ذلك فلا تصدّقوه.
قالوا: فما المسألة الرّابعة؟
قالوا: سلوه متّى تقوم السّاعة؟ فإن ادّعى علمها فهو كاذب فإنّ قيام السّاعة لا يعلمها إلّا اللّه- تبارك وتعالى-.
فرجعوا إلى مكّة واجتمعوا إلى أبي طالب- رضي اللّه عنه- فقالوا: يا أبا طالب،إنّ ابن أخيك يزعم أنّ خبر السّماء يأتيه ونحن نسأله عن مسائل، فإن أجابنا عنها علمنا أنّه صادق، وإن لم يجبنا عملنا أنّه كاذب.
فقال أبو طالب: سلوه عمّا بدا لكم.
سألوه عن الثّلاث مسائل. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: غدا أخبركم.
و لم يستثن، فاحتبس الوحي عليه أربعين يوما حتّى اغتمّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وشكّ أصحابه الّذين كانوا آمنوا به، وفرحت قريش [و استهزؤوا] وآذوا، وحزن أبو طالب، فلمّا كان بعد أربعين يوما نزل عليه سورة الكهف. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا جبرئيل، لقد أبطأت؟؟
فقال: إنّا لا نقدر أن ننزل إلّا بإذن اللّه- تعالى-. [فأنزل] : أَمْ حَسِبْتَ يا محمّد أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً.
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ وفي مجمع البيان : قالوا: هذه الفتية قوم آمنوا باللّه- تعالى- وكانوا يخفون الإسلام خوفا من ملكهم، وكان اسم الملك دقيانوس، وأسم مدينتهم أفسوس، وكان ملكهم يعبد الأصنام ويدعو إليها ويقتل من خالفه.
و قيل : كان مجوسيّا يدعو إلى دين المجوس، والفتية كانوا على دين المسيح لما برح أهل الإنجيل.
و قيل : كان من خواصّ الملك، وكان يسرّ كلّ واحد منهم إيمانه عن صاحبه، ثمّ اتّفق أنّهم اجتمعوا وأظهروا أمرهم فآووا إلى الكهف.
و قيل : إنّهم كانوا قبل بعث عيسى.
فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً: توجب لنا المغفرة والرّزق والأمن من العدوّ.
وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا: من الأمر الّذي نحن عليه من مفارقة الكفّار.رَشَداً : نصير بسببه راشدين مهتدين. أو اجعل لنا من أمرنا كلّه رشداً ، كقولك: رأيت منك أسدا.
و أصل التّهيئة إحداث هيئة الشّيء.
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ، أي: ضربنا عليهم حجابا يمنع السّماع، أي: أنمناهم إنامة لا تنبّههم الأصوات. فحذف المفعول، كما حذف في قوله: بنى على امرأته .
فِي الْكَهْفِ سِنِينَ: ظرفان «لضربنا».
و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصل بقوله: أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً. ثمّ قصّ قصّتهم فقال: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً.
فقال الصّادق- عليه السّلام-: إن أصحاب الكهف والرّقيم كانوا في زمن ملك جبّار عات، وكان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الأصنام فمن لم يجبه قتله، وكان هؤلاء قوما مؤمنين يعبدون اللّه- عزّ وجلّ-. ووكّل الملك بباب المدينة وكلاء لم يدع أحدا يخرج حتّى يسجد للأصنام، فخرج هؤلاء بحيلة الصّيد ، وكان قد مرّوا براع في طريقهم فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم، وكان من الرّاعي كلب فأجابهم الكلب وخرج معهم.
فقال الصّادق- عليه السّلام-: لا يدخل الجنّة من البهائم إلّا ثلاثة: حمار بلعم بن باعورا، وذئب يوسف، وكلب أصحاب الكهف. فخرج أصحاب الكهف من المدينة بعلّة الصّيد هربا من دين ذلك الملك، فلمّا أمسوا دخلوا إلى ذلك الكهف والكلب معهم، فألقى اللّه- عزّ وجلّ- عليهم النّعاس، كما قال اللّه- تعالى-: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً.
عَدَداً ، أي: ذوات عدد. ووصف السّنين به يحتمل التّكثير والتّقليل،فإنّ مدّة لبثهم كبعض يوم عنده .
ثُمَّ بَعَثْناهُمْ: أيقظناهم.
و في روضة الواعظين للمفيد- رحمه اللّه-: قال الصّادق- عليه السّلام-: يخرج مع القائم- عليه السّلام- من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلا، خمسة عشر من قوم موسى- عليه السّلام- الّذين كانوا يهدون بالحقّ وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان ، وأبا دجانة الأنصاريّ، والمقداد، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصارا وحكّاما.
لِنَعْلَمَ، أي: ليظهر معلومنا على ما علمناه، والمعنى: لننظر أيّ الحزبين من المؤمنين والكافرين من قوم أصحاب الكهف عدّ أمد لبثهم وعلم ذلك.
و قيل : يعني بالحزبين: أصحاب الكهف، لما استيقظوا اختلفوا في تعداد لبثهم.
أَيُّ الْحِزْبَيْنِ: المختلفين منهم أو من غيرهم في مدّة لبثهم.
أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً : ضبط أمدا لزمان لبثهم.
و ما في «أيّ» من معنى الاستفهام علّق عنه «لنعلم»، فهو مبتدأ و«أحصى» [خبره، وهو] فعل ماض و«أمدا» مفعوله. و«لما لبثوا» قيل : حال منه ، أو مفعول له.
و قيل : إنّه المفعول، و«الّلام» مزيدة، و«ما» موصولة، و«أمدا» تمييز.
و قيل : «أحصى» اسم تفضيل من الإحصاء بحذف الزّوائد، كقولهم: هوأحصى للمال وأفلس من ابن المذلق. و«أمدا» نصب بفعل دلّ عليه «أحصى» .
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وقد رجع إلى الدّنيا ممّن مات خلق كثير، منهم أصحاب الكهف، أماتهم اللّه ثلاثمائة عام [و تسعة] ، ثمّ بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث ليقطع حجّتهم وليريهم قدرته، و ليعلموا أنّ البعث حقّ.
و في كتاب طبّ الأئمّة - عليهم السّلام-: عوذة للصّبيّ إذا كثر بكاؤه، ولمن يفزع باللّيل ، وللمرأة إذا سهرت من وجع فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً، ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً. حدّثنا أبو المقر الواسطي قال:
حدّثنا محمّد بن سليمان، عن مروان بن الجهم، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- مأثورة عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال ذلك.
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ: بالصّدق.
إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ: شبّان، جمع، فتيّ، كصبيّ وصبية.
وَ زِدْناهُمْ هُدىً : بالتّثبيت.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا، وفيه بعد أن قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها وفرّقه فيها .
قلت: قد فهمت نقصان الإيمان وتمامه، فمن أين جاءت زيادته؟فقال: قول اللّه - عزّ وجلّ-: وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ، وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ. وقال: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً. ولو كان كلّه واحد لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لأحد منهم فضل على الآخر، ولاستوت النّعم، ولاستوى النّاس وبطل التّفضيل، ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنّة، وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدّرجات عند اللّه، وبالنّقصان دخل المفرّطون النّار.
وَ رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ: وقوّيناها بالصّبر على هجر الموطن والأهل والمال، ومخالفة دقيانوس الجبّار الّذي فتن أهل الإيمان عن دينهم.
إِذْ قامُوا: بين يديه.
فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً ، أي: إن دعونا مع اللّه إلها، واللّه، لقد قلنا قولا ذا شطط، أي: ذا بعد عن الحقّ مفرطا في الظّلم.
و «الشطط» الخروج عن الحدّ بالغلوّ، وأصله: مجاوزة الحدّ في البعد.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول- عزّ وجلّ-: لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً، يعني: جورا على اللّه- تعالى- إن قلنا أنّ له شريكا.
هؤُلاءِ: مبتدأ. قَوْمُنَا: عطف بيان. اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً: خبره.
و هو إخبار في معنى إنكار.
لَوْ لا يَأْتُونَ: هلّا يأتون.
عَلَيْهِمْ: على عبادتهم.
بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ: ببرهان ظاهر، فإنّ الدّين لا يؤخذ إلّا به.
و فيه دليل على أنّ ما لا دليل عليه من الدّيانات مردود، وأن التّقليد فيه غير جائز .فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً : بنسبة الشّريك [إليه] .
وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ: خطاب بعضهم لبعض.
وَ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ: عطف على الضّمير المنصوب، أي: وإذا اعتزلتم القوم ومعبوديهم إلّا اللّه، فإنّهم كانوا يعبدون اللّه ويعبدون الأصنام، كسائر المشركين.
و يجوز أن تكون «ما» مصدرية، على تقدير: وإذا اعتزلتموهم وعبادتهم إلّا عبادة اللّه.
قال ابن عباس : وهذا من قول تلميخا، وهو رئيس أصحاب الكهف.
و قيل : يجوز أن تكون «ما» نافية، على أنّه إخبار من اللّه- تعالى- عن الفتية بالتّوحيد معترض بين «إذ» وجوابه لتحقيق اعتزالهم.
فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ: يبسط الرّزق لكم، ويوسع عليكم.
مِنْ رَحْمَتِهِ: في الدّارين.
وَ يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً : ما ترتفقون به، أي: تنتفعون.
و جزمهم بذلك لنصوع [يقينهم وقوّة وثوقهم بفضل اللّه.
و قرأ نافع وابن عامر: «مرفقا»: بفتح الميم وكسر] الفاء، وهو مصدر جاء شاذّا، كالمرجع والمحيض، فإنّ قياسه الفتح.
وَ تَرَى الشَّمْسَ: لو رأيتهم، والخطاب لرسول اللّه أو لكلّ أحد.
إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ: تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم فيؤذيهم، لأنّ الكهف كان جنوبيّا ، أو لأنّ اللّه زوّرها عنهم.
و أصله: تتزاور، فأدغمت التّاء في الزّاء.و قرأ الكوفيون بحذفها. وابن عامر ويعقوب تزور، كتحمر.
و قرئ : «تزوار»، كتحمار. وكلّها من الزّور بمعنى: الميل.
ذاتَ الْيَمِينِ: جهة اليمين، وحقيقتها الجهة ذات اسم اليمين.
وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ: تقطعهم وتصرم عنهم.
ذاتَ الشِّمالِ، يعني: يمين الكهف وشماله، لقوله: وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ، أي: وهم في متّسع من الكهف، يعني: في وسطه، بحيث ينالهم روح الهواء ولا يؤذيهم كرب الغار ولا حرّ الشّمس.
قيل : وذلك لأنّ باب الكهف في مقابلة بنات النّعش ، وأقرب المشارق والمغارب إلى محاذاته مشرق رأس السّرطان ومغربه، والشّمس إذا كان مدارها مداره تطلع مائلة [عنه، مقابلة] لجانبه الأيمن وهو الّذي يلي المغرب وتغرب محاذية لجانبه الأيسر، فيقع شعاعها على جانبيه ويحلّل عفونته ويعدل هواءه، ولا يقع عليهم فيؤذي أجسادهم ويبلي ثيابهم.
ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ، أي: شأنهم وإيواؤهم إلى الكهف شأنه كذلك. أو إخبارك قصّتهم. أو ازورار الشّمس عنهم وقرضها طالعة وغاربة من آياته.
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ: بالتّوفيق.
فَهُوَ الْمُهْتَدِ: الّذي أصاب الفلاح، والمراد به: إمّا الثّناء عليهم، أو التّنبيه على أن أمثال هذه الآيات كثيرة ولكن المنتفع بها من وفّقه اللّه- تعالى- للتّأمّل فيها والاستبصار بها.
وَ مَنْ يُضْلِلْ: ومن يخذله.
فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً : من يليه ويرشده.
و في كتاب التّوحيد : حدّثنا عليّ بن عبد اللّه الورّاق ومحمّد بن أحمد السنائي وعليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقّاق- رضي اللّه عنه- قالوا: حدّثنا أبو العبّاس، أحمد بن يحيى بن زكريّا القطّان قال: حدّثنا بكر بن عبد اللّه بن حبيب قال: حدّثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن جعفر بن سليمان البصريّ ، عن عبد اللّه بن الفضل الهاشميّ قال: سألت أبا عبد اللّه، جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً.
فقال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- يضلّ الظّالمين يوم القيامة عن دار كرامته، ويهدي أهل الإيمان والعمل الصّالح إلى جنّته، كما قال اللّه - عزّ وجلّ-: وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ. وقال اللّه - عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً: لانفتاح عيونهم. أو لكثرة تقلّبهم.
وَ هُمْ رُقُودٌ: نيام.
وَ نُقَلِّبُهُمْ: في رقدتهم.
ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ: كيلا تأكل الأرض ما يليها من أبدانهم على طول الزّمان.
«و قرئ : «يقلّبهم» بالياء، والضّمير للّه- تعالى-. و«تقلّبهم» على المصدر، منصوبا بفعل يدلّ عليه «و تحسبهم»، أي: وترى تقلّبهم.
و قيل : كانوا يقلبون كلّ عام مرّتين.
و قيل : كان تقلّبهم كلّ عام مرّة.
وَ كَلْبُهُمْ.قيل : هو كلب مرّوا به فتبعهم، فطردوه مرارا فأنطقه اللّه- تعالى- فقال لهم: ما تريدون منّي؟ فلا تخشون خيانتي، أنا أحبّ أحباء اللّه، فناموا وأنا أحرسكم.
و قيل : إنّهم هربوا من ملكهم ليلا فمرّوا براع معه كلب فتبعهم [على دينهم] وتبعه كلبه .
و يؤيّده قراءة من قرأ : «و كالبهم»، أي: [و صاحب] كلبهم.
و قد مرّ في رواية عليّ بن إبراهيم : أنّ الرّاعي لم يتبعهم وتبعهم كلبه.
و قيل : كان ذلك كلب صيدهم.
و قيل : كان ذلك الكلب أصفر.
و قيل : كان أنمر واسم قطمير.
و في مجمع البيان : وفي تفسير الحسن: أنّ ذلك الكلب مكث هناك ثلاثمائة سنة وتسع سنين بغير طعام ولا شراب ولا نوم ولا قيام.
باسِطٌ ذِراعَيْهِ: حكاية حال ماضية، ولذلك أعمل اسم الفاعل.
بِالْوَصِيدِ.
قيل : بفناء الكهف.
و قيل : الوصيد الباب.
و قيل : العتبة.
و قيل : بباب الفجوة. أو فناء الفجوة لا بباب الكهف، لأنّ الكفّار خرجوا إلى باب الكهف في طلبهم ثمّ انصرفوا، ولو رأوا الكلب على باب الغار لدخلوه، وكذلك لو كان بالقرب من الباب لما انصرفوا آيسين عنهم، فإنّهم سدّوا باب الغار بالحجارة فجاءرجل بماشيته إلى باب الغار وأخرج الحجارة واتّخذ لماشيته كنّا من عند باب الغار، وهم كانوا في فجوة من الغار.
لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ: فنظرت إليهم.
و قرئ : «لو اطّلعت» بضمّ الواو.
لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً: لهربت منهم.
و «فرارا» يحتمل المصدر، لأنّه نوع من التّولية والعلّة [و الحال] .
وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً : خوفا يملأ صدرك بما ألبسهم اللّه من الهيبة، أو لعظم أجرامهم وانفتاح عيونهم، أو لطول أظفارهم وشعورهم.
و قيل : لوحشة مكانهم.
روى سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال: غزوت مع معاوية نحو الرّوم، فمرّوا بالكهف [الّذي فيه أصحاب الكهف] .
فقال معاوية: لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم.
فقلت له: ليس لك ذلك، وقد منع اللّه- تعالى- من هو خير منك، فقال: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً.
فلم يسمع، وبعث ناسا، فلمّا دخلوا جاءت ريح فأحرقتهم .
قيل : ولا يمتنع أنّ الكفّار لما أتوا إلى باب الكهف فزعوا من وحشة المكان، فسدّوا باب الكهف ليهلكوا فيه، وجعل- سبحانه- ذلك لطفا بهم لئلّا ينالهم مكروه من سبع وغيره، وليكونوا محروسين من كلّ سوء.
و قرأ الحجازيان: «لملئت» بالتّشديد للمبالغة، وابن عامر والكسائي ويعقوب: «رعبا» بالتّثقيل.
وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ: وكما أنمناهم آية بعثناهم آية على كمال قدرتنا.
لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ: ليتساءل بعضهم بعضا فيتعرّفوا حالهم وما صنع اللّه بهم، فيزدادوا يقينا على كمال قدرة اللّه- تعالى-، ويستبصروا به أمر البعث، ويشكروا ما أنعم اللّه به عليهم.
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ: بناء على غالب ظنّهم، لأنّ النّائم لا يحصي مدّة نومه، ولذلك أحالوا العلم إلى اللّه- تعالى- قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ.
و يجوز أن يكون ذلك قول بعضهم، وهذا إنكار الآخرين عليهم.
و قيل : إنّهم دخلوا الكهف غدوة وانتبهوا ظهيرة وظنّوا أنّهم في يومهم [أو اليوم] الّذي بعده قالوا ذلك، فلمّا نظروا إلى طول أظفارهم وأشعارهم قالوا هذا، ثمّ لمّا علموا أنّ الأمر ملتبس لا طريق لهم إلى علمه أخذوا فيما يهمّهم وقالوا: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ.
و «الورق» الفضّة مضروبة كانت أو غيرها. وكان معهم دراهم على صورة الملك الّذي كان في زمانهم.
و قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر وروح، عن يعقوب، بالتّخفيف .
و قرئ ، بالتّثقيل وإدغام القاف في الكاف، وبالتّخفيف مكسور الواو مدغما وغير مدغم.
فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً، أي: أطهر وأحلّ ذبيحة، لأنّ عامّتهم كانوا مجوسا وفيهم مؤمنون يخفون إيمانهم.
و قيل : أطيب طعاما. [و قيل:] أكثر طعاما، لأنّ خير الطّعام إنّما يوجد عند من كثر طعامه.و قيل : كان من [طعام] أهل المدينة ما لا يستحلّه أهل الكهف.
و في محاسن البرقيّ : عنه، عن إبراهيم بن عقبة، عن محمّد بن ميسر، عن أبيه، عن أبي جعفر أو عن أبي عبد اللّه- عليهما السّلام- في قول اللّه: فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ قال: أزكى طعاما التّمر.
فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ: وليتكلّف اللّطف في المعاملة حتّى لا يغبن، أو في التّخفّي حتّى لا يعرّف.
وَ لا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً : ولا يفعلنّ ما يؤدّي إلى الشّعور.
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ: إن يطّلعوا عليكم، أو يظفروا بكم. والضّمير للأهل المقدّر في «أيّها».
يَرْجُمُوكُمْ: يقتلوكم بالرّجم.
أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ: أو يصيّروكم إليها كرها، من العود، بمعنى:
الصّيرورة.
و قيل : كانوا أوّلا على دينهم فآمنوا.
وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً : إن دخلتم في ملّتهم.