وَ آتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ ، يعني: آيات الكتاب المنزل على نبيّهم. أو معجزاته، كالنّاقة وسقيها وشربها ودرّها. أو ما نصب لهم من الأدلّة.
وَ كانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ : من الانهدام، ونقب اللّصوص، وتخريب الأعداء لوثاقتها. أو من العذاب لفرط غفلتهم، أو حسبانهم أنّ الجبال تحميمهم منه.
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ : من بناء البيوت الوثيقة، واستكثار الأموال والعدد.
وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ: متلبّسا بالحقّ، لا يلائم استمرار الفساد ودوام الشّرور. فلذلك اقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء، وإزاحة فسادهم من الأرض.
وَ إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ: فينتقم اللّه فيها ممّن كذّبك.
فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ : ولا تعجل بالانتقام منهم، وعاملهم معاملة الصفوح الحليم .
و قيل : هو منسوخ بآية السّيف.
و في عيون الأخبار : عن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه قال- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ قال: العفو من غير عتاب.و في أمالي الصّدوق- رحمه اللّه- بإسناده: عن الصّادق، جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: قال عليّ بن الحسين زين العابدين- عليه السّلام- مثله.
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ: الّذي خلقك وخلقهم، وبيده أمرك وأمرهم.
الْعَلِيمُ : بحالك وحالهم، فهو حقيق بأن تكل ذلك إليه ليحكم بينكم. أو هو الّذي خلقكم وعلم الأصلح لكم، وقد علم أنّ الصّفح اليوم أصلح.
و «الخلّاق» يختصّ بالكثير.
وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً: سبع آيات، وهي الفاتحة.
و قيل : سبع سور، وهي الطّوال، وسابعتها الأنفال والتّوبة فإنّهما في حكم سورة واحدة، ولذلك لم يفصل بينهما بالتّسمية.
و قيل : التّوبة.
و قيل : يونس. أو الحواميم السّبع.
و قيل : سبع صحائف، وهي الأسباع.
مِنَ الْمَثانِي: بيان للسّبع.
و «المثاني» من التّثنية، أو الثّناء، فإنّ كلّ ذلك مثنى تكرّر قراءته أو ألفاظه أو قصصه ومواعظه. أو مثنى عليه بالبلاغة والإعجاز. أو مثن على اللّه- تعالى- بما هو أهله من صفاته العظمى وأسمائه الحسنى.
و يجوز أن يراد بالمثاني: القرآن، أو كتب اللّه كلّها فيكون من للتّبعيض.
وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ : إن أريد بالسّبع الآيات أو السّور، فمن عطف الكلّ على البعض أو العامّ على الخاصّ. وإن أريد الأسباع، فمن عطف أحد الوصفين على الآخر.
و في تهذيب الأحكام : محمّد بن عليّ بن محبوب، عن العبّاس، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن السّبع المثاني والقرآن العظيم، هي الفاتحة؟
قال: نعم.
قلت: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ آية من السّبع المثاني؟
قال: نعم، هي أفضلهنّ.
و في تفسير العيّاشيّ : ابن عبد الرّحمن، عمن رفعه قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ.
قال: هي سورة الحمد، وهي سبع آيات منها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. وإنّما سمّيت المثاني، لأنّها تثنّى في الرّكعتين.
عن أبي بكر الحضرميّ ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال: إذا كان لك حاجة، فاقرأ المثاني وسورة [أخرى] وصلّ ركعتين وادع اللّه.
قلت: أصلحك اللّه، وما المثاني؟
قال: فاتحة الكتاب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
عن سورة بن كليب ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: نحن المثاني الّتي أعطى نبيّنا.
عن يونس بن عبد الرّحمن ، عمّن [ذكره] رفعه قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ.
قال: إنّ ظاهرها الحمد، وباطنها ولد الولد، والسّابع منها القائم- عليه السّلام-.
قال حسّان : سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ.
قال: [ (ليس)] هكذا تنزيلها، إنّما هي: ولقد آتيناك سبعا من المثاني [نحن هم] والقرآن العظيم ولد الولد.
عن القسم بن عروة ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه:]
وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ.
قال: سبعة أئمّة والقائم.
عن السّديّ ، عمّن سمع عليّا- عليه السّلام- يقول: سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي فاتحة الكتاب.
عن سماعة [قال:] قال أبو الحسن- عليه السّلام-: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. قال: لم يعط الأنبياء إلّا محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. وهم السّبعة الأئمّة الّذين يدور عليهم الفلك. وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.
عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته عن قوله: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ.
قال: فاتحة الكتاب يثنّى فيها القول.
في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: روي عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- قال: قال عليّ- عليه السّلام- لبعض أحبار اليهود في أثناء كلام طويل، يذكر فيه مناقب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: وزاد اللّه- عزّ ذكره- محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- السّبع الطّوال وفاتحة الكتاب، وهي السّبع المثاني والقرآن العظيم.
و في عيون الأخبار : عن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل. وفي آخره: وقيل لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: أخبرنا عن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هي من فاتحة الكتاب؟
فقال: نعم، كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقرأها ويعدّها آية منها، ويقول: فاتحة الكتاب، وهي السّبع المثاني.
و بإسناده إلى الحسن بن عليّ: عن أبيه، عن عليّ بن محمّد، عن أبيه، عن محمّد بن عليّ، عن أبيه الرّضا، عن آبائه، عن عليّ- عليهم السّلام- أنّه قال: إنّبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ آية من فاتحة الكتاب، وهي سبع آيات تمامها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: إنّ اللّه- تعالى- قال لي: يا محمّد وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. فأفرد الامتنان عليّ بفاتحة الكتاب، وجعلها بإزاء القرآن العظيم.
و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى أبي سلام: عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: نحن المثاني الّتي أعطاها اللّه نبيّنا- صلّى اللّه عليه وآله-. ونحن وجه اللّه نتقلّب في الأرض بين أظهركم، عرفنا من عرفنا، ومن جهلنا فأمامه اليقين .
قال الصّدوق- رحمه اللّه-: قوله: «نحن المثاني»، أي: نحن الّذين قرننا النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- بالقرآن وأوصى بالتّمسّك بالقرآن وبنا، فأخبر أمّته أنّا لا نفترق حتّى نرد حوضه.
قيل : لعلّهم- عليهم السّلام- عدوّا سبعا باعتبار أسمائهم، فإنّها سبعة. وعلى هذا فيجوز أن يجعل المثاني من الثّناء، وأن يجعل من التّثنية باعتبار تثنيتهم مع القرآن، وأن يجعل كناية عن عددهم الأربعة عشر، بأن يجعل نفسه واحدا منهم بالتّغاير الاعتباريّ بين المعطي والمعطى له.
و في مجمع البيان : السبع المثاني هي فاتحة الكتاب. وهو قول عليّ- عليه السّلام-. وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام-.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السّنديّ، عن جعفر بن بشير، عن سعد الإسكاف قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أعطيت السّور الطّوال مكان التّوراة، وأعطيت المئين مكان الإنجيل، وأعطيت المثاني مكان الزّبور.
أبو عليّ الأشعريّ ، عن الحسن بن عليّ بن [عبد اللّه، وحميد بن زياد عن
الخشاب جميعا عن الحسن بن علي بن] يوسف، عن معاذ بن ثابت، عن عمرو بن جميع، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ومن أوتي القرآن، فظنّ أنّ أحدا من النّاس أوتي أفضل ممّا أوتي، فقد عظّم ما حقّر اللّه وحقّر ما عظّم اللّه.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ جميعا، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود، عن سفيان بن عيينة، عن الزّهريّ، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من أعطاه اللّه القرآن، فرأى أنّ رجلا اعطي أفضل ممّا اعطي، فقد صغّر عظيما وعظّم صغيرا.
و الحديثان طويلان أخذت منهما موضع الحاجة.
لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ: لا تطمح ببصرك طموح راغب.
إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ: أصنافا من الكفّار. فإنّه مستحقر بالإضافة إلى ما أوتيته، فإنّه كمال مطلوب بالذّات مفض إلى دوام اللّذّات.
وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ: إنّهم لم يؤمنوا.
و قيل : إنّهم المتمتّعون به.
وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ : وتواضع لهم وارفق بهم.
في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا نزلت هذه الآية لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من لم يتعزّ بعزاء اللّه، تقطّعت نفسه على الدّنيا حسرات. ومن رمى ببصره إلى ما في أيدي غيره، كثر همّه ولم يشف غيظه.
و من لم يعلم أنّ للّه عليه نعمة إلّا في مطعم أو ملبس، فقد قصر علمه ودنا عذابه. ومن أصبح على الدّنيا حزينا، أصبح على اللّه ساخطا. ومن شكا مصيبة نزلت به، فإنّما يشكو ربّه. ومن دخل النّار من هذه الأمّة ممّن قرأ القرآن، فهو ممّن يتّخذ آيات اللّههزوا. ومن أتى ذا ميسرة فتخشّع له طلب ما في يديه ، ذهب ثلثا دينه.
و في مجمع البيان : وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لا ينظر إلى ما يستحسن من الدّنيا.
وَ قُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ : أنذركم ببيان وبرهان أنّ عذاب اللّه نازل بكم إن لم تؤمنوا.
كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ ، مثل العذاب الّذي أنزلنا عليهم. وهو وصف لمفعول «النّذير» أقيم مقامه.
و «المقتسمون» هم الاثنا عشر الّذين اقتسموا مداخل مكّة أيّام الموسم، لينفّروا النّاس عن الإيمان بالرّسول، فأهلكهم اللّه- تعالى- يوم بدر. أو الرّهط الّذين اقتسموا، أي: تقاسموا على أن يبيّتوا صالحا- عليه السّلام-.
و قيل : هو صفة مصدر محذوف لقوله وَلَقَدْ آتَيْناكَ. فإنّه بمعنى: أنزلنا إليك.
و المقتسمون هم [اهل الكتاب] الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ حيث قالوا عنادا: بعضه حقّ موافق للتّوراة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما. أو قسّموه إلى شعر وسحر وكهانة وأساطير الأوّلين. أو أهل الكتاب آمنوا ببعض كتبهم وكفروا ببعض، على أنّ القرآن ما يقرءونه من كتبهم، فيكون ذلك تسلية لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
و قوله: «لا تمدّنّ» (إلى آخره) اعتراضا ممدّا لها.
الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ : أجزاء. جمع، عضة. وأصلها: عضوة.
من عضّى الشّاة: إذا جعلها أعضاء.
و قيل : هي فعلة، من عضهته: إذا بهتّه.
و في الحديث النّبويّ- صلّى اللّه عليه وآله-: لعن رسول اللّه العاضهة والمستعضهة .و قيل : أسحارا.
و عن عكرمة : «العضة» السّحر.
و إنّما جمع على السّلامة، جبرا لما حذف منه. والموصول بصلته صفة للمقتسمين.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال عليّ بن إبراهيم في قوله: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ. قال: قسّموا القرآن، ولم يؤلّفوه على ما أنزله اللّه.
و في تفسير العيّاشيّ : عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: قال في الّذين أبرزوا القرآن عضين، قال: هم قريش.
فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ : من التّقسيم.
أو النّسبة إلى السّحر، فنجازيهم عليهم.
و قيل : عامّ في كلّ ما فعلوا من الكفر والمعاصي.
فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ: فاجهر به. من صدع بالحجّة: إذا تكلّم بها جهارا. أو فافرق به بين الحقّ والباطل. وأصله الإبانة والتّمييز.
و «ما» مصدريّة، أو موصولة. والرّاجع محذوف، أي: بما تؤمر به من الشّرائع.
وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ : فلا تلتفت إلى ما يقولون.
و في تفسير العيّاشيّ : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها .
قال: نسختها فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ.
إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ : بقمعهم وإهلاكهم.
الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ : عاقبة أمرهم في الدّارين.
و في أصول الكافي : محمّد بن أبي عبد اللّه ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد
و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن الحسن بن عبّاس بن الحريش، عن أبي جعفر الثّاني- عليه السّلام- قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: سأل رجل أبي- عليه السّلام-.
فقال: يا ابن رسول اللّه، سآتيك بمسألة صعبة. أخبرني عن هذا العلم، ما له لا يظهر، كما كان يظهر مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-؟
قال: فضحك أبي- عليه السّلام- وقال: أبى اللّه أن يطلع على علمه إلّا ممتحنا للإيمان به، كما قضى على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن يصبر على أذى قومه ولا يجاهدهم إلّا بأمره. فكم من اكتتام قد اكتتم به حتّى قيل له: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. وأيم اللّه، إنّه لو صدع قبل ذلك، لكان آمنا. ولكنّه إنّما نظر في الطّاعة وخاف الخلاف، فلذلك كفّ. فوددت أنّ عينك تكون مع مهديّ هذه الأمّة، والملائكة بسيوف آل داود بين السّماء والأرض تعذّب أرواح الكفرة من الأموات، وتلحق بهم أرواح أشباههم من الأحياء.
ثمّ أخرج سيفا. ثمّ قال: ها إنّ هذا منها.
قال: فقال أبي: والّذي اصطفى محمّدا على البشر.
قال: فردّ الرّجل اعتجاره ، وقال: أنا إلياس، ما سألتك عن أمرك وبي منه جهالة، غير أنّي أحببت أن يكون هذا الحديث قوّة لأصحابك.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى محمّد بن عليّ الحلبيّ: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: اكتتم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [بمكة] مختفيا خائفا خمس سنين ليس يظهر أمره، وعليّ- عليه السّلام- معه وخديجة. ثمّ أمره اللّه- عزّ وجلّ- أن يصدع بما أمر به، فظهر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فأظهر أمره.
و في خبر آخر : أنّه- عليه السّلام- كان مختفيا بمكّة ثلاث سنين.و بإسناده إلى عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: مكث رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بمكّة بعد ما جاء الوصي عن اللّه- تبارك وتعالى- ثلاث عشرة سنة، منها ثلاث سنين مختفيا خائفا لا يظهر حتّى أمره اللّه- عزّ وجلّ- أن يصدع بما أمره به، فأظهر حينئذ الدّعوة.
و في تفسير العيّاشيّ : عن محمّد بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: اكتتم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بمكّة سنين ليس يظهر، وعليّ معه وخديجة.
ثمّ أمره اللّه أن يصدع بما يؤمر، فظهر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فجعل يعرض نفسه على قبائل العرب، فإذا أتاهم قالوا: كذّاب امض عنّا.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ.
الآية نزلت بمكّة بعد أن نبّئ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بثلاث سنين. وذلك أنّ النّبوّة نزلت على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يوم الاثنين، وأسلم عليّ- عليه السّلام- يوم الثّلاثاء، ثمّ أسلمت خديجة بنت خويلد، زوجة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. ثمّ دخل أبو طالب على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وهو يصلّي وعليّ بجنبه، وكان مع أبي طالب جعفر.
فقال له أبو طالب: صل جناح ابن عمّك.
فوقف جعفر على يسار رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، فبدر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من بينهما. فكان يصلّي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، وعليّ وجعفر وزيد بن حارثة وخديجة [يأتمون به] . فلمّا أتى لذلك ثلاث سنين، أنزل اللّه عليه فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ.
و كان المستهزءون برسول اللّه خمسة: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن المطّلب، والأسود بن عبد يغوث، والحرث بن الطّلاطلة الخزاعيّ.
أمّا الوليد، فكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- دعا عليه لما كان يبلغه من إيذائه واستهزائه. فقال: اللّهم، أعم بصره وأثكله بولده. فعمي بصره وقتل ولده ببدرو كذلك [دعا] على الأسود بن المطّلب، والأسود بن عبد يغوث، والحارث بن طلاطلة الخزاعيّ. فمرّ الوليد بن المغيرة يوما برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ومعه جبرئيل- عليه السّلام-.
فقال جبرئيل: يا محمّد، هذا الوليد بن المغيرة وهو من المستهزئين بك؟
قال: نعم.
و قد كان مرّ برجل من خزاعة على باب المسجد وهو يريّش نبالا له، فوطئ على بعضها، فأصاب أسفل عقبه قطعة من ذلك فدميت. فلمّا مرّ بجبرئيل- عليه السّلام- أشار إلى ذلك الموضع، فرجع الوليد إلى منزله ونام على سريره، وكانت ابنته نائمة أسفل منه، فانفجر الموضع الّذي أشار إليه جبرئيل- عليه السّلام- أسفل عقبه فسال منه الدّم حتّى صار إلى فراش ابنته.
فانتبهت ابنته ، فقالت: يا جارية، انحلّ وكاء القربة .
قال الوليد : ما هذا وكاء القربة، ولكنّه دم أبيك. فاجمعي لي ولدي وولد أخي، فإنّي ميّت.
فجمعتهم.
فقال لعبد اللّه بن أبي ربيعة: إنّ عمارة بن الوليد بأرض الحبشة بدار مضيّعة ، فخذ كتابا من محمّد إلى النّجاشيّ أن يردّه.
ثمّ قال لابنه هاشم، وهو أصغر ولده: يا بنيّ، أوصيك بخمس خصال فاحفظها: أوصيك بقتل أبي درهم الدّوسيّ، وان أعطوكم ثلاث ديات ، فإنّه غلبني على امرأتي وهي بنته، ولو تركها وبعلها كانت تلد لي ابنا مثلك. ودمي في خزاعة، وما تعمّدوا قتلي، وأخاف أن تنسوا بعدي. ودمي في بني خزيمة بن عامر. ودياتي في ثقيف، فخذه. ولأسقف نجران عليّ مائتا دينار، فاقضها.ثمّ فاضت نفسه.
و مرّ ربيعة بن الأسود برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فأشار جبرئيل إلى بصره، فعمى ومات.
و مرّ به الأسود بن عبد يغوث، فأشار جبرئيل إلى بطنه، فلم يزل يستسقي حتّى انشقّ بطنه.
و مرّ العاص بن وائل، فأشار جبرئيل إلى رجليه ، فدخل عود في أخمص قدمه وخرج من ظاهره، ومات.
و مرّ به الحارث بن الطّلاطلة ، فأشار جبرئيل إلى وجهه، فخرج إلى جبال تهامة فأصابته السّمائم واستسقى حتّى انشقّ بطنه. وهو قول اللّه إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ.
فخرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، فقام على الحجر وقال: يا معشر قريش يا معاشر العرب، أدعوكم إلى شهادة: أن لا إله إلّا اللّه، وأنّي رسول اللّه، وآمركم بخلع الأنداد والأصنام. فأجيبوني، تملكوا بها العرب وتدين لكم العجم وتكونوا ملوكا في الجنّة.
فاستهزءوا منه، وقالوا: جنّ محمّد بن عبد اللّه. ولم يجسروا عليه، لموضع أبي طالب.
فاجتمعت قريش إلى أبي طالب، فقالوا: يا أبا طالب، إنّ ابن أخيك قد سفّه أحلامنا وسبّ آلهتنا وأفسد شبابنا وفرّق جماعتنا. فإن كان حمله على ذلك الغرم، جمعنا له مالا فيكون أكثر قريش مالا، ونزوّجه أيّ امرأة شاء من قريش.
فقال له أبو طالب: ما هذا، يا ابن أخي؟
فقال: يا عمّ، هذا دين اللّه الّذي ارتضاه لأنبيائه ورسله، بعثني اللّه رسولا إلى النّاس.
فقال: يا ابن أخي، إنّ قومك قد أتوني يسألوني أن أسألك أن تكفّ عنهم.
فقال: يا عمّ، إنّي لا أستطيع أن أخالف أمر ربّي.
فكفّ عنه أبو طالب.
ثمّ اجتمعوا إلى أبي طالب، فقالوا: أنت سيّد من ساداتنا، فادفع إلينا محمّدا لنقتله وتملّك علينا.
فقال أبو طالب قصيدة طويلة ، يقول فيها:
ولمّا رأيت القوم لا ودّ عندهم وقد قطعوا كلّ العرى والوسائل
كذبتم وبيت اللّه يبزى محمّد ولمّا نطاعن دونه ونناضل
وننصره حتّى نصرّع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل
قال: فمّا اجتمعت قريش على قتل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وكتبوا الصّحيفة القاطعة، جمع أبو طالب بني هاشم وحلف لهم بالبيت والرّكن والمقام والمشاعر في الكعبة، لئن شاكت محمّدا شوكة لآتين عليكم بني هاشم . فأدخله الشّعب، وكان يحرسه باللّيل والنّهار قائما بالسّيف على رأسه أربع سنين.
فلمّا خرجوا من الشّعب، حضرت أبا طالب الوفاة. فدخل عليه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو يجود بنفسه، فقال: يا عمّ، ربّيت صغيرا وكفلت يتيما، فجزاك اللّه عنّي جزاء ، أعطني كلمة أشفع لك بها عند ربّي.
فروي: أنّه لم يخرج من الدّنيا حتّى أعطى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الرّضا.
و قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لو قمت المقام المحمود، لشفعت لأبي وأمّي وعمّي وأخ كان لي مؤاخيا في الجاهليّة.
و حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن سيف بن عميرة وعبد اللّه بن سنان وأبي حمزة الثّماليّ قالوا: سمعنا أبا عبد اللّه- عليه السّلام-، جعفر بن محمّد يقول: لمّا حجّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حجّ الوداع نزل بالأبطح ووضعت له وسادة فجلس عليها، ثمّ رفع يده إلى السّماء وبكى بكاء شديدا، ثمّ قال: يا ربّ، إنّك وعدتني في أبي وأمّيو عمّي أن لا تعذّبهم بالنّار.
قال: فأوحى اللّه إليه: إنّي آليت على نفسي أن لا يدخل جنّتي إلّا من شهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّك عبدي ورسولي. ولكن» ائت الشّعب فنادهم، فإن أجابوك فقد وجبت لهم رحمتي.
فقام النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- إلى الشّعب فناداهم: يا أبتاه ويا أمّاه ويا عمّاه.
فخرجوا ينفضون التّراب عن وجوههم .
و قال لهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ألا ترون إلى هذه الكرامة الّتي أكرمني اللّه بها؟
فقالوا: نشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّك رسول اللّه حقّا حقّا، وأنّ جميع ما أتيت به من عند اللّه فهو الحقّ.
فقال: ارجعوا إلى مضاجعكم.
و دخل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى مكّة، وقدم إليه عليّ- عليه السّلام- من اليمن.
فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ألا أبشّرك يا عليّ؟
فقال له: بأبي أنت وأمّي، لم تزل مبشّرا.
فقال: ألا ترى إلى ما رزقنا اللّه- تبارك وتعالى- في سفرنا هذا؟ وأخبره الخبر.
فقال عليّ: الحمد للّه.
قال: وأشرك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في بدنته أباه وأمّه وعمّه.
و في كتاب الاحتجاج للطبرسيّ- رحمه اللّه-: روي عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليهم السّلام- قال: إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: فإنّ هذا موسى بن عمران قد أرسله اللّه إلى فرعون وأراه الآية الكبرى.قال له عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك، ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أرسل إلى فراعنة شتّى، مثل أبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة، وأبي البحتريّ، والنّضر بن الحرث، وأبيّ بن خلف، ومنبّه ونبيه ابني الحجّاج، وإلى الخمسة المستهزئين: الوليد بن المغيرة المخزوميّ، والعاص بن وائل السّهميّ، والأسود بن عبد يغوث الزّهريّ، والأسود بن عبد المطّلب، والحارث بن الطّلاطلة . فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم، حتّى تبيّن لهم أنّه الحقّ.
قال له اليهوديّ: لقد انتقم اللّه- عزّ وجلّ- لموسى من فرعون.
قال له عليّ- عليه السّلام- لقد كان كذلك [و لقد] انتقم اللّه- جلّ اسمه- لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- من الفراعنة. فأمّا المستهزءون، فقد قال اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ . فقتل اللّه خمستهم كلّ واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد.
فأمّا الوليد بن المغيرة، فمرّ بنبل لرجل من خزاعة قد راشه ووضعه في الطّريق، فأصابه شظيّة منه، فانقطع أكحله حتّى أدماه فمات. وهو يقول: قتلني ربّ محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.
و أمّا العاص بن وائل السّهمّي، فإنّه خرج في حاجة له إلى موضع، فتدهده تحته حجر ، فسقط، فتقطّع قطعة قطعة فمات. وهو يقول: قتلني ربّ محمّد.
و أمّا الأسود بن عبد يغوث، فإنّه خرج يستقبل ابنه زقعة ، فاستظل بشجرة، فأتاه جبرئيل- عليه السّلام- فأخذ رأسه فنطح به الشّجرة. فقال لغلامه: امنع هذا عنّي.
فقال: ما أرى أحدا يصنع بك شيئا إلّا نفسك. فقتله، وهو يقول: قتلني ربّ محمّد.
و أمّا الأسود بن الحارث بن المطّلب ، فإنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- دعا عليه أن يعمي اللّه بصره وأن يثكله ولده. فلمّا كان في ذلك اليوم، خرج حتّى صار إلى موضع أتاه جبرئيل- عليه السّلام- بورقة خضراء، فضرب بها وجهه، فعمي وبقي حتّى أثكله اللّه- عزّ وجلّ- ولده.
و أمّا الحارث بن الطّلاطلة ، فإنّه خرج من بيته في السّموم، فتحوّل حبشيّا، فرجع إلى أهله فقال: أنا الحارث. فغضبوا عليه فقتلوه، وهو يقول: قتلني ربّ محمّد.
و روي : أنّ أسود بن الحارث أكل حوتا مالحا، فأصابه غلبة العطش، فلم يزل يشرب الماء حتّى انشقّ بطنه فمات. وهو يقول: قتلني ربّ محمّد.
كلّ ذلك في ساعة واحدة. وذلك أنّهم كانوا بين يدي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فقالوا له: يا محمّد، ننتظر بك إلى الظّهر، فإن رجعت عن قولك وإلّا قتلناك.
فدخل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- منزله، فأغلق عليه بابه مغتمّا لقولهم.
فأتاه جبرئيل- عليه السّلام- عن اللّه من ساعته، فقال: يا محمّد، السّلام يقرأ عليك السّلام وهو يقول: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ، يعني: اظهر أمرك لأهل مكّة وادعهم إلى الإيمان.
قال: يا جبرئيل، كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني؟
قال له: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ.
قال: يا جبرئيل، كانوا السّاعة بين يدي.
قال: قد كفيتهم .
فأظهر أمره عند ذلك. وأمّا بقيّتهم من الفراعنة فقتلوا يوم بدر بالسّيف، وهزم اللّه الجمع وولّوا الدّبر.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و في كتاب الخصال : عن أبان الأحمر رفعه قال المستهزءون بالنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- خمسة: الوليد بن المغيرة المخزوميّ، والعاص بن وائل السّهميّ، والأسود بن عبد يغوث الزّهريّ، والأسود بن المطّلب، والحارث بن عطيّة الثّقفيّ.
وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ : من الشّرك، والطّعن في القرآن، وما يذكر في وصيّك، والاستهزاء بك.و في أصول الكافي : محمّد بن الحسين وغيره، عن سهل، عن محمّد بن عيسى [و محمد بن يحيى] ومحمّد بن الحسين جميعا، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو، عن عبد الحميد، عن ابن أبي الدّيلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه حاكيا عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: فذكر من فضل وصيّه ذكرا، فوقع النّفاق في قلوبهم. فعلم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ذلك وما يقولون. فقال اللّه- جلّ ذكره-: يا محمّد وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ.
فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ . لكنّهم نصبت حجّة لهم.
و كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يتألّفهم ويستعين ببعضهم على بعض، ولا يزال يخرج لهم شيئا في فضل وصيّه حتّى نزلت هذه الآية ، فاحتجّ عليهم حين أعلم بموته ونعيت إليه نفسه.
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ: فافزع إلى اللّه فيما نابك بالتّسبيح والتّحميد، يكفك ويكشف الغمّ عنك. أو فنزّهه عمّا يقولون، حامدا له على أن هداك للحقّ.
وَ كُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ : من المصلّين.
و في مجمع البيان : أنّه- عليه السّلام- كان إذا أصابه أمر، فزع إلى الصّلاة.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ جميعا، عن القاسم بن محمّد الإصبهانيّ، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا حفص، إنّ من صبر، صبر قليلا. وإنّ من جزع، جزع قليلا.
ثمّ قال: عليك بالصّبر في جميع أمورك. فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- بعث محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- فأمره بالصّبر والرّفق، فصبر- صلّى اللّه عليه وآله- حتّى نالوه بالعظائم ورموه بهافضاق صدره. فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ، أي: الموت، فإنّه متيقّن لحاقه كلّ حيّ مخلوق.
و المعنى: فاعبده ما دمت حيّا، ولا تخلّ بالعبادة لحظة.