فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ :
تنكركم نفسي وتنفر عنكم مخافة أن تطرقوني بشرّ.
قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ ، أي: ما جئناك بما تنكرنا لأجله، بل جئناك بما يسرّك ويشفي لك من عدوّك، وهو العذاب الّذي توعّدتهم به فيمترون فيه.
وَ أَتَيْناكَ بِالْحَقِّ: باليقين من عذابهم.
وَ إِنَّا لَصادِقُونَ : فيما أخبرناك به.
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ: فأذهب بهم في اللّيل.
و قرأ الحجازيّان، بوصل الألف، من «السّرى» وهما بمعنى.
و قرئ : «فسر» من السّير.
بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ: في طائفة من اللّيل.
و قيل : في آخره.
وَ اتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ: وكن على أثرهم تذودهم وتسرع بهم وتطّلع على حالهم.
وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ: لينظر ما وراءه، فيرى من الهول ما لا يطيقه، أو فيصيبه العذاب.
و قيل : نهوا عن الالتفات ليوطّنوا نفوسهم على المهاجرة.
و في تفسير العيّاشي : عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ لوطا لبث في قومه ثلاثين سنة يدعوهم إلى اللّه ويحذّرهم عقابه.
قال: وكانوا قوما لا يتنظفون من الغائط ولا يتطهّرون من الجنابة، [و كان لوط وآله يتنظفون من الغائط ويتطهّرون من الجنابة] وكان لوط ابن خالة إبراهيم وإبراهيم ابن خالة لوط، وكانت امرأة إبراهيم سارة، أخت لوط، وكان إبراهيم ولوط نبيّين مرسلين منذرين، وكان لوط رجلا سخيّا كريما يقري الضّيف إذا نزل به ويحذّره قومه.قال: فلمّا رأى قوم لوط ذلك قالُوا أَ وَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ لا تقري ضيفا ينزل بك، فإنّك إن فعلت فضحنا ضيفك وأخزيناك فيه. وكان لوط وإبراهيم لا يتوقّعان نزول العذاب على قوم لوط، وكانت لإبراهيم ولوط منزلة من اللّه شريفة، وأنّ اللّه- تبارك وتعالى- كلّما كان هم بعذاب قوم لوط أدركته فيهم مودّة إبراهيم وخلّته ومحبّة لوط، فيراقبهم فيه فيؤخّر عذابهم.
قال أبو جعفر: فلمّا اشتدّ أسف اللّه على قوم لوط وقدّر عذابهم وقضاه، أحبّ أن يعوّض إبراهيم بعذاب قوم لوط بغلام عليم فيسلّي به مصابه بهلاك قوم لوط. فبعث اللّه رسلا إلى إبراهيم يبشّرونه بإسماعيل، فدخلوا عليه ليلا ففزع منهم وخاف أن يكونوا سرّاقا.
قال: فلمّا أن رأته الرّسل فزعا وجلا قالوا سلاما قال سلام قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ، قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ.
قال أبو جعفر- عليه السّلام-: والغلام العليم هو إسماعيل من هاجر. فقال إبراهيم للرّسل: أَ بَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ، قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ. فقال إبراهيم للرّسل بعد البشارة: فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ، قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ لننذرهم عذاب ربّ العالمين.
قال أبو جعفر- عليه السّلام-: فقال إبراهيم للرّسل: إِنَّ فِيها لُوطاً (الآية).
قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ، قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ، قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ. يقول:
من عذاب اللّه لننذر قومك العذاب. فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ يا لوط إذا مضى من يومك هذا سبعة أيّام ولياليها بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إلّا امرأتك أنّه مصيبها ما أصابهم.
قال أبو جعفر: فقضوا إلى لوط ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ.
قال أبو جعفر- عليه السّلام-: فلمّا كان يوم الثّامن مع طلوع الفجر، قدّم اللّه رسلا إلى إبراهيم يبشّرونه بإسحاق ويعزونه بهلاك قوم لوط. (الحديث).
وَ امْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ : إلى حيث أمركم اللّه بالمضيّ إليه.
قيل : وهو الشّام، أو مصر. فعدّي «و امضوا» إلى «حيث»، و«تؤمرون» إلى ضميره المحذوف على الاتّساع.
وَ قَضَيْنا إِلَيْهِ، أي: وأوحينا إليه مقضيّا. ولذلك عدّي «بإلى».
ذلِكَ الْأَمْرَ: مبهم يفسّره أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ. ومحلّه النّصب على البدل منه، وفي ذلك تفخيم للأمر وتعظيم له .
و قرئ ، بالكسر، على الاستئناف. والمعنى: أنّهم يستأصلون عن آخرهم حتّى لا يبقى منهم أحد.
مُصْبِحِينَ : داخلين في الصّبح.
و هو حال من «هؤلاء». وهو أحد المواضع الثّلاثة الّتي يجوز فيها الحال من المضاف إليه.
و قيل : أو من الضّمير في «مقطوع». وجمعه للحمل على المعنى، فإنّ دابِرَ هؤُلاءِ في معنى: مدبري هؤلاء.
وَ جاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: مدينة سدوم.
يَسْتَبْشِرُونَ : بأضياف لوط طمعا فيهم.
قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ : بفضيحة ضيفي، فإنّ من اسيء إلى ضيفه فقد اسيء إليه.
وَ اتَّقُوا اللَّهَ: في ركوب الفاحشة.
وَ لا تُخْزُونِ : ولا تذلّوني بسببهم. من الخزي، وهو الهوان.
أو لا تخجلوني فيهم. من الخزاية، وهو الحياء.قالُوا أَ وَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ : عن أن تجير منهم أحدا. أو تمنع بيننا وبينهم، فإنّهم كانوا يتعرّضون لكلّ أحد وكان لوط- عليه السّلام- يمنعهم عنه بقدر وسعة. أو عن ضيافة النّاس وإنزالهم.
قالَ هؤُلاءِ بَناتِي، يعني: نساء القوم، فإنّ نبيّ كلّ أمّة بمنزلة أبيهم. وفيه وجوه ذكرت في الهود .
إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ : قضاء الوطر. أو ما أقول لكم.
لَعَمْرُكَ: قسم بحياة المخاطب، وهو النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.
في تفسير عليّ بن إبراهيم : أي: وحياتك، يا محمّد. قال: فهذه فضيلة لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- على الأنبياء.
و قيل : لوط. قالت الملائكة له ذلك، والتّقدير: لعمرك قسمي. وهو لغة في العمر يختصّ به القسم لإيثار الأخفّ فيه، لأنّه كثير الدّور على ألسنتهم.
إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ: لفي غوايتهم. أو شدّة غلمتهم الّتي أزالت عقولهم وتمييزهم بين خطئهم وصوابهم الّذي يشار به إليهم.
يَعْمَهُونَ : يتحيّرون، فكيف يسمعون نصحك.
و قيل : الضّمير لقريش، والجملة اعتراض.
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ، يعني: صيحة هائلة مهلكة.
و قيل : صيحة جبرئيل- عليه السّلام-.
مُشْرِقِينَ : داخلين في وقت شروق الشّمس.
فَجَعَلْنا عالِيَها: عالي المدينة، أو عالي قراهم.
سافِلَها: وصارت منقلبة بهم.
وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ : من طين متحجّر.
قيل: أو طين عليه كتاب، من السّجّل.
و قد سبق مزيد بيان لهذه القصّة في سورة هود- عليه السّلام-.إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ : للمتفكّرين المتفرّسين، الّذين يتثبّتون في نظرهم حتّى يعرفوا حقيقة الشّيء بسمته.
وَ إِنَّها: وإنّ المدينة، أو القرى.
لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ : ثابت يسلكه النّاس ويرون آثارها. وهو تنبيه لقريش، كقوله: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ
.
و في أصول الكافي : أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ، عن ابن أبي عمير قال: أخبرني أسباط بيّاع الزّطي قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فسأله رجل عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ، وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ.
قال : نحن المتوسّمون، والسّبيل فينا مقيم.
محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب، عن يحيى بن إبراهيم قال: حدّثني أسباط بن سالم قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فدخل عليه رجل من أهل هيت ، فقال له: أصلحك اللّه، ما تقول في قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ؟
قال: نحن المتوسّمون والسّبيل فينا مقيم.
محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-:
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ قال: هم الأئمّة- عليهم السّلام-. قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللّه- عزّ وجلّ- في قول اللّه - عزّ وجلّ-:
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ.
محمّد بن يحيى ، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن عبيس بن هشام، عن عبد اللّه بن سليمان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ
فقال: هم الأئمّة.
وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ قال: لا يخرج منّا أبدا.
محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن أسلم، عن إبراهيم بن أيّوب، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- المتوسّم، وأنا من بعده والأئمّة من ذرّيّتي المتوسّمون.
و في نسخة أخرى: عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن أسلم، عن إبراهيم بن أيّوب، بإسناده، مثله.
أحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن عبيس بن هشام، عن عبد اللّه بن سليمان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن الإمام فوّض اللّه إليه، كما فوّض إلى سليمان بن داود؟
فقال: نعم.
و ذلك أنّ رجلا سأله عن مسألة فأجابه فيها، وسأله آخر عن تلك المسألة فأجابه بغير جواب الأوّل، ثمّ سأله آخر فأجابه بغير جواب الأوّلين، ثمّ قال: هذا عطاؤنا فامنن أو أعط بغير حساب وهكذا هي في قراءة عليّ- عليه السّلام-.
قال: فقلت: أصلحك اللّه، فحين أجابهم بهذا الجواب يعرفهم الإمام؟
قال: سبحان اللّه، أما تسمع اللّه يقول: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وهم الأئمّة وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ لا يخرج منّا أبدا.
ثمّ قال لي: نعم، إنّ الإمام إذا أبصر إلى الرّجل عرفه وعرف لونه، وإن سمع كلامه من خلف حائط عرفه وعرف ما هو، إنّ اللّه يقول: وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ وهم العلماء، فليس يسمع شيئا من الأمر ينطق به إلّا عرفه ناج أو هالك، فلذلك يجيبهم بالّذي يجيبهم.
و في روضة الواعظين للمفيد- رحمه اللّه- بعد أن ذكر الصّادق- عليه السّلام-
و روى عنه حديثا: وقال- عليه السّلام-: إذا قام قائم آل محمّد- عليه السّلام- حكم بين النّاس بحكم داود، لا يحتاج إلى بيّنة، يلهمه اللّه- تعالى- فيحكم بعلمه، ويخبر كلّ قوم ما استنبطوه، ويعرف وليّه من عدوّه بالتّوسّم، قال اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ، وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ.
و في مجمع البيان : وقد صحّ عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللّه.
قال: إنّ للّه عبادا يعرفون النّاس بالتّوسّم، ثمّ قرأ هذه الآية.
و روي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: نحن المتوسّمون، والسّبل فينا مقيم، والسّبيل طريق الجنّة. ذكره عليّ بن إبراهيم في تفسيره .
و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- في وجه دلائل الأئمّة والرّدّ على الغلاة والمفوّضة- لعنهم اللّه-: حدّثنا تميم بن عبد اللّه بن تميم القرشيّ- رضي اللّه عنه- قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا أحمد بن عليّ الأنصاريّ، عن الحسن بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون يوما، وعنده عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة، فسأله بعضهم، فقال له: يا ابن رسول اللّه، بأيّ شيء تصحّ الإمامة لمدّعيها؟
قال: بالنّصّ والدّليل.
قال له: فدلالة الإمام فيما هي؟
قال: في العلم واستجابة الدّعوة.
قال: فما وجه إخباركم ممّا يكون ؟
قال: ذلك بعهد معهود إلينا من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
قال: فما وجه إخباركم ممّا في قلوب النّاس؟
قال له: ما بلغك قول رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللّه؟ [قال: بلى.
قال: وما من مؤمن إلّا وله فراسة ينظر بنور اللّه] على قدر إيمانه ومبلغ استبصاره وعلمه، وقد جمع اللّه للأئمّة منّا ما فرّقه في جميع المؤمنين، وقال- عزّ وجلّ- في كتابه العزيز: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ. فأوّل المتوسّمين رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، ثمّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- من بعده، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، والأئمّة من ولد الحسين- عليه السّلام- إلى يوم القيامة.
قال: فنظر إليه المأمون فقال له: يا أبا الحسن، زدنا ممّا جعل اللّه لكم أهل البيت.
فقال الرّضا- عليه السّلام-: إنّ اللّه- تعالى- قد أيّدنا بروح منه مقدّسة مطهّرة، ليست بملك، لم تكن مع أحد ممّن مضى إلّا مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، وهي مع الأئمّة منّا تسدّدهم وتوفّقهم، وهو عمود من نور بيننا وبين اللّه- تعالى-.
و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى أبان بن تلب قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إذا قام القائم- عليه السّلام- لم يقم بين يديه أحد من خلق الرّحمن إلّا عرفه، صالح هو أو طالح، و[لأنّ] فيه آية للمتوسّمين، وهي السّبيل المقيم.
و في كتاب معاني الأخبار : الهلاليّ أمير المدينة يقول: سألت جعفر بن محمّد- عليه السّلام- فقلت له: يا ابن رسول اللّه، في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها.
قال: إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني، وإن شئت فاسأل.
فقلت له: يا ابن رسول اللّه، وبأيّ شيء تعرف ما في نفسي قبل سؤال عنه؟
قال: بالتّوسّم والتّفرّس ، أما سمعت قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ. قول رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللّه.و في تفسير العيّاشي : عن عبد الرّحمن بن سالم الأشلّ، رفعه قال: هم آل محمّد الأوصياء- عليه السّلام-.
عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: في الإمام آية للمتوسمين، وهو السّبيل المقيم، ينظر بنور اللّه وينطق عن اللّه، لا يعزب عنه شيء ممّا أراد.
عن جابر بن يزيد الجعفيّ قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: بينما أمير المؤمنين- عليه السّلام- جالس في مسجد الكوفة قد احتبى بسيفه وألقى برنسه وراء ظهره إذ أتته امرأة مستعدية على زوجها، فقضى للزّوج على المرأة، فغضبت.
فقالت: لا، واللّه، ما هو كما قضيت. لا، واللّه، ما تقضي [بالسوية]» ولا تعدل في الرّعيّة ولا قضيّتك عند اللّه بالمرضيّة.
قال: فنظر إليها أمير المؤمنين- عليه السّلام- فتأمّلها، ثمّ قال لها: كذبت ، يا جريّة يا بذيّة، أيا سلسع أيا سلفع ، أيا الّتي تحيض من حيث لا تحيض النّساء.
قال فولّت هاربة وهي تولول، وتقول: يا ويلي يا ويلي يا ويلي، ثلاثا.
قال: فلحقها عمرو بن حريث ، فقال لها: يا أمة اللّه أسألك.
فقالت: ما للرّجال والنّساء في الطّرقات؟
فقال: إنّك استقبلت أمير المؤمنين عليّا- عليه السّلام- بكلام سررتني به، ثمّقرّعك أمير المؤمنين- عليه السّلام- بكلمة فولّيت مولولة؟
فقالت: إنّ ابن أبي طالب، واللّه، استقبلني فأخبرني بما هو [فيّ، وبما] كتمته من بعلي منذ ولي عصمتي، لا واللّه ما رأيت طمثا من حيث تراه النّساء.
قال: فرجع عمرو بن حريث إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- [فقال له: يا أمير المؤمنين، ما نعرفك بالكهانة.
فقال: وما ذلك، يا ابن حريث؟
فقال له: يا أمير المؤمنين] إنّ هذه المرأة ذكرت أنّك أخبرتها بما هو فيها، وأنها لم تر طمثا قطّ من حيث تراه النّساء.
فقال له: ويلك، يا ابن حريث، إنّ اللّه- تبارك وتعالى- خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام، وركّب الأرواح في الأبدان، فكتب بين أعينها: كافر ومؤمن، وما هي مبتلاة به إلى يوم القيامة، ثمّ أنزل بذلك قرآنا على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- فقال:
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ فكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- المتوسّم، ثمّ أنا من بعده، ثمّ الأوصياء من ذرّيّتي من بعدي، إنّي لمّا رأيتها تأمّلتها فأخبرتها بما هو فيها، ولم أكذب.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ : باللّه ورسله.
وَ إِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ : هم قوم شعيب- عليه السّلام- كانوا يسكنون الغيضة، فبعثه اللّه- تعالى- إليهم فكذّبوه، فاهلكوا بالظّلّة.
و «الأيكة» الشّجرة المتكاثفة.
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ: بالإهلاك.
وَ إِنَّهُما.
قيل : يعني: سدوم والأيكة.
و قيل : الأيكة ومدين، فإنّه كان مبعوثا إليهما، وكان ذكر أحدهما منبّها على الأخرى.لَبِإِمامٍ مُبِينٍ : لبطريق واضح.
و «الإمام» اسم ما يؤتمّ به. فسمّي به اللّوح، ومطمر البناء، والطّريق، لأنّهما ما يؤتّم به.
وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ ، يعني: ثمود كذّبوا صالحا.
و من كذّب واحدا من الرّسل، فقد كذّب الجميع.
و يجوز أن يراد بالمرسلين: صالح ومن معه من المؤمنين.
و «الحجر» واد بين المدينة والشّام يسكنونه.