قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ: حقّ عليّ أن أراعيه.
مُسْتَقِيمٌ : لا انحراف عنه.
و الإشارة، إلى ما تضمّنه الاستثناء، وهو تخليص المخلصين من إغوائه. أو الإخلاص على معنى: أنّه طريق عليّ يؤدّي إلى الوصول إليّ من غير اعوجاج وضلال.
و قرئ : «عليّ » قيل: علوّ الشرف.
و في اصول الكافي : أحمد عن»
عبد العظيم، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ.
و هو يحتمل الرفع والإضافة.
و في تفسير العيّاشي : عن أبي جميلة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن أبي جعفر، عن أبيه- عليهما السّلام- عن قوله: هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ قال: هو أمير المؤمنين- عليه السّلام-.
و في مجمع البيان : قرأ يعقوب: «هذا صراط عليّ» بالرّفع. وروي ذلك عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ :
تصديق لإبليس فيما استثناه، وتغيير الوضع لتعظيم المخلصين ، ولأنّ المقصود بيان عصمتهم وانقطاع مخالب الشّيطان عنهم.أو تكذيب له فيما أوهم أنّ له سلطانا على من ليس بمخلص من عباده، فإنّ منتهى تزيينه التّحريض والتّدليس، كما قال: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا .
و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى عليّ بن النّعمان: عن بعض أصحابنا، رفعه إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ قال: ليس على هذه العصابة خاصّة سلطان.
قال: قلت: وكيف، جعلت فداك، وفيهم ما فيهم؟
قال: ليس حيث تذهب، إنّما قوله: لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ أن يحبّب إليهم الكفر، ويبغض إليهم الإيمان.
و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال لأبي بصير: يا أبا محمّد، لقد ذكركم اللّه في كتابه، فقال: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ. واللّه، ما أراد بهذا إلّا الأئمّة- عليهم السّلام- وشيعتهم.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و في تفسير العيّاشي : عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت:
أ رأيت قول اللّه: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ما تفسير هذه الآية؟
قال: قال اللّه: إنّك لا تملك أن تدخلهم جنّة ولا نارا.
عن أبي بصير قال: سمعت جعفر بن محمّد- عليه السّلام- وهو يقول: نحن أهل [بيت] الرّحمة وبيت النّعمة وبيت البركة، ونحن في الأرض بنيان وشيعتنا عرى الإسلام، وما كانت دعوة إبراهيم إلّا لنا ولشيعتنا، ولقد استثنى اللّه إلى يوم القيامة على إبليس فقال: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ.عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- : إذا كان يوم القيامة يؤتى بإبليس في سبعين غلّا وسبعين كبلا ، فينظر الأوّل إلى زفر في عشرين ومائة غلّ، فينظر إبليس فيقول: من هذا الّذي أضعف اللّه له العذاب، وأنا أغويت هذا الخلق جميعا؟
فيقال: هذا زفر. فيقال: بما حدّ له هذا العذاب؟
فيقال: ببغيه على عليّ- عليه السّلام-.
فيقول له إبليس: ويل لك وثبور لك، أما علمت أنّ اللّه أمرني بالسّجود لآدم فعصيته، وسألته أن يجعل لي سلطانا على محمّد وأهل بيته وشيعته فلم يجبني إلى ذلك، وقال: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ.
وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ: لموعد الغاوين، أو المتّبعين.
أَجْمَعِينَ : تأكيد للضّمير. أو منصوب حال، والعامل فيها «الموعد» إن جعلته [مصدرا على تقدير مضاف ، أي: مكان وعدهم. ومعنى الإضافة إن جعلته] اسم مكان فإنّه لا يعمل.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- فوقوفهم على الصّراط.
لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ قيل : يدخلون منها لكثرتهم . أو طبقات ينزلونها بحسب مراتبهم في المتابعة:
و هي جهنّم، ثمّ لظى، ثمّ الحطمة، ثمّ السّعير، ثمّ السّقر، ثمّ الجحيم، ثمّ الهاوية.
و لعلّ تخصيص العدد، لانحصار مجامع المهلكات في الرّكون إلى المحسوسات ومتابعة القوّة الشّهويّة والغضبيّة. أو لأنّ أهلها سبع فرق.
لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ: من الأتباع.جُزْءٌ مَقْسُومٌ : افرز له.
و قرأ أبو بكر: «جزء» بالتّثقيل.
و قرئ : «جز» على حذف الهمزة وإلقاء حركتها على الزّاء، ثمّ الوقف عليه بالتّشديد، ثمّ أجرى الوصل مجرى الوقف . و«منهم» حال منه ، أو من المستكنّ في الظّرف لا في «مقسوم» لأنّ الصّفة لا تعمل فيما تقدّم موصوفها .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : بلغني، واللّه أعلم، أنّ اللّه جعلها سبع درجات:
أعلاها الجحيم، اسم جبل من جبال جهنّم، يقوم أهلها على الصّفا منها، تغلي أدمغتهم فيها، كغلي القدور بما فيها.
و الثّانية لَظى، نَزَّاعَةً لِلشَّوى، تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى، وَجَمَعَ فَأَوْعى.
و الثّالثة سَقَرُ، لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ، لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ، عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ.
و الرّابعة الحطمة إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ، كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ تدّق من صار إليها مثل الكحل فلا تموت الرّوح، كلّما صاروا مثل الكحل عادوا.
و الخامسة الهاوية، فيها مالك ، يدعون: يا مالك، أغثنا. فإذا أغاثهم جعل لهم آنية من صفر من نار، فيها صديد ما يسيل من جلودهم، كأنّه مهل، فإذا رفعوه ليشربوا منه تساقط1»
لحم وجوههم من شدّة حرّها، وهو قول اللّه: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً. ومن هوى فيها هوى سبعين عاما في النّار، كلّما احترق جلده بدّل جلدا غيره.و السّادسة هي السّعير، فيها ثلاثمائة سرادق من نار، في كلّ سرادق ثلاثمائة قصر من نار، في كلّ قصر ثلاثمائة بيت من نار، في كلّ بيت ثلاثمائة لون من العذاب [من غير عذاب النّار] فيها حيّات من نار وعقارب من نار وجوامع من نار وسلاسل [من نار] وأغلال من نار، وهو الّذي يقول اللّه: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالًا وَسَعِيراً.
و السّابعة جهنّم، وفيها الفلق، وهو جبّ في جهنّم إذا فتح أسعر النّار سعرا، وهو أشدّ النّار عذابا. [و أمّا صعود فجبل من صفر من نار وسط جهنّم، وأمّا آثاما فهو واد من صفر مذاب يجري حول الجبل، فهو أشد النّار عذابا] .
و في كتاب الخصال ، في سؤال بعض اليهود عليّا- عليه السّلام- عن الواحد إلى المائة: قال له اليهوديّ: فما السّبعة؟
قال: سبعة أبواب النّار متطابقات.
عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- ، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- قال: إنّ للنّار سبعة أبواب باب يدخل منه فرعون وهامان وقارون. وباب يدخل منه المشركون والكفّار، من لم يؤمن باللّه طرفة عين. وباب يدخل منه بنو أميّة، هو لهم خاصّة لا يزاحمهم يه أحد ، وهو باب لظى، وهو باب سقر، وهو باب الهاوية تهوي بهم سبعين خريفا، فكلّما هوى بهم سبعين خريفا فار بهم فورة قذف بهم في أعلاها سبعين خريفا، ثمّ هوي بهم هكذا سبعين خريفا، فلا يزالون هكذا أبدا خالدين مخلّدين. وباب يدخل منه مبغضونا ومحاربونا وخاذلونا، وأنّه لأعظم الأبواب وأشدّها حرّا.
قال محمّد بن الفضيل الرّزقيّ: فقلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: الباب الّذي ذكرت عن أبيك عن جدّك- عليهما السّلام- أنّه يدخل منه بنو أميّة، يدخله من مات منهم على الشّرك أو من أدرك الإسلام منهم؟
فقال: لا أمّ لك، ألم تسمعه يقول: وباب يدخل منه المشركون والكفّار. فهذا باب يدخل منه كلّ مشرك وكلّ كافر لا يؤمن بيوم الحساب، وهذا الباب الآخر يدخل منه بنو أميّة هو لأبي سفيان ومعاوية وآل مروان خاصّة، يدخلون من [ذلك] الباب فتحطّمهم النّار فيه حطما لا يسمع لهم واعية ولا يحيون فيها ولا يموتون.
و في مجمع البيان : لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ فيه قولان: أحدهما، ما
روي عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: أنّ جهنّم لها سبعة أبواب أطباق بعضها فوق بعض- ووضع أحدى يديه على الأخرى- فقال: هكذا. وأنّ اللّه وضع الجنان على العرض، ووضع النيران بعضها فوق بعض: فأسفلها جهنّم، وفوقها لظى، وفوقها الحطمة، وفوقها سقر، وفوقها الجحيم، وفوقها السّعير، وفوقها الهاوية.
و في رواية الكبيّ : أسفلها الهاوية، وأعلاها جهنّم.
و في تفسير العيّاشي : عن أبي بصير قال: يؤتى بجهنّم لها سبعة أبواب: بابها الأوّل للظالم وهو زريق . وبابها الثّاني لحبتر والباب الثّالث للثّالث. والرّابع لمعاوية والخامس لعبد الملك. والسّادس لعسكر بن هوسر والسّابع لأبي سلامة . فهم أبواب لمن اتّبعهم.
و في تهذيب الأحكام : محمّد بن عليّ بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن ابن
أبي نصر قال: سألت أبا الحسين- عليه السّلام- عن رجل أوصى بجزء من ماله.
فقال: واحد من سبعة، إنّ اللّه- تعالى- يقول: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ.
أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن إسماعيل بن همام الكنديّ، عن الرّضا- عليه السّلام- في رجل أوصى بجزء من ماله. قال: الجزء من سبعة، إنّ اللّه- تعالى- يقول:
لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ.
عنه ، عن أبي همام، عن الرّضا- عليه السّلام- مثله.
إِنَّ الْمُتَّقِينَ: من اتّباعه في الكفر والذنوب.
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ : لكلّ واحد جنّة وعين. أو لكلّ عدّة منهما، كقوله: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ. وقوله: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ (الآية).
قرأ نافع وأبو عمرو وحفص وهشام: «و عيون» والعيون بضمّ العين حيث وقع.
و الباقون بكسرها.
ادْخُلُوها: على إرادة القول.
بِسَلامٍ: سالمين. أو مسلّمين عليكم.
آمِنِينَ : من الآفات والزّوال.
و في روضة الكافي : خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وفيها: ألا وإنّ التّقوى مطايا ذلل حمل عليها [أهلها] وأعطوا أزمّتها، فأوردتهم الجنّة، وفتحت لهم أبوابها، ووجدوا ريحها وطيبها، وقيل لهم: ادْخُلُوها بِسَلامٍ.
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، يقول فيه- صلّى اللّه عليه وآله- وقد ذكر عليّا- عليه السّلام- وأولاده- عليهم السّلام-: ألا إنّ أولياءهم الّذين [وصفهم اللّه- عزّ وجلّ- فقال: الذين] يدخلون الجنّة آمنين، وتتلقّاهم الملائكة بالتّسليم أن طبتم فادخلوها خالدين.
و في أصول الكافي»: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان عليّ- عليه السّلام- يقول: لا تغضبوا ولا تغضبوا، أفشوا السّلام وأطيبوا الكلام وصلّوا باللّيل والنّاس نيام تدخلوا الجنّة بسلام. ثمّ تلا عليهم قول اللّه- عزّ وجلّ- السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وَ نَزَعْنا: في الدّنيا بما ألف بين قلوبهم، أو في الجنّة بتطييب نفوسهم.
ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ.
قيل : من حقد كان في الدّنيا. أو من التّحاسد على درجات الجنّة ومراتب القرب.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : من العداوة.
إِخْواناً: حال من الضّمير «في جنّات»، أو فاعل «ادخلوها»، أو الضّمير في «آمنين»، أو الضّمير المضاف إليه والعامل فيها معنى الإضافة، [و هو أحد المواضع الثّلاثة الّتي يجوز فيها وقوع الحال من المضاف إليه] ، [و كذا قوله] عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ .
و يجوز أن يكونا صفتين «لإخوانا». أو حالين من ضميره، لأنّه بمعنى:
متصافين . وأن يكون «متقابلين» حالا من المستقرّ في «على سرر».
في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن
بن شمّون ، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن، عن عبد اللّه بن القاسم، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: أنتم، واللّه، الّذين قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ.
عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال لأبي بصير: يا أبا محمّد، لقد ذكركم اللّه في كتابه فقال: إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ واللّه، ما أراد بهذا غيركم.
و الحديثان طويلان أخذت منهما موضع الحاجة.
و في تفسير العيّاشي : عن محمّد بن مروان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ليس منكم رجل ولا امرأة إلّا وملائكة اللّه يأتونه بالسّلام، وأنتم الّذين قال اللّه:
وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ.
و في شرح الآيات الباهرة : ومن طريق العامّة روى أبو نعيم الحافظ، عن رجاله، عن أبي هريرة قال: قال عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: يا رسول اللّه، أيّما أحبّ إليك أنا أم فاطمة؟
فاطمة أحبّ إليّ [منك] ، وأنت أعزّ عليّ منها، وكأنّي بك وأنت على حوضي تذود عنه النّاس، وأنّ عليه أباريق عدد نجوم الدّنيا ، وأنت والحسن والحسين وحمزة وجعفر في الجنّة إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ وأنت معي وشيعتك. ثمّ قرأ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً.
عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمون ، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن، عن عبد اللّه بن القاسم، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي
عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: [ألا وإنّ] لكلّ شيء جوهرا وجوهر ولد آدم محمّد ونحن وشيعتنا، [بعدنا] يا حبّذا شيعتنا ما أقربهم من عرش اللّه، وأحسن صنع اللّه إليهم يوم القيامة! واللّه، لولا أن يتعاظم النّاس ذلك أو يتداخلهم زهو لسلّمت عليهم الملائكة قبلا. واللّه، ما من عبد من شيعتنا يتلو القرآن في صلاته قائما إلّا وله بكلّ حرف خمسون حسنة، ولا في غير صلاة إلّا وله [بكلّ حرف] عشر حسنات. وإنّ للصّامت من شيعتنا لأجر من قرأ القرآن كلّه ممّن خالفه [أنتم واللّه على فرشكم نيام لكم أجر المجاهدين] وأنتم واللّه في صلاتكم لكم أجر الصّافّين في سبيل اللّه، وأنتم واللّه الّذين قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ. إنّما شيعتنا أصحاب الأربع الأعين: عينان في الرّأس وعينان في القلب. ألا وإنّ الخلائق كلّهم كذلك، ألا وإنّ اللّه- عزّ وجلّ- فتح أبصاركم وأعمى أبصارهم.
لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ: تعب وعناء.
و الجملة استئناف. أو حال بعد حال من الضّمير في «متقابلين».
وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ : فإنّ تمام النّعمة بالخلود.
نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ : فارجوا رحمتي، وخافوا عذابي. وذلك فذلكة ما سبق من الوعد والوعيد، وتقرير له.
قيل : وفي ذكر المغفرة دليل على أنّه لم يرد بالمتّقين من يتّقي الذّنوب بأسرها كبيرها وصغيرها، وفي توصيف ذاته بالغفران والرّحمة دون التّعذيب ترجيح الوعد وتأكيده، وفي عطف: وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ : على نَبِّئْ عِبادِي تحقيق لهما بما يعتبرون به.
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً، أي: نسلّم عليك سلاما. أو سلّمنا سلاما.
قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ : خائفون. وذلك لأنّهم دخلوا بغير إذن وبغيروقت، أو لأنّهم امتنعوا من الأكل.
و «الوجل» اضطراب النّفس لتوقّع ما تكره.
قالُوا لا تَوْجَلْ وقرئ : «لا تأجل». و«لا توجل» من، أوجله. و«تواجل» من، واجله، بمعنى: أوجله.
إِنَّا نُبَشِّرُكَ: استئناف في معنى التّعليل للنّهي عن الوجل، فإنّ المبشّر لا يخاف منه.
و قرأ حمزة: «نبشرك» [بفتح النّون والتّخفيف] من البشر.
بِغُلامٍ.
قيل : هو إسحاق لقوله: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ.
عَلِيمٍ : إذا بلغ.
و في تفسير العيّاشي : عن محمّد بن القاسم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ سارة قالت لإبراهيم- عليه السّلام-: قد كبرت، فلو دعوت اللّه أن يرزقني ولدا فتقرّ أعيننا ، فإنّ اللّه قد اتّخذك خليلا وهو مجيب دعوتك إن شاء اللّه.
فسأل إبراهيم ربّه أن يرزقه غلاما عليما ، فأوحى اللّه إليه: إنّي واهب لك غلاما حليما ، ثمّ أبلوك فيه بالطّاعة لي.
قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: فمكث إبراهيم بعد البشارة ثلاث سنين، ثمّ جاءته البشارة من اللّه بإسماعيل مرّة أخرى بعد ثلاث سنين.
و لا ينافي ذلك الخبر كون إسماعيل من هاجر، لجواز أن يكون سؤال إبراهيم ولدا مطلقا لا من سارة بخصوصها، وأعطاه اللّه إيّاه بسؤاله الولد من هاجر لحكمة له فيه.و لا ينافي ذلك- أيضا- تعجّب سارة حين وقوع البشارة بقولها: أَ أَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ لجواز ظنّها حينئذ كون الولد واستبشارها به، وإن لم يكن ظنّها موافقا للواقع.
قالَ أَ بَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ: تعجّب من أنّ يولد له مع مسّ الكبر إيّاه، وإنكار لأن يبشّر به في مثل هذه الحال، وكذلك قوله: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ، أي:
فبأيّ أعجوبة تبشّروني. أو فبأيّ شيء تبشّروني، فإنّ البشارة ممّا لا يتصوّر وقوعه عادة بغير شيء.
و قرأ ابن كثير، بكسر النّون مشدّدة، في كلّ القرآن، على إدغام نون الجمع في نون الوقاية. ونافع، بكسرها مخفّفة، على حذف نون الجمع استثقالا، لاجتماع المثلين ودلالة بإبقاء نون الوقاية على الياء.
قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ، أي: بما يكون لا محالة. أو باليقين الّذي لا لبس فيه.
أو بطريقة هي حقّ، وهو قول اللّه وأمره.
فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ : من الآيسين من ذلك، فإنّه- تعالى- قادر على أن يخلق بشرا من غير أبوين، فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر. وكان استعجاب إبراهيم- عليه السّلام- باعتبار العادة دون القدرة، ولذلك قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ، أي: المخطئون طريق المعرفة، فلا يعرفون سعة رحمه اللّه- تعالى- وكمال علمه وقدرته، كما قال: لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ.
و قرأ أبو عمرو والكسائيّ «يقنط» بالكسر.
و قرئ ، بالضّمّ، وماضيهما «قنط» بالفتح.
و في تفسير العيّاشي : عن صفّوان الجمال قال: صلّيت خلف أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فأطرق، ثمّ قال: اللّهم ، لا تقنطني من رحمتك.
ثمّ قال: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ.
و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى معاذ بن جبل، حديث طويل: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يقول فيه: قال اللّه: يا ابن آدم، بإحساني إليك قويت علىطاعتي، وبسوء ظنّك بي قنطت من رحمتي.
قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ، أي: فما شأنكم الّذي أرسلتم لأجله سوى البشارة.
و لعلّه علم أنّ كمال المقصود ليس البشارة، لأنّهم كانوا عددا والبشارة لا تحتاج إلى العدد، ولذلك اكتفى بالواحد في بشارة زكرياء ومريم- عليهما السّلام-. أو لأنّهم بشّروه في تضاعيف الحال لإزالة الوجل، ولو كانت تمام المقصود لابتدؤوا بها.
قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ، يعني: قوم لوط.
إِلَّا آلَ لُوطٍ: إن كان استثناء من «قوم» كان منقطعا إذ القوم مقيّد بالإجرام، وإن كان استثناء من الضّمير في «مجرمين» كان متّصلا، والقوم والإرسال شاملين للمجرمين، وآل [لوط المؤمنين به. وكأنّ المعنى: إنّا أرسلنا إلى قوم أجرم كلّهم إلّا أنّ آل] لوط منهم، لنهلك المجرمين وننجّي آل لوط. ويدلّ عليه قوله: إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ ، أي: ممّا نعذّب به القوم. وهو استئناف إذا اتّصل الاستثناء، ومتّصل «بآل لوط» جار مجرى خبر لكن إذا انقطع. وعلى هذا جاز أن يكون قوله: إِلَّا امْرَأَتَهُ: استثناء من «آل لوط» أو من ضميرهم، وعلى الأوّل لا يكون إلّا من ضميرهم لاختلاف الحكمين، اللّهم إلّا أن يجعل إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ اعتراضا.
و قرأ حمزة والكسائي: «لمنجوهم» مخفّفا.
قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ : الباقين مع الكفرة لتهلك معهم.
و قرأ أبو بكر: «قدرنا» هاهنا وفي النّمل بالتّخفيف، وإنّما علّق والتّعليق من خواصّ أفعال القلوب لتضمّنه معنى العلم. ويجوز أن يكون «قدّرنا» اجري مجرى «قلنا»، لأنّ التّقدير بمعنى القضاء، وأصله جعل الشّيء على مقدار غيره. وإسنادهم إيّاه إلىأنفسهم، وهو فعل اللّه- تعالى- لما لهم من القرب والاختصاص به.