سورة الحجر مكّيّة
. وهي تسع وتسعون آية.
بسم الله الرحمن الرحيم
في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام قال: من قرأ سورة إبراهيم والحجر في ركعتين جميعا في كلّ جمعة، لم يصبه فقر أبدا ولا جنون ولا بلوى.
و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من قرأها، أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد المهاجرين والأنصار والمستهزئين بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ .
قيل : إشارة إلى آيات السّورة، و«الكتاب» هو السّورة، وكذا القرآن.
و تنكيره للتّعظيم ، أي: آيات الجامع، لكونه كتابا كاملا وقرآنا يبيّن الرّشد من الغيّ [بيانا غريبا] .
رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ : حين عاينوا حالهم وحالالمسلمين يوم القيامة.
و قرأ نافع وعاصم، بالتّخفيف .
و قرئ : «ربما» بالفتح والتّخفيف.
و فيها ثمان لغات : ضمّ الرّاء وفتحه مع التّشديد والتّخفيف، وبتاء التّأنيث ودونها.
و «ما» كافّة تكفّه عن الجرّ، فيجوز دخوله على الفعل، وحقّه أن يدخل على الماضي ، ولكن لمّا كان المترقّب في إخبار اللّه- تعالى- كالماضي في تحقّقه اجري مجراه.
و قيل : «ما» نكرة موصوفة، كقوله:
ربّما تكره النّفوس من الأمر له فرجة كحلّ العقال
ومعنى التقليل فيه، قيل: الإيذان بأنّهم لو كانوا يودّون الإسلام مرّة، فبالحريّ أن يسارعوا إليه، فكيف وهم يودّونه كلّ ساعة .
و قيل : تدهشهم أهوال القيامة، فإن حانت منهم إفاقة في بعض الأوقات تمنّوا ذلك. والغيبة في حكاية ودادهم ، كالغيبة في قولك، حلف باللّه ليفعلنّ .
في تفسير العيّاشي : عن عبد اللّه بن عطاء المكّيّ قال: سألت أبا جعفر- عليهالسّلام- عن قول اللّه: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ.
قال: ينادي مناد يوم القيامة يسمع الخلائق: إنّه لا يدخل الجنّة إلّا مسلم. ثمّ يودّ سائر الخلق أنّهم كانوا مسلمين.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن رفاعة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من عند اللّه: لا يدخل الجنّة إلّا مسلم. فيومئذ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ.
و في مجمع البيان ، ما في معناه.
و فيه : مرفوعا، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- [قال] : إذا اجتمع أهل النّار في النّار، ومعهم من شاء اللّه من أهل القبلة، قال الكفّار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين؟
قالوا: بلى.
قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم، وقد صرتم معنا في النّار.
قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها. فيسمع اللّه- عزّ اسمه- ما قالوا، فأمر من كان في النّار من أهل الإسلام فاخرجوا منها، فحينئذ يقول الكفّار: يا ليتنا كنّا مسلمين.
ذَرْهُمْ: دعهم.
يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا: بدنياهم.
وَ يُلْهِهِمُ الْأَمَلُ: ويشغلهم توقّعهم لطول الأعمار واستقامة الأحوال عن الاستعداد للمعاد.
فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ : سوء صنيعهم إذا عاينوا جزاءه.
و الغرض إقناط الرّسول من ارعوائهم ، وإيذانه بأنّهم من أهل الخذلان، وأنّ نصحهم بعد اشتغال بما لا طائل تحته.
و فيه إلزام للحجّة، وتحذير عن إيثار التّنعّم وما يؤدّي إليه طول الأمل.
في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن
عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن يحيى بن عقيل قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إنّما أخاف عليكم اثنتين: اتّباع الهوى، وطول الأمل. أمّا اتّباع الهوى فإنّه يصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة.
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عثمان، عن عليّ بن عيسى، رفعه قال: فيما ناجى اللّه- عزّ وجلّ- به موسى- عليه السّلام-: يا موسى، لا تطوّل في الدّنيا أملك فيقسو قلبك، والقاسي القلب منّي بعيد.
و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النّعمان، عن ابن مسكان، عن داود بن فرقد، عن ابن أبي شيبة الزّهريّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إذا استحقّت ولاية اللّه والسّعادة جاء الأجل بين العينين وذهب الأمل وراء الظّهر، وإذا استحقّت ولاية الشّيطان والشّقاوة جاء الأمل بين العينين وذهب الأجل وراء الظّهر.
قال : وسئل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أيّ المؤمنين أكيس؟
فقال: أكثرهم ذكرا للموت وأشدّهم له استعدادا.
محمّد بن يحيى ، عن الحسين بن إسحاق، عن عليّ بن مهزيار، عن فضالة، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: [ما أنزل الموت حقّ منزلته من عدّ غدا من أجله.
قال: وقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-:] ما أطال عبد الأمل إلّا أساء العمل.
و كان يقول: لو رأى العبد أجله وسرعته إليه، لأبغض العمل من طلب الدّنيا.
و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: واعلموا أنّ الأمل يسهي القلب، وينسي الذّكر. فأكذبوا الأمل فإنّه غرور، وصاحبه مغرور.
و في كتاب الخصال : عن عبد اللّه بن حسن [بن حسن] بن عليّ، عن أمّه
[فاطمة] بنت الحسين، عن أبيها- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ صلاح أوّل هذه الأمّة بالزّهد واليقين، وهلاك آخرها بالشّحّ والأمل.
وَ ما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ : أجل مقدّر كتب في اللّوح.
و المستثنى جملة واقعة صفة «لقرية»، والأصل أن لا يدخلها الواو، كقوله: إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ. ولكن لمّا شابهت صورتها صورة الحال أدخلت عليها، تأكيدا للصوقها بالموصوف .
ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ ، أي: وما يستأخرون عنه.
و تذكير ضمير «أمّة» فيه، للحمل على المعنى .
وَ قالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ: نادوا به النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- على التّهكّم. ألا ترى الى ما نادوه له وهو قولهم : إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ : لتقول قول المجانين حين تدعي أن نزّل عليك الذّكر، أي: القرآن.
لَوْ ما تَأْتِينا ركّب «لو» مع «ما»، كما ركّبت مع «لا» لمعنيين: لامتناع الشّيء لوجود غيره، والتّحضيض .
بِالْمَلائِكَةِ: ليصدّقوك ويعضدوك على الدّعوة، كقوله: لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً. أو للعقاب على تكذيبنا، كما أتت الأمم المكذّبة من قبل.
إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ : في دعواك.
ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ: بالياء مسندا إلى ضمير اسم اللّه.و قرأ حمزة والكسائي وحفص، بالنّون. وأبو بكر، بالتّاء والبناء للمفعول، ورفع الملائكة.
و قرئ : «ما تنزّل» بمعنى تتنزّل.
إِلَّا بِالْحَقِّ: إلّا تنزيلا متلبّسا بالحقّ.
قيل : أي: بالوجه الّذي قدّره واقتضته حكمته، ولا حكمة في أن تأتيكم بصورة تشاهدونها فإنّه لا يزيدكم إلّا لبسا، ولا في معاجلتكم بالعقوبة فإنّ منكم ومن ذراريّكم من سبقت كلمتنا له بالإيمان.
و قيل : «الحقّ» الوحي. أو العذاب.
وَ ما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ : جزاء لشرط مقدّر، أي: ولو نزّلنا الملائكة ما كانوا منظرين.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فقال : لو أنزلنا الملائكة لم ينظروا، وهلكوا.
و جملة ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ وما عطف عليه في موضع الحال من فاعل «قالوا»، والرّابطة الضّمير في المعطوف. ويحتمل الاستئناف بالرّدّ عليهم.
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ: ردّ لإنكارهم واستهزائهم، ولذلك أكدّه من وجوه وقرره بقوله: وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ، أي: من التّحريف والزّيادة والنّقص، بأن جعلناه معجزا مباينا لكلام البشر بحيث لا يخفى تغيير نظمه على أهل اللّسان. أو نفي تطرّق الخلل إليه في الدّوام بضمان الحفظ له، كما نفى أن يطعن فيه بأنّه المنزل له.
و قيل : الضّمير في «له» للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.
و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ، بعد أن ذكر قوله- تعالى-: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ، ثمّ قوله- تعالى-: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ: يوسف القطّان ،
و وكيع بن الجرّاح، وإسماعيل السّدي ، وسفيان الثّوريّ أنّه قال الحارث: سألت أمير المؤمنين- عليه السّلام- عن هذه الآية. قال: واللّه، إنّا لنحن أهل الذّكر، نحن أهل العلم، نحن معدن التّأويل والتّنزيل .
وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ : في فرقهم. جمع، شيعة، وهي الفرقة المتّفقة على طريقة ومذهب. من شاعه [: إذا تبعه] .
و أصل «الشّياع» الحطب الصّغار توقد به الكبار.
و المعنى: نبّأنا رجالا منهم، وجعلناهم رسلا فيما بينهم.
وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ: حكاية حال ماضية.
إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ، كما يفعل هؤلاء. وهو تسلية للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.
و «ما» للحال، لا يدخل إلّا مضارعا بمعناه ، أو ماضيا قريبا منه.
كَذلِكَ نَسْلُكُهُ: ندخله فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ .
«السّلك» إدخال الشّيء في الشّيء، كالخيط في المخيط، والرّمح في المطعون.
و الضّمير، قيل : للاستهزاء. وفيه دليل على أنّه- تعالى- يوجد الباطل في قلوبهم.
و قيل : للذّكر، فإنّ الضّمير الآخر في قوله: لا يُؤْمِنُونَ بِهِ: له.
و هو حال من هذا الضّمير. والمعنى: مثل ذلك السّلك نسلك الذّكر في قلوب المجرمين مكذّبا غير مؤمن به.
أو بيان للجملة المتضمّنة له.
و ضعف القائل الأوّل هذا الاحتجاج، بأنّه لا يلزمه من تعاقب الضّمائر توافقها في المرجوع إليه، ولا يتعيّن أن تكون الجملة حالا من الضّمير لجواز أن تكون حالا من «المجرمين» ، ولا ينافي كونها مفسّرة للمعنى الأوّل بل يقوّيه.و فيه: أنّ ذلك القائل جعل ذلك مؤيّدا لا احتجاجا ولا شبهة في تأييده، وعلى تقدير تسليم رجع الضّمير إلى الاستهزاء لا دلالة فيه على أنّه- تعالى- يوجد الباطل في قلوبهم، كيف والإدخال أعمّ ولا يستلزم الإيجاد.
وَ قَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ، أي: سنّة اللّه فيهم، بأن خذلهم وسلك الكفر في قلوبهم. أو بإهلاك من كذّب الرّسل، فيكون وعيدا لأهل مكّة.
وَ لَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ: على هؤلاء المقترحين.
فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ : يصعدون إليها ويرون عجائبها طول نهارهم، مستوضحين لما يرون. أو تصعد الملائكة، وهم يشاهدونهم .
لَقالُوا: من غلوّهم في العناد، وتشكيكهم في الحقّ.
إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا: سدّت عن الإبصار بالسّحر، من السّكر. أو حيرت من السّكر.
و قرأ ابن كثير بالتخّفيف.
بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ : قد سحرنا محمّد بذلك، كما قالوه عند ظهور غيره من الآيات.
و في كلمتي الحصر والإضراب، دلالة على البتّ بأنّ ما يرونه لا حقيقة له، بل هو باطل خيّل إليهم بنوع من السّحر.
وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً: اثني عشر، مختلفة الهيئات والخواصّ على ما دلّ عليه الرّصد والتّجربة مع بساطة السّماء .
و في مجمع البيان : هي اثنا عشر برجا.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن أبي جعفر- عليه السّلام-: «البروج» الكواكب. والبروج الّتي للرّبيع والصّيف: الحمل والثّور والجوزاء والسّرطان والأسد والسّنبلة. وبروج الخريف والشّتاء: الميزان والعقرب والقوس والجدي والدّلو والحوت،و هي اثنا عشر برجا.
و أمّا ما روي عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- : أنّ للشّمس ثلاثمائة وستّين برجا، كلّ برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب، تنزل كلّ يوم على برج منها، فإذا غابت انتهت إلى حدّ بطنان العرش، فلم تزل ساجدة إلى الغد، ثمّ تردّ إلى موضع مطلعها ومعها ملكان يهتفان معها .
فقد قيل فيه: إنّ سير الشّمس إنّما يكون في كلّ برج من البروج الاثني عشر ثلاثين يوما تقريبا، فبهذا الاعتبار ينقسم كلّ منها إلى ثلاثين برجا، فيصير ثلاثمائة وستّين.
و «البروج» القصور العالية، سمّيت الكواكب بها لأنّها للسّيّارات، كالمنازل لسكّانها. واشتقاقه من البرج لظهوره.
وَ زَيَّنَّاها.
في مجمع البيان : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: بالكواكب النّيّرة.
لِلنَّاظِرِينَ : للمعتبرين المستدلّين بها على قدرة مبدعها، وتوحيد صانعها.
وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ : فلا يقدر أن يصعد إليها، ويوسوس إلى أهلها، ويتصرّف في أمرها، ويطّلع على أحوالها.
إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ: بدل من «كلّ شيطان».
و استراق السّمع: اختلاسه سرّا.
و قيل : الاستثناء منقطع، أي: ولكن من استرق السّمع.
قيل : استراق السّمع من سكّان السّموات، إمّا لما بينهم من المناسبة في الجوهر، أو بالاستدلال من أوضاع الكواكب وحركاتها.
و الظّاهر من الأخبار الآتية، أنّ الاستراق بالاختراق والاستماع.
فَأَتْبَعَهُ: فتبعه ولحقه.
شِهابٌ مُبِينٌ : ظاهر للمبصرين.و «الشّهاب» شعلة نار ساطعة. وقد يطلق للكواكب والسّنان لما فيها من البريق.
و في قرب الإسناد للحميريّ، بإسناده إلى موسى بن جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه آيات الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- يقول فيه مخاطبا لنفر من اليهود: أمّا أوّل ذلك، فإنّكم أنتم تقرءون أنّ الجنّ كانوا يسترقون السّمع قبل مبعثه، فتمنّعت في أول رسالته بالرّجوم وانقضاض النّجوم وبطلان الكهنة والسّحرة .
و في تفسير العيّاشي : عن بكر بن محمّد الأزديّ، عن عبد السّلام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال: يا عبد السّلام، احذر النّاس ونفسك.
فقلت: بأبي أنت وأمّي، أمّا النّاس فقد أقدر على أن أحذرهم، فأمّا نفسي فكيف؟
قال: إنّ الخبيث المسترق السّمع يجيئك فيسترق، ثمّ يخرج في صورة آدميّ.
فقال عبد السّلام: فقلت: بأبي أنت وأمّي، هذا مالا حيلة له.
قال: هو ذلك.
و في أمالي الصّدوق : قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقيّ قال: حدّثني أبي، عن جدّه، أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أحمد بن [محمد بن] أبي نصر البزنطيّ، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد اللّه الصّادق- عليه السّلام- قال: كان إبليس- لعنه اللّه- يخترق السّموات السّبع، فلمّا ولد عيسى- عليه السّلام- حجب من ثلاث سموات وكان يخترق أربع سموات، فلمّا ولد رسول اللّه حجب عن السّبع كلّها، ورميت الشّياطين بالنّجوم.
و قالت قريش: هذا قيام السّاعة، كنّا نسمع أهل الكتب يذكرونه.
و قال عمرو بن أميّة، وكان من أزجر أهل الجاهليّة: انظروا هذه النّجوم الّتي يهتدى بها ويعرف بها أزمان الصّيف والشّتاء، فإن كان رمي بها فهو هلاك كلّ شيء، وإن كانت تثبت ورمي بغيرها فهو أمر حدث .و أصبحت الأصنام كلّها صبيحة مولد النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ليس منها صنم إلّا وهو منكبّ على وجهه.
و ارتجس في تلك اللّيلة إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة.
و غارت بحيرة ساوة، [وفاض وادي السماوة] .
و خمدت نيران فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام.
و رأى المؤبّدان في تلك اللّيلة في المنام إبلا صعابا تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة وانسربت في بلادهم، وانقصم طاق الملك كسرى من وسطه وانخرقت عليه دجلة العوراء .
و انتشر في تلك اللّيلة نور من قبل الحجاز، ثمّ استطار حتّى بلغ المشرق، ولم يبق سرير ملك من ملوك الدّنيا إلّا أصبح منكوسا والملك مخرسا لا يتكلم يومه ذلك.
و انتزع علم الكهنة، وبطل سحر السّحرة، ولم تبق كهانة في العرب إلّا حجبت عن صاحبها، وعظمت قريش في العرب وسمّوا: آل اللّه- عزّ وجلّ-.
قال أبو عبد اللّه الصّادق- عليه السّلام-: أنّما سمّوا: آل اللّه، لأنّهم في بيت اللّه الحرام.
و قالت آمنة: إنّ ابني، واللّه، سقط فاتّقى الأرض بيديه ، ثمّ رفع رأسه إلى السّماء فنظر إليها، ثمّ خرج منّا نور أضاء له كلّ شيء، وسمعت في الضّوء قائلا يقول:إنّك قد ولدت سيّد النّاس، فسمّيه محمّدا.
و اتي به عبد المطّلب لينظر إليه، وقد بلغه ما قالت أمّه، فأخذه فوضعه في حجره، ثمّ قال:
الحمد للّه الذي أعطاني هذا الغلام الطّيّب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان
ثمّ عوّذه بأركان الكعبة، وقال فيه أشعارا.
قال: وصاح إبليس- لعنه اللّه- في أبالسته، فاجتمعوا إليه.
فقالوا: ما الّذي أفزعك، يا سيّدنا؟
فقال لهم: ويلكم، لقد أنكرت السّموات والأرض منذ اللّيلة، لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ ولد عيسى بن مريم، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الّذي قد حدث.
فافترقوا ثم اجتمعوا إليه، فقالوا: ما وجدنا شيئا.
فقال إبليس- لعنه اللّه-: أنا لهذا الأمر. ثمّ انغمس في الدّنيا فجالها حتّى انتهى إلى الحرم، فوجد الحرم محفوفا بالملائكة، فذهب ليدخل فصاحوا به فرجع، ثمّ صار مثل العصفور فدخل من قبل حراء .
فقال له جبرئيل: وراك ، لعنك اللّه.فقال له: حرف أسألك عنه، يا جبرئيل، ما هذا الحدث [الّذي حدث] منذ اللّيلة في الأرض؟
فقال له: ولد محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.
فقال له: هل لي فيه نصيب؟
قال: لا.
قال: ففي أمّته؟
قال: نعم.
[قال رضيت] .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: لم تزل الشّياطين تصعد إلى السّماء تتجسّس حتّى ولد النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-. ثم ذكر مقالة عمرو بن أميّة ونسبها إلى الوليد بن المغيرة.
ثمّ قال: وكان بمكّة يهوديّ يقال له: يوسف، فلمّا رأى النّجوم تتحرّك وتسير في السّماء خرج إلى نادي قريش.
فقال: يا معشر قريش، هل ولد فيكم اللّيلة مولود؟
فقالوا: لا.
فقال: أخطأتم، والتّوراة، قد ولد في هذه اللّيلة آخر الأنبياء وأفضلهم، وهو الّذي نجده في كتبنا أنّه إذا ولد ذلك النّبيّ رجمت الشّياطين وحجبوا من السّماء.
فرجع كلّ واحد إلى منزله يسأل أهله ، فقالوا: قد ولد لعبد اللّه بن عبد المطّلب بن عبد مناف. (الحديث).
وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها: بسطناها.
وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ: جبالا ثوابت.
وَ أَنْبَتْنا فِيها: في الأرض. أو فيها وفي الجبال.
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ .قيل : أي: مقدّر بمقدار معيّن تقتضيه حكمته. أو مستحسن مناسب، من قولهم: كلام موزون. أو ما يوزن ويقدّر له. أو له وزن في أبواب النّعمة والمنفعة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أنبت في الجبال الذّهب والفضّة والجوهر والصّفر والنّحاس والحديد والرّصاص والكحل والزّرنيخ وأشباه هذه، لا يباع إلّا وزنا.
وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ: تعيشون بها من المطاعم والملابس.
و قرئ ، بالهمزة، على التّشبيه «بشمائل».
وَ مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ : عطف على «معايش». أو على محلّ «لكم»، والمراد به: العيال والخدّام والمماليك وسائر ما يظنّون أنّهم يرزقونهم ظنّا كاذبا، فإنّ اللّه يرزقهم [و إيّاهم] .
قيل : وفذلكة الآية، الاستدال بجعل الأرض ممدودة بمقدار وبشكل معيّنين مختلفة الأجزاء في الوضع، محدثة فيها أنواع النّبات والحيوان المختلفة خلقة وطبيعة، مع جواز أن لا تكون كذلك على كمال قدرته وتناهي حكمته، والتّفرّد في الألوهيّة والامتنان على العباد بما أنعم عليهم في ذلك، ليوحّدوه ويعبدوه.