سورة بني إسرائيل
مكّيّة.
و قيل: إلّا قوله : وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ.- إلى آخر ثمان آيات .
و هي مائة وعشر آيات .
بسم الله الرحمن الرحيم
و في كتاب ثواب الأعمال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة بني إسرائيل في كلّ ليلة جمعة، لم يمت حتّى يدرك القائم- عليه السّلام-، ويكون من أصحابه.
و في مجمع البيان ، وفي تفسير العيّاشي : عن الحسين بن أبي العلا، عن أبي
عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة بني إسرائيل- وذكر إلى آخر ما في كتاب ثواب الأعمال.
و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: من قرأ سورة بني إسرائيل، فرقّ قلبه عند ذكر الوالدين، اعطي في الجنّة قنطارين من الأجر.
و «القنطار» ألف أوقيّة ومائتا أوقيّة، والأوقيّة منها خير من الدّنيا وما فيها.
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا «سبحان» اسم، بمعنى: التّسبيح، الّذي هو التّنزيه. وقد يستعمل علما له، فيقطع عن الإضافة، ويمنع من الصّرف . وانتصابه بفعل متروك إظهاره. وتصدير الكلام به، للتّنزيه عن العجز عمّا ذكر بعد .
و في تفسير العيّاشي : عن هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه: سُبْحانَ.
فقال: أنفة للّه.
و في رواية أخرى : عن هشام، عنه، مثله.
و «أسرى» و«سرى» بمعنى.
و «ليلا» نصب على الظّرفية. وفائدته الدّلالة بتنكيره على تقليل مدّة الإسراء .
و لذلك قرئ: «من اللّيل»، أي: بعضه، كقوله : وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً.
مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، أي: إلى ملكوت المسجدالأقصى الّذي هو في السّماء، كما يظهر من الأخبار الآتية.
الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ: ببركات الدّين والدّنيا، لأنّه مهبط الوحي، ومتعبّد الأنبياء من لدن موسى، ومحفوف بالأنهار والأشجار.
لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا: كذهابه في برهة من اللّيل مسيرة شهر، ومشاهدته بيت المقدس، وتمثّل الأنبياء له ووقوفه على مقاماتهم.
و صرف الكلام من الغيبة إلى التّكلّم ، لتعظيم تلك البركات والآيات.
و قرئ: «ليريه» بالياء.
و في تفسير العياشيّ : عن سالم الحنّاط ، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن المساجد الّتي لها الفضل.
فقال: المسجد الحرام، ومسجد الرسول- صلّى اللّه عليه وآله-.
قلت: والمسجد الأقصى، جعلت فداك؟
فقال: ذلك في السّماء، إليه أسرى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
فقلت: إنّ النّاس يقولون: إنّه بيت المقدس.
فقال: مسجد الكوفة أفضل منه.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني خالد، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن سيّار ، عن مالك الأزديّ ، عن إسماعيل الجعفيّ قال: كنت في مسجد [الحرام] قاعدا وأبو جعفر- عليه السّلام- في ناحية، فرفع رأسه فنظر إلى السّماء مرّة وإلى الكعبة مرّة، ثمّ قال: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وكرّر ذلك ثلاث مرّات.
ثم التفت إليّ فقال: أيّ شيء يقول أهل العراق في هذه الآية، يا عراقيّ؟
قلت: يقولون: اسري به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس.
فقال: ليس كما يقولون، ولكنّه اسري به من هذه إلى هذه- وأشار بيده إلى السّماء- وقال: ما بينهما حرم.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ- رضي اللّه عنه-: وعن ابن عبّاس قال: قالت اليهود للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: موسى خير منك.
قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: ولم؟
قالوا: لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- كلّمه بأربعة آلاف كلمة، ولم يكلّمك بشيء.
فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك.
قالوا: وما ذاك؟
قال: قوله- عزّ وجلّ-: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ. وحملت على جناح جبرئيل- عليه السّلام- حتّى انتهيت إلى السّماء السّابعة، فجاوزت سدرة المنتهى عندها جنّة المأوى حتّى تعلّقت بساق العرش، فنوديت من ساق العرش: إنّي أنا اللّه لا إله إلّا أنا السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر [الرّؤوف الرّحيم] . ورأيته بقلبي وما رأيته بعيني، فهذا أفضل من ذلك.
فقالت اليهود: صدقت، يا محمّد، وهو مكتوب في التّوراة.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و في كتاب الخصال ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: عرج بالنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- مائة وعشرين مرّة، ما من مرّة إلّا وقد أوصى اللّه- تعالى- فيها النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- بالولاية لعليّ والأئمّة من ولده- عليهم السّلام- أكثر ممّا أوصاه بالفرائض .و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد الجوهريّ، عن عليّ بن أبي حمزة قال: سأل أبو بصير أبا عبد اللّه- عليه السّلام- وأنا حاضر، فقال: جعلت فداك، كم عرج برسول اللّه؟
فقال: مرّتين، فأوقفه جبرئيل- عليه السّلام- موقفا، فقال له: مكانك، يا محمّد، فلقد وقفت موقفا ما وقفه ملك قطّ ولا نبيّ، إنّ ربّك يصلّي.
فقال: يا جبرئيل، وكيف يصلّي؟
فقال: يقول: سبوح قدّوس أنا ربّ الملائكة والرّوح، سبقت رحمتي غضبي.
فقال: اللّهمّ، عفوك عفوك.
قال: وكان كما قال اللّه: قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى.
فقال له أبو بصير: جعلت فداك، ما قاب قوسين أو أدنى؟
فقال: ما بين سيتها إلى رأسها، فقال: كان بينهما حجاب يتلألأ يخفق ، ولا أعلمه إلّا وقد قال: زبرجد، فنظر في مثل سمّ إبرة إلى ما شاء اللّه من نور العظمة.
فقال اللّه- تبارك وتعالى-: يا محمّد.
قال: لبّيك، ربّي.
قال: من لأمّتك من بعدك؟
قال: اللّه أعلم.
قال: عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين وقائد الغرّ المحجّلين.
ثمّ قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- لأبي بصير: يا أبا محمّد، واللّه، ما جاءت ولاية عليّ من الأرض، ولكن جاءت من السّماء مشافهة.
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى عليّ بن سالم: عن أبيه، عن ثابت بن دينار قال: سألت زين العابدين، عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب- عليهمالسّلام- عن اللّه- جلّ جلاله-: هل يوصف بمكان؟
فقال: تعالى عن ذلك.
قلت: فلم أسرى بنبيّه محمّد - صلّى اللّه عليه وآله- [إلى السّماء] ؟
قال: ليريه ملكوت السّماوات وما فيها من عجائب صنعه وبدائع خلقه.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و بإسناده» إلى أبان بن عثمان: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: إنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- دفع إلى عليّ لمّا حضرته الوفاة القميص الّذي اسري به.
و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى يونس بن عبد الرّحمن قال: قلت لأبي الحسن، موسى بن جعفر- عليهما السّلام-: لأيّ علّة عرج اللّه- عزّ وجلّ- نبيّه إلى السّماء، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومنها إلى حجب النّور، وخاطبه وناجاه هناك، واللّه لا يوصف بمكان؟
فقال- عليه السّلام-: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- لا يوصف بمكان ولا يجري عليه زمان، ولكنّه- عزّ وجلّ- أراد أن يشرّف به ملائكته وسكّان سماواته ويكرمهم بمشاهدته ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه، وليس ذلك على ما يقوله المشبّهون.
سبحان اللّه وتعالى عمّا يشركون.
و في روضة الكافي : أبان، عن عبد اللّه بن عطاء، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أتى جبرئيل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بالبراق، أصغر من البغل وأكبر من الحمار، مضطرب الأذنين، عينيه في حافره وخطاه مدّ بصره، فإذا انتهى إلى جبل قصرت يداه وطالت رجلاه، فإذا هبط طالت يداه وقصرت رجلاه، أهدب العرف الأيمن ، له جناحان من خلفه.و في عيون الأخبار ،
بإسناده قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ اللّه- تعالى- سخّر لي البراق، وهي دابّة من دوابّ الجنّة، ليست بالقصير ولا بالطّويل، فلو أنّ اللّه- تعالى- أذن لها لجالت الدّنيا والآخرة في جرية واحدة، وهي أحسن الدّوابّ لونا.
و في تفسير العيّاشي : عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:
لمّا اسري بالنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- اتي بالبراق ومعه جبرئيل وميكائيل وإسرافيل.
قال: فأمسك له واحد بالرّكاب، وأمسك الآخر باللّجام، وسوىّ عليه الآخر ثيابه. فلمّا ركبها تضعضعت، فلطمها جبرئيل وقال لها: قرّي، يا براق، فما ركبك أحد قبله مثله، ولا يركبك أحد مثله بعده ، إلّا أنّه تضعضعت عليه.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وروى الصّادق- عليه السّلام- عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: بينا أنا راقد بالأبطح وعليّ بن يميني، وجعفر بن يساري، وحمزة بين يديّ وإذا أنا بخفق بحفيف أجنحة الملائكة، وقائل منهم يقول: إلى أيّهم بعثت يا جبرئيل؟
فقال: إلى هذا- وأشار إليّ- وهو سيّد ولد آدم ، وهذا وصيّه ووزيره وختنه وخليفته في أمّته، وهذا عمّه وسيّد الشّهداء ، حمزة، وهذا ابن عمّه، جعفر، له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنّة مع الملائكة. دعه فلتنم عيناه ولتسمع أذناه، وليع قلبه، واضربوا له مثلا ملك بنى دارا واتّخذ مائدة وبعث داعيا.
فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: فالملك اللّه، والدّار الدّنيا، والمائدة الجنّة، والدّاعي أنا.
قال: ثمّ أركبه جبرئيل البراق ، وأسرى به إلى بيت المقدس، وعرض عليه محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء، فصلّى فيها وردّه من ليلته إلى مكّة، فمرّ في رجوعه بعير
قريش، وإذا لهم ماء في آنية، فشرب منه وأهرق باقي ذلك، وقد كانوا أضلّوا بعيرا لهم وكانوا يطلبونه.
فلمّا أصبح قال لقريش: إنّ اللّه قد أسرى بي في هذه اللّيلة إلى بيت المقدس، فعرض عليّ محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء، وإنّي مررت بعير لكم في موضع كذا وكذا، وإذا لهم ماء في آنية فشربت منه وأهرقت باقي ذلك، وقد كانوا أضلّوا بعيرا لهم.
فقال أبو جهل: قد أمكنتكم الفرصة من محمّد، اسألوه: كم الأساطين فيه والقناديل؟
فقالوا: يا محمّد، إنّ هاهنا من قد دخل بيت المقدس، فصف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه.
فجاء جبرئيل [فعلّق] صورة بيت المقدس تجاه وجهه، فجعل يخبرهم بما يسألونه.
فلمّا أخبرهم، قالوا: حتّى تجيء العير ونسألهم عمّا قلت.
فقال لهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وتصديق ذلك أنّ العير تطلع عليكم مع طلوع الشّمس، يقدمها جمل أحمر.
فلمّا أصبحوا أقبلوا ينظرون إلى العقبة، وهم يقولون : هذه الشّمس تطلع السّاعة. فبيناهم كذلك، إذ طلعت العير مع طلوع الشّمس، يقدمها جمل أحمر. فسألوهم عمّا قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
فقالوا: لقد كان هذا، ضلّ لنا جمل في موضع كذا وكذا، ووضعنا ماء وأصبحنا وقد أهريق الماء.
فلم يزدهم إلّا عتوّا.
و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن حديد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا اسريبرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أصبح فقعد فحدّثهم بذلك.
فقالوا له: صف لنا بيت المقدس.
قال: فوصف لهم، وإنّما دخله ليلا فاشتبه عليه النّعت، فأتاه جبرئيل فقال له:
أنظر هاهنا. فنظر إلى بيت المقدس فوصفه وهو ينظر إليه، ثمّ نعت لهم [ما كان] من عير لهم فيما بينهم وبين الشّام، ثمّ قال: هذه عير بني فلان تقدم مع طلوع الشّمس، يتقدّمها جمل أورق أو أحمر .
قال: وبعثت قريش رجلا على فرس ليردّها .
قال: وبلغ مع طلوع الشّمس، قال قرطة بن عبد عمرو: يا لهفا، أن لا أكون لك جذعا حين تزعم أنّك أتيت بيت المقدس ورجعت من ليلتك.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن إبراهيم بن محمّد الثّقفيّ، عن أبان بن عثمان، عن أبي داود، عن أبي بردة الأسلميّ قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول لعليّ- عليه السّلام-: إنّ اللّه أشهدك معي في سبع مواطن.
أمّا أوّل ذلك، فليلة اسري بي إلى السّماء.
قال لي جبرئيل: أين أخوك؟
فقلت: خلّفته ورائي.
قال: ادع اللّه فليأتك به.
فدعوت اللّه، وإذا مثالك معي، وإذا الملائكة وقوف صفوف.
فقلت: يا جبرئيل، من هؤلاء؟
قال: هم الّذين يباهيهم اللّه بك يوم القيامة.
فدنوت، ونطقت بما كان وما يكون إلى يوم القيامة.
و الثّاني، حين أسري بي في المرّة الثّانية.فقال لي جبرئيل: أين أخوك؟
فقلت: خلّفته ورائي.
فقال: ادع اللّه فليأتك به.
فدعوت اللّه ، فإذا مثالك معي، فكشط عن سبع سماوات حتّى رأيت سكّانها وعمّارها وموضع كلّ ملك منها.
... إلى قوله: وأمّا السّادس، لمّا اسري بي إلى السّماء، جمع اللّه لي النّبيّين.
فصلّيت بهم، ومثالك خلفي.
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى عيسى بن عبد اللّه الأشعريّ: عن الصّادق، جعفر بن محمّد قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن أبيه- عليهم السّلام- قال:
قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا اسري بي إلى السّماء، حملني جبرئيل على كتفه الأيمن. فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء أحسن لونا من الزّعفران، وأطيب ريحا من المسك. [فإذا فيها شيخ على رأسه برنس.
فقلت لجبرئيل: ما هذه البقعة الحمراء الّتي هي أحسن لونا من الزّعفران وأطيب ريحا من المسك] .
قال: بقعة لشيعتك وشيعة وصيّك، عليّ.
فقلت: من الشّيخ، صاحب البرنس؟
قال: إبليس.
قلت: فما يريد منهم؟
قال: يريد أن يصدّهم عن ولاية أمير المؤمنين، ويدعوهم إلى الفسق والفجور.
قلت: يا جبرئيل، أهو بنا [إليهم.
فأهوى بناء إليهم] أسرع من البرق الخاطف والبصر اللّامح.
فقلت: قم، يا ملعون، فشارك أعداءهم في أموالهم وأولادهم ونسائهم. فإنّشيعتي وشيعة عليّ ليس لك عليهم سلطان. [فسمّيت «قم»] .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حكى أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: جاء جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، فأخذ واحد باللّجام، وواحد بالرّكاب، وسوّى الاخر عليه ثيابه. فتضعضعت البراق. فلطمها جبرئيل، ثمّ قال لها: اسكني، يا براق، فما ركبك نبيّ قبله، ولا يركبك بعده مثله.
قال: فرقت به ، ورفعته ارتفاعا ليس بالكثير، ومعه جبرئيل، يريه الآيات من السّماء والأرض.
قال: فبينا أنا في مسيرتي ، إذ نادى مناد عن يميني: يا محمّد. فلم أجبه ولم ألتفت إليه. ثمّ نادى مناد عن يساري: يا محمّد. فلم أجبه، ولم ألتفت إليه. ثمّ استقبلتني امرأة كاشفة عن ذراعيها عليها من كلّ زينة الدّنيا، فقالت: يا محمّد، انظرني حتّى أكلّمك. فلم ألتفت إليها. ثمّ سرت فسمعت صوتا أفزعني [فجاوزت به] . فنزل بي جبرئيل فقال: صلّ. فصلّيت.
فقال: أ تدري أين صلّيت؟
فقلت: لا.
فقال: صلّيت [بطيبة وإليها مهاجرك .
ثمّ ركبت فمضينا ما شاء اللّه، ثمّ قال لي: أنزل فصلّ، فنزلت وصلّيت.
فقال لي: أ تدري أين صلّيت؟
فقلت: لا.
فقال: صلّيت] . بطور سيناء حيث كلّم اللّه موسى تكليما.
ثمّ ركبت فمضينا ما شاء اللّه، ثمّ قال: أنزل فصلّ، فنزلت وصلّيت.
فقال لي: أ تدري أين صلّيت؟فقلت: لا.
فقال: صلّيت ببيت لحم، وبيت لحم بناحية بيت المقدس، حيث ولد عيسى بن مريم- عليه السّلام-.
ثمّ ركبت. فمضينا حيث انتهينا إلى بيت المقدس. فربطت البراق بالحلقة الّتي [كانت] الأنبياء تربط بها، فدخلت المسجد ومعي جبرئيل إلى جنبي، فوجدنا إبراهيم وموسى وعيسى فيمن شاء اللّه من أنبياء اللّه قد جمعوا إليّ، وأقمت الصّلاة ولا أشكّ إلّا وجبرئيل سيتقدّمنا ، فلما استووا أخذ جبرئيل بعضدي فقدّمني وأممتهم ولا فخر. ثمّ أتاني الخازن بثلاثة أواني: إناء فيه لبن، وإناء فيه ماء، وإناء فيه خمر.
فسمعت قائلا يقول: إن أخذ الماء غرق وغرقت أمّته، وإن أخذ الخمر غوي وغويت أمّته، وإن أخذ اللّبن هدي وهديت أمّته.
قال: فأخذت اللّبن وشربت منه.
فقال لي جبرئيل: هديت وهديت أمّتك.
ثمّ قال لي: ما ذا رأيت في مسيرك؟
فقلت: ناداني مناد عن يميني.
فقال لي: او أجبته؟
فقلت: لا، ولم ألتفت إليه.
فقال: ذلك داعي اليهود، ولو أجبته لتهوّدت أمّتك من بعدك.
ثمّ قال: ما ذا رأيت [في مسيرك] ؟
فقلت: ناداني مناد عن يساري.
فقال: او أجبته؟
فقلت: لا، ولم ألتفت إليه.
قال: ذلك داعي النّصارى ، ولو أجبته لتنصّرت أمّتك من بعدك.ثمّ قال لي: ما ذا استقبلك؟
فقلت: لقيت امرأة كاشفة عن ذراعيها، عليها من كلّ زينة الدّنيا ، فقالت:
يا محمّد، أنظرني حتّى أكلّمك.
فقال لي: أ فكلّمتها؟
فقلت: لم أكلّمها، ولم ألتفت إليها.
فقال: تلك الدّنيا. ولو كلّمتها، لاختارت أمّتك الدّنيا على الآخرة.
ثمّ سمعت صوتا أفزعني.
فقال لي جبرئيل: تسمع، يا محمّد؟
قلت: نعم.
قال: هذه صخرة قذفتها عن شفير جهنّم منذ سبعين عاما، فهذا حين استقرّت.
قالوا: فما ضحك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حتّى قبض.
قال: فصعد جبرئيل وصعدت معه إلى السّماء الدّنيا، وعليها ملك يقال له:
إسماعيل، وهو صاحب الخطفة الّتي قال اللّه- عزّ وجلّ-: إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ. وتحته سبعون ألف ملك، [تحت كلّ ملك سبعون ألف ملك] .
فقال: يا جبرئيل، من هذا معك؟
فقال: محمّد.
قال: أ وقد بعث؟
قال: نعم.
ففتح الباب وسلّمت عليه وسلّم عليّ، واستغفرت له واستغفر لي، وقال:
مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. وتلقّتني الملائكة حتّى دخلت سماء الدّنيا، فما لقيني ملك إلا [كان] ضاحكا مستبشرا، حتّى لقيني ملك من الملائكة لم أر أعظم خلقا منه كريه المنظر ظاهر الغضب، فقال لي مثل ما قالوا من الدّعاء إلّا أنّه لم يضحك ولم أر فيه من الاستبشار ما رأيت ممّن ضحك من الملائكة.فقلت: من هذا، يا جبرئيل، فإنّي قد فزعت منه ؟
فقال: يجوز أن تفزع منه فكلّنا نفزع منه. إنّ هذا مالك خازن النّار. لم يضحك قطّ، ولم يزل منذ ولّاه اللّه جهنّم يزداد كلّ يوم غضبا وغيظا على أعداء اللّه وأهل معصيته فينتقم اللّه به منهم. ولو ضحك إلى أحد كان قبلك، أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك، لضحك إليك، ولكنّه لا يضحك.
فسلّمت عليه فردّ السّلام عليّ، وبشّرني بالجنّة. فقلت لجبرئيل- وجبرئيل بالمكان الّذي وصفه اللّه : مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ-: ألا تأمره أن يريني النّار؟
فقال له جبرئيل : يا مالك، أر محمّداً النّار.
فكشف عنها غطاءها ، وفتح بابا منها. فخرج منها لهب ساطع في السّماء، وفارت وارتفعت حتّى ظننت لتناولني ممّا رأيت. فقلت: يا جبرئيل، قل له فيردّ عليها غطاءها.
فأمرها، فقال لها: ارجعي. فرجعت إلى مكانها الّذي خرجت منه.
ثمّ مضيت فرأيت رجلا آدما جسيما، فقلت: من هذا، يا جبرئيل؟
فقال: هذا أبوك، آدم. فإذا هو تعرض عليه ذرّيّته فيقول: روح طيّب وريح طيّبة من جسد طيّب.
ثمّ تلا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- سورة المطفّفين على رأس سبع عشرة آية كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ، وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ، كِتابٌ مَرْقُومٌ، يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ إلى آخرها.
قال: فسلّمت على أبي، آدم وسلّم عليّ واستغفرت له واستغفر لي، فقال لي:
مرحبا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح والمبعوث في الزّمن الصّالح.
ثمّ مررت بملك من الملائكة، وهو جالس [على مجلس] ، وإذا جميع الدّنيا بين ركبتيه، وإذا بيده لوح من نور [ينظر فيه، مكتوب] فيه [كتاب ينظر فيه،] لا يلتفت يمينا ولا شمالا، مقبلا عليه ، كهيئة الحزين.
فقلت: من هذا، يا جبرئيل؟
فقال: هذا ملك الموت، دائب في قبض الأرواح.
فقلت: يا جبرئيل، ادنني منه حتّى أكلّمه. فأدناني منه، فسلّمت عليه.
فقال له جبرئيل: هذا [محمّد] نبيّ الرّحمة، الّذي أرسله اللّه إلى العباد.
فرحّب بي وحيّاني بالسّلام، وقال: أبشر، يا محمّد، فإنّي أرى الخير كلّه في أمّتك. فقلت: الحمد للّه المنّان ذي النّعم على عباده. ذلك من فضل ربّي ورحمته عليّ.
فقال جبرئيل: هو أشدّ الملائكة عملا.
فقلت : أكلّ من مات، أو هو ميّت فيما بعد، [هذا] تقبض روحه؟
قال: نعم.
قلت: وتراهم حيث كانوا، وتشهدهم بنفسك؟
فقال: نعم. فقال ملك الموت: ما الدّنيا كلّها عندي فيما سخّرها اللّه لي ومكّنني عليها ، إلّا كالدرّهم في كفّ الرّجل يقلّبه كيف يشاء. وما من دار إلّا وأنا أتصفّحه كلّ يوم خمس مرّات، وأقول إذا بكى أهل الميّت على ميّتهم: لا تبكوا عليه، فإنّ لي فيكم عودة وعودة حتّى لا يبقى أحد منكم.
فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: كفى بالموت طامّة ، يا جبرئيل.
فقال جبرئيل: إنّ ما بعد الموت أطمّ وأطمّ من الموت.
قال: ثمّ مضيت، فإذا أنا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيّب ولحم خبيث،فيأكلون الخبيث ويدعون الطّيّب، فقلت: من هؤلاء، يا جبرئيل؟
فقال: هؤلاء الّذين يأكلون الحرام ويدعون الحلال، وهم من أمّتك، يا محمّد.
فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ثمّ رأيت ملكا من الملائكة جعل اللّه أمره عجبا، نصف جسده نار والنّصف الآخر ثلج، فلا النّار تذيب الثّلج ولا الثّلج يطفئ النّار، وهو ينادي بصوت رفيع يقول: سبحان الّذي كفّ حرّ هذه النّار فلا يذيب الثّلج، وكفّ برد هذا الثّلج فلا يطفئ حرّ هذه النّار. اللّهمّ، يا مؤلّف بين الثّلج والنّار، ألّف بين قلوب عبادك المؤمنين.
فقلت: من هذا، يا جبرئيل؟
فقال: هذا ملك وكلّه اللّه بأكناف السّماء وأطراف الأرضين، وهو أنصح ملائكة اللّه لأهل الأرض من عباده المؤمنين، يدعو لهم بما تسمع منذ خلق، وملكان يناديان في السّماء: أحدهما يقول: الّلهمّ، أعط كلّ منفق خلفا، والآخر يقول: الّلهمّ، أعط كلّ ممسك تلفا.
ثمّ مضيت، فإذا أنا بأقوام لهم مشافر كمشافر الإبل، يقرض اللّحم من جنوبهم ويلقى في أفواههم، [و يخرج من أدبارهم] . فقلت: من هؤلاء، يا جبرئيل؟
فقال: هؤلاء الهمّازون اللّمّازون.
ثمّ مضيت فإذا أنا بأقوام ترضخ رؤوسهم بالصّخر، فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟
فقال: هؤلاء الّذين ناموا عن صلاة العشاء.
ثمّ مضيت فإذا أنا بأقوام تقذف النّار في أفواههم وتخرج من أدبارهم، فقلت:
من هؤلاء، يا جبرئيل؟
فقال: هؤلاء الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ، إنّما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا.ثمّ مضيت فإذا أنا بأقوام يريد أحدهم يقوم فلا يقدر من عظم بطنه، فقلت: من هؤلاء، يا جبرئيل؟
فقال: هؤلاء الّذين يأكلون الرّبا، لا يقومون إلا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ.
و إذا هم بسبيل آل فرعون، يعرضون على النّار غدوّا وعشيّا و يقولون: ربّنا متّى تقوم السّاعة.
قال: ثمّ مضيت فإذا أنا بنسوان معلّقات بثديهنّ، فقلت: من هؤلاء، يا جبرئيل؟
فقال: هؤلاء اللّواتي يورثن أموال أزواجهنّ أولاد غيرهم .
ثمّ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: اشتدّ غضب اللّه على امرأة أدخلت على قوم في نسبهم من ليس منهم، فاطّلع على عوراتهم وأكل خزائنهم.
قال: ثمّ مررنا بملائكة من ملائكة اللّه- عزّ وجلّ- خلقهم اللّه [على هيئات مختلفة] كيف شاء، ووضع وجوههم كيف شاء، ليس شيء من أطباق أجسادهم إلّا وهو يسبّح اللّه ويحمّده من كلّ ناحية بأصوات مختلفة، أصواتهم مرتفعة بالتّحميد والبكاء من خشية اللّه، فسألت جبرئيل- عليه السّلام- عنهم.
فقال: كما ترى خلقوا، إنّ الملك منهم إلى جنب صاحبه ما كلّمه قطّ، ولا رفعوا رؤوسهم إلى ما فوقها ولا خفضوها إلى ما تحتها خوفا من اللّه وخشوعا.
فسلّمت عليهم، فردّوا عليّ إيماء برءوسهم ولا ينظرون إليّ من الخشوع.
فقال لهم جبرئيل: هذا محمّد نبيّ الرّحمة. أرسله اللّه إلى العباد رسولا ونبيّا، وهو خاتم النّبيّين وسيّدهم، أفلا تكلّمونه!؟قال: فلمّا سمعوا ذلك من جبرئيل، أقبلوا عليّ بالسّلام، وأكرموني، وبشّروني بالخير لي ولأمّتي.
قال: ثمّ صعد بي إلى السّماء الثّانية، فإذا فيها رجلان متشابهان، فقلت: من هذان يا جبرئيل؟
فقال لي: ابنا الخالة، عيسى ويحيى.
فسلّمت عليهما وسلّما عليّ، واستغفرت لهما واستغفر لي، وقالا: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. وإذا فيها من الملائكة [مثل ما في السّماء الأولى] وعليهم الخشوع، وقد وضع اللّه وجوههم كيف شاء، ليس منهم ملك إلّا يسبّح اللّه ويحمّده بأصوات مختلفة.
ثمّ صعدنا إلى السّماء الثّالثة، فإذا فيها رجل فضل حسنه على سائر الخلق، كفضل القمر ليلة البدر على سائر النّجوم، فقلت: من هذا، يا جبرئيل؟
فقال: هذا أخوك، يوسف.
فسلّمت عليه وسلّم عليّ، واستغفرت له واستغفر لي، وقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح والمبعوث في الزّمان الصّالح. فإذا فيها ملائكة عليهم من الخشوع مثل ما وصفت في السّماء الأولى والثّانية، وقال لهم جبرئيل في أمري ما قال للآخرين، وصنعوا بي مثل ما صنع الآخرون.
ثمّ صعدنا إلى السّماء الرّابعة وإذا فيها رجل، فقلت: من هذا، يا جبرئيل؟
فقال: هذا إدريس رفعه اللّه مكانا عليّا.
فسلّمت عليه وسلّم عليّ، واستغفرت له واستغفر لي، وإذا فيها من الملائكة عليهم من الخشوع مثل ما في السّماوات فبشّروني بالخير لي ولأمّتي. ثمّ رأيت ملكا جالسا على سرير، تحت يديه سبعون ألف ملك، تحت كلّ ملك سبعون ألف ملك، فوقع في نفس رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه هو، فصاح به جبرئيل فقال: قم. فهو قائم إلى يوم القيامة.
ثمّ صعدنا إلى السّماء الخامسة، فإذا فيها رجل كهل عظيم العين لم أر كهلاأعظم منه، حوله ثلّة من أمّته فأعجبتني كثرتهم، فقلت: من هذا، يا جبرئيل؟
فقال: هذا المجيب في قومه، هارون بن عمران.
فسلّمت عليه وسلّم عليّ، واستغفرت له واستغفر لي، وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السّماوات.
قال: ثمّ صعدنا إلى السّماء السّادسة، فإذا فيها رجل آدم طويل كأنّه من شبوة ، ولو [لا] أنّ عليه قميصين، لنفذ شعره منهما. فسمعته يقول: يزعم بنو إسرائيل أنّي أكرم ولد آدم على اللّه، وهذا رجل أكرم على اللّه منّي.
فقلت: من هذا، يا جبرئيل؟
فقال: هذا أخوك، موسى بن عمران.
فسلّمت عليه وسلّم عليّ، واستغفرت له واستغفر لي، وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السّماوات.
قال: ثمّ صعدنا إلى السّماء السّابعة، فما مررت بملك من الملائكة إلّا قالوا: يا محمّد، احتجم وامر أمّتك بالحجامة. وإذا فيها رجل أشمط الرّأس واللّحية جالس على كرسي، فقلت: يا جبرئيل، من هذا الّذي في السّماء السّابعة على باب البيت المعمور في جوار اللّه- تعالى-؟
فقال: [يا محمّد] هذا أبوك، إبراهيم، وهذا محلّك ومحلّ من اتّقى من أمّتك.
ثمّ قرأ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ. [قال:] فسلّمت عليه وسلّم عليّ، وقال: مرحبا بالنّبيّ الصّالح والابن الصّالح والمبعوث في الزّمان الصّالح. وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السّماوات، فبشّروني بالخير لي ولأمّتي.
قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ورأيت في السّماء السّابعة بحارا من نور يتلألأ يكاد تلألؤها يخطف بالأبصار، وفيها بحار من ظلمة وبحار من ثلج ترعد ، فلمّا فزعت ورأيت هؤلاء سألت جبرئيل.
فقال: أبشر، يا محمّد، واشكر كرامة ربّك واشكر اللّه بما صنع إليك.
قال: فثبّتني اللّه بقوّته وعونه حتّى كثر قولي لجبرئيل وتعجّبي.
فقال جبرئيل: يا محمّد، أ تعظّم ما ترى؟ إنّما هذا خلق من خلق ربّك، فكيف بالخالق الّذي خلق ما ترى؟ وما لا ترى أعظم من هذا! إنّ بين اللّه وبين خلقه سبعين ألف [حجاب. وأقرب الخلق إلى اللّه أنا وإسرافيل، وبيننا وبينه أربعة حجب] :
حجاب من نور، وحجاب من ظلمة، وحجاب من الغمام، وحجاب من الماء.
قال: ورأيت من العجائب الّتي خلق اللّه وسخّر على ما أراده ديكا رجلاه في تخوم الأرضين السّابعة ورأسه عند العرش، وملكا من ملائكة اللّه خلقه اللّه ، كما أراد، رجلاه في تخوم الأرضين السّابعة، ثمّ أقبل مصعدا حتّى خرج في الهواء إلى السّماء السّابعة، وانتهى فيها مصعدا حتّى انتهى قرنه إلى قرب العرش، وهو يقول: سبحان ربيّ حيث ما كنت، لا تدري أين ربّك من عظم شأنه. و له جناحان في منكبيه ، إذا نشرهما جاوزا الشّرق والغرب، فإذا كان في السّحر، نشر [ذلك الدّيك] جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتّسبيح يقول: سبحان اللّه الملك القدّوس، سبحان اللّه الكبيرالمتعال، لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم. فإذا قال ذلك سبّحت ديوك الأرض كلّها وخفقت بأجنحتها وأخذت في الصّراخ ، وإذا سكت ذلك الدّيك في السّماء، سكتت ديوك الأرض كلّها. ولذلك الدّيك زغب أخضر وريش أبيض، كأشد [بياض ما رأيته قطّ، وله زغب أخضر- أيضا- تحت ريشه الأبيض، كأشدّ] خضرة ما رأيتها.
قال: ثمّ مضيت مع جبرئيل فدخلت البيت المعمور فصلّيت فيه ركعتين، ومعي أناس من أصحابي عليهم ثياب جدد وآخرون عليهم ثياب خلقان ، فدخل أصحاب الجدد وحبس أصحاب الخلقان. ثمّ خرجت فانقاد إليّ نهران: نهر يسمّى: الكوثر، ونهر يسمّى: الرّحمة، فشربت من الكوثر واغتسلت من الرّحمة. ثمّ انقادا إليّ جميعا حتّى دخلت الجنّة، فإذا على حافيتها بيوتي وبيوت أزواجي، وإذا ترابها كالمسك، وإذا جارية تنغمس في أنهار الجنّة.
فقلت: لمن أنت، يا جارية؟
فقال: لزيد بن حارثة.
فبشّرته بها حين أصبحت، وإذا بطيرها البخت ، وإذا رمّانها مثل الدّلاء العظام، وإذا شجرة لو أرسل طائر في أصلها ما دارها تسعمائة سنة وليس في الجنّة منزل إلّا وفيها قتر منها، فقلت: ما هذه الشّجرة ، يا جبرئيل؟
فقال: هذه شجرة طوبى، قال اللّه - تعالى-: طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ.
قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: فلمّا دخلت الجنّة رجعت إليّ نفسي، فسألت جبرئيل عن تلك البحار وهو لها وأعاجيبها.
فقال: هي سرادقات الحجب الّتي احتجب اللّه- تبارك وتعالى- بها، ولو لا تلكالحجب، لتهتّك نور العرش و كلّ شيء فيه.
و انتهيت إلى سدرة المنتهى، فإذا الورقة منها تظلّ أمّة من الأمم، فكنت منها، كما قال اللّه - تبارك وتعالى-: قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فناداني: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ. وقد كتبنا ذلك في سورة البقرة.
فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا ربّ، أعطيت أنبياءك فضائل فأعطني.
فقال اللّه- عزّ وجلّ-: قد أعطيتك فيما أعطيتك كلمتين من تحت عرشي: لا حول ولا قوة إلّا باللّه [العليّ العظيم] ولا منجا منك إلّا إليك.
قال: وعلّمتني الملائكة قولا أقوله إذا أصبحت وأمسيت: «الّلهمّ، إنّ ظلمي أصبح مستجيرا بعفوك، وذنبي أصبح مستجيرا بمغفرتك، وذلّي أصبح مستجيرا بعزّتك، وفقري أصبح مستجيرا بغناك، ووجهي الفاني البالي أصبح مستجيرا بوجهك الدّائم الباقي الّذي لا يفنى» .
ثمّ سمعت الأذان، فإذا ملك يؤذّن لم ير في السّماء قبل تلك اللّيلة، فقال: اللّه أكبر، اللّه أكبر.
فقال اللّه- عزّ وجلّ-: صدق عبدي، أنا أكبر [من كلّ شيء] .
فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، أشهد أن لا إله إلّا اللّه.
فقال- عزّ وجلّ-: صدق عبدي، أنا اللّه لا إله غيري.
قال: أشهد أن محمّدا رسول اللّه، أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه.
فقال- عزّ وجلّ-: صدق عبدي، أنّ محمّدا عبدي ورسولي، أنا بعثته وانتجبته.
فقال: حيّ على الصّلاة. حيّ على الصّلاة.
فقال اللّه- عزّ وجلّ-: صدق عبدي، دعا إلى فريضتي. فمن مشى إليها راغبا فيها محتسبا، كانت له كفّارة لما مضى من ذنوبه.فقال: حيّ على الفلاح. حيّ على الفلاح.
فقال اللّه: هي الصّلاح والفلاح والنّجاح.
ثمّ أممّت الملائكة في السّماء، كما أمّمت الأنبياء- عليهم السّلام- في بيت المقدس. ثمّ غشيتني صبابة فخررت ساجدا، فناداني ربّي: إنّي قد فرضت على كلّ نبيّ [كان] قبلك خمسين صلاة، وفرضتها عليك وعلى أمّتك، فقم بها أنت في أمّتك.
فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: فانحدرت حتّى مررت على إبراهيم- عليه السّلام- فلم يسألني عن شيء، حتّى انتهيت إلى موسى- عليه السّلام- فقال: ما صنعت، يا محمّد؟
فقلت: قال ربّي: قد فرضت على كلّ نبيّ كان قبلك خمسين صلاة، وفرضتها عليك وعلى أمّتك.
فقال: موسى - عليه السّلام-: يا محمّد، إنّ أمّتك آخر الأمم وأضعفها، وإنّ ربّك لا يردّ عليك شيئا وإنّ أمّتك لا تستطيع أن تقوم بها، فارجع إلى ربّك فأسأله التّخفيف لأمّتك.
فرجعت إلى ربّي حتّى انتهيت إلى سدرة المنتهى، فخررت ساجدا، ثمّ قلت:
فرضت عليّ وعلى أمّتي خمسين صلاة، ولا أطيق ذلك ولا أمّتي، فخفّف عنّي، فوضع عنّي عشرا ، فرجعت إلى موسى- عليه السّلام- فأخبرته.
فقال: ارجع إليه لا تطيق.
[فرجعت إلى ربّي، فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى- عليه السّلام- فأخبرته.
فقال: ارجع إليه، لا تطيق] .
فوضع عنّي عشرا، فرجعت إلى موسى فأخبرته.
فقال: ارجع.و في كلّ رجعة أرجع إليه أخرّ ساجدا حتّى رجع إلى عشر صلوات، فرجعت إلى موسى فأخبرته.
فقال: لا تطيق.
فرجعت إلى ربّي فوضع عنّي خمسا، فرجعت إلى موسى- عليه السّلام- فأخبرته .
فقال: لا تطيق.
فقلت: قد استحييت من ربّي، ولكن أصبر عليها.
فناداني مناد: كما صبرت عليها، فهذه الخمس بخمسين صلاة ، كلّ صلاة بعشر . ومن همّ من أمّتك بحسنة يعملها فعملها ، كتبت له عشرا، وإن لم يعمل، كتبت عليه واحدة، وإن لم يعملها، لم تكتب عليه.
قال الصّادق- عليه السّلام-: جزى اللّه موسى عن هذه الأمّة خيرا. فهذا تفسير قول اللّه- عزّ وجلّ-: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا (الآية).
و في من لا يحضره الفقيه ، بعد أن نقل عن الصّادق- عليه السّلام- حديثا: وقال- عليه السّلام-: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا اسري به أمره ربّه بخمسين صلاة، فمرّ على النّبيّين نبيّ نبيّ لا يسألونه عن شيء، حتّى انتهى إلى موسى بن عمران فقال:
بأيّ شيء أمرك ربّك؟
فقال: بخمسين صلاة.
فقال: اسأل ربّك التّخفيف، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك.
فسأل ربّه- عزّ وجلّ- فحطّ عنه عشرا، ثمّ مرّ بالنّبيّين نبيّ نبيّ لا يسألونه عن شيء، حتّى مرّ بموسى بن عمران فقال: بأي شيء أمرك ربّك؟
فقال: بأربعين صلاة.
فقال: اسأل ربّك التّخفيف، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك.
فسأل ربّه- عزّ وجلّ- فحطّ عنه عشرا، ثمّ مرّ بالنّبيين نبيّ نبيّ لا يسألونه عن شيء، حتّى مرّ بموسى فقال: بأيّ شيء أمرك ربّك؟فقال: بثلاثين صلاة.
فقال: اسأل ربّ التّخفيف، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك.
فسأل ربّه- عزّ وجلّ- فحطّ عنه عشرا، ثمّ مرّ بالنّبيّين نبيّ نبيّ لا يسألونه عن شيء، حتّى مرّ بموسى [بن عمران] فقال: بأيّ شيء أمرك ربّك؟
فقال: بعشرين صلاة.
فقال: اسأل ربّك التّخفيف، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك.
فسأل ربّه- عزّ وجلّ- فحطّ عنه عشرا، ثمّ مرّ بالنّبيّين نبيّ نبيّ لا يسألونه عن شيء، حتّى مرّ بموسى فقال له: بأيّ شيء أمرك ربّك؟
فقال: بعشر صلوات.
فقال: اسأل ربّك التّخفيف، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك، فإنّي جئت إلى بني إسرائيل بما افترض اللّه- عزّ وجلّ- عليهم فلم يأخذوا به ولم يقرّوا عليه.
فسأل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ربّه، فخفّف عنه فجعلها خمسا، ثمّ مرّ بالنّبيّين نبيّ نبيّ لا يسألونه عن شيء، حتّى مرّ بموسى- عليه السّلام- فقال: بأيّ شيء أمرك ربّك؟
فقال: بخمس صلوات.
فقال: اسأل ربّك التّخفيف، عن أمّتك، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك.
فقال: إنّي لأستحي أن أعود إلى ربّي. فجاء رسول اللّه (ص) بخمس صلوات.
و قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: جزى اللّه موسى بن عمران عن أمّتي خيرا.
و قال الصّادق عليه السّلام-: جزى اللّه موسى بن عمران عنّا خيرا.
و روي عن زيد بن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- أنّه قال: سألت أبي، سيّد العابدين- عليه السّلام- فقلت له: يا أبة، أخبرني عن جدّنا، رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا عرج به إلى السّما وأمره ربّه- عزّ وجلّ- بخمسين صلاة كيف لم يسأله التّخفيف عن أمّته حتّى قال له موسى بن عمران: ارجع إلى ربّك فاسأله التّخفيف، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك؟
قال: يا بنيّ، إن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لا يقترح على ربّه- عزّ وجلّ- ولا يراجعه في شيء يأمره به. فلمّا سأله موسى- عليه السّلام- ذلك، وصار شفيعا لأمّته إليه، لم يجز له ردّ شفاعة أخيه، موسى، فرجع إلى ربّه- عزّ وجلّ- يسأله التّخفيف إلى أن ردّها إلى خمس صلوات.
قال: فقلت يا أبة: فلم لم يرجع إلى ربّه- عزّ وجلّ- ولم يسأله التّخفيف عن خمس صلوات، وقد سأله موسى أن يرجع إلى ربّه ويسأله التّخفيف؟
فقال: يا بنيّ، أراد- صلّى اللّه عليه وآله- أن يحصل لأمّته التّخفيف مع أجر خمسين صلاة، لقول اللّه- عزّ وجلّ-: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها. ألا ترى أنّه- عليه السّلام- لمّا هبط إلى الأرض نزل عليه جبرئيل، فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرئك السّلام ويقول: إنّها خمس بخمسين ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ .
قال: فقلت له: يا أبة، أليس اللّه- جلّ ذكره- لا يوصف بمكان؟
فقال: بلى، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.
قلت: فما معنى قول موسى- عليه السّلام- لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:
ارجع إلى ربّك؟
قال: معناه معنى قول إبراهيم : إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ. ومعنى قول موسى - عليه السّلام-: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى. ومعنى قوله - عزّ وجلّ-: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ، يعني: حجّوا إلى بيت اللّه.
يا بنيّ، إنّ الكعبة بيت اللّه فمن حجّ بيت اللّه فقد قصد إلى اللّه، والمساجد بيوت اللّه فمن سعى إليها فقد سعى إلى اللّه- عزّ وجلّ- وقصد إليه، والمصلّي ما دام في صلاته فهو واقف بين يدي اللّه، فإنّ للّه- عزّ وجلّ- بقاعا في سماواته فمن عرج به إلى بقعة منها فقد عرج به إليه، ألا تسمع اللّه- عزّ وجلّ- يقول : تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ. ويقول اللّه - عزّ وجلّ- في قصّة عيسى بن مريم- عليهما السّلام-: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ
و يقول اللّه - عزّ وجلّ-: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ. وقد أخرجت هذا الحديث مسندا في كتاب المعارج (انتهى).
و في الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن عليّ بن الحكم، عن ربيع بن محمّد المسلميّ، عن عبد اللّه بن سليمان العامريّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لمّا عرج برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نزل بالصّلاة عشر ركعات، ركعتين ركعتين.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ما تروى هذه النّاصبة؟
فقلت : جعلت فداك، في ما ذا ؟
فقال: في أذانهم وركوعهم وسجودهم.
فقلت: إنّهم يقولون: إنّ ابيّ بن كعب رآه في النّوم.
فقال: كذبوا، فإنّ دين اللّه- عزّ وجلّ- أعزّ من أن يرى في النّوم.
قال: فقال له سدير الصّيرفيّ: جعلت فداك، فأحدث لنا من ذلك ذكرا.
فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- لمّا عرج بنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى سماواته السّبع، أمّا أوّلهنّ فبارك عليه، والثّانية علّمه فرضه، فأنزل اللّه محملا من نور فيه أربعون نوعا من أنواع النّور كانت محدقة بعرش اللّه تغشي أبصار النّاظرين، أمّا واحد منها فأصفر فمن أجل ذلك اصفرّت الصفّرة، وواحد منها أحمر فمن أجل ذلك احمرّت الحمرة، وواحد منها أبيض فمن أجل ذلك ابيضّ البياض، والباقي على سائر عدد الخلق من النّور والألوان، في ذلك المحمل حلق وسلاسل من فضّة.
ثمّ عرج به إلى السّماء، فنفرت الملائكة إلى أطراف السّماء وخرّت سجّدا، وقالت: سبّوح قدوّس، ما أشبه هذا النّور بنور ربّنا؟ فقال جبرئيل: اللّه أكبر، اللّه أكبر.
ثمّ فتحت أبواب السّماء واجتمعت الملائكة، فسلّمت على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-أفواجا، وقالت: يا محمّد، كيف أخوك؟ إذا نزلت فأقرئه السّلام.
قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أ فتعرفونه؟
قالوا: وكيف لا نعرفه وقد أخذ ميثاقك وميثاقه وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا، وإنّا لنتصفّح وجوه شيعته كلّ يوم وليلة خمسا- يعنون: في كلّ وقت صلاة-، وإنّا لنصلّي عليك وعليه.
[قال:] ثمّ زادني ربّي أربعين نوعا من أنواع النّور لا تشبه النور الأوّل، وزادني حلقا وسلاسل.
و عرج بي إلى السّماء الثّانية، فلمّا قربت من باب السّماء الثّانية نفرت الملائكة إلى أطراف السّماء وخرّت سجدّا، وقالت: سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح، ما أشبه هذا النّور بنور ربّنا؟ فقال جبرئيل- عليه السّلام-: أشهد أن لا إله إلّا اللّه .
فاجتمعت الملائكة وقالت: يا جبرئيل، من هذا معك؟
قال: هذا محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.
قالوا: وقد بعث؟
قال: نعم.
قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: [فخرجوا] إليّ شبه المعانيق فسلّموا عليّ، وقالوا: اقرأ أخاك السّلام.
فقلت: أ تعرفونه؟
قالوا: وكيف لا نعرفه وقد أخذ ميثاقك وميثاقه وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا، وإنّا لنتصفّح وجوه شيعته في كلّ يوم وليلة خمسا، يعنون: في كلّ وقت صلاة.
قال: ثمّ زادني ربّي أربعين نوعا من أنواع النّور، لا تشبه الأنوار الأولى.
ثمّ عرج بي إلى السّماء الثّالثة، فنفرت الملائكة وحزّت سجّدا، وقالت: سبّوحقدّوس [ربّنا و] ربّ الملائكة والرّوح، ما هذا النّور الّذي يشبه نور ربّنا؟ فقال جبرئيل: أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه، أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه. فاجتمعت الملائكة وقالت: مرحبا بالأوّل، ومرحبا بالآخر ، ومرحبا بالحاشر، ومرحبا بالنّاشر، محمّد خير النّبيّين وعليّ خير الوصيّين.
قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: ثمّ سلّموا عليّ، وسألوني عن أخي.
قلت: هو في الأرض، أ فتعرفونه؟
قالوا: وكيف لا نعرفه وقد نحجّ البيت المعمور كلّ سنة، وعليه رقّ أبيض فيه اسم محمّد واسم عليّ والحسن والحسين والأئمّة- عليهم السّلام- وشيعتهم إلى يوم القيامة، وإنّا لنبارك عليهم في كلّ يوم وليلة خمسا، يعنون به: في وقت كلّ صلاة، ويمسحون رؤوسهم بأيديهم.
قال: ثمّ زادني ربّي أربعين نوعا من أنواع النّور، لا تشبه تلك الأنوار الأول .
ثمّ عرج بي حتّى انتهيت إلى السّماء الرّابعة، فلم تقل الملائكة شيئا، وسمعت دويّا كأنّه في الصّدور، فاجتمعت الملائكة ففتحت أبواب السّماء وخرجت إليّ شبه المعانيق، فقال جبرئيل- عليه السّلام-: حيّ على الصّلاة، حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح.
فقالت الملائكة: صوتان مقرونان معروفان.
فقال جبرئيل- عليه السّلام-: قد قامت الصّلاة، قد قامت الصّلاة.
فقالت الملائكة: هي لشيعته إلى يوم القيامة.
ثمّ اجتمعت الملائكة وقالت: كيف تركت أخاك؟
فقلت لهم: وتعرفونه؟
قالوا: نعرفه وشيعته، وهو نور حول عرش اللّه- تعالى-. وإنّ في البيت المعمور لرقّا من نور، فيه كتاب من نور، فيه اسم محمّد وعليّ والحسن والحسين والأئمة وشيعتهم إلى يوم القيامة لا يزيد فيهم رجل ولا ينقص منهم رجل، وإنّه لميثاقنا، وإنّه ليقرأ علينا كلّ [يوم] جمعة.
ثمّ قيل لي: ارفع رأسك، يا محمّد. فرفعت رأسي فإذا أطباق السّماء قد خرقت والحجب قد رفعت، ثمّ قال لي: طأطئ رأسك انظر ما ذا ترى؟ فطأطأت رأسي فنظرت إلى بيت، مثل بيتكم هذا وحرم، مثل حرم هذا البيت، لو ألقيت شيئا من يدي لم يقع إلّا عليه.
فقيل لي: يا محمّد، إنّ هذا الحرم وأنت الحرام، ولكلّ مثل مثال.
ثمّ أوحى اللّه إليّ: يا محمّد، ادن من صاد فاغسل مساجدك وطهّرها وصلّ لربّك. فدنا رسول اللّه من صاد، وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن، فتلقّى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الماء بيده اليمنى، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين.
ثمّ أوحى اللّه- عزّ وجلّ- إليه: أن اغسل وجهك فإنّك تنظر إلى عظمتي، ثمّ اغسل ذراعيك اليمنى واليسرى فإنّك تلقّى بيدك كلامي، ثمّ امسح رأسك بفضل ما بقي في يديك من الماء ورجليك إلى كعبيك فإنّي أبارك عليك وأوطئك موطئا لم يطأه أحد غيرك. فهذا علّة الأذان والوضوء.
ثمّ أوحى اللّه- عزّ وجلّ إليه-: يا محمّد، استقبل الحجر الأسود وكبّرني على عدد حجبي. فمن أجل ذلك صار التّكبير سبعا، لأنّ الحجب سبعة .
فافتتح عند انقطاع الحجب، فمن أجل ذلك صار الافتتاح سنّة، والحجب متطابقة فيهن بينهنّ بحار النّور، وذلك النّور الّذي أنزله اللّه على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- فمن أجل ذلك صار الافتتاح ثلاث مرّات [لافتتاح الحجب ثلاث مرّات] ، فصار التّكبير سبعا والافتتاح ثلاثا.
فلمّا فرغ من التّكبير والافتتاح أوحى اللّه إليه: سمّ باسمي. فمن أجل ذلك جعل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في أوّل السّورة.
ثمّ أوحى اللّه إليه: أن أحمدني. فلمّا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في نفسه: شكرا.
فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إليه: قطعت حمدي فسمّ باسمي. فمن أجل ذلك جعل في الحمد الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مرّتين.
فلمّا بلغ وَلَا الضَّالِّينَ قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: الحمد للّه ربّ العالمين [شكرا] .
فأوحى اللّه إليه: قطعت ذكري، فسمّ باسمي. فمن أجل ذلك جعل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في أوّل السّورة.
ثمّ أوحى اللّه- عزّ وجلّ- إليه: اقرأ، يا محمّد، نسبة ربّك- تبارك وتعالى-: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.
ثمّ أمسك عنه الوحي، فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: [الواحد الأحد الصّمد.
فأوحى اللّه إليه: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.
ثمّ أمسك عنه الوحي، فقال رسول اللّه: كذلك اللّه] كذلك اللّه ربّي .
فلمّا قال ذلك، أوحى اللّه إليه: اركع لرّبّك، يا محمّد. فركع، فأوحى اللّه إليه وهو راكع: قل: سبحان ربّي العظيم [و بحمده] . ففعل ذلك ثلاثا.
ثمّ أوحى [اللّه] إليه: ارفع رأسك، يا محمّد. ففعل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقام منتصبا، فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إليه: اسجد لربّك، يا محمّد. فخرّ رسول اللّه ساجدا، فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إليه: قل: سبحان ربّي الأعلى [و بحمده] . ففعل- صلّى اللّه عليه وآله- ذلك ثلاثا.
ثمّ أوحى [اللّه] إليه استو جالسا [يا محمّد] . ففعل، فلمّا رفع رأسه من سجوده واستوى جالسا نظر إلى عظمته ، تجلّت له، فخرّ ساجدا من تلقاء نفسه، لا لأمرربّه ، فسبّح اللّه ثلاثا، فأوحى اللّه إليه: انتصب قائما. ففعل فلم يرما كان رأى من العظمة، فمن أجل ذلك صارت الصّلاة ركعة وسجدتين.
ثمّ أوحى [اللّه] إليه: اقرأ الْحَمْدُ لِلَّهِ. فقرأها مثلما قرأ أوّلا. ثمّ أوحى [اللّه] إليه: اقرأ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فإنّها نسبتك ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة. وفعل في الرّكوع [مثل] ما فعل في المرّة الأولى، ثمّ سجد سجدة واحدة، فلمّا رفع رأسه تجلّت له العظمة فخرّ ساجدا من تلقاء نفسه لا لأمر ربّه ، فسبّح أيضا.
ثمّ أوحى اللّه إليه: ارفع رأسك، يا محمّد، ثبّتك ربّك. فلمّا ذهب ليقوم قيل:
يا محمّد، اجلس. فجلس، فأوحى اللّه إليه: يا محمّد، إذا ما أنعمت عليك فسمّ باسمي.
فألهم أن قال: بسم اللّه وباللّه ولا إله إلّا اللّه والأسماء الحسنى كلّها للّه.
ثمّ أوحى اللّه إليه: يا محمّد، صلّ على نفسك وعلى أهل بيتك. فقال: صلّى اللّه عليّ وعلى أهل بيتي وقد فعل.
ثمّ التفت فإذا بصفوف الملائكة والمرسلين والنّبيّين، فقيل: يا محمّد، سلّم عليهم. فقال: السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته. فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إليه: إنّ السّلام والتّحيّة والرّحمة والبركات أنت وذرّيّتك.
ثمّ أوحى اللّه- عزّ وجلّ- إليه: أن لا يلتفت يسارا. وأوّل آية سمعها بعد قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وإِنَّا أَنْزَلْناهُ آية أصحاب اليمين وأصحاب الشّمال، فمن أجل ذلك كان السّلام واحد تجاه القبلة، ومن أجل ذلك كان التّكبير في السّجود شكرا.
و قوله: «سمع اللّه لمن حمده» لأنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- سمع ضجّة الملائكة بالتّسبيح والتّحمد والتّهليل، فمن أجل ذلك قال: سمع اللّه لمن حمده. ومن أجل ذلك صارت الرّكعتان الأوليان كلّما أحدث فيهما حدثا كان على صاحبهما إعادتهما. فهذا الفرض الأوّل في صلاة الزّوال، يعني: صلاة الظّهر.
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى ابن عبّاس قال: دخلت عائشة علىرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو يقبّل فاطمة- عليها السّلام-.
فقال له: أ تحبّها، يا رسول اللّه؟
قال: أما- واللّه- لو علمت حبّي لها، لازددت لها حبّا، إنّه لمّا عرج بي إلى السّماء الرّابعة أذّن جبرئيل وأقام ميكائيل، ثمّ قيل لي: ادن ، يا محمّد.
فقلت: أتقدّم وأنت بحضرتي، يا جبرئيل؟
قال: نعم، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين، وفضّلك أنت خاصّة.
فدنوت فصلّيت بأهل السّماء الرّابعة، ثمّ التفتّ عن يميني فإذا أنا بإبراهيم- عليه السّلام- في روضة من رياض الجنّة وقد اكتنفها جماعة من الملائكة.
[ثمّ] إنّي صرت إلى السّماء الخامسة ومنها إلى السّماء السّادسة، فنوديت:
يا محمّد، نعم الأب أبوك إبراهيم ونعم الأخ أخوك عليّ. فلمّا صرت إلى الحجب أخذ جبرئيل- عليه السّلام- بيدي فأدخلني الجنّة، فإذا [أنا] بشجرة من نور في أصلها ملكان يطويان الحلل والحلّي.
فقلت: حبيبي جبرئيل، لمن هذه الشّجرة؟
قال: هذه لأخيك عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. وهذا الملكان يطويان له الحلّي والحلل] إلى يوم القيامة.
ثمّ تقدّمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزّبد وأطيب رائحة من المسك وأحلى من العسل، فأخذت رطبة منها فأكلتها فتحوّلت الرّطبة نطفة في صلبي. فلمّا أن هبطت إلى الأرض، واقعت خديجة، فحملت بفاطمة- عليها السّلام-. ففاطمة حوراء إنسيّة، فإذا اشتقت إلى الجنّة، شممت رائحة فاطمة- عليها السّلام-.
و بإسناده إلى هشام بن سالم: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا اسري برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وحضرت الصّلاة أذّن جبرئيل وأقام الصّلاة، فقال:تقدم، يا محمّد.
فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: تقدّم، يا جبرئيل.
فقال له: إنّا لا نتقدم على الآدميين منذ أمرنا بالسجود لآدم- عليه السّلام-.
و بإسناده إلى هشام بن الحكم: عن أبي الحسن موسى- عليه السّلام- قال: قلت له: لأيّ علّة صار التّكبير في الافتتاح سبع تكبيرات أفضل، ولأيّ علّة يقال في الرّكوع: سبحان ربّي العظيم وبحمده، ويقال في السّجود: سبحان ربّي الأعلى وبحمده؟
قال: يا هشام، إنّ اللّه- تبارك وتعالى- خلق السّماوات سبعا والأرضين سبعا والحجب سبعا. فلمّا اسري بالنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وكان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجاب من حجبه، فكبّر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وجعل يقول الكلمات الّتي تقال في الافتتاح. فلمّا رفع له الثّاني كبّر، فلم يزل كذلك حتى بلغ سبع حجب وكبّر سبع تكبيرات، فلتلك العلّة تكبير الافتتاح في الصّلاة سبع تكبيرات. فلمّا ذكر ما رأى من عظمة اللّه ارتعدت فرائصه فابترك على ركبتيه، وأخذ يقول: سبحان ربّي العظيم وبحمده. فلمّا اعتدل من ركوعه قائما نظر إليه في موضع أعلى من ذلك الموضع خرّ على وجهه، وهو يقول : سبحان ربّي الأعلى وبحمده.
فلمّا قال سبع مرّات سكن ذلك الرّعب، فلذلك جرت به السّنّة.
و بإسناده إلى إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا الحسن، موسى بن جعفر- عليه السّلام-: كيف صارت الصّلاة ركعة وسجدتين، وكيف إذا صارت سجدتين لم تكن ركعتين؟
فقال: إذا سألت عن شيء ففرّغ قلبك لتفهم، إنّ أوّل صلاة صلّاها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إنّما صلاها في السّماء بين يدي اللّه- تبارك وتعالى- قدّام عرشه- جلّ جلاله-. وذلك أنّه لمّا اسري به وصار عند عرشه- تبارك وتعالى- [فتجلّى له عن وجههحتّى رآه بعينه] قال: يا محمّد، ادن من صاد فاغسل مساجدك وطهّرها وصلّ لرّبّك.
فدنا رسول اللّه إلى حيث أمره اللّه- تبارك وتعالى- فتوضّأ وأسبغ وضوءه، ثمّ استقبل الجبّار- تبارك وتعالى- قائما فأمره بافتتاح الصّلاة فقال: يا محمّد، اقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (إلى آخرها). ففعل ذلك، ثمّ أمره أن يقرأ نسبة ربّه- تبارك وتعالى-: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ [ثمّ أمسك عنه القول.
فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ.
فقال: قل:] لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ. فأمسك عنه القول.
فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: كذلك اللّه ربّي، كذلك اللّه ربّي، [كذلك اللّه ربّي] .
فلمّا قال ذلك قال: اركع، يا محمّد لربّك. فركع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال له وهو راكع: [قل:] سبحان ربّي العظيم وبحمده. ففعل ذلك ثلاثا، ثمّ قال: ارفع رأسك، يا محمّد. ففعل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [فقام منتصبا] بين يدي اللّه- عزّ وجلّ-.
فقال: اسجد، يا محمّد، لرّبّك. فخرّ رسول اللّه ساجدا، فقال: سبحان ربّي الأعلى وبحمده. ففعل ذلك رسول اللّه ثلاثا، فقال له: استو جالسا، يا محمّد. ففعل، فلمّا استوي [جالسا] ذكر جلال ربّه- جلّ جلاله- فخرّ رسول اللّه ساجدا من تلقاء نفسه لا لأمر ربّه- عزّ وجلّ-، فسبّح- أيضا- ثلاثا.
فقال: انتصب قائما. ففعل فلم يرما كان رأى من عظمة ربّه- جلّ جلاله-.
فقال له: اقرأ، يا محمّد، وافعل كما فعلت في الرّكعة الأولى. ففعل ذلك رسول اللّه ثمّ
سجد سجدة واحدة، فلمّا رفع رأسه ذكر جلالة ربه- تبارك وتعالى- الثّانية فخرّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ساجدا من تلقاء نفسه لا لأمر ربّه- عزّ وجلّ-، فسبّح- أيضا-.
ثمّ قال له: ارفع رأسك، ثبّتك اللّه، واشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّدا رسول اللّه، وأنّ السّاعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللّه يبعث من في القبور، الّلهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وترحّم على محمّد وآل محمّد، كما صلّيت وباركت وترحّمت [و مننت] على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللّهمّ تقبّل شفاعته [في أمّته] وارفع درجته.
ففعل، فقال: [سلّم] يا محمّد، و استقبل. [فاستقبل] رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ربّه- تبارك وتعالى- مطرقا، فقال: السّلام [عليك] . فأجابه الجبّار- جلّ جلاله- فقال: وعليك السّلام، يا محمّد، بنعمتي قوّيتك على طاعتي وبعصمتي إيّاك اتّخذتك نبيّا وحبّيبا.
ثمّ قال أبو الحسن- عليه السّلام-: وإنّما كانت الصّلاة الّتي امر بها ركعتين وسجدتين، وهو- صلّى اللّه عليه وآله- إنّما سجد سجدتين في كلّ ركعة عمّا أخبرتك من تذكّره [لعظمة] ربّه- تبارك وتعالى- فجعله اللّه- عزّ وجلّ- فرضا.
قلت: جعلت فداك، وما «صاد» الّذي امر أن يغتسل منه؟
فقال: عين تنفجر من ركن من أركان العرش يقال له: ماء الحياة، وهو ما قال اللّه- عزّ وجلّ-: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ. إنّما أمره أن يتوضّأ ويقرأ ويصلّي.
أبي - رحمه اللّه- قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسن الصّفّار ولم يحفظ إسناده قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا اسري بي إلى السّماء سقط [قطرة] من عرقي فنبت منه الورد فوقع في البحر، فذهب السّمك ليأخذها وذهبالدّعموص ليأخذها، فقالت السّمكة: هي لي. وقال الدّعموص : هي لي. فبعث اللّه- عزّ وجلّ- إليهما ملكا ليحكم بينهما، فجعل نصفها للسّمكة ونصفها للدّعموص .
و في عيون الأخبار : حدّثني محمّد [بن إبراهيم بن إسحاق الطّالقانيّ- رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا محمّد بن] همّام قال: حدّثنا أحمد بن بندار قال: حدّثنا أحمد بن هلال، عن محمّد بن أبي عمير، عن المفضّل بن عمر، عن الصّادق، جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه: لمّا اسري بي إلى السّماء أوحى إليّ ربّي- جلّ جلاله- فقال:
يا محمّد، إنّي اطّلعت على الأرض اطّلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيّا وشققت لك من اسمي اسما فأنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ اطّلعت ثانية فاخترت منها عليّا وجعلته وصيّك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذرّيّتك وشققت له اسما من أسمائي فأنا العليّ الأعلى وهو عليّ، وجعلت فاطمة والحسن والحسين من نور كما، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة فمن قبلها كان عندي من المقرّبين.
يا محمّد، لو أنّ عبدا عبدني حتّى ينقطع ويصير كالشّنّ البالي ، ثمّ أتاني جاحدا لولايتهم ما أسكنته جنّتي ولا أظللته تحت عرشي.
يا محمّد، أ تحبّ أن تراهم؟
قلت: نعم، يا ربّ.
فقال- عزّ وجلّ-: ارفع رأسك.
فرفعت رأسي، فإذا أنا بأنوار عليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعليّ بن موسى ومحمّد بن عليّ وعليّ بن محمّد والحسن بن عليّ والحجّة بن الحسن القائم في وسطهم، كأنّه كوكب درّيّ.
قلت: يا ربّ، من هؤلاء؟قال: هؤلاء الأئمّة، وهذا القائم الّذي يحلّ حلالي ويحرّم حرامي، وبه أنتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الّذي يشفي قلوب شيعتك من الظّالمين والجاحدين والكافرين، فيخرج اللّات والعزّى طريّين فيحرقهما، فلفتنة النّاس بهما يومئذ أشدّ من فتنة العجل والسّامريّ.
و بإسناده إلى عبد السّلام بن صالح الهرويّ قال: قلت لعليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام-: يا ابن رسول اللّه، أخبرني عن الجنّة والنّار أ هما اليوم مخلوقتان؟
فقال: نعم، وأنّ رسول اللّه قد دخل الجنّة ورأى النّار لمّا عرج به إلى السّماء.
قال: فقلت له: إنّ قوما يقولون: إنّهما اليوم مقدرتان غير مخلوقتين.
فقال:- عليه السّلام-: لا هم منّا ولا نحن منهم، من أنكر خلق الجنّة والنّار، فقد كذّب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- [و كذّبنا] وليس من ولايتنا على شيء ويخلّد في نار جهنّم، قال اللّه - تعالى-: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ، يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ. وقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا عرج بي إلى السّماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنّة، فناولني من رطبها فأكلته فتحوّل ذلك نطفة في صلبي، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة- عليها السّلام-. ففاطمة حوريّة إنسيّة، فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنّة، شممت رائحة ابنتي فاطمة- عليها السّلام-.
و بإسناده إلى عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ: عن محمّد بن عليّ الرّضا، عن أبيه، الرّضا، عن أبيه، موسى بن جعفر، عن أبيه، جعفر بن محمّد، عن أبيه، محمّد بن عليّ، عن أبيه، عليّ بن الحسين، عن أبيه، الحسين بن عليّ، عن أبيه، أمير المؤمنين [عليّ بن أبي طالب] - عليهم السّلام- قال: دخلت أنا وفاطمة على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فوجدته يبكي بكاء شديدا.فقلت: فداك أبى وأمى، يا رسول الله، ما يبكيك ؟
فقال: يا علىّ، ليلة اسرى بى إلى السماء من أمتى في عذاب شديد، فأنكرت شأنهنّ فبكيت لما رأيت من شدّة عذابهنّ، ورأيت امرأة معلّقة بشعرها يغلى دماغ رأسها، ورأيت امرأة معلّقة بلسانها والحميم يصبّ في حلقها، ورأيت امرأة معلّقة بثدييها، ورأيت امرأة تأكل [لحم] جسدها والنّار توقد من تحتها، ورأيت امرأة قد شدّ رجلاها إلى يديها وقد سلّط عليها الحيات والعقاب، ورأيت امرأة صمّاء عمياء خرساء في تابوت من نار يخرج دماغ رأسها من منخرها وبدنها متقطّع من الجذام والبرص، ورأيت امرأة معلّقة برجلها [في تنّور] من نار، ورأيت امرأة يقطّع لحم جسدها من مقدّمها ومؤخّرها بمقاريض من نار، ورأيت امرأة يحرق وجهها ويداها وهي تأكل أمعاءها، ورأيت امرأة رأسها رأس الخنزير وبدنها بدن الحمار عليها ألف ألف لون من العذاب، ورأيت امرأة على صورة الكلب والنّار تدخل في دبرها وتخرج من فمها، والملائكة يضربون رأسها وبدنها بمقامع من نار.
قالت فاطمة- عليها السّلام-: حبيبي وقرّة عينى، أخبرنى ما كان عملهنّ وسيرتهنّ حتّى وضع الله عليهنّ هذا العذاب؟
فقال: يا بنتي، أمّا المعلّقه بشعرها، فإنّها كانت لا تغطّى شعرها من الرجال.
و أمّا المعلّقه بلسانها، فإنّها كانت تؤذى زوجها. وأمّا المعلّقه بثدييها، فإنّها كانت تمنع زوجها من فراشها . وأمّا المعلّقه برجليها، فإنّها كانت تخرج من بيتها بغير إذن زوجها.
و أما الّتى كانت تأكل لحم جسدها، فإنّها كانت تزيّن بدنها للناس. وأمّا الّتى شدّ يداها إلى رجليها وسلّط عليها الحيّات والعقارب، فإنّها كانت قذرة الوضوء قذرة الثّياب وكانت لا تغتسل من الجنابة والحيض ولا تتنظّف وكانت تستهين بالصّلاة. وامّا الصّمّاء الخرساء العمياء، فإنّها كانت تلد من الزّنا فتعلّقه في عنق زوجها. وأمّا الّتى كانتتقرض لحمها بالمقاريض، فإنها كانت تعرض نفسها على الرّجال. وأمّا الّتي كانت يحرق وجهها وبدنها وهي تأكل أمعاءها، فإنّها كانت قوّادة. وأمّا الّتي كان رأسها رأس الخنزير وبدنها بدن الحمار، فإنّها كانت نمّامة كذّابة. وأمّا الّتي كانت على صورة الكلب والنّار تدخل في دبرها وتخرج من فيها، فإنّها كانت قينة نوّاحة حاسدة.
ثمّ قال- عليه السّلام-: ويل لامرأة أغضبت زوجها وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها.
و بإسناده إلى الرّضا- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:
لمّا اسري بي إلى السّماء أخذ جبرئيل بيدي وأقعدني على درنوك من درانيك الجنّة، ثمّ ناولني سفرجلة فأنا أقلّبها إذا انفلقت فخرجت منها جارية حوراء لم أر أحسن منها.
فقالت: السّلام عليك، يا محمّد.
قلت: من أنت؟
قالت: أنا الرّاضية المرضيّة، خلقني الجبّار من ثلاثة أصناف: أسفلي من مسك، ووسطي من كافور، وأعلاي من عنبر، وعجنني من ماء الحيوان، وقال لي الجبّار: كوني. فكنت. [خلقني لأخيك وابن عمّك عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-] .
و بإسناده قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا اسري بي إلى السّماء، رأيت في السّماء الثّالثة رجلا قاعدا رجل له في المشرق ورجل له في المغرب، وبيده لوح ينظر فيه ويحرّك رأسه.
فقلت: يا جبرئيل، من هذا؟
قال: [هذا] ملك الموت.و في كتاب الخصال : عن أبي الحسن، الرّضا- عليه السّلام- [عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ- عليه السّلام-] قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا اسري بي إلى السّماء، رأيت رحما معلّقة بالعرش تشكو رحما إلى ربّها.
فقلت لها: كم بينك وبينها من أب؟
قالت: نلتقي في أربعين أبا.
و في كتاب ثواب الأعمال : عن عليّ- عليه السّلام-، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال في وصيّة له: يا عليّ، إنّي رأيت اسمك مقرونا إلى اسمي في أربعة مواطن فأنست بالنّظر إليه، إنّي لمّا بلغت بيت المقدس في معراجي إلى السّماء وجدت على الصّخرة مكتوبا: لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره.
فقلت لجبرئيل: من وزيري؟
قال: عليّ بن أبي طالب.
فلمّا انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدت مكتوبا عليها: «إنّي أنا اللّه لا إله إلّا أنا وحدي، محمّد صفوتي من خلقي، أيّدته بوزيره [و نصرته بوزيره] ».
فقلت لجبرئيل: من وزيري؟
فقال: عليّ بن أبي طالب.
فلمّا جاوزت السّدرة، انتهيت إلى عرش ربّ العالمين- جلّ جلاله- فوجدت مكتوبا على قوائمه: «أنا اللّه لا إله إلّا أنا وحدي، محمّد حبيبي، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره».
[فلمّا رفعت رأسي نظرت على بطنان العرش مكتوبا: «أنا اللّه لا إله إلّا أنا، محمّد عبدي ورسولي، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره»] .
عن ابن صالح ، عن ابن عبّاس قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-
يقول: أعطاني اللّه- تبارك وتعالى- خمسا، وأعطى عليّا خمسا، أسري بي إليه، وفتح له أبواب السّماء حتّى نظر إلى ما نظرت إليه.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى وهب بن منبّه، رفعه عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا عرج [بي إلى] ربّي- جلّ جلاله- أتاني النّداء: يا محمّد.
قلت: لبّيك، ربّ العظمة، لبّيك.
فأوحى اللّه إليّ: يا محمّد، فيم اختصم في الملأ الأعلى؟
فقلت: لا علم لي، إلهي.
فقال: يا محمّد، هلّا اتّخذت من الآدميّين وزيرا وأخا ووصيّا من بعدك؟
قلت: إلهي، ومن أتّخذ؟
تخيّر أنت لي، يا إلهي.
فأوحى اللّه إليّ: يا محمّد، قد اخترت لك من الآدميّين عليّ بن أبي طالب.
فقلت: إلهي، ابن عمّي؟
فأوحى اللّه إليّ: يا محمّد، إنّ عليّا وارثك ووارث العلم من بعدك، وصاحب لوائك، لواء الحمد يوم القيامة، وصاحب حوضك يسقي من ورد عليه من مؤمني أمّتك.
ثمّ أوحى اللّه إليّ: يا محمّد، إنّي قد أقسمت على نفسي قسما حقّا لا يشرب من ذلك الحوض مبغض لك ولأهل بيتك وذرّيّتك الطّيّبين الطّاهرين، حقّا حقّا أقول، يا محمّد، لأدخلنّ جميع أمّتك الجنّة إلّا من أبي من خلقي.
فقلت: إلهي، هل واحد يأبى من دخول الجنّة؟
فأوحى اللّه إليّ: بلى.
فقلت: وكيف يأبى؟
فأوحى اللّه إليّ: يا محمّد، اخترتك من خلقي واخترت لك وصيّا من بعدك، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدك، وألقيت محبّته في قلبك، وجعلته أبا لولدك، فحقّه بعدك على أمّتك، كحقّك عليهم في حياتك، فمن جحد حقّه، فقدجحد حقّك، ومن أبى أن [يواليه، فقد أبى أن] يواليك، [و من أبى أن يواليك] ، فقد أبى أن يدخل الجنّة.
فخررت للّه- عزّ وجلّ- ساجدا ، شكرا لما أنعم [عليّ] فإذا مناد ينادي: ارفع [يا محمّد] رأسك، واسألني أعطك.
فقلت: إلهي، اجمع أمّتي من بعدي على ولاية عليّ بن أبي طالب ليردوا جميعا على حوضي يوم القيامة.
فأوحى اللّه إليّ: يا محمّد، إنّي قد قضيت في عبادي قبل أن أخلقهم وقضائي ماض فيهم، لأهلك به من أشاء وأهدي به من أشاء، وقد آتيته علمك من بعدك، وجعلته وزيرك وخليفتك من بعدك على أهلك وأمّتك، عزيمة منّي [لأدخل الجنّة من أحبّه و] لا ادخل الجنّة من أبغضه وعاداه وأنكر ولايته بعدك، فمن أبغضه أبغضك ومن أبغضك أبغضني، ومن عاداه فقد عاداك ومن عاداك فقد عاداني، ومن أحبّه فقد أحبّك ومن أحبّك فقد أحبّني، وقد جعلت له هذه الفضيلة، وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهديّا كلّهم من ذرّيّتك، من البكر البتول وآخر رجل منهم يصلّي خلفه عيسى بن مريم، يملأ الأرض عدلا، كما ملئت منهم ظلما وجورا، أنجي به من الهلكة وأهدي به من الضّلالة وأبرئ به من العمى وأشفي به المريض.
فقلت: إلهي و[سيّدي] متى يكون ذلك؟
فأوحى اللّه إليّ- عزّ وجلّ-: يكون ذلك إذا رفع العلم وظهر الجهل، وكثر القرّاء وقلّ العمل، وكثر القتل، وقلّ فقهاء الهادين وكثر فقهاء الضّلالة والخونة، وكثر الشّعراء، واتّخذ أمتّك قبورهم مساجد، وحلّيت المصاحف وزخرفت المساجد، وكثر الجور والفساد، وظهر المنكر وأمر أمّتك به ونهوا عن المعروف، واكتفى الرّجال بالرّجالو النّساء بالنّساء، وصارت الأمراء كفرة وأولياؤهم فجرة وأعوانهم ظلمة وذووا الرّأي منهم فسقة، وعند ذلك ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب . وخراب البصرة بيد رجل من ذرّيّتك يتبعه الزّنوج، وخروج رجل من ولد الحسين بن عليّ، وخروج الدّجال يخرج بالمشرق من سجستان، وظهور السّفيانيّ.
فقلت: إلهي، ومتى يكون بعدي من الفتن؟
فأوحى اللّه إليّ وأخبرني ببلاء بني أميّة، وفتنة ولد عمّي العبّاس ، وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة.
فأوصيت بذلك ابن عمّي حين هبطت إلى الأرض، وأدّيت الرّسالة والحمد للّه على ذلك، كما حمده النّبيّون، وكما حمده كلّ شيء قبلي، وما هو خالقه إلى يوم القيامة.
و بإسناده إلى عبد السّلام بن الصّالح الهرويّ: عن عليّ بن موسى الرّضا، عن آبائه، عن عليّ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، يقول- صلّى اللّه عليه وآله- في آخره: وإنّه لمّا عرج بيّ إلى السّماء، أذّن جبرئيل مثنى مثنى [و أقام مثنى مثنى] ، ثمّ قال: تقدّم [يا محمّد] .
فقلت: يا جبرئيل، أتقدّم عليك؟
قال: نعم، لأنّ اللّه- تبارك وتعالى- فضّل أنبياءه على ملائكته أجمعين، وفضّلك خاصّة.
فتقدّمت وصلّيت بهم ولا فخر. فلمّا انتهينا إلى حجب النّور قال لي جبرئيل:
تقدّم، يا محمّد. [و تحلّف عنّي.
فقلت: يا جبرئيل، في مثل هذا الموضع تفارقني!؟فقال: يا محمّد،] إنّ هذا انتهاء حدّي الّذي وضعه اللّه لي في هذا المكان، فإن تجاوزته احترقت أجنحتي لتعدّي حدود ربّي- جلّ جلاله-.
فزّج بي زجّة في النّور حتّى انتهيت إلى حيث ما شاء اللّه- عزّ وجلّ- من ملكوته، [فنوديت: يا محمّد.
فقلت: لبّيك ربّي وسعديك، تباركت وتعاليت] .
فنوديت: يا محمّد، أنت عبدي وأنا ربّك، فإيّاي فاعبد وعليّ فتوكّل، فإنّك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجّتي في بريّتي ، لمن اتّبعك خلقت جنّتي ولمن [عصاك و] خالفك خلقت ناري، ولأوصيائك أوجبت كرامتي ولشيعتك أوجبت ثوابي.
فقلت: يا ربّ، ومن أوصيائي؟
فنوديت: يا محمّد، أوصياؤك المكتوبون على ساق العرش.
فنظرت- وأنا بين يدي ربّي- إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نورا، في كلّ نور سطر أخضر مكتوب عليه اسم كلّ وصيّ من أوصيّائي، أوّلهم علي بن أبي طالب وآخرهم مهديّ أمّتي، فقلت: يا ربّ، أ هؤلاء أوصيائي من بعدي؟
فنوديت: يا محمّد، هؤلاء أوليائي وأحبّائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريّتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك، وعزّتي وجلالي، لأظهرنّ بهم ديني، ولأعلينّ بهم كلمتي، ولأطهّرن الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأملكنّه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرنّ له الرّياح، ولأذلّلنّ له الرّقاب الصّعاب، ولأرقينّه في الأسباب، ولأنصرنّه بجندي ولأمدّنّه بملائكتي حتّى تعلو دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي، ثمّ لأديمنّ ملكه ولأداولنّ الأيّام بين أوليائي إلى يوم القيامة.
و في من لا يحضره الفقيه : وسأل محمّد بن عمران أبا عبد اللّه- عليه السّلام- فقال: لأيّ علّة يجهر في صلاة الجمعة وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الغداة، وسائر الصّلوات الظّهر والعصر لا يجهر فيهما؟ ولأيّ علّة صار التّسبيح في الرّكعتين الأخيرتين أفضل من القراءة؟
قال: لأنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا اسري به إلى السّماء كان أوّل صلاة فرض اللّه عليه الظّهر يوم الجمعة، فأضاف اللّه- عزّ وجلّ- إليه الملائكة تصلّي خلفه، وأمر نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن يجهر بالقراءة ليبيّن لهم فضله.
ثمّ فرض [اللّه] عليه العصر، ولم يضيف إليه أحدا من الملائكة، وأمره أن يخفي القراءة لأنّه لم يكن وراءه أحد.
ثمّ فرض عليه المغرب، وأضاف إليه الملائكة، فأمره بالإجهار، وكذلك العشاء الآخرة.
فلمّا كان قرب الفجر، نزل ففرض اللّه عليه الفجر، فأمره بالإجهار ليبيّن للنّاس فضله، كما بيّن للملائكة، فلهذه العلّة يجهر فيها.
و صار التّسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين، لأنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة اللّه- عزّ وجلّ- فدهش فقال: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر. فلذلك صار التّسبيح أفضل من القراءة.
و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى أنس قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا عرج بي إلى السّماء، إذا أنا بأسطوانة أصلها من فضّة بيضاء، ووسطها من ياقوت وزبرجد، وأعلاها من ذهبة حمراء.
فقلت: يا جبرئيل، ما هذه؟
فقال: هذا دينك أبيض واضح مضيء.
قلت: وما هذه وسطها؟قال: الجهاد.
قلت: فما هذه الذّهبة الحمراء؟
قال: الهجرة، وكذلك علا إيمان عليّ- عليه السّلام- على إيمان كلّ مؤمن.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا عرج برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- انتهى به جبرئيل- عليه السّلام- إلى مكان فخلّى عنه.
فقال له: يا جبرئيل، أ تخلّيني على هذه الحال؟
فقال: امض ، [فو اللّه] لقد وطئت مكانا ما وطأه بشر، وما مشي فيه بشر قبلك.
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ، عن أبي جعفر الثّاني، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ اللّه خلق الإسلام فجعل له عرصة، وجعل له نورا، وجعل له حصنا، وجعل له ناصرا.
فأمّا عرصته، فالقرآن. وأمّا نوره، فالحكمة. وأمّا حصنه، فالمعروف. وأمّا أنصاره، فأنا وأهل بيتي وشيعتنا. فأحبّوا أهل بيتي وشيعتهم وأنصارهم، فانّه لمّا أسري بي إلى السّماء الدّنيا فنسبني جبرئيل لأهل السّماء، استودع اللّه حبّي وحبّ أهل بيتي وشيعتهم وأنصارهم في قلوب الملائكة، فهو عندهم وديعة إلى يوم القيامة. ثمّ هبط بي إلى الأرض فنسبني إلى أهل الأرض، فاستودع [اللّه] - عزّ وجلّ- حبّي وحبّ أهل بيتي وشيعتهم في قلوب مؤمني أمّتي، فمؤمنو أمّتي يحفظون وديعتي [في أهل بيتي] إلى يوم القيامة. ألا فلو أنّ رجلا من أمّتي عبد اللّه- عزّ وجلّ- عمره أيّام الدّنيا، ثمّ لقي اللّه- عزّ وجلّ- مبغضا لأهل بيتي وشيعتي ما فرج اللّه صدره إلّا عن نفاق.و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن زرارة أو الفضيل ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لمّا اسري برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى السّماء فبلغ البيت المعمور وحضرت الصّلاة، فأذّن جبرئيل وأقام، فتقدّم رسول اللّه وصف الملائكة والنّبيّون خلف محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.
[محمّد بن الحسن وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن عمر بن عثمان،] عن محمّد بن عبد اللّه الخزّاز، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال لي: يا هارون بن خارجة، كم بينك وبين مسجد الكوفة، يكون ميلا؟
قلت: لا.
قال: أ فتصلّي فيه الصلوات كلّها؟
قلت : لا.
قال: أما لو كنت بحضرته، لرجوت أن لا تفوتني فيه صلاة. وتدري ما فضل ذلك الموضع؟ ما من عبد صالح ولا نبيّ، إلّا وقد صلّى في مسجد كوفان، حتّى أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا اسري به، قال له جبرئيل: أين أنت، يا رسول اللّه، السّاعة؟ أنت مقابل مسجد كوفان. قال: فاستأذن لي ربّي حتّى آتيه، فاصلّي فيه ركعتين. فاستأذن اللّه- عزّ وجلّ- فأذن له.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- قال لي: يا أحمد، ما الخلاف بينكم وبين أصحاب هشام بن الحكم في التّوحيد؟
قلت: جعلت فداك، قلنا نحن بالصّورة للحديث الّذي روي «أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- رأى ربّه في صورة شابّ» وقال هشام بن الحكم بالنّفي للجسم.
فقال: يا أحمد، إنّ رسول اللّه لمّا أسري به إلى السّماء، وبلغ عند سدرةالمنتهى، خرق له في الحجب مثل سمّ الإبرة ، فرأى من نور العظمة ما شاء اللّه أن يرى، وأردتم أنتم التّشبيه. دع هذا يا أحمد، لا ينفتح عليك منه أمر .
و حدّثني أبي ، عن حمّاد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا اسري بي إلى السّماء، دخلت الجنّة، فرأيت قصرا من ياقوتة حمراء يرى داخلها من خارجها وخارجها من داخلها من ضيائها، وفيها بيتان من درّ وزبرجد.
فقلت: يا جبرئيل، لمن هذا القصر؟
فقال: هذا القصر لمن [أطاب الكلام و] أدام الصّيام، وأطعم الطّعام، وتهجّد بالّليل والنّاس نيام.
و هذا الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
حدّثني أبي ، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن ابن سنان قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: أوّل من سبق إلى «بلى» رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
و ذلك أنّه كان أقرب الخلق إلى اللّه- تعالى-، وكان بالمكان الّذي قال له جبرئيل لمّا اسري به إلى السّماء: تقدّم، يا محمّد، لقد وطئت موطئا لم يطأه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل. ولو لا أنّ روحه ونفسه كانت من ذلك المكان لما قدر أن يبلغه، وكان من اللّه- عزّ وجلّ- كما قال اللّه: قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، أي: بل أدنى.
حدّثني أبي ، عن عمرو بن سعيد الرّاشديّ، عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا اسري برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [إلى السّماء] ، فأوحى [اللّه] إليه في عليّ ما أوحى من شرفه ومن عظمته عند اللّه، وردّ إلى البيت المعمور وجمع له النّبيّين فصلّوا خلفه، وعرض في نفس رسول اللّه من عظم من أوحي إليه في عليّ- عليه السّلام- فأنزل اللّه : فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ
، يعني: الأنبياء، فقد أنزلنا عليهم في كتبهم من فضله ما أنزلنا في كتابك لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ، وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ.
فقال الصّادق- عليه السّلام-: فو اللّه، ما شكّ وما سأل.
و حدّثني أبي ، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يكثر تقبيل فاطمة- عليها السّلام- فأنكرت ذلك عائشة.
فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا عائشة، إنّي لمّا اسري بي إلى السّماء دخلت الجنّة، فأدناني جبرئيل من شجرة طوبى وناولني من ثمارها، فأكلته، فحوّل اللّه ذلك ماء في ظهري، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فما قبّلتها قطّ إلّا وجدت رائحة شجرة طوبى منها.
و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة، ثابت بن دينار الثّماليّ وأبي منصور عن أبي الرّبيع قال: حججت مع أبي جعفر- عليه السّلام- في السّنة الّتي [كان] حجّ فيها هشام بن عبد الملك، وكان معه نافع، مولى عمر بن الخطّاب، فنظر نافع إلى أبي جعفر- عليه السّلام- في ركن البيت، وقد اجتمع عليه النّاس.
فقال نافع: يا أمير المؤمنين، من هذا الّذي قد تداكّ عليه النّاس؟
فقال: هذا نبيّ أهل الكوفة، هذا محمّد بن عليّ.
فقال: أشهد لآتينّه، فلأسألنّه عن مسائل لا يجيبني فيها إلّا نبيّ أو ابن نبي أو وصيّ نبيّ.
قال: فأذهب إليه واسأله لعلّك تخجله.
فجاء نافع حتّى اتّكأ على النّاس، ثمّ أشرف على أبي جعفر- عليه السّلام- فقال: يا محمّد بن عليّ، إني قد قرأت التّوراة والإنجيل والزّبور والفرقان، وقد عرفتحلالها وحرامها، وقد جئتك أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلّا نبيّ أو وصيّ نّبيّ أو ابن نبيّ.
قال: فرفع أبو جعفر- عليه السّلام- [رأسه] فقال: سل عمّا بدا لك.
فقال: أخبرني كم كان بين عيسى وبين محمّد- عليهما السّلام- من سنّة؟
قال: أخبرك بقولك أم بقولي؟
قال: أخبرني بالقولين جميعا.
قال: أمّا في قولي، فخمسمائة سنة. وأمّا في قولك، فستّمائة سنة.
قال: فأخبرني عن قول اللّه - عزّ وجلّ- لنّبيّه: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ. من الّذي سأل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة؟
قال: فتلا أبو جعفر- عليه السّلام- هذه الآية: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا فكان من الآيات الّتي أراها اللّه محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- حيث اسري به إلى البيت المقدّس أنّه حشر اللّه- جلّ ذكره- الأوّلين والآخرين من النّبيّين والمرسلين، ثمّ أمر جبرئيل- عليه السّلام- فأذّن شفعا وأقام شفعا، وقال في أذانه: حيّ على خير العمل. ثمّ تقدّم محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- فصلّى بالقوم. فلمّا انصرف قال: [سل، يا محمّد، من أرسلنا قبلك من رسلنا أ جعلنا من دون الرّحمن آلهة يعبدون.
فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-] : على ما تشهدون، وما كنتم تعبدون؟
قالوا: نشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأنّك رسول اللّه أخذت على ذلك عهودنا ومواثيقنا.
فقال نافع: صدقت، يا أبا جعفر.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.و بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا اسري بي إلى السّماء، دخلت الجنّة، فرأيت قيعان يقق ، ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من فضّة ولبنة من ذهب وربّما أمسكوا.
فقلت لهم: مالكم ربّما بنيتم وربّما أمسكتم؟
فقالوا: حتّى تجيئنا النّفقة.
فقلت : وما نفقتكم؟
قالوا: قول المؤمن في الدّنيا: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر. فإذا قال بنينا، وإذا أمسك أمسكنا.
و قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا اسري بي إلى السّماء أخذ جبرئيل بيدي فأدخلني الجنّة، فأجلسني على درنوك من درانيك الجنّة فناولني سفرجلة فانفلقت نصفين، فخرجت من بينهما حوراء فقامت بين يدي.
فقالت: السّلام عليك يا محمّد، السّلام عليك يا أحمد، السّلام عليك يا رسول اللّه.
فقلت: وعليك السّلام، من أنت؟
قالت: أنا الرّاضية المرضيّة، خلقني الجبّار من ثلاثة أنواع: أسفلي من المسك، ووسطي من العنبر، وأعلاي من الكافور. وعجنت بماء الحيوان، ثمّ قال- جلّ ذكره- لي:
كوني. فكنت لأخيك ووصيّك، عليّ بن أبي طالب- صلوات اللّه عليه-.
و في تفسير العيّاشي : عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- صلّى العشاء الآخرة وصلّى الفجر في اللّيلة الّتي اسريبه فيها بمكّة.
عن زرارة وحمران بن أعين ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:
حدّث أبو سعيد الخدريّ، أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ جبرئيل أتاني ليلة اسري بي وحين رجعت.
فقلت: يا جبرئيل، هل لك من حاجة؟
فقال: حاجتي أن تقرأ على خديجة من اللّه ومنّي السّلام.
و حدّثنا عند ذلك، أنّها قالت حين لقيها نبي اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال لها الّذي قال جبرئيل، قال: إنّ اللّه هو السّلام، ومنه السّلام، وإليه السّلام، وعلى جبرئيل السّلام.
و في شرح الآيات الباهرة : وممّا ورد في الإسراء إلى السّماء منقبة عظيمة وفضيلة جسيمة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- اختصّ بها دون الأنام، وهو ما نقله الشّيخ، أبو جعفر الطّوسي- رضي اللّه عنه- في أماليه، عن رجاله، مرفوعا، عن عبد اللّه بن عبّاس- رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: أعطاني اللّه- تعالى- خمسا وأعطى عليّا خمسا، أعطاني جوامع الكلم وأعطى عليّا جوامع العلم، وجعلني نبيّا وجعله وصيّا، وأعطاني الكوثر وأعطاه السّلسبيل، وأعطاني الوحي وأعطاه الإلهام، وأسري بي وفتح له أبواب السّماء والحجب حتّى نظر إليّ ونظرت إليه.
قال: ثمّ بكى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.
فقلت له: ما يبكيك، فداك أبي وأمّي؟
فقال: يا ابن عبّاس، أوّل ما كلّمني ربّي أن قال: يا محمّد، انظر إلى تحتك.
فنظرت إلى الحجب قد انخرقت وإلى أبواب السّماء قد فتحت، فنظرت إلى عليّ وهو رافع رأسه، فكلمني وكلمته بما كلّمني ربّي- عزّ وجلّ-.
فقلت: يا رسول اللّه، بم كلّمك ربّك؟
فقال: قال لي ربّي: يا محمّد، إنّي جعلت عليّا وصيّتك ووزيرك وخليفتك منبعدك، فأعلمه فها هو يسمع كلامك، فأعلمته وأنا بين يدي ربّي- عزّ وجلّ-.
فقال لي: قد قبلت وأطعت.
فأمر اللّه الملائكة أن تسلّم عليه، ففعلت، فردّ عليهم السّلام. ورأيت الملائكة يتباشرون به، وما مررت بملائكة من ملائكة السّماء الّا هنّئوني وقالوا: يا محمّد، والّذي بعثك بالحقّ نبيّا لقد دخل السّرور على جميع الملائكة باستخلاف اللّه- عزّ وجلّ- لك ابن عمّك. ورأيت حملة العرش قد نكسوا رؤوسهم إلى الأرض.
فقلت: يا جبرئيل، لم نكس حملة العرش رؤوسهم؟
فقال: يا محمّد، ما من ملك من الملائكة إلّا وقد نظر إلى وجه عليّ بن أبي طالب استبشارا به ما خلا حملة العرش، فإنّهم استأذنوا اللّه- عزّ وجلّ- في هذه السّاعة، فأذن لهم أن ينظروا إلى عليّ بن أبي طالب فنظروا إليه . فلمّا هبطت جعلت أخبره بذلك وهو يخبرني به، [فعلمت أنّي] لم أطأ موطئا إلّا وقد كشف لعليّ عنه حتّى نظر إليه.
قال: [ابن عبّاس] : فقلت: يا رسول اللّه، أوصني.
فقال: يا ابن عبّاس، عليك بحبّ عليّ بن أبي طالب.
قلت: يا رسول اللّه، أوصني.
قال: عليك بمودّة عليّ بن أبي طالب. والّذي بعثني بالحقّ [نبيّا] ، لا يقبل اللّه من عبد حسنة حتّى يسأله عن حبّ عليّ بن أبي طالب. وهو- تعالى- أعلم، فإن جاء بولايته ، قبل عمله على ما كان فيه، فإن لم يأت بولايته، لم يسأله عن شيء وأمر به إلى النّار . (الحديث)
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ: لأقوال محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.
«الْبَصِيرُ : بأفعاله، فيكرمه ويقرّبه على حسب ذلك.و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن خالد الطّيالسيّ، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: لم يزل اللّه- عزّ وجلّ- ربّنا، والعلم ذاته ولا معلوم، والسّمع ذاته ولا مسموع، والبصر ذاته ولا مبصر، والقدرة ذاته ولا مقدور. فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم، والسّمع على المسموع، والبصر على المبصر، والقدرة على المقدور.
قال: قلت: فلم يزل اللّه متحرّكا؟
قال: فقال: [تعالى اللّه [عن ذلك] ، إنّ الحركة صفة محدثة بالفعل.
قال: قلت: فلم يزل اللّه متكلّما؟
قال: فقال:] إنّ الكلام صفة محدثة ليست بأزليّة، كان اللّه- عزّ وجلّ- ولا متكلّم.
و في كتاب التّوحيد ، حديث طويل عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وقد سأله بعض الزّنادقة عن اللّه- تعالى-. وفيه قال السّائل: فتقول: إنّه سميع بصير؟! قال: هو [سميع بصير،] سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه، ويبصر بنفسه، [ليس قولي إنّه يسمع بنفسه ويبصر بنفسه] . أنّه شيء والنّفس شيء آخر، ولكن أردت عبارة عن نفسي، إذ كنت مسؤولا، وإفهاما لك إذ كنت سائلا، وأقول:
يسمع بكلّه ، لا أنّ الكلّ [منه] له، بعض ولكن أردت إفهامك والتّعبير عن نفسي، وليس مرجعي في ذلك إلّا [إلى] أنّه السّميع البصير العليم الخبير بلا اختلاف الذّات ولا اختلاف المعنى.
و فيه عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: كان ربّا إذ لا مربوب،
و إلها إذ لا مألوه، وعالما إذ لا معلوم، وسميعا إذ لا مسموع، سميع لا بآلة، وبصير لا بأداة.
و عن الرّضا - عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: وسمّي ربّنا سميعا لا بجزء فيه يسمع به الصّوت ولا يبصر به، كما أنّ جزءنا الّذي به نسمع لا نقوى على النّظر به، ولكنّه أخبر أنّه لا تخفى عليه الأصوات، ليس على حدّ ما سمّينا نحن، فقد جمعنا الاسم بالسّميع واختلف المعنى. [و هكذا البصر لا بجزء، به أبصر، كما أنّا نبصر بجزء منّا لا ننتفع به في غيره، ولكنّ اللّه بصير لا يجهل شخصا منظورا إليه، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى] .
و بإسناده إلى أبي هشام الجعفريّ: عن أبي جعفر الثّاني- عليه السّلام- أنّه قال له رجل: وكيف سمّي ربّنا سميعا؟
قال: لأنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالأسماع ولم نصفه بالسّمع المعقول في الرّأس، وكذلك سمّيناه بصيرا لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون وشخص وغير ذلك، ولم نصفه بلحظ العين.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و بإسناده إلى محمّد بن مسلم: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت:
جعلت فداك، يزعم قوم من أهل العراق أنّه يسمع بغير الّذي يبصر ويبصر بغير الّذي يسمع.
قال: فقال: كذبوا وألحدوا وشبّهوا، تعالى اللّه عن ذلك، إنّه سميع بصير، يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع.
قال: قلت: يزعمون أنّه بصير على ما يعقلونه.
قال: فقال: تعالى اللّه، إنّما يعقل ما كان بصفة المخلوق ، وليس اللّه كذلك.و بإسناده إلى حمّاد بن عيسى قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- فقلت:
لم يزل اللّه يعلم؟
قال: أنّى يكون يعلم ولا معلوم.
قال: قلت: فلم يزل اللّه يسمع؟
قال: أنّى يكون ذلك ولا مسموع.
قال: قلت: فلم يزل يبصر؟
قال: أنّى يكون ذلك ولا مبصر.
ثمّ قال: لم يزل اللّه عليما سميعا بصيرا، ذات علّامة سميعة بصيرة.
و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: وقلنا: إنّه سميع، لا يخفى عليه أصوات خلقه ما بين العرش إلى الثّرى من الذّرّة إلى أكبر منها في برّها وبحرها، ولا تشتبه عليه لغاتها، فقلنا عند ذلك: إنّه سميع، لا بإذن، وقلنا: إنّه بصير، لا ببصر، يرى أثر الذّرّة السّحماء في اللّيلة الظّلماء على الصّخرة السّوداء ، ويرى دبيب النّمل في اللّيلة الدّجية ويرى مضارّها ومنافعها وأثر سفادها وفراخها ونسلها، فقلنا عند ذلك: إنّه بصير، لا كبصر خلقه.
و بإسناده إلى الحسين بن خالد قال: سمعت الرّضا- عليه السّلام- يقول: لم يزل اللّه- عزّ وجلّ- عليما قادرا حيّا1»
قديما سميعا بصيرا.
فقلت له: يا ابن رسول اللّه، إنّ أقواما يقولون: لم يزل اللّه عالما بعلم، وقادرا بقدرة، وحيّا بحياة [و قديما بقدم] ، وسميعا بسمع، وبصيرا ببصر.
فقال- عليه السّلام-: من قال ذلك ودان به، فقد اتّخذ مع اللّه آلهة أخرى،و ليس من ولايتنا على شيء.
ثمّ قال- عليه السّلام- لم يزل اللّه عليما قادرا حيّا قديما سميعا بصيرا لذاته، تعالى عمّا يقول المشركون والمشبّهون علوّا كبيرا.
و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: بصير إذ لا منظور إليه من خلقه.
و فيه قال- عليه السّلام-: وكلّ سميع غيره يصمّ عن لطيف الأصوات، ويصمّه كبيرها ويذهب عنه ما بعد منها. وكلّ بصير غيره يعمى عن خفيّ الألوان ولطيف الأجسام.
و فيه: السّميع لا بأداة، والبصير لا بتفريق آلة.
و فيه : بصير لا يوصف بالحاسّة.
وَ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا: على أن لا تتّخذوا، كقولك: كتبت إليه أن افعل كذا.
و قرأ أبو عمرو، بالياء، على لأن لا يتّخذوا .
مِنْ دُونِي وَكِيلًا : ربّا تكلون إليه أموركم غيري.
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ: نصب على الاختصاص. أو النّداء إن قرئ: «أن لا تتّخذوا» بالتّاء. أو على أنّه أحد مفعولي «لا تتّخذوا» و«من دوني» حال من «وكيلا»، فيكون كقوله : وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً.
و قرئ بالرّفع، على أنّه خبر مبتدأ محذوف، أو بدل من واو «تتّخذوا» و«ذريّة» بكسر الذّال.
و فيه تذكير بإنعام اللّه عليهم في إنجاء آبائهم من الغرق، وبحملهم مع نوح في السّفينة. «إنّه»: إنّ نوحا- عليه السّلام-.
كانَ عَبْداً شَكُوراً : يحمد اللّه- تعالى- [على مجامع حالاته.
و فيه إيماء بأنّ إنجاءه ومن معه كان ببركة شكره، وحثّ للذّرّية] على الاقتداء به.
و قيل : الضّمير لموسى- عليه السّلام-.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله : وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ. يقول: بالحقّ والنّبوّة والكتاب والإيمان في عقبه، وليس كلّ من في الأرض من بني آدم من ولد نوح، قال اللّه في كتابه : احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ منهم وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ وقال- أيضا-: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ.
حدّثني أبي [عن ابن أبي عمير] ، عن أحمد بن النّضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كان نوح إذا أمسى وأصبح يقول: أمسيت أشهد أنّه ما أمسى بي من نعمة في دين أو دنيا فإنّها من اللّه وحده لا شريك له، له الحمد عليّ بها [كثيرا] والشّكر كثيرا. فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً.
و في من لا يحضره الفقيه : وروى عنه حفص البختريّ أنّه قال: كان نوح- عليه السّلام- يقول إذا أصبح وأمسى: اللّهمّ، إنّي أشهدك أنّ ما أصبح وأمسى [بي] من نعمة وعافية في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشّكر بها عليّ حتّى ترضى وبعد الرّضا. يقولها إذا أصبح عشرا وإذا أمسى عشرا، فسمّي بذلك: عبدا شكورا.و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن محمّد بن سنان، عن أبي سعيد المكاريّ، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت: فما عنى بقوله في نوح: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً؟
قال: كلمات بالغ فيهنّ.
قلت: وما هنّ؟
قال: كان إذا أصبح قال: [أصبحت] أشهدك ما أصبحت بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فإنّها منك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد على ذلك ولك الشّكر كثيرا. كان يقولها إذا أصبح ثلاثا وإذا أمسى ثلاثا.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن وهيب بن حفص، [عن أبي بصير] عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عند عائشة ليلتها، فقالت: يا رسول اللّه، لم تنصب»
نفسك وقد غفر [اللّه] لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟
فقال: يا عائشة، ألا أكون عبدا شكورا.
قال: وكان رسول اللّه يقوم على أطراف أصابع رجليه، فأنزل اللّه- سبحانه-:
طه، ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى.
ابن أبي عمير ، [عن ابن رئاب،] عن إسماعيل بن الفضل قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إذا أصبحت وأمسيت فقل عشر مرّات: الّلهمّ، ما أصبحت لي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشّكرعليّ، يا ربّ، حتّى ترضى وبعد الرّضا. فإنّك إذا قلت ذلك، كنت قد أدّيت شكر ما أنعم اللّه به عليك في ذلك اليوم وفي تلك اللّيلة.
و في كتاب علل الشّرائع : حدّثنا أبي- رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، [عن أحمد بن محمّد بن عيسى،] عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ نوحا- عليه السّلام- إنّما سمّي عبدا شكورا، لأنّه كان يقول إذا أصبح وأمسى : الّلهمّ، إنّي أشهدك أنّه ما أصبح وأمسى بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشّكر بها [عليّ] حتّى ترضى [و بعد الرضا] ، إلهنا.
أبي - رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي [عمير، عن] حفص بن البختريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه - عزّ وجلّ-: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى قال: إنّه كان يقول إذا أصبح وأمسى: أصبحت وربّي محمود ، أصبحت لا أشرك به شيئا ولا أدعو مع اللّه إلها آخر ولا أتّخذ من دونه وليّا. فسمّي بذلك: عبدا شكورا.
و في تفسير العيّاشي : عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: كانَ عَبْداً شَكُوراً قال: كان إذا أمسى يقول: أمسيت أشهد أنّه ما أمست بي من نعمة في دين أو دنيا، فإنّها من اللّه وحده لا شريك له، له الحمد بها والشّكر كثيرا.
وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ: وأوحينا إليهم وحيا مقضيّا مبتوتا.فِي الْكِتابِ: في التّوراة.
لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ: جواب قسم محذوف، أو «قضينا» على إجراء القضاء المبتوت مجرى القسم.
مَرَّتَيْنِ: إفسادتين.
قيل : أولاهما مخالفة أحكام التّوراة وقتل شعياء وقتل أرمياء، وثانيهما قتل زكريّا ويحيى وقصد قتل عيسى.
وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً : وتستكبرون عن طاعة اللّه. أو لتظلمنّ النّاس.
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما: وعد عقاب أولاهما.
بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا.
قيل : بخت نصر، عامل لهراسف على بابل وجنوده.
و قيل : جالوت الجزريّ.
و قيل : سنحاريب، من أهل نينوى.
و في الجوامع : عن عليّ- عليه السّلام- أنّه قرأ: «عبيدا لنا».
أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ: ذوي قوّة وبطش في الحرب شديد.
فَجاسُوا: تردّدوا لطلبكم.
و قرئ ، بالحاء، وهما اخوان.
خِلالَ الدِّيارِ: وسطها، للقتل والغارة، فقتلوا كبارهم، وسبوا صغارهم، وحرقوا التّوراة وخربّوا المسجد.
وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولًا : وكان وعد عقابهم لا بدّ أن يفعل.
ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ، أي: الدّولة والغلبة عَلَيْهِمْ.
قيل : بأن ألقى اللّه- تعالى- [في قلب] بهمن بن إسفنديار لمّا ورث الملك من جدّه، كشتاسف بن لهراسف، شفقة عليهم فردّ أسراهم إلى الشّام، وملك دانيال عليهم فاستولوا على من كان فيها من أتباع بخت نصر. أو بأن سلّط اللّه داود على جالوتفقتله.
وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً : ممّا كنتم.
و «النّفير» من ينفر مع الرّجل من قومه.
و قيل : جمع «نفر» وهم المجتمعون للذّهاب إلى العدوّ.
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ: لأنّ ثوابه لها.
وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها.
قيل : فإنّ وباله عليها، وإنّما ذكرها «باللّام» ازدواجاً.
و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال: عن أبيه قال: قال الرّضا- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها [قال- عليه السّلام-: إِنْ أَحْسَنْتُمْ، أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، وَإِنْ أَسَأْتُمْ، فَلَها] ربّ يغفر لها
. والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ: وعد عقوبة المرّة الآخرة.
لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ، أي: بعثناهم ليسوءوا وجوهكم، أي: ليجعلوها بادية آثار المساءة فيها. فحذف لدلالة ذكره أوّلا عليه.
و قرأ»
ابن عامر وحمزة وأبو بكر: «ليسوء» على التّوحيد، والضّمير فيه «للوعد»، أو «للبعث»، أو «للّه» ويعضده قراءة الكسائيّ بالنّون.
و قرئ»
: «لنسوأن» بالنّون والياء، والنّون المخفّفة أو المثقّلة. و«ليسوأن» بفتح اللّام على الأوجه الأربعة، على أنّه جواب «إذا» واللّام في قوله: وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ: متعلّق بمحذوف، وهو «بعثناهم».
كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا: وليهلكوا.
ما عَلَوْا: ما غلبوه واستولوا عليه، أو مدّة علوّهم تَتْبِيراً . وذلك بأن سلّط اللّه عليهم الفرس مرّة أخرى، فغزاهم ملك بابل من ملوك الطّوائف اسمه جودرز.و قيل : حردوس.
و قيل : دخل صاحب الجيش مذبح قرابينهم فوجد فيه دما يغلي، فسألهم عنه.
فقالوا: دم قربان لم يقبل منّا.
فقال: ما صدقوني. فقتل عليه ألوفا منهم، فلم يهدأ الدّم.
ثمّ قال: إن لم تصدقوني ما تركت منكم أحدا.
فقالوا: إنّه دم يحيى.
فقال: لمثل هذا ينتقم ربّكم منكم. ثمّ قال: يا يحيى، قد علم ربّي وربّك ما أصاب قومك من أجلك فاهدأ بإذن اللّه قبل أن لا ابقي أحدا، منهم فهدأ.
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ: بعد المرّة الآخرة.
وَ إِنْ عُدْتُمْ: نوبة أخرى.
عُدْنا: مرّة ثالثة إلى عقوبتكم، وقد عادوا بتكذيب محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وقصدوا قتله، فعاد اللّه بتسليطه عليهم فقتل قريظة وأجلى بني النّضير وضرب الجزية على الباقين، وهذا لهم في الدّنيا.
وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً : محبسا لا يقدرون على الخروج منها أبد الآباد.
و قيل : بساطا، كما يبسط الحصير.
و ما ذكر من تفسير «الإفسادتين» بمخالفة أحكام التّوراة وقتل شعياء أو أرمياء وقتل زكريّا ويحيى، و«العلوّ الكبير» باستكبارهم عن طاعة اللّه وظلمهم النّاس، و«العباد أولي بأس» بخت نصر وجنوده، و«ردّ الكرّة عليهم» بردّ بهمن بن إسفنديار أسراءهم إلى الشّام وتمليكه دانيال عليهم، و«وعد الآخرة» بتسليط اللّه الفرس عليهم مرّة أخرى من تفاسير العامّة.
و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمون ، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الأصمّ، عن عبد اللّه بن القاسم البطل، عن أبي
عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ قال: قتل عليّ بن أبي طالب، وطعن الحسن- عليهما السّلام-.
وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً قال: قتل الحسين- عليه السّلام-.
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما فإذا جاء نصر دم الحسين- عليه السّلام-.
بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ قوم يبعثهم اللّه قبل خروج القائم فلا يدعون وترا لآل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- إلّا قتلوه.
وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولًا خروج القائم- عليه السّلام-.
ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ خروج الحسين- عليه السّلام- في سبعين من أصحابه، عليهم البيض المذهّب، لكلّ بيضة وجهان، المؤدّون إلى النّاس، أنّ هذا الحسين قد خرج حتّى لا يشكّ المؤمنون فيه، وأنّه ليس بدجّال ولا شيطان، والحجّة القائم- عليه السّلام- بين أظهركم. فإذا استقرّت المعرفة في قلوب [المؤمنين] أنّه الحسين- عليه السّلام- جاء الحجّة الموت، فيكون الّذي يغسّله ويكفّنه ويحنّطه ويلحّده في حفرته الحسين بن عليّ- عليه السّلام- ولا يلي الوصيّ إلّا الوصيّ.
و في تفسير العيّاشي ، بعد أن نقل هذا الحديث إلى آخره قال: وزاد إبراهيم في حديثه: ثمّ يملكهم الحسين- عليه السّلام- حتّى يقع حاجباه على عينيه.
و في تفسير العيّاشي : عن حمران، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كان يقرأ:
بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ. ثمّ قال: هؤلاء وهو القائم وأصحابه أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وخاطب اللّه أمّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- فقال:
لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ، يعني: فلانا وفلانا وأصحابهما، ونقضهم العهد.
وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً، يعني: ما ادّعوه من الخلافة. فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما، يعني:
يوم الجمل. بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، يعني: أمير المؤمنين- صلوات اللّه
عليه- وأصحابه: فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ، أي: طلبوكم وقتلوكم. وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا: يتمّ ويكون. ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ لبني أميّة على آل محمّد.
وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً من الحسن والحسين، ابني عليّ- عليهم السّلام- وأصحابهما [فقتلوا الحسين بن عليّ] وسبوا نساء آل محمد.
و في تفسير العيّاشيّ : عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- قال: قال أمير المؤمنين في خطبة : أيّها النّاس، سلوني قبل أن تفقدوني، فإنّ بين جوانحي علما جمّا، فسلوني قبل أن تشغر برجلها فتنة شرقيّة تطأ في خطامها ، ملعون ناعقها ومولّيها وقائدها وسائقها والمتحرّض فيها، [فكم عندها من رافعة] ذيلها يدعو بويلها دخلة أو حولها، لا مأوى يكنّها ولا أحد يرحمها، فإذا استدار الفلك قلتم: مات أو هلك وبأيّ واد سلك. فعندها توقّعوا الفرج، وهو تأويل هذه الآية ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً. والّذي فلق الحبّة وبريء النّسمة، ليعيش إذ ذاك ملوك ناعمين، ولا يخرج الرّجل منهم من الدّنيا حتّى يولد لصلبه ألف ذكر، آمنين من كلّ بدعة وآفة والتّنزيل، عاملين بكتاب اللّه وسنّة رسوله قد اضمحلّت عليهم الآفات والشّبهات.
عن رفاعة بن موسى قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ أوّل من يكرّ إلى الدّنيا الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- ويزيد بن معاوية وأصحابه، فيقتلهم حذو القذّة بالقذّة .
ثمّ قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً.
و في تفسير علي بن إبراهيم ، متّصلا بآخر تفسيره المتقدّم، أعني: قوله: وسبوا نساء آل محمّد. إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ، يعني: القائم- صلوات اللّه عليه- وأصحابه. لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ، يعني: يسوّد وجوههم. وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، يعني: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأصحابه وأمير المؤمنين- عليه السّلام-. وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً. أي: يعلوا عليكم فيقتلوكم .
ثمّ عطف على آل محمّد- عليه وعليهم السّلام- فقال: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ، أي: ينصركم على عدوّكم.
ثمّ خاطب بني أميّة، فقال: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا، يعني: إن عدتم بالسّفيانيّ، عدنا بالقائم من آل محمّد- صلوات اللّه عليه وآله-. وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً، أي: حبسا يحصرون فيها.
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ: للحالة، أو الطّريقة الّتي هي أقوم، أو الطّرق.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، [عن ابن أبي عمير،] عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن موسى بن أكيل النّميريّ، عن العلا بن سيابة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ قال: يهدي إلى الإمام.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن بكر بن صالح بن قاسم بن يزيد، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-:
ثمّ ثلّث بالدّعاء إليه بكتابه - أيضا- فقال- تبارك وتعالى-: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [، أي: يدعو.
و في تفسير العيّاشي : عن أبي إسحاق إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ] قال: يهدي إلى الولاية .
و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى موسى بن جعفر: عن أبيه، جعفر بن محمّد، عن أبيه، محمّد بن عليّ، عن أبيه، عليّ بن الحسين- عليهم السّلام- قال: الإمام منّا لا يكون إلّا معصوما، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، ولذلك لا يكون إلّا منصوصا.
فقيل: يا ابن رسول اللّه، فما معنى المعصوم؟
فقال: هو المعتصم بحبل اللّه، وحبل اللّه هو القرآن [لا يفترقان إلى يوم القيامة.
و الامام يهدي إلى القرآن، والقرآن] يهدي إلى الإمام. وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ.
و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: أيّها النّاس، إنّه من استنصح [اللّه] وفّق، ومن اتّخذ قوله دليلا، هدي للّتي هي أقوم.
وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً .
و قرأ حمزة والكسائي: «و يبشر» بالتّخفيف.
وَ أَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً : عطف على لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً، والمعنى: أنّه يبشّر المؤمنين ببشارتين: ثوابهم، وعقاب أعدائهم. أو على «يبشّر» بإضمار يخبر.وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ: ويدعو اللّه عند غضبه بالشّرّ على نفسه وأهله وماله.
أو يدعو فيما يحسبه خيرا وهو شرّ.
دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ، مثل دعائه بالخير.
وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا : يسارع إلى كلّ ما يخطر بباله ولا ينظر عاقبته.
و قيل : المراد: آدم- عليه السّلام- فإنّه لمّا انتهى الرّوح إلى سرّته ذهب لينهض، فسقط.
نقل : أنّه- صلّى اللّه عليه وآله- دفع أسيرا إلى سودة بنت زمعة، فرحمته لأنينه، فأرخت أكتافه فهرب، فدعا عليها بقطع اليد ثمّ ندم، فقال- صلّى اللّه عليه وآله-:
الّلهمّ، إنّما أنا بشر، فمن دعوت عليه فاجعل دعائي رحمة عليه. فنزلت.
و يجوز أن يراد بالإنسان: الكافر، وبالدّعاء: استعجاله بالعذاب استهزاء، كقول النّضر بن الحارث: الّلهمّ، انصر خير الحزبين اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ (الآية) فأجيب له، فضرب عنقه يوم بدر صبرا.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ عطف على [آل محمّد] بني أميّة فقال: وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً.
قوله: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا قال: يدعو على أعدائه بالشّرّ، كما يدعو لنفسه بالخير ويستعجل اللّه بالعذاب، وهو قوله: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا.
و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: واعرف طريق نجاتك وهلاكك كيلا تدعو اللّه بشيء عسى فيه هلاكك وأنت تظنّ أنّ فيه نجاتك، قال اللّه- تعالى-: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا.
و في تفسير العيّاشيّ : عن سلمان الفارسيّ قال: إنّ اللّه لمّا خلق آدم، فكان أوّل ما خلق عيناه، فجعل ينظر إلى جسده كيف يخلق. فلمّا حانت أن يتبالغ الخلق في رجليه، فأراد القيام، فلم يقدر. وهو قول اللّه: خلق الإنسان عجولا. وإنّ اللّه لمّا خلق آدم ونفخ فيه، لم يلبث أن تناول عنقود العنب فأكله .
عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا خلق اللّه آدم، و نفخ فيه من روحه، وثب ليقوم قبل أن يتمّ خلقه فسقط، فقال اللّه- عزّ وجلّ-:
و خلقنا الإنسان عجولا.
وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ: تدلّان على القادر الحكيم بتعاقبهما على نسق واحد بإمكان غيره.
فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ، أي: الآية الّتي هل اللّيل بالإشراق. والإضافة فيها للتّبيين، كإضافة العدد إلى المعدود.
وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً: مضيئة. أو مبصرة للنّاس، من أبصره. أو مبصرا أهله، كقولهم: أجبن الرّجل: إذا كان أهله جبناء.
و قيل : الآيتان القمر والشّمس، وتقدير الكلام: وجعلنا نيري اللّيل آيتين، أو جعلنا اللّيل والنّهار ذوي آيتين، ومحو آية اللّيل الّتي هي القمر جعلها مظلمة في نفسها مطموسة النّور، أو نقص نورها شيئا فشيئا إلى المحاق، وجعل آية النّهار الّتي هي الشّمس مبصرة جعلها ذات شعاع تبصر الأشياء بضوئها.
لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ: لتطلبوا في بياض النّهار أسباب معاشكم، وتتوصّلوا به إلى استبانة أعمالكم.
وَ لِتَعْلَمُوا: باختلافهما، أو بحركاتهما.
عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ: جنس الحساب.
وَ كُلَّ شَيْءٍ: تفتقرون إليه في أمر الدّين والدّنيا.فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا : بيّنّاه تبياناً غير ملتبس.
و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي بصير فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ قال: هو السّواد الّذي في جوف القمر.
عن نصر بن قابوس ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: السّواد الّذي في القمر محمّد رسول اللّه.
عن أبي الطّفيل قال: كنت في مسجد الكوفة فسمعت عليّا- عليه السّلام- وهو على المنبر، وناداه ابن الكوّاء وهو في مؤخّر المسجد فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن هذا السّواد في القمر.
فقال : هو قول اللّه- تعالى-: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ.
عن ابن أبي الطّفيل قال: قال عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: سلوني عن كتاب اللّه، فإنّه ليس من آية إلّا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار أو في سهل أو في جبل.
قال: فقال له ابن الكوّاء: فما هذا السّواد في القمر؟
فقال: أعمى سأل عن عمياء، أمّا سمعت اللّه يقول: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً فذلك محوها.
و في كتاب الخصال : حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى- رضي اللّه عنه- قال:
حدّثنا عليّ بن الحسن [الهسنجاني] قال: حدّثنا سعد بن كثير بن عفير قال: حدّثني أبي لهيعة وراشد بن سعد، عن حريز بن عبد اللّه، عن أبي عبد الرّحمن البجليّ ، عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في مرضه الّذي توفيّ فيه:ادعوا لي أخي. فأرسلوا إلى عليّ- عليه السّلام- فدخل، فولّيا وجوههما إلى الحائط وردّا عليهما ثوبا، فأسرّ إليه والنّاس محتوشوه وراء الباب، فخرج عليّ- عليه السّلام- فقال له رجل من النّاس: أسرّ إليك نبيّ اللّه شيئا؟
فقال: نعم، أسرّ إليّ ألف باب في كلّ باب ألف باب.
قال: ووعيته؟
قال: نعم، وعقلته.
قال: فما السّواد الّذي في القمر؟
قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول : وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ- إلى قوله- النَّهارِ مُبْصِرَةً.
قال له الرّجل: عقلت، يا عليّ، [و وعيت] .
و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى عبد اللّه بن يزيد بن سلم، أنّه سأل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: ما بال الشّمس والقمر لا يستويان في الضوء والنّور؟
قال: لمّا خلقهما اللّه- عزّ وجلّ- أطاعا ولم يعصيا شيئا، فأمر اللّه- عزّ وجلّ- جبرئيل- عليه السّلام- أن يمحو ضوء القمر فمحاه، فأثّر المحو في القمر خطوطا سوداء، ولو أنّ القمر ترك على حاله بمنزلة الشّمس لم يمح لما عرف اللّيل من النّهار ولا النّهار من اللّيل، ولا علم الصّائم كم يصوم، ولا عرف النّاس عدد السّنين، وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ (الآية).
قال: صدقت، يا محمّد.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسي- رضي اللّه عنه: وروى القاسم بن معاوية، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: لمّا خلق اللّه- عزّ وجلّ- القمر كتب عليه: لا إلهإلّا اللّه، محمّد رسول اللّه، عليّ أمير المؤمنين، وهو السّواد الّذي ترونه.
و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
و عن الأصبغ بن نباتة قال: قال ابن الكوّاء لأمير المؤمنين- عليه السّلام-:
أخبرني عن المحو الّذي يكون في القمر.
فقال- عليه السّلام-: اللّه أكبر، اللّه أكبر، [اللّه أكبر،] رجل أعمى يسأل عن مسألة عمياء، أما سمعت اللّه يقول: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ- إلى قوله- النَّهارِ مُبْصِرَةً.
و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: وجعل شمسها [آية مبصرة لنهارها، وقمرها] آية ممحوّة من ليلها، وأجراهما في مناقل مجراهما وقدّر سيرهما في مدارج درجهما ، ليميّز بين اللّيل والنّهار بهما، وليعلم عدد السّنين والحساب بمقاديرهما.
وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ: عمله وما قدر له، كأنّه طير إليه من عشّ الغيب ووكر القدر لما كانوا يتيمّنون ويتشاءمون بسنوح الطّائر وبروحه، استعير لما هو سبب الخير والشّرّ من قدر اللّه- عزّ وجلّ- وعمل العبد.
فِي عُنُقِهِ: لزوم الطّوق في عنقه.
و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى سدير الصّيرفيّ: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: فنظرت في كتاب الجفر في صبيحة هذا اليوم، وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا [و الرزايا] وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الّذي خصّ اللّه به محمّدا والأئمّة من بعده- عليهم السّلام- وتأمّلت منه مولد قائمنا وغيبته وإبطاءه وطول عمره، وبلوى المؤمنين في ذلك الزّمان، وتولّد الشّكوك في قلوبهم من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الإسلام منأعناقهم . قال اللّه- تعالى جلّ ذكره-: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ، يعني:
الولاية. فأخذتني الرّقّة، واستولت عليّ الأحزان.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ يقول: خيره وشرّه معه حيث كان، لا يستطيع فراقه حتّى يعطى كتابه يوم القيامة بما عمل.
و في تفسير العيّاشي : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- عن قوله: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ قال : قدره الّذي قدر عليه.
وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً: هي صحيفة عمله. أو نفسه المنتقشة بآثار أعماله، فإنّ الأفعال الاختياريّة تحدث في النّفس أحوالا ولذلك يفيد تكريرها لها ملكات.
و نصبه، بأنّه مفعول. أو حال من مفعول محذوف، وهو ضمير الطّائر، ويعضده قراءة يعقوب : «و يخرج»- من خرج- وغيره: «و يخرج».
و قرئ : «و يخرج»، أي: اللّه- عزّ وجلّ-.
يَلْقاهُ مَنْشُوراً : لكشف الغطاء. وهما صفتان للكتاب، أو «يلقاه» صفة و«منشورا» حال من مفعوله.
و قرأ ابن عامر : «يلقاه» على البناء للمفعول، من لقيته كذا.
اقْرَأْ كِتابَكَ: على إرادة القول.
كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ، أي: كفى نفسك، و«الباء» مزيده و«حسيبا» تمييز و«على» صلته، لأنّه إمّا بمعنى: الحاسب، كالصّريم بمعنى:الصّارم، وضريب القداح بمعنى: ضاربها، من حسب عليه كذا. أو بمعنى: الكافي، فوضع موضع الشّهيد لأنّه يكفي المدّعي ما أهمّه.
و تذكيره ، على أنّ الحساب والشّهادة ممّا يتولّاه الرّجال، أو على تأويل النّفس بالشّخص.
و في تفسير العيّاشيّ : عن خالد بن نجيح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ قال: يذكر العبد جميع ما عمل وما كتب عليه حتّى كأنّه فعله تلك السّاعة، فلذلك قالوا: يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها .
مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها: لا ينجي اهتداؤه غيره، ولا يردي ضلاله سواه.
وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى: ولا تحمل نفس حاملة وزرا وزر نفس أخرى، بل إنّما تحمل وزرها.
وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا : يبيّن الحجج ويمهّد الشّرائع، فيلزمهم الحجّة. وفيه دليل على أنّ لا وجوب قبل الشّرع.
و في مجمع البيان : وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى.
و روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: لا تجن يمينك عن شمالك. وهذا مثل ضربه- عليه السّلام-. وفي هذا دلالة واضحة على بطلان قول من يقول: إنّ أطفال الكفّار يعذّبون مع آبائهم في النّار.
وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً
: وإذا تعلّقت إرادتنا بإهلاك قوم لإنفاذ قضائنا السّابق، أو دنا وقته المقدّر، كقولهم: إذا أراد المريض أن يموت، ازداد مرضه شدّة.
أَمَرْنا مُتْرَفِيها
: متنعّميها بالطّاعة على لسان رسول بعثناه إليهم. ويدلّ على ذلك ما قبله وما بعده، فإنّ الفسق هو الخروج عن الطّاعة والتّمرّد في العصيان، فيدلّ على الطّاعة من طريق المقابلة.
و قيل : أمرناهم بالفسق، لقوله: فَفَسَقُوا فِيها
، كقولك: أمرته فقرأ. فإنّه لا يفهم منه إلّا الأمر بالقراءة، على أنّ الأمر مجاز من الحمل عليه أو التّسبّب له، بأن صبّ عليهم من النّعم ما أبطرهم وأفضى بهم إلى الفسوق. ويحتمل أن لا يكون له مفعول منويّ، كقولهم: أمرته فعصاني.
و قيل : معناه: كثّرنا، يقال: أمّرت الشّيء فأمّر: إذا كثّرته. وفي الحديث:
«خير المال سكّة مأبورة ومهرة مأمورة» ، أي: كثيرة النّتاج. وهو- أيضا- مجاز من معنى الطّلب، ويؤيّده قراءة يعقوب: «آمرنا مترفيها»، ورواية «أمّرنا» عن أبي عمرو.
و يحتمل أن يكون منقولا من «أمر» بالضّمّ أمارة، أي: جعلناهم أمراء.
و تخصيص المترفين، لأنّ غيرهم يتبعهم ولأنّهم أسرع إلى الحماقة وأقدر على الفجور.
و في تفسير العيّاشيّ : عن حمران، عن أبي جعفر في قول اللّه: وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها
قال: تفسيرها: أمرنا أكابرها.
عن حمران ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه: وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها
مشدّدة ميمه ، تفسيرها، كثّرنا. وقال: لا قرأتها مخفّفة.
و في مجمع البيان : وقرأ يعقوب: «آمرنا» بالمدّ على وزن «عامرنا»، وهو قراءة عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. وقرأ: «أمّرنا» - نافع بتشديد الميم- محمّد بن عليّ- عليهما السّلام- بخلاف.
و في عيون الأخبار ، في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع سليمان المروزيّ بعد كلام طويل، قال الرّضا- عليه السّلام-: ألا تخبرني عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها
، يعني بذلك: أنّه يحدث إرادة؟
قال: نعم.
قال: فإذا حدث إرادة كان قولك: إنّ الإرادة هي هو أو شيء منه باطلا، لأنّه لا يكون أن يحدث نفسه ولا يتغيّر عن حاله ، تعالى اللّه عن ذلك.
قال سليمان: إنّه لم يكن عنى بذلك: أنّه يحدث إرادة.
قال: فما عنى به؟
قال: عنى: فعل الشّيء.
قال الرّضا- عليه السّلام-: ويلك كم تردّد في هذه المسألة، وقد أخبرتك أنّ الإرادة محدثة، لأنّ فعل الشّيء محدث.
قال: فليس لها معنى؟
قال الرضا- عليه السّلام-: قد وصف نفسه عندكم حتّى وصفها بالإرادة بما لا معنى [له] ، فإذا لم يكن لها معنى قديم ولا حديث بطل قولكم: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- لم يزل مريدا.
قال سليمان: إنّما عنيت: أنّها فعل من اللّه- تعالى- لم يزل.
قال: ألا تعلم أنّ ما لم يزل لا يكون مفعولا وقديما وحديثا في حالة واحدة.
فلم يحر جوابا.
فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
، يعني: كلمته السّابقة بالعذاب بحلوله. أو بظهور معاصيهم. أو بأنهما كهم في المعاصي.
فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
: أهلكناها بإهلاك أهلها وتخريب ديارها.
وَ كَمْ أَهْلَكْنا: وكثيرا أهلكنا.مِنَ الْقُرُونِ: بيان «لكم» وتمييز له.
مِنْ بَعْدِ نُوحٍ، كعاد وثمود.
وَ كَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً : يدرك بواطنها وظواهرها، فيعاقب عليها.
و تقديم «الخبير» لتقدّم متعلّقه.
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ: مقصورا عليها همّه.
عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ: قيّد المعجّل والمعجّل له بالمشيئة والإرادة، لأنّه لا يجد كلّ متمنّ ما يتمنّاه ولا كلّ واحد جميع ما يهواه، وليعلم أنّ الأمر بالمشيئة والهمّ فضل. و«لمن نريد» بدل من «له» بدل البعض.
و قرئ : «يشاء» والضّمير فيه «للّه» حتّى يطابق المشهورة.
و قيل : «لمن» فيكون مخصوصا بمن أراد اللّه به ذلك.
و قيل : الآية في المنافقين، كانوا يراؤون المسلمين ويغزون معهم ولم يكن غرضهم إلّا مساهمتهم في الغنائم ونحوها.
ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً : مطرودا من رحمته.
و في مجمع البيان : وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ. قيل: القرن مائة سنة. وروي ذلك مرفوعا.
و قيل : أربعون سنة. رواية ابن سيرين مرفوعا.
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً
و روى ابن عبّاس ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: معنى الآية: من كان يريد ثواب الدّنيا بعمله الّذي افترضه اللّه عليه، لا يريد به وجه اللّه والدّار الآخرة، عجّل له فيها ما يشاء [اللّه] من عرض الدّنيا وليس له ثواب في الآخرة، وذلك أنّ اللّه- سبحانه- يؤتيه ذلك ليستعين به على الطّاعة فيستعمله في معصيةاللّه، فيعاقبه اللّه عليه.
وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها: حقّها من السّعي، وهو الإتيان بمّا امر به والانتهاء عمّا نهي عنه لا التّقرّب بما يخترعون بآرائهم.
و فائدة «اللّام» اعتبار النّيّة والإخلاص.
وَ هُوَ مُؤْمِنٌ: إيمانا صحيحا لا شرك ولا تكذيب معه، فإنّه العمدة.
فَأُولئِكَ: الجامعون للشّرائط الثّلاثة.
كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً : من اللّه، أي: مقبولا عنده مثابا عليه، فإنّ شكر اللّه الثّواب على الطّاعة.
و في روضة الواعظين للمفيد- رضي اللّه عنه-: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ومن أراد الآخرة فليترك زينة الحياة الدّنيا.
و في من لا يحضره الفقيه : وروى معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: تقول: أحرم لك شعري وبشري ولحمي وعظامي ومخّي وعصبي من النّساء [و الثياب] والطّيب، أبتغي بذلك وجهك والدّار الآخرة.
و الحديث طويل.
أخذت منه موضع الحاجة.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن أبي الحسن، عليّ بن يحيى، عن أيّوب عن أعين، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:
قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يؤتى يوم القيامة برجل فيقال له احتج.
فيقول: ربّ، خلقتني وهديتني فأوسعت عليّ، فلم أزل أوسع على خلقك وأيسر عليهم لكي تنشر عليّ هذا اليوم رحمتك وتيسّره.
فيقول اللّه - جلّ ثناؤه وتعالى ذكره-: صدق عبدي، أدخلوه الجنّة.
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه [عن ابن محبوب] ، عن جميل، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: العبادة ثلاثة: قوم عبدوااللّه- عزّ وجلّ- خوفا فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا اللّه- تبارك وتعالى- طلب الثّواب فتلك عبادة الاجراء، وقوم عبدوا اللّه- عزّ وجلّ- حبّا له فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادات .
و في نهج البلاغة : هذا ما أمر به عبد اللّه، عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين في ماله ابتغاء وجه اللّه، ليولجه به الجنّة فيعطيه به الأمنة .
و فيه : وليس رجل، فيما أعلم ، أحرص على جماعة أمّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وألفتها منّى ، أبتغي بذلك حسن الثّواب وكريم المآب.
و في أمالي الصّدوق - رحمه اللّه-، بإسناده إلى النّبي- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من صام يوما تطوّعا ابتغاء ثواب اللّه وجبت له المغفرة.
و بإسناده إلى الصّادق، جعفر بن محمّد [عن أبيه] - عليهما السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ (الآيات) حديث طويل، ستقف بتمامه- إن شاء اللّه تعالى- في هَلْ أَتى . وفيه: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً [يقولون: لا نريد جزاء تكافئوننا به، ولا شكورا] تثنون علينا به، ولكنّا إنّما أطعمناكم لوجه اللّه وطلب ثوابه.
كُلًّا، أي: كلّ واحد من الفريقين. والتّنوين بدل من المضاف إليه.
نُمِدُّ: بالعطاء مرّة بعد أخرى، ونجعل آنفه مدد السّالفة.
هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ: بدل من «كلّا».
مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ: من معطاه، متعلّق «بنمدّ».وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً : ممنوعا، لا يمنعه في الدّنيا من مؤمن ولا كافر تفضّلا.