وَ لِسُلَيْمانَ: وسخّرنا له.
قيل : ولعلّ اللّام فيه دون الأوّل، لأنّ الخارق فيه عائد إلى سليمان نافع له، وفي الأوّل أمر يظهر في الجبال والطّير مع داود بالإضافة إليه.
الرِّيحَ عاصِفَةً: شديدة الهبوب، يقطع مسافة كثيرة في مدّة يسيرة. كما قال :
«غدوّها شهر ورواحها شهر».
قيل : وكانت رخاء في نفسها طيّبة.
و قيل : كانت رخاء تارة وعاصفة أخرى، حسب إرادته.
تَجْرِي بِأَمْرِهِ بمشيئته.
حال ثانية. أو بدل من الأولى. أو حال من ضميرها.
إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها:
قيل : إلى الشّام رواحا بعد ما سارت به منه بكرة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: إلى بيت المقدس والشّام.
وَ كُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ . فنجريها على ما تقتضيه الحكمة.وَ مِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ في البحار، ويخرجون نفائسها.
و «من» عطف على «الرّيح». أو مبتدأ خبره ما قبله، وهي نكرة موصوفة.
وَ يَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ: ويتجاوزون ذلك إلى أعمال أخر- كبناء المدن والقصور واختراع الصّنائع الغريبة- لقوله - تعالى-: يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ.
وَ كُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ أن يزيغوا عن أمره، أو يفسدوا على ما هو مقتضى جبلّتهم.
وَ أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ: بأنّي مسنّي الضّرّ.
و قرئ بالكسر، على إضمار القول، أو تضمين النّداء معناه. والضّرّ- بالفتح- شائع في كلّ ضرر. وبالضّمّ، خاصّ بما هو في النّفس، كمرض وهزال.
وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ :
وصف ربّه بغاية الرّحمة، بعد ما ذكر نفسه بما يوجبها. واكتفى بذلك عن عرض المطلوب، لطفا في السؤال.
قيل : وكان روميّا من ولد عيص بن إسحاق. استنبأه اللّه، وكثّر أهله وماله.
فابتلاه بهلاك أولاده- بهدم بيت عليهم- وذهاب أمواله والمرض في بدنه.
و روي أنّ امرأته- ما خير بنت ميشاء بن يوسف، أو رحمة بنت إفراهيم بن يوسف- قالت له يوما : لو دعوت اللّه! فقال لها: كم كانت مدّة الرّخاء؟ فقالت:
ثمانين سنة. فقال: أستحي من اللّه أن أدعوه، وما بلغت مدّة رخائي مدّة بلائي.
و في كتاب الخصال : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ابتلي أيّوب سبع سنين بلا ذنب.
عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: إنّ أيّوب- عليه السّلام-
ابتلي بغير ذنب. وإنّ الأنبياء معصومون [مطهّرون] ، لا يذنبون، ولا يزيغون، ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا.
و قال- عليه السّلام-: إنّ أيّوب مع جميع ما ابتلي به، لم تنتن له رائحة. ولا قبحت له صورة. ولا خرجت منه مدّة من دم ولا قيح. ولا استقذره أحد رآه. ولا استوحش منه أحد شاهده. ولا تدوّد شيء من جسده. وهكذا يصنع اللّه- عزّ وجلّ- بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرّمين عليه. وإنّما اجتنبه النّاس، لفقره وضعفه في ظاهر أمره، لجهلهم. بما له عند ربّه- تعالى ذكره- من التّأييد والفرج.
و قد قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أعظم النّاس بلاء الأنبياء، ثمّ الأمثل فالأمثل.
و إنّما ابتلاه [اللّه- عزّ وجلّ-] بالبلاء العظيم الّذي يهون معه على جميع النّاس، لئلّا يدّعوا له الرّبوبيّة، إذا شاهدوا ما أراد اللّه- تعالى ذكره- أن يوصله إليه من عظائم نعمه، مع ما شاهدوه. ليستدلّوا بذلك على أنّ الثّواب من اللّه- تعالى- على ضربين: استحقاق، واختصاص. ولئلّا يحقّروا ضعيفا لضعفه، وفقيرا لفقره، ولا مريضا لمرضه. وليعلموا أنّه يسقم من يشاء، ويشفي من يشاء، متى شاء، كيف شاء، بأيّ شيء شاء. ويجعل ذلك عبرة لمن يشاء وشقاوة لمن يشاء [و سعادة لمن يشاء] .
و هو- عزّ وجلّ- في جميع ذلك عدل في قضائه، وحكيم في أفعاله، لا يفعل بعباده إلّا الأصلح لهم. ولا قوّة إلّا باللّه .
و في كتاب علل الشّرائع بإسناده إلى أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّما كانت بليّة أيّوب الّتي ابتلي بها في الدّنيا، لنعمة أنعم اللّه بها عليه، فأدّىشكرها. وكان إبليس في ذلك الزّمان لا يحجب دون العرش.
فلمّا صعد عمل أيّوب بأداء شكر النّعمة، حسده إبليس. فقال: يا ربّ، إنّ أيّوب لم يؤدّ شكر هذه النّعمة، إلّا بما أعطيته من الدّنيا. فلو حلت بينه وبين دنياه، ما أدّى إليك شكر نعمة. [فسلّطني على دنياه حتّى تعلم أنّه لا يؤدّي شكر نعمة] . فقال: قد سلّطتك على دنياه. فلم يدع له دنيا ولا ولدا إلّا أهلكه كلّ ذلك ، وهو يحمد اللّه- عزّ وجلّ.
ثمّ رجع إليه فقال: يا ربّ، إنّ أيّوب يعلم أنّك ستردّ إليه دنياه الّتي أخذتها منه.
فسلّطني على بدنه [حتّى] تعلم أنّه لا يؤدّي شكر نعمة. قال اللّه- عزّ وجلّ-: قد سلّطتك على بدنه، ما عدا عينيه وقلبه ولسانه وسمعه.
فقال أبو بصير: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: فانقضّ مبادرا خشية أن تدركه رحمة اللّه- عزّ وجلّ- فتحول بينه وبينه. فنفخ في منخريه من نار السّموم. فصار جسده نقطا نقطا.
حدّثنا أبي - رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقيّ، عن أبيه، عن عبد اللّه بن يحيى البصريّ، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي بصير قال: سألت أبا الحسن الماضي- عليه السّلام- عن بليّة أيّوب الّتي ابتلي بها في الدّنيا، لأيّ علّة كانت. قال: لنعمة أنعم اللّه عليه بها، فأدّى شكرها- وذكر كالسّابق إلى قوله: «فتحول بينه وبينه» ويتّصل بذلك:
فلمّا اشتدّ به البلاء، وكان في آخر بليّة ، جاءه أصحابه فقالوا له: يا أيّوب! ما نعلم أحدا ابتلي بمثل هذه البليّة إلّا بإسراره بسوء . فلعلّك أسررت سوء في الّذي تبدي لنا!قال: فعند ذلك ناجى أيّوب ربّه- عزّ وجلّ-: فقال: ربّ ابتليتني بهذه البليّة! وأنت تعلم أنّي لم يعرض لي أمران قطّ، إلّا لزمت أخشنهما على بدني. ولم آكل أكلة قطّ إلّا وعلى خواني يتيم. فلو أنّ لي منك مقعد الخصيم ، لأدليت بحجّتي.
قال: فعرضت له سحابة ، فنطق فيها ناطق فقال: يا أيّوب! أدل بحجّتك.
قال: فشدّ عليه مئزده وجثا على ركبتيه وقال: ابتليتني [بهزه البليّة] ! وأنت تعلم أنّه لم يعرض لي أمران قطّ، إلّا لزمت أخشنهما على بدني. ولم آكل أكلة قط من طعام، إلّا وعلى خواني يتيم.
قال: فقيل له: يا أيّوب! من حبّب إليك الطّاعة!؟
قال: فأخذ كفّا من تراب، فوضعه في فيه. ثمّ قال: أنت يا ربّ!
بإسناده إلى الحسن بن الرّبيع، [بن علي الربعيّ] ، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أبتلى أيّوب- عليه السّلام- بلا ذنب. فصبر حتّى عيّر. وإنّ الأنبياء لا يصبرون على التّعيير.
و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سنان، عن عثمان النّوا، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يبتلي المؤمن بكلّ بليّة، ويميته بكلّ ميتة، ولا يبتليه بذهاب عقله. أما ترى أيّوب- عليه السّلام- كيف سلّط إبليس على ماله [و ولده] وعلى أهله وعلى كلّ شيء منه، ولم يسلّطه على عقله!؟ ترك له [ما] يوحّد اللّه- عزّ وجلّ- [به] .و في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس، عن الحسن بن عبد الرّحمن، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.
فقال: يا أبا محمّد، يسلّط- واللّه- من المؤمن على بدنه، ولا يسلّط على دينه. قد سلّط على أيّوب، فشوّه خلقه، ولم يسلّط على دينه. وقد يسلّط من المؤمنين على أبدانهم، ولا يسلّط على دينهم.
فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ بالشّفاء من مرضه.
وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ:
قيل : بأن ولد له ضعف ما كان. أو أحي ولده، وولد له منهم نوافل.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا محمّد بن جعفر قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن زياد، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن عبد اللّه بن بكير وغيره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية قال: أحي اللّه- عزّ وجلّ- له أهله الّذين كانوا قبل البليّة.
و أحي [له أهله] الّذين ماتوا وهو في البليّة.
و في روضة الكافي : يحيى بن عمران، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية، قلت: ولده كيف أوتي مثلهم معهم؟ قال: أحي اللّه له من ولده الّذين كانوا ماتوا قبل ذلك بآجالهم، مثل الّذين هلكوا يومئذ.
رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ : رحمة على أيّوب وتذكرة لغيره من العابدين، ليصبروا كما صبر، فيثابوا كما أثيب. أو: لرحمتنا للعابدين، فإنّا نذكرهم بالإحسان ولا ننساهم.
و في إرشاد المفيد - رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل،
يقول فيه- عليه السّلام-: أنا سيّد الشّيب. وفيّ سنّة من أيّوب.
وَ إِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ:
قيل : يعني إلياس.
[و قيل: يوشع.]
و قيل : زكريّاء. سمّي به، لأنّه كان ذا حظّ من اللّه، أو تكفّل منه، أو له ضعف عمل أنبياء زمانه [و ثوابهم] . والكفل يجيء بمعنى النّصيب، والكفالة، والضّعف.
و في العيون عن الرّضا- عليه السّلام- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في خبر الشّاميّ أنّه يوشع بن نون.
كُلٌّ: كلّ هؤلاء مِنَ الصَّابِرِينَ على مشاقّ التكاليف وشدائد المصائب.
وَ أَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا، يعني: النّبوّة. أو: نعمة الآخرة.
إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ : الكاملين في الصّلاح. وهم الأنبياء، فإنّ صلاحهم معصوم عن كدر الفساد.
وَ ذَا النُّونِ: وصاحب الحوت يونس بن متّي إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً لقومه، لمّا برم لطول دعوتهم وشدّة شكيمتهم وتمادي إصرارهم، مهاجرا عنهم، قبل أن يؤمر به، كما سبق قصّته في سورته.
و قيل : وعدهم بالعذاب. فلم يأتهم لميعادهم، بتوبتهم. ولم يعرف الحال، فظنّ أنّه كذبهم، وغضب من ذلك. وهو من بناء المغالبة للمبالغة.
و قرئ : «مغضبا».
فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ:
قيل : لن نضيّق عليه. أو: لن نقضي عليه بالعقوبة. من القدر. ويعضده أنّه قرئمثقّلا. أو: لن تعمل فيه قدرتنا.
و قيل : هو تمثيل لحاله بحال من ظنّ أن لن نقدر عليه في مراغمته قومه، من غير انتظار لأمرنا. أو خطرة شيطانيّة سبقت إلى وهمه، فسمّيت ظنّا للمبالغة.
و الموافق للتّفسير المنقول عن الأئمّة- عليهم السّلام- أن «ظنّ» بمعنى «استيقن» والمعنى: انّه استيقن أن لن يضيّق عليه رزقه.
ففي عيون أخبار الرّضا في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- عند المأمون مع أهل الملل والدّيانات وما أجاب به عليّ بن [محمّد بن] الجهم في عصمة الأنبياء، بإسناده إلى أبي الصّلت الهرويّ قال: لمّا جمع المأمون لعليّ بن موسى الرّضا- عليهما السّلام- إلى أن حكى قوله- عليه السّلام-:
و أمّا قوله- عزّ وجلّ-: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ إنّما «ظنّ» بمعنى: استيقن أنّ اللّه لن يضيّق عليه رزقه. ألّا تسمع قول اللّه - عزّ وجلّ-:
وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، أي: ضيّق عليه رزقه. ولو ظنّ أنّ اللّه لا يقدر عليه، لكان قد كفر.
و بإسناده إلى عليّ بن محمّد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرّضا- عليه السّلام. فقال له المأمون: يا ابن رسول اللّه، أليس من قولك أنّ الأنبياء معصومون؟ قال: بلى. قال: فما معنى قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ. فقال الرّضا- عليه السّلام-:
ذاك يونس بن متّى- عليه السّلام. ذَهَبَ مُغاضِباً لقومه فَظَنَّ بمعنى: استيقن أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ، أي: لن نضيّق عليه رزقه- ومنه قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، أي: ضيّق عليه وقتر - فَنادى فِي الظُّلُماتِ، أي: ظلمة اللّيل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ بتركي مثل هذه العبادة الّتي قد فرّغتني لها في بطن الحوت. فاستجاب اللّه له [و قال]»- عزّ وجلّ-: فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ .
فقال المأمون: للّه درّك يا أبا الحسن!
و
في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ قال: أنزله اللّه على أشدّ الأمرين، وظنّ به أشدّ الظّنّ. وقال: إنّ جبرئيل- عليه السّلام- استثنى في هلاك قوم يونس، ولم يسمعه يونس.
قلت: ما كان حال يونس لمّا ظنّ أن اللّه لن يقدر عليه؟ قال: كان من أمر شديد.
قلت: وما كان سببه حتّى ظنّ أن اللّه لن يقدر عليه قال: وكله اللّه إلى نفسه طرفة عين.
قال : وحدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في بيت أمّ سلمة في ليلتها. ففقدته من الفراش. فدخلّها من ذلك ما يدخل النّساء. فقامت تطلبه في جوانب البيت، حتّى انتهت إليه، وهو في جانب من البيت، قائم رافع يديه يبكي ، وهو يقول:
اللّهمّ، لا تنزع منّي صالح ما أعطيتني أبدا. اللّهمّ، لا تشمت بي عدوّا ولا حاسدا أبدا. اللّهمّ، لا تردّني في سوء استنقذتني منه أبدا. اللّهمّ ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا .
قال: فانصرفت أمّ سلمة تبكي، حتّى انصرف رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لبكائها. فقال لها: ما يبكيك يا أمّ سلمة؟ قالت: بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه! ولم لا أبكي!؟ وأنت بالمكان الّذي أنت به من اللّه- وقد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر- فتسأله أن لا يشمت بك عدوّا أبدا [و لا حاسدا] ! وأن لا يردّك في سوءاستنقذك منه أبدا! وأن لا ينزع منك صالح ما أعطاك أبدا! وأن لا يكلك إلى نفسك طرفة عين أبدا! فقال: يا أمّ سلمة! وما يؤمنني وإنّما وكل اللّه يونس بن متّي إلى نفسه طرفة عين، فكان منه ما كان.
و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً يقول: من أعمال قومه. فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ. يقول: ظنّ أن لن يعاقب بما صنع.
حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما ردّ اللّه العذاب إلّا عن قوم يونس. فكان يونس يدعوهم إلى الإسلام، فيأبون ذلك. فهمّ أن يدعو عليهم. وكان فيهم رجلان عابد وعالم. وكان اسم أحدهما مليخا.
و الآخر اسمه روبيل. وكان العابد يشير على يونس بالدّعاء عليهم. وكان العالم ينهاه ويقول: لا تدع عليهم، فإنّ اللّه يستجيب لك، ولا يحبّ هلاك عباده. فقبل قول العابد، ولم يقبل من العالم. فدعا عليهم. فأوحى اللّه إليه يأتيهم العذاب فيه سنة كذا، في شهر كذا، في يوم كذا.
فلمّا قرب الوقت، خرج يونس من بينهم مع العابد، وبقي العالم فيها. فلمّا كان اليوم الّذي نزل العذاب، فقال العالم لهم: [يا قوم] افزعوا إلى اللّه، فلعلّه يرحمكم، ويردّ العذاب عنكم. فقالوا: كيف نصنع؟ فقال: اجتمعوا واخرجوا إلى المفازة. وفرّقوا بين النّساء والأولاد، وبين الإبل وأولادها، وبين البقر وأولادها، وبين الغنم وأولادها. ثمّ ابكوا وادعوا. فذهبوا وفعلوا ذلك، وضحّجوا وبكوا. فرحمهم اللّه، وصرف عنهم العذاب.
[و فرّق العذاب] على الجبال، وقد كان نزل وقرب منهم.
فأقبل يونس لينظر كيف أهلكهم اللّه. فرأى الزارعين يزرعون في أرضهم. فقال لهم:
ما فعل قوم يونس؟ قالوا له- ولم يعرفوه-: إنّ يونس دعا عليهم، فاستجاب اللّه له ونزل العذاب عليهم. فاجتمعوا وبكوا ودعوا، فرحمهم اللّه. وصرف ذلك عنهم، وفرّق العذاب على الجبال. فهم إذا يطلبون يونس ليؤمنوا به. فغضب [يونس] ومرّ على وجهه مغاضباللّه، كما حكى اللّه عنه.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
فَنادى فِي الظُّلُماتِ: في الظّلمة الشّديدة المتكاثفة. أو: ظلمات بطن الحوت والبحر واللّيل.
أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ: بأن لا إله إلّا أنت.
سُبْحانَكَ أن يعجزك شيء.
إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ لنفسي، بالمبادرة إلى المهاجرة.
و في الكافي : أحمد بن محمّد العاصمي، عن عليّ بن الحسن التيمليّ ، عن عمرو بن عثمان، عن أبي جميلة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال له رجل من أهل خراسان بالرّبذة: جعلت فداك، لم أرزق ولدا.
فقال له: إذا رجعت إلى بلادك، فأردت أن تأتي أهلك، فاقرأ إذا أردت ذلك:
وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ إلى ثلاث آيات. فإنّك سترزق ولدا- إن شاء اللّه.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وسأل بعض اليهود أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- عن سجن طاف أقطار الأرض بصاحبه. فقال:
يا يهوديّ، أمّا السّجن الّذي طاف أقطار الأرض بصاحبه، فإنّه الحوت الّذي حبس يونس- عليه السّلام- في بطنه، فدخل في البحر القلزم. ثمّ خرج إلى بحر مصر. ثمّ [دخل بحر] طبرستان. ثمّ خرج في دجلة الغور .
قال: ثمّ مرّت به تحت الأرض، حتّى لحقت بقارون. وكان قارون هلك في أيّام موسى، ووكّل اللّه به ملكا يدخله في الأرض، كلّ يوم قامة [رجل] . وكان يونس في بطن الحوت يسبّح اللّه ويستغفره. فسمع قارون صوته فقال للملك الموكّل به: أنظرني، فإنّيأسمع كلام آدميّ. فأوحى اللّه إلى الملك [الموكّل به] : أنظره. فأنظره. ثمّ قال قارون:
من أنت؟ قال [يونس] : أنا المذنب العاصي الخاطئ، يونس بن متّي. قال: فما فعل الشّديد الغضب للّه موسى بن عمران؟ قال: هيهات! هلك. قال: فما فعل الرّؤوف الرّحيم على قومه هارون بن عمران؟ قال: هلك. قال: فما فعلت كلثم بنت عمران الّتي كانت سمّيت لي؟ قال: هيهات! ما بقي من آل عمران أحد. فقال قارون: وا أسفا على آل عمران. فشكر اللّه له ذلك، فأمر الملك الموكّل به أن يرفع عنه العذاب أيّام الدّنيا. فرفع عنه.
فلمّا رأى يونس ذلك، نادى في الظّلمات أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فاستجاب اللّه له، وأمر الحوت أن يلفظه . فلفظه على ساحل البحر، وقد ذهب جلده ولحمه. وأنبت اللّه عليه شجرة من يقطين- وهي الدّباء- فأظلّته من الشّمس. فسكن .
و فيه أيضا : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لبث يونس في بطن الحوت ثلاثة أيّام. ونادى فِي الظُّلُماتِ: ظلمة بطن الحوت، وظلمة اللّيل وظلمة البحر أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فاستجاب له ربّة. فأخرجه»
الحوت إلى السّاحل. ثمّ قذفه، فألقاه بالسّاحل. وأنبت اللّه عليه شجرة من يقطين. وهو القرع. والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام- مجيبا لبعض الزّنادقة- وقد قال: واحدة قد شهر هفوات أنبيائه، بحبسه يونس في بطن الحوت حيث ذهب مغاضبا مذنبا-:
و أمّا هفوات الأنبياء- عليهم السّلام- وما بينّه اللّه في كتابه، [و وقوع الكناية من
أسماء من اجترم أعظم ممّا اجترمته الأنبياء، ممّن شهد الكتاب بظلمهم] ، فإنّ ذلك من أدلّ الدّلائل على حكمة اللّه- عزّ وجلّ- الباهرة، وقدرته القاهرة، وعزّته الظّاهره.
لأنّه علم أنّ براهين الأنبياء- عليهم السّلام- تكبر في صدور أممهم، وأنّ منهم من يتّخذ بعضهم إلها، كالّذي كان من النّصارى في ابن مريم. فذكرها دلالة على تخلّفهم عن الكمال الّذي انفرد به- عزّ وجلّ.
و في تفسير العيّاشيّ عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- [قال:
سمعته يقول: وجدنا في بعض] [كتب أمير المؤمنين- عليه السّلام-] قال: حدّثني [رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-] أنّ جبرئيل- عليه السّلام- حدّثه أنّ يونس بن متّى- عليه السّلام- بعثه اللّه إلى قومه- وذكر حديثا طويلا يذكر فيه ما فعل قوم يونس، وخروج يونس وتنوخا العابد من بينهم، ونزول العذاب عليهم وكشفه عنهم.
و فيه:
فلمّا رأى قوم يونس أنّ العذاب قد صرف عنهم، هبطوا إلى منازلهم من رؤوس الجبال، وضمّوا إليهم نساءهم وأولادهم وأموالهم، وحمدوا اللّه على ما صرف عنهم.
و أصبح يونس- عليه السّلام- وتنوخا يوم الخميس في موضعهما الّذي كانا فيه، لا يشكّان أنّ العذاب قد نزل بهم وأهلكهم جميعا، لمّا خفيت أصواتهم عنهما.
فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع [طلوع] الشّمس ينظران إلى ما صار إليه القوم. فلمّا دنوا من القوم واستقبلهم الحطّابون والحمّارة والرّعاة بأغنامهم ، ونظروا إلى أهل القرية مطمئنّين، قال يونس لتنوخا: يا تنوخا! كذّبني الوحي، وكذبت وعدي لقومي. لا وعزّة ربّي، لا يرون لي وجها أبدا بعد ما كذّبني الوحي.
فانطلق يونس هاربا على وجهه، مغاضبا لربّه، ناحية بحر إيلة متنكّرا ، فرارا منأن يراه أحد من قومه فيقول له: يا كذّاب! فلذلك قال [اللّه] : وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ (الآية). ورجع تنوخا إلى القرية.
عن الثّماليّ ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ يونس لما آذاه قومه، دعا اللّه عليهم. فأصبحوا أوّل يوم، ووجوههم صفر. وأصبحوا اليوم الثّاني، ووجوههم سود.
و قال: وكان اللّه واعدهم أن يأتيهم العذاب. حتّى نالوه برماحهم. ففرّقوا بين النّساء وأولادهنّ، والبقر وأولادها، ولبسوا المسوح والصّوف، ووضعوا الحبال في أعناقهم، والرّماد على رؤوسهم، وضجّوا ضجّة واحدة إلى ربّهم، وقالوا: آمنّا بإله يونس.
قال: فصرف اللّه العذاب عنهم إلى جبال آمد .
قال: وأصبح يونس وهو يظنّ أنّهم هلكوا، فوجدهم في عافية. فغضب، وخرج- كما قال اللّه- مغاضبا.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
عن معمّر قال: قال أبو الحسن الرّضا- عليه السّلام-: إنّ يونس لمّا أمره اللّه بما أمره، فأعلم قومه، فأظلّهم العذاب. ففرّقوا بينهم وبين أولادهم، [و بين الإبل وأولادها] وبين البقر وأولادها [و بين الغنم وأولادها] . ثمّ عجوّا إلى اللّه، وضجّوا. فكفّ اللّه العذاب عنهم. فذهب يونس مغاضبا.
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب: وفي حديث أبي حمزة الثّماليّ أنّه دخل عبد اللّه بن عمر على زين العابدين- عليه السّلام- وقال له: يا ابن الحسين أنت الّذي تقول: «إنّ يونس بن متّي إنّما لقي من الحوت ما لقي لأنّه عرضت عليه ولاية جدّي، فتوقّف عندها»!؟ قال: بلى، ثكلتك أمّك!قال : فأرني آية ذلك، إن كنت من الصّادقين فأمر بشدّ عينيه بعصابة، وعينيّ بعصابة. ثمّ أمر بعد ساعة بفتح أعيننا. فإذا نحن على شاطئ البحر تضرب أمواجه.
فقال ابن عمر: يا سيّدي، دمي في رقبتك. اللّه اللّه في نفسي! قال: هيه وأرنيه إن كنت من الصّادقين. ثمّ قال: يا أيّها الحوت! قال: فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم، وهو يقول: لبّيك، لبّيك، يا وليّ اللّه! فقال: من أنت؟ قال: [أنا] حوت يونس يا سيّدي، قال: أنبئنا بالخبر.
قال : يا سيّدي، إنّ اللّه- تعالى- لم يبعث نبيّا من آدم إلى أن صار جدّك محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- إلّا وقد عرض عليه ولايتكم أهل البيت. فمن قبلها من الأنبياء، سلم وتخلّص. ومن توقّف عنها، وتتعتع في حملها، لقي ما لقي آدم من المعصية ، وما لقي نوح من الغرق، وما لقى إبراهيم من النّار، وما لقي يوسف من الجبّ، وما لقي أيّوب من البلاء، وما لقي داود من الخطيئة، إلى أن بعث اللّه يونس فأوحى اللّه إليه أن يا يونس، تولّ أمير المؤمنين عليّا والأئمّة الرّاشدين من صلبه، في كلام له. قال: فكيف أتولّى من لم أره ولم أعرفه!؟ وذهب مغاضبا .
فأوحى اللّه- تعالى- إليّ أن التقمي يونس، ولا توهني له عظما. فمكث في بطني أربعين صباحا يطوف معي البحار في ظلمات ثلاث ينادي أنّه لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. قد قبلت ولاية عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- والأئمّة الرّاشدين من ولده- عليهم السّلام. فلمّا أن أمن بولايتكم، أمرنى ربّي، فقذفته على ساحل البحر.
فقال زين العابدين- عليه السّلام-: ارجع أيّها الحوت إلى وكرك . فرجعالحوت، واستوى الماء.
و في مصباح شيخ الطّائفة - قدّس سرّه- في دعاء يوم الأربعاء: يا من سمع الهمس من ذي النّون في بطن الحوت، في الظّلمات الثّلاث، ظلمة اللّيل، وظلمة قعر البحر، وظلمة بطن الحوت.
فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ بأن قذفه الحوت إلى السّاحل بعد أربعين صباحا كان في بطنه.
و قيل : بعد أربع ساعات.
و قيل : بعد ثلاث ساعات . والغمّ غمّ الالتقام.
و قيل : غمّ الخطيئة.
وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ من غموم دعوا اللّه فيها بالإخلاص.
و في الإمام «نجي». ولذلك أخفى الجماعة النّون الثّانية، فإنّها تخفى مع حروف الفم ] .
و قرأ ابن عامر وأبو بكر بتشديد الجيم، على أن أصله «ننجّي» فحذفت النّون الثّانية، كما حذفت التاء في «تظاهرون » . وهي، وإن كانت فاء، فحذفها أوقع من حرف المضارعة الّتي لمعنى. ولا يقدح فيه اختلاف حركتي النّونين. فإنّ الدّاعي إلى الحذف اجتماع المثلين مع تعذّر الإدغام. وامتناع الحذف في «تتجافى» لخوف اللّبس في الماضي.
و قيل : هو ماض مجهول أسند إلى ضمير المصدر، وسكّن آخره تخفيفا. وردّ بأنّه لا يسند إليه، والمفعول مذكور، والماضي لا يسكّن آخره.
و في تهذيب الأحكام بإسناده إلى الحسن بن عليّ بن عبد الملك الزّيّات، عن رجل،
عن كرام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أربع لأربع- إلى قوله:
و الرّابعة للغمّ والهمّ: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. قال اللّه- سبحانه-: فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ.
و في كتاب الخصال عن الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال: عجبت لمن يفزع من أربع، كيف لا يفزع إلى أربع!؟- إلى قوله:
و عجبت لمن اغتمّ، كيف لا يفزع إلى قوله- تعالى-: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ!؟ فإنّي سمعت اللّه- تعالى- يقول بعقبها: فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ.
وَ زَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً: وحيدا بلا ولد يرثني.
وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ ، فإن لم ترزقني [من يرثي] ، فلا أبالي به.
و في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه- بإسناده إلى عليّ بن محمّد الصّيمريّ الكاتب، قال: تزوجّت ابنة جعفر بن محمّد الكاتب. فأحببتها حبّا لم يحبّ أحدا أحدا مثله.
و أبطأ عليّ الولد. فصرت إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد الرّضا- عليه السّلام- فذكرت ذلك له. فتبسّم وقال: اتّخذ خاتما فضّة فيروزج، واكتب عليه: رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ.
قال: ففعلت. فما أتى عليّ حول حتّى رزقت منها ولدا ذكرا.
و في عوالي اللآلي : روي عن سيّد العابدين- عليه السّلام- أنّه قال لبعض أصحابه: قل لطلب الولد: رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً [وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ] . واجعل لي من لدنك وليّا يرثني في حياتي، ويستغفر لي بعد وفاتي. واجعله خلقا سويّا. ولا تجعل للشّيطان فيه نصيبا. اللّهمّ إنّي أستغفرك وأتوب إليك، إنّك التّواب الغفور الرّحيم- سبعين مرّة.و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن رجل، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر - عليه السّلام- قال: من أراد أن يحبل له، فليصلّ ركعتين بعد الجمعة، يطيل فيهما الرّكوع والسّجود. ثمّ يقول: اللّهمّ إنّي أسألك بما سألك به زكريّا إذ قال: رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ. اللّهمّ هب لي ذرّيّة طيّبة، إنّك سميع الدّعاء. اللّهم باسمك استحللتها، وفي أمانتك أخذتها. فإن قضيت في رحمها ولدا، فاجعله غلاما مباركا زكيّا، ولا تجعل للشّيطان فيه شركا ولا نصيبا .
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرميّ، عن الحرث النّصريّ قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّى من أهل بيت قد انقرضوا، وليس لي ولد. فقال: ادع وأنت ساجد: ربّ هب لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [يَرِثُنِي . رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ] . رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ. قال: ففعلت. فولد لي عليّ والحسين.
و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- في تفسيره قال:
حدّثنا أحمد بن محمّد بن موسى النّوفليّ، بإسناده عن عليّ بن داود قال: حدّثني رجل من ولد ربيعة بن عبد مناف: انّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا بارز عليّ- عليه السّلام- عمرا، رفع يديه، ثمّ قال: اللّهمّ إنّك أخذت منّي عبيدة بن الحارث يوم بدر. وأخذت منّي حمزة يوم أحد. وهذا عليّ، ف لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ.
فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ، أي: أصلحناها للولادة بعد عقرها، أو لزكريّا بتحسين خلقها وكانت حردة»
.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية عليّ بن إبراهيم: وقوله:وَ زَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ قال: كانت لا تحيض، فحاضت.
إِنَّهُمْ، يعني: المتوالدين أو المذكورين من الأنبياء.
كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ: يبادرون إلى أبواب الخيرات.
وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً: ذوي رغب. أو: راغبين في الثّواب، راجين الإجابة. أو:
في الطّاعة، وخائفين العقاب أو المعصية.
و في كتاب الخصال عن يونس بن ظبيان قال: قال الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام-: إن النّاس يعبدون اللّه- تعالى- على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه. فتلك عبادة الحرصاء، وهي الطّمع. وآخرون يعبدونه فرقا من النّار. فتلك عبادة العبيد، وهي الرّهبة. ولكنّي أعبده حبّا له. فتلك عبادة الكرام .
و في كتاب معاني الأخبار بإسناده إلى عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر- عليه السّلام- قال: الرّغبة أن تستقبل براحتيك إلى السّماء، وتستقبل بهما وجهك.
[و الرّهبة] أن تكفئ كفّيك، وترفعهما إلى الوجه.
و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الرّغبة أن تستقبل ببطن كفّيك إلى السّماء. والرّهبة أن تجعل ظهر كفّيك إلى السّماء.
و بإسناده إلى مروك بيّاع اللّؤلؤ، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ذكر الرّغبة، وأبرز باطن راحتيه إلى السّماء. وهكذا الرّهبة، وجعل ظهر كفّيه إلى السّماء.
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن فضّالة، عن العلا، عن
محمّد بن مسلم. قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: مرّ بي رجل، وأنا أدعو في صلاتي بيساري. فقال: يا عبد اللّه ، بيمينك! فقلت: يا عبد اللّه، إن اللّه- تبارك وتعالى- حقّه على هذه، كحقّه على هذه. قال: الرّغبة تبسط يديك، وتظهر باطنهما، والرّهبة تظهر ظهرهما.
و الأحاديث الثّلاث طوال. أخذت منها موضع الحاجة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً. قال: راغبين وراهبين.
وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ : مخبتين، أو دائمي الوجل. والمعنى أنّهم نالوا من اللّه ما نالوا بهذه الخصال.
وَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها من الحلال والحرام. يعني: مريم.
فَنَفَخْنا فِيها، أي: في عيسى فيها. أي: أحييناه في جوفها.
و قيل : وفعلنا النّفخ فيها.
مِنْ رُوحِنا: من الرّوح الّذي هو بأمرنا وحده. أو: من جهة روحنا، يعني جبرئيل.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها. قال: مريم. لم ينظر إليها شيء. وقوله: فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا. قال: روح مخلوقة . يعني: من أمرنا.
وَ جَعَلْناها وَابْنَها، أي: قصّتهما، أو حالهما. ولذلك وحّد قوله: آيَةً لِلْعالَمِينَ . فإنّ من تأمّل حالهما، تحقّق كمال قدرة الصّانع- تعالى.
إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ: إنّ ملّة التّوحيد والإسلام ملّتكم الّتي يجب عليكم أن تكونوا عليها.
أُمَّةً واحِدَةً: غير مختلفة فيما بين الأنبياء. أو: لا مشاركة لغيرها في صحّة الاتّباع.و قرئ : «أمّتكم»- بالنّصب- على البدل. و«أمّة»- بالرّفع- على الخبر.
و قرئتا بالرّفع، على أنّهما خبران.
وَ أَنَا رَبُّكُمْ لا إله لكم غيري.
فَاعْبُدُونِ لا غير.
وَ تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ:
صرفه إلى الغيبة التفاتا لينعي على الّذين تفرّقوا في الدّين، وجعلوا أمره قطعا موزّعة، بقبيح فعلهم إلى غيرهم.
كُلٌّ من الفرق المتحزّبة إِلَيْنا راجِعُونَ فنجازيهم.
فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ باللّه ورسله فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ: فلا تضييع لسعيه. استعير لمنع الثّواب، كما استعير الشّكر لإعطائه. ونفي نفي الجنس للمبالغة.
وَ إِنَّا لَهُ كاتِبُونَ : مثبّتون في صحيفة عمله، لا يضيع بوجه ما.
و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث أجاب فيه بعض الزّنادقة. وقد قال معترضا: وأجده يقول: فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ. ويقول : وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى. أعلم في الآية الأولى أنّ الأعمال الصّالحة لا تكفّر، وأعلم في الثّانية أنّ الإيمان والأعمال الصّالحة لا تنفع إلّا بعد الاهتداء!؟ قال- عليه السّلام-:
و أمّا قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وقوله: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى، فإنّ ذلك كلّه لا يغني إلّا مع الاهتداء.
و ليس كلّ من وقع عليه اسم الإيمان، كان حقيقا بالنّجاة ممّا هلك به الغواة. ولو كان ذلك كذلك، لنجت اليهود مع اعترافها بالتّوحيد وإقرارها باللّه، ونجا سائر المقرّين بالوحدانيّة من إبليس فمن دونه في الكفر. وقد بيّن اللّه ذلك بقوله :الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ. وبقوله : الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ.
وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ: وممتنع على أهلها غير متصوّر منهم.
و قرأ أبو بكر وحمزة والكسائيّ: «و حرم » بكسر الحاء وسكون الرّاء.
و قرئ : «حرم».
أَهْلَكْناها: حكمنا بإهلاكها. أو: وجدناها هالكة.
أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ :
رجوعهم إلى التّوبة، أو الحياة. و«لا» صلة. أو عدم رجوعهم للجزاء، وهو مبتدأ خبره «حرام». أو فاعل له سادّ مسدّ خبره. أو دليل عليه، وتقديره: توبتهم، أو حياتهم، أو عدم بعثهم. أو: لأنّهم لا يرجعون ولا ينيبون. و«حرام» خبر محذوف. أي: وحرام عليها ذلك، وهو المذكور في الآية المتقدّمة. ويؤيّده القراءة بالكسر.
و قيل : «حرام» عزم وموجب عليهم أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ. فإنّه
حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان، عن أبي بصير، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه وأبي جعفر- عليهما السّلام- قالا: كلّ قرية أهلك اللّه- عزّ وجلّ- أهلها بالعذاب، لا يرجعون في الرّجعة. وهذا الآية من أعظم الدّلالة [في الرّجعة]»
. لأنّ أحدا من أهل الإسلام لا ينكر أنّ النّاس كلّهم يرجعون إلى القيامة، من هلك ومن لم يهلك. انتهى كلامه.
و فيه أيضا : قال الصّادق- عليه السّلام-: كلّ قرية أهلك اللّه- تعالى- أهلها بالعذاب، [لا يرجعون في الرّجعة. فأمّا إلى القيامة فيرجعون. والّذين محضوا الإيمان محضا، وغيرهم ممّن لم يهلكوا بالعذاب] ومحضوا الكفر محضا، يرجعون.
حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ:
متعلّق ب «حرام» أو بمحذوف دلّ الكلام عليه، أو ب «لا يرجعون». أي: يستمرّ الامتناع، أو الهلاك، أو عدم الرّجوع إلى قيام السّاعة وظهور أماراتها، وهو فتح سدّ يأجوج ومأجوج. وهي حتّى الّتي يحكى الكلام بعدها. والمحكيّ هي المجلة الشّرطيّة.
و قرأ ابن عامر ويعقوب: «فتّحت» بالتّشديد.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: إذا كان في آخر الزّمان، خرج يأجوج ومأجوج إلى الدّنيا، [و يأكلون النّاس] .
وَ هُمْ، يعني: يأجوج ومأجوج، أو النّاس كلّهم.
مِنْ كُلِّ حَدَبٍ: نشر من الأرض.
و قرئ : «جدث». وهو القبر.
يَنْسِلُونَ : يسرعون. من نسلان الذّئب.
و قرئ بضمّ السّين.
وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ وهو القيامة.
فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا:
جواب الشّرط و«إذا» للمفاجأة، تسدّ مسدّ الفاء الجزائيّة، كقوله : إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ فإذا جاءت معها، تظاهرتا على وصل الجزاء بالشّرط، فيتأكّد. والضّمير للقصّة، أو مبهم يفسّره الأبصار.
يا وَيْلَنا:
مقدّر بالقول، واقع موقع الحال من الموصول.
قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا: لم نعلم أنّه حقّ.
بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ لأنفسنا بالإخلال بالنّظر.
إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ:يحتمل الأوثان وإبليس وأعوانه، لانّهم بطاعتهم لهم في حكم عبدتهم.
حَصَبُ جَهَنَّمَ: ما يرمى به إليها، وتهيّج به. من: حصبه يحصبه: إذا رماه بالحصباء.
و قرئ بسكون الصّاد، وصفا بالمصدر.
و في مجمع البيان : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لمّا نزلت هذه الآية، وجد منها أهل مكّة وجدا شديدا. فدخل عليهم عبد اللّه بن الزّبعريّ، وكفّار قريش يخوضون في هذا الآية. فقال ابن الزّبعريّ: أ محمّد تكلّم بهذه الآية ؟ فقالوا: نعم. قال ابن الزّبعريّ: لئن اعترف بها، لأخصمنّه! فجمع بينهما. فقال: يا محمّد، أ رأيت الآية الّتي قرأت آنفا، أ فينا وفي آلهتنا خاصّة؟ أم في الأمم [الماضية] وآلهتهم؟ فقال: بل فيكم وفي آلهتكم وفي الأمم [الماضية] وفي آلهتهم، إلّا من استثنى اللّه.
فقال ابن الزّبعريّ: خصمتك واللّه! أ لست تثني على عيسى خيرا!؟ وقد عرفت أنّ النصارى يعبدون عيسى [و أمّه] . وأنّ طائفة من النّاس يعبدون الملائكة! أ فليس هؤلاء مع الآلهة في النّار!؟ فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: [لا.
فضحكت قريش وضحك. وقالت قريش: خصمك ابن الزبعريّ! فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:] قلتم الباطل. أما قلت: إلّا من استثنى اللّه!؟ وهو قوله - تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ. وقوله: حَصَبُ جَهَنَّمَ يقول: يقذفون فيها قذفا.
و قوله: أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ، يعني: الملائكة وعيسى بن مريم.و في مجمع البيان : وقراءة عليّ- عليه السّلام-: «حطب» بالطّاء.
و في كتاب علل الشّرائع : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه، عن أحمد بن محمّد، عن حمّاد بن عيسى، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا كان يوم القيامة، أتي بالشّمس والقمر في صورة ثورين عقيرين ، فيقذفان بهما وبمن يعبدهما في النّار. وذلك أنّهما عبدا، فرضيا.
أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ :
استئناف أو بدل من «حصب جهنّم». واللّام معوّضة من «على» للاختصاص والدّلالة على أنّ ورودهم لأجلها.
لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها:
لأنّ المؤاخذ المعذّب لا يكون إلها.
وَ كُلٌّ فِيها خالِدُونَ لا خلاص [لهم عنها] .
لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ: أنين وتنفّس شديد.
و هو من إضافة فعل البعض إلى الكلّ للتّغليب، إنّ أريد بما تعبدون الأصنام.
وَ هُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ من الهول وشدّة العذاب.
و قيل : لا يسمعون ما يسرّهم.