في كتاب ثواب الأعمال : بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ البقرة وآل عمران جاء يوم القيامة يضلّانه على رأسه مثل الغمامتين، أو مثل الغيابتين.
[مدنيّة وآيها مائتان.]
بسم الله الرحمن الرحيم
الم : قد مرّ بعض إشاراته في أوّل سورة البقرة.
و في كتاب معاني الأخبار : بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ، عن الصادق- عليه السّلام-، في حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: وأمّا «الم» في أوّل آل عمران فمعناه أنا اللّه المجيد.
و في تفسير العيّاشيّ خيثمة الجعفيّ، عن أبي لبيد المخزوميّ قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: يا أبا لبيد انّه يملك من ولد عبّاس اثنا عشر ، يقتل بعد الثّامن منهم أربعة،يصيب أحدهم الذّبحة فتذبحه، هم فئة قصيرة أعمارهم قليلة مدّتهم خبيثة سيرتهم [منهم] الفويسق الملقّب بالهادي، والنّاطق والغاوي، يا أبا لبيد إنّ في حروف القرآن المقطّعة لعلما جمّا، إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أنزل الم ذلِكَ الْكِتابُ فقام محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- حتّى ظهر نوره وثبتت كلمته وولد يوم ولد وقد مضى من الألف السّابع مائة سنة وثلاث سنين، ثمّ قال: وتبيانه في كتاب اللّه في الحروف المقطّعة، إذا عدّدتها من غير تكرار، وليس من حروف مقطّعة حرف تنقضي أيّام إلّا وقائم من بني هاشم عند انقضائه، ثمّ قال: الألف واحد، واللّام ثلاثون، والميم أربعون، والصّاد تسعون، فذلك مائة وإحدى وستّون، ثمّ كان بدء خروج الحسين بن عليّ- عليه السّلام- الم اللّه، فلمّا بلغت مدّته قام قائم ولد العبّاس عبد «المص» ويقوم قائمنا عند انقضائها «بالر» فافهم ذلك وعه واكتمه.
و إنّما فتح الميم في المشهورة، وكان حقّها أن يوقف عليها، لإلقاء حركة الهمزة عليها ليدلّ على أنّها في حكم الثّابت، لأنّها أسقطت للتّخفيف لا للدّرج، فإنّ الميم في حكم الوقف، كقولهم: واحد اثنان، لا لالتقاء السّاكنين، فإنّه غير محذور في باب الوقف، ولذلك لم يحرّك في لام.
و قرئ بكسرها، على توهّم التّحريك لالتقاء السّاكنين. وقرأ أبو بكر بسكونها، والابتداء بما بعدها على الأصل .
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ : : قد مرّ تفسيره فلا حاجة إلى تكريره.
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ، أي: القرآن منجما، بِالْحَقِّ: بالعدل، أو بالصّدق في أخباره، أو بالحجج المحقّقة أنّه من عند اللّه. وهو في موضع الحال عن المفعول.
مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ: من الكتب.وَ أَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ جملة على موسى وعيسى.
في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ومحمّد بن القاسم، عن محمّد بن سليمان، عن داود، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: [سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، وإنّما أنزل في عشرين سنة بين أوّله وآخره.
فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:] نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثمّ نزل في طول عشرين سنة، ثمّ قال: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله:
نزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التّوراة لستّ مضين من شهر رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان، وأنزل الزّبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان، [و أنزل القرآن في ثلاث وعشرين من شهر رمضان.
و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أنزلت التّوراة في ستّ مضت من شهر رمضان، ونزل الإنجيل في اثنا عشر ليلة من شهر رمضان، وأنزل الزّبور في ليلة ثمانية عشرة مضت من شهر رمضان] وأنزل القرآن في ليلة القدر.
قيل : التّوراة مشتقّة من الورى، الّذي هو إخراج النار من الزناد، سمّي بها لإخراج نور العلم منه. والإنجيل من النّجل، بمعنى: الولد، سمّي به لأنّه يتولّد منه النّجاة.
و وزنهما تفعلة وإفعيل، وهو تعسّف لأنّهما اسمان أعجميّان، يؤيّد ذلك أنّه قرئ الإنجيل بفتح الهمزة، وهو ليس من أبنية العرب.مِنْ قَبْلُ: تنزيل القرآن.
هُدىً لِلنَّاسِ، أي: لكلّ من أنزل عليه وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ:
قيل : يريد به جنس الكتب الإلهيّة، فإنّها فارقة بين الحقّ والباطل، ذكر ذلك بعد [ذكر] الكتب الثّلاثة ليعمّ ما عداها [كأنّه قال: وأنزل سائر ما يفرّق به بين الحقّ والباطل، أو الزّبور] أو القرآن. وكرّر ذكره بما هو نعت له مدحا وتعظيما وإظهارا لفضله، من حيث أنّه يشركهما في كونه وحيا منزّلا، ويتميّز بأنّه معجز، يفرّق به بين المحقّ والمبطل أو المعجزات.
و يحتمل أن يكون المراد به محكمات القرآن، أفردها لزيادة شرفها ونفعها.
و في أصول الكافي : علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن سنان أو غيره، عمّن ذكره قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن القرآن والفرقان أ هما شيئان أو شيء واحد.
فقال- عليه السّلام-: القرآن جملة الكتاب، والفرقان المحكم الواجب العمل به.
[و في تفسير العيّاشيّ : عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه: الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ.
قال: هو كلّ أمر محكم، والكتاب هو جملة القرآن الّذي يصدّق فيه من كان قبله [من] الأنبياء.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وروى مثل ما في تفسير العيّاشيّ.
و في كتاب علل الشّرائع : بإسناده إلى أبي عبد اللّه [بن يزيد قال: حدّثني يزيد]
ابن سلام أنّه سأل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال له: لم سمّي الفرقان فرقانا؟
[قال:] لأنّه متفرّق الآيات والسّور أنزلت في غير الألواح، وغيره من الصّحف والتّوراة والإنجيل والزّبور أنزلت كلّها جملة في الألواح والورق.
و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.
و في الصّحيفة السّجّاديّة في دعائه- عليه السّلام- عند ختم القرآن : وفرقانا فرقت به بين حلالك وحرامك، وقرآنا أعربت به عن شرائع أحكامك.
]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ: من كتب منزلة كانت أو غيرها، لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ: بسبب كفرهم. ولا شك أنّ أمير المؤمنين من أعظم آيات اللّه، والكافرين به والمنكرين لحقّه لهم عذاب شديد.
وَ اللَّهُ عَزِيزٌ: غالب، لا يمنع من التّعذيب، ذُو انْتِقامٍ :
تنكيره للتّعظيم، أي: انتقام لا يقدر مثله أحد ولا يعرف كنهه أحد. والنّقمة، عقوبة المجرم. والفعل منه، نقم- بالفتح والكسر- وهو وعيد جيء به بعد تقرير التّوحيد، وإنزال الكتب والآيات لمن أعرض عنها.
إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ: كلّيّا كان أو جزئيّا، إيمانا أو كفرا، فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ :
خصّصهما، إذ الحسّ لا يتجاوزهما، وقدّم الأرض ترقّيا من الأدنى إلى الأعلى، ولأنّ المقصود ما اقترف فيها.
هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ:
و هو ردّ على ما ذهب إليه بعض الحكماء من وجود القوّة المصوّرة.
و قرئ: تصوّركم، أي: صوّركم لنفسه وعبادته .
كَيْفَ يَشاءُ: من الصّور المختلفة، مشابها لصورة أبيه أولا.و في كتاب علل الشّرائع : بإسناده إلى جعفر بن بشير، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- إذا أراد أن يخلق خلقا جمع كلّ صورة بينه وبين أبيه إلى آدم، ثمّ خلقه على صورة أحدهم، فلا يقولنّ أحد: هذا لا يشبهني ولا يشبه شيئا من آبائي.
و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن نوح بن شعيب رفعه، عن عبد اللّه بن سنان، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: اتى رجل من الأنصار رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: هذه ابنة عمّي وامرأتي، لا أعلم منها إلّا خيرا، وقد أتتني بولد شديد السّواد، منتشر المنخرين، جعد، قطط، أفطس الأنف، لا أعرف شبهه في أخوالي ولا في أجدادي.
فقال- صلّى اللّه عليه وآله- لامرأته: ما تقولين؟
قالت: لا والّذي بعثك بالحقّ نبيّا ما أقعدت مقعده منّي منذ ملكني أحدا غيره.
قال: فنكس رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [برأسه] مليّا، ثمّ رفع بصره إلى السّماء، ثمّ أقبل على الرجل فقال: يا هذا، إنّه ليس من أحد إلّا بينه وبين آدم تسعة وتسعون عرقا كلّها تضرب في النّسب، فإذا وقعت النّطفة في الرّحم اضطربت تلك العروق تسأل الشّبه لها، فهذا من تلك العروق الّتي لم يدركها أجدادك ولا أجداد أجدادك، خذ إليك ابنك.
فقالت المرأة: فرجت عنّي يا رسول اللّه.
محمّد بن يحيى وغيره ، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن إسماعيل بن عمرو، عن شعيب العقرقوفي، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ للرحم أربعة سبل، في أيّ سبيل سلك فيه الماء كان منه الولد واحد واثنان وثلاثة وأربعة،
و لا يكون إلى سبيل أكثر من واحد.
عليّ بن محمّد رفعه ، عن محمّد بن حمران، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- خلق للرّحم أربعة أوعية، فما كان في الأوّل فللأب، وما كان في الثّاني فللأم، وما كان في الثّالث فللعمومة، وما كان في الرّابع فللخئولة. وذلك التّصوير بعد مكث النّطفة في الرّحم أربعين يوما.
يدلّ عليه
ما رواه في كتاب علل الشّرائع : بإسناده إلى محمّد بن عبد اللّه بن زرارة، عن عليّ بن عبد اللّه، عن أبيه، عن جدّه، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال:
تعتلج النطفتان في الرّحم فأيّتهما كانت أكثر جاءت تشبهها، فإن كانت نطفة المرأة أكثر جاءت يشبه أخواله، وان كانت نطفة الرّجل أكثر جاءت يشبه أعمامه.
و قال: تحول النّطفة في الرّحم أربعين يوما، فمن أراد أن يدعو اللّه- عزّ وجلّ- ففي تلك الأربعين قبل أن يخلق ، ثمّ يبعث اللّه- عزّ وجلّ- ملك الأرحام، فيأخذها فيصعد بها إلى اللّه- عزّ وجلّ- فيقف منه ما شاء اللّه، فيقول: يا إلهي أ ذكر أم أنثى؟ فيوحي اللّه- عزّ وجلّ- ما يشاء.
و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: إذ لا يعلم ولا يفعل جملة ما يعلمه، ولا يقدر أن يفعل مثل ما يفعله غيره.
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ : إشارة إلى كمال قدرته، وتناهي حكمته.
قال البيضاويّ : قيل: هذا حجاج على من زعم أنّ عيسى كان ربّا، فإنّ وفد نجران لمّا حاجّوا فيه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نزلت السّورة من أوّلها إلى نيف وثمانين آية، تقريرا لما احتجّ به عليهم وأجاب عن شبههم.
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ: أُحكمت عبارتها، بأنحفظت من الإجمال والاشتباه.
هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ: أصله، يردّ إليها غيرها. والقياس أمّهات، فأفرد على تأويل واحدة، أو على أنّ الكلّ بمنزلة آية واحدة.
وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ: محتملات، لا يتضح مقصودها لإجمال أو مخالفة ظاهر.
و العلّة في ذلك
ما رواه في كتاب الاحتجاج : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في حديث طويل وفيه يقول: ثمّ إنّ اللّه- جلّ ذكره- لسبقة رحمته ورأفته بخلقه، وعلمه بما يحدثه المبدّلون من تغيير كلامه، قسّم كلامه ثلاثة أقسام: فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل، وقسما لا يعرفه إلّا من صفا ذهنه ولطف حسّه وصحّ تميّزه ممّن شرح اللّه صدره للإسلام، وقسما لا يعرفه إلّا اللّه وأنبياؤه والرّاسخون في العلم. وإنّما فعل ذلك، لئلّا يدّعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من علم الكتاب ما لم يجعله اللّه لهم، وليقودهم الاضطرار إلى الائتمار لمن ولاه أمرهم، فاستكبروا عن طاعته تعزّزا وافتراء على اللّه، واغترارا بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند اللّه- جل اسمه- ورسوله- صلّى اللّه عليه وآله-.
و اعلم أنّ قسمين ممّا ذكر في الخبر داخل في المحكم المذكور في الآية. وأمّا قوله:
كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ، فمعناه: أنّها حفظت من فساد المعنى، وركاكة اللّفظ. وقوله:
كِتاباً مُتَشابِهاً. فمعناه: يشبه بعضه بعضا في صحّة المعنى، وجزالة اللّفظ. «و أخر» جمع أخرى، ولم ينصرف لأنّه وصف معدول من «الآخر» ولا يلزم معرفته، لأنّ معناه أنّ القياس أن يعرّف، ولم يعرّف لأنّه معرّف في المعنى أو من آخر من بهذا المعنى .
في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قولهتعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ، قال: أمير المؤمنين- عليه السّلام- والائمّة- عليهم السّلام- وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ، قال: فلان وفلان.
و للحديث تتمّة، أخذت منه موضع الحاجة.
فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ: ميل عن الحقّ وعدول.
فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ: بظاهره، أو بتأويل غير منقول عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- والأئمّة- عليهم السّلام- أو فلان وفلان.
ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ طلب أن يفتنوا أنفسهم والناس عن دينهم.
و في مجمع البيان : قيل: المراد بالفتنة هنا الكفر، وهو المرويّ عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.
وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ: طلب أن يأوّلوه على ما يشتهونه.
قيل : يحتمل أن يكون الدّاعي إلى الاتّباع مجموع الطّلبتين، أو كل واحدة منهما على التّعاقب، والأوّل يناسب المعاند والثّاني يلائم الجاهل.
[و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا محمّد بن أحمد بن ثابت قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن وهيب بن حفص ،] عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: إنّ القرآن زاجر وآمر يأمر بالجنّة ويزجر عن النّار.
و فيه محكم ومتشابه. فأمّا المحكم فيؤمن به ويعمل به. وأمّا المتشابه فيؤمن به ولا يعمل به وهو قول اللّه: فَأَمَّا الَّذِينَ- وقرأ الى- كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا، وقال : آل محمّد الرّاسخون في العلم.
وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، أي: الّذي يجب أن يحمل عليه.
إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، أي: الّذين ثبتوا وتمكّنوا فيه.
و في تتّمة الحديث السّابق، أنّ الرّاسخين في العلم أمير المؤمنين والأئمّة- عليهم السّلام -.
و في كتاب معاني الأخبار : بإسناده إلى محمّد بن قيس قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يحدّث: أنّ حييّا وأبا ياسر أبني أخطب ونفرا من يهود اهل نجران أتوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقالوا له: أليس فيما تذكر فيما أنزل اللّه عليك الم؟
قال: بلى.
قالوا: أتاك بها جبرئيل من عند اللّه؟
قال: نعم.
قالوا: لقد بعثت أنبياء قبلك وما نعلم نبيّا منهم أخبر ما مدّة ملكه وما أجل أمّته غيرك.
قال: فأقبل حييّ بن أخطب على أصحابه فقال لهم: الألف واحد، واللّام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة، فعجب ممّن يدخل في دين مدّة ملكه وأجل أمّته إحدى وسبعون سنة.
قال: ثمّ أقبل على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال له: يا محمّد هل مع هذا غيره؟
قال: نعم.
قال: فهاته .
قال: المص.
قال: هذه أثقل وأطول، الألف واحد، واللّام ثلاثون ، والميم أربعون، والصّاد تسعون، فهذه مائة وواحد وستّون سنة .ثمّ قال لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: فهل مع هذا غيره؟
قال: نعم.
قال: هاته.
قال: الر.
قال: هذه أثقل وأطول، الألف واحد، واللّام ثلاثون ، والرّاء مائتان.
[ثمّ قال لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:] فهل مع هذا غيره؟
قال: نعم.
قال: هاته.
قال: المر.
قال: هذه أثقل وأطول، الألف واحد، واللام ثلاثون والميم أربعون والرّاء مائتان.
ثمّ قال له: هل مع هذا غيره؟
قال: نعم.
قال: قد التبس علينا أمرك فما ندري ما أعطيت. ثمّ قاموا عنه، ثمّ قال أبو ياسر لحييّ أخيه: ما يدريك، لعل محمّدا قد جمع له هذا كلّه وأكثر منه.
قال: فذكر أبو جعفر- عليه السّلام- أنّ هذه الآيات أنزلت فيهم: منه آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهات.
قال: وهي تجري في وجه آخر [على] غير تأويل حييّ وأبي ياسر وأصحابهما.
أقول: وهذا الوجه هو ما مرّ، من أنّ المراد بالمحكمات والمتشابهات الأئمّة وأعداؤهم، وبعضهم وقفوا على اللّه وفسّروا المتشابه بما استأثره بعلمه.
يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ: استئناف موضح. لحال الرّاسخين، أو حال منهم، أو خبر إن جعلته مبتدأ.
كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا، أي: كلّ من المحكم والمتشابه من عنده، وعلى كون المراد بالمتشابه فلان وفلان كونه من عنده، بمعنى: خلقه له وعدم جبره على الاهتداء، كما هوطريقة الابتلاء والتّكليف.
وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ : مدح للرّاسخين، أو لمن يتذكّر أنّ العالم بالمتشابه لا يكون غير الرّاسخين، الّذين هم الأئمّة- عليهم السّلام-.
[و في شرح الآيات الباهرة ] روى محمّد بن يعقوب ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن أيّوب بن الحرّ [و عمران بن عليّ، عن أبي بصير] عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: نحن الرّاسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله.
و يؤيّده
ما رواه أيضا، عن عليّ بن محمّد ، عن عبد اللّه بن عليّ، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن بريد بن معاوية، عن أحدهما- عليهما السّلام- في قول اللّه عزّ وجلّ: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ.
قال: فرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أفضل الرّاسخين في العلم، قد علّمه اللّه- عزّ وجلّ- علم جميع ما أنزل [اللّه] عليه من التّنزيل والتّأويل، وما كان [اللّه] لينزل عليه شيئا لم يعلّمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه [و كيف لا يعلمونه؟! ومنهم مبدأ العلم، وإليهم منتهاه، وهم معدنه وقراره ومأواه.
]
و بيان ذلك
ما رواه الشّيخ محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن عبد اللّه بن سليمان، عن حمران بن أعين [عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-] قال: إنّ جبرئيل- عليه السّلام- أتى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- برمّانتين، فأكل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إحداهما وكسر الأخرى بنصفين،فأكل نصفا وأطعم عليّا نصفا.
ثمّ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا أخي هل تدري ما هاتان الرّمّانتان؟
قال: لا.
قال: أمّا الأولى فالنّبوّة ليس لك فيها نصيب، وأمّا الأخرى فالعلم أنت شريكي فيه.
فقلت: أصلحك اللّه كيف يكون شريكه فيه؟
قال: لم يعلّم اللّه محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- [علما] إلّا وأمره أن يعلّمه عليّا- عليه السّلام-.
و يؤيّده
ما رواه أيضا، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عبد الحميد، عن منصور بن يونس، عن ابن أذينة، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: نزل جبرئيل- عليه السّلام- على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- برمّانتين من الجنّة، فلقيه عليّ- عليه السّلام- فقال له: ما هاتان الرّمّانتان الّتي في يدك؟
فقال: أمّا هذه فالنّبوّة ليس لك فيها نصيب، وأمّا هذه فالعلم. ثمّ فلقها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نصفين فأعطاه نصفها وأخذ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نصفها، ثمّ قال: أنت شريكي فيه وأنا شريكك فيه.
قال: فلم يعلّم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حرفا ممّا علّمه اللّه- عزّ وجلّ- إلّا وقد علّمه عليّا، ثمّ انتهى العلم إلينا، ثمّ وضع يده على صدره.
و أوضح من هذا بيانا
ما رواه أيضا، عن أحمد بن محمّد ، عن عبد اللّه [بن] الحجّال، عن أحمد بن عمر الحلبيّ ، عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فقلت: جعلت فداك إنّي أسألك عن مسألة، فههنا أحد يسمع كلامي؟قال: فرفع أبو عبد اللّه- عليه السّلام- سترا بينه وبين بيت آخر فاطّلع فيه. ثمّ قال: يا أبا محمّد سل عمّا بدا لك.
قال: قلت: جعلت فداك إنّ شيعتك يتحدّثون أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- علّم عليّا بابا، يفتح [له] منه ألف باب.
قال: فقال: يا أبا محمّد، علّم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عليّا- عليه السّلام- ألف باب، يفتح [اللّه] كلّ باب ألف باب.
قال: قلت: هذا- واللّه- العلم.
قال: فنكت ساعة في الأرض، ثمّ قال: إنّه لعلم وما هو بذاك.
قال: ثمّ قال: يا أبا محمّد انّ عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة.
قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟
قال: صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول اللّه، و إملائه من ملء فيه، وخطّ عليّ بيمينه، فيها كلّ حلال وحرام، وكلّ شيء يحتاج إليه النّاس حتّى الأرش في الخدش، وضرب بيده إليّ فقال لي: أ تأذن لي يا أبا محمّد.
قال: قلت: جعلت فداك إنّما أنا لك، فاصنع ما شئت.
قال: فغمزني بيده، قال: حتّى أرش هذا- كأنّه مغضب-.
قال: قلت: هذا- واللّه- العلم.
قال: إنّه لعلم وليس بذاك. ثمّ سكت ساعة. ثمّ قال: إنّ عندنا الجفر.
و ما يدريهم ما الجفر.
[قال:] قلت: وما الجفر؟
قال: وعاء من أدم، فيه علم النّبيّين والوصيّين وعلم العلماء الّذين مضوا من بنيإسرائيل.
قال: قلت: إنّ هذا هو العلم.
قال: إنّه لعلم وليس بذاك. ثمّ سكت ساعة، ثمّ قال: وإنّ عندنا لمصحف فاطمة- عليها السّلام-. وما يدريهم ما مصحف فاطمة.
قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟
قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا- ثلاث مرّات- واللّه ما فيه من قرآنكم حرف واحد.
قال: قلت: هذا- واللّه- هو العلم.
قال: إنّه العلم وليس بذاك. ثمّ سكت ساعة. ثمّ قال: وإنّ عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم السّاعة.
قال: قلت: جعلت فداك هذا- واللّه- هو العلم.
قال: إنّه لعلم وليس بذاك.
قال: قلت: جعلت فداك فأيّ شيء العلم؟
قال: ما يحدث باللّيل والنّهار، والأمر بعد الأمر، والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة.
و ممّا ورد في غزارة علمهم- صلوات اللّه عليهم-
ما رواه أيضا- رحمه اللّه- قال : روى عدّة من أصحابنا [عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن يونس بن يعقوب، عن الحارث بن مغيرة وعدّة من أصحابنا] منهم: عبد الأعلى [و أبو عبيدة] وعبد اللّه بن بشير الخثعميّ ، أنّهم سمعوا أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّي لأعلم ما في السّموات وما في الأرض، وأعلم ما في الجنّة، وأعلم ما في النّار، وأعلم ما كان وما يكون، ثمّ سكت هنيئة فرأى أنّ ذلك كبر على من سمعه منه. فقال: علمت ذلك من كتاب اللّه- عزّ وجلّ- [إنّه- عزّ وجلّ-] يقول: فيه فيه تبيان كلّ شيء.و ممّا ورد في غزارة علمهم- صلوات اللّه عليهم-
ما رواه أيضا، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن سيف التّمّار قال: كنّا مع أبي عبد اللّه- عليه السّلام- و جماعة من الشّيعة في الحجر، فقال: علينا عين، فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا.
فقلنا ليس علينا عين.
فقال: وربّ الكعبة وربّ البيّنة- ثلاث مرّات- لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أنّي أعلم منهما، ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأنّ موسى والخضر- عليهما السّلام- أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتّى تقوم السّاعة، وقد ورثناه من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وراثة.
و يؤيّد هذا ويطابقه،
ما رواه أصحابنا من رواة الحديث، من كتاب الأربعين، رواية أسعد الأربلىّ ، عن عمّار بن خالد، عن إسحاق الأزرق ، عن عبد الملك بن
سليمان قال: وجد في ذخيرة حواري عيسى رقّ، فيه مكتوب بالقلم السّريانيّ، منقول من التّوراة، وذلك لمّا تشاجر موسى والخضر- عليهما السّلام-. في قصّة السّفينة والجدار والغلام، ورجع موسى إلى قومه، فسأله أخوه هارون عمّا استعمله من الخضر وشاهده من عجائب البحر.
فقال موسى- عليه السّلام-: بينا أنا والخضر على شاطي البحر، إذ سقط بين أيدينا طائر، فأخذ في منقاره قطرة من ماء البحر ورمى بها نحو المشرق، وأخذ منه ثانية ورمى بها نحو المغرب، ثمّ أخذ ثالثة ورمى بها نحو السّماء، ثمّ أخذ رابعة ورمى بها نحو الأرض، ثمّ أخذ خامسة وألقاها في البحر، فبهتنا أنا والخضر من ذلك، وسألته عنه.
فقال: لا أعلم. فبينا نحن كذلك وإذا بصيّاد يصيد في البحر، فنظر إلينا.
فقال: ما لي أراكما في فكرة من أمر الطّائر؟
فقلنا له: هو ذاك.
فقال: أنا رجل صيّاد وقد علمت إشارته، وأنتما نبيّان لا تعلمان! فقلنا: لا نعلم إلّا ما علّمنا اللّه- عزّ وجلّ-.
فقال: هذا طائر في البحر يسمّى مسلما، لأنّه إذا صاح يقول في صياحه: مسلم مسلم، فإشارته برمي الماء من منقاره نحو المشرق والمغرب والسّماء والأرض والبحر يقول: إنّه يأتي في آخر الزّمان نبيّ، يكون علم أهل المشرق والمغرب وأهل السّماء والأرض عند علمه، مثل هذه القطرة الملقاة في البحر، ويرث علمه ابن عمّه ووصيّه. فعند ذلك سكن ما كنّا فيه من المشاجرة، واستقلّ كلّ واحد منّا علمه بعد أن كنّا معجبين بأنفسنا، ثمّ غاب عنّا، فعلمنا أنّه ملك، بعثه اللّه إلينا ليعرّفنا نقصنا، حيث ادّعينا الكمال.
و ممّا ذكر في معنى فضلهم- عليهم صلوات اللّه-
ما ذكر الشّيخ أبو جعفر
الطّوسيّ- رحمه اللّه- في كتابه مصباح الأنوار، بإسناده إلى رجاله قال: وروي عن جعفر بن محمّد الصّادق، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أنا ميزان العلم، وعليّ كفّتاه، والحسن والحسين حباله، وفاطمة علاقته، والأئمّة من بعدهم يزنون المحبّين والمبغضين.
و في كتاب الاحتجاج : روي عن أمير المؤمنين، في حديث طويل يقول فيه: وقد جعل اللّه للعلم أهلا، وفرض على العباد طاعتهم بقوله: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ.
و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: أين الّذين زعموا أنّهم الرّاسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا، أن رفعنا اللّه ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم.
[و في روضة الكافي : ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة قال:
سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ ذكره -: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ.
قال: فقال: يا أبا عبيدة، إنّ لهذا تأويلا، لا يعلمه إلّا اللّه والرّاسخون في العلم من آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.
و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ.
قال: يا أبا عبيدة، إنّ لهذا تأويلا، لا يعلمه إلّا اللّه والرّاسخون في العلم من الأئمّة- عليهم السّلام-.
و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.
حدّثنا محمّد بن أحمد بن ثابت قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سماعة، عن
وهيب بن حفص ، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: إنّ القرآن زاجر وآمر، يأمر بالجنّة ويزجر عن النّار، وفيه محكم ومتشابه، فأمّا المحكم فيؤمن به ويعمل به، وأمّا المتشابه فيؤمن به ولا يعمل به، وهو قول اللّه: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وآل محمّد- عليهم السّلام- الرّاسخون في العلم.
حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن بريد بن معاوية ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أفضل الرّاسخين في العلم، قد علم جميع ما أنزل اللّه عليه من التّنزيل والتّأويل، وما كان اللّه لينزل عليه شيئا لم يعلّمه تأويله ، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه قال: قلت: جعلت فداك إنّ أبا الخطّاب كان يقول فيكم قولا عظيما.
قال: وما كان يقول؟
قلت: قال: إنّكم تعلمون علم الحلال والحرام والقرآن.
[قال: علم الحلال والحرام والقرآن] يسير في جنب العلم الّذي يحدث في اللّيل والنّهار .
و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن داود بن فرقد، عمّن حدّثه، عن ابن شبرمة قال: ما ذكرت حديثا سمعته من جعفر بن محمّد
- عليه السّلام- إلّا كان يتصدّع قلبي.
قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [- قال ابن شبرمة: وأقسم باللّه ما كذب أبوه على جدّه ولا جدّه على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-] قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من عمل بالمقاييس فقد هلك وأهلك، ومن أفتى للنّاس بغير علم- وهو لا يعلم النّاسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه- فقد هلك وأهلك.
بعض أصحابنا رفعه، عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر- عليه السّلام-: يا هشام، إنّ اللّه ذكر أولي الألباب بأحسن الذّكر، وحلاهم بأحسن الحلية، وقال : [وَ] الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ.
أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصّباح الكنانيّ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: نحن الرّاسخون في العلم.
و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضّر بن سويد، عن أيّوب بن الحرّ وعمران بن عليّ، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: نحن الرّاسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله.
عليّ بن محمّد ، عن عبد اللّه بن عليّ، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن بريد بن معاوية، عن أحدهما- عليهما السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ. فرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أفضل الرّاسخين في العلم، وقد علّمه اللّه- عزّ وجلّ- جميع ما أنزل عليه من التّنزيل والتّأويل، وما كان اللّه لينزل عليه شيئا لم يعلّمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه، والّذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم بعلم فأجابهم اللّه بقوله:يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا. والقرآن خاصّ وعامّ ومحكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ، فالرّاسخون في العلم يعلمونه.
الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد [عن محمّد] بن أورمة، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [قال:] الرّاسخون في العلم أمير المؤمنين والأئمّة من بعده- عليهم السّلام-.
]
و بإسناده إلى أبي جعفر الباقر- عليه السّلام- في حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: فإن قالوا: من الرّاسخون في العلم؟ فقل: من لا يختلف في علمه، فإن قالوا: فمن هو ذاك؟ فقل: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- صاحب ذلك، فهل بلّغ أولا؟ فإن قالوا: قد بلّغ، فقل: هل مات- صلّى اللّه عليه وآله- والخليفة من بعده يعلم علما ليس فيه اختلاف؟ فإن قالوا: لا، فقل: إنّ خليفة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- مؤيّد، ولا يستخلف رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلّا من يحكم بحكمه وإلّا من يكون مثله إلّا النّبوّة، وإن كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لم يستخلف في علمه أحدا فقد ضيّع من في أصلاب الرّجال ممّن يكون بعده.
و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة: بإسناده إلى سليم بن قيس الهلاليّ قال:
سمعت عليّا- عليه السّلام- يقول: ما نزلت على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- آية من القرآن إلّا أقرأنيها، واملاها عليّ، وأكتبها بخطّي، وعلّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها، ودعا اللّه- عزّ وجلّ - أن يعلّمني فهمها وحفظها. فما نسيت آية من كتاب اللّه ولا علما أملاه [عليّ] فكتبته. وما ترك شيئا علّمه اللّه- عزّ وجلّ- من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي وما كان وما يكون من طاعته اومعصيته إلّا علّمنيه وحفظته، فلم أنس منه حرفا واحدا.
و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.
و اعلم أنّ التّفسير بالرّأي للمتشابه حرام، ومن فسّره برأيه كافر، يدلّ عليه
ما رواه في كتاب كمال الدّين وتمام النعمة، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن سمرة، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: من فسّر القرآن برأيه فقد افترى على اللّه الكذب.
و ما رواه في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى الرّيّان بن الصّلت ، عن عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: قال اللّه- جلّ جلاله-: ما آمن بى من فسّر برأيه كلامي.
و لا خفاء أنّ المراد تفسير المتشابه، وتأويل المحكم بالرّأي، بغير ما يدلّ عليه ظاهره، وبذلك يظهر عدم إيمان اكثر المفسّرين، ممّن يفسّرون القرآن برأيهم ويأوّلونه على مذاقهم، ممّن نقلنا بعض تأويلاتهم في أوائل التّفسير تقدمة لهذا التّصريح، فإنه لا ربة ، لأحد في أنّهم لا يردّون المتشابهات إلى الرّاسخين الّذين هم الأئمّة- عليهم السّلام- ويفسّرون الرّاسخين أيضا برأيهم، ولا يعنون منه النّبيّ والأئمّة- عليهم السّلام-. فتبصّر.
رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا: من مقالة الرّاسخين.
و قيل : استئناف، والمعنى: لا تزغ قلوبنا عن نهج الحقّ، وهو من الرّاسخين خضوع في مقام العبوديّة.
و قيل: لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا.
بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا إلى الحقّ و«بعد» نصب على الظّرف و«إذ» في محلّ الجرّبإضافته إليه.
و قيل : إنّه بمعنى: إن.
وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً: تزلّفنا إليك ونفوز بها عندك، أو توفيقا للثّبات على الحقّ، أو مغفرة للذّنوب أو الأعمّ.
إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ : لكلّ سؤل.
في تفسير العيّاشيّ : عن سماعة بن مهران قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:
أكثروا من أن تقولوا: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا، ولا تأمنوا الزّيغ.
و في تهذيب الأحكام : في الدّعاء بعد صلاة الغدير المسند إلى الصّادق- عليه السّلام-: ربّنا إنّك أمرتنا بطاعة ولاة أمرك، وأمرتنا أن نكون مع الصّادقين فقلت: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، وقلت: اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ، فسمعنا وأطعنا، ربّنا فثبّت أقدامنا وتوفّنا مسلمين مصدّقين لأوليائك، ولا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.
و في هذا الخبر دلالة على أنّ المراد بالدّعاء بعدم الإزاغة، عدم الإزاغة عن الولاية.
رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ: لحساب يوم، أو جزائه.
لا رَيْبَ فِيهِ في وقوعه، ووقوع ما أخبر بوقوعه فيه.
إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ : فإنّ الإلهيّة تنافيه، وللإشعار به وتعظيم الموعود به لوّن الخطاب.
قال البيضاويّ : واستدلّ به الوعيديّة، وأجيب بأنّ وعيد الفسّاق مشروط بعدم العفو لدلائل منفصلة، كما هو مشروط بعدم التّوبة وفاقا.
و يردّ على هذا الجواب أنّ العفو بالتّوبة موعود بخلاف العفو بدونه، واشتراط وعيد الفسّاق بعدم العفو لا معنى له، إذ لا يسمّى أضربك إن لم أعف وعيدا، كما يسمّى أعطيك إن جئتني وعدا، فتأمّل يظهر الفرق.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا:
الظّاهر أنّه عامّ في الكفرة.و قيل : المراد وفد نجران، أو اليهود، أو مشركو العرب.
لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، أي: من رحمته، أو طاعته على معنى البدليّة، أو من عذابه.
وَ أُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ : حطبها.
و قرئ بالضّمّ، بمعنى: أهل وقودها.
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ: متّصل بما قبله، أي: لن تغني عنهم أموالهم كما لم تغن عن أولئك، أو توقّد بهم كما توقّد بأولئك، أو استئناف مرفوع المحلّ، وتقديره: إنّ دأب هؤلاء كدأبهم في الكفر والعذاب. وهو مصدر دأب في العمل، كدح فيه. فنقل إلى معنى الشّأن.
وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ: عطف على آل فرعون، أو استئناف.
كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ: حال بتقدير «قد» أو استئناف بتفسير حالهم على التّقدير الأوّل، وخبر على التّقدير الثّاني.
وَ اللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ : تهويل للمؤاخذة، وزيادة تخويف للكفرة. وفي الآية دلالة على أنّ الكفّار طريقتهم واحدة في الكفر والعذاب والخلود فيه، سواء فيه الّذين كفروا بعد النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- والّذين كفروا قبله.
و يظهر منه أنّ المنكرين للولاية المحكوم عليهم بكفرهم دأبهم كدأب آل فرعون في ذلك، لا يجوز إطلاق اسم الإسلام بالمعنى المقصود منه عليهم كما لا يجوز إطلاقه على آل فرعون، وإن جاز إطلاقه عليهم بمعنى آخر كما جاز إطلاقه على فرعون أيضا، بمعنى: أنّه أسلم لإبليس، أو أسلم لهواه، أو غير ذلك.
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ:
في مجمع البيان : روى محمّد بن إسحاق بن يسار، عن رجاله قال: لمّا أصاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قريشا ببدر وقدم المدينة، جمع اليهود في سوق بني قينقاع، فقال: يا معشر اليهود احذروا من اللّه مثل ما نزل بقريش يوم بدر، وأسلموا قبل أن ينزلبكم ما أنزل اللّه بهم، فقد عرفتم أنّي نبيّ مرسل، تجدون ذلك في كتابكم.
فقالوا: يا محمّد، لا يغرّنّك أنّك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، أما واللّه لو قاتلتنا لعرفت إنّا نحن النّاس. فأنزل اللّه هذه الآية.
و روي أيضا عن عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عبّاس، ورواه أصحابنا أيضا.
و قال البيضاويّ ، أي: قل لمشركي مكّة: ستغلبون، يعني: يوم بدر.
و قرأ حمزة والكسائيّ بالياء فيهما، على أن الأمر للنّبيّ [صلّى اللّه عليه وآله] بأن يحكي لهم ما أخبره به من وعيدهم بلفظه .
وَ بِئْسَ الْمِهادُ : تمام ما يقال لهم، أو استئناف، وتقديره، بئس المهاد جهنم، أو ما مهّدوه لأنفسهم.
قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ:
قيل : الخطاب لقريش [أو اليهود] وقيل: للمؤمنين.
فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا: يوم بدر.
في مجمع البيان : ان الآية نزلت في قصّة بدر، وكان المسلمون ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا على عدّة أصحاب طالوت الّذين جاوزوا معه النّهر، سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ومائتان وستّة وثلاثون من الأنصار. واختلف في عدد المشركين،
فروي عن عليّ وابن مسعود: أنّهم كانوا ألفا.
فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: وهم المؤمنون، وَأُخْرى كافِرَةٌ: وهم مشركو قريش.
يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ، أي: يرى المشركون المؤمنين مثليهم، أو يرى المؤمنون المشركين مثلي المؤمنين. وكانوا ثلاثة أمثال لهم، ليثبتوا لهم ويتيقّنوا بالنّصر الّذي وعدهم في قوله:إن يكن منكم مائة يغلبوا مأتين.
و يؤيّده قراءة نافع ويعقوب بالتاء، وقرئ بهما بالبناء للمفعول، أي: يريهم اللّه، أو يريكهم ذلك بقدرته. و«فئة» بالجرّ على البدل من فئتين، والنّصب على الاختصاص، أو الحال من فاعل «التقتا.»
رَأْيَ الْعَيْنِ: رؤية ظاهرة معاينة.
وَ اللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ: كما أيّد أهل بدر.
إِنَّ فِي ذلِكَ: أي: في التّقليل والتّكثير، أو غلبة القليل، أو وقوع الأمر على ما أخبر به الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله-.
لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ : لعظة لذوي البصائر.
و قيل : لمن أبصرهم.
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ، أي: المشهّيات. سمّاها شهوات مبالغة، وإيماء إلى أنّهم انهمكوا في محبّتها حتّى أحبّوا شهوتها، كقوله تعالى : أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ.
و ذهب الأشعريّ إلى أنّ المزيّن هو اللّه تعالى لأنّه الخالق للأفعال والدّواعي كلّها عندهم، ويقولون: زينة ابتلاء، أو لأنّه يكون وسيلة إلى السّعادة الأخرويّة إذا كان على وجه يرتضيه اللّه، أو لأنّه من أسباب التّعيّش وبقاء النّوع.
و المعتزلة إلى أنّه الشّيطان، والجبّائيّ فرّق بين المباح والمحرّم، وهو الصّواب.
مِنَ النِّساءِ:
و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن احمد بن محمّد عن أبي عبد اللّه البرقيّ، عن الحسن بن أبي قتادة، عن رجل، عن جميل بن درّاج قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:
ما تلّذذ النّاس في الدّنيا والآخرة بلذّة أكثر لهم من لذّة النّساء، وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ- إلى آخر الآية- ثمّ قال: وإنّ أهل الجنّة ما يتلذّون بشيء من الجنّة أشهى عندهم من النّكاح، لا طعام ولا شراب.
وَ الْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ:
قناطير، جمع قنطار.
و في مجمع البيان
: اختلف في مقدار القنطار [...] قيل: هو ملء مسك ثور ذهبا [...] وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- (انتهى.)
و اختلف في أنّه فعلال، أو فنعال. والمقنطرة مأخوذة منه للتّأكيد، كقولهم: بدرة مبدّرة.
مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: صفة للقناطير، ويحتمل التّعلّق بالمقنطرة على تضمين معنى المملوءة.
و في كتاب الخصال : عن محمّد بن يحيى العطّار- رفع الحديث- قال الذّهب والفضّة حجران ممسوخان ، فمن أحبّهما كان معهما.
وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ، أي: المعلّمة، من السّومة وهي العلامة. أو المرعيّة، من أسام الدّابّة وسوّمها. أو المطهّمة التّامّة الخلق، من السّوم في البيع، لأنّها تسأم كثيرا. أو من السّومة كأنّها علم في الحسن.
وَ الْأَنْعامِ: الإبل والبقر والغنم.
وَ الْحَرْثِ:
في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن نوح بن شعيب، عن عبد اللّه الدّهقان، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:
قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ أوّل ما عصي اللّه به ستّ: حبّ الدّنيا، وحبّ الرّئاسة، وحبّ الطّعام، وحبّ النّوم، وحبّ الرّاحة، وحبّ النّساء.
و في كتاب الخصال : عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: الفتن ثلاث: حبّ النّساء وهو سيف الشّيطان، وشرب الخمر وهو فخّالشّيطان، وحبّ الدّينار والدّرهم وهو سهم الشّيطان. فمن أحبّ النّساء لم ينتفع بعيشه .
و من أحبّ الأشربة حرّمت عليه الجنّة. ومن أحبّ الدّينار والدّرهم فهو عبد الدّنيا.
ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا: إشارة إلى ما ذكر، أي، هو متمتّع في هذه الحياة الدنيا الّتى مدّتها قليلة.
وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ : أي: المرجع، وهو تحريض على استبدال ما عنده من اللّذّات الحقيقيّة الأبديّة بالشّهوات النّاقصة الفانية.
قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ: تقرير لما عنده.
لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها: استئناف لبيان ما هو عنده.
و قيل : يجوز أن يتعلّق اللّام. «بخير» ورفع «جنّات» بتقدير : هو جنّات.
و يؤيّده قراءة من جرّها، بدلا من خير.
وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ: ممّا يستقذر من النّساء.
و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ، قال: لا يحضن ولا يحدثن.
[و في تفسير عليّ بن إبراهيم
: قوله: وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ، قال: في الجنّة لا يحضن ولا يحدثن.
] .
وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ: وهو أكبر.
و قرأ عاصم- في رواية أبي بكر- في جميع القرآن بضمّ الرّاء، ما خلا الحرف الثّاني في المائدة، وهو قوله: رضوانه سبل السّلام، وهما لغتان .
وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ : فيثيب المحسن، ويعاقب المسيء، ويعلم استعداد المتّقين لما أعدّلهم.الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ : صفة للمتّقين، أو للعباد، أو مدح منصوب أو مرفوع، ويحتمل الاستئناف. رتّب المغفرة والوقاية من النّار على الإيمان بالفاء، إشعارا بأنّه يستلزمهما وهو كذلك، لأنّ المراد به الإيمان باللّه ورسوله وجميع ما جاء به الرسول، الّذي [أعظمه الولاية.]
الصَّابِرِينَ: في البأساء والضّرّاء.
وَ الصَّادِقِينَ: في الأقوال والأعمال.
وَ الْقانِتِينَ: الخاشعين.
وَ الْمُنْفِقِينَ: أموالهم في سبيل اللّه.
وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ ، أي: المصلّين وقت السّحر.
في مجمع البيان : رواه الرّضا- عليه السّلام- عن أبيه عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.
و روى عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّ من استغفر [اللّه] سبعين مرّة في وقت السّحر فهو من أهل هذه الآية.
و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: من قال في وتره إذا أوتر: أستغفر اللّه [ربّي] وأتوب إليه، سبعين مرّة وهو قائم مواظب على ذلك حتّى تمضي له سنة، كتبه اللّه من المستغفرين بالأسحار، ووجبت له المغفرة من اللّه تعالى.
و روى في من لا يحضره الفقيه : عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- مثله.
و في تفسير العيّاشيّ : عن مفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: جعلت فداك تفوتني. صلاة الليل فأصلّي صلاة الفجر، فلي أن أصلّي بعد صلاة الفجر ما فاتني من الصّلاة وأنا في صلاة قبل طلوع الشّمس؟فقال: نعم، ولكن لا تعلم به أهلك فتتّخذه سنّة، فيبطل قول اللّه- عزّ وجلّ-:
وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ.
قال البيضاويّ حصر لمقامات السّالك على أحسن ترتيب، فإنّ معاملته مع اللّه تعالى إما توسل وإمّا طلب.
و التّوسّل إمّا بالنّفس، وهو منعها عن الرّذائل وحبسها على الفضائل، والصّبر يشملهما. وإمّا بالبدن، وهو إمّا قوليّ وهو الصّدق، وإمّا فعليّ وهو القنوت الّذي هو ملازمة الطّاعة، وإمّا بالمال وهو الإنفاق في سبيل الخير.
و أمّا الطّلب وهو الاستغفار ، لأنّ المغفرة أعظم المطالب بل الجامع لها. وتوسيط الواو بينها للّدلالة على استقلال كلّ واحدة منها وكمالهم فيها، أو لتغاير الموصوفين بها.
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، أي: بيّن وحدانيّته بنصب الدّلائل الدّالّة عليها، أو شهد به لنفسه.
وَ الْمَلائِكَةُ: بالإقرار، أو شهدوا كما شهد.
وَ أُولُوا الْعِلْمِ: وهم الأئمّة - عليهم السّلام- بالاحتجاج عليه، أو شهدوا كما شهد، وعلى المعنى الأوّل في «شهد» استعارة تبعيّة، حيث شبّه ذلك في البيان والكشف بشهادة الشّاهد.
قائِماً بِالْقِسْطِ: مقيما للعدل في حكمه وقضائه، وانتصابه على الحال من «اللّه» وإنّما جاز إفراده بها ولم يجز جاء زيد وعمرو راكبا لعدم اللّبس، أو من «هو» والعامل فيها معنى الجملة، أي: تفرّد قائما أو أحقّه، لأنّها حال مؤكّدة أو على المدح. أو الصّفة للمنفيّ، وفيه ضعف للفصل، وهو داخل في المشهود به إذا جعلته صفة أو حالا عن الضّمير.
و قرئ: القائم بالقسط، على البدل من «هو» أو الخبر المحذوف .
و في تفسير العيّاشيّ : عن جابر قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن هذه الآية: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
قال أبو جعفر- عليه السّلام-: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، فإنّ اللّه- تبارك وتعالى- يشهد بها لنفسه وهو كما قال، فأمّا قوله: وَالْمَلائِكَةُ، فإنّه أكرم الملائكة بالتّسليم له بهم وصدّقوا وشهدوا كما شهد لنفسه، وأمّا قوله: وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ، فإنّ أولي العلم الأنبياء والأوصياء وهم قيام بالقسط، والقسط هو العدل في الظاهر، والعدل في الباطن أمير المؤمنين- عليه السّلام-.
فعلى هذه الرّواية «قائما» حال عن أولي العلم، وإفراده على تأويل كلّ واحد والإشعار بأنّ كلّ واحد منهم قائم به، لئلّا يتوهمّ أنّ القسط قائم بمجموعهم من حيث هو مجموع،
و في ذلك التّفسير عن مرزبان القميّ قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن قول اللّه- تعالى- شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ. قال:
هو الإمام.
و في بصائر الدّرجات : عن عبد اللّه بن جعفر، عن محمّد بن عيسى، عن الحسن ابن عليّ الوشّاء، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: قلت: وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ.
قال: الإمام.
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: كرّره للتّأكيد ومزيد الاعتناء، فيبنى عليه قوله:
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ : فيعلم أنّه الموصوف بهما، وقدّم العزيز لتقدّم العلم بالقدرة على العلم بحكمته، ورفعهما على البدل من الضّمير أو الصّفة لفاعل «شهد».
و قد ذكر في أوّل الفاتحة ما روي في فضل هذه الآية، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.
و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى محمّد بن عثمان العمريّ- قدّس سرّه- قال: لمّا ولد الخلف المهديّ- صلوات اللّه عليه- سطع نور من فوق رأسهإلى عنان السّماء، ثمّ سقط لوجهه ساجدا لربّه- تعالى ذكره- ثمّ رفع رأسه وهو يقول:
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ- الى آخر الآية-.
و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن محمّد بن عبد اللّه بن إسحاق العلويّ، عن محمّد بن زيد الزّراميّ، عن محمّد بن سليمان الدّيلميّ، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في حديث طويل يذكر فيه- عليه السّلام- مواليد الأئمّة- صلوات اللّه عليهم- وفيه يقول- عليه السّلام-: وإذا وقع من بطن أمّه وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السّماء، فأمّا وضعه يديه على الأرض فإنّه يقبض كلّ علم اللّه أنزله من السّماء إلى الأرض، وأمّا رفعه رأسه إلى السّماء فإنّ مناديا ينادي من بطنان العرش من قبل ربّ العزّة من الأفق الأعلى باسمه واسم أبيه يقول: يا فلان بن فلان أثبت تثبت، فلعظيم ما خلقتك أنت صفوتي من خلقي، وموضع سرّي وعيبة علمي، وأميني على وحيي وخليفتي في أرضي، لك ولمن تولّاك أوجبت رحمتي ومنحت جناني وأحللت جواري، ثمّ وعزّتي وجلالي لأصلينّ من عاداك أشدّ عذابي وإن وسّعت عليه في دنياي من سعة رزقي، فإذا انقضى الصّوت- صوت المنادي- أجابه وهو واضعا يديه رافعا رأسه إلى السّماء يقول: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
[قال:] فإذا قال ذلك أعطاه اللّه العلم الأوّل والعلم الآخر، واستحقّ الرّوح زيادة في ليلة القدر.
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ: جملة مستأنفة مؤكّدة للأولى، أي: لا دين مرضيّ عند اللّه إلّا الإسلام، وهو التّوحيد والتّورّع بالشّرع الّذي جاء به محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- [الّذي لا يتمّ إلّا بالولاية.]
يدلّ على ذلك
ما رواه الشّيخ الطّوسيّ- رحمه اللّه- في أماليه قال: حدّثنا
أبو عبد اللّه محمّد بن [محمّد بن] النّعمان- رحمه اللّه- قال: حدّثنا الشّيخ أحمد بن محمّد بن الحسن [بن الوليد قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا محمّد بن الحسن] الصّفّار- رحمه اللّه- عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقيّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن المفضّل بن عمر، عن الصّادق [جعفر بن محمد] - عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: أعطيت تسعا لم يعطها أحد قبلي سوى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لقد فتحت لي السّبل ، وعلمت المنايا والبلايا، والأنساب، وفصل الخطاب، ولقد نظرت إلى الملكوت بإذن ربّي، فما غاب عنّي ما كان قبلي ولا ما يأتي بعدي، وإنّ بولايتي أكمل اللّه لهذه الأمّة دينهم وأتمّ عليهم النّعم ورضى لهم الإسلام ، إذ يقول يوم الولاية لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-: يا محمّد أخبرهم أنّي أكملت لهم اليوم دينهم وأتممت عليهم النّعم ورضيت إسلامهم، كلّ ذلك منّ من اللّه عليّ : فللّه الحمد.
و لا فرق بينه وبين الإيمان في المتعلّق، وإنّما الفرق بأنّه يقال له: الإيمان بعد رسوخه ودخوله في القلب، وقبل ذلك يسمى إسلاما، يدلّ على ذلك
ما رواه في أصول الكافي : عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عمن ذكره، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: إنّ الإسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون، والإيمان عليه يثابون.
و ما رواه، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: الإسلام لا يشرك الإيمان. والإيمان يشرك الإسلام.
و هما في القول والفعل يجتمعان، كما صارت الكعبة في المسجد والمسجد ليس في الكعبة.و كذلك الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان. وقد قال اللّه- عزّ وجلّ- :
قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ.
فقول اللّه- عزّ وجلّ- اصدق القول.
و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.
و في الآية دلالة على ذلك، حيث أفادت أن ليس دينا مرضيّا عند اللّه سوى الإسلام، ولو كان الإسلام أعمّ، بمعنى، أنّ الإسلام كان عبارة عن الإقرار بالتّوحيد والنّبوّة، والإيمان عبارة عنهما. وعن الإقرار بالولاية، لكان الإقراران بدون الولاية دينا مرضيّا عنده، وليس كذلك بالاتّفاق منّا. لا يقال: الآية دلّت على أنّ الدّين المرضيّ ممّا يصدق عليه الإسلام ولم يدلّ على أنّ كلّ إسلام دين مرضيّ، فلعلّه ذلك باعتبار بعض أفراده.
و أيضا يكفي في كونه مرضيّا كونه ممّا يحقن به الدّم، وترتّب بعض الأحكام عليه، ولا يلزم كونه ممّا يثاب عليه ويصير سبب نجاة في الآخرة، لأنّا نقول في الجواب عن الأوّل:
إنّ تعريف جزئي الجملة يفيد انحصار كلّ منهما في صاحبه كما حقّق في موضعه، فيفيد أنّ الإسلام لا يكون دينا غير مرضيّ أصلا . وعن الثّاني أنّ المتبادر الصّريح من كونه مرضيّا عند اللّه كونه ممّا يثيب عليه في الآخرة، وأمّا كونه مرضيّا بالمعنى الّذي ذكرته فيما لا ينقاد له الذّهن أصلا، فلا يحمل عليه بوجه.
و قرأ الكسائي بالفتح، على أنه بدل «أنّه». وقرئ «إنّه» بالكسر، و«أنّ» بالفتح، على وقوع الفعل على الثّاني واعتراض ما بينهما، وإجراء «شهد» مجرى «قال» تارة و«علم» أخرى، لتضمّنه معناهما .
وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ: في دين الإسلام، فقال قوم: حقّ، وقال قوم:
مخصوص بالعرب، ونفاه آخرون مطلقا.
و في التّوحيد: فثلّث النّصارى. وقالت اليهود: عزير ابن اللّه. والّذين أوتوا الكتاب، أصحاب الكتب المتقدّمة. وقيل : اليهود والنّصارى.
و قيل : هم قوم موسى اختلفوا بعده. وقيل: هم النّصارى اختلفوا في أمر عيسى.إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ، أي: من بعد ما جاءتهم الآيات الموجبة للعلم.
وَ مَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ : وعيد لمن كفر منهم. وفي الآية دلالة على كفر من تمكّن من العلم بدين الحقّ وأنكر وإن لم يحصل له العلم باعتبار تهاونه.
فَإِنْ حَاجُّوكَ، في الدّين بعد إقامة الحجج، وجادلوك عنادا، فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ: أخلصت له نفسي، لا أشرك فيها أحدا. وعبّر بالوجه عن النّفس، لأنّه أشرف الأعضاء الظّاهرة، ومظهر القوى المدركة.
وَ مَنِ اتَّبَعَنِ: عطف على الضّمير المرفوع للفصل ، أو مفعول معه .
وَ قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ: الّذين لا كتاب لهم، كمشركي العرب، أَ أَسْلَمْتُمْ، كما أسلمت بعد إقامة الحجّة، أم أنتم باقون على كفركم؟ وفيه تعيير لهم بالبلادة والمعاندة.
فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا: فقد انتفعوا بالهداية.
وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ: فلم يضرّوك، إذ ما عليك إلّا التّبليغ، وقد بلّغت.
وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ : وعد للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وللمؤمنين، ووعيد للمتولّين.