ان الله تبارك وتعالى اوحى الى داود عليه السلام قال : مالي اراك وحدانا ؟ قال : هجرت الناس وهجروني فيك. قال : فمالي اراك ساكتا ؟ قال : خشيتك اسكتتني.
قال : فمالي اراك نصبا ؟ (1) قال : حبك انصبني.
قال : فمالي اراك فقيرا وقد اعطيتك ؟ قال : القيام بحقك افقرني. قال : فمالي اراك متذللا ؟ قال عظيم جلالك الذي لا يوصف ذللني ، وحق ذلك لك يا سيدي.
قال الله جل جلاله : فابشر بالفضل مني ، فلك ما تحب يوم تلقاني ، خالط الناس وخالقهم باخلاقهم ، وزايلهم (2) في اعمالهم تنل ما تريد مني يوم القيامة. (3)
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اوحى الله عزوجل الى داود عليه السلام :
يا داود كما لا تضيق الشمس على من جلس فيها ، كذلك لا تضيق رحمتي على من دخل فيها.
وكما لا تضر الطيرة من لا يتطير منها ، كذلك لا ينجو من الفتنة المتطيرون.
وكما ان اقرب الناس مني يوم القيامة المتواضعون ، كذلك ابعد الناس مني يوم القيامة المتكبرون. (4)
وروي عن الصادق عليه السلام قال : اوحى الله عزوجل الى داود عليه السلام : ان العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فابيحه جنتي ، قال : فقال داود عليه السلام : يا رب وما تلك الحسنة ؟ قال : يُدخل على عبدي المؤمن سرورا ولو بتمرة.
قال : فقال داود عليه السلام حق لمن عرفك ان لا يقطع رجاءه منك.
روي عن ابن منبه قال : قرأت في زبور داود عليه السلام اسطرا منها ما حفظت ومنها ما نسيت ، فما حفظت قوله :
يا داود اسمع مني ما اقول والحق اقول : من اتاني وهو يحبني ادخلته الجنة.
يا داود اسمع مني ما اقول والحق اقول : من اتاني وهو مستحيي من المعاصي التي عصاني بها غفرتها له ، او انسيتها حافظيه.
يا داود اسمع مني ما اقول والحق اقول : من اتاني بحسنة واحدة ادخلته الجنة.
يا داود اسمع مني ما اقول والحق اقول : من اتاني بحسنة واحدة ادخلته الجنة ، قال داود : يا رب وما هذه الحسنة ؟ قال : من فرج عن عبد مسلم ، فقال داود : الهي لذلك لا ينبغي لمن عرفك ان يقطع رجاءه منك.
وان الله اوحى الى داود عليه السلام قال : ان العباد تحابوا بالالسن ، وتباغضوا بالقلوب ، واظهروا العمل للدنيا ، وابطنوا الغش والدغل (5).
يا داود : اذكرني في ايام سرائك حتى استجيب لك في ايام ضرائك (6).
يا داود : احبني وحببني الى خلقي ، قال : يا رب نعم انا احبك فكيف احببك الى خلقك ؟ قال : اذكر ايادي عندهم فانك اذا ذكرت ذلك لهم احبوني. (7)
يا داود : كما ان اقرب الناس من الله المتواضعون ، كذلك ابعد الناس عن الله المتكبرون (8).
يا داود : بشر المذنبين ، وانذر الصديقين.
قال : كيف ابشر المذنبين وانذر الصديقين ؟ قال : يا داود بشر المذنبين اني اقبل التوبة واعفو عن الذنب ، وانذر الصديقين ان لا يعجبوا باعمالهم ، فانه ليس عبد انصبه للحساب الا هلك (9).
يا داود : من احب حبيبا صدق قوله ، ومن آنس بحبيب قبل قوله ورضي فعله ، ومن وثق بحبيب اعتمد عليه ، ومن اشتاق الى حبيب جد في السير اليه.
يا داود ذكري للذاكرين ، وجنتي للمطيعين ، وزيارتي للمشتاقين ، وانا خاصة للمطيعين (10).
يا داود قل لفلان الجبار : اني لم ابعثك لتجمع الدنيا على الدنيا ، ولكن لترد عني دعوة المظلوم وتنصره ، فاني آليت على نفسي ان انصره وانتصر له ممن ظُلم بحضرته ولم ينصره (11).
يا داود : اشكرني حق شكري ، قال : الهي كيف اشكرك حق شكرك وشكري اياك نعمة منك ؟ فقال : الآن شكرتني حق شكري.
وكان ايضا فيما اوحى الله عزوجل الى داود عليه السلام قال :
يا داود : من انقطع الي كفيته ، ومن سألني اعطيته ، ومن دعاني اجبته ، وانما اؤخر دعوته وهي معلقة وقد استجبتها حتى يتم قضائي ، فاذا تم قضائي انفذت ما سأل.
قل للمظلوم : انما اؤخر دعوتك وقد استجبتها لك على من ظلمك لضروب كثيرة غابت عنك وانا احكم الحاكمين :
اما ان تكون قد ظلمت رجلا فدعا عليك فتكون هذه بهذه لا لك ولا عليك.
واما ان تكون لك درجة في الجنة لا تبلغها عندي الا بظلمه لك ، لاني اختبر عبادي في اموالهم وانفسهم.
وربما امرضت العبد فقلّت صلاته وخدمته ، ولصوته اذا دعاني في كربته احب الي من صلاة المصلين.
ولربما صلى العبد فاضرب بها وجهه واحجب عني صوته ، اتدري من ذلك يا داود ؟ ذلك الذي يكثر الالتفات الى حرم المؤمنين بعين الفسق وذلك الذي حدثته نفسه لو ولى امرا لضرب فيه الاعناق ظلما ....
يا داود : اذا ناولتم الصدقات فاغسلوها بماء اليقين ، فاني ابسط يميني قبل يمين الآخذ ، فاذا كانت من حرام حذفت بها في وجه المتصدق ، وان كانت من حلال قلت : ابنوا له قصورا في الجنة ، وليست الرئاسة رئاسة الملك ، انما الرئاسة رئاسة الآخرة ، سبحان خالق النور.
________________________________________
1 ـ معناه : مالي اراك مجدا مجتهدا في العبادة متعبا نفسك فيها.
2 ـ اي فارقهم في اعمالهم الرديئة وافعالهم الرذيلة.
3 ـ الامالي للصدوق ص 118.
4ـ نفس المصدر.
5 ـ البحار : ج 14 ص 37.
6 ـ البحار : ج 14 ص 37.
7 ـ قصص الانبياء.
8ـ 9 ـ الكافي : ج 2 ص 123.
10 ـ ارشاد القلوب : ج 1 ص 73.
11 ـ نفس المصدر.