قال عيسى بن مريم عليه السلام لاصحابه : يا بني ادم اهربوا من الدنيا الى الله ، واخرجوا قلوبكم عنها ، فانكم لا تصلحون لها ولا تصلح لكم ، ولاتبقون فيها ولا تبقى لكم.
هي الخداعة الفجاعة ، المغرور من اغتر بها ، المغبون من اطمان اليها ، الهالك من احبها وارادها.
فتوبوا الى بارئكم ، واتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا.
اين اباؤكم ؟ اين امهاتكم ؟ اين اخوتكم ؟ اين اخواتكم ؟ اين اولادكم ؟
دعوا فاجابوا ، واستودعوا الثرى ، وجاوروا الموتى ، وصاروا في الهلكى ، خرجوا عن الدنيا ، وفارقوا الاحبة ، واحتاجوا الى ما قدموا واستغنوا عما خلفوا ، فكم توعظون وكم تزجرون وانتم لاهون ساهون.
مثلكم في الدنيا مثل البهائم ، همتكم بطونكم وفروجكم ، اما تستحيون ممن خلقكم وقد اوعد من عصاه النار ، ولستم ممن يقوي على النار ، ووعد من اطاعه الجنة ومجاورته في الفردوس الاعلى ، فتنافسوا فيه ، وكونوا من اهله ، وانصفوا من انفسكم ، وتعطفوا على ضعفائكم واهل الحاجة منكم.
توبوا الى الله توبة نصوحا ، وكونوا عبيدا ابرارا ، ولا تكونوا ملوكا جبابرة ، ولا من العتاة الفراعنة المتمردين على من قهرهم بالموت ، جبار الجبابرة رب السماوات ورب الارضين ، واله الاولين والاخرين مالك يوم الدين ، شديد العقاب ، اليم العذاب ، لا ينجوا منه ظالم ولا يفوته شيء ، ولا يعزب عنه شيء ، ولا يتوارى منه شيء ، احصى كل شيء علمه وانزله منزلته في جنة او نار.
ابن ادم الضعيف ! اين تهرب ممن يطلبك في سواد ليلك وبياض نهارك وفي كل حال من حالاتك ؟ قد ابلغ من وعظ ، وافلح من اتعظ (1).
________________________________________
1 ـ بحار الانوار ج 14 ص 288.