كان نوح عليه السلام عبدا شكورا ، كما وصفه القران في قوله تعالى :
« ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبدا شكورا » (1).
معناه ان نوحا كان عبدا لله كثير الشكر ، وكان اذا لبس ثوبا او اكل طعاما او شرب ماء شكر الله تعالى وقال : الحمد لله.
وقيل : انه كان يقول في ابتداء الاكل والشرب : بسم الله ، وفي انتهائه : الحمد لله.
وروي عن ابي عبد الله وابي جعفر عليهما السلام : ان نوحا كان اذا اصبح وامسى قال : « اللهم اني اشهدك ان ما اصبح او امسى بي من نعمة في دين او دنيا فمنك وحدك لا شريك لك ، لك الحمد ولك الشكر بها علي حتى ترضى وبعد الرضى » فهذا كان شكره (2).
روي عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) قال : قال ابليس لنوح عليه السلام : لك عندي يد ساعلمك خصالا ، قال نوح : وما يدي عندك ؟ قال : دعوتك على قومك حتى اهلكهم الله جميعا ؛ فاياك والكبر ، واياك والحرص ، واياك والحسد ، فان الكبر هو الذي حملني ان اترك السجود لادم فاكفرني وجعلني شيطانا رجيما ، واياك والحرص فان ادم ابيح له الجنة ونهي عن شجرة واحدة فحمله الحرص على ان اكل منها واياك والحسد فان ابن ادم حسد اخاه فقتله ، فقال نوح عليه السلام : فاخبرني متى تكون اقدر على ابن ادم ؟ قال : عند الغضب. (3)
وروي ايضا انه : جاء ابليس الى نوح عليه السلام فقال : ان لك عندي يدا عظيمة فانتصحني فاني لا اخونك ، فتاثم نوح عليه السلام بكلامه ومساءلته ، فاوحى الله اليه ، ان كلمه وسله فاني سانطقه بحجة عليه ، فقال نوح عليه السلام : تكلم.
فقال ابليس : اذا وجدنا ابن ادم شحيحا ، او حريصا ، او حسودا ، او جبارا ، او عجولا ، تلقفناه تلقف الكرة. فان اجتمعت لنا هذه الاخلاق سميناه شيطانا مريدا.
فقال نوح عليه السلام : ما اليد العظيمة التي صنعت ، قال : انك دعوت الله على اهل الارض فاحلقتهم في ساعة بالنار فصرت فارغا ، ولولا دعوتك لشغلت بهم دهرا طويلا. (4)
عن علي بن الحسين عليه السلام قال :
اخذ الناس ثلاثة من ثلاثة : اخذوا الصبر عن ايوب ، والشكر عن نوح ، والحسد عن بني يعقوب. (5)
ومن اقوال نوح عليه السلام انه قال :
ليكن امركم ظاهرا مكشوفا ، في التعامل مع الناس ، ولا يكون مغطى مبهما ، ولا تاتون بأمر من غير ان تشاوروا ، ومن غير ان يجتمع رايكم عليه ، لان من حاول امرا من غير ان يعلم كيف يتاتى ذلك كان امره غمه عليه.
ومعنى قوله تعالى : « فان توليتم » اي ذهبتم عن الحق ولم تقبلوه ، « ما سالتكم من اجر » اي لا اطلب منكم اجرا على ما اؤديه اليكم من الله فيثقل ذلك عليكم ، او لم يفدني لاني لم اطمع في مالكم فيفوتني ذلك بتوليكم عني ، وانما يعود الضرر عليكم ، وجعلناهم خلفا لمن هلك بالغرق ، وقيل : انهم كانوا ثمانين ، اي جعلناهم رؤساء في الارض ، فانظروا كيف كان عاقبة المنذرين المخوفين بالله وعذابه.
وقال نوح عليه السلام لمن خلفه ولم يؤمن بنبوته وعندما طلبوا منه ان يبعد عنه الفقراء الذين امنوا به ، حتى يؤمنوا به ، لتوهمهم ان الفضل انما يكون بكثيرة المال والشرف والنسب ، فردهم نوح عليه السلام وقال لهم :
اتريدون ان اكرهكم على المعرفة والجئكم اليها على كره منكم « انلزمكموها » هذا غير مقدور لي ، « وما انا بطارد الذين امنوا » بانهم سوف يلاقوا ربهم فيجازي من ظلمهم وطردهم ، واذا طردتهم ، من يمنعني من عذاب الله ويحميني ... !
فان هولاء الفقراء اعد الله لهم في الاخرة خير مما اتاكم في الدنيا.
عن الصادق عليه السلام قال : لما هبط نوح عليه السلام من السفينة اتاه ابليس فقال له :
مافي الارض رجل اعظم منة علي منك ، دعوت الله على هؤلاء الفساق فارحتني منهم ، الا اعلمك خصلتين ؟ : اياك والحسد ، فهو الذي عمل بي ما عمل ، واياك والحرص ، فهو الذي عمل بادم ما عمل. (6)
سال الشامي امير المؤمنين عليه السلام عن قول الله عزوجل : « يوم يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه » (7) من هم ؟ فقال عليه السلام : قابيل يفر من هابيل ، والذي يفر من امه : موسى ، والذي يفر من ابيه : ابراهيم ، والذي يفر من صاحبته : لوط ، والذي يفر من ابنه : نوح ، يفر من ابنه كنعان. (8)
وروي ان نوحا عليه السلام لما كان ايام الطوفان ، دعا المياه كلها فاجابته الا ماء الكبريت وماء المر ، فلعنهما. (9)
عن ابي عبد الله عليه السلام قال : ان نوح ركب السفينة اول يوم من رجب فامر من كان معه ان يصوموا ذلك اليوم. (10)
عن ابي جعفر عليه السلام قال : لما دعا نوح عليه السلام ربه عزوجل على قومه اتاه ابليس لعنه الله فقال : ...
يا نوح : دعوت الله على قومك فاغرقتهم فلم يبقع احد اغويه ، فانا مستريح حتى ـ يخلق الله ـ قرن اخر واغويهم ، فقال له نوح عليه السلام : ما الذي تريد ان تكافيني به ؟
قال : اذكرني في ثلاث مواطن ، فاني اقرب ما اكون الى العبد اذا كان في احداهن : اذكرني اذا غضبت ، واذكرني اذا حكمت بين اثنين ، واذكرني اذا كنت مع امرأة خاليا ليس معكما احد. (11)
روي انه : لما قال الله تعالى : « يا ارض ابلعي ماءك » (12) قالت الارض انما امرت ان ابلع مائي فقط ولم اؤمر ان ابلع ماء السماء ، فبلعت الارض ماءها. وبقي ماء السماء فصيره الله بحرا حول السماء وحول الدنيا. (13)
عن ابي عبد الله عليه السلام قال : ان الله تعالى اغرق الارض كلها يوم نوح عليه السلام ، الا البيت ، فمن يومئذ سمي العتيق لانه اعتق من الغرق ، فقلت له : صعد الى السماء ؟ فقال : لم يصل الماء اليه وانما رفع عنه. (14)
عن ابي عبد الله عليه السلام قال : لما حسر الماء عن عظام الموتى فرأى ذلك نوح عليه السلام ، فجزع جزعا شديدا واغتم لذلك ، فاوحى الله اليه : ان كل العنب الاسود ليذهب غمك. (15)
_______________________________________________
1 ـ الاسراء : 3.
2 ـ علل الشرائع : 21.
3 ـ البحار : ج 11 ص 293.
4ـ البحار : ج 11 ص 288.
5 ـ عيون الاخبار : 209.
6 ـ الخصال : ج 1 ص 27.
7 ـ عبس : 34.
8 ـ علل الشرائع : 198.
9 ـ فرع الكافي : 2 / 188.
10 ـ الخصال : 2 / 92.
11 ـ الخصال : 1/ 65.
12 ـ هود : 44.
13 ـ البحار : ج 11 ص 324.
14 ـ علل الشرائع : 139.
15 ـ محاسن البرقي : 548.