طوبى للمتراحمين ، اولئك هم المرحومون يوم القيامة.
طوبى للمصلحين بين الناس اولئك هم المقربون يوم القيامة.
طوبى للمطهرة قلوبهم اولئك يزورون الله يوم القيامة.
طوبى للمتواضعين في الدنيا اولئك يرثون منابر الملك يوم القيامة.
طوبى للمساكين لهم ملكوت السماء. طوبى للمحزونين هم الذين يسرون ، طوبى للذين يجوعون ويظمئون خشوعا هم الذي يسبقون.
طوبى للمسبوبين من اجل الطهارة فان لهم ملكوت السماء ، طوباكم اذا حسدتم وشتمتم وقيل فيكم كل كلمة قبيحة كاذبة حينئذ فافرحوا وابتهجوا فان اجركم قد كثر في السماء.
وقال : يا عبيد السوء تلومون الناس على الظن ولا تلومون انفسكم على اليقين ؟
يا عبيد الدنيا تحلقون رؤوسكم تقصرون قمصكم ، تنكسون رؤوسكم ، ولا تنزعون الغل من قلوبكم ؟!
يا عبيد الدنيا ، مثلكم كمثل القبور المشيدة يعجب الناظر ظهرها وادخلها عظام الموتى مملوءة خطايا.
يا عبيد الدنيا انما مثلكم كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه.
يا بني اسرائيل زاحموا العلماء في مجالسهم ولو جثوا على الركب ، فان الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الارض الميتة بوابل المطر.
يا بني اسرائيل : قلة المنطق حكم عظيم ، فعليكم بالصمت فانه دعه حسنة وقلة وزر ، وخفة من الذنوب ، فحصنوا باب العلم فان بابه الصبر ، وان الله يبغض الضحاك من غير عجب والمشاء الى غير ارب ، ويحب الوالي الذي يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته ، فاستحيوا الله في سرائركم كما تستحيون الناس في علانيتكم ، واعلموا ان كلمة الحكمة ضالة المؤمن ، فعليكم قبل ان يرفع ، ورفعه ان يذهب رواته ، يا صاحب العلم عظم العلماء لعلمهم ودع منازعتهم ، وصغر الجهال لجهلهم ولا تطردهم ولكن قربهم وعلمهم.
يا صاحب العلم اعلم ان كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزله سيئة تؤاخذ عليها.
يا صاحب العلم اعلم ان كل معصية عجزت عن توبتها بمنزله عقوبة تعاقب بها.
يا صاحب العلم كرب لا تدري متى تغشاك فاستعد لها قبل ان تفجاك.
وقال عليه السلام لاصحابه : ارايتم لو ان احدا مر باخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن عورته اكان كاشفا عنها ام يرد على ما انكشف منها ، قالوا : بل يرد على ما انكشف منها ، قال : كلا بل تكشفون عنها ، فعرفوا انه مثل ضربه لهم ، فقالوا : يا روح الله وكيف ذاك ؟ قال : ذاك الرجل منكم يطلع على العورة من اخيه فلا يسترها.
بحق اقول لكم : اعلمكم لتعلموا ، ولا اعلمكم لتعجبوا بانفسكم ، انكم لن تنالوا ما تريدون الا بترك ما تشتهون ، ولن تظفروا بما تاملون الا بالصبر على ما تكرهون ، اياكم والنظرة فانها تزرع في القلوب الشهوة ، وكفى بها لصاحبها فتنة.
طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في نظر عينه ، لا تنظروا في عيوب الناس كالارباب ، وانظروا في عيوبهم كهيئة عبيد الناس ، انما الناس رجلان : مبتلى ومعافى ، فارحموا المبتلى ، واحمدوا الله على العافية.
يا بني اسرائيل اما تستحيون من الله ؟ ان احدكم لا يسوغ له شرابه حتى يصفيه من القذى ، ولا يبالي ان يبلغ امثال الغيلة ، الم تسمعوا انه قيل لكم في التوراة ، صلوا ارحامكم ، وكافوا ارحامكم ، وانا اقول لكم صلوا من قطعكم ، واعطوا من منعكم ، واحسنوا الى من اساء اليكم ، وسلموا على من سبكم ، وانصفوا من خاصمكم ، واعفوا عمن ظلمكم كما انكم تحبون ان يعفى عن اساءتكم ، فاعتبروا بعفو الله عنكم ، الا ترون ان شمسه اشرقت على الابرار والفجار منكم ، وان مطره ينزل على الصالحين و الخاطئين منكم ، فان كنتم لا تحبون الا من احبكم ، ولا تحسنون الا الى من احسن اليكم ، ولا تكافئون الا من اعطاكم ، فما فضلكم اذا على غيركم ؟ قد يصنع هذا السفهاء الذين ليست عندهم فضول ولا لهم احلام ، ولكن ان اردتم ان تكونوا احباء الله واصفياء الله ، فاحسنوا الى من اساء اليكم ، واعفوا عمن ظلمكم ، وسلموا على من اعرض عنكم ، اسمعوا قولي ، واحفظوا وصيتي ، وارعوا عهدي ، كيما تكونوا علماء فقهاء.
بحق اقول لكم : ان قلوبكم بحيث تكون كنوزكم ، وكذلك الناس يحبون اموالهم وتتوق اليها انفسهم ، فضعوا كنوزكم في السماء حي لا ياكلها السوس ، ولا ينالها اللصوص.
بحق اقول لكم : ان العبد لا يقدر على ان يخدم ربين ، ولا محالة ان يؤثر احدهما على الاخر وان جهد ، كذلك لا يجتمع لكم حب الله وحب الدنيا.
بحق اقول لكم : ان شر الناس لرجل عالم اثر دنياه على علمه فاحبها وطلبها وجهد عليها حتى لو استطاع ان يجعل الناس في حيرة لفعل ، وماذا يغني عن الاعمى سعة نور الشمس وهو لا يبصرها. كذلك لا يغني عن العالم علمه اذا هو لم يعمل به ، ما اكثر ثمار الشجر وليس كلها ينفع ولا يؤكل ، وما اكثر العلماء وليس كلهم ينتفع بما علم ، وما اوسع الارض وليس كلها تسكن ، وما اكثر المتكلمين وليس كل كلامهم يصدق ! فاحتفظوا من العلماء الكذبة لذين عليهم ثياب الصوف ، منكسو رؤوسهم الى الارض ، يزورون به الخطايا ، يطرفون من تحت حواجبهم كما ترمق الذئاب ، وقولهم يخالف فعلهم ، وهل يجتنى من العوسج العنب ؟ ومن الحنظل التين ؟ وكذلك لا يؤثر قول العالم الكاذب الا زورا ، وليس كل من يقول يصدق.
بحق اقول لكم : ان الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا ، وكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبر الجبار ، الم تعلموا انه من شمخ براسه الى سقف شجه ، ومن خفض براسه عنه استظل تحته واكنه ، وكذلك من لم يتواضع لله خفضه ، ومن تواضع لله رفعه ، انه ليس على كل حال يصلح العسل في الزقاق ، وكذلك القلوب ليس على كل حال تعمر الحكمة فيها ، ان الزق مالم ينخرق او يقحل او يتفل فسوف يكون للعسل وعاء ، وكذلك القولب مالم تخرقها الشهوات ويدنسها الطمع ويقسيها النعيم فسوف تكون اوعية للحكمة.
بحق اقول لكم : ان الحريق ليقع في البيت الواحد فلا يزال ينتقل من بيت الى بيت حتى تحترق بيوت كثيرة الا ان يستدرك البيت الاول فيهدم من قواعده فلا تجد فيه النار محلا ، وكذلك الظالم الاول لو اخذ على يديه لم يوجد من بعده امام ظالم فياتمون به كما لوا لم تجد النار في البيت الاول خشبا والواحا لم تحرق شيئا.
بحق اقول لكم : من نظر الى الحية تؤم اخاه لتلدغه ولم يحذره حتى قتلته فلا يامن ان يكون قد شرك في دمه ، وكذلك من نظر الى اخيه يعمل الخظيئة ولم يحذره عاقبتها حتى احاطت به فلا يامن ان يكون قد شرك في اثمه ، ومن قدر على ان يغير الظالم ثم لم يغيره فهو كفاعله ، وكيف يهاب الظالم وقد امن بين اظهركم لا ينهى ولا يغير عليه ولا يؤخذ على يديه ، فمن اين يقصر الظالمون ام كيف لا يغترون ؟ فحسب احدكم ان يقول : لا اظلم ومن شاء فليظلم ، ويرى الظلم فلا يغيره ، فلو كان الامر على ما تقولون لم تعاقبوا مع الظالمين الذين لم تعملوا باعمالهم حين تنزل بهم العثرة في الدنيا.
ويلكم يا عبيد السوء : كيف ترجون ان يؤمنكم الله من فزع يوم القيامة وانتم تخافون الناس في طاعة الله ، وتطيعونهم في معصيته ، وتفون لهم بالعهود الناقضة لعهده ؟ بحق اقول لكم : لا يؤمن الله من فزع ذلك اليوم من اتخذ العباد اربابا من دونه.
ويلكم يا عبيد السوء من اجل دنيا دنيه وشهوة رديئة تفرطون في ملك الجنة وتنسون هول يوم القيامة ! ويلكم يا عبيد الدنيا من اجل نعمة زائلة وحياة منقطعة تفرون من الله وتكرهون لقاءه ! فكيف يحب الله لقاءكم وانتم تكرهون لقاءه ؟ وانما يحب الله لقاء ، من يحب لقاءه ويكره لقاء ، من يكره لقاءه وكيف تزعمون انكم اولياء الله من دون الناس وانتم تفرون من الموت وتعتصمون بالدنيا ؟ فماذا يغني عن الميت طيب ريح حنوطه وبياض اكفانه وكل ذلك يكون في التراب ، كذلك لا يغني عنكم بهجة دنياكم التي زينت لكم ، وكل ذلك الى سلب وزوال ، ما ذا يغني عنكم نقاء اجسادكم وصفاء الوانكم والى الموت تصيرون ، وفي التراب تنسون ، وفي ظلمة القبر تغمرون ؟!
ويلكم يا عبيد الدنيا تحملون السراج في ضوء الشمس وضوؤها كان يكفيكم ، وتدعون ان تستضيئوا بها في الظلم ومن اجل ذلك سخرت لكم ! كذلك استضاتم بنور العلم لامر الدنيا وقد كفيتموه وتركتم ان تستضيئوا به لامر الاخرة ومن اجل ذلك اعطيتموه ، تقولون : ان الاخرة حق وانتم تمهدون الدنيا ، وتقولون : ان الموت حق وانتم تفرون منه ، وتقولون : ان الله يسمع ويرى ولا تخافون احصاءه عليكم ، فكيف يصدقكم من سمعكم فان من كذب من غير علم اعذر ممن كذب على علم وان كان لا عذر في شيء من الكذب.
بحق اقول لكم : ان الدابة اذا لم تركب ، ولم تمتهن وتستعمل لتصعب ويتغير خلقها ، وكذلك القلوب اذا لم ترقق بذكر الموت ويتبعها دءوب العبادة تقسو وتغلظ ، ماذا يغني عن البيت المظلم ان يوضع السراج فوق ظهره وجوفه وحش مظلم ؟ كذلك لا يغني عنكم ان يكون نور العلم بافواهكم واجوافكم منه وحشة معطلة ! فاسرعوا الى بيوتكم المظلمة فانيروا فيها ، كذلك فاسرعوا الى قلوبكم القاسية بالحكمة قبل ان ترين عليها الخطايا فتكون اقسى من الحجارة ، كيف يطيق حمل الاثقال من لا يستعين على حملها ؟ ام كيف تحط اوزار من لا يستغفر الله منها ام كيف تنقي ثياب من لا يغسلها ؟ وكيف يبرا من الخطايا من لا يكفرها ؟
ام كيف ينجو من غرق البحر من يعبر بغير سفينة ؟ وكيف ينجو من فتن الدنيا من لم يداوها بالجد والاجتهاد ؟ وكيف يبلغ من يسافر بغير دليل ؟ وكيف يصير الى الجنة من لا يبصر معالم الدين ؟ وكيف ينال مرضاة الله من لايطيعه ؟ وكيف يبصر عيب وجهه من لا ينظر في المراة ؟ وكيف يستكمل حب خليله من لا يبذل له بعض ما عنده ؟ وكيف يستكمل حب ربه من لا يقرضه بعض ما رزقه ؟
بحق اقول لكم : انه كما لا ينقص البحر ان تغرق فيه السفينة ولا يضره ذلك شيئا كذلك لا تنقصون الله بمعاصيكم شيئا ولا تضرونه ، بل انفسكم تضرون واياها تنقصون ، وكما لا ينقص نور الشمس كثرة من يتقلب فيها بل به يعيش ويحيا كذلك لا ينقص الله كثرة ما يعطيكم ويرزقكم ، بل برزقه تعيشون وبه تحيون ، يزيد من شكره انه شاكر عليم.
ويلكم يا اجراء السوء ، الاجر تستوفون ، والرزق تأكلون ، والكسوة تلبسون ، المنازل تبنون ، وعمل من استاجركم تفسدون ؟! يوشك رب هذا العمل ان يطالعكم فينظر في عمله الذي افسدتم فينزل بكم ما يخزيكم ، ويامر برقابكم فتجذ من اصولها ، ويامر بايديكم فتقطع من مفاصله ، ثم يامر بجثتكم فتجر على بطونها ، حتى توضع على قوارع الطريق حتى تكونوا عظة للمتقين ، ونكالا للظالمين.
ويلكم ياعلماء السوء ، لا تحدثوا انفسكم ان اجالكم تستاخر من اجل ان الموت لم ينزل بكم فكانه قد حل بكم فاظعنكم ، فمن الان فاجعلوا الدعوة في اذانكم ، ومن الان فنوحوا على انفسكم ، ومن الان فابكوا على خطاياكم ، ومن الان فتجهزوا وخذوا اهبتكم ، وبادروا التوبة الى ربكم.
بحق اقول لكم : انه كما ينظر المريض الى طيب الطعام فلا يلتذه مع ما يجده من شده الوجع ، كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حب المال ، وكما يلتذ المريض نعت الطبيب العالم بما يرجو فيه من الشفاء فاذا ذكر مرارة الدواء وطعمه كدر عليه الشفاء كذلك اهل الدنيا يلتذون ببهجتها وانواع ما فيها فاذا ذكروا فجاة الموت كدرها عليهم وافسدها.
بحق اقول لكم : ان كل الناس يبصر النجوم ولكن لا يهتدي بها الا من يعرف مجاريها ومنازلها ، وكذلك تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي لها منكم الا من عمل بها.
ويلكم يا عبيد الدنيا نقوا القمح وطيبوه وادقوا طحنه تجدوا طعمه ، ويهنئكم اكله كذلك فاخلصوا الايمان واكملوه تجدوا حلاوته وينفعكم غبه.
بحق اقول لكم : لو وجدتم سراجا يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضاتم به فلم يمنعكم منه ريح قطرانه ، كذلك ينبغي لكم ان تاخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها.
ويلكم يا عبيد الدنيا لا كحكماء تعقلون ، ولا كحلماء تفقهون ، ولا كعلماء تعلمون ، ولا كعبيد اتقياء ، ولا كاحرار كرام ، توشك الدنيا ان تقتلعكم من اصولكم فتقلبكم على وجوهكم ، ثم تكبكم على مناخركم ، ثم تاخذ خطاياكم بنواصيكم ويدفعكم العلم من خلفكم حتى يسلماكم الى الملك الديان عراة فرادى فيجزيكم بسوء اعمالكم.
ويلكم يا عبيد الدنيا اليس بالعلم اعطيتم السلطان على جميع الخلائق فنبذتموه فلم تعملوا به ، واقبلتم على الدنيا فبها تحكمون ، ولها تمهدون ، واياها تؤثرون وتعمرون فحتى متى انتم للدنيا ليس لله فيكم نصيب ؟.
بحق اقول لكم : لا تدركون شرف الاخرة الا بترك ما تحبون ، فلا تنتظروا بالتوبة غدا ، فان دون غد يوما وليله ، قضاء الله فيهما يغدو ويروح.
بحق اقول لكم : ان صغار الخطايا ومحقراتها لمن مكايد ابليس يحقرها لكم ويصغرها في اعينكم ، وتجتمع فتكثر وتحيط بكم.
بحق اقول لكم : ان المدحة بالكذب والتزكية في الدين لمن راس الشرور المعلومة وان حب الدنيا لراس كل خطيئة.
بحق اقول لكم : ليس شيء ابلغ في شرف الاخرة واعون على حوادث الدنيا من الصلاة الدائمة ، وليس شيء اقرب الى الرحمن منها ، فدوموا عليها ، واستكثروا منها ، وكل عمل صالح يقرب الى الله فالصلاة اقرب اليه واثر عنده.
بحق اقول لكم : ان كل عمل المظلوم الذي لم ينتصر بقول ولا فعل ولا حقد هو في ملكوت السماء عظيم ، ايكم رأى نورا اسمه ظلمة او ظلمة اسمها نور ؟ كذلك لا يجتمع للعبد ان يكون مؤمنا كافرا ولا مؤثرا للدنيا راغبا في الاخرة وهل زراع شعير يحصد قمحا ؟ او زراع قمح يحصد شعيرا ؟ كذلك يحصد كل عبد في الاخرة ما زرع ، ويجزى بما عمل.
بحق اقول لكم : ان الناس في الحكمة رجلان : فرجل اتقنها بقوله وضيعها بسوء فعله ، ورجل اتقنها بقوله وصدقها بفعله ، وشتان بينهما ! فطوبى للعلماء بالفعل ، وويل للعلماء بالقول.
بحق اقول لكم : من لا ينقي من زرعه الحشيش يكثر فيه حتى يغمره فيفسده ، وكذلك من لا يخرج من قلبه حب الدنيا يغمره حتى لا يجد لحب الاخرة طعما. ويلكم يا عبيد الدنيا اتخذوا مساجد ربكم سجونا لاجسادكم واجعلوا قلوبكم بيوتا للتقوى ولا تجعلوا قلوبكم ماوى للشهوات.
بحق اقول لكم : اجزعكم على البلاء لاشدكم حبا للدنيا ، وان اصبركم على البلاء لازهدكم في الدنيا ، ويلكم يا علماء السوء الم تكونوا امواتا فاحياكم فلما احياكم متم.
ويلكم الم تكونوا اميين فعلمكم فلما علمكم نستم ، ويلكم الم تكونوا جفاة ففقهكم الله فلما فقهكم جهلتم ؟
ويلكم الم تكونوا ضلالا فهداكم فلما هداكم ضللتم ؟ ويلكم الم تكونوا عميا فبصركم فلما بصركم عميتم ؟
ويلكم الم تكونوا صما فاسمعكم فلما اسمعكم صممتم ؟
ويلكم الم تكونوا بكما فانطقكم فلما انطقكم بكمتم ؟ ويلكم الم تستفتحوا فلما فتح لكم نكصتم على اعقابكم ؟
ويلكم الم تكونوا اذلة فاعزكم فلما عززتم قهرتم واعتديتم وعصيتم ؟ ويلكم الم تكونوا مستضعفين في الارض تخافون ان يتخطفكم الناس فنصركم وايدكم فلما نصركم استكبرتم وتجبرتم ؟
فياوليكم من ذل يوم القيامة كيف يهينكم ويصغركم ، ويا ويلكم يا علماء السوء انكم لتعملون عمل الملحدين وتاملون امل الوارثين وتطمئنون بطمانينة الامنين وليس امر الله على ما تتمنون وتتخيرون بل للموت تتوالدون وللخراب تبنون وتعمرون وللوارثين تمهدون.
بحق اقول لكم : ان موسى كان يأمركم ان لا تحلفوا بالله كاذبين ، وانا اقول : لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين ، ولكن قولوا : لا ونعم.
يا بني اسرائيل عليكم بالبقل البري ، وخبز الشعير ، واياكم وخبز البر فاني اخاف عليكم ان لا تقوموا بشكره.
بحق اقول لكم : ان الناس معافى ومبتلى فاحمدوا الله على العافية ، وارحموا اهل البلاء.
بحق اقول لكم : ان كل كلمة سيئة تقولون بها تعطون جوابها يوم القيامة. يا عبيد السوء اذا قرب احدكم قربانه ليذبحه فذكر ان اخاه واجد عليه فليترك قربانه وليذهب الى اخيه فليرضه ثم ليرجع الى قربانه فليذبحه.
يا عبيد السوء اذا اخذ قميص احدكم فليعط رداءه معه ، ومن لطم خده منكم ليمكن من خده الاخر ومن سخر منكم ميلا فليذهب ميلا اخر معه.
بحق اقول لكم : ماذا يغني عن الجسد اذا كان ظاهره صحيحا وباطنه فاسدا ؟ وما يغني عنكم اجسادكم اذا اعجبتكم وقد فسدت قلوبكم ؟ وما يغني عنكم ان تنقوا جلودكم وقلوبكم دنسة.
بحق اقول لكم : لا تكونوا كالمنخل يخرج الدقيق الطيب ويمسك النخالة كذلك انتم تخرجون الحكمة من افواهكم ويبقى الغل في صدوركم.
بحق اقول لكم : ابدءوا بالشر فاتركوه ثم اطلبوا الخير ينفعكم ، فانكم اذا جمعتم الخير مع الشر لم ينفعكم الخير.
بحق اقول لكم : ان الذي يخوض النهر لا بد ان يصيب ثوبه الماء وان جهد ان لا يصيبه كذلك من يحب الدنيا لا ينجوا من الخطايا.
بحق اقول لكم : طوبى للذين يتهجدون من الليل اولئك الذين يرثون النور الدائم من اجل انهم قاموا في ظلمة الليل على ارجلهم في مساجدهم يتضرعون الى ربهم رجاء ان ينجيهم في الشدة غدا.
بحق اقول لكم : ان الدنيا خلقت مزرعة ، يزرع فيها العباد الحلو والمر والشر والخير الخير له مغبة نافعة يوم الحساب ، والشر له عناء وشقاء يوم الحصاد.
بحق اقول لكم : ان الحكيم يعتبر بالجاهل ، والجاهل يعتبر بهواه ، اوصيكم ان تختموا على افواهكم بالصمت حتى لا يخرج منها ما لا يحل لكم.
بحق اقول لكم : انكم لا تدركون ما تاملون الا بالصبر على ما تكرهون ، ولا تبلغون ما تريدون الا بترك ما تشتهون.
بحق اقول لكم : يا عبيد الدنيا كيف يدرك الاخرة من لا تنقص شهوته من الدنيا ولا تنقطع منها رغبته.
بحق اقول لكم : يا عبيد الدنيا ما الدنيا تحبون ، ولا الاخرة ترجون ، لو كنتم تحبون الدنيا اكرمتم العمل الذي به ادركتموها ، ولو كنتم تريدون الاخرة عملتم عمل من يرجوها.
بحق اقول لكم : ياعبيد الدنيا ان احدكم يبغض صاحبه على الظن ، ولا يبغض نفسه على اليقين ، واقول لكم : ان احدكم ليغضب اذا ذكر له بعض عيوبه وهي حق ويفرح اذا مدح بما ليس فيه.
بحق اقول لكم : ان ارواح الشياطين ما عمرت في شيء ما عمرت في قلوبكم ، وانما اعطاكم الله الدنيا لتعملوا فيها للاخرة ، ولم يعطكموها لتشغلكم عن الاخرة ، وانما بسطها لكم لتعلموا انه اعانكم بها على العبادة ، ولم يعنكم بها على الخطايا ، وانما امركم فيها بطاعته ، ولم يأمركم فيها بمعصيته ، وانما اعانكم بها على الحلال ولم يحل لكم بها الحرام ، وانما وسعها لكم لتواصلوا فيها ولم يوسعها لكم لتقاطعوا فيها.
بحق اقول لكم : ان الاجر محروص عليه ، ولا يدركه الا من عمل له.
بحق اقول لكم : ان الشجرة لا تكمل الا بثمرة طيبة ، كذلك لا يكمل الدين الا بالتحرج عن المحرام.
بحق اقول لكم : ان الزرع لا يصلح الا بالماء والتراب ، كذلك الايمان لا يصلح الا بالعلم والعمل.
بحق اقول لكم : ان الماء يطفئ النار ، كذلك الحلم يطفئ الغضب.
بحق اقول لكم : انه لا يجتمع الماء والنار في اناء واحد كذا لا يجتمع الفقه والغي في قلب واحد ، بحق اقول لكم : انه لا يكون مطر بغير سحاب كذلك لا يكون عمل في مرضاة الرب الا بقلب تقي.
بحق اقول لكم : ان النفس نور كل شيء ، وان الحكمة نور كل قلب ، والتقوى راس كل حكمة ، والحق باب كل خير ، ورحمة الله باب كل حق ، ومفاتيح ذلك الدعاء والتضرع والعمل وكيف يفتح باب بغير مفتاح ؟!
بحق اقول لكم : ان الرجل الحكيم لا يغرس شجرة الا شجرة يرضاها ، ولا يحمل على خيله الا فرسا يرضاه كذلك المؤمن العالم لا يعمل الا عملا يرضاه ربه.
بحق اقول لكم : ان الصقالة تصلح السيف وتجلوه ، كذلك الحكمة للقلب تصقله وتجلوه ، وهي في قلب الحكيم مثل الماء في الارض الميتة تحيي قلبه كما يحيي الماء الارض الميتة ، وهي في قلب الحكيم مثل النور في الظلمة يمشي بها في الناس
بحق القول لكم : ان نقل الحجارة من رؤوس الجبال افضل من ان تحدث من لا يعقل عنك حديثك كمثل الذي ينقع الحجارة لتلين وكمثل الذي يصنع الطعام لاهل القبور. طوبى لمن حبس الفضل من قوله الذي يخاف عليه المقت من ربه ، ولا يحدث حديثا لا يفهمه ، ولا يغبط امرءا في قوله حتى يستبين له فعله.
طوبى لمن تعلم من العلماء ما جهل ، وعلم الجاهل مما علم ، طوبى لمن عظم العلماء لعلمهم وترك منازعتهم وصغر الجهال لجهلهم ، ولا يطردهم ولكن يقربهم ويعلمهم.
بحق اقول لكم : يا معشر الحواريين انكم اليوم في الناس كالاحياء من الموتى فلا تموتوا بموت الاحياء.
وقال المسيح عليه السلام : يقول الله تبارك وتعالى : يحزن عبدي المؤمن ان اصرف عنه الدنيا وذلك احب ما يكون الى واقرب ما يكون مني ، ويفرح ان اوسع عليه في الدنيا وذلك ابغض ما يكون الي وابعد ما يكون مني.