جاء جبرئيل عليه السلام الى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال : يا محمد عش ما شئت فانك ميت واحبب من شئت فانك مفارقه واعمل ماشئت فانك مجزي به واعلم ان شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس. (1)
جاء جبرئيل عليه السلام الى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال : يا رسول الله ان الله تبارك وتعالى ارسلني اليك بهدية لم يعطها احدا قبلك ، قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قلت : وما هي ؟
قال : الصبر واحسن منه ، قلت : وما هو ؟
قال الرضا واحسن منه ، قلت : وما هو ؟
قال : الزهد واحسن منه ، قلت : وما هو ؟
قال : الاخلاص واحسن منه ، قلت : وما هو ؟
قال : اليقين وما احسن منه ، قلت : وما هو ؟
قال جبرئيل ان مدرجة ذلك التوكل على الله عزوجل فقلت : وما التوكل على الله عزوجل ؟
فقال : العلم بان المخلوق لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع ، واستعمل الياس من الخلق ، فاذا كان العبد كذلك لم يعمل لاحد سوى الله ، ولم يرج ولم يخف سوى الله ، ولم يطمع في احد سوى الله فهذا هو التوكل.
قال : قلت : يا جبرئيل فما تفسير الصبر ؟ قال : تصبر في الضراء كما تصبر في السراء ، وفي الفاقة كما تصبر في الغنى ، وفي البلاء كما تصبر في العافية ، فلا يشكو حاله عند الخلق بما يصيب من البلاء.
قلت : فما تفسير القناعة قال : يقنع بما يصيب من الدنيا يقنع بالقليل ويشكر اليسير.
قلت : فما تفسير الرضا ؟ قال : الراضي لا يسخط على سيده ، اصاب الدنيا ام لا ، ولا يرضى لنفسه باليسير من العمل.
قلت : يا جبرئيل فما تفسير الزاهد ؟ قال : الزاهد يحب من يحب خالقه ويبغض من يبغض خالقه ويتحرج من حلال الدنيا ولا يلتفت الى حرامها فان في حلالها حساب وفي حرامها عقاب.
ويرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه ، ويتحرج من الكلام كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها ، ويتجرح عن حطام الدنيا وزينتها كما يتجنب النار ان تغشاه ، ويقصر امله وكان بين عينيه اجله.
قلت : يا جبرئيل فما تفسير الاخلاص؟ قال : المخلص الذي لا يسال الناس شيئا حتى يجد واذا وجد رضي واذا بقي عنده شيء اعطاه في الله فان من لم يسال المخلوق فقد اقر لله عزوجل بالعبودية واذا وجد فرضي فهو عن الله راض والله تبارك وتعالى عنه راض ، واذا اعطى الله عزوجل فهو على حد الثقة بربه عزوجل.
قلت : فما تفسير اليقين ؟ قال الموقن يعمل لله كانه يراه فان لم يكن يرى الله فان الله يراه ، وان يعلم يقينا ان ما اصابه لم يكن ليخطيه وان ما اخطاه لم يكن ليصيبه وهذا كله اغصان التوكل ومدرجة الزهد. (2)
يا احمد ان احببت ان تكون اورع الناس فازهد في الدنيا وارغب في الاخرة فقال : يا الهي كيف ازهد في الدنيا وارغب في الاخرة ؟ قال : خذ من الدنيا خفا من الطعام والشراب واللباس ولا تدخر لغد ، ودم على ذكري. فقال : يا رب وكيف ادوم على ذكرك ؟ فقال : بالخلوة عن الناس ، وبغضك الحلو والحامض ، وفراغ بطنك وبيتك من الدنيا.
يا احمد فاحذر ان تكون مثل الصبي اذا نظر الى الاخضر والاصفر احبه واذا اعطي شيء من الحلو والحامض اغتر به ، فقال : يا رب دلني على عمل اتقرب به اليك ، قال : اجعل ليلك نهارا ، ونهارك ليلا ، قال : يا رب كيف ذلك ؟ قال : اجعل نومك صلاة ، وطعامك الجوع.
يا احمد هل تدري باي وقت يتقرب العبد الى الله ؟ قال : لا يا رب ، قال : اذا كان جايعا او ساجدا.
يا احمد ان المحبة لله هي المحبة للفقراء ، والتقرب اليهم ، قال : يا رب ومن الفقراء ؟ قال : الذي رضوا بالقليل ، وصبروا على الجوع وشكروا على الرخاء ، ولم يشكوا جوعهم ولا ظماهم ، ولم يكذبوا بالسنتهم ، ولم يغضبوا على ربهم ، ولا يغتموا على ما فاتهم ، ولم يفرحوا بما اتاهم.
يا احمد محبتي محبة للفقراء فادن الفقراء وقرب مجلسهم منك ادنك ، وبعد الاغنياء ، وبعد مجلسهم منك فان الفقراء احبائي.
يا احمد ان الورع كالشنوف (3) بين الحلي والخبز بين الطعام ، وان الورع راس الايمان وعماد الدين ، ان الورع مثله كمثل السفينة كما ان في البحر لا ينجو الا من كان فيها كذلك لا ينجو الزاهدون الا بالورع.
يا احمد الم تدري لاي شيء فضلتك على ساير الانبياء ؟ قال : اللهم لا قال : باليقين ، وحسن الخلق ، وسخاوة النفس ، ورحمة الخلق ، وكذلك اوتاد الارض لم يكونوا اوتادا الا بهذا.
يا احمد ان العبد اذا اجاع بطنه وحفظ لسانه علمته الحكمة وان كان كافرا تكون حكمته حجة عليه ووبالا ، وان كان مؤمنا تكون حكمته له نورا وبرهانا وشفاء ورحمة ، فيعلم ما لم يكن يعلم ، ويبصر ما لم يكن يبصر ، فاول ما ابصره عيوب نفسه حتى يشتغل عن عيوب غيره ، وابصره دقائق العلم حتى لا يدخل عليه الشيطان.
يا احمد لو صلى العبد صلاة اهل السماء والارض ، ويصوم صيام اهل السماء والارض ، ويطوي من الطعام مثل الملائكة ، ولبس لباس العاري ، ثم ارى في قلبه من حب الدنيا ذرة ، او سعتها او رئاستها ، او حليها ، او زينتها لا يجاورني في داري ، ولانزعن من قلبه محبتي ، وعليك سلامي ورحمتي والحمد لله رب العالمين (4).
__________________________________________________
1 ـ نفس المصدر : ص 19.
2 ـ نفس المصدر : ص 20.
3 ـ جمع شنف : ما علق في الاذن من الحلي.
4 ـ البحار : ج 77 ص 22.