عن ابي جعفر الباقر عليه السلام قال : في التوراة مكتوب فيما ناجى الله عزوجل به موسى بن عمران عليه السلام انه قال :
يا موسى خفني في سر امرك احفظك من وراء عورتك ، واذكرني في خلواتك وعند سرور لذاتك اذكرك عند غفلاتك ، واملك غضبك عمن ملكتك عليه اكف عنك غضبي ، واكتم مكنون سري في سريرتك ، واظهر في علانيتك المداراة عني لعدوي وعدوك من خلقي ، ولا تستسب (1) لي عندهم باظهارك مكنون سري فتشرك عدوك وعدوي في سبي (2).
عن المفضل قال : سمعت مولاي الصادق عليه السلام يقول : كان فيما ناجى الله عزوجل به موسى بن عمران عليه السلام ان قال له :
يا ابن عمران كذب من زعم انه يحبني فاذا جنه الليل نام عني ، اليس كل محب يحب خلوة حبيبه ؟ ها انا ذا يا ابن عمران مطلع على احبائي اذا جنهم الليل حولت ابصارهم من قلوبهم ، ومثلت عقوبتي بين اعينهم ، يخاطبوني عن المشاهدة ، ويكلموني عن الحضور.
يا ابن عمران هب لي من قلبك الخشوع ومن بدنك الخضوع ، ومن عينيك الدموع في ظلم الليل ، وادعني فانك تجدني قريبا مجيبا (3).
قال موسى بن عمران عليه السلام : يا رب اوصني ؛ قال : اوصيك بي ، فقال : يا رب اوصني ، قال : اوصيك بي ـ ثلاثا ـ فقال : يا رب اوصني : قال : اوصيك بأمك ، قال : يا رب اوصني ، قال : اوصيك بأمك ، قال : اوصني ، قال : اوصيك بأبيك ، قال : فكان يقال لاجل ذلك ان للام ثلثا البر ، وللاب الثلث (4).
يا موسى ان انقطع حبك مني لم يتصل بحبل غيري ، فاعبدني وقم بين يدي مقام العبد الحقير ، ذم نفسك وهي اولى بالذم ، ولا تتطاول على بني اسرائيل بكتابي ، فكفى بهذا واعظا لقلبك ومنيرا ، وهو كلام رب العالمين جل وتعالى.
يا موسى متى ما دعوتني وجدتني ، فاني ساغفر لك على ما كان منك ، السماء تسبح لي وجلا ، والملائكة من مخافتي مشفقون ، وارضي تسبح لي طمعا ، وكل الخلق يسبحون لي داخرين.
يا موسى اكرم السائل اذا اتاك برد جميل او اعطاء يسير ، فانه ياتيك من ليس بانس ولا جان ، ملائكة الرحمن يبلونك كيف انت صانع فيما اوليتك ، وكيف مواساتك فيما خولتك ، فاخشع لي بالتضرع ، واهتف بولولة الكتاب ، واعلم اني ادعوك دعاء السيد مملوكه ليبلغ به شرف المنازل ، وذلك من فضلي عليك وعلى آبائك الاولين.
يا موسى لا تنسني على كل حال ، ولا تفرح بكثرة المال فان نسياني يقسي القلوب ومع كثرة المال كثرة الذنوب ، الارض مطيعة ، والسماء مطيعة ، والبحار مطيعة ، فمن عصاني شقي ، فانا الرحمن رحمن كل زمان ، آتي بالشدة بعد الرخاء ، وبالرخاء بعد الشدة ، وبالملوك بعد الملوك ، وملكي قائم دائم لا يزول ، ولا يخفى علي شيء في الارض ولا في السماء ، وكيف يخفى علي ما مني مبدؤه ؟ وكيف لا يكون همك فيما عندي والي ترجع لا محالة.
يا موسى اجعلني حرزك ، وضع عندي كنزك من الصالحات ، وخفني ولا تخف غيري الي المصير.
يا موسى عجل التوبة ، واخر الذنب ، وتان في المكث بين يدي في الصلاة ، ولا ترج غيري ، اتخذني جنة للشدائد ، وحصنا لملمّات الامور.
يا موسى اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم ، واكثر ذكري بالليل والنهار تغنم ، ولا تتبع الخطايا فتندم ، فان الخطايا موعدها النار.
يا موسى طب نفسا عن الدنيا وانطو عنها ، فانها ليست لك ولست لها ، مالك ولدار الظالمين الا لعامل فيها بخير فانها له نعم الدار.
يا موسى اذا رأيت الغنى مقبلا فقل : ذنب عجلت عقوبته ، واذا رأيت الفقر مقبلا فقل : مرحبا بشعار الصالحين ، ولا تكن جبارا ظلوما ، ولا تكن للظالمين قرينا.
يا موسى انظر الى الارض فانها عن قريب قبرك ، وارفع عينيك الى السماء فان فوقك فيها ملكا عظيما ، وابك على نفسك ما كنت في الدنيا ، وتخوف العطب والمهالك ولا تغرنك زينة الدنيا وزهرتها ، ولا ترض بالظلم ولا تكن ظالما فاني للظالم بمرصد حتى اديل (1) منه المظلوم.
يا موسى اذا رأيت الفقر مقبلا فقل : مرحبا بشعار الصالحين ، واذا رأيت الغنى مقبلا فقل : ذنب عجلت عقوبته ، ان الدنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم عند خطيئته ، وجعلتها ملعونة ملعونا ما فيها الا ما كان فيها لي.
يا موسى لا تنسني على كل حال ، فان نسياني يميت القلب.
يا موسى احفظ وصيتي لك باربعة اشياء :
اولاهن : ما دمت لا ترى ذنوبك تغفر فلا تشتغل بعيوب غيرك.
والثانية : ما دمت لا ترى كنوزي قد نفدت فلا تغتم بسبب رزقك.
والثالثة : ما دمت لا ترى زوال ملكي فلا ترج احدا غيري.
والرابعة : ما دمت لا ترى الشيطان ميتا فلا تامن مكره.
__________________________________________________
1 ـ استسب له : عرضه للسب وجره اليه.
2 ـ نفس المصدر : 210ح مجلس 44.
3 ـ نفس المصدر : 214.
4 ـ نفس المصدر : 305.