اختلف المفسرون في معنى قول النبي لوط عليه السلام لقومه : « هؤلاء بناتي هن اطهر لكم ».
ذلك لما رأى لوط عليه السلام ان الاشرار تجمعوا على داره ، وصمّموا على اقتحام الدار ، اراد ان يصرفهم عنه بتبديل ما يريدون من الفحشاء مما لا معصية فيه من الحلال ، فعرض بناته عليهم ورجحه لهم بانهن اطهر لكم ـ اي كان يقصد بذلك تزويجه بناته لهم وتركهم الفحشاء.
وتقييد قوله ـ هؤلاء بناتي ـ بقوله « هن اطهر لكم » شاهد صدق على انه عرض عليهم النكاح بالحلال لا بالسفاح ، وحاشا مقام النبي عن ذلك ـ وذلك لان السفاح لا طهارة فيه اصلا ، وقد قال الله تعالى : « ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن » (1) وقال تعالى : « ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيل » (2) وهذه الاحكام مشرعة من قبل الله تعالى وعامة على كل الانبياء وفي جميع الشرائع الالهية النازلة على الانبياء.
وقيل ايضا : ان المراد بقوله : « هؤلاء بناتي » اشارة منه الى ان نساء القوم هن بناته ، لان النبي ابو امته فنساؤهم بناته كما ان رجالهم بنوه ، ويقرب هذا القول تعبيره عليه السلام ـ بالبنات ـ بنات القوم ، لانه ليس عنده الا بنتان ، وان البنتان لا يصدق عليهن لفظ الجمع.
وهناك من قال : بان بناته مسلمات وهم كفار ، ولا يجوز انكاح المسلمة من الكافر.
نقول : فمن الجائز ان يكون تزويج المؤمنة بالكافر جائزا في شريعة لوط عليه السلام ، كما انه كان جائزا في صدر الاسلام ، وقد زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنته من ابي العاص بن الربيع وهو كافر قبل الهجرة ثم نسخ ذلك. (3)
ويحتمل ان يكون قوله مشروطا بالايمان ، اي تعالوا يا قومي وآمنوا بالله واتركوا الفحشاء حتى ازوجكم بناتي حلالا طاهرا ، وكان يريد بهذا ان يثبت منتهى علاقته بهدايتهم ويوقظ ضمائرهم ووجدانهم.
والملاحظة الاخرى في معنى قوله تعالى : « ولا يلتفت منكم احد » اي لا ينظر احد منكم وراءه او لا يلتفت احد منكم الى ماله ولا متاعه بالمدينة ، او لا يتخلف احد منكم ويتاخر في الخروج ، كما امرهم ان لا يلتفتوا اذا سمعوا الرجفة والهدة ، وقيل : ان امرأته التفتت حين سمعت الرجفة وقالت : يا قوماه ، فاصابها حجر فقتلها.
وذكر ان حجرا بقي معلقا بين السماء والارض اربعين يوما يتوقع به رجل من قوم لوط كان في الحرم حتى خرج منه فاصابه الحجر فقتله.
وقيل : لِمَ كانت لحظة نزول العذاب صباحا ؟
والجواب هو : ان الله عزوجل امهلهم للصبح لعلهم يتيقظون ويرجعون اليه ويتوبون.
او ان الله لم يرد ان يجعل الليل داميا عليهم ، ولذلك فقد امر الملائكة المأمورين بالعذاب ان ينتظروا حتى يجيء الصباح ؟!
او حتى يخرج لوط واهله ويبتعدوا عن المدينة.
وقيل لِمَ قلب الله عاليها سافلها ؟ :
الجواب : ان العذاب ينبغي ان يتناسب مع الاثم ، حيث ان هؤلاء القوم حرّفوا كل شيء عن طريق الانحراف الجنسي وارتكاب ابشع الاعمال والخبائث ، فان الله جعل مدنهم عاليها سافلها ايضا ، وحيث كانوا يترامون بالاحجار الصغيرة ويرمون بها المارة ، فان الله رماهم بحجارة من سجيل لتتهاوى على رؤوسهم ايضا ، وذلك لتشديد العذاب.
وان هذه الاحجار كانت لها علامات خاصة ومميزة تختلف عن بقية الاحجار العادية ، بل هي احجار خاصة لنزول العذاب الالهي ، هي احجار سماوية كل حجر يصيب شخص معين ولا يتخطاه ، وهي اشارة الى دقة الحساب في عقاب الله وجزائه.
ويحتمل ان يكون سبب قلب مينة قوم لوط وجعل عاليها سافلها على اهلها ورميهم بالحجارة ، هو اجراء الحد الشرعي عليهم ، لان الحد الشرعي في اللواط هو القتل ، اما برميهم من اعلى الشاهق او حرقهم ، او رجمهم بالحجارة اذا كانوا محصنين ، وبالشروط المذكورة في الفقه ، لان الحدود الشرعية لها شرائط دقيقة ذكرت في كتب الفقه.
ونقرأ في حديث للامام الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال :
« من جامع غلاما جاء يوم القيامة جنبا لا ينقيه ماء الدنيا ، وغضب الله عليه ولعنه واعد له جهنم وساءت مصيرا.
ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : ان الذكر يركب الذكر فيهتز العرش لذلك. (4)
وعن امير المؤمنين عليه السلام قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال » (5).
وقال عليه السلام : قال : اذا كان الرجل كلامه كلام النساء ، ومشيته مشية النساء ، ويمكّن من نفسه يُنكح كما تُنكح المرأة ، فارجموه ولا تستحيوه. (6)
________________________________________
1 ـ الانعام : 151.
2 ـ الاسراء : 32.
3 ـ الميزان : ج 10 ص 339.
4 ـ وسائل الشيعة ج 14 ص 240.
5 ـ نفس المصدر ص 255.
6 ـ نفس المصدر : ص 159.